سماح إبراهيم تكتب: على هامش الاعتقال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سماح إبراهيم تكتب: على هامش الاعتقال


(8/23 / 2015)

سماح إبراهيم

من صغري شغوفة بسماع الرؤي, أكثر من رؤيتها, وشديدة التأثر بها , أجد في الحديث عنها ترقيق للقلوب, لما تحمله من راحة قلبية أو تنبيه من غفله بفزع قلبي, يعاقبه إصلاح وتغيير, فقد تفسد علاقات أو تقوي أخرى, بسبب تأثير أحاديث أرواحنا السابحة في عالمها الروحي.

" س " زميلتي بالمعتقل, كانت تهتم بهذا الأمر, وتفرغ له جزءاً من وقتها, باقتناء" مجلدات" لتفاسير الأحلام وقراءتها بشكل يومي, كنت أتعجب حقاً من اهتمامها المفرط, فالرؤية تأتي بالأول ثم تتبعها مرحلة البحث عنها وليس العكس، أتساءل بداخلي عن العائد النفعي من قراءة تفاسير لرؤى لم أرها، فالمتعة في وقوع الرؤي وليس التبارك بمعرفتها فحسب.

عامة أوقات القراءة المعتادة للمعتقلات ما بين العصر والمغرب أو قبيل النوم, أما عن الكتب فكانت تدور في فلك "السيرة المحمدية, كتب التذكير بالجنة والنار, رقائق, روايات" وغير مسموح بتبادل أي روايات لها طابع سياسي.

مع كل يوم تمارس "س" مهمتها المعتادة و تسألنا بإلحاح عن أحلام الأمس فلعلها تجد فيها بشارة سماوية تتعلق بأوضاعنا الراهنة.

في الآونة الأخيرة " قبيل خروجي من المعتقل " فضل المعتقلات أن يتكتمن علي بعض أحلامهن إشفاقاً عليها, لتعايش الواقع بقسوته, فلا تعول علي انتظار رؤي قد تتحقق سريعاً, كما أنه ليس بالضرورة أن يسفر التواصل السماوي عن رؤى, فالأصل في العلاقات بين الخالق والمخلوق أن ترى دلائل تواصلك معه -عز وجل- باليقظة, وليس بفترات النوم وغياب الوعي كما يظن البعض.

" س" كانت تشبه فواكه الموالح بالمعتقل, محبوبة ومغضوب عليها في آن واحد, سريعة التقلب المزاجي, عصبية الجدال, تحضر شنطة ملابسها وترتب أغراضها على أمل الخروج, تزيد من إحباطنا دون أن تدري بتعويلها على أسباب السماء بشكل خال من العقلانية, وتجعلنا نستشاط غضباً من اختلال موازين العدالة التي قد تفقدها يوماً عقلها, أو أن تفتن في دينها بتأخير عدالة مستحقة لأسباب غيبة ومقادير ربانية لا يعلمها إلا هو "عز وجل".

يحاولون إقناعها بأن مشاهد انتصار الحق قد تغيب, فلا تستجيب, وتظل تردد بعصبيتها وبسيل من الاتهامات للجميع بعدم الاهتمام لأمرها, نيران ثورتها , لا يخمد إلا بإمساكها "مصحفا".

الشحنة العصبية والتي تمثلها "س" كانت تقابلها شحنة من الأمل والبهجة يصنعها بنات الأزهر, بأحاديثهن التي يتجاذبنها من ذواتنا المعتمة إلى دوائرهن المفعمة بالثورة, بمسيرات تنظم يومياُ لمناهضة الانقلاب, داخل السجن.

فمن أمام العنبر العسكري يقفن في طابور يومي بفقرة التريض بساحة الزنزانة, ويمسكن جرادل الغسيل, وعيدان أخشاب الشجر, وقبل أن تتحرك المسيرة يتم الإعلان عنها, فتتصدر المسيرة إحداهن, وبصوت عال تقول: تعلن طالبات الأزهر عن تحرك مسيرة محدش هيشوفها من أمام باب الزانزنة لحد الكافتريا وراجعين".

يقرعن "الجرادل البلاستكية" بأغاني وهتافات شباب الأولتراس الثورية في انتقاد منهم لرجال الداخلية يرددن: " كان دائماً فاشل في الثانوية, يادوب جاب 70% بالرشوة خلاص الباشا اتعلم، وخد شهادة بمية كلية, ياغراب يامعشش جوه بيتنا .. بتعكر ليه متعة حياتنا ! , مش هنمشي علي مزاجك .. ارحمنا من طلة جنابك .. لفق لفق في القضية , هي دي عادة الداخلية, مسجون مكتوب إرهابي دولي .. ماسك شمروخ وبغني رابعة".

يمثلن مواقف اعتقالهن, ويبتكرن هتافات جديدة ساخرة , ويستبدلن كلمات أغاني الإخوان بكلمات أخرى, لتتحول كلمات نشيد "سنخوض معاركنا معهم .. وسنمضي جموعاً نردعهم" إلى " سنخوض معاركنا معاهم ... بالصلاة علي النبي" هنقطعهم" في إشارة منهم لرجال السلطة المستبدة.

يتحدثن عن الموضة والرجيم ومشاريع صغيرة, عن طرائف ومواقف عابرة لهن بجلسات المحاكمة وتحقيقات النيابة التي تصاغ قبل النطق بها.

هنا.. تفاصيل أعمارنا القادمة باتت لا تهمنا بالدرجة الأولى, نتطلع لقراءة صفحات جيلنا الأخيرة ونستعجلها, كيف ستنتهي ثورتنا التي شاخت في مهدها, متي سيسقط النظام العسكري ومن سيسقطه! و ماذا عن موتتنا حرقا أم رميا بالرصاص أم داخل عربة ترحيلات مثل أصدقاء لنا سبقونا بالمقابر, أم بأرض اغتراب ..

سيهدينا القدر فرصة آخري للعيش بمصالحة "شفهية" تحقن بها الدماء لنتنازل ونقمع حقوقنا الثائرة بداخلنا رغما عنا من أجل أن يحيا آخرون بالسجون والمعتقلات, أم أن أحلام التمكين وتحقيق العدالة الناجزة ليس لنا فيه نصيب !! .. أخبرونا ... وأنقذوا من بالداخل من دوامات الفكر الممرضة فهم رجال ونساء يعولون على تحركات الثوار القادمة.

المصدر