سنة من عمر مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سنة من عمر مصر
تاريخ مصر بالوثائق السرية
البريطانية والأمريكية


غلاف سنة من عمر مصر.jpg

بقلم:محسن محمد

من قفص الاتهام إلى رئاسة الوزارة

انتقل " الدكتور أحمد ماهر " رئيس وزراء مصر من مجلس النواب في طريقة إلى مجلس لشيوخ في الثامنة من مساء 24 فبراير 1945.

ولكن رئيس الوزراء لم يصل إلى مجلس الشيوخ أبدا .. بل انتقل من الدنيا كلها .. إلى العالم الآخر .

في البهو الفرعوني الذي يفصل بين المجلسين أطلق عليه محام شاب اسمه " محمود العيسوي " عدة رصاصات قاتلة .

وقبل منتصف الليل أصبح " محمود فهمي النقراشي باشا " رئيسا لوزراء مصر.. للمرة الأولي ولم يستطع السفير البريطاني " اللورد كيلرن" أن يعترض على اختيار " النقراشي " .. فإن الجريمة وملابساتها والظروف التي تمر بالبلاد فرضت على الجميع ، ألا تبقي مصر ليلة واحدة دون رئيس للوزارة .

كان " النقراشي باشا " هو الرجل الثاني في الوزارة والرجل الثاني في ( الحزب السعدي)

الذي يرأسه " الدكتور أحمد ماهر " ولذلك فإن السفير البريطاني أمضي ليلته سهرا يفكر ماذا سيفعل مع " النقراشي " وماذا سيفعل " النقراشي " مع بريطانيا العظمي ، وبين الاثنين تاريخ طويل من العداء .

ولد " محمود فهمي النقراشي " في 26 أبريل 1888 ويقال إن الدماء الدرزية والشركسية تجري في عروقه!

من أسرة فقيرة بالإسكندرية درس فترة بمدرسة التجارة ، ثم انتقل إلى مدرسة المعلمين العليا حيث حصل على دبلومها .

... ونظرا لتفوقه أرسله " سعد زغلول " – وزير المعا رف – في بعثة إلى انجلترا .

وبعد عودته عين مدرسا بمدرسة رأس التين بالإسكندرية وناظرا لها ثم تقلب في عدة وظائف وأخيرا استقال من الحكومة لينضم إلى الوفد المصري .

وتقول تقارير رجال الأمن العام البريطانيين : إنه نظم إضراب موظفي الحكومة عام 1919 خلال الثورة ، وكان المحرك الأول لإضرابات الطلب عام 1922 .

واستجوبه الإنجليز بتهمة الاشتراك في قتل ضباطهم وجنودهم واعتقلوه شهرا في مايو 1923 ثم أفرجوا عنه لعدم توفر الأدلة.

وعندما تولي " سعد زغلول " الحكم عينه – في يونيو عام 1924 – وكيلا لمحافظة القاهرة فاستطاع أن يحد من نفوذ الضباط البريطانيين .

وفي أكتوبر 1924 اختاره سعد وكيلا لوزارة الداخلية فرفض التعاون مع البريطانيين واتهمه الإنجليز بأنه منه رجال البوليس من التعرض للطلاب المتظاهرين الذين هاجموا الصحف المعارضة للوفد.

واغتيل السردار البريطاني " السير لى ستاك " يوم 19 نوفمبر المندوب السامي " اللورد اللنبي " بعرقلة التحقيق .. وأمر الإنجليز بالقبض عليه يوم 27 نوفمبر أى بعد 12 يوما من الحادث وبقي معتقلا حوالي شهرين بتهمة الاشتراك في الجريمة .

وأعتقله الإنجليز للمرة الثالثة في مايو 1925 بتهمة الاشتراك مع " الدكتور أحمد ماهر " في قضية الاغتيالات السياسية الكبرى وظل معتقلا عاما كاملا حتى صدر الحكم ببراءته و" الدكتور أحمد ماهر " يوم 25 مايو عام 1926 .

وانتخب النقراشي وأحمد ماهر عضوين في مجلس النواب الجديد في نفس العام بعد أن رشحهما الوفد فذهب " نيفل هندرسون " المندوب السامي بالنيابة إلى " عدلي يكن باشا " رئيس الوزارة الائتلافية وقال له .

- إني في غاية الاستياء لترشيح الوفد للرجلين

- وعندما اختيرا عضوين في لجنتي المالية والمعارف بمجلس النواب توجه المندوب السامي الجديد " اللورد جورج لويد" وقال " لعدلي باشا "

- علمت الحكومة البريطانية – مع الأسف الشديد – بالنبأ .

وفي أواخر أيام سعد زغلول سمع " اللورد جورج لويد" أن " سعد زغلول " يفكر في رئاسة الوزارة بدلا من " عبد الخالق ثروت " وأن الوزارة ستضم كلا من " أحمد ماهر ، ومحمود فهمي النقراشي " .... فكتب " اللورد لويد" – يوم 22 أبريل 1927 – إلى وزير خارجية بريطانيا أوستين تشمبرلين " يقول :

" يجب أن نرفض قبول " سعد زغلول " رئيسا للوزارة وأريد تفويضا بأن أبلغه بأننا لن نسمح له بذلك "

وجاء الرد من " تشمبرلين" بعد يومين .

قال وزير خارجية بريطانيا لمندوبه السامي في مصر :

" أنت مفوض بإبلاغ " سعد زغلول " بأن الحكومة البريطانية لن تسمح له بتولي رئاسة الوزارة . وهذا المنع يمتد إلى " أحمد ماهر ، والنقراشي " وآخرين بينهم على سبيل المثال :" مكرم عبيد " ممن تري أن شبهة اشتراكهم في جرائم القتل ، تبر ذلك"

مات " سعد زغلول

ورشح لرئاسة الوفد كل من " مصطفي النحاس ، فتح الله بركت "

" وفتح الله بركات " سياسي أكثر قدرة ودهاء من " النحاس " ومع ذلك فاز " النحاس " واختير رئيس للوفد يوم 27 سبتمبر 1927 .

قال الإنجليز إن " النحاس " نجح بتأثير المتطرفين :" مكرم عبيد ، وأحمد ماهر ، والنقراشي " ... آخرين.

وزاد نفوذ " النقراشي " داخل الوفد فاختير أمينا للصندوق ، ومسئولا عن منظمات الطلبة وعندما تولي " مصطفي النحاس باشا " رئاسة الوزارة ، بعد استقالة" عبد الخالق ثروت كتب المندوب السامي في نفس اليوم إلى لندن:

برقية رقم 170من " اللورد جورج لويد"إلى وزارة الخارجية

بتاريخ 16 مارس 1928

تشكيل الوزارة الجديدة يؤدي لخلو منصب وكيل مجلس النواب وقد طرح اسم " أحمد ماهر ، والنقراشي " كمرشحين لهذا المنصب .

ومعلوماتي أن الوفد يتجنب استفزازنا ويستبعد هذا الترشيح ولكن علينا أن نكون مستعدين لأية طوارئ .

إن تعيين أى منهما في منصب وكيل مجلس النواب سيكون تطورا خطير .

إن وكالة مجلس النواب خطوة طبيعية نحو الترقية إلى منصب أعلي .

وإذا سمحنا بهذا التعيين فلست أري أن بوسعنا – منطقيا – أن نعارض إذا انتهي الأمر – فيما بعد – بتعيين أى منهما رئيس لمجلس النواب .

وفضلا عن ذلك فإن وكيل المجلس يرأس المجلس في غياب الرئيس .

وتجري دار المندوب السامي اتصالاتها أحيانا بوكالة المجلس في مسائل ( البروتوكول) والأعمال الإدارية اليومية .

ومن الجدير بالبحث ، أيضا ، ما إذا كان لائقا أن يحضر مندوب سام الافتتاح السنوي للبرلمان الذي يشغل وكالة مجلس النواب فيه أحد أفراد عصابة اغتيال السردار ؟

إننا نعتقد أن هذين الشخصين تضمهما عصابة الاغتيال وقد أبلغنا الملك بعدم السماح لهما بدخول الوزارة فإذا سمحنا لأى منهما أن يرأس المجلس فإن ذلك قد يشجع الوفد ضدنا وينال من عزيمة العناصر المعتدلة وسيستمد الوفد الشجاعة لاعتقاده بأن تحذيراتنا مجرد أعمال مثالية أفلاطونية .

علينا ن نحاول منع تعيين " أحمد ماهر ، أو النقراشي " وكيلا لمجلس النواب و في أى منصب إداري بالحكومة .

إن أى عمل نتخذه في الوقت المناسب سيصرف الوفد عن الاستمرار في ترشيحهما واقترح أن نجعل " النحاس " يعرف .

بشكل غير رسمي " أن هذا التعيين ستنظر إليه الحكومة البريطانية باعتباره عملا غير ودي من حكومة الوفد .

وفي 22 يونيو 1928 بعث " اللورد لويد" بالبرقية رقم 508 إلى وزير الخارجية في لندن : " استجاب " النحس باشا " إلى طلبي ووضع على الرف اقتراح اختيار " النقراشي أو أحمد ماهر " وكيلين لمجلس النواب .

وهكذا حال الإنجليز منع ترشيح " النقراشي " نائبا فلما انتخب احتجوا على اختياره عضوا في لجنة التعليم ومنعوا ترشيحه وكيلا لمجلس النواب مما يدل على ن موجة العداء لم تهدأ أو تنحسر.

أجريت الانتخابات لمجلس النواب في ديسمبر عام 1929 ففاز الوفد وأصبح محتما تعيين " مصطفي النحاس " رئيسا للوزارة مرة أخري .

والتقي " الملك أحمد فؤاد " بالسير برسي لورين المندوب السامي

قال الملك متطوعا

- لا أقبل أن تضم الحكومة الوفدية .. " النقراشي . أو أحمد ماهر " وكلاهما تهم في قضية الاغتيالات السياسية .

وبعث " السير برسي لورين" إلى لندن يطلب رأيها :

- هل يبلغ " النحاس " بعدم تعيين الرجلين في الوزارة .

أجابت لندن بتعليمات محددة :

" احرص على أن تتفاد أى شئ يتسم بطابع الإنذار ومن الضروري أن نحافظ على أفضل جو ممكن من أجل مقترحات المعاهدة :

وكانت بريطانيا على وشك التفاوض مع النحاس " لتوقيع معاهدة بين مصر وبريطانيا والتقي السير برسي لورين " بالنحاس يوم 11 ديسمبر قال المندوب السامي :

سيكون من الصعب على الحكومة البريطانية أن تجمع بين التصريحات الوفدية الودية وبين تعيين مصريين – يعتقد أنهما مدبرا حملة الاغتيالات ضد الرعايا البريطانيين في مناصب الوزراء .

أما في حالة سريان مقترحات المعاهدة التي تم الاتفاق عليها مع رئيس الوزراء السابق " عبد الخالق ثروت " فيمكن – حينئذ – دفن الخلافات ولا يكون على الحكومة البريطانية أن تفحص سجلات ماضي الوزراء في حكومة حليفة .

ألح " النحاس " بشدة على المندوب السمي أن يتخلي عن اعتراضه على ضم " ماهر والنقراشي " للوزارة قائلا :

- هذا لمصلحة المعاهدة . إن وجود هذين الوفديين الهامين في الوزارة سيساعد إلى درجة كبيرة على أن يجعل البلاد تقبل التنازلات ، التي أعلم أن على مص تقديمها إذا كانت المعاهدة ستتم .

- وقال النحاس

- إن استبعادهما سيعزي إلى بريطانيا العظمي في حين أن اشتراكهما في الوزارة سيكون دليلا على ن عهدا جديدا قد بدأ في العلاقات الإنجليزيةالمصرية .

ويبلغ " السير برسي لورين " نص الحديث لوزير الخارجية .

ويجئ الرد من لندن :

" التعليمات السابقة مستمرة "..

ومعناها منع إسناد الوزارة إلى " ماهر . أو النقراشي "

ويسلم المندوب السمي إلى " النحاس باشا " مذكرة توضح بصورة ودية – ولفكن لا لبس فيها – آراء الحكومة " ليقرأها النحاس فحسب ولا يحتفظ بها !

قرأ ا" النحاس " المذكرة وأعادها إلى " السير برسي لورين " قائلا :

- سأستسلم إذا أصرت بريطانيا ولكني ما زلت عند رأيي بأن اشتراك " ماهر والنقراشي " سيساعد على تمرير المعاهدة .

- ويقترح النحاس كحل وسط ضم أحد الرجلين إلى الوزارة .

- وكتب المندوب السامي إلى لندن قائلا :

- " أوصي – إذا وافقتم – على اشتراك " النقراشي " في الوزارة فلم تكن هناك أدلة كافية لإدانته في قضية الاغتيالات السياسية الكبرى حسب رأي رئيس المحكمة القاضي " كيرشو" وتوافق لندن ويصبح " محمود فهمي النقراشي " وزيرا للمواصلات يوم أول يناير 1930 في وزارة" مصطفي النحاس باشا " الثانية !

ويكتب " السير برسل ورين " بعد ذلك إلى وزير خارجيته قائلا :

" لم تكن قائمة الوزارة مطمئنة فقد اعتبرت الجالية الأوربية النقراشي " شخصا أفلت من الإعدام وكان مستحيلا مقاومة الإحساس بالقلق لأنه تولي مسئولية الوزارة التي يعمل بها أغلبية الموظفين البريطانيين ".

وتستمر هذه الوزارة في الحكم أقل من ستة شهور.

ويختار " النقراشي " عضوا في الوفد الذي أجري مفاوضات معاهدة عام 1936 ويعود وزيرا للمواصلات مرة أخري في وزارة " النحاس" التي شكلت يوم 9 مايو عام 1936 وتبدأ الخلافات بين " النقراشي " والنحاس "

وتزداد الأمور سوءا لأن " النقراشي " اختلف مع " مكرم عبيد " أيضا ويتوقع الجميع حدوث انشقاق في الوفد .

ويزور " الأمير محمد علي " الوصي على العرش – يوم 15 سبتمبر 1936 " دافيد كيللي " القائم بأعمال السف البريطاني ويقول له :

إن وجهة النظر القائلة بأن " أحمد ماهر ، والنقراشي " قد ينفصلان عن "النحاس ومكرم "ويبدءان معارضة في الوفد ترجع إلى أنهما الرجلان القويان في الحزب .

القادران على التصدي للزعماء الراسخين ولكن الاعتقاد العام أنه ليس من المحتمل حدوث الانشقاق إن "ماهر .

والنقراشي" من صل متواضع – ولكنهما يعاملان إخوانهما بغطرسة وإدعاء.

وسلوك " أحمد ماهر " – رئيس مجلس النواب – وقح .. تجاه النواب .. ولا يبالي بترحيبهم " والنقراشي " مثله في افتقاره للباقة .

ونتيجة لذلك أصبح معظم زملائهما الآن صدهما .

أما " مكرم " فعلي العكس .

إنه بالغ التهذيب مع الناس من كل الطبقات وأنا – أى الوصي على العرش – مع الاعتقاد السائد .

بأن " أحمد ماهر ، والنقراشي " لن يكونا في مركز يسمح لهما بمعارضة " النحاس . ومكرم " بصورة ناجحة .

وهناك سبب لخوف " النحاس ومكرم من " أحمد ماهر " وهو الاعتقاد بأنه ما زال على اتصال بعملائه الإرهابيين السابقين.

رد " دافيد كيللي ط قائلا :

- إن " النحاس ومكرم" كانا تحت حراسة جيدة قبل سفرهما إلى أوربا خوفا من محاولة قتلهما من جانب عملاء " أحمد ماهر "

- قال " الأمير محمد على ":

- النحاس ومكرم " يريدان حكم البلاد ويرفضان الاستماع إلى أحد إن الحكومة البريطانية عندما عقدت معاهدة مع مصر لم تكن تعتزم تسليم البلاد إلى " مكرم والنحاس " .

- والآن نتيجة للمعاهدة سيستبدل الأكفاء في الوظائف بمحسوبي الوفد ويمتلئ البوليس بالعملاء الوفديين ويصبح تحت سيطرة الوفد الكاملة .

- وبقي " النقراشي " في الوزارة 5 شهور أخري .

ثم بدأ الانقسام يطفو مرة أخري على السطح وتتابع برقيات السفير البريطاني " السير مايلز لامبسون" إلى لندن تصف تطورات الخلاف بين النقراشي والنحاس " وتمرد " النقراشي على النحاس "

في 16 فبراير عام 1973 كتب " السير مايلز لامبسون" في برقيته رقم 209 إلى لندن

فقد " النحاس " بعض شعبيته إن زوجته القروية الشابة جاهلة بحياة الوزراء ورغباتها جعلت " النحاس " يبدو مضحكا .

إنها – أى قرينة النحاس – تتصل بالوزراء مباشرة لترقية وتعيين أقاربها .

وقد أبلغني الوصي على العرش – بعد وفاة الملك فؤاد – أن النحاس أرغمه – في أغسطس 1936 – على توزيع 850 لقبا ووساما على أنصار الوفد وقد أدي هذا لخيبة أمل "

وفي 19 مارس قالت برقية " السير لامبسون " رقم 343

" إن رئيس الوزراء – النحاس – يحقق آمال أتباعه الذين عينهم في مناصب حساسة " والنحاس" وزملاؤه – باستثناء " ماهر والنقراشي " – تنقصهم الكفاءة الإدارية "

سافر " النحاس " إلى " موتريه" ليوقع اتفاق إلغاء الامتيازات الأجنبية. ويكتب " لامبسون " إلى لندن يوم 9 يونيو :

" على " النحاس " أن يواجه بعد عودته المنشقين في حزبه وبالذات " النقراشي و" النحاس " مستعد لإبقائه في الوزارة إذا أسقط – سياسته الوضيعة بمقاطعة الإنجليز.

ويري النحاس " أنه إذا لم يسيطر على " النقراشي " فإن سياسة التعاون مع الإنجليز ستخرب .. و" النحاس " ليس مستعدا لهذه المغامرة "

وفي يوم 16 يونيو يكتب " السير مايلز لامبسون :

" ابلغني " أمين عثمان باشا " أنه في الوقت الذي لا يصمم فيه " النحاس باشا " على إخراج" النقراشي " من الوزارة فإنه قد يضطر إلى ذلك .

ما لم يغير " النقراشي باشا " موقفه المعطل والمعادي للبريطانيين.

ويبدو ن " النقراشي باشا " مصمم على إبعاد كل الموظفين البريطانيين في إدارته وغيرها من الإدارات والقضاء على كل النفوذ البريطاني حيثما وجد.

باختصار " النقراشي " معاد للبريطانيين في مشاعره بصورة جوهرية .

أما " النحاس باشا" فقد جعل التعاون الإنجليزيالمصري بمثابة حجر الزاوية في كل سياسته .

وهكذا كان " النحاس " مهتما للغاية بالتعاون بكافة الطرق مع حكومة صاحب الجلالة وما لم يكن " النقراشي باشا " مستعدا لأن ينتظم في الخط . فسيكون عليه أن يمضي .

قلت " لأمين عثمان باشا "

- ليس فيما سبق شئ يمكنني أن أعترض عليه .

ومعني ذلك أن " أمين عثمان " يبلغ السفير البريطاني أن " النقراشي " ضد الموظفين الإنجليز في الحكومة .

وفي وزارة المواصلات بالذات ويريد إخراجهم جميعا ولذلك فإن " النقراشي " هو الوزير الذي يجب أن يخرج .

ويوافق السفير البريطاني على ذلك . بطبيعة الحال .

وفي 26 يوليو يري السفير البريطاني " أن النقراشي " سيترك الوزارة بعد أن هدد – مرتين – بالاستقالة ".

ويقول السفير في برقيته إلى لندن:

" أظهر" النحاس " صفات التعقل السياسي فهو مؤمن بالتعاون المصري البريطاني الكامل وأثبت دليلا على ذلك في مفاوضات " مونتريه"

وظهر تصميم " النحاس" على التعاون . بكل قلبه . في نيته التخلص من " النقراشي " الذي أظهر رغبة محمومة في التخلص .

من كل إنجليزي يعمل في خدمة الحكومة المصرية . وأبلغني " النحاس" بطريقة سرية – أنه بعد موافقة " الملك فاروق " سيحدث تعديلا وزاريا يسقط به " النقراشي " وآخرين من الوزارة .

ويكتب السفير إلى " أنتوني إيدن" وزير الخارجية البريطاني :

" النقراشي " ينتقد زعامة " النحاس " منذ فترة طويلة وقد اختلف " النقراشي " مع " مكرم " مما جعل الأمور تزداد سوءا ".

ويقدم " النحاس " استقالة الوزارة كلها إلى " الملك فروق " يوم 31 يوليو 1937 فيعهد إليه بتشكيل الوزارة مرة أخري فيؤلفها خلال 3 أيام بعد تعديلها ..

أخرج " النحاس" من الوزراء أولهم " النقراشي " بعد أن أمضي في الوزارة 15 شهرا ... تولي خلالها منصب وزير المواصلات 3 مرات .

وقيل ونشر الكثير عن أسباب الخلاف بين النحاس والنقراشي .

فالنحاس بعد وفاة أعدي أعدائه – وهو الملك فؤاد وبعد توقيع المعاهدة . وإلغاء الامتيازات وجد أن من حقه " أن يتسامي ويتكبر على زملائه القدامي في الوفد.. فأطلقوا ألسنتهم في انتقاده"

وقيل إن زواج " النحاس " غير المتكافي من شابة تصغره بثلاثين عاما تقريبا جعلها تعين أقاربها في مناصب هامة ..

وسبب أخير وهو نفوذ " مكرم عبيد" وسيطرته على " النحاس"

قال لى الكاتب الصحفي " مصطفي أمين ":

عين " توفيق نسيم باشا " عام 1935 أبناء شقيقة " النحاس " موظفين في البرلمان والبرلمان لا يتقيد باللوائح المالية للدولة ومن ثم يستطيع منح ، غير المؤهلين ، مرتبات عالية ورأت قرينة " النحاس " تعيين أشقائها وأقاربها أيضا

ومن البرلمان انتقلت الاستثناءات لوظائف الدولة.

ومن أشقاء قرينة النحاس إلى أقارب زوجات الوزراء .

واحتج محمود فهمي النقراشي داخل مجلس الوزراء فقال النحاس :

- إن " سعد زغلول " أعطي استثناءات للوفديين وأراد تعيين أقاربه ، وقال إنه كان يتمني أن تكون الحكومة كلها ( زغلولية).

رد " النقراشي ":

- " سعد زغلول " أراد تعويض ثوار عام 1919 . الذين سجنوا ، والذين حرموا من التعليم أو منعوا من استكمال دراستهم ، بسبب الاعتقالات والمحاكمات ، أما تعيين أقارب الوزراء وأقارب زوجات الوزراء فلا أوافق عليه "

وكانت هذه هي البداية .

كتب الأستاذ" عبد الرحمن الرافعي " في الجزء الثاني من كتابه " في أعقاب الثورة المصرية "

كان " النقراشي " دعامة كبري من دعائم الوفد.

وحجة " النحاس " في إخراجه . أنه كان كثير المعارضة داخل الوزارة .وأن سير العمل يقتضي تجانسا .

وكن " النقراشي يعارض في تصرفات تمس سمعة الحكم وسلامته فعارض في الاستثناءات والمحسوبيات وكان على حق في هذه المعارضة .

" والنحاس " بعد زواجه وعقد معاهدة 1936 تساهل فيما تقتضيه النزاهة والاستقامة وقد عارض " النقراشي " في تنفيذ مشروع توليد الكهرباء من خزان أسوان بالطريقة التي ارتآها " النحاس"

طلب " النحاس " إلى الوزراء – في مجلس الوزراء – الموفقة على المشروع دون دراسة كافية وأن يقروا إعطاءه لشركة الكهرباء الإنجليزية دون عرضه على خبراء عالميين ودون طرحه في مناقصة فاعترض " النقراشي " و" محمود غلب " وزير الحقانية " ومحمد صفوت " وزير الأوقاف .

وطلبوا التريث واستيفاء الدراسة وطرح المشروع في مناقصة عالمية وعرض الموضوع على البرلمان قبل الاتفاق .

وإخراج " النقراشي " كان نقطة التحول في سياسة الوفد فأخذ يسلك سبيلا لا يتفق مع الروح القومية ولا مع الاستقامة والنزاهة "

ويقول " الدكتور محمد حسين هيكل باشا في مذكراته:" إن بعض الشركات العالمية عرضت استنباط الكهرباء من مساقط المياه بخزان أسوان بمبلغ 5 ملايين جنيه في حين طلبت الشركة الإنجليزية 7،200،000 ومن هنا كان تمسك " النقراشي " وزملاؤه بضرورة طرح العملية في مناقصة وتمسك الوزراء الآخرون بالشركة الإنجليزية بحجة ن لهذه الشركة سرا فنيا لا يمكن إفشاؤه وهذا السر يبيح للحكومة المصرية التجاوز عن المناقصة إلى الممارسة "

وخطب " النحاس " في 30 أغسطس 1937 بالإسكندرية فشرح الخلافات المتكررة في مجلس الوزراء بين " النقراشي " من ناحية " ومكرم عبيد" من ناحية أخري .... فقال :

" رأيت إخراج " النقراشي " برضائه مع الاحتفاظ بوفديته "

عرض " النحاس" على النقراشي" أن يكون عضوا في مجلس إدارة شركة قناة السويس بمرتب 5000 جنيه سنويا وهو مرتب ضخم في ذلك الوقت .

وأي السفير البريطاني في هذا العرض ( ضربة معلم ) من " النحاس "

إذا قبل " النقراشي " الوظيفة والمرتب الضخم، فإنه يتحول من سياسي إلى رجل أعمال يلتزم الصمت خوفا على مصالحه.

ويستفسر السفير البريطاني يوم 7 أغسطس من " أمين عثمان " الذي يقول :

- إن "النقراشي " لا يريد الربط بين خروجه من الوزارة وقبول عضوية مجلس إدارة قناة السويس " النقراشي " يريد أن تمر فترة يقبل بعدها المنصب .

- ويقول " أمين عثمان " للسفير :

- - " النقراشي " قال " للنحاس " إنه لن يغضب إذا عرض منصب قناة السويس على غيره .. " والنحاس " من ناحيته لا يري نفسه ملزما بشئ " النقراشي "

- ولكن " النقراشي " يمضي في طريقه بعيدا عن قناة السويس ورجال الأعمال .. الوفد ويصدر "النقراشي، ومحمود غالب ، ومكرم عبيد " بيانات متناقضة عن أسباب الاستقالة مما ساعد على زيادة الخلافات بين " النقراشي ، والنحاس "

وتكون النهاية بين " النحاس ، والنقراشي " عندما أصدر الوزير السابق بيانا يوم 6 سبتمبر ذكر فيه موقفه من مشروع كهربة خزان أسوان بدون مناقصة ودعا حكومة الوفد إلى المساواة بين المصريين واحترام حرياتهم وحل جميع فرق القمصان المؤيدة للوفد ولخصوم الوفد أيضا ورفض عضو واحد الموافقة على هذا القرار وهو " الدكتور أحمد ماهر " رئيس مجلس النواب الذي أصر على أنه يعتبر " النقراشي " عضوا في الوفد !

وفي أوائل يناير 1938 قرر الوفد فصل " الدكتور أحمد ماهر " الذي أنشأ مع "النقراشي ( الحزب السعدي)

وبعد 10 شهور من خروج "النقراشي" نجده وزيرا للداخلية في وزارة " محمد محمود " لمدة 14 شهرا .

وكانت وزارة الداخلية تمنح الصحفيين وغيرهم مصروفات سرية .

وقد رفض " النقراشي " كوزير للداخلية أن يصافح أحد حصل على هذه المصروفات وكان يترك لسكرتيره لقاء هؤلاء الصحفيين وتقديم المرتبات والمكافآت السرية لهم ولكنه – شخصيا – لا يستقبلهم أو يصافحهم .

وعين " النقراشي" وزيرا للمعارف في وزارة " على ماهر عام 1939 لمدة 10 شهور ووزيرا للداخلية شهرين ونصف في وزارة " حسن صبريعام 1940 ومنها نقل للمالية 19 يوما فقط ثم استقال عندما قرر الحزب السعدي لانسحاب من الوزارة .

وعندما تولي " الدكتور أحمد ماهر " رئاسة الوزارة في 9 أكتوبر عام 1944 اختار " النقراشي " وزيرا للخارجية وظل يشغل هذا المنصب حتى مساء 24 فبراير 1945 عندما عين رئيسا للوزارة بعد مصرع " أحمد ماهر "

وهكذا جاء " محمود فهمي النقراشي " إلى رئاسة الوزارة !

وصفه الكاتب الصحفي " محمد زكي عبد القادر " بأنه " ... رجل ممتلئ له وجه مشرق تبدو عليه الصحة وفي عينيه بريق تشعر منه لأول وهلة بوميض من التصميم والعزم والاستقامة .

لم تكن حياته كثيرة ولا مجاملاته كثيرة .

ولعله يعتمد على وجهه الذي وإن لم يكن معبرا إلا أنه يوحي حتما بالصدق والاطمئنان رأيته في قفص الاتهام .

حبل المشنقة قريب من عنقه ، وهأنذا أراه الآن وهو على مقعد رئيس وزراء مصر من كان يتصور وأنا جالس في قاعة جلسة الإحالة بمحكمة جنايات مصر مبهور الأنفاس مأخوذا برهبة الموقف والقاضي البريطاني " كيرشو" يحدجه وزميله " أحمد ماهر "

بنظرات فيها الغيظ والحقد .. والرجل صامد ساكت مؤمن صابر مبتسم .

من كان يظن أن الأيام ستجمعني به الآن وهو رئيس للوزراء !

هذا المكافح العظيم هذا الوطني المتقد حماسة الذي خرج من صفوف المدرسين ليكون ثائرا عظيما وإنسانا يكاد يقدم رقبته فداء وطنه .

ما أعجب المقادير وما أعظم الدرس الذي تعطيه للخاملين المسالمين القابعين يخشون الخيال والحقيقة ويجفلون من مجرد التفكير في عمل من أعماله البطولة .

الدرس الأول ... لناظر المدرسة لم يكن الملك مستريحا "للنقراشي "

التقي " بالدكتور محمد حسين هيكل باشا " ورئيس مجلس الشيوخ عقب اغتيال " أحمد ماهر " فقال للملك :

أخشي أن يكون " النقراشي " ممن لا يسهل التعاون معهم لقد حدثت بين وبين " الدكتور ماهر " ألوان من الاحتكاك أول عهده بالوزارة ثم تفاهمنا تمام التفاهم وصرنا صديقين أما النقراشي " فلا أظن فيه المرونة التي كانت في " ماهر "

كانت الظروف المحيطة " بالنقراشي صعبة للغاية "

صديقه وزميله في الكفاح ضد الإنجليز اغتيل داخل البرلمان بطريقة كان لها وقع الزلزال في مصر . منذ اغتيال رئيس الوزراء " بطرس غالي باشا " عام 1910 .

والسفير البريطاني يعاديه ويري فيه خصما قديما للإنجليز منذ الاستقلال وعلى امتداد 21 عاما متصلة .

" ومصطفي النحاس " يعتبر " النقراشي " منشقا على الوفد .

ومن ألد أعدائه لأنه تمرد على الزعامة الوفدية واتهمها – وهو عضو في الوفد – بعدم النزاهة .

ولم يكن هؤلاء هم كل خصوم " النقراشي " ولكنهم كانوا أقوي هؤلاء الخصوم بدأت مشاكل " النقراشي " بعد منتصف الليلة التي عهد إليه فيها بتشكيل الوزارة كانت المشكلة مع صاحب الجلالة نفسه!

فكر الملك فاروق" في بقاء الوزارة كما هي . وأن يعين " النقراشي " رئيسا لها فالوزارة باقية ورئيسها وحده . مات . ويعين بدله .

أجاب " الدكتور هيكل" على " فاروق " قائلا :

- الوزارة سقطت بوفاة " ماهر باشا" ولم يبق لها وجود .

والتقاليد الدستورية تقضي بأن يعهد الملك إلى من يؤلف الوزارة من جديد

وينضم الوزير " محمود باشا حسن" الذي كان رئيسا لقضايا الحكومة إلى رأي " هيكل باشا " وكذلك فعل باقي الوزراء .

ويكون رأي " النقراشي " أيضا أنه لابد من أمر ملكي بتأليف الوزارة .. ولابد من أن يرفع " النقراشي " إلى الملك أسماء الوزراء ، ولابد من صدور مرسوم ملكي بتشكيل الوزارة وينزل الملك على رأي الجميع.

كتب " الملك فاروق " إلى " النقراشي " وهو يكلفه بتشكيل الوزارة

" عزيزي

أحزنني حاد الاعتداء الفظيع الذي أودي بحياة المغفور له " أحمد ماهر باشا "

ولما عهدناه فيكم ، أصدرنا أمرنا إليكم للأخذ في تأليف هيئة الوزارة وعرض المشروع علينا"

ويرد " النقراشي " قائلا :

" لست أخفي يا مولاي أنها مهمة شاقة وقد رأيت أن أشرك معي في الوزارة حضرات الوزراء الذين اشتركوا مع المغفور له " الدكتور أحمد ماهر " في وزارته "

ولكن " النقراشي " لا يختار .

بقي كل وزراء " أحمد ماهر " كما هم فرضهم الملك وفرضتهم ظروف الاغتيال ، وفرضتهم الأحداث السياسية القائمة في ذلك الحين ... وعداء كل الأحزاب المؤتلفة في الحكم للوفد.

كانت الوزارة مؤلفة من 13 وزيرا يمثلون 4 أحزاب سياسية .

" الهيئة السعدية" و " الحزب السعدي الذي أصبح رئيسا له .. وله 4 وزراء " محمود غالب باشا وزير الأشغال ، " إبراهيم عبد الهادي" وزير الصحة ، " وعبد الرازق السنهوري بك " وزير المعارف " وعبد المجيد بدر بك " وزير الشئون الاجتماعية .

والأحرار الدستوريون ولهم 4 وزراء هم " الشيخ مصطفي عبد الرازق باشا " وزير الأوقاف " وأحمد عبد الغفار باشا وزير الزراعة ، " إبراهيم دسوقي أباظة " وزير المواصلات " وحنفي محمود بك " وزير التجارة والصناعة ..

والكتلة الوفدية ويمثلها 4 وزراء هم رئيس الحزب مكرم عبيد باشا وزير المالية " وطه السباعي بك " وزير التموين ، " وراغب حنا بك " وزير الدولة والسيد سليم " وزير الدفاع الوطني .

والحزب الوطني ورئيسه " حافظ رمضان باشا " وزير العدل .

واحتفظ " النقراشي " لنفسه بوزارتي الداخلية والخارجية بالإضافة إلى رئاسته للوزارة.

بعد انتهاء الحرب الأولي قامت ثورة 1919 في مصر تطالب بالاستقلال وجلاء القوات البريطانية عن مصر .

وفي سنة 1945 كانت مصر تطلب الاستقلال الكامل وجلاء القوات البريطانية ، وتعديل المعاهدة ، وخروج " اللورد كيلرن " الذي حكم مصر منذ عام 1934 رأي المصريون أنهم قدموا تضحيات كثيرة ساعدت الحلفاء على تحقيق النصر ولذلك فمن حقهم أن تكون لهم السيادة على أرضهم .

وإذا كان المصريون عام 1919 يبكون قتلاهم الذين أرغموا على المشاركة في الحرب وينعون محاصيلهم التي استولي علها الإنجليز في الحرب الأولي .

فإن المصريين في عام 1945 كانوا يريدون عملا لعشرات الألوف من المصريين الذين ستستغني عنهم القوات البريطانية والأمريكية وإصلاح المرافق الذي لم يتم بسبب الحرب التوسع في التعليم .. الخ.

وأراد المصريون الإفراج عن أرصدتهم المجمدة في بريطانيا فقد حدث خلال سنوات الحرب أن أخذت بريطانيا من مصر القطن المصري وغيره بالجنيه المصري الذي اشترته بريطانيا من البنك الأهلي المصري ووضعت الثمن بالعملة الصعبة في لندن .

وتجمعت هذه الأرصدة الإسترلينية حتى وصلت إلى نحو 400 بليون جنيه إسترليني خلال سنوات الحرب واحتاجت إليها مصر لتشتري ما تريد .

ولكن بريطانيا اتفقت مع مصر على منحها 10 ملايين جنيه إسترليني فقط خلال عام 1945 وبعض القمح والسماد !

تجمعت المشاكل أما " محمود فهمي النقراشي " بصورة لم تعرفها مصر إلا بعد الحرب العالمية الأولي .

وكانت الحرب العالمية الثانية في مراحلها الأخيرة .

في اجتماع مشترك بين مندوبين لوزارة الشئون الاجتماعية المصرية وحضور ممثلين للقوات البريطانية .. قدم البريطانيون البيانات التالية ردا على أسئلة الجانب المصري .

1- يحتمل بعد استسلام ألمانيا بفترة تخفيض كبيرة عدد العاملين المصريين المدنيين في القوات البريطانية تدريجيا .. ومن غير المحتمل أن تجري تخفيضات كبيرة في العمال المهرة قبل انتهاء الحرب مع اليابان .

2- السلطات العسكرية غير مستمدة للاحتفاظ بعمال يزيدون عن حاجتها لأسباب اقتصادية ولكنها ستبلغ الحكومة المصرية قبل فصل العمال – بأطول مدة ممكنة .

3- تبحث السلطات البريطانية مسألة منح تعويضات للكتبة .

والمراقبين والحرفيين المفصولين ولكنها غير مستعدة لأكثر من ذلك.

أغربت السلطات المصرية عن خيبة أملها لأن الجيش البريطاني غير قادر على دفع تعويضات للجنب الأعظم من العاملين إن الكتبة والمراقبين والحرفيين لا يشكلون سوي قسم صغير من مجموع العاملين .

أوضح ممثلو القوات البريطانية وجود صعوبات إدارية كبيرة تواجه دفع تعويضات للعمال غير المهرة لأن سجلات الجيش لا توضح مدة الخدمة .

... والجيش لا يتصور إمكانية دفع تعويضات لعمال دون أن يكون واثقا من مدة عملهم ولا يتصور إمكانية دفع تعويضات للجميع نظرا للنفقات الكبيرة التي سيتكبدها "

هذه هي المشكلة الأولي العاجلة التي يواجهها " النقراشي "

وكانت أمام " النقراشي " مشاكل خري من التنظيمات والأحزاب الجديدة : الإخوان والشيوعيون ومصر الفتاة والجيل الجديد من المصريين الذين تعلموا ويتمنون حياة اجتماعية وسياسية أفضل بعد انتهاء الحرب .

والجو السياسي كله بالغ التعقيد ومراكز القوي متعددة .

كان " الملك فاروق " يحكم مصر جلس على العرش يوم 6 مايو 1936 وعمره 17 سنة وفي عهده وقعت معاهدة 36 مع بريطانيا .

وخلال السنوات التسع الأولي في حكم " فاروق " تولي رئاسة الوزارة كل من " مصطفي النحاس ومحمد محمود، وعلى ماهر وحسن صبريوحسين سري، ومصطفي النحاس وأحمد ماهر" أى 7 رؤساء وزارات فكان متوسط عمر الوزارة أقل من عشرين شهرا وقد مات من هؤلاء اثنان هما " حسن صبري، وأحمد ماهر " داخل مبني البرلمان الأولي وهو يلقي خطاب العرش والثاني بعد ألقي خطاب الحرب ، الذي يطالب فيه بإعلان مصر الحرب على كل من ألمانيا واليابان .

وقد حل الملك مجلس النواب 3 مرات منذ تولي سلطاته الدستورية.

وأقال الملك " مصطفي النحاس باشا " رئيس الوزراء وزعيم حزب الوفد مرتين فالملك يعصف بالدستور عندما يريد!

وكان " احمد حسنين باشا" رئيسا للديوان الملكي..

وهو – رجل الملك - يكره الوفد ، وعلى صلة طيبة بالإنجليز .

وكان " اللورد كيلرن" هو سفير بريطانيا في مصر .

وصل إلى مصر يوم 7 يناير عام 1934 باسم " السير مايلز لامبسون " مندوبا ساميا لبلاده . وبعد توقيع المعاهدة أصبح سفيرا .

وكان يجب أن ينقل من مصر ليبدأ عهد جديد في العلاقات المصرية البريطانية ولكن " كيلرن " استمر يحكم بعقلية المندوب السامي .

إنه يعارض أية حكومة ليس له يد في تعيينها ..

وكان يجمع الأحزاب الائتلافية المشاركة في الحكم برئاسة " أحمد ماهر " هدف واحد هو العداء للوفد ولرئيسه " مصطفي النحاس" ولكن قتل " أحمد ماهر " وظهرت الخلافات داخل الوزارة وبرزت الطموحات والأطماع .

الدكتور محمد حسين هيكل باشا " ورئيس حزب الأحرار الدستوريين ورئيس مجلس الشيوخ يري أنه أحق برئاسة الوزارة من " النقراشي "

وهيكل باشا " تولي رئاسة تحرير جريدة " السياسة" الناطقة باسم الحزب فترة طويلة وتولي منصب الوزارة عدة مرات .

وفي وزارة " أحمد ماهر " طلب أن يتولي وزارتين في وقت واحد : المعارف العمومية والشئون الاجتماعية وكان يأمل أن يرفض طلبه فلا يشترك في الوزارة ولكن طلبه أجيب وعندما عدلا " أحمد ماهر " وزارته بعد إجراء الانتخابات في 8 يناير 1945 طلب " هيكل باشا " أن يترك الوزارة وأن يعين رئيسا لمجلس الشيوخ فأجيب إلى طلبه أيضا " ومكرم عبيد" 60 سنة رئيس حزب الكتلة .

كان " مكرم سكرتيرا عاما للوفد ثم اختلف مع " النحاس " فاستقال " النحاس " وأعاد تشكيل الوزارة بدون " مكرم " ثم فصله من الوفد عام 1942 وألف " مكرم عبيد " الكتاب الأسود " يروي فيه فضائح " النحاس" ويوجه إليه وإلى أسرة قرينته اتهامات شتي .

ويري " مكرم عبيد " أن رئاسة " النقراشي ليست أمر طبيعيا فإنه أى – مكرم – أقدم من " النقراشي " ومن " أحمد ماهر " في الوفد وكان سكرتيرا عاما للحزب يسبقهما في كل شئ ولم يخف " مكرم عبيد " هذا الشعور أبدا وكان الخصم الأول " للنقراشي " داخل الوزارة "وكان " حافظ رمضان " رئيس الحزب الوطني ضد مبدأ مفاوضة الإنجليز ..

وعلى حد تعبير الدكتور محمد حسين هيكل باشا " في مذكراته .. قال

"..... كانت في الوزارة عوامل داخلية تضعفها "

اجتمع الأقطاب الثلاثة :" روزفلت الرئيس الأمريكي وستالين زعيم روسيا ، وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا " في مصر ليفاديا – القصر الصيفي السابق للقصر – بمدينة يالتا على شاطئ القرم يبحثون مستقبل العالم بعد الحرب .

بدأت الاجتماعات يوم 4 فبراير 1945 واستمرت أسبوعا وصدر قرار بعقد مؤتمر الأمم المتحدة " لتنظيم العالم " يوم 25 أبريل 1945 بمدينة سان فرانسسكو .

وتقرر أن تدعي للاجتماع الدول المتعاونة في الحرب وكذلك الدول التي تعلن الحرب على ألمانيا في موعد أقصاه أول مارس .

روي " السير الكسندر كادوجان " الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية في مذكراته ما جري في تلك الاجتماعات فقال :

" إن الزعماء الثلاثة الكبار لم يكونوا يعرفون عما يتحدثون ويناقشون .

كان " تشرشل " يجهل كل شئ عن تنظيم الأمم المتحدة ورفض أن يقرأ أية كلمة قدمت إليه ومع ذلك فإن هذا الرجل العجوز السخيف انطلق يتكلم عن المنطقة العالمية وما قاله كان على العكس تماما مما اتفقنا عليه مع الأمريكيين وقد اضطررت – أى " كادوجان " إلى أن أقول للأمريكيين – سرا ألا يأخذوا اقتراحات " تشرشل" على محمل الجد ووعدتهم بإصلاح الأمر .

وكان " تشرشل" يحتسي ( جرادل ) كاملة من الشمبانيا تتلف صحة الإنسان العادي وكان إيدن سطحيا .

وقد اضطررت أن أشرب نخبا في صحة الدبلوماسي السوفيتي " فيشنسكي " الذي لا تساوي صحته قرشا واحدا عندي ولا أحب أن أقول شيئا طيبا عنه ولكن لا يضيرني أن أشرب نخبا في صحته .

أما الرئيس " روزفلت " فغير مهتم بما نفعله وكان طبيب " تشرشل" و" اللورد موران " يري أن " روزفلت" هو أول من سيموت من الزعماء الثلاثة وضعف صحته هو سر عدم اهتمامه .

وفي آخر يوم لمؤتمر يالتا عرفنا – أى الإنجليز – أن " روزفلت " تفاوض مع " الروس " سرا في شروط دخولهم الحرب ضد اليابان .

وقد احتج " إيدن" على ذلك وقال إن روسيا تحارب لحسابها وكان يجب على " روزفلت " أن ستشير الصين .

ووقف " إيدن" ضد الاتفاق الذي عقده " روزفلت ، وستالين "

وطلب " ايدن " من تشرشل" أمام " روزفلت ، وستالين " عدم التوقيع وانضممت – أى " كادوجان " إلى رأي " إيدن" ولكن " تشرشل " وقع .. وقال لنا بعد ذلك إنه خاف أن تفقد بريطانيا نفوذها في الشرق الأقصى .

وكان اتفاق يالتا ، ضد اتفاق القاهرة، الذي عقده " روزفلت ، وتشرشل " مع ستالين " في القاهرة في نوفمبر 1943 .

وتضمن اتفاق يالتا التزام الحلفاء المقدس بالحفاظ على وحدتهم في السلم كما حرصوا عليها خلال الحرب .

ولكن الاتفاق تضمن اقتطاع مناطق من بولندا وضمها للسوفيت .

وأعلن " تشرشل" أنه ما دام " ستالين " باقيا فإن الصداقة البريطانية مستمرة ولكن بعد شهر من الاتفاق سافر 6 من زعماء بولندا إلى موسكوا للإنفاق مع السوفيت على إعادة تشكيل الحكومة البولندية .

ولم يسمع أحد عن هؤلاء الزعماء فقد اختفوا في موسكو وأعلن السوفيت بعد ذلك أنهم اعتقلوا الجميع .

ووضع السوفيت حكومة موالية لهم في رومانيا وأرغموا" الملك مايكل " على طرد الحكومة الائتلافية .

ورفض " مولوتوف " وزير الخارجية السوفيتي بعد ذلك – تفسير الحلفاء لاتفاقيات يالتا ..

وأدرك " تشرشل " أن ما جاء في بيان يالتا – عن أوربا المحررة من النازية لن يكون صحيحا لأن بريطانيا وأمريكا لن يكون لهما أى نفوذ ف شرق أوربا "

وكان " كادوجان " يكتب رسالة يونية إلى زوجته خلاصتها

- ياليتك ترين كيف آكل .. أمامي الكافيا صباحا و.... الخ .

وكان كل شئ بالبطاقات في بريطانيا خلال الحرب ، فقد خسرت بريطانيا بسبب الحرب 7000 مليون جنيه .

وهذه الصورة تبين ماذا جري داخل المؤتمر ..

المنتصرون يريدون اقتسام العالم وتوزيع مناطق النفوذ فيما بينهم .

كان اتفاق يالتا هاما بالنسبة لمصر التي يجب أن تعلن الحرب على ألمانيا إذا أرادت حضور اجتماعات الأمم المتحدة.

وجاء إلى القاهرة من يالتا " تشرشل ، وإيدن " وزير خارجيته " وكادوجان "

واجتمع " تشرشل " في القيوم " بالملك فاروق " والملك " عبد العزيز آل سعود"

وزار وزير خارجية بريطانيا " أحمد ماهر باشا " رئيس الوزراء يطلب منه أن تعلن مصر الحرب على ألمانيا .

وزار " كادوجان " وكيلرن" أحمد ماهر " لنفس الغرض ، وأبلغ " ماهر باشا " رئيس ديوان " الملك فاروق " بضرورة إعلان الحرب لتثبت مصر شخصيتها ويكون لها – في مؤتمر الصلح – رأي ودور .

وقال " كادوجان " لماهر باشا ":

- قرار الحرب لم يفرض التزامات عسكرية أو مالية على مصر .. ولن يشترط على مصر إرسال قوات محاربة إلى اليابان .

وقال " كادوجان ":

- إن الاتحاد السوفيتي هو الذي أصر على ضرورة إعلان الحرب .

خطب " تشرشل"... بعد ذلك في لندن فأشاد " بجهود مصر وجيشها في الحرب وحماية الجيش المصري للدلتا .. وقال إننا وجدن كل التسهيلات من مصر في أثناء الحرب "

وأضاف :

- إن أحدا لم يضغط على مصر لإعلان الحرب .

اختلفت الأحزاب العربية الحاكمة حول قرار إعلان مصر .. ( دولة محاربة )

السعديون يرون أن يعلن مجلس الوزراء القرار .

والدستوريون والكتلة يردون بأنه لابد من عرض الأمر على البرلمان والحصول على موافقته لأن الحرب ضد اليابان ليست حربا دفاعية !

والحزب الوطني يري عدم دخول الحرب على الإطلاق واستقال " حافظ رمضان " رئيس الحزب ووزير العدل من الوزارة احتجاجا ضد اتخاذ هذه الخطوة ولكن القصر أقنعة بالبقاء وعدم تقديم الاستقالة كل ذلك وقرار الحرب مسألة شكلية لأن الحرب في شهورها الأخيرة ومصر لن تقاتل إلا على الورق .

دعي البرلمان إلى الانعقاد وتكلم " الدكتور أحمد ماهر " في مجلس النواب فشرح وجهة نظره ولكنه اغتيل عند انتقاله إلى مجلس الشيوخ فدفعت مصر ثمن إعلان الحرب .. حياة ماهر باشا ..

وجاء النقراشي ليكون مطالبا باتخاذ قرار إعلان الحرب ... وللنقراشي أغلبية في مجلس النواب الذي يضم 125 نائبا من السعديين و74 من الدستوريين – و29 من الكتلة – حزب " مكرم عبيد " و7 من الحزب الوطني و29 من المستقلين ويرأس هذا المجلس " حامد جودة " من الحزب السعدي .

وكان الوفد قد قاطع الانتخابات التي جرت لمجلس النواب يوم 8 يناير في نفس العام أما مجلس الشيوخ فيرأسه " الدكتور محمد حسين هيكل باشا " رئيس حزب الأحرار الدستوريين والأغلبية فيه أيضا لأحزاب الحكومة والمستقلين .

بعد يوم واحد من أداء رئيس الوزراء والوزراء اليمين الدستورية أمام " الملك فاروق " اجتمع مجلس النواب في جلسة سرية وقرر – يوم 26 فبراير – منح الثقة للحكومة وإعلان الحرب ، على ألمانيا واليابان .. وذلك بأغلبية 214 ضد اثنين فقط.

أما في مجلس الشيوخ الذي انعقد في نفس اليوم فكانت الموافقة بأغلبية 65 ومعارضة 45 .. لأن الوفد ممثل تمثيلا قويا في هذا المجلس .

والوفد في المعارضة .. غير الوفد في الحكم ..ساند الوفد الإنجليز طوال سنوات الحر ولكن الوفد – في المعارضة – يصدر بيانا ضد إعلان الحرب لاكتساب الأنصار .. وللتلويح للسفارة بما يمكن أن يفعله الوفد .. وهو في المعارضة .. من إثارة الجماهير ضد بريطانيا !

هاجمت صحف الوفد قرار مصر واتهمت الحكومة بالزج بالبلاد في الحرب وطالبت بوجوب موافقة الشعب أولا على إعلان الحرب أى بإجراء انتخابات عامة جديدة لأن البرلمان الحالي لا يمثل الأمة .

وفي بيانه تهم " مصطفي النحاس " الحكومة بالإضرار بمصالح البلاد ، وأنها تعرض مصر لخسائر فادحة من الرجال والأموال وتلقي على البلاد تبعات وأهوال الحرب التي أمكن تجنبها والابتعاد عنها .

وكن " نوري السعيد" رئيس الوزراء في العراق قد أعلن الحرب على المحور – ألمانيا وايطاليا واليابان في يناير 1943 أما تركيا وسوريا ولبنان فأعلنت الحرب في نفس الفترة التي اتخذت فيها مصر قرارها بهدف واحد هو الاشتراك في مؤتمر سان فراسيسكو وليس إرسال قوات محاربة !!

وإذا كان قرار إعلان الحرب هو المشكلة الأولي التي واجهها " النقراشي " فإن " اللورد" كان وظل المشكلة الدائمة والمزمنة .

ولقد نهالت برقيات السفير على لندن ضد "النقراشي " طوال فترة بقائه في الحكم وفي هذه البرقيات قال " كيلرن":

" إن موت " أحمد ماهر " كان من سوء حظ بريطانيا ومصر أيضا .

وبوجود " النقراشي " في السلطة فإن علاقة مصر ببريطانيا تفتقر إلى درجة كافية من الإخلاص والصراحة من جانب مصر وهو الأمر الذي كان يدعو للتفاؤل طوال فترة رئاسة " أحمد ماهر "

وأدي ما يتصف به "النقراشي " من ضيق الأفق إلى هبوط الثقة المتبادلة أصيبت مصر بالارتباك في تصريف أمورها الداخلية وبصفة خاصة عقب موت " أحمد ماهر باشا " بسبب افتقارها لزعامة مؤثرة وبسبب الانشقاق المستمر داخل صفوف الحكومة.

إن ما يتميز به " النقراشي " من حساسية واستبداد وعقليته المشوشة سشكلان عوائق بالغة في تعامله مع زملائه من غير السعديين وفي علاقاته مع الحكومة البريطانية .

موقف " النقراشي " من بريطانيا العظمي يفتقر للوضوح والإقدام وسلوك رجل الدولة وهي الأمور التي يتميز بها سلفه وتصرفاته تتميز بالشك ، والتردد وعدم التجاوب "

ولم يكن هذا هو رأي كيلرن " وحده .

إن رأي الإنجليز في " النقراشي " لم يتغير أبدا منذ تركزت الأضواء عليه في عهد " سعد زغلول "

كان هذا هو رأي " اللنبي " ثم " اللورد جروج لويد" ، " والسير برسي لورين "

وبعد نقل " كيلرن من مصر بقي رأي الإنجليز في " النقراشي " ثابتا لا يتبدل . كتب " السير رونالد كامبل " السفير الذي جاء بعد " كيلرن" يقول في 5 يونيو 1947:" إن " النقراشي باشا" ضيق الأفق عنيد ، لا يتسم بالمرونة .

ومن الطريف أن نتذكر لدي استخدامنا لهذه الأوصاف أنه قد بدأ ناظر مدرسة وبالنسبة لأكثر الفترات سوادا في حياته فإنه – على حد قول أصدقائه البريطانيين – ينفي بشدة أى اشتراك على أى مستوي من جانبه في حادث اغتيال " السردار السيرلي ستاك)

ولكنه يعرف أن البريطانيين يتذكرن أنشطته المتطرفة ويعتبرونه شريكا في كثير من الاغتيالات ولا يعفيه الكثير منهم من الاشتراك في جريمة اغتيال " السردار "

وإني على يقين من أنه في قرارة نفسه لديه اعتقاد دائم بأننا نتذكر هذه الأشياء دائما ونأخذها عليه وأن موقفنا تجاهه والتصرفات التي قمنا بها وهو رئيس للوزارة نابعة من رغبتنا في معاداته شخصيا .

وقد صرح لأحد البريطانيين البارزين بأن وزراء الخارجية البريطانية ووكلاء الوزارة الدائمين يجيئون ويذهبون ولكن وزارة الخارجية تسير دون تغيير " إنهم يخرجون الدوسيهات القديمة للرجل الجديد ويسير كل شئ كما كان من قبل "ولا شك في أن هذا يعكس اقتناعه .

وقد يكون تافها إلى أقصي حد وذا عقلية دموية إذا تضايق منا ،، ووجد نفسه عجزا عن مواجهتنا .

وقد اتخذ موقفا أكثر اعتدالا تجاهنا خلال فترة تمتد عدة سنوات حتى عام 1943 ولكنه في ذلك العام استعاد موقفه المعادي لبريطانيا .

وهو في المفاوضات يفتقر إلى الخيال وتعوزه المرونة تماما "

كان السير " ونستون تشرشل " رئيس حزب المحافظين رئيسا لوزراء بريطانيا في ذلك الوقت .." وأنتونب إيدن " وزيرا للخارجية " وايدن " يؤيد " كيلرن " على طول الخط .

رأي " تشرشل " أن يبين لرئيس وزراء مصر .. الخط الذي ينبغي أن يسير عليه في حكم مصر وهو تنفيذ مطالب بريطانيا .

خطب " تشرشل " في مجلس العموم البريطاني فطالب " بتطبيق العدالة في مصر على الذين أدينوا في قضايا الاغتيال السياسي ".... يقصد بذلك إعدام قاتلي " اللورد موين " وزير الدولة البريطاني المقيم في الشرق الأوسط .

استقبل اليهود بفرح بالغ نبأ تعيين " اللورد موين" وزيرا للمستعمرات في بريطانيا يوم 4 فبراير 1941 لأن الوزير السابق لم يحقق لليهود ما يريدون في فلسطين .

وبعد 23 يوما من تعيينه أطلق الوزير الجديد سراح " موشي ديان " و42 من عصابات " الهاجاناه " الذين اعتقلتهم السلطات البريطانية في فلسطين .

واختير " اللورد " بعد ذلك عضوا في اللجنة السداسية التي شكلها ونستون تشرشل " لبحث السياسة البريطانية في فلسطين وتقسيمها إلى دولتين عربية ويهودية .

وفي هذه اللجنة رأي " موين " ضم صحراء النقب للأردن لا لدولة إسرائيل الجديدة . إذا قامت .

وحدث أن وصلت باخرة قديمة اسمها " ستروما " – حمولتها الرسمية 100 راكب من ميناء كونستانزا ( الروماني ) إلى البحر الأسود ثم استانبول تحمل 769 مهاجرا أوربيا يهوديا نصفهم من النساء والأطفال في طريقهم إلى فلسطين .

اقترح " اللورد موين" إعادة الباخرة إلى البحر الأسود وقال في الأوراق الرسمية السرية إن وصول 769 يهوديا إلى فلسطين سيكون له تأثير مخزن في دول البلقان وسيشجع اليهود الآخرين على الهجرة والنزوح إلى فلسطين .

وقال إن هذه العملية شجعها ( الجستابو الألماني ) ليتسلل عملا ء النازية إلى فلسطين ، واقترح " موين " على المندوب السامي البريطاني السماح بإدخال الأطفال – الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة فقط – إلى فلسطين .. بغير آبائهم .

ظلت الباخرة " ستروما" منذ رحيلها من روما في 12 ديسمبر 1941 حتى 24 فبراير في البحر .

وفي 24 فبراير وعلى بعد 5 أميال من البوسفور انفجرت ستروما .

وقيلت أسباب كثيرة لذلك منها أنها اصطدمت بلغم ومنها انفجار قنبلة كانت في السفينة وقيل أيضا إن اليهود فجروا الباخرة بحمولتها من البشر لإثارة قضيتهم ولم ينج من الركاب سوي شابين رجل وامرأة سمح لهما بدخول فلسطين .

وكان رجال عصابة الهاجاناه اليهودية قد فجروا السفينة" باتريا " في ميناء حيفا احتجاجا على عدم السماح لركابها وعددهم 250 بدخول فلسطين وذلك يوم 24 نوفمبر 1940 فغرق الجميع .

وخطب " موين " بعد خروجه من الوزارة في مجلس اللوردات يوم 9 يونيو عام 1942 فهاجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين وقال إن مطالب الصهيونيين تثير مشكلتين أساسيتين .

الأولي : إنهم يريدون هجرة واسعة إلى بلد مزدحم بالسكان .

الثانية : إنهم يريدون سيطرة عنصرية للمهاجرين الجدد على السكان الأصليين وقال " موين ":

إن اليهود ليسوا عنصرا على الإطلاق .

وبالنسبة للعرب فإن اليهود ليسوا أعداء لهم في الثقافة فحسب بل أعداء في الدم أيضا إن فلسطين لا تستطيع امتصاص 3 ملايين من يهودي أوربا لأن هجرة على هذا النطاق الواسع تعتبر كارثة خاطئة وحلما غير علمي إن العرب الذين عاشوا في فلسطين ودفنوا أمواتهم فيها خلال 50 جيلا لن يسلموا طواعية أرضهم أو الحكم الذاتي لليهود .

لقد أعلن الدكتور " حاييم وايزمان " الذي أصبح فيما بعد أول رئيس لدولة إسرائيل – أن فلسطين وحدها تستطيع امتصاص اليهود الذين بلا مأوي ولا دولة وشردتهم الحرب .

إن معني ذلك توجيه عطف العالم إلى استشهاد اليهود وأن يرفض الصهاينة كل الخطط لاستقرار هؤلاء الضحايا في أى مكان آخر ألمانيا وبولندا أو في أية منطقة غير مزدحمة بالسكان مثل مدغشقر .

إن الخوف من سيطرة اليهود على السياسية في فلسطين سيقل إذا أمكن استقرارهم في مناطق واسعة.

إن اتحادا للدول العربية الشمالية – سوريا، لبنان، الأردن - يمكن أن يساعد في إيجاد هذا الحل .

واعترض " موين " في مجلس الوزراء البريطاني في مايو 1943 – على السماح بهجرة 4500 يهودي بلغاري إلى فلسطين طبقا لقرار سابق أصدره المجلس بعدم خروج مواطنين من بلاد تشترك في الحرب ضد بريطانيا .

وعلى ذلك هاجمت الصهيونية " موين " واعتبرته مسئولا عن فشل بريطانيا في إنقاذ يهود أوربا من النازيين الألمان في أثناء الحرب.

وفي الأدب الإسرائيلي الحدي يوصف " موين " بأنه مجرم حرب ومعاد للسامية.

واختار " تشرشل" ، " موين" بعد ذلك وزيرا مقيما لبريطانيا في الشرق الأوسط ومقره القاهرة .

وقررت عصابة ( ليهي ) الصهيونية الانتقام من بريطانيا لأنها لم تحقق أحلام اليهود في فلسطين ولذلك فإنها قررت اغتيال " موين " لأنه يمثل الإمبراطورية البريطانية في مصر .

وبما أن العصابة لا تستطيع إصابة " تشرشل" في لندن فإن الاختيار الثاني أمامها هو " اللورد موين " في القاهرة .

أوفدت العصابة اثنين من شباب أعضائها وهما " الياهو حكيم " والياهوبت تزوري " إلى القاهرة فأطلقا عليه الرصاص وهو في سيارته أمام باب بيته ظهر يوم 6 نوفمبر 1944 ومات متأثرا بجراحه حوالي التاسعة مساء .

واختير هذا اليوم لأن العالم كان يتابع فيه إعادة انتخابات " روزفلت " رئيسا لأمريكا وبينما كانت النتائج تذع في كل محطات الإذاعة كان يتخللها نبأ اغتيال " موين " وقضية الصهيونية " فإن القاتلين قبض عليهما واعترفا بالجريمة .

حوكم القاتلان في مصر وأدليا باعترافات أمام محكمة فأحيلت أوراقهما إلى المفتي يوم 18 يناير 1945 .

وقبل وبعد صدور الحكم تدفقت البرقيات والالتماسات على " أحمد ماهر باشا " رئيس وزراء مصر لتخفيف حكم الإعدام والذات من يهود أمريكا.

فقد أثارت عملية الاغتيال ردود فعل مؤيدة لها بين الصهاينة وبالذات في مدينة نيويورك نشرت صحيفة ( أنسار ) ومعناها ( الإجابة ) إن اغتيال " لورد موين " لا يثير فينا عاطفة أكثر من الأسف " وقال " أندرو سومرز" أحد أعضاء الكونجرس عن مدينة نيويورك :" بريطانيا مسئولة عن موت يهود أوربا مثل ألمانيا ووزارة المستعمرات البريطانية شريكة للنازيين المتوحشين "

أبلغ أحمد ماهر " اللورد كيلرن " أن الحكم بإعدام قتله " اللورد موين " تم التصديق عليه وأنه أى " أحمد ماهر " لن يقوم بتخفيف الحكم وبقي تحديد موعد التنفيذ .

ولم يكن التصديق على الحكم قد أعلن رسميا ولذلك أصبح من الضروري أن يراجع " محمود فهمي النقراشي " ملف القضية ويصدق على الحكم بصفته الحاكم العسكري ، وواجه " النقراشي " ملف القضية ويصدق على الحكم بصفته الحاكم العسكري وواجه " النقراشي " ضغوط اليهود الأمريكيين وضغوط " تشرشل" أيضا فإن " موين" كان من أعز أصدقائه نعاه بعبارات مؤثرة بعد اغتياله وكتب " تشرشل" إلى " ايدن" يقول له بالنص :

- يا " ايدن" حذر " كيلرن" ستنشأ متاعب إذا لم يعدم الرجلان .

وكانت بريطانيا قد هددت باتخاذ خطوات انتقامية من اليهود والعصابات الصهيونية في فلسطين بعد اغتيال " موين " ولكن بريطانيا لم تتخذ إجراء انتقاميا واحدا في فلسطين أما في القاهرة فقد صدر حكم الإعدام بقي التصديق ... تم التنفيذ .

ومن هنا خطب " تشرشل" في مجلس العموم مشيرا إلى هذه الجريمة ومطالبا بعقاب القتلة رأي " كيلرن " أن يحقق فائدة من هذه " الصفعة" التي وجهها " تشرشل " إلى رئيس وزراء مصر..

ومن ناحية أخري فإن التقاليد التي سار عليها الحكم أن يزور السفير البريطاني رئيس وزراء مصر – بعد تعيينه – وأن يرد رئيس الوزراء الزيارة للسفير في دار السفارة وكان هدف " كيلرن" أن يلقن ناظر المدرسة الذي أصبح رئيسا للوزراء الدرس الأول في أسلوب الحكم في مصر فيعهد الاحتلال البريطاني .

وهذا ( الدرس) هو أن رئيس الوزراء المصري يجب أن يعرف رأي السفير لبريطاني في كل شئ وفي جميع القرارات قبل إصدارها .

ويكون الدرس الأول في اللقاء الأول الذي تم بين " النقراشي " وكيلرن " في دار السفارة بعد 4 ايام فقط من تولي " النقراشي "

أبرق السفير إلى حكومته يوم 28 فبراير 1945 بما جري .

قال " كيلرن" :

1- رد رئيس الوزراء زيارتي له هذا الصباح .

2- بعد المجاملات المعتادة لفت نظري إلى ما جاء في خطاب رئيس وزراء بريطانيا في البرلمان ونقلته وكالة رويتر من أن تدابير الأمن في مصر تحتاج إلى مزيد من الحزم والتشديد ، ومن الضروري تطبيق العدالة على الذين ثبتت عليهم جريمة الاغتيال السياسي وأن يكون ذلك بشكل سريع حتى يكونوا عبرة لغيرهم.

3- يعتقد دولة " النقراشي باشا " أنه بخصوص اغتيال " اللورد موين" تم تطبيق القانون بكل حزم .

ولو كان " أحمد ماهر باشا " حيا لصدق على حكم المحكمة وأعرب عن اعتقاده بأننا لا نضرب ذلك المثل في فلسطين في ملاحقة المجرمين أو محاكمتهم .

وقال إن كلام رئيس وزراء بريطانيا وضع دولته في موقف بالغ الحرج وستكون له آثار سيئة على الصعيد المحلي بما يعنيه من عدم كفاءة أو حسن إدارة رئيس الوزراء الراحل.

4- أجبته بأن من الأفضل لنا أن نتحدث بصراحة وأن دولته يوافقني على أن إعدام قاتلي " اللورد موين " تأخر كثيرا أيا كانت نصوص القانون التي تجيز التأخير ..... وقعت الجريمة في 6 نوفمبر من العام الماضي وها نحن في 28 فبراير والقتلان لم يقبض عليهما متلبسين فحسب بل اعترفا بالجريمة فلماذا تأخر إعدامهما.

وأكدت له أن هذا هو الشعور السائد في بريطانيا العظمي فإن رد الفعل في هذا الموضوع كان قويا . 5- أجاب دولته أنه بات يستوجب عليه بوصفه حاكما عسكريا ، أن يتخذ من الإجراءات ما لم سلفه لسوء الحظ ، وقال إنه لا يعلم بالضبط كم من الوقت ستستغرقه قراءة ملف هذا الموضوع ولكنه لا يجادل في أدني على حق من الناحية المنطقية إن لم أكن على حق من الناحية القانونية البحتة .

تلاحظون مما سبق أن حكما على " النقراشي " ليس بعيدا عن الصواب فهو بحكم نشأته مدرس وبحكم طبيعته صعب المراس بالغ الحساسية .

وهو لا يساوي شيئا بالمقارنة بسلفه " أحمد ماهر " وإن لآسف كثيرا لأن " النقراشي " يستهل أعماله كرئيس لوزراء مصر بذلك التحفظ الذي أبداه على كلمات لرئيس وزراء بريطانيا أعدها أنا وجيه وصحيحه.

يراودني إغراء أن أشدد عليه النكير لكني أتصور أن التصور الحكيم إزاء " النقراشي هو تجاهل ما يقول "

6- يراودني إغراء أن أشدد عليه النكير لكني أتصور أن التصرف الحكيم إزاء النقراشي هو تجاهل ما يقول "

7- ويصدق " النقراشي " بعد ذلك على حكم الإعدام لقاتلي " اللورد موين " وينفذ الحكم يوم 22 مارس .

وبرغم ذلك يبقي من البقاء الأول موقف " النقراشي " الواضح .

وإنه يلفت نظر السفير إلى أن رئيس وزراء بريطانيا مستر " ونستون تشرشل" يتدخل في شئون مصر . الخصوم

تزاحم خصوم " النقراشي " من رجال الأعمال المصريين المشتغلين بالسياسة والمستفيدين منها على باب السفارة البريطانية .

في مقدمتهم رجل الأعمال الشهير " أحمد عبود" عضو الوفد القديم وصديق الوفد حاليا .

" وعبود" كان مدينا للحكومة المصرية بضرائب تقدر بثلاثة ملايين ونصف المليون جنيه عن أرباح شركة بواخر البوستة الخديوية التي يملكها " عبود" وشركة السكر التي يملكها " عبود" أيضا !

والباشا – عبود – هو أكبر مانح للرشوة في مصر ولكنه لم يستطيع شراء " النقراشي " ومن هنا سعي للوقيعة بينه وبين السفير .. اللورد.

برقية رقم 50 من " اللورد كيلرن "إلى وزير الخارجية بتاريخ 6 مارس 1945

1- تحدث " عبود " الذي زارني هذا الصباح بإسهاب شديد عن الموقف السياسي الداخلي .

2- كان عبود صديقا خاصا لرئيس الوزراء المصري الراحل " أحمد ماهر " وتربطه به صلات وثيقة على مدي السنوات الماضية ويكن له أكبر قدر من الإعجاب .

ومما لا شك فيه أن أراءه تميل لصالح الوزراء الراحل على العكس من رئيس الوزراء المصري الجديد.

ومع ذلك فإن آراءه في " النقراشي " تتفق بصورة كبيرة مع ما أخشي أن تكون صحيحا وبالتالي فإنها تستحق التسجيل .

3- " عبود " يشك تماما في " النقراشي "

نشأ " النقراشي " كناظر مدرسة وظل يحتفظ بعقلية وأساليب ناظر المدرسة وخلافا لرئيس الوزراء الراحل فإن " النقراشي يفتقر إلى الليونة والمرونة تماما وليس له أتباع أو شعبية في البلاد.

وكان " حمد ماهر " مصمما ، وراغبا ، في توجيه وخدمة " الملك فاروق " بما يخدم مصالح البلاد كأحسن ما يكون .. ويتمتع بالإيمان والشجاعة اللذين يمكنانه من مواجهة السراي إذ تطلب الأمر ذلك.

ويفتقر " النقراشي " إلى الصفتين وقد يتضح أنه من صنائع السراي .. وتلك وسيلته الوحيدة للاحتفاظ بمنصبه .

وتعاني الوزارة الآن من الفوضى وانعدام النظام .

لا يكاد " النقراشي " يتكلم مع وزير ماليته " مكرم "

" مكرم " على خلاف مع " عبد الحميد بدوي " الذي تعرض عليه حالي وزارة الخارجية وهو منصب لا يتمتع بمؤهلات حقيقية له ( برغم أنه صديق طيب " لعبود" بل مستشار قانوني له ويتقاضي منه 2،000 جنيه مصري سنويا )

4- وباختصار فإن " عبود" ينظر للموقف بأكثر الأشكال تشاؤما وهو لا يعرف كيف يمكن أن يستمر " النقراشي باشا " رئيس للوزارة .

وأعرب " عبود" عن خشيته من أن نجد " النقراشي " صعبا وصغيرا ومشاكسا عند التعامل معه .

5- وذلك يتفق ( إلى حد كبير) مع تقدايرتي الأولية.

ولا نستطيع إلا أن نأمل في أن تصلح مسئولية كرسي الرئاسة من نقائص " النقراشي الطبيعية .

ولست متفائلا وأشك أن أحد يشعر بالتفاؤل .

6- وتحدث عبود أيضا عن ميل في السراي لإثارة أمريكا ضدنا وزعم أن لديه أدلة قوية على ذلك .

7- أبلغته ألا يقلق كثيرا فلا أعتقد أن الأمريكيين يمكن أن يميلوا بأدني شكل – في المستويات العليا على أية حال – لأن يضللوا بشئ واضح مل هذا وهو أننا نتمتع بموقع مسيطر في مصر ومن المؤكد أننا لا نعتزم التخلي عنه "

بعد أسبوعين من رئاسة " النقراشي " عين يوم 7 مارسعبد الحميد بدوي باشا " رجل القانون المصري وزيرا للخارجية .

وكان " بدوي باشا " -53 – هو الوزير الوحيد المستقل عن كل الأحزاب السياسية وقد شغل منصب السكرتير العام لمجلس الوزراء المصري وعمل مستشارا ملكيا بقلم قضايا الحكومة ثم رئيسا له ووزير للمالية في وزارة " حسين سريباشا "

وهو رجل قانون ممتاز اشترك في ( مؤتمر مونتريه) الذي ألغي الامتيازات الأجنبية ورأى الإنجليز أن " وطنيته وحججه القانونية تميل إلى إقحام نفسها – بإصرار سخيف – في كل وثيقة رسمية "

ورأى " مكرم " في تعيين " بدوي " خدعة له لأن " النقراشي " يعرف العداء القديم بين " مكرم " وبدوي "!

في نفس اليوم الذي زار فيه " عبود دار السفارة توجه إليه أيضا " أمين عثمان باشا وزير المالية في عهد الوفد ورسول الوفد إلى السفارة ورسول السفارة إلى " النحاس" والرجل الذي كان وسيطا بين "النحاس والسفير " في أحداث 4 فبراير .

إن " أمين عثمان " يحاول أن يخفف من أثر بيان الوفد ضد دخول مصر الحرب ويتودد للإنجليز – سرا – معتذرا عن البيان العلني .

ويكتب " اللورد كيلرن" إلى حكومته يوم 6 مارس البرقية رقم 51

1- تحادثت طويلا مع " أمين عثمان " مساء اليوم بعد اجتماع لنادي العلمين عقد بالسفارة .

2- أبلغني " أمين عثمان " كلمة من " النحاس باشا " الذي أخذته على غرة رسالتي المذاعة التي رفضت فيها البيان الذي أذاعه الوفد أخيرا .

رد النحاس " بأنه على حق فيما قاله ، بعد أن رأي الحكومة المصرية تتقاعس عن النشر والإعلام فيما يتعلق بالدوافع الكامنة وراء إعلان الحرب.

وقال " النحاس" بأمانة – إنه لم يكن على علم بأسباب هذا البيان المشروع وفضلا عن ذلك لم يكن من اللياقة – في سياق استشارة جميع الزعماء السياسيين الآخرين – استبعاد " النحاس " تمام وبشكل سافر من تلك المشاورات .

3- لم أجد صعوبة في إثبات أنه برغم ما أبدته الحكومة من تقاعس باستبعاد " النحاس" من تلك المشاورات .

فإن البيان كان خطأ سياسيا كبيرا بالغ الأذى لأنه نشر أفكارا متطرقة كاذبة وضارة بشكل مباشر بالنسبة لبريطانيا وهي أفكار يعلم ا" النحاس " نفسه أنها مضللة بشكل متعمد .

قلت إن المسألة قد تكون على ما يرام بالنسبة للسياسة الداخلية لكن البيان تجاوز الحدود المشروعة بخطوات كبيرة "

ويكون لقاء " أمين عثمان " فرصة يشكو فيها " أمين عثمان " هموم الوفد ومتاعبه مع " النقراشي "

وقال " اللورد كيلرن" في برقيته يصف آلام الوفد

4- قال " أمين عثمان " إن استبعاد تمثيل الوفد في مؤتمر سان فرانسيسكو أمر خاطئ والأفضل للحزب ألا تطلب منه الحكومة الاشتراك في المؤتمر فالبلاد حافلة بكل الأفكار الحمقاء التي تقول بان سان فرنسيسكو هي الفرصة المثالية لمندوب مصر ليعرض على الملأ ما تدعيه مصر من أضرار لحقت بها على أيدينا .

وقال " أمين عثمان " إن النتيجة المحتومة لذلك أن هذه الشكاوي الصغيرة لن تلقي آذانا صاغية وسط تجمع دولي يضع نظاما عالميا للسلام .

ومن هنا سيعود ممثل مصر خالي اليدين أمام شعب جاهل ، تمثل بلاده بالنسبة له مركز الكون . شعب لا يري أبعد من طلمبة القرية ،

وأضاف أن ذلك يضيف إلى رصيد حزب الوفد إذ لن ستطيع أحد اتهام الوفديين بأنهم عملوا على تشجيع الآمال الكاذبة في النفوس كما فعل خصومهم في حين أن الحكومة تخسر حاليا بسبب النقص المتزايد في كساء الشعب وغذائه .

5- يستصغر " أمين عثمان " شأن " النقراشي " كما يفعل الآخرون .

ولا يثق أن أمام " النقراشي فرصة ليصبح أفضل "

بعد أسبوع يتحرك " على ماهر "

إنه يجد العذر لزيارة " اللورد كيلرن " – الذي طلب إقالته عام 1940 – فهو يريد شكر جناب اللورد على التعزية في وفاة شقيقه رئيس الوزراء الراحل " أحمد ماهر !

ولكن اللورد شديد الحذر من " على ماهر حرص – السفير – على أن يبين للرأي العام المصري أن " على ماهر " لا يزال بعيدا عن قلب السفارة .

كتب " كيلرن" إلى لندن يوم 13 مارس يقول

1- طلب " على ماهر " أن يقابلني لتقديم شكره على أبديته من تعاطف عند وفاة أخيه " أحمد ماهر " رئيس الوزراء السابق .

2- شعرت أن من غير اللائق ألا أراه نظرا للظروف الاجتماعية الخاصة المرتبطة بالوفاة .

3- جاء " على ماهر " في الصبح كان واضحا أنه متأثر بشكل عميق وأسهب في الحديث عن مدي الخسارة التي لحقت ببلاده مؤخرا بسبب مأساة وفاة شقيقه الراحل .

4- قال " على ماهر " إنه كان لديه وقت للتفكير مليا في الأخطاء الكثيرة التي يعترف بارتكابها .

وقال إنه خلال العزلة التي فرضت عليه عكف على تأليف كتاب عن تجاربه في الحياة سينشر بعد وفاته .

وقال إنه كان ينوي أن يقول شيئا عن النتائج التي توصل إليها خلال المناقشة التي تمت في البرلمان ما يروق لنا ولكن بسبب اغتيال أخيه ، لم تسنح الفرصة للإدلاء بآرائه في مجلس الشيوخ .

وهو يعتبر أن أهم الأعمال التي ينبغي الإقدام عليها في المستقبل في مصر هي الإصلاح الاجتماعي وهو عمل لا يتطلب نشاطا حزبيا.

وأكد" على ماهر " أن عامة الناس في مصر يعيشون في ظروف قاسية تتطلب علاجا وأنه ناقش هذا الموضوع مع أخيه الراحل الذي كان يهتم بذلك من صميم قلبه .

5- واختتم " على ماهر " حديثه باقتراح أن يطرح الماضي بعيدا وأن يركز على مستقبل الشعب المصري وهو الأهم .

وأعرب عن أمله بأن أكون على استعداد لمقابلته – بعد فترة لأنه يعرف أن السياسة البريطانية تجري في نفس الخطوط التي يتبناها .

6- لكي أقطع الطريق على التكهنات السياسية حرصت على أن تعرف الصحافة المحلية السبب الذي من أجله استقبلت " على ماهر "

وفضلا عن الصحافة حرص السفير أيضا على إبلاغ الملك - عن طريق احمد حسنين بظروف استقباله " لعلي ماهر "!

ويستمر سباق زعماء مصر... نحو السفارة !كل يريد أن يكون الوريث " للنقراشي " أو يضع في حكم البلاد صديقا له .

كتب " كيلرن " إلى لندن

" طلب " أحمد عبود " مقابلتي بشكل عاجل ، وكان " عبود" قد قابل " احمد حسنين باشا " وأخبره أنه فهم أني لست سعيدا بالتشكيل الوزاري الجديد ويبدو أن " حسنين من نفس الرأي .

سألني " عبود" عما يقلقني وما يمكن أن يكون – عبود – فيه همزة وصل بيني وبين " حسنين " ؟

1- شكرت الباشا على هذا الاقتراح وقلت بحزم إني لا أجد طريقا يجعلني أفيد من هذا العرض .

إن الوضع يتلخص في أن رئيس الوزراء الجديد " محمود فهمي النقراشي " يكتسب التجارب في ظل صعوبات ومسئوليات جسيمة ينطوي عليه منصبه .

وإن كنا نعلم جميعا أن – النقراشي – ليس " أحمد ماهر " فإن العقل يفرض علينا أن ننتظر ونري – وأن نتبع بإيجاز مبدأ ( من أعمالهم تحكم عليهم )

ويجئ " حسين سريباشا " ليهاجم النقراشي أيضا ويعلن استعداده لرئاسة الوزارة " وحسين سري" هو الذي استقال في فبراير 1942 ليفسح المجال للدبابات البريطانية لتحاصر قصر عابدين بالدبابات وتفرض " النحاس " رئيسا للوزارة .

وما دار في الاجتماع سجله اللورد بالحرف الواحد في البرقية رقم 587:"

1- تحادثت طويلا ، هذا الصباح مع حسين سريباشا "

وكما تعلمون فإنه ابتعد تماما عن السياسة واشتغل – بنجاح عظيم – بالأعمال الحرة التي يشترك في بعضها مع " حسن نشأت باشا " .

2- ينظر " سري باشا " إلى الوضع الراهن نظره متشائمة تماما ..

إنه يعتبر " النقراشي " ضيق الأفق ، ولا يصلح أبد لرئاسة الوزارة.

ويري" سري" أن " عبد الحميد بدوي أسوأ .

أما " مكرم عبيد " فيفوقهما سوءا .

وفضلا عن ذلك ، فالثلاثة يكره كل منهم لآخر كراهية السم .

ولا يتوقع " سري باشا " أن يطول عمر الحكومة الحاضرة أكثر من ثلاثة شهور .

3- بعد ذلك السيل من الهجوم أعرب " حسين سري" عن رأيه بأنه لا يمكن لأية حكومة برلمانية أن تدير دفة الأمور في ظل الظروف القائمة ومن ثم فهو يدعو إلى تأجيل البرلمان لمدة عام مثلا .

ويعترف أن ذلك يعني تعطيل الدستور ولكنه أهون الشرور .

ويري سري أن الوقت سيجئ حين يتعين علينا أن نتدخل حفظا للنظام وإجبار الملك على أن يفعل ما نراه لمصلحة الشعب ولمصلحتنا .

4- علاقات " سري ، بالملك فاروق " تتسم بكثير من الغرابة ولا تبعث على الرضا . الملك يعامله على أنه صديق مدة شهر كامل . ثم يأتي الملك ، دون إنذار ، أو سبب وجيه ، فيعامله – كما يحدث الآن – على أنه عدو " فالملك فاروق " شخص مختل التوازن .

5- أضنيت على مسلك" سري باشا " في البقاء بعيدا عن السياسة والمكائد المحلية . ألمح " سري " بشكل طفيف جدا إلى أنه قد يأتي يوم يتعين فيه عليه كشخص ، يحب بلده أن يعود فيتسلم زمام الأمور حتى ولو لم يكن ذلك على هواه .

6- وكما تعرفون فإن " حسين سريباشا " رجل عاقل مما يجعل لرأيه وزنا أكثر من غيره وليست لديه خصومات مباشرة ومع ذلك لم أجده – أبدأ على هذا القدر من التشاؤم وقال سري إن " النقراشي باشا" ملأ الرأي العام بآمال مؤداها أن مصر ستأتي بالمستحيل من سان فرانسيسكو .

أما النحاس " فقد ركن إلى الهدوء بحكمة ، ولا يزال له أتباع كثيرون في البلاد وقال " سري " إنه إذا كانت " للنحاس " وصحبه أخطاؤهم فإن حكومة الوفد كانت أفضل من الوضع الحالي .

وفي البرقية – 88 يسجل السفير باقي حديث " سري باشا"

"1- فاتني أن أسجل شيئا آخر قاله " حسين سريباشا " عدة مرات وشدد عليه خلال محادثتنا أمس .

2- قال إن ربما أتذكر ما أبلغني – إياه – حين كان رئيسا للوزارة من أن الملك فاروق " جبان وعنيد يرغي ويزبد إلى حد ما ولكنه ينهار في النهاية "

ويعلق " كيلرن ":

" إن حسين سري" لم يقل ذلك ولكن كان واضحا أنه ينطلق في الحديث عن يوم 4 فبراير 1942 باعتباره دليلا على نظريته حول اعتبار الملك ( ولد منفوخ) يحتاج إلى من يفرغ منه الهواء ويود " سري " إبلاغي بأن موقف اليوم شبيه بموقف الأمس فقد ظل " الملك فاروق " – كعهده – جبانا دائما ما أن نكشر له عن أنيابنا حتى يرضخ ويلين جانبه .

3- رأيت أن ذلك جدير بإثباته لأنه ينفق مع اعتقادي الشخصي "وأخيرا هذا هو " حسن نشأت باشا" إن " حسن نشأت " كان يحكم مصر عام 1925 عندما كان رئيسا بالنيابة لديوان " الملك فؤاد" وأصر " اللورد جورج لويد " المندوب السامي البريطاني على إقصاء نشأت وخروجه من مصر فعين وزيرا مفوضا في مدريد . ثم بروكسل وأستقر أخيرا سفيرا لمصر في لندن .

وفي لقاء بين " نشأت " واللورد هاليفاكس" وزير خارجية بريطانيا في يونيو عام 1940 أشار - أولي منه برئاسة الوزارة .

ويتزوج " حسن نشأت " من أجنبية فيضطر – طبقا للقانون – إلى الاستقالة من منصبه كسفير ويعود إلى مصر ويصبح من رجال الأعمال ولكنه يتطلع إلى رئاسة الوزارة أو رئاسة الديوان الملكي .

ويشير نشأت إلى أنه يمكن للإنجليز ترويض الملك إذا تولي رئاسة الوزارة سياسي قوي أى " نشأت باشا " نفسه .

برقية رقم 161 من " اللورد كيلرن

1- زارني " حسن نشأت باشا " هذا الصباح لأمر يتصل بطلبه الحصول على تأشيرة دخول لزيارة المملكة المتحدة أبلغته أني أرسلت برقية بهذا الشأن .

2- وبعد مناقشة الأعمال التي تضمنتها الزيارة ( البلاستيك وصناعة التعليب وعلف الماشية) تحدث الباشا بإسهاب وباقتناع مخلص وواضح عن الأوضاع المؤسفة هنا فمن الممكن إن عاجلا أو آجلا التخلص من رئيس وزراء أوتوقراطي ولكن ما الذي يمكن عمله مع ملك شاب أوتوقراطي أطلق العنان لنفسه ؟ " الملك فاروق" يسيطر على الجيش والبوليس ومصلحة السجون ، وأى شخص موال للبريطانيين يصبح ضحية على الفور .

3- وكما أعرف فإن " الملك فاروق رفض بإصرار أن يستقبل " حسن نشأت " منذ عودته . وظاهريا كان ذلك بسبب زواجه من سيدة انجليزية.

ولكن للمرة الأولي شعر " حسن نشأت " بأن من الممكن أن يفضي بشئ لى . منذ بضعة أعوام أرسل " الملك فاروق " هدايا من الشيكولاته لكي يقوم " الميجور سموليت " الذي أصبح على علاقة حميمة بالملك ليقدمها إلى أميرات البيت المالك البريطاني وعندما وصل الميجور إلى لندن طلب رؤية " نشأت باشا " الذي استقبله.

وكان " الميجور سموليت" يصر على الذهاب إلى قصر بالمورال الملكي ليقدم الهدية شخصيا وشرح له " نشأت باشا " السبب في استحالة تحقيق ذلك وعندئذ قال الميجور " لنشأت باشا " إنه مكلف بنقل تعليمات إليه من " الملك فاروق بأن يشرع على الفور في العمل على إبعادي – أى إبعاد " كيلرن" نتيجة لأحداث 4 فبراير 1942.

ورد " نشأت باشا " بالآتي :

1- إنه لا يستطيع بأى حال من الأحوال أن يفعل ذلك بشكل صحيح.

2- إن التعليمات من صاحب الجلالة ملك مصر يجب أن تصل إليه بشكل مباشر وفيما بعد زار " نشأت باشا " ( ملازم بولندي) وصل من مصر يحمل رسالة مماثلة تتعلق برغبات " الملك فاروق " وقد نحي سعادته هذه الرسالة أيضا .

3- " ونشأت باشا" يرجع – إلى حد كبير - المعاملة التي يلقاها حالا من " الملك فاروق "

4- إلى الموقف الذي اتخذه .

5- وقبل أن يغادر انجلترا طلب منه الحصول على بعض معاطف المطر "للملكة فريدة "

وعند الوصول إلى مصر أرسلت قرينة " نشأت ثلاثة من هذه المعاطف – أحدها حريري والآخر قطني ، والثالث من المطاط كهدية صغيرة " للملكة فريدة" ولكن " الملك فاروق " أعاد هذه المعاطف .

ومنذ ذلك الحين وبصورة سرية للغاية طلبت الملكة فريدة المعاطف وهي الآن في حيازتها ولكن " الملك فاروق" لا يعلم شيئا عن ذلك"

وهكذا وقف الجميع ضد " النقراشي " ( الوفد، وحسين سري، وعلى ماهر ، وأحمد عبود ، وحسن نشأت)والقائمة طويلة .

إن بعض زعماء ورجال مصر هاجموا الملك مثل " حسين سري"والبعض أكتفي بمهاجمة " النقراشي !!وينتهز السفير كل فرصة لإثارة " النقراشي " أو إخضاعه .

حدث في يوليو عام 1942 بعد أن تولي " النحاس " الحكم أن طال اثنان من الطيارين المصريين وراء الخطوط البريطانية وهبطا في المناطق التي يحتلها الألمان في الصحراء الغربية قتل أحد الضابطين وعاش الآخر وهو " محمد رضوان سالم "استجوبته السلطات الألمانية فطلب منها أسلحة للفلاحين والعمال المصريين لاستعمالها ضد البريطانيين .

وقال إن " فاروق " تركي لا يهتم برخاء البلاد بل بالثراء .

وقال إن حزب الوفد يضم مجموعة من السياسيين القدامى ولابد من قيام نظام عسكري جديد في مصر.

وتنتهي الحرب ويعتقل الحلفاء في ألمانيا " محمد سالم رضوان " وينقلونه إلى مصر كتب " اللورد كيلرن " إلى " النقراشي " يوم 29 يونيو 1945 يقول :

" عزيزي رئيس الوزراء .

تشاورت مع حكومتي بشأن المصريين الذين تعاونوا مع العدو خارج مصر في أثناء الحب .

وقد وصلتني التعليمات كي أحيط دولتكم علما بأنهم يرون أن رغبتكم في تلافي إثارة أية مشكلة لا ينبغي أن تكون أساسا لترك هؤلاء المجرمين مطلقي السراح.

وعلمت أنه من غي المحتمل في ظل القانون المصري أن ترفض المحاكم نظر هذه القضايا على أنها خيانة باعتبار أنها ارتكبت خارج البلاد.

ولقد فهمت من رسالة سعادتكم التي نحن بصددها أن الحكومة المصرية على استعداد لمحاكمة ومعاقبة أى من هؤلاء الأشخاص الذين يثبت ارتكابهم لجريمة ضد القانون المصري في غمار تعاونهم مع أطراف أخري .

وافترض أن الخيانة يمكن تجريمها بصرف النظر عن المكان الذي ارتكبت فيه وعلى هذا أتقدم إلى الحكومة المصرية في ظل الحالات التي ينطبق عليها ذلك فألب إجراء محاكمة بشأنها وفي الحالات الأخرى سأقبل ما عرضتموه دولتكم .

وإني ألتمس أن تتولي الحكومة المصرية أمر الترتيبات المتعلقة " برضوان سالم " لدي وصوله المطار وأنها – أى الحكومة المصرية – ستكون على استعداد لسداد تكاليف رحلته إلى مصر "

ويبعث كيلرن التقارير الواردة من هيئات لأمن العسكرية البريطانية عن الأنشطة التي قام بها محمد رضوان سالم إلى النقراشي قائلا إن " محمد رضوان سالم " قام باتخاذ درجة وثيقة من التعاون مع الأعداء .

وقال :" ثبت أن الرجل خائن ومن هنا فإن الخطوات التي تتخذها السلطات المصرية لمعاقبته سترقبها الحكومة البريطانية بكل اهتمام .

ولست بحاجة إلى أن أؤكد لدولتكم ما يحكم هذه القضية من مبادئ لها طبيعتها الحيوية وأضع تحت أنظار دولتكم وبشكل عاجل الموقف العام الذي تتخذه الحكومة البريطانية إن " محمد رضوان سالم" طيار في سلاح الطيران طار إلى الخطوط الألمانية في يوليو سنة 1942 "

ويرفق اللورد محضر التحقيق الذي أجرته قوات الحلفاء في ألمانيا مع " محمد رضوان سالم " وهذه مقتطفات منه.

  • س: هل لك أن تحكي قصتك منذ بدأت رحلتك الاختيارية ؟
ج: أنا محمد رضوان سالم الضابط رقم 5 في السرب المقاتل بسلاح الطيران الملكي المصري استدعيت لمقابلة شخصية كبيرة معينة وقال إنه بحاجة إلى طيار يؤدي عملا معينا وقال اخترتك لتستقل طائرة وتهبط خلف خطوط الأعداء وتحاول إقناعهم أن يوقفوا الغارات على المدينة وأن يعتنوا بالمصريين في الصحراء .

أقلعت صباح يوم 8 يوليو 1942 بطائرة حربية من ألماظة بالقاهرة وهبطت خلف الخطوط الألمانية في مرسي مطروح .

قابلت" روميل، وكسلرنج، والجنرال موللر "

أخبرني " كسلرنج " نفسه أني لو تأخرت بضعة أيام عن المجئ لكانت يساورهم نحوي فوضعوني في سجن مدني في برلين اسمه " الكسندر بلانز"

وأردوا مني قيادة العرب ضد البريطانيين الذين كان المفتي " الحاج أمين الحسيني يعمل على ترويضهم في فلسطين في حين كان يعمل في الوقت نفسه لحساب الجستابو .

وجئت إلى برلين لإعداد الخونة العرب للحرب ضد البريطانيين ومارست التدريب العسكري لهذا الغرض كما أرسلت إلى تونس ووضعوني في فندق في مدينة الحمامات كان مليئا برجال الجستابو الفرنسيين .

وحين وجدت الأمور تتخذ مجري خطيرا عددت تقريرا إلى " كسلرنج " كتبت فيه " إن هؤلاء الناس – العرب – ليسوا لائقين ليكونوا جنودا وعليكم أن توفروا ما تقدمون من مواد فلا تبددوها فيما لا طائل وراءه ، ولا أستطيع مسئولية قيادتهم "وعلى ذلك أعادوني إلى ألمانيا .

عادت الشكوك تساورهم من جديد فقضيت الفترة كلها موضوعات تحت رقابة الجستابو وبعد أن أمضيت زمنا على هذا الحال تكون لديهم رأي يقول بأني اعمل مع عناصر في برلين لها صلات بأجهزة المخابرات البريطانية والمصرية .

وكانوا يعتقدون أني ألعب دورا في قصف ألمانيا من خلال معلومات حيوية أقدمها حول المواقع الواجب قصفها .

ومع ذلك لم يكن بوسعهم تقديم أدلة محسوسة ضدي ووضعوني في السجن المدني " الكسندر بلانز" حيث ظللت تحت رقابة الجستابو وقد احتجزوني مع اليهود الألماني بهدف الإفادة من المعلومات التي يمكن أن أحصل عليها من خلال أية محادثات أجريها مع نزلاء المعسكر وثبت أن كثيرا من زملائي من رجال الجستابو .

وقد أضربت عن الطعام لمدة خمسة أيام مما أصابني بالمرض فنقلت إلى مستشفي وبقيت هناك وعندما بدأ الروس يهددون المدينة نقلوني إلى ميونخ وأعطوني ورقة كان على أن أعرضها على الشرطة كل خمسة أيام .

وفي يوم من أيام العرض هذه كان الأمريكيون يقتربون من ميونخ ولم أذهب يومها لأني كنت مستعدا بجواز سفر مزيف .

وأعفتني هذه الوثيقة من تقديم نفسي للشرطة بشكل دوري .

وبعد ذلك حين دخل الأمريكيون ميونيخ ذهبت إلى الحكومة العسكرية فأرسلوني إلى المعسكر الذي جئت منه إلى هنا .

ويحاكم محمد رضوان سالم ويحكم عليه ... ومع ذلك فإن السفير البريطاني لا يقتنع بالحكم برغم قسوته كما تقول هذه البرقية المرسلة من السفير لوزير خارجية بريطانيا .

1- الضابط المصري محمد رضوان سالم من سلاح الطيران الملكي المصري حوكم أمام محكمة عسكرية مصرية فقضت بتنزيل رتبته وتسريحه من الجيش وبمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة 15 عاما.

2- وقد تشاوروت مع قائد منطقة الشرق الأوسط وقائد سلاح الطيران بالشرق الأوسط حول ملاءمة هذا الحكم ، وكان من أي الجنرال " السير برنارد باجيت" أن الحكم ليس شديدا في ضوء المقاييس البريطانية وإن كان يمكن القول بأن جنسية محمد رضوان سالم فضلا عن مركز مصر القانوني المعقد في علاقاتها مع المحور فترة مغادرته لها تعتبر من الظروف المخففة للعقوبة ومن هنا فإن الجنرال باجيت يعتبر العقوبة مناسبة .

3- ويري ماريشال الجو السير شارلي مدهيرست أن محمد رضوان سالم لو كان في سلاح الجو الملكي البريطاني فإن عقوبته ستكون أقس بكثير ولكن نظرا للوضع الغريب الذي كانت فيه القوت المسلحة المصرية فترة اختفاء هذا الضابط فإن ماريشال الجو " مدهيرست" يعتبر الحكم معقولا " هموم السفير أخذ السفير البريطاني يتحين الفرص بلا بأس أراد أن يحكم البلاد عن طريق " النقراشي " كما حكمها في السنوات الأخيرة عن طريق حسين سريومصطفي النحاس ، وأحمد ماهر "ولكن " النقراشي " صعب المراس .

لجأ " اللورد كيلرن " إلى " عبد الفتاح عمرو باشا" السفير المصري في لندن وكان بالقاهرة – ليكون وسيطا لدي " النقراشي " يعلمه أسلوب الحكم في مصر : وهو أن رئيس الوزراء يجب أن يحافظ على الصلات الطيبة مع السفير البريطاني في مصر يستشيره ويمتثل لنصائحه ! تطوع " عبد الفتاح عمرو باشا " للقيام بهذه المهمة ثم زار السفير ليعرض عليه نتائج مساعيه الحميدة ووساطته لدي " النقراشي "ويتضح من الكلمات الأولي أن " عمرو" حذر " النقراشي باشا " من شكوك بريطانيا نحوه ى نحو رئيس الوزراء .

قال " عمرو ، لكيلرن"

" وجدت " النقراشي " مستعدا تماما لفكرة أن يطرح كما فعل " أحمد ماهر " موضوع المحافظة على الصلة المستمرة بك حتى يضمن وجود الانسجام "

ويقول " كيلرن " في برقيته لحكومته

" أخبرت" عمرو باشا " أني لاحظت ما قام من جهد طيب ، وإذ كان النقراشي " حريصا كل الحرص منذ أيام قليلة على الحصول على موافقتي قبل تعيين مدير عام جديد لبلدية الإسكندرية .

وكان من سخرية القدر أني – في هذه المسلة بالذات – لم يكن بوسعي الموافقة في ضوء ما رأيته من سمعة سيئة بها المرشح للمنصب .

فإن كان مواليا للألمان ومعاديا للبريطانيين خلال الفترات الحرجة الأولي من الحرب"

" وبالنسبة لموضوعات أخري أبلغت " عمرو باشا " بما سبق أن قلته لوزير الخارجية بشكل غير رسمي تماما حول ضرورة إعادة النظر في خطا استبعاد حزب الوفد من ( مؤتمر سان فرانسيسكو).

وإذا كان ذلك ليس دخلا في اختصاصي فإني أستطيع أن أشم رائح مشكلة تثور في الأفق . إذ يعود الوفد إلى مصر في حين أن حزب الوفد – حزب الأغلبية – مطلق الحرية في البلد دون قيد يطلق لسانه انتقادا وتجريحا .

أخبرني " عمرو باشا " أن كلا من " الملك فاروق " وحسنين " طلبا منه تأجيل سفره إلى مقر عمله في لندن حتى نهاية الشهر .

أجبت : إنه كلما بقي فترة أطول لأداء مهمته المفيدة خلف الكواليس كان ذلك أفضل وتقرير " عمرو " عن أجواء السراي " والنقراشي " مشجع بالتأكيد لكنه يشك كثيرا في صفات " عبد الحميد بدوي باشا " وزير الخارجية الجديد الذي يعتبره ضيق الأفق وغارقا في المسائل القانونية .

أطلعت " عمرو باشا " ليبلغ " الملك فاروق " على الاتجاه العام الذي ساد لقائي مع " على ماهر "

قال " عمرو باشا " إن " الملك فاروق" ينظر بكل تقدير إلى دوافعي للموافقة على رؤية " على ماهر " ثم قال " عمرو :" هناك ثلاثة رجال خطرين في مصر وهم :- على ماهر والشيخ مصطفي المراغي وحسن نشأت باشا "

بدلا من اللف والدوران رأي " بنكني تاك " الوزير الأمريكي المفوض أن يحمل كل الإشاعات إلى " النقراشي إلى " اللورد كيلرن " وإلى احمد حسنين باشا " ليعرف الجواب الصحيح من وجهة نظر كل الخصوم أو كل الأطراف .

قال " تاك ، للنقراشي " كما تقول برقيته لواشنطن

- جري أخيرا كلام كثير حول النشاط الزعوم " لعلى ماهر باشا " وهناك إشاعات بأنه قد يتولي أحد هذين المنصبين .

(أ‌) أن يخلف " حسنين باشا " كرئيس للديوان الملكي .

أو

(ب‌) يسعي إلى تشكيل حكومة

رد " النقراشي باشا بصورة حازمة :

- مسألة أن يصبح " على ماهر " رئيسا للديوان غير واردو ولا أعتقد أن " على ماهر " نشيط سياسيا بصورة خاصة .

- وأضاف النقراشي :

- إن " على ماهر " بوصفه من رجال الدولة القدامي يتمتع بشهرة واسعة وأى شئ يقوله أو يقوم به يجري تضخيمه .

- وزيادة على ذلك فإن له أعداء سواء في القصر أو الحكومة وبوصفه مستقلا فمن الصعب عليه من الناحية السياسية أن يعتمد أو يسعي للحصول على تأييد أى حزب أو عدة أحزاب في الحكومة الائتلافية الحالية .

ولكن " اللورد كيلرن" السفير البريطاني لا يشارك " النقراشي باشا " آراه قال " لتاك":

- إن " على ماهر " يتآمر سياسيا ويطل برأسه القبيح من جديد

- أما " حسنين باشا" فنفي " لتاك " وقال :

- على ماهر " في حالة كئيبة ومرضية تقريبا .

وتتعدد اللقاءات بين السفيرين .

اللورد كيلرن" سفير بريطاني في القاهرة

( وعبد الفتاح عمرو) سفير مصر في لندن وسفير " كيلرن" لدي النقراشي "!وصف اللورد كيلرن في برقيته رقم 93 لقاءه مع عمرو

-قال :

1- " زارني " عبد الفتاح عمرو باشا " لتوديعي ويعتقد ن بوسعه تأجيل سفره وما أو يومين في انتظار وصول " اللورد سوينتون " وزير الطيران المدني البريطاني إلى القاهرة إذ ستثار مسائل حساسة خاصة بالطيران المدني تجري مناقشتها مع " محمود فهمي النقراشي باشا "

2- أخبرته عن آخر المضايقات بالنسبة لتأخير اتفاق الطيران الخاص بنا ،سمعت أن " النقراشي باشا " ينوي تأجيل إقرار الاتفاق لما بعد ( مؤتمر سان فرانسيسكو )

قلت إني فوجئت بهذا التأجيل – وهو أمر تنقصه الحكمة والعقل – وليس في مصلحة مصر أ و بريطانيا .

وقلت إني أعلم ن المقترحات الأمريكية وصلت لتوها إلى الحكومة المصري منضمة مسائل أخري مثل – الحرية الخامسة – في الجو .

وكتبت إلى " النقراشي باشا " أحذره من التسرع في إقرار المقترحات الأمريكية حتى تسنح له فرصة إجراء مناقشة وافية للموضوع مع " اللورد سوينتون " وهذا شئ يدعو إلى الأسف البالغ فإن " النقراشي وعبد الحميد بدوي " وزير الخارجية قررا فيما بينهما مزيدا من تأجيل الموضوع .

وقلت " لعمرو ":

- شتان بين هؤلاء وبين " أحمد ماهر " الذي بارك الاتفاق بكل قواه .

- قل لى " عمرو باشا " إن متفق تماما معي .

- وقال إنه سيعاود حث الملك على الوقوف ضد هذا التأجيل باعتباره أمرا تنقصه الحكمة.

3- قلت : لعمرو باشا "

- سأتكلم معك بصراحة كاملة .

أعربت له عما يساورني من قلق على الوضع الراهن ، وأخشي أن مصر التي اجتازت الحرب دون أضرار تذكر احتفظت بالمغانم وتجنبت المغارم ، وانتفخت أوداجها وتصورت نفسها في موقف القدرة على أن تملي علينا ما تريد .

وقلت له : إن مصر تتصرف حاليا بطريقة ستضطرنا إلى التدخل لتصحيح مسار الأمور عاجلا أو آجلا .

وقلت له : إن المصريين لن يكونوا معتمدين على العون الأمريكي .

لقد واجهنا منذ وفاة " أحمد ماهر " رجلا معقدا إن " النقراشي " لا يرجي منه أى خير وقلت : قد تكون " للنحاس باشا " وجماعته عيوبهم الواضحة بل وربما يكونون قد تخطوا حدودهم ولكني قادر على مناقشة الأمر بطريقة غير رسمية وكنت عادة أصل مع " النحاس " وجماعته إلى أساس متفق عليه لتسوية الأمور قبل إثارتها بطريقة رسمية .

وقلت " لعمرو باشا " مع النحاس " وجماعته كان بوسعنا دائما – بشكل عمي – أن نحصل علي ما نريد في كبير الأمور وصغيرها بما فيه رضا وقناعة الطرفين .

أما في أيامنا هذه فما أبعد الليلة عن البارحة سواء من ناحية الوضع أو الجو العام أصبح من الضروري بذل كل محاولة لتحسس الأرضية قبل السير عليها أو إرساء أى قاعدة لاتفاق مبدئي .

إن مثل هذه المحاولة من شأنها أن تعطي للشلة الموجودة حاليا – أى " النقراشي " وحكومته الفرصة لاتخاذ مواقف وطنية والتشدد في الشكليات التي لا تجدي .

وبهذا يسدون الطريق على إمكانية التوصل لحل مسألة من المسائل وتسويتها عن طريق التراضي خارج الإطار الرسمي .

إن كل ما يواجهنا حاليا من مشكلات ومضايقات أمور هينة ، إذا قيست بالمشكلات القادمة مثل قضية الدفاع عن مصر ومستقبل قناة السويس .

مع " النحاس " كان بوسعي الاطمئنان إلى التوصل لاتفاق .

مع " أحمد ماهر " كنت واثقا أن الأمور ستعالج بنظرة رجل دولة محنك.

أما مع " النقراشي " وبجانبه " عبد الحميد بدوي " فليس لدي ما أركن إليه لسوء الحظ لا سعة الأفق ولا بعد النظر السياسي وإنما بدلا عن ذلك – النظر القانونية الضيقة والنهج الوطني المتعصب وباختصار فإن المنظر العام ينذر بالخطر.

كان " عمرو باشا " على دراية بالعوامل التي ذكرتها وكان يشعر أن الجانب المضئ الوحيد في الصورة يكمن في استمرار الملك في لعب دور مساعد في هذا المجال .

وأبدي " عمرو " دون أن يمتدح نفسه – شعوره بنجاحه في إبقاء الملك سائرا على الطريق المستقيم بالنسبة لبريطانيا وافقت على ذلك .

وأعرب الملك عن أمله في أن يواصل " عمرو " دوره من لندن بمساعدة وزارة الخارجية وقال إنه تم ترتيب أمر الاتصال المستمرة " بالملك فاروق " من خلال الحقيبة الدبلوماسية لوزارة الخارجية .

وبهذه الطريقة ،.... ومع مداومة الاتصال بمستر " سكريفنر " رئيس القسم المصري بوزارة الخارجية ، فإن " عمرو" يرجو أن يتمكن من خلال تقاريره المباشرة إلى " الملك فاروق " أن يبقي الملك على علم بكل ما يدور .. ذلك أن هناك شيئا مؤكدا ، وهو أن " عبد الحميد بدوي باشا " لم يضع الملك في الصورة أبدأ . ولا يرجع إليه إلا إذا اضطربت لأحوال .

وأكدت له أن " سكريفنر " سيكون على استعداد لاستقباله دائما وإحاطته بفكرة عن الأحداث المحلية التي تجري بالقاهرة .

بدأت الولايات المتحدة تطل على منطقة الشرق الأوسط تحاول وراثة النفوذ البريطاني أو ما تبقي منه .

وغضبت بريطانيا من ذلك وأصرت على أن تختار مصر بين الولايات المتحدة وبريطانيا. وكان القرار الصائب أو القرار الملزم – في رأي السفارة البريطانية – هو أن نختار مصر وإلى الأبد التبعية لبريطانيا .

وظهر التنافس بين لندن وواشنطن على الشرق الأوسط في مشروع اتفاقية الطيران المدني أصر النقراشي على أن يستفيد من التطور الضخم الذي جاءت به الاتفاقيات والمعاهدات الدولة الجديدة في حين أصرت بريطانيا على أن تكون لها السيادة في الأجواء المصرية حتى الطيران المدني .

وبدأ " النقراشي " ومعه " عبد الحميد بدوي" وزير الخارجية يضعان العراقيل في طريق الاتفاقية المصرية البريطانية .

اقترحت بريطانيا إنشاء شركة طيران مدنية تشترك في تأسيسها شركة الخطوط الجوية البريطانية وبنك مصر تقوم بتسيير رحلات منتظمة إلى العواصم التي لا تصل إليها شركة مصر للطيران وجاء " اللورد فيليب سوينتون " وزير الطيران المدني البريطاني إلى القاهرة .. ولكن " النقراشي " ولم يمتثل ولم يخضع وأرجأ بحث الموضوع إلى ما بعد تعديل المعاهدة وكان واضحا منذ البداية أن " النقراشي " لن يربح المعركة ... بل أنه لم يكسبها لا في وزارته الأولي ولا في وزارته الثانية .

ويشكو السفير البريطاني همومه إلى " السير رونالد كامبل " الوكيل المساعد لوزارة الخارجية البريطانية فبعث إليه برسالة خاصة يقول فيها :

" سقط الوفديون في الخريف الماضي بسبب حماقتهم بالدرجة الأولي ومن حسن الحظ لم أكن موجودا بالقاهرة مما جعل من السهل تجنب أى هوة بيننا وبين الوفد

وبالمناسبة كما لا شك قرأت بين سطور تقاريري الرسمية إنه بفضل ذلك جنح الوفد إلى السكون كما لا شك قرأت بين سطور تقاريري الرسمية إنه بفضل ذلك جنح الوفد إلى السكون وتصرف بحصافة غير معتادة ( بالنسبة لوفد) خلال الشهور التي مضت منذ إبعاده عن الحكم .

ولعل الخطأ الوحيد – وهو خطأ فادح - البيان الذي أصدره ضد دخول مص الحرب وهذا البيان أغبي من الغباء نفسه.

وخلف الوفديين " أحمد ماهر " وهو الرجل الوحيد الذي عقد عليه الأمل في تحقيق نجاح معقول .

وضعه القصر في منصبه وكان يعلم مقدما أن بوسعه أن يعتمد على التأييد الكامل من جانب السفارة البريطانية .

وهكذا سارت الأمور وبدا أن الأحوال في طريقها إلى الاستقرار لفترة قادمة .

أبلغت " الملك فاروق " بكل طريقة ودية أن جلالته . حين أتي " بأحمد ماهر " وائتلافه أدخل نفسه مباشرة في الساحة السياسية وهو أمر له – أيضا – مسئوليته الجسيمة .

وقلت إننا جميعا نرجو أن تحقق هذه الخطوة نجاحا وأن السفارة ستكون مستعدة بالتأكيد – من وراء الكوليس لمد يد المساعدة إلى رئيس الوزراء الجديد.

وبدت الأمور في صورة معقولة .

أحرزت علاقاتي " بأحمد ماهر " تقدما رائعا وكنا متفاهمين نلتقي ونتبادل الأفكار وسط أفضل ما يمكن من الأحوال ، وفي ظل جو من التفاهم والتعاون المتبادل .

ثم جاء الاغتيال وتمت تصفية " أحمد ماهر " العزيز الصغير الذي ارتبطت به بصدق على امتداد سنوات وخلفه – كما كان – مقررا شخص ذو طبيعة مختلفة تمام الاختلاف هو " النقراشي "

كان موت " أحمد ماهر " مأساة حقيقية إذ كان – في رأيي – الرجل الوحيد القادر على حكم البلاد في هذه الفترة التي تبدو فترة انتقال .. على أفضل تقدي .

وهكذا وجدنا أنفسنا مع " محمود فهمي النقراشي " وجها لوجه ، وقد احتل مقعد " أحمد ماهر " والنقراشي " مجرد مدرس ضيق الأفق غبي يثير الاستفزاز بعناده إنه رجل بلا رؤية ولا كفاءة سياسية أبدا.

وإذا كان النقراشي ليس سيئا فيما يتعلق بالالتزامات الأساسية للروابط الإنجليزية المصرية .

فإنه عديم الكفاءة بالمرة بالنسبة لمنصب رئيس الوزراء الذي رفع إليه فجأة وبالمصادفة وأكثر من هذا ليس لدي " النقراشي " من يؤيده في البلاد لأنه ظل يلعب دور التابع الحزبي خلف " أحمد ماهر " لا أكث ولا أقل .

أضف إلى ذلك وزير المالية " مكرم عبيد" الذي لا يكاد يجاذب رئيس الوزراء الحديث والمعروف أن " مكرم عبيد" يعمل لحسابه انطلاقا من شئ واحد هو روح الانتقام من " النحاس باشا " والوفديين .

وقد صمم " مكرم عبيد" على أن يري الوفديين بأى وسيلة سجناء خلف القضبان وكأنما ل تكن هذه الخطة كافية أضيف إليها " عبد الحميد بدوي وزير الخارجية – وسوف تذكر " بدوي بالتأكيد منذ أيام خدمتك السابقة في مصر – وهو رجل قانون على درجة فائقة من الكفاءة والعلم ولكنه وطني متطرف وهو حريص بطبيعته، وتعليمه ، على أن يدقق النظر في كل فصله ، وكل نقطة ، ويشك أن وراء كل سطر فخا منصوبا ، ومن هنا فالرجل آخر من يصلح مسئولا عن الشئون الخارجية .

واستطعت – لحسن الحظ إبقاء صغيرنا عبد الفتاح عمرو " في مصر لأن " احمد حسنين يعاني ضعفا صحيا فأصبح لا يعتمد عليه .

وقد انزوي عن مسرح الأحداث في نوفمبر الماضي وهو عليل جدا ، وفي رأيي أنه يمكن أن يصاب بالمرض في أو وقت .

واقترح " حسنين " على – استخدام " عبد الفتاح عمرو" كوسيلة اتصال سليمة إلى الملك الذي يميل إليه بالذات بسبب إجادته لعبة ( الأسكواش ) في أثناء فترة نقاهة " احمد حسنين" وهذا الترتيب هدية من السماء وحينما استخدمناه – بانتظام – تمكنا من التغلب على مصاعب كثيرة ما كانت تجد حلولا لو أتصلنا بشأنها مع الحكومة مباشرة .

وتبقي الحقيقة الواضحة وهي أن هذه التركيبة الوزارية من صنع القصر ومن ثم فهي تأتمر بأمره .

بعد ذلك – ولسوء الحظ – عاد الشك – ذلك الوباء المتفشي في المصريين ينتصر مرة أخري أصبح " احمد حسنين " يشعر بالغيرة من " عمرو " الذي تبناه – من قبل – لدرجة أن " حسنين تصور ، والغيرة تأكل فيه ، أن " عمرو " يعمل على خلعه كمستشار دائم " للملك فاروق "

وعلى هذا تعين على " عمرو " أن يسافر إلى مقر منصبه في لندن برغم أن " حسنين " يزال مريضا غير قادر على العمل

وبدون وجود " عمرو " ودوره كمبعوث أو لسان حال لنا مع " الملك فاروق " تحركت لأواجه " النقراشي " ومعه " عبد الحميد بدوي " ذلك الرجل الصعب المتصلب.

لقد رأينا " النقراشي " على حقيقته وكم كنت مسرور عندما قدر لأحد الوزراء البريطانيين – سوينتون وزير الطيران – أن يري ذلك بنفسه عندما كان الوزير في القاهرة وأخذتنه لمناقشة مسائل الطيران مع النقراشي "

لقد عامله " سوينتون" بطريقة متعالية أرجو أن تحدث فعلها في هذه القضية بالذات ولكني الآن بصدد توضيح أن هذا هو " النقراشي " وهذه هي جماعته التي يتعين علينا أن نتعامل معها في أمور كبيرة حقا مثل الدفاع عن مصر وتعديل المعاهدة وقناة السويس وما إليها إنها نظرة متشائمة حقا وليس هناك ما يثبط الهمة أكثر منها وعلينا أن نستمر بأفضل الطرق الممكنة.

وأظن أن السجلات تبين أن هذا هو أسلوب المعتاد لكنك لا تستطيع أن تصنع من الحليب بارودا بل إن الحليب الذي نتعامل فيه أقل دسما من الحليب المعتاد.

وقد فكرت بطبيعة الحال فيما عسي أن تكون البدائل ولست أعرف لهذا السؤال أية إجابة بل الأفضل ألا أحاول الإجابة في الوقت الحاضر وفي رأيي أن الوفد يكسب الآن أرضا جديدة.

ولم يتبدل اعتقادي أبدأ بأنهم يتمتعون دواما بستين في المائة على الأقل من تأييد سكان البلاد وسيواصلون مسيرتهم تلك على حساب ما يفقده الفريق الحالي من تأييد.

وقد ترك الوفديون لحسن حظهم دون الانضمام إلى ( وفد سان فرانسيسكو) مما يعطيهم كامل الحرية في انتقاد ى إجراء يتخذ هناك وكذلك فإن الغذاء والكساء ومواد التموين الآن أقل من أى وقت مضي إن الوفد يبدو وكأنه على ما يرام حاليا .

والأفضل لهم أن يبقوا بعيدا عن الحكم فترة من الزمن فهذا من شأنه أن يؤدي إلى الهدوء ويعطيهم وقتا يراجعون فيه ما ارتكبوه من حماقات وأخطاء ، حينما كانوا في الحكم ومن هنا فمن الأفضل لهم في تقديري – ألا يعودوا إلى الحكم إلا بعد فترة من الزمن والآن أين يقف " الملك فاروق " من هذا كله ؟ هذا سؤال آخر كبير وإن كنت أعتقد أنه في موقف أسوأ مما يتصوره حزب الأغلبية بعيد عن الحكم والملك جعل من الوفديين خصومه الألداء .

والبلاد معرضة تماما لحدوث قلاقل اجتماعية خطيرة في أى وقت وقد تمادي الملك في إهانة متآمر خطير مثل " حسن نشأت " فجعله عدوا لدودا .

وعلاقته سيئة مع قريبه " حسين سري" وعلاقته بالملكة موضع الثرثرة ورواة الفضائح إن هذه ليست صورة وردية .

لكن هناك جانبا آخر لهذه الصورة فالملك عمل منذ جرعة الدواء القوية في العلمين أى منذ 4 فبراير وانتصار العلمين – على إضفاء تغيير كبير على لهجته .

وهو الآن تجسيد حي للمودة خصوصا مع جنودنا البسطاء وبالذات رجال الطيران وأدي ذلك إلى ميزة كبيرة بالنسبة لنا تمثلت في استعداد الملك – بوحي من عبد الفتاح عمرو – بأن يلزم أفراد الحكومة الحالية حدودهم حينما طلبنا وأن يجرهم على أن يلعبوا اللعبة لحسابنا .

ولكن قناة الاتصال هذه نضبت بعد رحيل " عمرو" وليس هناك من يحل محله إلا " حسنين" العليل الذي يلازم الفراش علاوة على كل ما سبق فإن رجالا صغارا – مثل " النقراشي ، وبدوي " لن يتورعا عن استخدام أى اتجاه أمريكي لتخريب المركز السياسي الممتاز الذي نتمتع به في مصر .

وربما لا يكمن الخطر في الأحوال الراهنة فإني أمارس دور المراقب الصديق الذي ينتظر تطور الأحداث .

ولكن إذا عادت مصر لتصبح مركزا أو قاعدة إستراتيجية حيوية – حينما يتوسع مجهودنا الحربي في الشرق الأقصى ويزداد فربما لا يظل سليما الاستمرار في اتخاذ موقف المراقب الصديق المحايد إزاء السياسة الداخلية في مصر .

ومن هنا أعود فأقول إن علينا ( أن ننتظر ونري)إني آسف على هذا الخليط الطويل ولكني أشعر ألا ضر من اطلاعك على الطريقة التي أفكر بها ..."

وردد " كيلرن" شكواه .. ولكن إلى " حمد حسنين باشا " هذه المرة قالت برقيته إلى وزارة الخارجية في لندن :

1- تحادثت طويلا مع " احمد حسنين باشا " رئيس الديوان الملكي مساء أمس

2- ينظر " حسنين " بكثير من الاستهانة إلى رئيس الوزراء الحالي " محمود فهمي النقراشي " لكنه يأمل أن يتعلم " النقراشي " ويصبح أقل ( حنبلية ) وأكثر اتساعا في أفقه أخبرت " حسنين" عن تجربتنا المثبطة للهمم بخصوص اتفاق الطيران بين مصر وبريطانيا .

3- قال " حسنين باشا " إنه يستبد به غم شديد بسبب وجود رجال يتمتعون بأى قدر من الكفاءة السياسية وليس هناك دم جديد يبدو في الأفق .

وقال " حسنين " إنه لم يعرف قط هذا النقص الشديد في الرجال ومن هنا فإن وفاة أحمد ماهر تعد بمثابة كارثة قومية من الدرجة الأولي .

4- أخبرته أن أشد ما يقلقني في الوقت الحاضر أنه سيتعين على التعامل مع رئيس الوزراء الحالي لمعالجة مشاكل كبيرة قادمة على الطريق مثل : تعديل المعاهدة وقناة السويس ..الخ.

ومثل هذه المشاكل كان يمكن الاتفاق عليها مقدما مع " أحمد ماهر " .. وبشكل مفيد ووفق أسس معقولة .

أما ن أحاول ذلك مع " النقراشي" الذي يسانده عبد الحميد بدوي ، فلا يبدو أمل في الحل بقدر احتمال إثارة رد فعل متعصب قومي محكوم بصيغ قانونية جامدة .

ولو كان هناك فريق وزاري أكثر استنارة لكان المرء يحدوه الأمل في ملاقاة تلك الصيحة الببغائية القائلة ( بتعديل المعاهدة) بل ينطلق الجميع وفق منهج واقعي مستمد من الحقائق الثابتة الموجودة لمعالجة مشاكل مثل الدفاع الفعال عن مصر ضد العدوان الجوي مثلا في ضوء تجارب الحرب.

5- وافق حسنين – معي – على أن الحكومة الحالية ينقصها القدر اللازم من الرؤية والقدرة السياسية .

وأعرب " احمد حسنين عن اعتقاده أن أفضل نهج هو الحكم السليم على الأمور .

فالمطلوب – في رأيه – جعل الرأي العام المصري يفهم أنك حين تكون " مواليا لبريطانيا " فمعناه وبصدق إنك ( موال لمصر )

وقال " حسنين إن ذلك يتطلب تدبيرا عميقا وعملا إعلاميا سليما الأمر الذي نأمل أن نقوم به في المستقبل .

6- ثم طرح موضوع " على ماهر " وكان رأي " حسنين" قاطعا في أنه لا ينبغي أن نعود فنثق أبدا في " على ماهر " وفضلا عن ذلك " فعلي ماهر رجل مريض .

وأضاف " حسنين " إن " على ماهر " يتآمر حاليا مع " حسن نشأت " حول إيجاد حركة شباب جديدة بالإضافة إلى محاولة إلغاء نظام لأحزاب .

واعتبر حسنين أن عودة الصحفي لأمريكي " جوزيف ليفي " أمر مؤسف للغاية لأن " ليفي " سعيد بصلته " بعلي ماهر" وسيبدأ في الدعاية التي تضخم من شأن " على ماهر " سواء على صعيد السياسية المحلية و في الصحافة الأمريكية .

7- أعرب " حسنين باشا " عن عميق قلقه بالنسبة للأحوال الاجتماعية وما يتردد عن وجود أنشطة روسية في مصر وهي أنشطة تعمل بشكل متقن وحققت بالفعل قدرا من الفعالية وقال إنه يتنبأ بحدوث اضطراب داخلي شديد سيكون من الصعب مجابهته خاصة وأن الفريق الحاكم حاليا ليس مؤهلا للتعامل مع هذا الخطر .

وأكد أنه من المهم لنا – أى لبريطانيا العظمي – أن تظل مصر في حالة هدوء وأن علينا أن نبذل ما في وسعنا لضمان ذلك الهدوء .

وقال إن مصالحنا الأساسية تكمن في أن نضاعف جهودنا لتخفيف ظروف المعيشة عن الشعب .

وقال إنه يعرف الصعوبات لعملنا الجديد في هذا الصدد ( وكنت قد شددت على موضوع هذه الصعوبات وأضفت أن الرأي العام البريطاني على قناعة تامة بأن مصر لم تكتو حقا بنار الحرب)

ومع ذلك فلا بأس ن نعاون في المسائل الحيوية مثل توفير:

1- الأسمدة .

2- الكيروسين

3- الكساء .

ودافع " حسنين " عن أهمية توفير هذه المواد دفاعا حارا وإني مقتنع أنه على صواب لكني شرحت له - بالطبع – الصعوبات المتعلقة بعمليات الشحن .. الخ وإن وافقته على أن منع عصف القلاقل بمصر أمر على غاية الأهمية بالنسبة لنا .

8- أكد " حسنين" اقتراحه بأن يبدأ معاونة " حسن يوسف " في مباشرة دوره بوصفه قناة اتصال غير رسمية مع " الملك فاروق " في أثناء الاعتكاف الصحي المستمر له – أى لحسنين – تماما كما كان " عمرو باشا " يؤدي هذه المهمة من قبل بنجاح.

وأكد أنه سيكون من غير السليم سياسيا أن أتصل مباشرة " بالملك فاروق "متخطيا بذلك الحكومة المصرية في الشئون والمشكلات اليومية .

9- جدت " حسنين باشا" أحسن صحيا مما توقعت ذهن حاضر واستعداد تام للمساعدة وهو يدرك أنه لو حدثت له نكسة صحية فستكون الأخيرة .

ولهذا سلم بضرورة التخفف من الأعمال وأن يسمح " لحسن يوسف "أن ينوب عنه مؤقت في الاتصال بالسفارة وسأبدأ في تجربة هذا الترتيب "

ويلتقي " الدكتور محمد حسين هيكل باشا بالنقراشي .

قال " هيكل ":

- إن غياب كبار الساسة عن مصر في هذه الفترة الدقيقة من حياة العالم لا ضرورة له واقترح أن يرأس الوفد المصري إلى ( مؤتمر سان فرانسيسكو ) بدلا منك " عبد الحميد بدوي باشا " وزير الخارجية وأن يستصحب من رجال القانون أكثر مما يصطحب من رجال السياسة

- رد " النقراشي "

- إني من هذا الرأي وخشيت أن أبادئك به وأنت عضو في الوفد.

وهكذا يسافر " عبد الحميد بدوي باشا " ويبقي " النقراشي " ليواجه مشكل كثيرة .

حاول " عبد الحميد بدوي باشا " وزير الخارجية في ( مؤتمر سن فرانسيسكو ) أن يدمج في ميثاق الأمم المتحدة نصا بإبطال المعاهدات المخالفة لمبادئ هذا الميثاق .

وكان هدف " بدوي باشا " معاهدة 1936 باعتبارها معاهدة بين دولتين غير متكافئتين وفيها لصوص ببقاء قوات احتلال بريطانية في مصر ولكن يفشل اقتراح " بدوي باشا"ولا يستطيع السفير أن يتجه " للنقراشي بل يقصد الملك مباشرة .

برقية رقم 1319 كم " اللورد كيلرن "إلى وزارة الخارجيةبتاريخ 13 يونيو 1945

1- تصرفت مع " الملك فاروق " بعد ظهر اليوم بناء على تعليماتكم

2- تلقي صاحب الجلالة احتجاجاتي بصورة طيبة للغاية .

بدأت بتفسير السبب في أنه من الأفضل أن أتوجه إليه مباشرة في أمر على هذه الأهمية العظمي بدلا من الذهاب لرئيس وزرائه لم يرفض جلالته هذا الرأي .

3- شرحت الخلفية الكاملة للموضوع كما كشف عنها ممثلو مصر في سان فراسنسكو اعترف الملك بأنه في حيرة .

لقد أكد – الملك – على " عبد الحميد بدوي " قبل سفره إلى سان فرانسيسكو أن يتذكر أنه يتعامل مع عقلية أمريكية وبريطانية وأن يكبح جماح عقليته ذات التدريب اللاتيني .

4- اعترف " الملك" فاروق " بأن على مصر الاعتماد على بريطانيا العظمي ولكن عليه أن يتذكر وضعه كملك دستوري ولا يستطيع التدخل إلا إذا كان على قناعة بن مصلحة بلاده تتطلب ذلك.

ذكرته بما يكفي من الإلحاح بأنه يتعين إيقاف أى مسعي غير متعقل لتعديل المعاهدة بصورة سابقة لأوانها وأننا نتطلع إليه بثقة ليفعل ذلك.

وفي إشارته لأبيه " الملك فؤاد " أبلغني جلالته شيئا أكد لى أنه لم يكشفه على الإطلاق ن قبل وهو أن " الملك فؤاد " قال له أنه على مدي الخمسين عاما القادمة لابد أن يرتبط مصير مصر ببريطانيا العظمي ويجب أن تعتمد عليها مصر دائما والآن وقد انصرفت عشر سنوات من السنوات الخمسين فإنه – أى " الملك فاروق " يشارك والده رأيه بصورة صادقة للغاية "وهموم الأمير

تغير الموقف تماما في بريطانيا

في أبريل عام 1945 طلب حزب العمل إجراء انتخابات عامة وكان " ونستون تشرشل " يرأس حكومة ائتلافية تضم وزراء من حزبي المحافظين والعمال وجرت الانتخابات يوم 5 يوليو . وأرجئ إعلان النتيجة حتى يصل فرز أصوات القوات البريطانية المحاربة والمنتشرة في كل مكان .

أعلنت النتائج النهائية يوم 26 يوليو ففاز حزب العمال وهزم المحافظون واضطر " ونستون تشرشل " إلى الاستقالة برغم أنه كسب الحرب.

وتولي " كليمنت أتلي " زعيم حزب العمال رئاسة الوزارة يوم 26 يوليو 1945 فأسند وزارة الخارجية في اليوم التالي إلى " أرنست بيفن "

حشد كيلر كل أصدقائه لإبلاغ بيفن أو للكتابة في صحافة بريطانيا بأن الأمل في نجاح أية مفاوضات مع مصر بنسبة واحد في الألف .

وحشد زعماء مصر جهودهم ومجاملاتهم للتقرب إلى حزب العمال من مصيفه في لبنان بعث " إسماعيل صدقي " رئيس الوزراء السابق إلى مجلس النواب ببرقية قال فيها " إن السياسة القديمة ستخلي الميدان لاتجه يرمي إلى خدمة الشعوب جميعا وقال " صدقي " الآن وقد تهيأ جو ن التسامح السياسي فاقترح على المجلس أن يطالب الحكومة بل يطالب الأحزاب بالعمل بدون توان على تصفية مسألتي الجلاء والسودان وقي القاهرة قالت صحيفة " البلاغ " الوفدية إن حزب العمال كان دائما قريبا منا ولا زال مستعدا للاستماع إلينا .

ومزق بعض الجنود البريطانيين في أحد بارات حي الأزبكية صورة " تشرشل " تعبيرا عن أملهم في أن يكون سقوطه بشيرا بانتهاء هذه الحرب الطويلة .

أخذت الصحف المصرية لأول مرة تهاجم اللورد .. صراحة وبعنف .

كتب " إحساس عبد القدوس " في مجلة روز اليوسف " يقول تحت عنوان الرجل الذي يحب أن يذهب "

" من حق مصر أن تطالب بسحب فخامة الرايت أو نورابل لورد كيلرن " السفير البريطاني الخالي من منصبه وإبداله بغيره فقد فشل في مهمته لأنه لم يستطيع أن يقنع نفسه بأن مصر بلد مستقل ذات سيادة !

وقد استقبلت مصر سعادة " اللورد كيلرن" عندما وصل إليها لأول مرة استقبالا كريما وبدأ الرجل بالفعل سياسة جديدة فتفاهم مع حزب الوفد الذي كان دائما ألد أعداء الإنجليز ثم فتح باب المحادثات لتصفية العلاقات بين البلدين .

وانتهت جهوده بعقد المعاهدة وأصبحت انجلترا بالنسبة لنا صديقة حليفة عزيزة وخرجت المعاهدة على العالم فدهش العالم وكتب في أكثر من كتاب وفي أكثر من صحيفة أن انجلترا ( ضحكت على مصر) وأن الزعماء المصريين مغفلون !

وأفقنا نحن من سكرة الأمل وأعدنا قراءة المعاهدة فأخذنا نولول ونلطم الخدين ولكننا رضينا بها ( وشربناها ) ما دامت الغلطة غلطتنا وما دمنا مغفلين !

المهم أن صديقنا وصديق زعيم الأغلبية فينا لم يستطع أن يفرق بين مركزه قبل المعاهدة ومركزه بعد المعاهدة .

وكان جنابه قبل المعاهدة مندوبا ساميا وأصبح بعد المعاهدة سفيرا ليس إلا أى لا تتعدي حقوقه وسلطاته حقوق وسلطات فخامة " محمود جمال"سفير إيران في مصر إلا فيما نص عليه البروتوكول .

فهل مركز " اللورد كيلرن " بيننا هو مركز السفير ؟؟

أبدأ بل إنه أعطي لنفسه حقوقا فاقت حقوق المندوب السامي في بلد مستعمر ( بفتح الميم) والرجل الذي يقتحم قصر عابدين على رأس فرقة من الدبابات ليس سفيرا ولا مندوبا ساميا إنما هو قائد لجيش معتد!

وقد لا يكون من اللياقة الدبلوماسية أن نعدد مدي أخطاء السفير البريطاني في حق استقلالنا ونعدد الإنذارات الشديدة اللهجة التي أرسلها إلى حكوماتنا المختلفة أو نبين خطورة الصداقات التي تربطه ببعض رجالنا .

وإنما نحن على استعداد لأن ننسي كل ذلك وأن نبدأ صفحة جديدة في تاريخ العلاقة المصرية الإنجليزية ولكننا لا نستطيع أن ننسي طالما أن وجه فخامته يطل علينا "

احتج اللورد على هذا المقال فصودرت " روز اليوسف " وقبض على " إحسان عبد القدوس وأمرت النيابة بحبسه 4 أيام في سجن الأجانب ولما أفرج عنه عينته والدته السيدة " روز اليوسف رئيسا لتحرير المجلة وعمره 25 عاما !

كانت مصر ضعيفة لا تستطيع أن تغير السياسة البريطانية في السودان أو يحقق وحدة وادي النيل .

أراد الوفد أن يعيد تجربة " سعد زغلول " زار مع " عبد العزيز فهمي " وعلى شعراويالسير " رونالد وينحيت" المعتمد البريطاني يوم 13 نوفمبر 1918 ليطالبوا باستقلال مصر وكانت هذه الزيارة مقدمة لثورة 1919 وأطلق على ذلك اليوم ( عيد الجهاد)

قدم الوفد في يوليو 1945 مذكرة إلى السفير البريطاني لانسحاب القوات البريطانية وتحقيق وحدة وادي النيل .

واعتقد الوفد أن ما جري عام 18 سيتكرر عام 1945 وأن الشعب سيؤيد الوفد ويتظاهر خلفه ويثور وراءه .

وأراد الوفد أن يثبت للجميع أنه المتحدث باسم الأمة والمعبر عن آمالها .

وفي عام 1918 عامل " حسين رشدي باشا ، سعد زغلول " باحترام بالغ وطلب من الإنجليز السماح " لسعد " بالسفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح .

ولكن النقراشي لم يفعل ما فعله حسين رشدي ولم ينظر للوفد إلا على أنه حزب معارض . وكان هذا هو نفس تصرف " كيلرن " والإنجليز .

ويعلن " النقراشي في مجلس الشيوخ أن مصر أقام الدليل على حفظها ونصت حليفتها وأبلت في ذلك أحسن البلاء وبذلن من المعونة لقضية الديمقراطية ما اعترفت الأمم بجليل قدره وليس فوق ذلك كله سبب أكثر تبريرا لإنهاء القيود التي أحاطت باستغلال البلاد.

ولكن " أرنست بيفن" يتخلص من الحرج بالمناورة والتأجيل صرح بأن " مسألة إعادة النظر في معاهدة 1936 ستكون موضع بحث الحكومة البريطانية في الوقت المناسب بروح الصداقة وتقدير المصالح المشتركة "

وبرغم ذلك وقبل أن يكرر " النقراشي " كلماته في خطبه العرش سرع " كيلرن" إلى " حسنين " يسأله عن محاولات رئيس الوزراء تعديل المعاهدة ويشكو إليه .

ويكتب " كيلرن" إلى لندن في 6 أغسطس البرقية رقم 224

" زارني " احمد حسنين باشا " وتحادثت معه طويلا في السياسة المحلية .

1- أولا موضوع " عبد الفتاح عمرو باشا ":

قال " حسنين" إنه لا يتوقع أن يستمر " عمرو طويلا في منصبه كسفير في لندن " وعمرو باشا " نفسه لا يريد ذلك وعنده اهتمامات كثيرة في مصر .

2- وكرر " حسنين" أنه ينتظر أن يخلفه في رئاسة الديوان الملكي " حسين سريباشا " وذلك في رأيه تعيين سليم وأمله أن اتفق معه في ذلك .

3- وافقته بكل تأكيد . لكني آسف إذا كان " حسنين باشا" يشعر أنه سيضطر لترك منصبه بسبب الاعتبارات الصحية من تلميح " لحسنين باشا " في سياق حديثه ، لن أدهش إذا عين " حسنين " سفيرا في لندن وسيكون هذا – في رأيي – تعيينا سليما .

4- انتقلنا إلى السياسة المحلية وأعرب – وأعتقد أنه صادق – عن شعوره بالرعب عندما أخبرته أن اتفاقية الطيران المدني لا تزال تكتنفها خلافات حادة كثيرة .

وهذا يرجع إلى ما يتصف به رئيس الوزراء المصري الحالي من ميل لى التعويق وعدم الاستجابة. ولما كان البرلمان المصري سينفض غدا ( 7 أغسطس ) فإن ذلك من شأنه أن يؤجل المسألة حتى عودة البرلمان إلى الانعقاد في نوفمبر القادم .

وعد " حسنين باشا " ببحث المسألة مرة أخري .

5- ثم تبادلنا الآراء حول الوضع الحالي واتفق معي على أنه وضع ميئوس منه ولمح إلى أن الحل قد يكون في تعيين " شريف صبري باشا " رئيسا للوزراء وسألني عن رأيي في ذلك ؟ أجبته:

- لا بأس به فهو رجل نظيف اليد على علاقة بجميع الأحزاب يتمتع بخيرة إدارية وإن كان رجلا ضعيفا .. كما اعتقد .

وقلت إن علاقة " شريف صبري " بالوفد وبجميع الأحزاب الأخرى طيبة وهو خال الملك ووصي سابق على العرش .

وذكرت " حسنين " بما قلته " للملك فاروق " أخيرا من أنه ليست لدينا أية نية أو رغبة للاشتغال - يقصد التدخل - بالسياسة المصرية الداخلية ولكن جلالته أول من يعترف بأن رئيس وزرائه لابد أن يحوز ثقة الحكومة البريطانية وهو شعور وافق عليه جلالته تماما .

ومع انتظار تعديل المعاهدة يصبح من الضروري أن يكون على رأس الحكومة شخص مؤهل لمناقشة مل هذه المسألة الحيوية بطريقة سياسية ومتعاونة فإذا تيسر وجود شخص كهذا في الحكم فلن يصبح من الصعب التوصل إلى تفاهم حول قضية " إن الدفاع عن مصر مصلحة مشتركة بين الطرفين ولابد من معالجتها على أسس واقعية "

وإذا تم ذلك يصبح من السهل على كلينا أن نعرض احتياجاتنا المشتركة في إطار ( ميثاق سان فرانسيسكو الجديد)

وقلت ( للملك ) " إن ذلك سيصبح مستحيلا مع وجود " النقراشي " في الحكم أما مع وجود " شريف صبري " فإني أتصور أن الأمر ينطوي على قدر معقول من لأمل "

ومن هذه البرقية يتضح أن السفير أبلغ الملك بأن " النقراشي " عقبة أمام المفاوضات !

ملأت الإشاعات الكثيرة ... جو السياسة المصرية !

وقصد " بنكني تاك " القائم بالأعمال الأمريكي إلى رئيس وزراء مصر يسأله

- هل مسألة تعديل معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا قيد البحث ؟

- رد النقراشي " بالإيجاب وقال :

- أتوقع أن تبدأ المناقشات حول ذلك قريبا . ويصاب " تاك " بالدهشة الشديدة فإن " كيلرن " يستبعد في أحاديثه مع " تاك " أن ( يجرؤ) " النقراشي" على طلب تعديل المعاهدة.

- ويحاول الوزير الأمريكي المفوض أن يعرف الحقيقة النهائية من السفير البريطاني "

برقية رقم 414 من " بنكني تاك"الوزير المفوض الأمريكي إلى وزير الخارجية في واشنطن

استعرضت الموقف السياسي الراهن في مص مع السفير البريطاني .

قال " اللورد كيلرن" إن حكومته متفقة مع تصوياته بالامتناع عن التدخل في الموقف السياسي غي المستقر إلى حد ما في مصر.

وقد حذرت وزارة الخارجية البريطانية من أنه إذا قامت حكومة " النقراشي " الحالية بأى خطوات لتعديل معاهدة 1936 فإن المعارضة الوفدية ستقضي على هذه الخطوات تماما وباختصار يشعر بأن الحكومة المصرية الوحيدة المؤهلة بشكل صحيح للتعامل مع مسألة التعديل الشائكة يجب أن تتألف من كافة الأحزاب بما فيها الوفد .

وقال السفير البريطاني إن مبعوثا وفديا أبلغه في 22 يوليو أن " النحاس باشا" رئيس الحزب ورئيس الوزراء السابق كان يرغب في أن يرسل إليه خطاب مفتوحا لينقله إلى الحكومة البريطانية حول ردود فعل الوفد إزاء الموقف السياسي الراهن وإزاء تعديل المعاهدة .

رد " اللورد كيلرن " بعدم رغبته في تلقي أى رسالة من هذا النوع من " النحاس باشا " لأنها ستتضمن بالتأكيد هجوما على حكومة " النقراشي" التي يحتفظ البريطانيون بعلاقات ودية معها ووافق السفير أخيرا على نقل الخطاب المقترح إلى حكومته بشرط عدم الإعلان عنه بى شكل كما حصل أيضا على تصريح من وزارة الخارجية البريطانية بأن يقر بصورة موجزة وغير ملزمة بالخطاب .

وقرأ " اللورد كيلرن " الخطاب الذي اتفق كلانا على أنه متهادن ومعتدل بصورة تبعث على الدهشة .

أكد " النحاس باشا " في خطابه – ضرورة تعديل المعاهدة وأوضح – دون أن يستخدم هذه الكلمات بالتحديد – إن أى مفاوضات للتعديل ينبغي أن تتولاها حكومة ممثلة للشعب المصري .

ويري السفير أن الحجج التي ساقها " النحاس " تؤيد توصياته التي تقدم بها إلى وزارة الخارجية البريطانية وهي أنه لا يمكن تعديل المعاهدة ما لم تصر وزارة الخارجية البريطانية مثلما فعلت عام 1936 على أن تجري المفاوضات مع حكومة تمثل فيها كافة الأحزاب السياسية وفي تعليقه على الوضع الراهن أشار السفير إلى أن أفضل ردود فعل " النقراشي " هي ردود سلبية ولا يتمتع برضا السراي أو برضا البلاد بوجه عام .

وتظهر على الملك علامات تدل على نفاد الصبر إزاء الحكومة الحالية التي يعد مسئولا إلى حد ما عن توليها الحكم.

وفي هذا الصدد قال السفير إن دواعي الانتقام الشخصي استمرت بين النقراشي ومكرم عبيد كما أن علاقات بدوي باشا مع مكرم عبيد يمكن أن توصف بأى شئ إلا الصداقة وسألت اللورد كيلرن من – في رأيه – يرأس حكومة معدلة ، يمكن أن تضم الوفد وأشرت إلى حسين سريباشا .

وافق على اقتراحي .

وقال إنه علم من مصدرين موثوق بهما أن الملك استطلع أي " سري باشا " مؤخرا في هذا الصدد .

وأضاف أن " سري باشا " على علاقات طيبة مع الوفد .

ومعلومات السفير تتفق مع ما قاله لى " سري باشا" منذ بضعة أسابيع في ذلك الوقت قال " سري " إن الملك استطلع رأيه ولكن " سري " لن يلزم نفسه إلا إذا شعر بأن الموقف السياسي أصبح جادا بما يكفي لأن يتولي الحكم .

ونشأ لدي انطباع من ملاحظات السفير بأن حكومته قد تولي اهتما بإمكانية وزارة يرأسها " حسين سري" وهي الوزارة التي يمكن إذا ضمت عناصر وفدية أن تشكل حكومة مقبولة لبريطانيا العظمي لإجراء مفاوضات لتعديل المعاهدة .

وأكد الوزير من جديد سياسة ( رفع الأيدي) أى عدم التدخل – وأكد أنه لن يلعب أى دور مباشر أو غي مباشر للتأثير على تغيير في الحكومة في مصر .

وتأييدا لهذه السياسة قال إنه رفض أخيرا أن يستقبل " النحاس باشا" في السفارة عندما أراد أن يقدم له الخطاب السابق.

وعلق " اللورد كيلرن" بشئ من المرارة على استمرار عجز وعدم فعالية الحكومة الحالية إن الانتصار الساحق الذي أحرزه حزب العمل في انجلترا أدي بصورة طبيعية إلى إثارة تكهنات حول بقاء " اللورد كيلرن" في مصر .

فمن المعترف به بوجه عام أن " المستر تشرشل " كان أقوي الذين يبسطون حمايتهم عليه وسيصل السفير في أغسطس الحالي إلى سن التقاعد وهي الخامسة والستين في السلك الدبلوماسي البريطاني .

عقد " الأمي محمد علي " مؤتمرا صحفيا أ‘لن فيه أن بريطانيا مشغولة ولا وقت عندها تخصصه لمصر والشرق الأوسط.

ويحاول " بنكني تاك" أن يعرف مزيدا عن الصورة السياسية من ولي العهد الأمير محمد على فذهب يستمع إلى هموم الأمير .. ولي العهد..

برقية رقم 1176إلى وزير الخارجية في واشنطن في 26 نوفمبر 1945

قمت اليوم بزيارة صاحب السمو الأمير " محمد علي" وكان على عادته ثرثارا جدا غطي كلامه عدة موضوعات منها رحلته الأخيرة إلى انجلترا ومحادثاته مع ملكي اليونان ويوغوسلافيا ، والخطر الروسي المتزايد والأنشطة الروسية في غيران والديمقراطية الأمريكية البرازيلية وعددا كبيرا من الموضوعات .

وملاحظاته حول مصر تستحق التسجيل .

بدأ هذه الملاحظات عندما ذكر أنه قال " لهم " في انجلترا إنه إذا لم تساند إنجلترا الملوك الشبان في العراق وإيران ومصر فإنهم لن يبقوا طويلا على عروشهم ،

قاطعته بقولي :

- يبدو أن صاحب الجلالة " الملك فاروق" يتمتع بشعبية عظيمة في بلاده .

أجابني " الأمير محمد على " بقوله :

- إنهم جميعا يطالبون بخروج الجيش البريطاني من مصر وما أن يخرج ستري طول الفترة التي سيبقاها " فاروق على العرش.

إن كتلة كبيرة من شعب هذا البلد تنتظر اللحظة المناسبة للسلب والنهب فإذا ذهب الجيش البريطاني فلن يوجد ما يوقفهم وفي هذه اللحظة من سيصل إلى الحكم وتحسر الأمير على انعدام الحزم في الحكومة الحالية ولدي الملك وقال إن شباب اليوم يريدون كل ملذات الملك دون تحمل تبعاته .

وأشار إلى حديثه مع " تشرشل" وما أبداه رئيس وزراء بريطانيا من أسفه لأن أحوال الفلاحين لم تتحسن خلال الثلاثين عاما الأخيرة.

وقال " الأمير محمد على " إنه قال " لتشرشل" إن دخل مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة ارتفع من 39 مليون جنيه سنويا إلى ما يقرب من بليون جنيه .

وبمعني آخر كان من الممكن تحويل 60 مليون جنيه لتحسين أحوال الفلاحين ولكنه ( بددت وضاعت)

وتحدث عن الفساد في المحاكم وكيف يرفض القضاة الإقامة في المدن والمراكز الصغيرة وتقاطروا جميعا على القاهرة .

وقال إن شوارع القاهرة على نفس القدر من القذارة الذي كانت عليه منذ 62 عاما حين بلغ سن المراهقة .. ولا تزال مليئة بالمتشردين والشحاذين .

وزعم أنه أوضح ذلك للحكومة . وقال إنها لم تفعل شيئا لأن أعضاءها يسعون للحصول على الشعبية ولا يرغبون في إدانة أحد .

سألت سموه عن الحل فأجاب بقوله :

- لا يمكن تحقيق إنجاز إلا باتخاذ موقف قوي .

- وقال إنه اقترح على الحكومة كلما عثرت على صبي صغير يتسول في الشوارع أن تتوجه إلى والديه وتسألهما عن السبب في عدم تشغيله وتركه يتسول ..

- وأوصي – الأمير – على سبيل المثال – أن يتم ترحيل مائة أسرة ممن يضبط أطفالهم يتسولون إلى السودان .

فإذا حدث ذلك انتشرت الأنباء في القاهرة وعلى الفور تخلو الشوارع من الأشخاص المسيئين للسمعة .

ومن الوسائل التي اقترحها الأمير لمنع المشاة من المشئ وسط الشوارع أن يعلن أن السائقين ليسوا مسئولين عن إصابة أى شخص من المشاة "

ويكشف " كيلرن" عن نواياه ضد " النقراشي " وحقده على مصر في حديث مع " بنكني تاك" الوزير الأمريكي المفوض .. وذلك بعد عودة " كيلرن" من مؤتمر سفراء بريطانيا في الشرق الأوسط في 11 نوفمبر .

ويدور الحديث على ضوء ما جري في لندن بدأ الحدي بسؤال من الوزير الأمريكي :

كيف وجدت الأحوال في مصر ؟

أسهب " كيلرن" في الكلام " قال :

- " النقراشي" ليس الرجل المناسب لمنصب رئيس الوزراء ..

فهو ليس كبيرا بما فيه الكفاية. وليس قويا . وردود فعله في أحسن أحوالها تافهة وابدي " كيلرن" استياءه من كل هذا الكلام عن إخراج القوات البريطانية من مصر والعجلة لتعديل معاهدة عام 1936.

وأضاف " كيلرن" :

لقد قلت هذا " للنقراشي" منذ يومين ولا أعرف صراحة ما هي خططنا بالضبط.

وليست هناك حاجة إلى هذه العجلة الكبيرة حتى ديسمبر 1946 أى طبقا لنصوص معاهدة 1936 بأن التعديل يجوز بعد 10 سنوات من التوقيع – فإن ذلك يغير الجماهير بصورة دائمة إن هذه المطالب الصاخبة صناعية بالكال ولا تدبرها سوي هذه الحكومة .

رد" بنكني تاك"

- لقد أوضحت " للنقراشي " باشا " منذ أيام أننا أيضا نري أن أحداث الشغب الأخيرة ومما تؤدي إليه خطيرة للغاية .

- وألمح " اللورد كيلرن" إلى أن هذه خطوة حكيمة .

- وواصل تأكيده قائلا .

- إن النقراشي باشا " ليس رجلا قويا وهو وطني إلى حد التطرف وليس من السهل التعامل معه .

- وأضاف " كيلرن""

- خلال مقابلتي " للملك فاروق " منذ أيام وجدت جلالته في حالة معنوية عالية وقال " اللورد كيلرن ":

- إن الملك يرتفع حقيقة إلى مستوي مسئولياته وسبق أن أخبرته منذ سنوات أنه إذا وجه عجلة القيادة في طريق متئد فستكون لديه الفرصة لحكم عظيم ومجيد ويقدم " بنكني تاك " مفاجأة ، " للورد كيلرن"

-قال

- شكا كثير من رجال الأعمال الأمريكيين في مصر من أن صغار المسئولين البريطانيين يحاولون إبعادهم عن هذا الجزء من العالم ويحاربونهم حتى النهاية .

رد " كيلرن"

- علمت بذلك ، وقلت لهم في لندن إن هناك مجالا لكل من الأمريكيين والبريطانيين . في مصر .

- وقال :

- بطبيعة الحال توجد مصالح بريطانية معينة ثابتة هنا أجد من واجبي حمايتها ولكني أعلم أن هناك مجالا لنا معا .

وبالنسبة لمسألة إبعادكم فإن هذا آخر شئ في الدنيا نرغب في عمله .

وعندما كان " بنكني تاك" يهم بمغادرة السفارة البريطانية قال " كيلرن"

- أؤكد لك أني أقف في صف التعاون الأنجلو – أمريكي .

وأضاف :

- تستطيعون الاعتماد على دائما لأن أيدينا متعانقة فوق البحر .

وتستمر الدسائس ضد " النقراشي " ووزير خارجيته " عبد الحميد بدوي "

بعث السفير البريطاني إلى حكومته – برقية أخري – يوم 5 ديسمبر تقول

" أبلغنا عميل بالقصر أن " عبد الفتاح عمرو باشا " وزير الخارجية ، قال " لعمرو" : إن الطريقة الوحيدة للتعامل مع البريطانيين هي أن تكون فعالا معهم .

وقد خلقت البرقيات الواردة من لندن بأن " عبد الحميد بدوي باشا" وقف مع الروس ضدنا في مسألة لجنة الوصايا المؤقتة – بعض الحساسية هن.

وخاصة أن ذلك حدث في الوقت الذي ترغب فيه مصر الدخول في مفاوضات مع بريطانيا العظمي لتعديل المعاهدة ويعتقد العميل أن هذا قد يكون أسلوب " بدوي " في التعامل بطريقة " فعالة " مع البريطانيين وأنه من الأفضل إبعاده قبل أن يسبب مزيدا من الضرر"وكان اليومان الأخيران من عام 1945 حبالي بالأحداث المتلاحقة .

عين" الشيخ مصطفي عبد الرزاق " وزير الأوقاف – وهو حر دستوري – شيخا للجامع الأزهر .

وعدل قانون الأزهر ليسمح بهذا التعيين . ويستقيل عمداء كليات الشريعة واللغة العربية وأصول الدين بالأزهر الشيخ إبراهيم حمروش " والشيخ عبد المجيد سليم " والشيخ مأمون الشناوي " احتجاجا على هذا التعيين وتعديل القانون .

والجدير بالذكر ن رجال الدين المستقيلين الثلاثة أصبحوا بعد ذلك شيوخا للأزهر ويجتمع مجلس الوزراء يوم 30 ديسمبر ويقرر ندب وزير آخر من حزب الأحرار الدستوريين " وأحمد عبد الغفار باشا " وزير الزراعة – لتولي أعمال وزارة الأوقاف .

ويفقد حزب الكتلة أحد وزرائه بوفاة " راغب حنا" وأن تسند للوزير الجديد وزارة معينة ولا يكون مجرد وزير للدولة !

وتتجه نظار الأحزاب المشتركة في الحكم إلى " محمود فهمي النقراشي " لتري كيف سيعدل وزارته .

وتتطلع أنظار الإنجليز إلى " النقراشي " أيضا تحاول أن تتبين ملامح التعديل وهل يؤدي إلى دعم الوزارة أم يزيدها ضعفا.

بدأ الصائدون يلقون شبكهم حول منصب رئيسي الوزراء ..

" على ماهر باشا " يطالب في مجلة المصور " بالوحدة ويقول : إن المناصب وسيلة لا غاية

وترجمة هذا الحديث أنه لابد من وزارة للوحدة الوطنية ولابد أن يرأسها " على ماهر "! ويقول " على ماهر " إنه لابد من تأليف هيئة المفاوضات من كل الأحزاب بما فيها الوفد كما حدث عام 1936 عندما كان " على ماهر " رئيسا للوزارة !

" وعبد الفتاح يحيي باشا " رئيس الوزراء السابق عامي 1933 ، 1934 ورجل " الملك فؤاد " الذي أرغمه الإنجليز على الاستقالة يقول : لا يمكن إشراك الوفد في الحكم إلا إذا برئ وزراؤه المتهمون بالانحراف واستغلال النفوذ .

ويقول إن الانتخابات لا يمكن أن تجري قبل ذلك . بل بعد براءة رجال الوفد ، في حين أن رجال الوفد لم يقدموا للمحاكمة ولم يحقق معهم أحد!

وهدف " يحي باشا " أن يقول لملك مصر إنه يؤيد محاكمة " النحاس " وإنه مع الملك ضد الوفد وضد الإنجليز كما فعل عام 1934 وإنه – أى يحيي باشا – يصلح للعودة إلى الحكم !

" وسيف الله يسري باشا " الرجل الذي لم يتول رئاسة الوزارة أبدا ومع ذلك رشح لها أكثر من مرة – يطالب في صحيفة الأهرام بانتخابات جديدة .

وترجمة هذا الحديث أن " يسري باشا " يرأس الوزارة التي تجري الانتخابات وشباب الوفد ومثقفوه اليساريون " الدكتور محمد مندور " والدكتور عزيز فهمي " يهاجمون الإنجليز ويتهمون بريطانيا بأنها لا تزال تتبع سياسة " اللورد كرومر " الاستعمارية .

أما حزب الوفد فيكتفي بمهاجمة حكومة " النقراشي"!

ويخطب " حفني محمود بك" وزير التجارة والصناعة وشقيق زعيم حزب الأحرار الراحل " محمد محمود" وهو من رجال الحزب اللامعين فيطالب بتعديل قانون الانتخابات بحيث لا يعطي صوته إلا المتعلم الناضج ... الذي يستوفي شروطا معينة.

وهدف " حفني محمود " ألا يعطي حق الانتخاب للجميع فالوزير الدستوري يخشي أن تجري الانتخابات فيفوز الوفد.

بل إن " حفني محمود" يلتقي " بالورد كيلرن" ويدور بينهما حديث ، يظن وزير التجارة أنه شخصي ولكن السفير يبعث به إلى لندن في البرقية رقم 5.

" تحدث " حنفي محمود" بصراحة تامة عن رئيس وزرائه الذي وصف بأنه طفل في السياسة بين " مكرم عبيد، وبدوي باشا "

ويعتبر الوزير " النقراشي باشا " رجلا ضعيفا جدا والمشكلة أنه لا يوجد بديل واضح له وسألني إن كانت لدي فكرة ؟

رفضت الانزلاق إلى إبداء أي لأنها مسألة داخلية بحتة لا تهمنا .

ذكر الوزير اسم " صدقي باشا" فقلت إنه من الصعب احتمال حصوله على تأييد شعبي واعترف الوزير بأن سجل " صدقي " كان سيئا .

ولكن المطلوب – من وجهة نظره " رئيس وزراء محايد لتجميع كل الأحزاب معا وأشار الوزير إلى مباحثات المعاهدة المحتملة .

وسألني : ما هو الموقف ؟

أجبت إنه كعضو في الوزارة يجب أن يعرف أكثر مني ؟ فهل يمكنه أن يقول أى شئ قال إنه ليست لديه فكرة حول اتجاه آراء النقراشي .

وكما نعرف جميعا فإن " حفني محمود" وزنه ضعيف ولكنه عضو في الوزارة وقد فكرت فقط في تسجيل أقواله

ويحاول " النقراشي " وسط هذا كله أن يضع أسلوبا جديدا للحكم بصوته أعلن أن الحكومة تعد قانونا يمنع أى وزير سابق من عضوية مجالس إدارة الشركات إلا بعد عامين من ترك المنصب .

وكانت الشركات تغري الوزراء لستجيبوا لطلباتها بتعيينهم مديرين وأعضاء في مجالس الإدارة .

وامتلأت مقاعد الشركات الأجنبية بالوزراء السابقين وكل وزير يستميل الشركات فلا يرفض لها طلبا حتى تعينه بعد استقالته .

وأعلن " النقراشي" ن مشروع القانون الجديد سيمنع كل من يتولي منصب وزير العدل من المرافعة إلا أمام القضاء العالي .

وأراد " النقراشي " بذلك أن يحمي القضاة من عسف وزراء العدل . وكلهم محمون سابقون .

وتنشر صحيفة " التايمز البريطانية مقالا عن – تطلعات مصر وآمالها – تهاجم فيه تصرفات الموظفين المصريين في السودان وتتهمهم بالفساد والانحراف .

ويجد كل مصري في هذا المقال إيحاء بأن بريطانيا لن تسدد ديونها لمصر .. وأنها لن تخرج من السودان .

صاحب الجلالة يعرض خدماته

كان " تشرشل " هو العامل المسيطر على السياسة البريطانية في الشرق الأوسط خلال ربع قرن .

وبسقوطه وكذلك " إيدن " وجد " فاروق " أن " كيلرن" فقد أهم سند له طلب صاحب الجلالة إلى سفيره في لندن " عبد الفتاح عمرو" أن يبدأ خطوة جديدة للتقارب مع حزب العمال الوافد الجديد إلى مقاعد الحكم .

رأي الملك أن يتقرب إلى بريطانيا وأن يعقد معها بصفته الشخصية – معاهدة شفوية - تعرفها مصر.

قدم " عبد الفتاح عمرو باشا" إلى وزارة الخارجية البريطانية أغرب عرض يقدمه ملك إلى الدولة التي تحتل بلاده.

في 10 سبتمبر 1945 قصد " عمرو" إلى مكتب السير روبرت هاو" الوكيل المساعد للوزارة والذي اختير بعد ذلك – ولمدة 10 سنوات كملة – حاكما عاما للسودان .

وسجل " روبرت هاو" كل كلمات " عمرو باشا" وبعث بالنص لكامل إلى " اللورد كيلرن" ليرد على كل ملاحظة أبداها سفير مصر .

وهذا نص الحوار السري ورد " كيلرن" كما وجدته في الوثائق البريطانية كتب روربرت هاو:" تحدث إلى عبد الفتاح عمرو باشا" السفير المصري أخيرا وبشكل خصوصي جدا حول ضرورة انتهاج حكومة جلالة ملك بريطانيا منهجا جديدا بالنسبة للمشكلة الإنجليزية المصرية وفيما يلي الخطوط التي سارت فيها هذه المحادثة :

الأمية المصرية :

قال السفير المصري " عبد الفتاح عمرو باشا " لروبرت هاو:

- 99% من سكان مصر أميون ومن هنا فإن البلد ليس مستعدا ، بعد لحكومة برلمانية على الطراز الإنجليزي وتوجد هوة كبيرة ثابتة بين الأغنياء والفقراء .

وطرحت الحكومات المصرية المتعاقبة برامج للإصلاح الاجتماعي ، ولكن هذه البرامج لم تخرج – في أية حال – عن الورق الذي كتبت عليه .

رد " كيلرن" :

هذا أمر واقع بشكل عام ولكن نسبة 85% أدق .

الحكومة البرلمانية خدعة :

قال عمرو لروبرت هاو"

- الحكومات الديمقراطية في مصر خدعة فليس هناك . ولم يوجد قط ذلك الشئ المسمي بالانتخابات الحرة ، فالناخبون يتدافعون ليدعموا الحزب الذي تختاره لهم الأقدار وهذه الأقدار تستمد الوحي – في الماضي – من المندوب السامي البريطاني في القاهرة . - رد " كيلرن"

- حكم صادق إلى حد كبير فإن الانتخابات الحرة الوحيدة التي تمت في عهدي كانت عام 1936 حين وضع " على ماهر " الشرير أساس الجبهة الوطنية التي تفاوضت على المعاهدة وتلا ذلك توزيع البرلمان بين الأحزاب أعضاء الجبهة .

السفارة البريطانية تؤثر في الانتخابات :

قال " عمرو" :

- لهذا أدسرك المصريون ، أن البريطانيين حزبا من الأحزاب فإن هذا الحزب سيفوز ومن هنا فإن من الصواب الحفاظ على علاقات طيبة مع هذا الحزب.

رد "كيلرن"

- من بديهيات السياسة المصرية أنه ما من رئيس وزراء يمكن أن يحرز نجاحا ما لم يكن حائزا لثقة حكومة جلالة ملك بريطانيا واتفق " الملك فاروق" معي دون تحفظ على صحة ذلك. بل أكثر منه .

واتفق الملك على أن هذا أمر ضروري ، وأنه حق واجب في اختيار رئيس الوزراء الذي يعينه . وأضاف الملك أن ذلك لا يعد – بحال من الأحوال – تدخلا في السياسة الداخلية المصرية .

تأييد " النحاس " صحيح تماما :

قال " عمرو":

- وقد توجه هذا التأييد ، طوال الحرب ، إلى " النحاس باشا" وإلى ذلك الجناح من حزب الوفد القديم الذي التف حول " النحاس "

- وهنا تفهم للأسباب التي حدت بنا نحن البريطانيين إلى أن نفعل ذلك في فترة الحرب والمصريون مقتنعون أنه لولا تأييدنا " للنحاس " لسقط منذ زمن طويل .

- وقد أعطينا هذا التأييد في 4 فبراير 1942 إلى حد تحريك الدبابات في ساحة القص وتقديم إنذار يتضمن تنازل " الملك فاروق " عن العرش .

رد " كيلرن"

(أ‌) لأنه من المفيد أن نقف إلى جانب من وقفوا بجانبنا وقت الشدة .

(ب‌) لأنه كان زعيم حزب الأغلبية.

لقد أصرت بريطانيا على دعوة " النحاس " إلى الحكم لأن حزبه في ذلك الوقت 4 فبراير – كان الحزب الوحيد القادر على حمل البلاد على الوفاء بالتزاماتها باعتبارها حليفا مع الأخذ في الاعتبار أن العدو يدق الأبواب ، والطوابير الخامسة تعمل .. وإخلاص السراي لنت .. مهتز. التدخل في السياسة الداخلية :

قال " عمرو "

- الأمة المصرية تري أنه – مع نهاية الحرب فإن دعم البريطانيين " للنحاس" لم يعد له ما يبرره وينبغي أن يكف البريطانيون نهائيا عن التدخل في أمور السياسة الداخلية المصرية إن علينا أن نترك الساحة.

وليس معني ذلك أن نترك مصر .

الملك يتفهم جيدا احتياجاتنا الإستراتيجية ولابد من المحافظة على هذه الاحتياجات لأن في ذلك مصلحة مصر كما فيه مصلحة لنا .

أما السياسة المصرية – كما يؤديها النظام البرلماني – فما هي لعبة يشترك فيها قوم ، لا مبادئ لهم يعملون لمصلحتهم ومكاسبهم الشخصية .

رد " كيلرن "

- هذا غير حقيقي بالمرة .

- أقال " الملك فاروق " النحاس " في الخريف الماضي برغم أن الوفد كن حائزا لأغلبية برلمانية بنسبة 90% تقريبا .

- ولقد ابتعدنا ولم نبذل أية محاولة – من أى صنف أو نوع – لمنع الملك فاروق " من تسديد هذه الضربة برغم كونها خطرة من الزاوية الديمقراطية والدستورية حسب المقاييس البريطانية . قال " عمرو"

كانت حكومة " النحاس باشا " التي قامت بدعم من الدبابات البريطانية – هي أفسد حكومة في تاريخ مصر الحديث .

رد " كيلرن":

- هذه مبالغة كما سجلت ذلك في تقاريري الدقيقة الكثيرة .

كان الوفديون يكتنفهم الفساد بغير شك.

ولكن كل الحكومات المصرية على هذا الحال .

وربما كان الوفديون يمارسون الفساد على نحو أكثر سفورا لأنهم ظلوا طويلا بعيدين عن الحكم وكان جميع أنصارهم محرومين من وظائفهم .

ومن هنا يعوضون ما فات على نحو أكثر ففي زمن الحرب توجد فرص لا حد لها لاجتناء المغانم ( مثل التموين الخ)لكن إذا أخذنا القضية بصفة عامة .

أشك أن صفحة الوفديين أكثر سوادا من غيرهم وعلى المرء أن يذكر دائما أن الوفد هو ( حزب الأغلبية ) وأنه لهذا يلقي الازدراء من الطبقة المالكة أى طبقة ملاك الأراضي . ... الخ وقد درجوا على تشويه الوفد إلى أقصي ما يستطيعون .

فقيل الكثير وحدثت إساءات كثيرة بالفعل لكن الوفديين – في رأيي – لم يتساووا ، في سواد صفحاتهم بتلك الحفنة من الباشوات وخاصة أولئك الذين عينتهم السراي .

أخطار الفوضي تخيفنا :

قال عمرو :

- حين يكون " النحاس باشا " ومؤيده خارج الحكم ، فإنهم يثيرون المشاكل ويهددون بإحداث الفوضي إلى حد إراقة الدماء .

وتعلم السياسيون المصريون أن هذه هي الطريقة لحمل البريطانيين على التصرف .

رد " كيلرن"

- هذا القول لسوء الحظ صحيح إلى حد ما لن في حدود علمي فإن الوفد لم يفعل شيئا حتى اليوم في هذا السبيل إلا أنهم ظلوا ( حزب الأغلبية )

- وغياب الإصلاحات قد يدفعهم إلى أن يتزعموا المطالب الشعبية من أجل اتخاذ خطوات فعالة . - إعادة النظر في المعاهدة :

قال " عمرو"

ها نحن نسمع أخبارا عما يمكن أن يحدث في مصر إذا لم تكن هناك استجابة للمطالب الوطنية المتطرفة عن طريق إعادة النظر العاجل في المعاهدة .

وقال " عمرو " إنه يضمن عدم حدوثه شريطة ألا نتدخل في السياسة الداخلية المصرية إن القوي السياسية المصرية تتركز حول ثلاث نقاط هي :

الممثل البريطاني والقصر والشعب رد كيلرن.

- لا أعرف خطوة قام بها الوفد في هذا الصدد اللهم إلا خطاب النحاس الموجه لى وقد هالني أنه خطاب مسالم .

وأظن أني الذي حملت " الملك فاروق " على أن يبارك الأصوات المطالبة بإعادة النظر في المعاهدة ولكن المطالبة جاءت في ذلك الحين بصفة أساسية من دوائر الحكومة الحلية وكان على الوفد أن ينضم إليها حتى لا يتم تجاوزه .

الوفد ليس حزب الشعب ...

قال " عمرو" :

كان البريطانيون في الماضي القريب يؤيدون ما يعتقدون أنه حزب الجماهير وليست هناك إلا حفنة فاسدة من الباحثين عن المناص .

وتقف بريطانيا – في هذا - ضد إرادة الشعب وضد نصيحة السراي وليس هناك من سبب يحول دون تلاقي أضلاع مثلث القوي .

فالملك يشعر أنه يحوز مودة وتأييد أوسع قطاعات الشعب وإذا عرف أن البريطانيين لن يولوا تأييدهم ثانية " للنحاس باشا " وأتباعه فإن الشعب جدير بأن يسير وراء الملك دون تردد.

والملك يتطلع إلى برنامج الإصلاح الاجتماعي والتعليم التدريجي على صعيد الأمة المصرية من أجل ديمقراطية حقيقية غير مزيفة .

رد " كيلرن"

- أشك كثيرا في صحة أنهم فقدوا كثيرا منذ سقوطهم في الخريف الماضي .. ولكن اعتقادي الشخصي أن رصيدهم يرتفع حاليا بقدر ما يهبط رصيد الحكومة الراهنة وهو يحدث فعلا بسبب المشاكل التقليدية من نقص المواد التموينية والكساء ... الخ ... الخ..

- وهذه نفس الخطوة القديمة التي سبق أن اتخذناها .

كيف نقطع على أنفسنا تعهدا مثل هذا ؟

كل ما نريده في الواقع ( وقلناه مرة ومرات ) هو انتخابات حقيقية حرة يختار الشعب المصري من يريده وهذا بالضبط – مالا تنوي السراي السماح به ومن هنا تجئ الأزمة الراهنة .

الأسرة المالكة هي عنصر الاستقرار الوحيد:

قال " عمرو " :

- إن الأسرة المالكة هي عنصر الاستقرار الوحيد في البلاد والملك لا يزال شابا في الخامسة والعشرين وهو جدير بحكم البلاد لمد 40 عاما بإذن الله .

رد " كيلرن"

من المفروض أن يكون هذا صحيح لكن المرء يشك أحيانا في أن يصبح ذلك صحيحا إذا كنا إزاء ملك شاب غائب الشعور بالمسئولية .

وخوفي الحقيقي يتمثل في حدوث صدام في نهاية الأمر بين حاكم أوتوقراطي شاب – أى حاكم فردي – وبين القوي الشعبية في البلاد .

لا خليفة " للنحاس " :

قال " عمرو"

- النحاس باشا " في السبعين من عمره وليس بين جماعة الوفديين التي يترأسها شاب كفء أو جدير بخلافته .

رد " كيلرن"

- هذا صحيح فليس " للنحاس " خليفة واضح برغم أن رجالا مثل " الهلالي " لا يمكن إسقاطهم من الحساب بأي حال من الأحوال .

الملك فاروق" لن يستدعي " النحاس" مرة أخري أبدا :

قال "عمرو" :

- لا " النحاس " ولا الملك . مقدر لهما أن يلتقي مرة أخري.

لقد أعلن " النحاس " نفسه – بعد توقيع معاهدة 1936 – ( الزعيم المقدس) واصطنع لنفسه طغمة من الناس مسلحين بالعصي والقمصان الزرقاء ألفوا له نشيدا ينشدونه عندما يظهر بينهم ومن هنا نصب نفسه منافسا للملك في المناسبات العامة .

ويعرف المصريون جميعا أنه يريد التخلص من الملك ليعلن نفسه رئيسا لجمهورية مصرية ولن يقبل الملك طواعية. قط أن يدعو " النحاس " مرة أخري لتشكيل حكومة . رد " كيلرن" :

- " قط " كلمة كبيرة ولكني أعترف أن ثمة فرصة صغيرة ثمينة لذلك في وقتنا هذا ولكن المرء لا يعرف في مصر كيف تسير الأمور.

ولم أيأس تماما من إمكان حدوث مصالحة بين السراي " والنحاس " أما أن تكون هذه المصالحة سارة على طول الخط فهذا أمر أخر .

التأييد المعنوي " للنحاس " أو أى شخص :

قال " عمرو":

- إن ما يرغب فيه الملك هو اتفاق جنتلمان مع الحكومة البريطانية بأن تولية تأييدها المعنوي وتسحب هذا التأييد من " النحاس باشا "

- ويكون ذلك لفترة خمس سنوات مثلا تستطيع الحكومة البريطانية - في عضويتها أن تري كيف تسري لأمور وتتطور .

وسيقدم الملك بتأييد معنوي من بريطانيا على طرح برنامج واسع للإصلاحات الاجتماعية .

رد " كيلرن":

- رأينا ضد ما يمارسه " مكرم باشا " من تشهير و تصفية حسابات أو محاكمة للنحاس ( كنوع من الانتقام الشخصي ) من قبيل اللياقة إذ علينا أن نلتزم بمبادئنا الأخلاقية المعتادة .

" الملك فاروق " يرغب أن يكون صديقا :

قال عمرو :

بدون التأييد البريطاني لا يمكن القيام بهذه الخطوة .

إذا أوليناه تأييدنا المعنوي فسيكون في ذلك الخير المشترك لشعبه المصري ولبريطانيا .

وفي مقابل تأييدنا الأدنى للملك يتكفل جلالته باتخاذ الخطوات اللازمة لتأمين مصالحنا الدفاعية الحيوية في مصر وبوسعه أن يفعل ذلك بواسطة حكومة – من اختياره تطرح برنامجا للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي .

إذا تأتي له دعم حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا وبوسع السفير المصري – وهو أحد رجال الملك - أن يعود إلى القاهرة ليحصل على التأكيدات اللازمة من جلالته فيما يتعلق بمصالحنا الحيوية إذ كنا على استعداد لأداء هذا الدور .

رد " كيلرن ":

- لا أشك في آن – هذا – الآن – صحيح .

كانت العلمين يقصد 4 فبراير دواء ناجعا ولدي الملك من الذكاء ما يجعله يدرك وجوب الاعتماد علينا إلى حد كبير .

وأعتقد أنه حريص الآن – ويحق على أن ( يتبادل المصالح معنا) ولكنه ليس محصنا ضد تسلل معتدل من جانب الأمريكيين وهو مصاب بالرعب من عمليات التسلل الروسي .

إمكانية زيارة " الملك فاروق " لانجلترا :

قال " عمرو"

- في هذه الحالة ستكون خطوة طيبة إذا وجهت الدعوة إلى الملك للقيام بزيارة رسمية لانجلترا .

رد " كيلرن"

كتبت أخير ا بشئ من التفصيل حول هذا الموضوع إلى " السيررونالد كامبل " ولا حاجة لتكرار ما قلته حينذاك وكما شرحت فإن الأمر يحتمل الجدل .

وقال " روبرت هاو " في برقيته " لكيلرن" :

" اكتفيت بالإصغاء إلى " عمرو باشا " فمن البديهي لا يمكن لأى تجمع من السياسيين المصريين طرح أو تنفيذ مثل هذا البرامج إلا بدعم من الملك وبتأييد معنوي من بريطانيا. إن البرنامج يتضمن بالتأكيد فرض ضرائب مرتفعة ولكن الأثرياء وذوي التطلعات وهم الذين يتأثرون من الضرائب التصاعدية .

وهؤلاء هم الذين يتحكمون في الحياة السياسية المصرية عن طريق الوجهة الراهنة التي تمثلها الحكومة البرلمانية .

إن الملك لا تحدوه أية مطامع . بخلاف رغبته في البقاء ملكا على شعب راض . تربطه علاقات سليمة ودية مع بريطانيا العظمي لقد تعلم الملك الدرس .

إن دوره في أوائل الحرب أسئ تصويره جدا . والحقيقة أنه كان واقعا – بدرجة ما – تحت تأثير سئ .

وليس للملك م يفقده بل لديه ما يجنيه من خلال الإصلاح الاجتماعي " وعمرو " على قناعة بأن حديثه لا يلزم أى طرف . وأنه خارج النطاق الرسمي تماما قال " كيلرن في رده يوم 28 سبتمبر إلى " روبرت هاو":

" طلبت مني إبداء تعليقاتي حول محضر حديثك مع " عمرو باشا "تعليقي الفوري .

أنها حالة مباشرة من التوسل الشخصي وكثير مما قاله صحيح .

والحقيقة الكامنة وراء هذا كله العداء الشخصي " للنحاس " الذي فرضناه على الملك – في 4 فبراير 1942 – عندما كان العدو على الأبواب .

وكان " النحاس " الفضل . دون جدال . والحقائق مسجلة في إنقاذنا ساعة الحاجة في اللحظة التي كانت تتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والإيمان بنا.

إن " عمرو باشا " رجل صغير طيب ولكنه ( رجل الملك ) قلبا وقالبا .

ومن الواضح بالنسبة لى أن حديث " عمرو " قائم على تعليمات كاملة من " حسنين " ونقطة ضعف " عمرو" أنه ( تابع ملكي) بشكل كامل وكان موضع انتقاد الصحافة المصرية وخاصة الوفدية.

وربما لهذه الأسباب قرر الملك فجأة ترقيته هنا إلى منصب السفير إن الوفد يحتقره وهو أيضا يحتقر الوفد وأنا أحب ذلك الرجل المحدود.

وجدته معينا ومفيدا عندما كان يعمل مع " حسنين " في السراي . إنه يعمل لحساب الملك في الخارج ولست متأكدا تمام التأكيد من أنه سيكون ( مفيدا) دائما كما كان من قبل .

كان في القاهرة بمثابة ( فرملة ) ومستشار عاقل يصغي " الملك فاروق " إليه على ضوء معرفة الملك بالعلاقة الوثيقة الودية التي تربطني " بعمرو "

أما هنا في لندن فربما يكون " عمرو " قد أصبح ( حامل قماقم النفاق) الملكية أكثر من كونه ( فرملة ) أو مستشارا) للملك الذي يعتمد مستقبل " عمرو " وتاريخه كله على حسن نواياه ".

وهكذا أراد " الملك فاروق " بوسيلة ذكية وعن طريق " عمرو باشا " أن يجعل الحكومة البريطانية تغير سياستها وتبتعد عن تأييد الوفد وتكتب إلى " كيلرن" بلك.

وحاول سفير الملك بالتلميح والإشارة أن يبين أن " كيلرن " هو المسئول . وأوصي بتغييره ولكن العرض الملكي أحيل إلى " كيلرن " فرفضه ومع ذلك التزم فاروق حتى النهاية بشروط العقد قدمه سفيره إلى بريطانيا العظمي .

وبقي صحب الجلالة ينتظر من سبتمبر 1945 حتى فبراير 1946 ليجري محاولة جديدة ضد " كيلرن " مباشرة !

العام المر

ألقت الولايات المتحدة القنبلة الذرية الأولي على مدينة ( هيروشيما ) اليابانية يوم 6 أغسطس عام 1945 .. وألقيت القنبلة الثانية على ( نجازاكي) بعد 72 ساعة وقررت حكومة اليابان بعد أن راعها الدمار . الاستسلام بلا قيد ولا شرط في 14 أغسطس وقبل " الجنرال ماك أرثر" وثائق استسلام اليابان يوم أول سبتمبر وبذلك انتهت الحرب العالمية الثانية وتلفتت مصر حولها تنتظر ماذا تفعل بريطانيا .

رأي " السير إدوار جريج" وزير الدولة البريطاني المقيم في مصر – وهو الذي خلف الورد موين – أن تتخذ بريطانيا الخطوة الأولي .

طلب " جريج" في أغسطس 1945 – أن تعلن بريطانيا من جانبها الانسحاب فورا من القاهرة والإسكندرية وأن تتخذ الخطوات اللازمة لتنفيذ ذلك عندما تسمح الظروف .

وقال " جريج" إن قبول الاقتراح سيجعل المصريين يعتقدون أن بريطانيا لديها استعداد لتنازل أكبر وكل ما هو مطلوب منهم الاستمرار في الضغط السياسي على الإنجليز وهدف " جريج" ألا يتحول المصريون إلى العنف .

ويشرح " باتريكسكريفنر" رئيس القسم المصري ، الجهود التي بذلتها وزارة الخارجية منذ انتهاء الحرب لحمل القوات البريطانية على الانسحاب من القاهرة والإسكندرية .

قال " سكر يفنر":

بدأت الجهود تحت ضغط الظروف ، أو ربما بطريقة سلبية لإيقاف المحاولات الرامية إلى إدخال مزيد من القوات العاملة إلى منطقة القاهرة .

وفي ردي على سؤال شفوي طرحته وزارة الحربية في 31 أغسطس 1945 أعربت عن رأيي الشخصي وهو أننا سنواجه حرجا سياسيا بالغا إذا تعين علينا أن نؤمن سكوت المصريين على وجود فرقتين قرب القاهرة .

أما وقد توقفت العمليات الحربية الفعلية فقد شعرت أن الوقت لن يطول قبل أن نتلقي تلميحات بأن " إجراء تخفيض في القوات المرابطة داخل المدن سيلقي ترحيبا من المصريين ".

ومع ذلك قلت إن من حقنا أن نحافظ في ثكنات القاهرة على مستوي القوة الذي كانت عليه " قبل الحرب " ما دام التنفيذ الكامل لشروط الجلاء الموجودة بالمعاهدة قد توقف العمل به .

ومن ناحية أخري كان إدخال تعزيز للقوات كفيلا بإثارة الشكوك فضلا عن أننا كنا نحاط علما ( على يد أكثر من مراقب ) بأن وجود المؤسسات والقوات العسكرية البريطانية في منطقة القاهرة بدأ يثير الأعصاب المصرية بصورة تزداد سوءا )

وفي 31 أغسطس طلب " النقراشي " شفويا - من السفير البريطاني قبل سفره في اليوم التالي إلى لندن ، لحضور مؤتمر سفراء بريطانيا في الشرق الأوسط برئاسة " بيفن" بحث مسألة تعديل معاهدة 1936 .

وقال " النقراشي" إنه يحب الجلاء الكامل عن مصر ثم أشار إلى مسألة السودان قاطعه السفير البريطاني قائلا :

السودان مسألة شائكة.

وفي 9 سبتمبر 1945 أعلن " مكرم عبيد باشا " وزير المالية أن مصر لن تعتمد ميزانية لإقامة الثكنات في منطقة القنال لتنتقل إليها القوات البريطانية طبقا لمعاهدة 1936 التي نصت على انسحاب القوات إلى القنال .

وقل " مكرم" إن مصر ستطالب بالجلاء التام عن كل الأراضي المصرية .

كان محمود فهمي النقراشي يجهل ما يجري وراء الكواليس داخل القصر الملكي في عابدين وفي أروقة وزارة الخارجية في لندن أو في مكتب السفير البريطاني في القاهرة أو الرسائل المتبادلة بين مقر قيادة البريطانية في القاهرة ووزارة الحربية البريطانية في لندن.

مضي رئيس وزراء مصر في طريقه يريد تعديل معاهدة 1936 .

رفض " النقراشي " النصيحة التي أبداها " فاروق" في أغسطس بتأجيل المفاوضات وجمع الهيئة السياسية التي ألفها أحمد ماهر من كبار رجالات مصر – عدا الوفد – لبحث الموقف بين مصر وبريطانيا .

قالت الهيئة إنها تري ( بإجماع الآراء ) أن حقوق مصر الوطنية كما أجمع عليها رأي لأمة وأيدته الحكومة هي جلاء القوات البريطانية وتحقيق مشيئة أهل وادي النيل في وحدة مصر والسودان .

وتري الهيئة أن الوقت الحاضر هو أنسب الأوقات للعمل على تحقيق أهداف البلاد القومية واتخاذ الوسائل المفاوضة الخليفة ".

واجتمع مجلس الوزراء في اليوم التالي – 23 سبتمبر – وأقر بيان الهيئة .

وألغي " النقراشي " الأحكام العرفية ابتداء من يوم 7 أكتوبر وبذلك لم يعد حاكما عسكريا عاما .

وانطلقت الصحافة المصرية تكتب بحرية كاملة لأول مرة منذ 6 سنوات .

في 11 أكتوبر 1945 كتب " أرنست بيفن " وزير الخارجية إلى وزير الحربية البريطانية يطلب منه أن يطرح على مستشاريه الاتجاه الذي يرغب في أن تنقل إليه مراكز القيادة الرئيسية من قلب القاهرة .

ويعلن " بيفن " رسميا يوم 23 أكتوبر 1945 في مجلس العموم أن بريطانيا لم تتلق طلبا رسميا من مصر بالمطالب المصرية .

ويوافق البرلمان المصري في جلسة استثنائية على ميثاق الأمم المتحدة في أكتوبر أيضا لتحصل مصر على مزايا إعلانها الحرب.

وفي أوائل نوفمبر 1945 شرع " الجنرال باجيت " في إعداد خطة تفصيلية للجلاء عن القاهرة بما في ذلك الجلاء عن القلعة في غضون فبراير 1946 ومن ثم إزالة مركزي القيادة الرئيسيين .

ولكن " اللورد كيلرن" نصح بأن تحتفظ بريطانيا في أيديها " بالثكنة" ومقار قيادة القوات البريطانية في مصر التي كانت قائمة قبل المعاهدة باعتبار أنها أوراق نساوم بها في عمليات مفاوضات المعاهدة .

وافقت وزارة الخارجية البريطانية على هذه النصيحة ولكنها في الوقت نفسه أثنت على ما اتخذه الجنرال باجيت .

ويقول " سكر يفنر " رئيس القسم المصري في وزارة الخارجية البريطانية في تقاريره:

" إن التطلع للمستقبل كان يحدو بنا إلى أن نصرف النظر عن نصيحة " اللورد كيلرن " وهي سليمة من الناحية التكتيكية ، وخاطئة من الناحية النفسية على ضوء الأحداث .

كان على " اللورد كيلرن" أن يخطو خطوة إلى الأمام أكثر من " الجنرال باجيت " بدلا من الخطوة التي اتخذها إلى الوراء .

وكنا نأمل أن تخرج القوات من جاردن سيتي ( مقر قيادة القوات البريطانية في الشرق الأوسط ) ومن فندق سميراميس ( مقر قيادة القوات البريطانية في مصر ) ومن كثير من المواقع الأخرى التي أقيمت في أثناء الحرب .

ونكوص السفير أدي إلى تثبيط همة " الجنرال باجيت"ولذلك جعلنا همنا منذ ذلك الحين ، أن نؤكد الرأي القائل بوجوب إجراء تخفيضات كبيرة ولكن عوامل القصور التي تفعل في القوات المسلحة ألقت بالتحدي في وجوهنا ومنعت القيام إلا بعمليات جلاء محدودة .

وهذا التقرير يدل على مشاعر السفير البريطاني " اللورد كيلرن" نحو المصريين ونحو الجلاء إن السفير لا يريد أن تخرج القوات البريطانية من القاهرة أو الإسكندرية بل يريد أن تبقي هذه القوات ليساوم بها في مفاوضات المعاهدة أو لعله كان يفكر في تكرار حادث 4 فبراير إذا شاءت الظروف .

وأثار " النقراشي باشا " رئيس الوزراء موضوع العلاقات المصرية البريطانية في اجتماع مع " اللورد آلان بروك" رئيس أركان حرب القوات البريطانية في الدفاع، فض رئيس الوزراء الفكرة .

قال " آلان بروك" :

- وجدت " النقراشي باشا" خشبيا في موقفه مصمما على انسحاب القوات البريطانية من مصر وتحقيق الاستقلال الكامل للبلاد.

أنشأ" على ماهر " جبهة مصر لتوحيد الجهود الوطنية أو توحيد الأحزاب أو ليضفي على نفسه بريقا لرئاسة الوزارة.

ورشح " إسماعيل صدقي " نفسه لرئاسة مجلس النواب فتعاونت أحزاب الحكومة على إسقاطه فنجح " حامد جودة" مرشح الحزب السعدي .

وجاء عيد الجهاد .

وخطب " مصطفي النحاس " في ذكري ذلك اليوم ، فأشر إلى حادث 4 فبراير ليبرئ نفسه من الاتهامات التي وجهتها إليه المعارضة .

وتفتح صحافة مصر كلها من جديد ملف 4 فبراير .

وتخرج جريدة الأهرام عن حيادها التقليدي بين الأحزاب المصرية لتنشر مقالا " لإسماعيل صادق " يقول فيه إنه كان على " النحاس " ألا يتكلم .

وينشر الزعماء مذكراتهم عما رأوه من أحداث ذلك اليوم.

وتهاجم جريدة الكتلة " مصطفي النحاس " لأنه قبل الحكم في ظل الدبابات الإنجليزية فترد جريدة البلاغ بأن " مكرم عبيد" كان سكرتيرا عاما للوفد في ذلك الوقت وقبل الحكم وتظل الاتهامات متبادلة ينال الإنجليز نصيبهم منها في وقت يتطلع فيه " النقراشي للمفاوضات .

استدعي " النقراشي " السفير المصري من لندن للتشاور بشأن سفره – أى النقراشي – إلى لفندن للتفاوض .

وتثير عودة " عمرو" إلى القاهرة أزمة داخل مجلس الوزراء المصري نقل تفاصيلها " حسن رفعت باشا " وكيل وزارة الداخلية المصري إلى السفير البريطاني .

قالت برقية " كيلرن " رقم 2531 في 3 ديسمبر 1945 :

1- أثارت مهمة " عبد الفتاح عمرو باشا " في مصر أزمة وزارية بسبب اعتراض " مكرم عبيد " على ذهاب " النقراشي" إلى لندن ومناقشة العلاقات المصرية البريطانية دون اشتراك " مكرم عبيد " في هذه المحادثات ....

ومن هنا تأتي مطالبة " مكرم عبيد " ببدء مفاوضات فورية لتعديل المعاهدة عن طريق وفد رسمي بدلا من محادثات النقراشي – غير الرسمية – في لندن .

2- ابلغ " حسن رفعت باشا " وكيل وزارة الداخلية – بشكل شخصي – أحد أعضاء السفارة أن " النقراشي " أبلغه بأنه لا يتوقع البقاء كثيرا في رئاسة الوزارة بسبب مناورات " مكرم عبيد"

وعلق " رفعت باشا " بأن " النقراشي " ربما لا يقول ذلك على محمل الجد الكامل .

3- هناك توقعات بأن توصي اللجنة المكونة من السياسيين القدامي – والمنوط بها بحث الخلاف بين " النقراشي ، ومكرم عبيد" بالتشديد على بدء مفاوضات عاجلة .

وفي هذه الحالة توجد البدائل التالية :

1- أن يوافق " النقراشي " على ذلك – حتى لو بدا وكأنه رضوخ لإرادة مكرم عبيد – مما يعني النيل من هيبة رئيس الوزراء .

2- أن يتم التوصل إلى حل وسط فمثلا يوافق " النقراشي " على السير في بعض الخطوات المحددة في الاتصال مع الحكومة البريطانية بشأن المفاوضات .

3- أن يستقيل " النقراشي "

4- يبدو موقف القصر غمضا بالنسبة لهذه الأمور جميعا ، والمعروف للجميع أن كلا من " حافظ رمضان " ومكرم عبيد " واقع تحت تأثير القصر .

ومعروف أن " رمضان ، وعبيد " يتصرفان بالاتفاق إن لم يكن بالتواطؤ.

وأثارت استقالة " حافظ رمضان " التي تبعتها مناورات " مكرم عبيد " الشك في أن هذه الأمور قد تحوز رضاء القصر .

ومن ناحية أخري فإن هذا الوضع يثير الشكوك في أن " احمد حسنين باشا " وراء كل هذه المكائد الخبيثة باعتبار أن هذا الوضع كفيل بتأمين تولي " حسين " رئاسة الوزارة كمخرج من المأزق الذي أحدثه الاختلاف بين عناصر الائتلاف الوزاري .

ولكن عميلا لنا – على صلة طيبة بالسراي – يؤكد أن القصر يريد بقاء النقراشي في الحكم .

5- وأيا كانت حقيقة هذه المكائد ذات الطبيعة الشرقية وأيا ما تكون عواقبها فإنها من نتائجها المحتملة أن احدي الحكومات المصرية قد تضطر أن تقدم لنا طلبا يحوي شكلا من أشكال بدء المفاوضات وعلينا من الآن أن ننظر فيما سيكون عليه ردنا".

ويحال الخلاف بين " النقراشي ، ومكرم " إلى الهيئة السياسية التي طلبت فتح بابا المفاوضات .

اجتمع مجلس الوزراء المصري برئاسة " محمود فهمي النقراشي باشا " رئيس الوزراء يوم 8 ديسمبر عام 1945 ليبحث موضوع تعديل معاهدة 1936 وكيف يمكن إقناع بريطانيا أو إرغامها – على ذلك وكانت قد مضت على معاهدة 1936 تسع سنوات .

وتنص المعاهدة على جواز تعديلها عام 1946 ولكن ظروفا جديدة نشأت وهي قيام منظمة الأمم المتحدة وكان الوزراء تحت ضغط شعبي عارم يطالب بتعديل المعاهدة .

المعارضة – التي تضم الوفد والحزب الوطني – تحذر الشعب من أن بريطانيا لن توافق على التفاوض مع حكومات الأقليات .

أتهم الوفد وزارة " النقراشي " بأنها مثل كل حكومات الأقليات تفرط دواما في حقوق البلاد .

وسخرت صحف المعارضة من " النقراشي " لأنه يندد دواما أنه سيحقق الأماني الوطنية دون أن يحقق شيئا .

وارتفعت شعارات تقول بأن على مصر أن تعرض قضيتها على مجلس المن مثل سوريا ولبنان اللتين اختصمتا فرنسا أمام المجلس .

وبقي الناس يتطلعون إلى ميثاق ( سان فرانسيسكو) والأمم المتحدة وتصريحات الأمريكيين عن احترام استقلال الدول وسلامة أراضيها .

اجتمع مجلس الوزراء المصري في ظل هذا كله وأبرق " اللورد كيلرن" إلى حكومته عن نتائج الاجتماع :

قال اللورد في برقيته رقم 2571

1- " ذكر عميل – مطلع عادة – أنه لم يتم التوصل إلى قرار في اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد في 8 ديسمبر وأطلع " محمود فهمي النقراشي " رئيس مجلس الوزراء المجلس على برقية من " عبد الحميد بدوي باشا " وزير الخارجية ذكر فيها أن الأنباء حول طلب مصر إجراء مفاوضات لتعديل المعاهدة كان لها أثر سيئ في لندن .

وطلب " بدوي باشا " في هذه البرقية ، من رئيس الوزراء تأجيل اتخاذ القرار لحين تلقي برقية أخري منه يوم 10 ديسمبر .

2- غضب " مكرم عبيد " بسبب التأجيل .

وجادل " مكرم " بأن ذلك يخلق أثرا سيئا جدا في البلاد ، إذ عرف أن الطلب أجل لأن تقديمه بغيض للبريطانيين .

وقال " مكرم" إن هذا يعني أن مصر ستمتنع عن تقديم أى طلب حتى يعلن البريطانيون أنها تستطيع التقديم بالطلب .

وطبقا لتقرير العملي اعتكف " مكرم " في منزله وهو ممتنع عن الكلام ولم يحضر اجتماع عقد أخيرا لمجلس الوزراء .

3- وذكر نفس العمل أن " النقراشي " أبلغ الوزراء أنه سيبحث الأمر مع وزير الخارجية البريطاني " أرنست بيفن " عندما يمر الأخير بالقاهرة يوم 12 ديسمبر في طريقه إلى موسكو . استقال " حافظ رمضان باشا " رئيس الحزب الوطني ووزير العدل بعد 24 ساعة من اجتماع مجلس الوزراء .

ويكون سبب الاستقالة أن مجلس الوزراء طلب التفاوض مع بريطانيا ومبادئ الحزب الوطني تقول ... لا مفاوضة إلا بعد الجلاء .

وتقام حفلات التكريم " لحافظ رمضان " ويحضرها " مكرم عبيد باشا" وزير المالية الذي أقر مذكرة مصر لبريطانيا بطلب المفاوضة .

ويري السفير البريطاني أن " مكرم عبيد " يعارض الإنجليز لأنهم وقفوا ضد محاكمة النحاس وزملائه .

ويري السفير أيضا أن " مكرم " يركب موجة العداء للإنجليز وأنه ينافس النحاس " في ذلك ويحاول التفوق عليه في هذا المجال .

ويحبس " فاروق " بأن السفير البريطاني وراء المكائد – ضده - وضد " النقراشي " أيضا . التقي الملك بالوزير الأمريكي المفوض " بنكني تاك فقال له :

إني أبعد ما أكون عن السعادة إزاء الاتجاه الحالي للأحدث التي قد تصل إلى ذروتها قريبا بسقوط وزارة " النقراشي ".

ويسجل الوزير الأمريكي في برقيته رقم 2293 أن المرارة شديدة لدي " فاروق " بالنسبة للسفير البريطاني .

وقال " تاك ":

" إن السفير البريطاني لا يأل جهدا منذ عودته من لندن في أن يغرس انطباعا بأن علاقته بالملك تعتبر – الآن – في أفضل أوقاتها ... في حين قال لى الملك:

- " اللورد كيلرن" عدوي وهو مستعد لتخريب أى محاولة مصرية لتعديل المعاهدة وتحقيق التطلعات الوطنية لبلادي "

- ويزور " عمرو باشا " بعد عودته إلى لندن " أرنست بيفن " وزير خارجية بريطانيا ليعرف منه اتجاه الريح.

ويرسل " بيفن " إلى " كيلرن " كل ما قاله " عمرو " وما قاله الوزير للسفير.

برقية رقم 81 وزارة الخارجية في 10 ديسمبر 1945 من " مستر بيفن"إلى اللورد كيلرن ( في القاهرة )

زارني السفير المصري في وزارة الخارجية في العاشر من ديسمبر- بعد عودته من مصر – وأبلغني تمنيات ملك مصر ورئيس الوزراء الطيبة وأخبرني بأن الأزمة السياسية في مصر انتهت الآن ..

وتساءل سعادته عما إذا كان من الممكن لحكومة صحب الجلالة ملك بريطانيا أن تقوم بلفته في اتجاه تعديل المعاهدة !

جبت بأني لا أريد إجابة هذا السؤال إلا بعد زيارتي لموسكو وفي الوقت نفسه أعربت عن أملي في أن يكون الضغط في هذا الموضوع أقل ما يمكن .

4- ذكرت للسفير الصعوبات التي نعانيها في موضوع اتفاقية الطيران المدني مع مصر وقلت إنه يجب التغلب على هذه الصعوبات .

واقترحت أن يتم إرسال " ايفور توماس " الوكيل البرلماني لوزير الطيران المدني إلى القاهرة لإنهاء المفاوضات بنفس الطريقة التي رتب بها الاتفاقيات أخيرا مع الدول الأخير .

رد السفير بأنه سيرفع هذا الاقتراح إلى الحكومة المصرية .

5- أشار السفير إلى بياني في 23 نوفمبر مجلس العموم بأن غرضي في ممارسة العلاقات مع الدول الأجنبية ليس التدخل في الموقف السياسي الداخلي .

وسأل: إذا كان لدي ما أضيفه إلى ذلك.

أخبرته بأنه لا يمكنني أضيف سوي تكرار ما قلته في تلك المناسبة من أنه ليس في نيتي لتورط في السياسات الحزبية لدولة أخري .

قال السفير إن الأهمية التي علقتها في الأسابيع الأخيرة على فكرة المشاركة الإنجليزية المصرية في الدفاع تلقي ترحيبا بالغا.

وأنه واثق من مقابلتي في منتصف الطريق بهذا الصدد .

وهناك دلائل – الآن – تشير إلى مشاعر جيدة جدا بين الشعب لمصري والقوات البريطانية في مصر وقد أسهم في خلقها الجلاء عن القاهرة .

6- بدا السفير مهتما جدا بتعزيز العلاقات الإنجليزية المصرية ولكنه قبل أن يرحل أشار مرة أخري إلى تعديل المعاهدة وأكد أهمية القيام بتحرك في هذا الاتجاه تقريبا وأعلن أن الدعاية الأمريكية قوية جدا .

ويعود " عمرو باشا " إلى لندن بعد مشاوراته في القاهرة .

ويسافر " بيفن " إلى موسكو لحضور مؤتمر وزراء خارجية الدول الكبرى ويعرض " عمرو، وكيلرن" على النقراشي " تأجيل تقديم طلب مصر بفتح باب المفاوضات لتعديل المعاهدة حتى يعود " بيفن " إلى لندن ولكن " النقراشي " يرفض التأجيل بعد أن أخذت الصحف وبالذات جريدة الكتلة تنشر مقتطفات من مذكرة مصر .

ويقدم " عمرو " إلى وزارة الخارجية البريطانية بمذكرة طويلة يطلب فيها ، بإسم مصر – يوم 2 ديسمبر 1945 – فتح باب المفاوضات لتعديل المعاهدة .

قال " عبد الرحمن الرافعي " إن وزارة النقراشي " هي أول وزارة سجلت في وثائقها الرسمية المطلبين الرئيسيين للحركة الوطنية وهي " الجلاء ، ووحدة وادي النيل فلم تسبقها وزارة أخري إلى هذا الإعلان "

قالت المذكرة المصرية :

• الحرب استنفدت أهم أغراض معاهدة 1936 .. وأحكامها التي تمس استقلال مصر وكرامتها لم تعد تساير الوضع الحال والحكومة البريطانية – إبان الشدائد – جنت من اتفاقها مع مصر من الفوائد أكثر مما فرضته نصوص المعاهدة.

• إن وجود قوات أجنبية ، زمن السلم ، في بلادنا حتى لو انحصرت هذه القوات في مناطق نائية يجرح الكرامة الوطنية على الدوام .

• وستتناول المفاوضات مسألة السودان مستوحية في ذلك مصالح السودانيين وأمانيهم .

• وتعرب الحكومة المصرية عن ثقتها بأن الحكومة البريطانية ستعني بتحديد موعد قريب ليشخص وفد مصري إلى لندن للمفاوضة معها في إعادة النظر في معاهدة 1936 ".

وتناقش المذكرة المصرية في وزارة الخارجية البريطانية ويعد المستشارون القانونيون للوزارة مذكرة في هذا الشأن بتاريخ 15 يناير 1946.

1- إذا أخذن في الاعتبار الاتجاهات القانونية لعدد من أعضاء الحكومة المصرية – وللموقف الذي اتخذه أعضاء الوفد المصري في سان فرانسيسكو – فلا نستبعد احتمال أن يتقدموا بشكوى خلال الاجتماع الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة حول مسألة وجود القوات البريطانية في مصر .

2- وإذا انهارت المفاوضات حول إعادة النظر في المعاهدة فقد يحاولون بصورة مماثلة في مرحلة تالية ، أن يعرضوا الأمر أمام مجلس الأمن ، إما بوصفه نزاعا ، أو موقفا ، قد يرقي إلى مرتبة النزاع ، لإجبارنا على التقدم معهم إلى مجلس الأمن لإصدار توصياته يوصفه" نزاعا " لم يتمكنا معا من تسويته عن طريق المفاوضات .

وأية محاولة من هذا القبيل ستكون من أكثر الأشكال إحراجا لاستخدام مبدأ التصويت المتساوي في الجمعية العامة للضغط على دول عظمي .

والمخاطر الناتجة عن هذا التصرف في المنطقة تعتبر أمرا واضحا ويبدو أنه سيكون من الحكومة أن نعد أنفسنا مقدما لمواجهته .

3- ولعرض المسألة للمناقشة أمام الجمعية العامة فإن على مصر أن تقترح إدراج المسألة كبند إضافي في جدول الأعمال .

وطبقا للإجراءات المؤقتة للجمعية العامة فإن البنود تضاف إلى جدول الأعمال خلال الدورة بشرط حصولها على أغلبية الأصوات الحاضرة .

وحينئذ فإن البند لا يمكن مناقشته إلا بعد مرور أربعة أيام وتقديم تقرير عنه من قبل لجنة من الجمعية العامة .

4- ولا توجد شروط تحكم ما هو مقبول أو غي مقبول كبند في جدول أعمال الجمعية العامة ولكن مما لا شك فيه أن الجمعية العامة في مناقشاتها النهائية ستخضع لتأثير التقرير المقدم من لجنتها والذي يحلل طبيعة الموضوع .

ويبدو لى أنه يمكننا أن نحاول – سواء في الرد على خطاب مصر الأصلي الذي يطالب بإدراج البند في جدول الأعمال ، وبعد ذلك في لجنة الجمعية العامة – بأنه من غير المناسب للجمعية العامة البحث في طلب مصر إعادة النظر في ارتباط دولي صحيح في الوقت الذي لم يتم فيه تنفيذ بنود هذه المعاهدة الخاصة بإعادة النظر فيها .

5- يمكننا أن نشير إلى الوضع المتسم بالفوضى الذي يمكن أن يقوم في الشئون الدولية عندما يتجنب طف في معاهدة البنود والجدول الزمني المتضمنين في هذه المعاهدة لإعادة النظر فيها بالتوجه مباشرة إلى الأمم المتحدة .

6- ويمكننا أن نوضح أنه عندما تستنفد المناقشات الثنائية حول بنود إعادة النظر في المعاهدة بلا اتفاق بين الطرفين فإن السلوك المناسب من جانب مصر إذا رغبت في إشراك الأمم المتحدة هو التوجه إلى مجلس الأمن لأن الموضوع المار ؟ وهو التسهيلات الممنوحة للقوت البريطانية في مصر – موضوع يتعلق بالأمن .

ويمكننا أن نشير إلى أن المعاهدة نفسها تشترط اللجوء إلى المجلس وليس إلى الجمعية العامة لهيئة الأمم .

7- يمكننا الحصول على تأييد كبير لوجهة نظرنا وحتى الحكومة السوفيتية قد تتردد في تأييد المناورة المصرية التي قد يكون لها رد فعل على معاهدات التحالف السوفيتية مع الدول الصغيرة .

8- وإذا أصرت الجمعية العامة على مناقشة الشكوي المصرية فإن أغلبية ثلثي الوفود الموجودين للتصويت ستكون مطلوبة لصدور أية توصية محددة .

ولا تملك الجمعية العامة أى سلطة للتوصية باتخاذ إجراء ولكنها قد تحيل المسألة إلى مجلس الأمن بوصفها مسألة تتطلب من وجهة نظر الجمعية – اتخاذ إجراء .

9- وإذا تقدمت الحكومة المصرية بشكواها مباشرة إلى مجلس الأمن فإن عليها أن تقدم سببا للنزاع أو للموقف الذي قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو إلى إثارة النزاع طبقا للمادة 34 ومن الواضح أنها لا تستطيع عرضها على مجلس الأمن وفقا للمادة 37 إلا بعد أن يفشل الطرفان في تسوية المسألة بالوسائل الطبيعية .

10- وقد يكون من الصعب للحكومة المصرية الحصول على أغلبية الأصوات السبعة الضرورية من الـ11 صوتا لوضع المسألة في جدول أعمال مجلس الأمن نظرا للحلول التي لم تنفذ في المادة 16 من المعاهدة .

وعلى أية حال إذا وضعوها في جدول الأعمال فإن المملكة المتحدة لن يكون لها صوت ( بوصفها طرفا في النزاع) .

وإذا تمكنت مصر من تأمين سبعة أصوات من الأصوات العشر الباقية ( التي ستتضمن أصوات الدول الأربع الكبرى الأخرى ) فإنهم سيتمكنون من الناحية النظرية من الحصول على توصية لصالح ( التسوية السلمية) للنزاع في الاتجاه الذي يرغبون فيه..

11- إذا وصلت الأمور إلى النقطة التي يسعي معها المصريون للقول بأن هناك " تهديدا أو خرقا للسلام " فيتعين بحث ذلك بموجب الباب السابع من الميثاق وهنا ستتمتع المملكة المتحدة بوصفها عضوا دائما بوقف التصوت عن طريق ( الفتو) المحول للقوي العظمي.

12- يبدو لى أننا سنكون في وضع مأمون تماما إذا حاولت مصر إثارة المعاهدة المصرية الإنجليزية كقضية مباشرة.

( ولكن مصر قد تحاول إثارتها كمسألة عربية ) بحيث تجئ في نفس الوقت مع شكاوي سوريا ولبنان ضد استمرار وجود القوات الأجنبية على أراضيها وذلك من شنه أن يؤدي إلى موقف مضطرب معقد.

وقد توافق الجمعية العامة بأغلبية الثلثين على توصية بأن القوات الأجنبية يجب ألا تبقي في أراضي دول الشرق الأوسط المستقلة .

وأري أن الأمر يستحق التفكير بمزيد من الدقة في الطريقة التي يتعين أن نعالج بهذا هذا الموقف ، مع وضع التعقيدات في دول المشرق محل الاعتبار .

13- ويتعين أن نضع في اعتبارنا أن كلا من الحكومتين الإيرانية والتركية قد تثيران أمام الجمعية أو مجلس الأمن ( نزاعاتهما ) مع الاتحاد السوفيتي .

وقد قرر وزير الخارجية أننا يجب ألا نصرفهما عن فعل ذلك بل نقترح إسداء النصح لهما إذا اتخذنا هذه الخطوة بأن يتقدما إلى مجلس الأمن ، وليس إلى الجمعية وأن يستندا إلى فقرة في المادة 34 . وهي الفقرة التي تشير إلى حدوث " موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو يثير النزاع ".

وبرغم أن وجود المعاهدة الإنجليزيةالمصرية والمادة 16 منها يجعل القضية المصرية مختلفة فإن هناك خطرا في أننا قد تجلب على أنفسنا النقد إذا بدأ في أثناء مساندتها لتركيا وإيران في مجلس الأمن أننا ننكر على الحكومة المصرية حقا مماثلا في طرح شكواها أمام الأمم المتحدة "

ولم تعرف مصر بأمر الرأي القانوني وكانت الظروف الداخلية تمنع اتخاذ موقف عدائي علني ضد بريطانيا وبقي " النقراشي" ينتظر الرد وانفجر الغضب الشعبي في مصر وكان الوفد يغذي حملة الغضب فقد خذله الإنجليز .

ويسدل الستار على عام 1945 عام النصر كما عرفه العالم كله دون أن تحس مصر بحلاوة النصر بل بمرارة المذاق .

وساعد على شعور مصر بالمرارة مشاكل العالم العربية بريطانيا تريد العودة لاستعمار ليبيا وفرنسا لا تريد الانسحاب من دول شمال أفريقيا : المغرب وتونس والجزائر وسوريا ولبنان تتجهان إلى مجلس الأمن لإصدار قرر بالجلاء .

وتتجه أنظار العرب إلى مصر التي ازداد نبضها إحساسا وتفاعلا بالعروبة مصر ... العربية.

يوم اغتيل " أحمد ماهر " كان رؤساء وزارت ووزراء خارجية وممثلو 7 دول عربية في القاهرة يتفاوضون لعقد ميثاق جامعة الدول العربية .

وكان " محمود فهمي النقراشي " يشارك في هذه الاجتماعات بصفته وزيرا لخارجية مصر وقد استمرت اجتماعات هذه اللجنة 16 جلسة للاتفاق على الميثاق في أول اجتماع للجنة السياسية الفرعية برئاسة " النقراشي " ثارت مناقشة طويلة حول اشتراك " موسي العلمي " ممثل فلسطين.

قال " هنري فرعون " وزير خارجية لبنان إن اشتراك " العلمي " يضعف الأساس القانوني للحوار الذي يجب أن يشترك فيه ممثلون لدولة مستقلة إن " العلمي " لا يمثل دولة مستقلة ولذلك لا يستطيع إلزام فلسطين بأى عمل .

ولكن اللجنة رأت طرح الأساس القانوني جانبا ومعاملة فلسطين كمسلة خاصة نظرا لتعاطف الدول العربية جميعا مع شعب فلسطين وما يعانيه ولأن سابقة وضعت باشتراك " موسي العلمي " في المباحثات التمهيدية بالإسكندرية .

وبرغم ذلك فإن القرار مضي أبعد مما اتفق عليه في ( بروتوكول الجامعة ) الذي وقع بالإسكندرية نص على اشتراك فلسطين في الجامعة على قدم المساواة مع الأعضاء والمؤسسين أثار ذلك نقدا عنيفا من بريطانيا ولم تر حكمة في اشتراك الدول غير المستقلة في مجلس الجامعة وتري أن أفضل حل هو السمح " للعلمي " بالاشتراك كمراقب .

وأرسلت وزارة الخارجية البريطانية تعليمات بذلك إلى " اللورد كيلرن " لإبلاغ " النقراشي " وباقي الممثلين العرب قبل اجتماع اللجنة التحضيرية يوم 17 مارس .

"ذهب " كيلرن" إلى " النقراشي " يحذر من " النشاط الخاطئ بل ومن تعصب " عبد الرحمن عزا

قال " كيلرن" :

- إن الجامعة الحديثة لا ينبغي أن تجري قبل أن تتعلم المشي .

رد " النقراشي":

- من الخطأ إثارة وضع " العلمي " وسأترك الأمر لعقلية " الدكتور عبد الحميد بدوي" في الوصول إلى صيغة مقبولة في هذا الشأن .

- ونتيجة لاتصالات " كيلرن" المتعددة عدلت اللجنة التحضيرية الملاحق الخاص بفلسطين وأسقطت الجزء الخاص بمعاملة وفد فلسطين على قدم المساواة مع الأعضاء والمؤسسين.

وعلى هذا الأساس لم يوقع " موسي العلمي " على ميثاق الجامعة مع باقي الوفود.

وبرغم ذلك وصف " رونالد كمبل " وكيل الخارجية البريطانية المساعد ملحق فلسطين بأنه " يدعو للأسف "

وقال " كامبل ": لا يمكن اعتبار فلسطين دولة عربية أو دولة مستقلة .

توجه المستشار الشرقي " والترسمارت" إلى " النقراشي" يبلغه اعتراض الخارجية البريطانية على اشتراك الدول العربية غير المستقلة في اجتماعات مجلس الجامعة.

ويكون رأي بريطانيا أن هذا القرار سيغضب فرنسا التي تحتل دول شمال أفريقيا – تونس والجزائر والمغرب كما أن بريطانيا تحتل برقة وطرابلس في ليبيا .

ولم يستجب " النقراشي " لما قاله " سمارت " وبالذات بالنسبة لليبيا وقال إن لمصر مصالح مع جارتها .

ويفس " سمارت " في برقيته إلى لندن موقف " النقراشي " بأن أمير ليبيا " إدريس السنوسي " وثيق الصلة بالقصر الملكي المصري.

ويبلغ " النقراشي" اللجنة السياسية للجامعة العربية بوجهة النظر البريطانية ولكن بغير اهتمام ويلتقي " كيلرن" بعبد الرحمن عزام" يشكو غليه أيضا.

- إن " السير أنتوني ايدن" لم يؤيد وحدة الدول العربية المستقلة وحدها – بل أيد وحدة العرب بصفة عامة ولم يفرق في ذلك بين الدول العربية المستقلة وغير المستقلة .

- ويلتقي " كيلرن " بوزير الخارجية عبد الحميد بدوي والملك فاروق ويقول " عبد الفتاح عمرو" للسفير البريطاني.

- إن " الملك فاروق " فهم سر اعتراض بريطانيا على اشتراك الدول العربية غير المستقلة في اجتماعات الجامعة .

- ويلتقي " كيلرن بهنري فرعون " وزير خارجية لبنان يشكو إليه فيرد " فرعون " هذا كله خطأ " الخبيث " " عزام " وقد أبلغته أنه لا داعي لإثارة الفرنسيين باشتراك الدول العربية في شمال أفريقيا وأبلغته أيضا أني لست مستعدا للتوقيع على وثيقة من الشعر ولكن اللجنة التحضيرية توافق على تعاون الجامعة مع الدول العربية غير المستقلة بل إن " مكرم عبيد " وزير مالية مصر وعضو وفدها في الاجتماعات دعا إلى قيام مؤتمر شعبي أو اجتماع شعبي بجانب الجامعة تشترك فيه الدول العربية غير المستقلة .

وقال " مكرم عبيد" إن الدول العربية المستقلة ... ليست مستقلة تماما .

ويرأس " النقراشي " يوم 22 مارس – بعد شهر من تليه الوزارة – الاحتفال الذي أقيم في قصر الزعفران بالقاهرة بمناسبة توقيع ميثاق الجامعة العربية وهو اليوم الذي اعتبر عيد ميلاد للجامعة يحتفل به العرب في كل عام.

وتصدق 4 دول على الميثاق وبذلك يعلن قيام الجامعة يوم 10 مايو 1945 .

ويصر " النقراشي " على تعيين " عبد الرحمن عزام" أمينا للجامعة .

ويكتب " كيلرن" إلى لندن معلق على قيام الجامعة أنه دهش لأن الفكرة التي نشأت كحلم انتهت إلى كيان جاد وصلب ".

ولقد ظل الإنجليز سنوات طويلة يعلنون أن الجامعة العربية مجرد حلم عربي ومن هنا كان تشجيعهم لها باعتبار أن الحلم لن يتحقق أبدأ .

وعندما قامت الجامعة حرص الإنجليز على أن يمثلوا الدنيا ضجيجا بأن هذه الجامعة من وحيهم وتفكيرهم وتدبيرهم مع أن الوثائق البريطانية تكذب ذلك.

في عنفوان ثورة الفلسطينيين ضد الإنجليز واليهود عام 1936 وتضامن الرأي العام العربي مع هذه الثورة بعث " أوجدين" القنصل البريطاني في دمشق – إلى وزارة الخارجية في لندن يقول :

" الوحدة العربية في حقيقتها فكرة الحالمين وغذاء الفلاسفة .

والسياسي العربي المستنير لا يطمع في أكثر من تحالف أو اتحاد للدول الإسلامية المستقلة أما الوحدة العربية كقوة دافعة فإنها تتحطم بسبب الضعف العربي المتوارث والنظام القبلي الإقطاعي والغيرة وعدم الثقة بين العرب أنفسهم "

وتوافق وزارة الحرب البريطانية على وجهة نظر الخارجية التي تقول :" بن الوحدة العربية نظرية أكثر مما هي عملية "

وبعد قيام الحرب العالمية الثانية مباشرة قدم " باجالي " الخبير بوزارة الخارجية البريطانية تقريرا – يوم 28 سبتمبر 1939 – عرض على مجلس الوزراء قال فيه :

" هناك إحساس ينمو ويتزايد بالتضامن بين الشعوب العربية ولكن تبقي عقبات ضخمة في طريق الوحدة العربية وأول هذه العقبات التنافس بين الحكام العرب.

وثانيها .، المعارضة الفرنسية ضد هذه الوحدة فالفرنسيون يشكون في أن الوحدة مؤامرة بريطانية لسلب مغانم فرنسا التي حصلت عليها في الحرب العالمية الأولي .

وثالثها ، تركيا التي تريد الاستيلاء على الأراضي العربية كما حدث أخيرا عندما انتزعت لواء الإسكندرية من سوريا .

وبقيت بريطانيا صاحبة النفوذ في الشرق الأوسط ولكن بريطانيا لا تستطيع إرضاء كل الدول العربية بطريقة متساوية .

ومن غير المحتمل أن تسعي الحكومة البريطانية من تلقاء نفسها – إلى تدعيم فكرة التضامن العربي.

إن الوحدة العربية جاءت لتبقي، وليس من الحكمة أن تبذل محاولة لمقاومتها ولا ينبغي علينا أن نقوم بمبادرة لصالح الوحدة العربية ولا يوجد أيضا – مبرر لإظهار معارضة لها بل توجيه هذه الوحدة لمصلحة بريطانيا .

ومعني مذكرة " باجالي " أن على بريطانيا استغلال الوحدة العربية لمصلحتها !

وابتداء من عام 1941 أصبحت فكرة الوحدة العربية متصلة بقضية فلسطين وتطوراتها وزيادة هجرة يهود أوربا إلى فلسطين .

كتب " تشرشل" إلى " ايدن " يوم 19 مايو 1941 – في رسالة شخصية – يقترح إصدار بيان عن تأييد بريطانيا لقيام الوحدة العربية .

أراد " تشرشل" بذلك اجتذاب الملك " عبد العزيز " للوصول إلى حل للمشكلة الفلسطينية .

ومن هنا قدم " أنتوني ايدن" وزير الخارجية مذكرة إلى مجلس الوزراء البريطاني 27 مايو 1941 قال فيها :

" اقترح كثيرون حلا عمليا لمشكلة فلسطين وهو قيام اتحاد لدول الشرق الأوسط تكون الدولة اليهودية احدي وحداته .

ونحن لم نعارض أبدأ قيام اتحاد هذا النوع وموقفنا أن العرب يقررون ما يريدون وأخشى برغم ذلك . أن يكون الوقت غير مناسب لقيام اتحاد عربي .

ويري العرب بصفة عامة أن قيام نوع من الاتحاد أمر مرغوب فيه ويجب أن نمتنع عن معارضة هذه الآمال الغامضة غير المحددة بل ننتهز الفرصة لنعبر علنا تأييدها "

وافق مجلس الوزراء على هذه السياسة قبل يومين من إلقاء " إيدن لخطابه الشهير في ( مانشون هاوس " يوم 29 مارس 1941 .

قال :" يرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة أكبر من الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن .

وإن العرب ليتطلعون إلى نيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا.

ويبدو لى أنه من الطبيعي ومن الحق وجوب تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدان العربية وكذلك الروابط السياسية أيضا .

وستبذل حكومة جلالة الملك – من ناحيتها – تأييدها التام لأية خطة تلقي موافقة عامة "وقد فسر كثير من المراقبين السياسيين تصريح ايدن على أنه محاولة لامتصاص كراهية العرب للإنجليز فالتصريح أذيع في نفس اليوم الذي انتهت فيه بريطانيا من قمع ثورة رشيد عالي الكيلاني " في العراق .

وفسر على أنه مواجهة للدعاية الألمانية التي تناصر آمال العرب في الاستقلال والوحدة وفسر على أنه محاولة لتصفية النفوذ الفرنسي في سوريا ولبنان جاء قبل عمليات الحلفاء في البلدين بهدف ضمان تعاون السوريين مع القوات البريطانية .

وفسر كذلك على أنه محاولة لجمع العرب وراء بريطانيا في فترة هزيمتها الساحقة في الحرب وقد وجهت كل وسائل الإعلام البريطانية المحلية من صحف وإذاعات لنشر البيان ولم يكن في البيان شئ جديد وقد وجه نقد للتصريح في سوريا وفلسطين والعراق لعدم الإشارة إلى فلسطين.

وأبرق " كيرك" الوزير الأمريكي المفوض إلى حكومته قائلا : إن التصريح كان مبهما وإن المصريين توقعوا أن يتبعه تصريح محدد ينص على تأكيدات عن فلسطين .

ولم يستجب للتصريح إلا " الأمير عبد الله " أمير شرق الأردن الذي رسل إلى بريطانيا – في 2 يوليو 1941 يطلب قيام دولة سوريا الكبرى التي تضم شرق الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين تحت رئاسة الأمير نفسه .

ظن الأمير أن التصريح هو الضوء الأخضر ليحقق مساعيه .. وآماله .

ويقدم " جيب " خبير شئون الشرق الأوسط الذي يعمل مستشارا للمعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية – مذكرة إلى وزارة الخارجية يذكر فيها العقبات التي تعترض طريق الوحدة العربية وأهمها " الانتداب الفرنسي على سوريا والانتداب البريطاني على فلسطين والحكم الفرنسي الأسباني الإيطالي في شمال غرب أفريقيا ولن يتحقق تقدم في العلاقات بين العرب حتى تستقر العلاقات بين العرب والغرب وتزول كل العقبات التي تعترض استقلال سوريا "

ووجد .. " جيب " أنه يوجد عدم تكافؤ بين تأييد بريطانيا لإقامة وطن قومي لليهود طبقا ( لوعد بلفور ) عام 1917 وقيام اتحاد عربي "وتنبأ بأن اليهود الذين يؤيدون تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وإسرائيلية " قيام اتحاد عربي في حين يرفض هذا الاتحاد اليهود الذين يعارضون التقسيم"

وأمن " تشرشل" في سبتمبر 1941 ثم " روزفلت " فيما بعد بأن مخاوف العرب من قيام دولة يهودية ستقل جدا إذا كانت هذه الدولة في إطار اتحاد عربي أكبر "

شكلت لجنة وزارية برئاسة " ايدن" في 26 سبتمبر عام 41 أنفقت على خطة اتحاد لأن لها جاذبية وتمثل مصلحة كبري في تسوية قضية فلسطين .

ولكن اللجنة قدمت تقريرا إلى مجلس الوزراء في 9 يناير عام 1942 " حذر التقرير " الحكومة البريطانية – من السعي فقامة اتحاد سياسي عربي .

فإن العرب يرغبون في إقامة كتلة من الدول العربية تكون من القوة بحيث تضمن للعرب حقوقهم في فلسطين وسوريا وتواجه – كجبهة متحدة – القوي الكبرى وبالذات بريطانيا وفرنسا ".

ومن جديد نصحت اللجنة الحكومة البريطانية بتبني سياسة سلبية أى تبني الصيغة القديمة " إظهار التعاطف مع الأماني والتطلعات العربية وتوجهيها - قدر الإمكان في الخطوط التي تنفق ومصالح بريطانيا "وبعثت اللجنة إلى سفراء بريطانيا في المنطقة " لتشجيع الروابط الاقتصادية والثقافية بين الدول العربية ".

ومن هذا كله يتضح أن موقف بريطانيا من الجامعة العربية ومن الوحدة العربية في 9 يناير 1942 هو أن يتقارب العرب اقتصاديا وثقافيا ، وأن تعطيهم بريطانيا تشجيعا كاذبا في الوحدة السياسية ولا تعارض اتجاههم نحو الوحدة بل توجهها لمصلحة بريطانيا .

وهذه السياسة تفسر بيان " ايدن" في مايو عام 1941 ..

إن " ايدن" لم يعط العرب ضوءا أخضر لتحقيق الوحدة أو قيام الجامعة العربية بل كان يعطيهم من طرف اللسان... حلاوة ".. كما يقول الشاعر العربي القديم . وكان العرب يجهلون الحيلة البريطانية..

مضي العرب في خطتهم للتقارب والاتحاد وكل زعيم عربي يمني نفسه بأن بريطانيا ستحقق أحلامه .

دعا " الأمير عبد الله . أوليفر ليتلتون" الوزير البريطاني المقيم في الشرق الأوسط لزيارة عمان فزارها في 3 أغسطس 1941 وكانت نتيجة الزيارة بيانا يقول :

" لا شئ يحول دون تنفيذ الوعد الصادر من بريطانيا وإيصال العرب إلى أمانيهم القومية إلا أن الأمور مرهونة بأوقاتها والخطوة الأولي في هذا السبيل يجب أن تتقدم بها الدول العربية نفسها وستساعد بريطانيا العرب فعلا وبكل وسيلة ممكنة ..."ولم يخرج البيان عن خطوط الساسة البريطانية السرية !

وفي مذكراته اعترف " الملك عبد الله " بأن سوريا ولبنان كانتا تحت الانتداب الفرنسي وشرق الأردن تحت الانتداب البريطاني ومصر والعراق ترتبطان مع بريطانيا بمعاهدتين وفي ضوء هذا كله كان مستحيلا أن تتحقق الوحدة العربية !

ويزور " نوري السعيد" القاهرة ويلتقي " بريتشارد كيزي " وزير الدولة البريطاني المقيم في الشرق الأوسط عام 1942 .

ويدور حديث طويل عن الوحدة العربية فيطلب " كيزي " من رئيس وزارة العراق أن يقدم إليه مذكرة بآرائه فيقدمها وتنشر تحت اسم الكتاب الأزرق ..

وأهم ما يقترحه " نوري السعيد" توحيد سوريا ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن في دولة واحدة سوريا الكبرى – تنضم إليها العراق ، ويباح للدول العربية الانضمام إليها متى شاءت.

أما بالنسبة لليهود فيمنحون إدارة شبه ذاتية في المنطقة الفلسطينية التي يكونون فيها أكثرية ويوجه " النحاس " الدعوة إلى " جميل مردم بك" رئيس وزراء سوريا والشيخ بشارة الخوري رئيس الكتلة الوطنية في لبنان لزيارة القاهرة في يونيو عام 1942 لاستطلاع رأيهما في الشئون العربية ويكون موضوع البحث إقامة الجامعة العربية .

ويزور " الأمير عبد الإله" الوصي على عرش العراق يرافقه " نوري السعيد" القاهرة في ديسمبر عام 1942 ويلتقيان " بمصطفي النحاس" رئيس وزراء مصر ، ويكون مطلب العراق تنفيذ ( مشروع الهلال الخصيب ) أى اتحاد سوريا الكبرى مع العراق .

ويؤيد " اللورد موين " نائب الوزير البريطاني المقيم في الشرق الأوسط والذي أصبح وزيرا فيما بعد – اقتراحات " نوري السعيد" في الكتاب الأزرق وتعرض هذه المقترحات على اللجنة الوزارية البريطانية الخاصة بفلسطين في نوفمبر 1943 .

وتعارض وزارة الخارجية البريطانية هذه المقترحات – أى الحكم شبه الذاتي لليهود في بعض المناطق بفلسطين – لأنه حتى المعتدلين الصهيونيين سيرفضونها ولأن " تشرشل " سبق أن وعد " ديجول" قائد فرنسا الحرة في ذلك الوقت باستمرار النفوذ الفرنسي في سوريا ولبنان ولأن بريطانيا لا تريد أن تخذل " الأمير عبد الله " الذي أخلص لبريطانيا في أنء الحرب أكثر من أى زعيم عربي آخر. د ومن ناحية خري فإن بريطانيا رأت تجميد المشكلة الفلسطينية حتى تنتهي الحرب

في 24 فبراير 1943 وكان الموقف العسكري في صالح الحلفاء .

بريطانيا هزمت الألمان في العلمين

والسوفيت قاوموا في تسالينجراد والأمريكيون هبطوا في شمال أفريقيا ويعلن " أنتوني إيدن" وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم في ذلك اليوم تصريحه الثاني على الوحدة العربية قال :

" إن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب لتعزيز الوحدة الاقتصادية والثقافية والسياسية .

ولكن من الجلي أن الخطوة الأولي لتحقيق أى مشروع يجب أن تأتي من العرب أنفسهم والذي أعرفه أنه لم يوضع حتى الآن مثل هذا المشروع الذي ينال استحسانا عاما تنطلق الدعوة للجامعة العربية من مصر .

يتلقف " مصطفي النحاس " تصريح " ايدن" فأعلن " صبري أبو علم " باسمه في مجلس الشيوخ يوم 20 مارس 1943 .

" منذ أعلن " ايدن" تصريحه فكرت فيه طويلا وانتهيت إلى أنه يحسن بالحكومات العربية أن تبادر باتخاذ خطوات رسمية فتبدأ باستطلاع آراء الحكومات العربية المختلفة كل على حدة وتبذل جهودها للتوفيق والتقريب بين آرائها ثم تدعوهم إلى مصر في اجتماع ودي لهذا العرض وبدأ النحاس " مفاوضات ثنائية مع الدول العربية وتعددت اتصالات وزيارات الزعماء بين العواصم العربية من 3 يوليو عان 1943 حتى فبراير 1944 .

ويزور معظم الزعماء العرب القاهرة لإجراء مشاورات لوضع أسس قيام الجمعة ولعرض وجهة نظر كل دولة عربية في هذا المجال قبل بدء الاجتماعات العامة . ومن هذه الاتصالات تتضح الحقائق التالية .

ويري " نوري السعيد " أن سوريا الكبرى هي الخطوة الأولي وأراد اجتذاب " النحاس " لمشروعه ولكن " النحاس كان متحفظا وترك الأمور للدول المعنية.

بعث " جوردان " الوزير البريطاني المقيم في جدة يوم 2 أكتوبر 1943 يقول إنه عقد عدة اجتماعات مع الملك عبد العزيز " وقد أبلغه ن بريطانيا ليست ضد الوحدة ولكنها تريد أن تمضي ببطء وأن الإسراع بها خطر في أثناء الحرب.

مر" ايدن" بمصر في 26 أكتوبر 1943 فقال " لتيرينس شون" الوزير البريطاني المفوض إن بريطانيا لا تستطيع معارضة الفكرة علنا .

مر " ايدن" بمصر مرة أخري في 7 نوفمبر 1943 فناقش الاجتماعات العربية طلب " النحاس الموافقة على أن يشترك الفلسطينيون في الاجتماعات فرفض " ايدن الالتزام بأى شئ .

اقترح " النحاس " أن يحضر ا الاجتماعات نفس المندوبين الفلسطينيين الذين اشتركوا في مؤتمر لندن عام 1939 باعتبار أن الذين قبلتهم لندن يمكن أن تستقبلهم القاهرة ولكن " ايدن" أكتفي بأن يقول إن هذه المسألة تدرسها الإدارات المختصة في لندن .

وقد عارضت وزارتا الخارجية والمستعمرات في اشتراك الفلسطينيين وكان زعماؤهم الثوريون معتقلون في روديسيا .

ورفضت بريطانيا أيضا أن يشترك زعماء شمال أفريقيا العرب حتى لا تغضب فرنسا ورفضت بريطانيا اشتراك " السنوسي " لأن ليبيا محتلة ومصيرها يقرره الحلفاء في مؤتمر السلام.

ورفض البريطانيون الاعتراف " بالسنوسي " وكان مقيما بمصر يطالب بالاستقلال بعد انتهاء الحرب.

في 25 فبراير 1944 ألغ " كورنووليس " السفير البريطاني في بغداد " نوري السعيد"

أنم يمضي ببطء في مبحثات الوحدة وأن العراق ملزم بالتشاور مع بريطانيا ومن الأفضل تأجيل الفكرة لما بعد الحرب اعترف " نوري " أن المعاهدة البريطانية العراقية تلزمه بذلك .

وعقد مجلس الشيوخ المصري جلسة سرية في 29 فبراير 1944 بين فيها " النحاس " مصاعب اشتراك الدول غير المستقلة في اجتماعات الجامعة .

أبلغ كيلرن " حكومته أن " النحاس حريص على إبلاغ الحكومة البريطانية بكل شئ عن مشاوراته وأنه يسلم السفرة تفاصيل لقاءاته ومشاوراته.

وقال كيلرن أنه لا يفهم الحكمة من معارضة المؤتمر المقترح.

وردت الخارجية في مارس 1944 بان بريطانيا لا تعارض حتى لا يقال إنها سبب فشل الوحدة العربية .. ولكن بريطانيا لا تريد أن يتحول الاجتماع إلى مظاهرة ضد سياستها في فلسطين وأن العرب سيجدون وسيلة سهلة لتبرير أخطائهم بإلقاء اللوم على الآخرين ولابد من جدول أعمال مقدما عن المسائل التي سيتفق عليها المجتمعون وأن السفير يجب أن يعمل على ألا ينحرف النحاس " بالمؤتمر لزيادة التوتر في المنطقة بين العرب واليهود وحتى لا يلحق إضرارا بجهود الحلفاء الحربية وأن الجلسات العلنية تعد مقدما وبعناية "

ولكن يقدم الدبلوماسي " هانكي " إلى وزارة الخارجية مذكرة يقول فيها يوم أول يونيو 1944:

" إن موقف النحاس " أصبح محرجا لنا يريد إقامة توزن بين عدم استقراره داخل مصر بالدعوة للوحدة العربية .

نحن الذين نبقيه في منصبه ونأمل ألا يصرخ عاليا ضد سياستنا في فلسطين وبعد أسبوع أطلع " النحاس باشا " السفير البريطاني على مشروع الخطاب الذي سيوجهه للدول العربية بطلب عقد اجتماع تمهيدي في يوليو أو أغسطس ولكن " والترس مارت" قال" لأمين عثمان " بعد أن أطلع على المسودة إنه يطلب من " النحاس" البطء ون يتشاور معه قبل اتخاذ أى خطوة.

وقد اعترضت الخارجية البريطانية على خطاب " النحاس " وطلبت من " كيلرن " إبلاغه أن الوقت غير مناسب للمؤتمر لأنه سيثير قضية فلسطين .

أبلغ " كيلرن " هذه الرسالة " للنحاس " في 23 سبتمبر ولكن " النحاس " كان قد بعث بالرسالة إلى الدول العربية ويبلغ " النحاس كيلرن" أن المناقشة ستكون في الحدود المناسبة .

وطلبت بريطانيا من " النحاس " التأجيل إذا أبدت بعض الدول العربية نفورها من الحضور أو أبدت عدم جدوى الاجتماع "

وطلبت من " النحاس " إذا لم يكن هناك اتفاق في الشئون السياسية أن يركز على المسائل الاقتصادية والتعاون الثقافي وإلا فائدة من المؤتمر على الإطلاق "

وطلبت بريطاني من " النحاس " ضمانات بالنسبة لسوريا ولبنان لعدم إغضاب الفرنسيين في 5 يونيو 1944 بع " كيلرن" إلى وزارة الخارجية في لندن يقول :

1- انتهزت فرصة حديث جري أخيرا مع " أمين عثمان " لتحذير " مصطفي النحاس باشا " للتريث ف شأن مؤتمر الوحدة العربية فلم أر كيف يمكن أن يتجنب المؤتمر موضوع فلسطين بما يكتنفه من مشاكل وهو أمر لابد أن يدركه " النحاس" فهو يسبب ضررا بالغا .

وفي نفس الوقت لم أكن – بصراحة – قلقا على ن يعقد المؤتمر من خلال جهد إيجابي أو سلبي من جانبنا.

ومن الأفضل " للنحاس " أن يدع الفكرة تأخذ مجراها في بطء وهذا أسهل حاليا فقد انتهي تنافس " النحاس " على الزعامة مع " نوري السعيد" بخروج " نوري السعيد" من الحكم .

2- قال " أمين عثمان باشا ": إنه لم متحمسا أبدأ لهذه المحادثات حول العروبة التي يعدها عمليات لا جدوى منها .

ووافق تماما على أنه من الحمق إتاحة أى فرصة لإثارة مشاكل فلسطين التي يمكن أن تسبب ضررا غير متوقع .

ووعد بالحديث مع " النحاس باشا " و" فرملة الموضوع"

وفي 21 يونيه 1944 بعث " النحاس " إلى 6 دول عربية هي : العراق، وسوريا، ولبنان ، وشرقي ، والأردن، والسعودية ، واليمن بأنه تقرر اجتماع اللجنة التحضيرية في أواخر يوليو أوائل أغسطس.

وقال " كيلرن " للأمير عبد الإله " الوصي على عرش العراق يوم 26 يونيو 1944 إن تصرف " النحاس " ضار بالإنجليز والدول العربية لأنه سيثير قضية فلسطين.

وتطلب وزارة الخارجية البريطانية إلى سفيرها في العراق السير كورووليس " أن يبلغ رئيس وزراء العراق " حمدي الباجه جي " رغبة بريطانيا عدم إثارة قضية فلسطين في اجتماعات القاهرة ويتم اللقاء يوم 5 يوليو ويكتب " كورنووليس" إلى لندن".

1- قام رئيس وزراء العراق " حمدي الباجه جي" بزيارتي لبحث مسألة الوحدة العربية قال إنه من المهم ألا تضيع الدول العربية وقتا في الوصول إلى اتفاق يضمن اتخاذ سياسة خارجية مشتركة إذا تعرضت دولة منها للتهديد بالخطر ويؤدي أيضا إلى تحسين علاقاتها الاقتصادية والثقافية وعلاقاتها الأخرى .

ورغب – قبل بحث المسألة أمام مجلس الوزراء العراقي أن يعرف وجهة نظر حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا لأنه يري بشدة ألا تفعل الحكومات العربية شيئا معارضا لسياستنا .

2- أوضحت سياسة حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا طبقا للتعليمات الصادرة لى .. أكدت بصفة خاصة أن حكومة صاحب الجلالة لا ترغب في إثارة قضية فلسطين في الوقت الذي توجه فيه جميع جهودها ضد العدو المشترك .

3-قال دولته إنه يقدر وذلك تقديرا كاملا ولا يدري سببا لعدم اجتماع اللجنة مع إصدار قرار بتأجيل بحث المسألة الفلسطينية إلى ما بعد الحرب.

وقال إنه مقتنع بأن الوحدة العربية والدول العربية ذاتها ستزدهر في المستقبل إذا واصلوا تعزيز الروابط مع بريطانيا العظمي .

وقال إنه ينوي تقديم اقتراح بأن يكون جزء من سياستهم المشتركة الدخول في تحالف مع حكومة صاحب الجلالة لفترة أولية لمدة 30 عاما .

أوضحت سياسة الحكومة البريطانية وهو يؤيد بشدة تأجيل القضية الفلسطينية إلى ما بعد الحرب"

وتوجه تعليمات إلى " السير كورنووليس " السفير البريطاني ليقابل " نوري السعيد" ويطلب منه تأجيل إثارة قضية فلسطين حتى تنتهي الحرب.

أكد " نوري السعيد " للسفير في اليوم التالي – 6 يوليو – أن المؤتمر لن يتخذ قرارا في قضية فلسطين وأن المسألة الفلسطينية ستؤجل إلى ما بعد انتهاء الحرب .

ويقدم " هنكي " الدبلوماسي بوزارة الخارجية البريطانية مذكرة ثانية إلى الوزارة يوم 15 يوليو 1944 يقول فيها :

أقنعنا " النحاس " بأن يركز جهوده على أمور يمكن لاتفق عليها مثل المجالات الثقافية والاقتصادية .

وقد وعد " النحاس " بلا يثير مشاكل مثل فلسطين وسوريا لبنان وإذا نوقشت فلن يتم ذلك بطريقة تؤدي إلى أى نزاع "

ووعد السوريون أيضا بعدم إثارة المسألة الفلسطينية "ويتوجه " موسي شرتوك" الذي تولي وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد ذلك باسم " موسي شاريت " إلى المندوب السامي البريطاني في القدس في 24 يوليو 1944 ليردد مخاوف الصهيونيين من الاجتماع القادم.

وكتب المندوب السامي البريطاني هذا التقرير :

" أبلغت " مستر شرتوك" أنه – حتى انعقاد المؤتمر من أساسه ليس أمرا مؤكدا في الفترة القريبة التي يتصورها وأننا مدركون تمام للأخطار التي أشار إليها وسنعمل ما في وسعنا لتجنبها ومما يسهل علينا هذا العمل أن يمتنع الآخرون على إثارة مشكلة فلسطين من جانبهم إننا لا نستطيع أن نعمل أكثر من هذا . لقد أعلنا تعاطفنا مع فكرة الوحدة العربية وليس بوسعنا التراجع عن ذلك حتى لو رغبنا فيه "

وتخصص وزارة الخارجية البريطانية كل جهودها خلال صيف عام 1944 لتضمن عدم مناقشة قضية فلسطين بطريقة فيها إحراج لبريطانيا .

كتب " كيلرن" إلى لندن يوم 10 يوليو 1944 في البرقية 1366 يقول :

" كان رد فعل " أمين عثمان " إنه إذا تلقي " النحاس " ردا من احدي الدول العربية يفيد بأن موعد الاجتماع غير مناسب أو أنه سابق لأوانه فإن " النحاس " سيوافق وبالنسبة لفلسطين فإن النحاس يستطيع أن يدبر الأمر .

وإذا تعذر تمثيل الفلسطينيين في الاجتماعات بسبب الحرب فإن المشكلة ستوضع على الرف بموافقة مشتركة "ويكتب " كيلرن " مرة أخري إلى لندن في سبتمبر 1944 أن "النحاس " يأسف لمبادرته بدعوة اللجنة التحضيرية وهو يري أن الأمور تنزلق بسرعة من بين يديه .

ولكن " النحاس " الذي بدأ المسيرة يري أنه من الصعب عليه التراجع هناك آخرون مستعدون لالتقاط الخيوط وقيادة الوحدة العربية وعقد الاجتماعات في مكان آخر ".

ويقول " اللورد كيلرن" إن نقل المؤتمر إلى عاصمة أخري غير مرغوب فيه إننا لا نستطيع أن نكبح جماح المداولات كما نفعل هنا"

والغريب في الأمر أن " كيلرن" كان قد بعث في 18 مارس 43 يعترض على عقد الاجتماع في القاهرة حتى لا يتأبد حق مصر في طلب الزعامة العربية .

وقبل أيام من اجتماع اللجنة التحضيرية يقدم " هانكي " مذكرة ثالثة إلى وزير الخارجية في 16 سبتمبر 1944 يقول فيها:

" المسرح الآن معد.. الزعماء العرب جميعا أعمارهم بين الستين والسبعين".

ويعدد " هانكي " الخلافات بين الزعماء العرب ثم يقول :

" إن الفلسطينيين لم يتفقوا على وفد يملهم لغياب زعمائهم والمفتي الحاج أمين الحسيني " في ألمانيا وسيكون هناك صراع بين المجتمعين .

ولا نجرؤ نحن – بريطانيا – على الاعتراض وتأجيل هذا الصراع فإنهم في هذه الحالة ستفقون ضدنا ... لأننا نعارض الوحدة العربية ولا نستطيع أن نفعل شيئا الآن .

وقد حصلنا على تعهدات من المشاركين في الاجتماعات بأن أية إشارة لفلسطين ستعالج بحصافة حتى لا يتضاعف التوتر في أثناء الحرب"

وتبعث بريطانيا بتعليمات إلى وزرائها المفوضين في جدة وعمان لتهدئة خطوات الحركة ولإقناع الزعماء العرب بأن المسائل الشائكة مثل فلسطين وسوريا يجب إبعادها عن مسألة الوحدة العربية .

ولكن بريطانيا تري في نهاية الأمر أن " النحاس" هو الأفضل للقيام بهذا الدور العربي لأنه ضد الملك فلا يؤيد أسرة ملكية .

ومصر أفضل لأنها ليست مشتركة في صراع أسر أو قبائل وليست لها مطامع في الأرض العربية في آسيا .

ومصر أفضل لابتعادها عن الشئون العربية ولاهتمامها بمسائلها الداخلية وبسبب سكانها وعددهم وثرواتها .

وقبل ذلك قالت مذكرة لوزارة الخارجية في أبريل 1943 :

" يجب أن نفعل مثل " سامبو لأسود" ى القرد – فنجلس على شجرة ونترك النمور تمزق بعضها إربا "

ويكتب " اللورد موين" في 7 سبتمبر 1944 إلى لندن قائلا :

" لقد عارضنا الفكرة ، ولكن لا يمكن الضغط أكثر من ذلك وإلا ثارت الشبهات وأخيرا يحدد يوم 25 سبتمبر 1944 موعدا لاجتماع اللجنة التحضيرية .

استمرت الاجتماعات التحضيرية للجامعة العربية من 25 سبتمبر 1944 حتى 7 أكتوبر بالإسكندرية وأنتهي الأمر باتفاق على توقيع ( بروتوكول) قيام الجامعة العربية على أن تكون اتحادا وألا تتخذ هذه الجامعة أى إجراء لحل الخلافات بين الأعضاء وأن يكون التحكيم اختياريا. وأرجئ البحث في موضوع قيام محكمة العدل العربية .

واتفق على تكوين لجنة سياسية فرعية تعد نظام الجامعة العربية ويوقع ( بروتوكول ) الجامعة العربية يوم 7 أكتوبر ويقال " مصطفي النحاس" رئيس وزراء مصر في اليوم التالي ؟

وتتغير الحكومات في كل من سوريا والأردن بعد أسبوع أى في 14 أكتوبر وتثور شكوك في أن ذلك ثم نتيجة لتوقيع البروتوكول ولكن السبب الأساسي لتغير حكومات الثلاث كان لأسباب داخلية في كل بلد وتأخر إتمامه انتظارا لتوقيع ( البروتوكول) ويجئ أحمد ماهر بعد النحاس ".

ويلتقي " نوري السعيد" بتيرينس شون" الوزير البريطاني المفوض في القاهرة ويعرب نوري السعيد – عن اعتباطه لأن " أحمد ماهر " استبقي الدكتور محمد صلاح الدين " سكرتير عام وزارة الخارجية الوفدي في منصبه " فالدكتور صلاح الدين " كان مفيدا في الاجتماعات التمهيدية بالإسكندرية .

ويوالي " أحمد ماهر " الاهتمام بالجامعة العربية ، ويعقد اجتماعا للجنة السياسية يوم 14 فبراير 1945 وتستمر هذه الاجتماعات في عهد " النقراشي حتى يوقع الميثاق .

انتهت الحرب في أوربا يوم 7 مايو بهزيمة " هتلر " واستسلامه بلا قيد ولا شرط وانتصار الحلفاء : بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وظلت الحرب مستمرة في الشرق الأقصى ضد اليابان.

وواجهت مصر والجامعة العربية أول أزمة عربية " حادة "قررت الحكومة السورية عدم تدريس أية لغة أجنبية في المدارس الابتدائية فاعتبرت فرنسا أنها المقصودة بهذا القرار. حتى يمنع تدريس اللغة الفرنسية في هذه المدارس كما كان متبعا أيام الانتداب .

ورأي " ديجول " الرد بإلزام سوريا بتوقيع معاهدة مع فرنسا وحقها في الاحتفاظ بقواعد عسكرية في سوريا ونزل – بالفعل قوات سنغالية في ميناء بيروت.

ووجدت سوريا أن هذه القوات ستتقدم نحو دمشق فقامت مظاهرات في سوريا ولبنان واضطرابات ومصادمات ضد القوات الفرنسية .

تدخلت فرنسا بعنف لقمع المظاهرات واستخدمت الدبابات والسيارات المصفحة والمدافع ضد المتظاهرين.

وألقت القنابل على دمشق يوم 29 مايو 1945 فسقطت فوق مبني البرلمان .

وقتل من البوليس السوري 80 ومن المدينين 400، وجرح 500 وتوتر الموقف في سوريا والعالم العربي كله .

وكان " تيرينس شون" قد نقل من القاهرة وزيرا مفوضا لبريطانيا في دمشق فأبلغ حكومته بالموقف وطلب تدخلها لأن الحرب لا تزال مشتعلة في اليابان وسوريا هي نقطة مرور للشرق الأقصى والجامعة العربية لا تزال وليدة.

أذاع " تشرشل" إنذارا " لديجول " بوقف العدوان والانسحاب من سوريا .

وطلب القائد البريطاني للقوات البريطانية المعسكرة في سوريا من الفرنسيين عودة قواتهم إلى الثكنات على ن يحرسها البريطانيون وعقدت الجامعة العربية اجتماعا أيدت فيه سوريا ولبنان.

وتوجه " بنكني تاك " الوزير الأمريكي المفوض إلى رئيس وزراء مصر يسأله عن موقف مصر إزاء أحداث سوريا ولبنان ثم بعث إلى واشنطن البرقية رقم 1286 وفيها يقول :" طلبت مقابلة " النقراشي بشا " رئيس الوزراء

انتهزت الفرصة وبحثت معه عددا من القضايا السياسية الداخلية والخارجية ذكر رئيس الوزراء أنه بالنسبة لموقف مص ورد فعلها إزاء المشرق فإن مصر قطعت على نفسها عهدا خلال الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية بأنها مستعدة بإخلاص لتنفيذ الالتزامات التي تم الاتفاق عليها في الاجتماع .

وقال إن فرنسا تخلق الاضطرابات لنفسها في منطقة الشرق الأدنى بأسرها وقد تضطر الحكومة المصرية في النهاية لاتخاذ إجراءات تستهدف المقاطعة الاقتصادية والثقافية لفرنسا ،.... حتى قطع العلاقات الدبلوماسية .

وقال إن هذه الخطوة الأخيرة لا يمكن اتخاذها إلا بعد إجراء مشاورات مع الحكومة البريطانية " ظلت بريطانيا خائفة من قيام الجامعة ورفضت الاعتراف بها .

وقالت إن الجمعة ليست دولة ولا منظمة دولية معترفا بها من الأمم المتحدة كما أن بريطانيا ليست من الدول الأعضاء في هذه الجامعة.

وتكتب الجمعة العربية إلى السفارة البريطانية في القاهرة ولكن السفارة لا ترد على الجامعة !

ويلتقي " ولتر سمارت" المستشار البريطاني الشرقي " بعبد الرحمن عزام " الأمين العام للجامعة قال " عزام " :

- تم الاتفاق بين الدول العربية على أنه يمكن لأمين عام الجامعة العربية معالجة هذه المسائل بالنيابة عن الحكومات لمختلفة في الجامعة.

- إن الجامعة العربية تتعامل في كافة المسائل مثل الصحة والاقتصاد الخ.

ويجب أن يتم الاتصال مع الحكومات المختلفة عن طريق الأمين العام وإذا تم الاعتراف بالجامعة العربية فإن مثل هذه المراسلات تصبح بالتأكيد مسألة عادية .

رد" سمارت".

- نحن لا نستطيع الاتفاق معك في هذا الأمر .

قال " عزم ":

- لقد اتفقت الدول العربية على ن أمين الجامعة يستطيع التعامل معكم باسم الدول العربية وهذا هو الحل العملي ..

إننا نتعامل مع مفوضية أمريكا بهذه الطريقة وقد أبلغتكم ميثاق الجامعة وتلقيت منكم ردا .

قال " سمارت":

- نحن لم نرسل ردا.

ويكتب " سمارت" للسفير:

- الجامعة العربية مسألة مبهمة. ولا يمكن الاعتراف بها رسميا . ولا يمكن تجاهلها ولا نريد ن تسبقا أمريكا في هذا الأمر .

ويحسن أن نرد على رسائل الجامعة العربية. وهذا لا يعني أبدا الاعتراف الرسمي بالجامعة كشخصية جماعية وقانونية .

ولا مانع من الاعتراف بمراسلات الأمين العام للجامعة وإبلاغه استلام رسالته وإننا سنوصلها لوزير خارجية بريطانيا ولكن السفير لا يوافق .

التقي " بالنقراشي " وقال له يوم 5 يناير 1946:

- إن الوقت لا يزال مبكرا جدا بالنسبة للاتصال الرسمي المباشر مع الجامعة العربية .

- إن هذه الجامعة لم تكن ولا يمكن أن تكون أبدا كيانا له سيادة يمكن الاعتماد عليها ولا أ‘رف سابقة لذلك.

ولكن – بطبيعة الحال – سيكون هناك استمرار للاتصال ، غير الرسمي ، معها ، وأتمني ألا يكون هناك سوء فهم في ذلك.

إن الجامعة العربية منظمة تثير الإعجاب وقد أخذت شكلها الفعلي بصورة أكثر فعالية وبسرعة ولكن هناك مخاطر معينة وتبقي المسألة معلقة .

ولم تعترف بريطانيا بالجامعة العربية إلا في 16 أكتوبر عام 1946 بعد 8 شهور من استقالة " النقراشي" .

ولكن الجامعة التي بدأت نشاطها في عهد " النقراشي " تظل – دواما – نقطة أخري في حلقات الخلاف والتوتر بين " النقراشي " .." وكيلرن .

ويكتب الصحفي اليهودي " جون كيمش " مراسل وكالة رويتر في لندن " إن شعوب الشرق الأوسط ترقص على فوهة بركان ، وإن المشكلة الفلسطينية تمزق العالم العربي "وتتركز أنظار مصر على قضية فلسطين .. وتصبح هذه القضية محور الاهتمام المصري وبعد أن كان الزعماء السياسيون ، والرأي العام المصري ، يبحثون كل قضايا مص والعالم العربي أصبحت مسألة فلسطين هي قضية الساعة في مصر.

قرار.. يوم وقفة عرفات !

اتصلت البريطانية تليفونيا برئاسة مجلس الوزراء وقال المتحدث :

- السفير البريطاني " اللورد كيلرن" سيعود مساء اليوم من لندن .. وهو يريد مقابلة رئيس الوزراء في الحادية عشرة من صباح الغد.

قال مدير مكتب رئيس الوزراء :

- غدا الثلاثاء 13 نوفمبر عطلة لأنه يوافق وقفة عرفات .

قال المتحدث :

- تلقينا برقية بذلك من لندن . ولا نستطيع تعديلها لأن السفير حاليا في الطائرة بين لندن والقاهرة ولم يسع " النقراشي " إلا القبول .

وجاء" اللورد كيلرن" يحمل إلى " النقراشي" نص بيان " أرنست بيفن " وزير خارجية بريطانيا ، بشأن فلسطين قبل ساعات قليلة من إلقائه في مجلس العموم البريطاني حتى لا تفاجأ مصر بالبيان .

وأبلغ البيان في نفس الوقت إلى كل الحكومات العربية ليثير ضجة بين العرب وداخل فلسطين أيضا إذ رفض كل من العرب واليهود قبول المقترحات البريطانية .

قال " بيفن ": ستسمح بريطانيا بهجرة 1500 يهودي شهريا إلى فلسطين .

تشكيل لجنة تحقيق بريطانية أمريكية لفحص الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية بفلسطين فيما يتصل بمسألة الهجرة اليهودية والاستيطان فيها .

فحص مركز اليهود الذين كانوا ضحية الاضطهاد في أوربا وتقرير أولئك الذين يرغبون أو تضطرهم أحوالهم للهجرة إلى فلسطين أو غيرها من بلاد أوربا.

وبيان بيفن طويل يفرق بين الصهيونية واليهودية ويتكلم عن مساعدة يهود أوربا الذين عذبوا في عهد النازية الألمانية والفاشية الإيطالية لمساعدتهم على العيش في سلام.

ويعلن " بيفن " أن بريطانيا لم تعد قط بإقامة دولة يهودية في فلسطين .

كان مجلس جامعة الدول العربية مجتمعا في القاهرة منذ 31 أكتوبر فأضيف إلى جدول أعماله بيان وزير الخارجية البريطاني ولذلك قام " اللورد كيلرن" ووالتر سمارت" المستشار الشرقي للسفارة البريطانية باتصالات ضخمة بين وزراء خارجية الدول العربية وممثليها المجتمعين في القاهرة حتى لا يرفضوا هذا البين .

وبعث سمارت بمذكرة إلى لندن عن نتائج مباحثاته قال فيها

" المسألة التي ظهرت من المحدثات مع أعضاء جامعة الدول العربية هي اعتقادهم بأن الاقتراح الخاص بنقل الانتداب إلى منطقة الوصاية أدي إلى تأجيل تحقيق استقلال فلسطين إلى أجل مسمي وهو الأمر الذي كان على مرمي البصر طبقا للكتاب الأبيض .

وظهرت مشاع أخري خلال محادثاتي وهي أن اليقين الفعلي للجنة الأمريكية البريطانية للتحقيق في المسألة الفلسطينية يرتقي في الواقع - وضمن مسائل أخري – إلى إلغاء الكتاب الأبيض .

وعلى أية حال فقد أبلغني عبد الرحمن عزامأمين الجامعة العربية أن ما يقلقهم حقا هو كيفية قيامهم بشرح الموقف ، على وجه الدقة للفلسطينيين.

ويجب أن تصبح الأمور واضحة جدا بالنسبة لهم ، بسبب التغيير في السياسة البريطانية وليس من السهل في الوقت الحاضر أن يوضح لهم أن الكتاب الأبيض لا يزال ساري المفعول وهناك سبيلان يمكن اتباعهما:

إبلاغ الفلسطينيين العرب بقبول اقتراح الهجرة المؤقت على أساس أن الكتاب الأبيض لا يزال يشكل سياسة حكومة صاحب الجلالة .

والسبيل الآخر أن يطلب تأكيدا من حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا بأن الكتاب الأبيض لا يزال ساري المفعول .

أعتقد أنه من الأفضل ألا يطلب من حكومة صاحب الجلالة إصدار مل هذه البيانات في الوقت الحاضر .

قال " عزام " بأن " النقراشي " أبلغه أنه فهم أن " اللورد كيلرن" أبلغ " الملك فاروق " بأنه لا اعتراض لدي حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا على إعلان أن الكتاب الأبيض لا يزال ساري المفعول .

وسألني " عزام " عما إذا كان " النقراشي ط قد فهم الأمر بصورة صحيحة ، إن الأمر سيكون أكثر سهولة لتوضيح الهجرة المؤقتة للعرب إذا أصدرت حكومة صاحب الجلالة بيانا بأن الكتاب الأبيض ساري المفعول .

قلت " لعزام " إني لا أعرف شيئا عن هذه النقطة التفصيلية في حديث السفير مع " الملك فروق ".

قال " عبد الرحمن عزم " في اجتماع المجلس يبرر ضرورة المرونة في الرد

- إن الحكومة البريطانية اضطرت تحت ضغط يهود أمريكا إلى قبول الهجرة الجديدة ونحن نريد إلزامها بالتعهدات التي جاءت في الكتاب الأبيض .

ونريد إعطاء بيفن فرصة الاحتجاج أمام الأمريكان وأمام حزب العمال بأن الأم موضع تفاوض مع العرب .

- وفيما يتعلق بلجنة التحقيق : ألاحظ أن المجلس يريد أن يقف منها موقف الحذر والتريث دون أن يتقيد بمقاطعتها ولا بالتعاون معها .

أما الوصاية فنريد أن نضع نصا لا يرفضها ولا يقبلها نريد نصا بشكل غامض إننا متفقون على رفض الهجرة .

ولا نرغب في الوصاية أو الانتداب نريد صراحة استقلال الفلسطينيين ويضع " الدكتور محمد حسين هيكل باشا" رئيس مجلس الشيوخ المصري ، " وحبيب أو سهلا " نائب رئيس الوزراء السابق في لبنان مذكرة برد مجلس الجامعة وافقه عليها الأعضاء بعد 4 اجتماعات قال الرد الذي سلم لبريطانيا يوم 5 ديسمبر 1945.

إن بيان بيفن جاء نتيجة للضغط السياسي الصهيوني وأن الغرض الصهيوني هو إقامة دولة يهودية في فلسطين ولا تستطيع الدول العربية التسليم بهجرة أساسها الضغط كما أن الدول الجامعة – التي تربطها والولايات المتحدة الأمريكية أحسن روابط الصداقة – لا تري مبررا لأن تتناول لجنة التحقيق مسألة الهجرة إلى فلسطين

وبعث المجلس يوم 5 ديسمبر برد إلى "بيفن" تضمن هذه المعاني كان رأي الجامعة العربية يعتمد على أن بريطانيا أصدرت في 17 مايو عام 1939 كتابا أبيض تضمن التزامها بسياسة معينة في فلسطين هدفها الحصول على تأييد العرب لبريطانيا إذا قامت الحرب .

وينص الكتاب الأبيض على

تنوي بريطانيا إنشاء دولة فلسطينية مستقلة خلال 10 سنوات السماح بهجرة 75 ألف يهودي إلى فلسطين خلال 5 سنوات وبعد ذلك لا يسمح بهجرة يهودية إلا إذا كان عرب فلسطين على استعداد لقبولها .

منع اليهود من امتلاك الأراضي في مناطق كثيرة وبذلك لم يكن لليهود سوي 5 % من أرض فلسطين .

ومنح المندوب السامي البريطاني في فلسطين سلطة منع بيع الأراضي وتنظيم انتقالها .

ليس من سياسة الحكومة البريطانية أن تصبح فلسطين دولة يهودية.

ولذلك فإن الجامعة وجدت أنه ينبغي على بريطانيا التمهيد لنقل السلطة في فلسطين إلى دولة عربية مستقلة . وتري الجامعة أنه بانتهاء عام 1944 تتوقف الهجرة لأن العرب حق الفيتو.

ولكن الهجرة الشرعية وغير الشرعية أدت إلى رفع عدد السكان اليهود في فلسطين من 55 ألفا عام 1919 إلى 400 ألف عام 1945 أما عدد السكان العرب فهو 1،200،000 نسمة وكان عدد العرب 10 أضعاف اليهود فأصبح اليهود يمثلون نصف السكان العرب.

وقال العرب إن الكتاب البريطاني الأبيض قد أهدر بهذه الطريقة ولن تكون هناك نهاية للهجرة اليهودية إلى فلسطين .

وقال بيان مجلس الجامعة العربية إنه يرجو تأييد الديمقراطية بتمكين الأكثرية من تقرير مصير فلسطين وتحقيق استقلالها .

الغريب في الأمر أن العرب عام 1939 رفضوا الكتاب الأبيض برغم ما فيه من اعتراف بريطانيا مبدئيا بحق فلسطين في الاستقلال .

لقد رفض اليهود الكتاب الأبيض لأنه يتضمن عدول بريطانيا عن تقسيم فلسطين إلى دولتين كما أنه حدد الهجرة بصفة نهائية وقيد بيع الأراضي لليهود.

وأيد هذا الكتاب حزب فلسطيني واحد.. وهو حزب الدفاع برئاسة " راغب النشاشيبي" بقا لسياسة ( خذ وطالب)

وكل مؤرخي الحركة الصهيونية قالوا إنه لو قبل العرب الكتاب الأبيض لما قامت دولة فلسطين لأن بريطانيا كانت ستضطر إلى تنفيذ الكتاب الأبيض .

كان من رأي العرب بعد الحرب العالمية الثانية أنه بوفاة " هتلر " فإن اليهود لن يفكروا في ترك أوربا بل سيهاجرون من فلسطين عائدين إلى أوروبا .

ولكن العراق سبق مجلس الجامعة فبعث برد عاجل إلى بيفن وقدم مشروع قانون إلى البرلمان العراقي مطالبا بوطن قومي للعرب في كاليفورنيا باعتبار أن أمريكا أكثر تأييد من بريطانيا لليهود !

ويعتذر رئيس وزراء الأردن " إبراهيم هاشم باشا " للمستشار الشرقي البريطاني قائلا :

إن رد الجامعة العربية لا يعني إغلاق باب الهجرة فإن الجامعة لن توافق على مزيد من الهجرة .

إن كل مندوب عربي عاقل ولكن إذا اجتمع اثنان أو أكثر فإن أحدا لن يجرؤ على الموافقة على الهجرة وموقف " الأمير عبد الله " – أمير شرق الأردن – صعب لاتهامه بالترحيب بالشركات اليهودية في بلاده .

ويكتب " كيلرن" إلى وزير خارجيته مؤكدا وجهة نظر رئيس وزراء شرق الأردن قائلا :

- إن أمين الجامعة العربية لا يعتبر رد الجامعة رفضا لمقترحات بيفن .

- وإذا كان رد العرب قد تميز بالمرونة .

فإن اليهود ردوا بالعنف والقنابل في فلسطين لأنهم رأوا أن بريطانيا تستغل الصراع العربي اليهودي للبقاء في فلسطين.

وفي نفس الوقت استمر اليهود في ضغوطهم على بريطانيا من ناحية وعلى أمريكا من ناحية أخري . توفي الرئيس الأمريكي " روزفلت" فجأة – مساء يوم 12 أبريل 1945 وتولي " هاري ترومان " منصب الرئاسة بعد 83 يوما فقط من اختياره نائبا " لروزفلت"

وكان " ترومان " في الحادية والستين من عمره لا يعرف أحدا من زعماء العالم ولم يغادر أمريكا إلا مرة واحدة فقط عام 1918 متجها إلى أوربا في سفينة ناقلة للجنود.

في مذكرات " السير الكسندر كادوجان" الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية قال إن " ترومان " طلب من " تشرشل" الحضور إلى واشنطن وذلك في اليوم التالي لتوليه الرئاسة وقال إنه يسره أن يري " تشرشل".

وقرر " تشرشل" السفر ولكنه عدل في آخر لحظة بناء على ضغط بعض المحيطين به . وقد لام " تشرشل" نفسه بعد ذلك كثيرا لأنه لم يسافر فإن " ترومان " لم يكن يعرف إلا القليل عن الشئون الدولية .

وكان" تشرشل" رئيسا لوزراء بريطانيا يفر في تقسيم فلسطين ويعتم على روزفلت في تأييده للتقسيم .

ويعقد اجتماع بالقاهرة لسفراء وممثلي بريطانيا في الشرق الأوسط وقادة القوات البريطانية الثلاث لبحث مستقبل فلسطين وتقرر بالإجماع تأييد وجهة نظر السير أدوارد جريج الوزير المقيم في الشرق الأوسط في معارضته للتقسيم .

وقال المجتمعون إن العرب واليهود سيقاومون التقسيم وستفقد بريطانيا صداقة العالم الإسلامي وتتمزق سمعة بريطانيا في الشرق الأوسط ويتخذ تشرشل قراره بعد 3 أيام فقط من وفاة " روزفلت "عدل " تشرشل" نهائيا عن فكرة تقسيم فلسطين .

وكان العرب يظنون أن " روزفلت " معهم أما الحقيقة فهي أن " روزفلت" وعد " الملك عبد العزيز آل سعود" عند اجتماعه به في البحيرات المرة قرب السويس في فبراير 1945 بأن يستشيره قبل اتخاذ أى قرار بشأن فلسطين.

وأكد " روزفلت " للملك في 5 أبريل 1945 أنه لا يجوز اتخاذ أى قرار في الوضع الأساسي لفلسطين دون استشارة العرب واليهود وبصفتي رئيسا لحكومة الولايات المتحدة لن أتخذ أى عمل يعتبر عدائيا للعرب .

وكتب " تشرشل" إلى " الملك عبد العزيز " يقول إنه لن يضع حلا لقضية فلسطين يسئ إلى قواعد العدالة التي هي أساس الصداقة وكان وعد كل من " تشرشل" وروزفلت مبهما غامضا .

فإن " روزفلت " صرح في 9 مارس بأن الحكومة الأمريكية لم تؤيد الكتاب الأبيض وجاء " ترومان" رئيسا ليجد أن حزبه الديمقراطي – وكذلك الحزب الجمهوري – قررا في مؤتمريهما أواخر عام 44 فتح أبواب الهجرة بلا حدود لليهود في فلسطين والسمح لهم بامتلاك الأراضي .

" ولترومان " رأي في هذه المشكلة فقد أيد كنائب للرئيس فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

ولم يكن الماضي وحده ملزما " لترومان "..

بعد 8 أيام من توليه الرئاسة زاره " الحاخام ستيفن وايز" أحد رؤساء مجلس الطوارئ الصهيوني في نيويورك يطلب منه تأييد فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين.

رد " ترومان" قائلا:

- إني أتعاطف مع اليهود المهاجرين من أوربا ولكني سأؤيد سياسة " روزفلت"

- وكان هذا الجواب محاولة من " ترومان " للتخلص من الضغوط .. أما السبب في ذلك ، فيرجع إلى أن وزير الخارجية " ستيتنيوس" قدم له مذكرة قبل لقائه بالحاخام –

قال فيها :" سيحاول زعماء الصهيونية انتزاع التزام منط ولابد من معالجة الموضوع بحرص إن " روزفلت " امتنع عن اتخاذ موقف لأسباب كثيرة "

وأكد وزير الخارجية الأمريكية بالنيابة " لترومان" بعد أسبوعين ضرورة الحرص قائلا في أول مايو 1945 :

"إن روزفلت" برغم أنه أبدي تعاطفا مع بعض أهداف الصهاينة فإنه أعطي العرب تأكيدات والتزامات من جانبنا"

رد " ترومان " على هذه المذكرة قائلا:

" أؤكد أنه لا تغيير في الموقف دون استشارة الطرفين "

وكتب " محمود فهمي النقراشي " إلى ترومان " مبديا ألمه – أى ألم رئيس وزراء مصر لما فعله " هتلر " باليهود وقال إن العرب سيقاومون بأى ثمن ، إقامة دولة يهودية في فلسطين جاب " ترومان " مكررا موقف " لا تغيير إلا باستشارة الطرفين"

وهكذا بقي " ترومان " ملتزما بسياسة " روزفلت" .. لا يتحرك محتفظا بجمود الموقف لأن بريطانيا كانت الدولة المنتدبة على فلسطين .

ولكن الضغوط اليهودية تزداد على " ترومان " وتشرشل" وعلى مؤتمر سان فرانسسكو) فقد طالب اليهود بتمثيلهم في هذا المؤتمر إلغاء قيود الهجرة وكذلك قيود بيع أراضي فلسطين إليهم.

وأعلن اليهود أن هتلر قتل منهم 6 ملايين..وبدأ يهود بولندا يفرون من ألمانيا الغربية وأكد " الجنرال فردريك مورجان " رئيس منظمة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين أن هناك عصابة يهودية سرية ترغم هؤلاء اليهود على الهرب من بولندا بصورة جماعية وأن مظهر هؤلاء اليهود وما معهم من مال لا يوحي بأنه طردوا.

ولكن هذا التقرير لم يعرف في ذلك الحين وكل ما أعلن هو أن 65% من الهاربين عبروا عن رغبتهم في الذهاب إلى فلسطين ولكن السلطات البريطانية رفضت السماح لهم بمغادرة ألمانيا وزاد الضغط لأن بولندا – بعد الحرب – لم تستطع توفير نفس الفرص السابقة لليهود وضاعف المشكلة خروج اليهود من النمسا وايطاليا قاصدين فلسطين.

ووجد في أوربا 150 ألف يهودي مشردين وشغل الجنود الأمريكيون بحل مشاكل هؤلاء اللاجئين ولم تسمح كل من أمريكا وبريطانيا بزيادة عدد المهاجرين إليهما .

وأعلن اليهود أن هتلر نجح في أن يخلق في وسط أو شرق أوربا أمة يهودية بلا وطن وهذه الأمة يجب أن تهاجر .. إلى فلسطين .

ووضعت ( عصابة أرجون) الصهيونية لافتات ضخمة في كل مكان في فلسطين باللغات الثلاث الإنجليزية والعبرية تطلب من الجميع إخلاء المباني الحكومية البريطانية وعدم الاقتراب منها لأنها ستنسف وحملت هذه اللافتات عنوانا ضخما هو " لقد حذرناكم " !

لا حق يهود أمريكا " ترومان" بالمذكرات يقولون فيها إنهم ساعدوا الحلفاء في أثناء الحرب ويطلبون منه استخدام نفوذه لدي بريطانيا لفتح أبواب هجرة اليهود إلى فلسطين .

وكان عدد المجندين اليهود في القوات البريطانية قد وصل إلى 28، 27ولم يشترك عرب فلسطين في القتال ولذلك فإن الخبرة التي اكتسبها اليهود في الحرب ساعدتهم في عملياتهم العسكرية بعد ذلك.

وأشار اليهود إلى ما فعله مفتي فلسطين " الحار جمين الحسيني " الذي قبض عليه الفرنسيون في مايو وحددوا إقامته في بيته قرب باريس.

وقال اليهود إن " أمين الحسيني أذاع برامج عربية من راديو برلين عام 1941 وبعد هجوم اليابانيين على الأسطول الأمريكي في " بير هاربور" بعث إلى الإمبراطور " هيروهيتو" يقول إن العرب يصلون لنصر اليابان .

وفي عام 1942 . هنأ " موسوليني" على تقدم قوته نحو الإسكندرية ودعا المصريين لمساعدته . وفي عام 1944 سافر إلى " يوغوسلافيا " لإقناع المسلمين بمحاربة " تيتو" كما صور في " البوسنة" وهو يفتش على الجنود المسلمين الذين يرتدون ملابس الألمان.

وقال اليهود إن المفتي والالتماسات على والدة " ترومان " وشقيقه . يلتمسان السماح بهجرة سيدات يهوديات مشردات إلى فلسطين. وكان " ترومان " يرد بالرفض ويرجو أمه ، وشقيقته عدم التدخل في الشئون السياسية .

ولكن كان مساعد " ترومان " لشئون الأقليات " دافيد نايلز" وهو ابن ليهودي روسي مهاجر – من المتصلين بالوكالة اليهودية ، ويتابع كل الأنباء ويحث " ترومان على التدخل روي " روبرت دونوفان " في كتابه " الصراع والأزمة " قصة سنوات رئاسة " ترومان " قال : " كان " نايلز " عاطفيا في أية قضية خاصة باليهود يبكي إذ ذكر اسم فلسطين " ويبدأ " ترومان " يتغير تدريجيا لصالح اليهود.

قال إن وزارة الخارجية الأمريكية تهتم برد فعل العرب ولا تهتم بعذاب اليهود وأعلن استعداد أمريكا لتمويل عملية نقل اليهود إلى فلسطين :

ويجتمع مجلس الوزراء البريطاني برئاسة " تشرشل " ليبحث مذكرة تاريخها 11 يونيو 1945 عن فلسطين .

وهذه المذكرة تبين أن بريطانيا مترددة في الموقف الذي تتخذه عرضت هذه المذكرة 5 حلول للمشكلة الفلسطينية أما السياسة بعيدة المدى فهي :

تقسيم فلسطين إلى دولتين : عربية ويهودية كما اقترحت لجنة وزارية أو بقاء الإنجليز في فلسطين حتى تتحول إلى دولة فيها قوميتان وإقامة مجلس تشريعي يتساوي فيه عدد اليهود والعرب مع زيادة الفرص للعرب واليهود في إدارة الدولة وإقامة هيئة دولية يشترك فيها العرب واليهود تحدد عدد المهاجرين.

واقترح هذه الفكرة " السير إدوار جريج" الوزير البريطاني المقيم في الشرق الأوسط وقدرت المدة اللازمة لتحقيق هذا التحويل بـ 9 سنوات .

أما السياسة قصيرة المدى فهي :

• تحقيق الاستقرار في أوروبا ومنع هجرة اليهود الروس إلى أوربا وبذلك لا يتكون هناك مشكلة هجرة ومراجعة المستقبل دوليا .

• الالتزام بهجرة اليهود إلى فلسطين واستشارة العرب في ذلك وقد يرفض العرب الفكرة لأنهم سيرون أن هذا العمل هو أول امتحان تواجهه ( الجامعة العربية الوليدة)

• السماح بالهجرة دون استشارة العرب ولن تكون النتائج خطيرة إذا أعلنت بريطانيا أنها ستستمر في الهجرة.

• وفي هذه الحالة يتوجه العرب إلى روسيا "

وتطالب المذكرة مجلس الوزراء البريطاني باتخاذ قرار حاسم في أى من هذه الحلول الخمسة خلال 6 أسابيع على الأكثر .

ويرفض " ترومان " كل ضغوط اليهود ولا يوافق على الالتزام بإقامة دولة يهودية في فلسطين .

إن " ترومان – في ذلك الوقت كان مستعدا لتأييد هجرة اليهود فحسب إلى فلسطين ولكنه ليس مستعدا لمساندة هذه الهجرة بالقوة ولم يكن العرب يعرفون هذا كله .

ولم يكن لديهم رجال حول " ترومان " أو حول " تشرشل " بل كان العرب يسعون لنيل استقلالهم ويصدقون الوعود البريطانية الأمريكية التي تبذل لهم.

ولم تكن هناك خطوات إيجابية نهائية قد اتخذتها أمريكا وبريطانيا لصالح اليهود ومن هنا كان التردد العربي والسلبية العربية.

ولكن " تشرشل" يبقي حائرا في اتخاذ قرارلقد ظل 3 أجيال مؤيدا للصهيونية وهو الآن يخشي على مستقبل بلاده إذا اتخذ قرارا خاطئاوتكون آخر مذكرة " لتشرشل" يوم 6 يوليو قبل الانتخابات معبرة عن القلق والحيرة قال :

" إن بريطانيا تقوم بعمل مؤلم وواجب لا تنال عليه شكرا

وقال :

" لماذا تظل بريطانيا مسئولة عن هذه المنطقة الصعبة في حين تقف أمريكا متفرجة ؟"

ويقترح " تشرشل" نقل الانتداب من بريطانيا إلى أمريكا .

وتسمع ( عصابات رجون ) الصهيونية بما جري داخل مجلس الوزراء البريطاني فتنسف – بعد أسبوع من مذكرة تشرشل ... لوريا بريطانيا يحمل المفرقعات في فلسطين وتقتل قائده .. وبعد 12 يوما ينسفون جسرا للسكة الحديد.

ولكن " تشرشل" لا يستكمل مهمته إذ يهزم في الانتخابات ويجئ حزب العمال البريطاني إلى الحكم ويبدأ البحث عن دور لأمريكا في القضية الفلسطينية كان حزب العمال البريطاني مواليا دواما لليهود.

وعندما تولي الحزب الحكم في 26 يوليو غمر اليهود الوزراء بالطلبات والمذكرات لتأييد الهجرة وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وكان الحزب قد قرر في أبريل1945 – زيادة الهجرة على نطاق واسع إلى فلسطين ليصبح اليهود أغلبية ونقل فلسطين إلى الدول العربية المجاورة وتوسيع حدود فلسطين بالاتفاق مع مصر وسوريا وشرق الأردن.

واستمر ذلك السيل من المذكرات عل " ترومان "... أيضا .

ويلتقي " ترومان بيفن في برلين في يوليو فيطلب منه تهجي اليهود إلى فلسطين .... بلا حدود أو قيود .. وأكد " ترومان " لأتلي" اهتمام أمريكا بمشكلة فلسطين واحتجاجه على القيود التي فرضت بمقتضي الكتاب الأبيض .

وعد " أتلي ، ترومان " يوم 31 يوليو بأنه سيبحث اقتراحه على وجه السرعة ولكن " ترومان " يعلن في مؤتمر صحفي يوم 16 أغسطس أنه لن يرسل نصف مليون جندي أمريكي إلى فلسطين لصيانة السلام وقال " ترومان " إن إقامة دولة يهودية يتم بالتفاهم بين بريطانيا والعرب.

رد " سعد الله الجابري " رئيس وزراء سوريا على " ترومان " قال : إن 60 مليونا من العرب يقفون متضامنين لمنع بتر فلسطين من العرب وتسليمها لليهود!!

ويلتقي " نوري السعيد . بيفن " ويشرح له وجهة نظر العرب ويكون رأي " بيفن " أنالصهيونية نشأت من الإنجليز والأمريكيين المعادين للصهيونية الذين يريدون أبعاد اليهود من بلادهم إلى الشرق الأوسط.

وقال " بيفن" :

إننا لم نحارب إلا لنجعل من أوربا قارة آمنة لليهود لقد انتهت الحرب والصهيونية لم تعد ضرورية .

قدم " ايرل هريسون" المسئول السابق للهجرة وعميد مدرسة القانون في ( جامعة بنلسفانيا ) تقريرا إلى " ترومان " أيد فيه طلب الوكالة اليهودية السماح بهجرة 100 ألف يهودي إلى فلسطين .

وقال إن عددا ضخما من يهود وربا بلا دولة ولا يريدون العودة إلى المدن المحطمة في بولندا وتشكيوسلوفاكيا ورومانيا .

وكتب ترومان إلى أتلي في 31 أغسطس يطلب السماح بهجرة 100 ألف يهودي إلى فلسطين لأن ذلك يساعد على حل مشكلة اللاجئين في أوربا .

وقال " ترومان " إن الشعب الأمريكي يري أن عددا معقولا يمكن توطينه في فلسطين بأكبر سرعة ممكنة .

رفض رئيس وزراء بريطانيا ذلك وكتب إلى " ترومان " يقول :

" إن المعتقلات النازية ضمت أجناسا من أوربا ولا فرق بين العذاب الذي لقيه أى من هذه العناصر .

إن النازيين لم يعاملوا اليهود أسوأ من غيرهم من السجناء فلماذا نضع اليهود في مكان متميز بمقدمة الطابور إن بريطانيا يجب أن تضع محل الاعتبار مشاعر 90 مليونا من المسلمين وأيد الجنرال " ويفل" نائب ملك بريطانيا في الهند المسلمين والعرب .

وقدم روزفلت .. كما قدم السياسيون البريطانيون وعودا للعرب ولا يجب الحنث بهذه الوعود فيلتهب الشرق الأوسط".

وقال أتلي :

" إن أى تغيير في سياسة بريطانيا في فلسطين سيؤدي إلى اضطرابات عنيفة في الشرق الأوسط وقلق في الهند"

وقال " بيفن":

- إن المسئولين الصهاينة يحثون اليهود في المعسكرات على الهجرة إلى فلسطين وحدها ولا يشجعونهم على السفر إلى أمريكا أو غيرها من الدول .

وأضاف " بيفن":

- لو أتيحت لهؤلاء اليهود ، حرية الاختيار فإنهم يفضلون العودة إلى أوطانهم الأولي والحياة في الديمقراطيات الغربية .. وقليلون فقط هم الذين يسعون إلى المستقبل المجهول في فلسطين وقال :

- إن الصهاينة باعوا لليهود الناجين من أوربا فكرة أن فلسطين هي الأمل الوحيد لليهود ويذيع " ترومان " خطابه إلى " أتلي ".

ويضطر رئيس وزراء بريطانيا إلى إعلان أنه رفض اقتراحات الرئيس " الأمريكي "وجد اليهود أن سياسة حزب العمال لا تختلف عن سياسة المحافظين وأنهم يريدون زراعة الصداقة العربية بالعداء لآمال اليهود وأدرك قادة اليهود ، في سبتمبر أن أملهم في حكومة العمال قد خابت .

وحددت " جولدا مائير" التي أصبحت بعد ذلك رئيسة وزراء إسرائيل – موقف زعماء الحكومة الصهيونية فقالت :

- لقد سمعنا من الإنجليز خوفهم من أن العرب سيثيرون متاعب كثيرة فقررنا أن نخلق المتاعب للإنجليز .

- وأعلن زعماء اليهودأن بضع طلقات فوق رءوس العرب أو جموعهم تكفي لوقف معارضتهم ولذلك تضاعفت عمليات الهجوم التي قام بها اليهود في فلسطين كان اللورد " هربرت موريسون" وزير المالية في حكومة العمال رئيسا للجنة الوزارية لفلسطين في عهد " تشرشل"و" موريسون" موال للصهيونية ولكنه – بعد دراسة متأنية – رأي ن الحل الأفضل هو اتخاذ سياسة قصيرة المدى .

ورأي أن الهجرة الجماعية التي يطلبها الصهاينة ويؤيدها " ترومان " مستحيلة التنفيذ على المدى القصير ولذلك جمع " موريسون " اللجنة يوم 8 سبتمبر 1945 فاتخذت قرارا بسياسة قصيرة المدى وهي أن الهجرة الجماعية لليهود إلى فلسطين مستحيلة ويكتفي بالسماح بهجرة 1500 يهودي شهريا بصفة مؤقتة .

وبعد 3 أيام اجتمع مجلس الوزراء برئاسة " كيلمنت أتلي" لبحث توصيات اللجنة قال محضر المجلس يوم 11 سبتمبر :

" إن حصة الـ 75 ألف مهاجر يهودي المسموح بها طبقا للكتاب الأبيض في مايو 1939 لم يبقي على نفاذها سوي نحو 3 آلاف.

وأصبح أمرا عاجلا الآن أن نتوصل إلى سياسة قصيرة المدى ولن نفلت من النقد مهما كانت السياسة التي تتبعها وأظهر الوضع الداخلي في فلسطين دلائل تدهور .

إن اليهود والعرب على السواء يتسلحون ويتأهبون ضد بعضهم البعض وبدأ ضروريا طبقا للوعد الذي قطعناه في الكتاب الأبيض الحصول على قبول عرب فلسطين لاستمرارية أية هجرة يهودية بعد نفاذ الحصة .

ولكن حتى لو استطعنا حمل العرب على الموافقة على استمرار الهجرة على نطاق ضيق وهو الأمر الذي يبدو محتملا بعض الشئ من خلال المساعي الحميدة للدول العربية فإن الشعور اليهودي هنا وفي الولايات المتحدة سيري أنه لم يتم عمل ما يكفي .

وعندما قدمنا إلى الوكالة اليهودية 3000 شهادة هجرة المتبقية من حصة الكتاب الأبيض لتنفيذها بمعدل 1500 شهريا رفضت ذلك تماما وطالبت برقم 100 ألف .

وفي هذه الظروف توصلت لجنة فلسطين بالإجماع إلى :

1- بذل كل جهد ممكن لدفع العرب إلى الموافقة على استمرار الهجرة خلال هذه الفترة بالمعدل المسموح به حاليا .

2- يجب إبلاغ حكومة الولايات المتحدة بأن حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا تبحث بشكل عاجل تشكيل سياسة طويلة المدى بشأن فلسطين وأنها تنوي أن تعرض هذه السياسة على المنظمة العالمية – الأمم المتحدة في حينه .

3- ويطلب من رؤساء لأركان اتخاذ الخطوات الفورية لتدعيم حامية الشرق الوسط لمواجهة الالتزام العسكري .

ونوقش الموقف منذ ذلك الحين في مؤتمر وزير الخارجية حول الشرق الأوسط الذي أوصي بضرورة تأجيل أى إعلان حتى ينتهي موسم الحج إلى مكة بسبب خطورة التهاب المشاعر العربية في ذلك الوقت وضرورة إجراء استعدادات عسكرية معينة.

(أ‌) من الأمور بالغة الصعوبة تبرير وقف الهجرة حتى ينتهي موسم الحج إنه يسهل الأمور مع العرب لفترة الحج الفعلية ولكنه تنازل باهظ جدا وبينما يجب أن تنال المطالب العربية العدالة الكاملة فقد يؤدي ذلك إلى المبالغة في أهميتهم .

(ب‌) إننا في موقف سئ الحظ ومهما كان الإجراء الذي نتخذه فمن المحتمل أن نجد أنفسنا معرضين للنقد الحاد من هذا الجانب أو ذاك ومن المهم بقدر ما يمكن أن نجر الولايات المتحدة معنا إن حكومة الولايات المتحدة ليست مستعدة حتى الآن لقبول أية مسئولية للمساعدة في معالجة الموقف .

(جـ) أليس واضحا أن المشكلة الفلسطينية ستمضي في النهاية إلى المنظمة الدولية ؟

أليس التصرف الحكيم بالنسبة لنا أن نوضح أننا ننوي عرض الموضوع على المنظمة الدولية ؟ إن إعلانا من هذا النوع سيخفف من توتر الموقف بيننا وبين العرب ويجب أن نوضح لهم أن الأمر إذا عرض على المنظمة الدولية فستتاح لهم الفرصة الكاملة لطرح قضيتهم أما الرأي العالمي وإعلان ذلك يساعدنا مع اليهود لأن الرأي اليهودي سيدرك أن الأمور تأخذ شكلا جديدا.

(د) أليس من المستحسن أن يصدر بيانا بأقل قدر من التخير إن ذلك سيوضح أن المبادرة ما زالت في أيدينا .

(هـ) أليس من الأفضل أن نتصل بالوكالة اليهودية ونخبرهم بأننا ننوي طرح الأمر برمته على المنظمة الدولية ونحصل على تفهم الوكالة ومساندتها للموقف المؤقت للهجرة ؟

قال وزير المستعمرات إنه على اتصال دائم بالوكالة اليهودية ، وإن هذه الهيئة التي تتعرض لضغوط ملحوظة من العناصر المتطرفة تبنت خطا متشددا وأصبحت مهتمه بتوضيح أن الكتاب الأبيض أصبح سيئا.

وقال وزير الخارجية إن خبر امتناع الوكالة اليهودية عن قبول تراخيص الهجرة البالغ عددها 3 آلاف والمقدمة لها وطلب حصة تبلغ 100 ألف والذي أبلغه الآن إلى الأمريكيين قد ترك أثرا ملحوظا عليهم ..

(و) وأكد وزير الخزانة ضرورة التعجيل بالتطور الاقتصادي بوصفه إسهاما في حل مشكلة فلسطين .

وأعرب عن أمله في أن نذكر أننا لا ننوي مجرد معالجة الهجرة اليهودية فقط بل الإعداد للدعم الكامل بما في ذلك المساعدة المالية المعقولة للتطور الاقتصادي لهذه المنطقة المتخلفة .

(ز) وتم لفت الانتباه إلى المشكلات العسكرية المتعلقة بتناول المشكلة الفلسطينية .

وساد إحساس بالموقف الخطر الذي كشفه خطاب وزير المستعمرات ومن أنه يجب دعوة رؤساء الأركان لمراجعة جوانب وترتيبات نقل القوات .

(ح) وتم لفت الانتباه إلى ضرورة تدعيم قوة بوليس فلسطين وأبلغ المجلس بأن وزارة المستعمرات ووزارة الحربية تجريان اتصالات لاستخدام القوات المسرحة .

وبعد مزيد من المناقشات قال رئيس الوزراء إن هناك حججا قوية تحبذ إصدار بيان حول سياسة حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا وحول نواياها لعرض هذا الأمر على المنظمة الدولية واقترح استئناف المناقشة وقال إنه التوقيت مسألة حيوية .

وقد وافق مجلس الوزراء على :

(أ‌) اقتراح رئيس الوزراء، ودعا وزير الدولة للمستعمرات إلى وضع الترتيبات وفقا للخطوط المقترحة .

(ب‌) دعوة رؤساء الأركان إلى استعراض جوانب الأمن في المشكلة

لم يعرف العرب بأبحاث وتوصيات لجنة " موريسون" وبقرارات مجلس الوزراء البريطاني إلا بعد شهرين وفي وقفة عيد الاضحي يوم 13 نوفمبر لأن بريطانيا أرجأت القرار إلى وقفة عرفات وأعلنته في ذلك اليوم والحجاج يرتدون ملابس الإحرام منعزلين فوق الجبل يتعبدون !

ولكن " حاييم وايزمان) الذي أصبح أول رئيس لإسرائيل – عرف بالقرار من الوزراء البريطانيين المؤيدين للصهيونية وتنشط العمليات العسكرية اليهودية في فلسطين.

توجه بعض أعضاء ( عصابة أرجون ) إلى صاحب مقهي يهودي في تل أبيب وطلبوا منه 400 جنيه لأنه يستخدم عمالا من العرب رفض الرجل فجاءه 4 من الشبان اليهود ليلا ودمروا المقهى .

وخطب السيناتور الأمريكي " روبت تافت" في مجلس الشيوخ قائلا : أغلبية المجلس تؤيد فكرة هجرة الـ 100 ألف يهودي إلى فلسطين وهكذا وقع الانقسام بين أمريكا وبريطانيا .

اقترح " الملك فاروق " عقد اجتماع للملوك والرؤساء العرب خلال 10 أيام لإعلان ميثاق مشترك لمناهضة الصهيونية إظهارا للتضامن العربي في هذه القضية ولكن بريطانيا عارضت ذلك وأوعزت إلى سفرائها في العالم العربي بمقاومة الاقتراح زادت سرعة الضغط الصهيوني خلال شهر أكتوبر .

قرر " بيفن " يوم 4 أكتوبر – العدول عن سياسة " تشرشل" وهي إحالة الانتداب من بريطانيا إلى الولايات المتحدة بل رأي ن أمريكا لا ينبغي أن تقف موقف المتفرج وتقر الجنة " مورسون" بعد ستة أيام اشتراك أمريكا وبريطانيا في لجنة تحقيق لبحث أحوال يهود أوربا واقتراح التوصيات لحل مشاكلهم وهجرتهم إلى فلسطين وتكون هذه خطوة كبري في اتجاه الصهيونية .

وقال " هربرت موريسون" إن المسلمين سيعارضون تخفيف قيود الهجرة .

ويقرر المجلس الصهيوني العالمي أن يتحدي الكتاب الأبيض الذي يمنع كل محاولة لزيادة الهجرة .

ومن ناحية أعلن الرئيس الأمريكي أن كل اليهود الأحياء الذين نجوا من معسكرات الاعتقال النازية يجب السماح لهم بدخول فلسطين.

ويقول " أتلي " لترومان ":

إننا نعطي تفكيرا عميقا لوسائل مساعدة يهود أوربا ولمسألة فلسطين ولكن المسألتين ليستا بالضرورة قضية واحدة .

قال " بيزنز وزير خارجية أمريكا " في صراحة كاملة :

- حزبنا .. الحزب الديمقراطي الأمريكي يريد أن يكسب الانتخابات لمنصب عمدة نيويورك يوم 30 أكتوبر وهذا سر تصريحات " ترومان " والاضطراب السياسي للبيت الأبيض .

إن " ترومان " لا يستطيع إغضاب الأصوات اليهودية في هذه الانتخابات إن اليهود يمثلون ثلث الناخبين أبرق " بيفن " إلى سفيره في واشنطن " اللورد هاليفاكس ":

- أمريكا غي أمينة في هذه المشكلة إن اللعب على المشاعر العنصرية لكسب أصوات الناخبين يجعل من حرية الانتخابات الأمريكية أضحوكة ..

- وظل " بيفن " مؤمنا بأن الرغبة في الهجرة إلى فلسطين نتيجة لإلحاح الصهاينة ويلتقي " أرنست بيفن " بحاييم وايزمان "

- قال " وايزمان":

رد " بيفن "

- إني ضد الهجرة السريعة لـ100 ألف يهودي . وأقترح دولة اتحادية من عنصرين تضم ولايات مثل سويسرا.

- ويتدفق المهاجرون اليهود على فلسطين دون ترخيص من بريطانيا فسجنتهم في معسكرات اعتقال ولكن وحدة من ( عصابة الهاجاناه) هاجمت أحد المعسكرات وأطلقت سراح 208 من المعتقلين ونقلتهم إلى المستوطنات .

وتوحدت عصابتا " أرجون وليهي " في جبهة للمقاومة اليهودية والتزمت بكل نظم ( الهاجاناه) في العمليات العسكرية إن احتفظت كل منهما . بكيانها وشخصيتها السياسية

خربت ( عصابة ليهي ) معامل تكرير البترول في حيفا.

وضربت ( عصابة الأرجون ) محطة ( سكة حديد اللد)و800 من رجال ( الهاجاناه) دمروا خطوط السكة الحديد في 242 موقعا ونسف الجيش الإسرائيلي محطتي بوليس في حيفا .

وكان لليهود جيش أنشئ عم 1941 عندما قامت ثورة " رشيد عالي الكيلاني" في العراق وسوريا تحت حكم فرنسا التي يحتلها الألمان – حكومة فيشي – والألمان يتقدمون نحو مصر .. أيامها خاف الإنجليز من احتمال قيام الألمان بهجوم على فلسطين فسمحوا للوكالة اليهودية بإنشاء قوة ضاربة من " الكوماندوس) اليهود وشكلت وحدتان اشتركتا في غزو سوريا في أغسطس 1941.

وساعدت بريطانيا هذا الجيش اليهودي بالمال ، ثم توقفت المساعدة بعد معركة العلمين وبقي الجيش اليهودي يشتري الأسلحة من القوت الفرنسية في سوريا ... كما أصبحت الوكالة اليهودية دولة دخل فلسطين .. لها مدارسها ومستشفياتها وخدماتها وجيشها أيضا.

ويستدعي " بيفن" كلا من " حاييم وايزمان" وموسي شيرتوك" الذي عرف باسم " موسي شاريت " وتولي بعد ذلك منصب وزير خارجية إسرائيل – وقال لهما :

- إن 3 منظمات إسرائيلية عملت معا ليلة العنف في 31 أكتوبر ويجب وقف هذه العمليات إن الوكالة اليهودية مطالبة بالتدخل نفي الرجلان أن لديهما معلومات عن العمليات الإرهابية .

وكان " بيفن " يعرف أنهما يكذبان لأن المخابرات البريطانية التقطت الرسائل الشفوية بين الوكالة اليهودية في تل أبيب ولندن وعرفت طريقة كتابتها واستطاعت " فك الشفرة "!

ولكن " بيفن " لم يستطع مواجهة " وايزمان ، وشيرتوك" بالحقيقة لأن ذلك يعني صداما بين بريطانيا واليهود وقد يؤدي إلى مواجهة مع أمريكا..

وتهاجم مصر تصريحات " ترومان" وتخرج المظاهرات الصاخبة يوم 2 نوفمبر في ذكري ( وعد بلفور ) مطالبة ببقاء فلسطين عربية.

ويجتمع ألف ( حاخام) في واشنطن يوم 12 نوفمبر ويتوجه وفد منهم لمقابلة " ترومان " فيعتذر ويتسلم أحد رجاله عريضة منهم تطلب السماح بإقامة وطن قومي لليهود في الحدود التي وردت في التوراة.

وفي اليوم التالي يتوجه " اللورد كيلرن" في القاهرة لمقابل " النقراشي ليسلم إليه نسخة من خطاب " بيفن " ومقترحاته .

ولم يعرف " النقراشي" مطلقا لماذا طلب كليرن" مقابلته يوم وقفة عرفات ... ولماذا ألقي " بيفن" خطابه في ذلك اليوم بالذات .. وكانت السياسة البريطانية مقررة من قبل وأرجئ إعلانها إلى وقفة عرفات .. بالذات ! وتجئ قرارات الجامعة العربية مرنة لأن دول الجامعة أيضا لا تريد مواجهة مع بريطانيا.. أما اليهود فإنهم يحاربون بريطانيا في فلسطين .. ويهددون بحرب الانتخابات ضد " ترومان "

استقال " اللورد جورت" المندوب السامي البريطاني في فلسطين وجاء " الجنرال آلان كاننجهام" مندوبا ساميا ليقمع الثورة بدت نذرها ..

استدعي " كاننجهام " كلا من " بن جوريون" وشيرتوك وقال لهما:

- لا تستطيع حكومة فلسطين أن تجهل تحدي الوكالة اليهودية لها .

- رد الرجلان :

أى نداء ستوجهه الوكالة – لليهود – بالطاعة سيجد آذانا صماء . ولا يتخذ الجنرال إجراء حاسما ، لأن بريطانيا ظلت مترددة في السياسة التي تتخذها في معاملة اليهود لوقف عملياتهم العسكرية..

وتشكل لجنة التحقيق من 6 من الأمريكيين ومثلهم من البريطانيين في 7 ديسمبر ويتولي سكرتارية اللجنة " هارولدبيلي " .. وهو دبلوماسي بريطاني موال للعرب تولي بعد ذلك منصب السفير البريطاني في مصر ..

وتعني اللجنة من الضغوط اليهودية أكثر مما عانت الحكومة البريطانية بدأت اللجنة عملها في أمريكا وسط مناخ موال تماما لليهود وفي أوربا سألت اللجنة اليهودية في المعسكرات فقالوا إنهم يريدون الذهاب إلى فلسطين قيل لهم:

- وما البديل لفلسطين !

- أجابوا

- القبر .

وثبت أن رجال( عصابة الهاجاناه) اليهودية وضعوا أفرادا منهم ومن الجيش الإسرائيلي. داخل المعسكرات . ليقولوا هذا كله أمام اللجنة .

وتعلن " جولدا مائير " للجنة أن اتحاد العمال الإسرائيلي – الهستدروت – مستعد لاستقبال هجرة الجماعية لليهود بلا شروط وبلا حدود .

وتختار بريطانيا هذا الوقت – 17 يناير 1946 لإعلان استقلال شرق الأردن فيحتج اليهود على ضياع " أردننا" لأن ذلك يعتبر خرقا للقانون الدولي لأن شرق الأردن جزء من فلسطين التاريخية !!

ويقول اليهود .. للجنة :

- لماذا يمنح الاستقلال لدولة غير ناضجة سياسيا ، ولم تهزم النازية وليس عندهم " أينشتين " مثلنا .

ويقولون :

- إن فائدة اقتصادية ضخمة تحققت لعرب فلسطين من هجرة اليهود.

- وتصل اللجنة إلى القاهرة تستمع من " عبد الرحمن عزام "..

- لا نريد عسلكم ولا لدغاتكم .. لسنا رجعيين ولا متخلفين.. إن الفرق بين العلم والجهل 10 سنوات من الدراسة.. إن الأمة العربية في مطلع نهضتها.

ولكن اللجنة لا تستمع إلى هذا كله ..

كانت عليها ضغوط ضخمة من يهود أوربا اللاجئين ويهود أمريكا الماليين أصحاب الأصوات الانتخابية وبريطانيا في حاجة تمزق بين محاولتها الحصول على الاستقلال ورغبتها في إنقاذ فلسطين وجهلها بما يجري سرا في لندن وواشنطن .

وأصبحت مشكلة فلسطين تؤرق " النقراشي " وتستغلها المعارضة ضده ويهاجمه بسببها البريطانيون .. وسفير بريطانيا في مصر .

ولا يجد مندوب سوريا – فارس الخوري " ما يقوله للجنة التحقيق سوي :

لم لا تعطوا اليهود جز من ( تكساس)؟!أهمل العرب جميعا تقدير الموقف في فلسطين .

ولو أن العرب في مايو 1939 قبلوا الكتاب الأبيض ، فربما لم تقم دولة إسرائيل ولو أنهم قبلوا بيان " بيفن" في نوفمبر 1945 فربنا تعثر أو امتنع قيام دولة إسرائيل وفي أبريل 1946 أيدت لجنة التحقيق الأمريكية البريطانية هجرة 100 ألف يهودي فورا إلى فلسطين ولو أن العرب قبلوا ذلك أيضا فمن يدري كيف كان يكتب تاريخ فلسطين ولكن اللجنة فشلت في أن تجمع بين بريطانيا وأمريكا لحل المشكلة الفلسطينية لقد أرادت بريطانيا من إنشاء الجامعة العربية – في أول الأمر – حل القضية الفلسطينية وكانت فلسطين هي الأساس الذي قامت عليه الجامعة من وجهة نظر العرب أيضا ..

ومع ذلك فإن الجامعة لم تضع خطة عمل لإنقاذ فلسطين بحشد الإمكانات العربية أو بالقيام بنشاط دبلوماسي .. وكتفت الجامعة ببيانات ترفض فيها كل شئ .. كان الخوف من مواجهة الواقع عاملا أساسيا في كل قرارات الجامعة الخاصة بفلسطين ..

ولم ينجح العرب ، كما نجح اليهود في التطرف ، إلا على الورق ! فضائح .. صاحب الجلالة

كانت السفارة البريطانية حريصة على أن تعرف نقاط ضعف " الملك فاروق " لاستغلالها حسب الظروف أو لتهديده .

وما أكثر ما عرفت السفارة عن " فاروق "أما الطرق التي توصلت بها السفارة إلى المعرفة .. فما أغربها وما أكثرها في نفس الوقت في 18 مارس 1944 بعث " اللورد كيلرن" بالبرقية التالية إلى " السير موريس بيترسون " الوكيل المساعد لوزارة الخارجية البريطانية يصف فيها العلاقة بين " الملك فاروق " وقرينة" الأمير بيتر" أو " بطرس " ولي عهد اليونان .

حصل " كيلرن" على هذه المعلومات نتيجة حوار جري بين " الأمير محمد على " ولي عهد مصر ، وبين " والترس مارت " والمستشار الشرقي للسفارة البريطانية .

قالت البرقية :

عزيزي " موريس ":

خلال المناقشة مع " سمارت" في 13 مارس ، قال الأمير محمد على ، إن قرينة " الأمير بيتر " ولي عهد اليونان تمارس تأثيرا سيئا على " الملك فاروق " في اتجاه توثيق العلاقات بين الوزير المفوض الروسي وبين الملك.

وقالت إنها كانت قلبا وقالبا مع روسيا بصرف النظر عن البلشفية وكانت في محادثاتها مع جلالته تقارن بين سلوك الوزير الروس وزوجته في حضرة " الملك فاروق" وبين سلوك زميله السفير البريطاني .

وقالت إن السفير البريطاني . صافح جلالة الملك عرضا ، ومضي عنه . دون أن ينحني أمامه جيدا وهذه بالطبع فرية كبيرة ، وغير حقيقية .

وقد حرصت الأميرة على تذكير الملك بأن " نوفيكوف " الوزير الروسي انحني له بشدة في الوقت الذي كادت مدام " نوفيكوف" تبلغ الأرض بانحناءتها .

وقال الأمير محمد علي" إن " الملك فاروق" وافق على اقتراح الأميرة بإقامة موسم للباليه الروسي في القاهرة ، ورأي الإعداد لعرض الباليه في مصر ، وإظهار حسن الضيافة الملائم وأظهر " الملك فاروق " انحيازا كبيرا للأميرة ويحضر الحفلات التي تقيمها .

ورأي أن الأميرة تحاول التأثير على الملك لمصلحة الروس : إنها شخصيا فوق كل شئ روسية المولد وإن كنت أظنها أن أصلها من روسيا البيضاء .

ومن الحكم على مشاعر " الملك فاروق " السابقة فليس من المحتمل أن يتحمس كثيرا للروس ما لم يقوموا بأداء لعبته في مصر وهم بالطبع قادرون إذا كان ذلك ملائما لهم إنهم – في الشئون الخارجية – لا يتحركون وفق العقائد الشيوعية بقدر ما تحركهم متطلبات سياسة القوة كما كان الأمر في العهد القيصري .

وبمعني آخر . تحركهم الواقعية الصارخة وليس لدينا دليل نبرهن به على أن الروس ألقوا بثقلهم في سياسة مصر الداخلية .. إذ يبدو ما زالوا بعيدين عن الساحة وما زالوا يدرسون الموقف .

وأتيح لى بالمصادفة أن ألتقي " بنوفيكوف " وزوجته الجذابة ،. وارتحت إليه أما " سلطانوف" سكرتير المفوضية الذي يتحدث العربية فإن بريق عينيه يروق لي ".

وبعد أسبوعين – يوم 28 مارس 1945 يلتقي حسين سري" خال " الملكة فريدة" باللورد كيلرن" – في السفارة البريطانية – ويحدثه عن سوء العلاقات بين الملك والملكة فيكتب " كيلرن" إلى لندن:

" اعترف سري بأن علاقات الملك مع " الملكة فريدة" بالغة السوء .. ولكن لا تدعو إلى اليأس .

وما تردد أخيرا عن طلب الطلاق أمر سابق جدا لأوانه ..ومن الصعب جدا على الملكة أن تري " الملك فاروق " يحضر عشيقاته إلى غرفة نومه داخل القصر .

وروي " حسين سري" علاقات الملك " بالنبيلة فاطمة طوسون" "والنبيلة أنجي طوسون" ولم يفقد " سري باشا" الأمل في إمكانية إصلاح الأمور – في نهاية الأمر – بين الملك والملكة باعتبار أنهما في سن الشباب "

وفي 10 يونيو 1945 يتناول " اللورد كيلرن" طعام العشاء عند " آل لطف الله" في قصرهم الذي أصبح – بعد ثورة 23 يوليو – فندق عمر الخيام.

ويكون مكان السفير على المائدة بجوار قرينة ولي عهد اليونان " الأمير بيتر " يبدأ الحديث بين الأميرة والسفير حول الشئون الدولية وسوريا ولبنان وأخيرا الشئون المحلية المصرية .

والسفير يعلم أن الأميرة لم تعد تتمتع بالرضاء السامي .. أى برضاء " فاروق. لقد تكلمت الأميرة يوما بصراحة مطلقة مع فاروق " لتقول له : إن الملوك لا يتصرفون كما يفعل .

وقالت إنه لا يجب أن يسهر كل ليلة في الأوبرج مع سائقه " بوللي" وطبيبه الخاص ولم تعجب هذه الصراحة " فاروق " برغم ذلك فإن زوجها " الأمير بيتر" لا يزال يدعي للصحبة الملكية .. أو ليكون في معية الملك وتروي الأميرة للسفير حكايات كثيرة عن فاروق ":

- كانت هناك حفلة في عيد ميلاد غير عادية ضمت صديقات الملك مثل : هيلين موصيري "... هل تعلم يا سيادة السفير أن هناك تليفونا خاصا بجوار سرير هيلين" اعتاد الملك " فاروق " أن يتصل به في أية ساعة من الليل أو النهار وهو يتصل بها في الواحدة صباحا قائلا : إنه يرغب في مجموعة من الناس يلعب معهم القمار .. فورا !

وهناك قصة أخري غير عادية " لفاروق " عندما أقام ولي عهد اليونان وقرينته حفلا راقصا في العام الماضي .

تسلق " الملك فاروق " السور ودخل من الباب الخلفي .. وأغلق الخدم .. من باب الأمن والأمان – على الملك – باب حجرة نوم الأميرة !

صعدت الأمير السلم وقالت " لفاروق " إن تصرفه غير سليم وأنه يجب ن ينزل ليشترك في الحفل مع الآخرين .. ولكن " فاروق " رفض .. فذهبت وأحضرت ولي العهد " بيتر" وأغري الاثنان " فاروق " بالذهاب إلى حجرة مجاورة تطل على نفس الشرفة .. ولكنه رفض أيضا وأضطر الأمير وزوجته للنزول .. وأبلغا أميرتين من أسرة طوسون ، وكذلك " هيلين موصيري " أن الملك في الحجرة العلوية فصعد الجميع إليه ، فاضطر الملك للموافقة والنزول بهدوء حتى لا يراه أحد.

وتتعد .. وتتنوع فضائح " فاروق "اكتشفت " الملكة فريدة " بنفسها آخر فضيحة كتب " كيلرن " إلى حكومته البرقية رقم 603 في 24 أبريل 1945 .

" 1- أرسل جزءا من تقرير سري وارد من أحد العملاء ، يتعلق بتسلل سيدة اسمها " ليلي شرين" إلى السراي ، والفضيحة التي ترتبت على اكتشاف " الملكة فريدة لها .

بعد منتصف ليلة 12 أبريل 1945 لمحت – نعمت مظلوم – احدي وصيفات الملكة وهي تغادر حجرة نوم الملكة ، سيدة بثياب السهرة جالسة في الصالون الملحق .

وقفتها " نعمت " في الحال وسألتها : من تكون .

وماذا تفعل . وكيف أمكنها الدخول إلى تلك الأجنحة الخصوصية ؟

أجابت السيدة ببسطة :

- من البوابة .

نادت " نعمت " الملكة ، فما كان من السيدة إلا أن استغاثت ويبدو أنها حاولت الفرار هددتها الملكة بإطلاق النار ، فعادت السيدة لتقابل " فريدة " واعترفت أنها " ليلي شيرين " ( إحدي المترددات ) على فندق شبرد.

وذكرت أنها تزور القصر بهذه الطريقة أثر تلقيها كلمة من الملك . وكن جواز مرورها في تلك الزيارات هو كلمة " المنتزه"

وانتهي الأمر بأن اتفقت الملكة مع " ليلي" على أن تكتب اعترافا بنشاطها مع الملك " لم تفض الملكة بمحتويات هذا الاعتراف إلى مخبرنا " ولكنها ذكرت حقيقة وحيدة وهي أن " ليلي شرين " حامل من " الملك فاروق"ووجدت الملكة في إصبع " ليلي" خاتما يحمل صورة " فاروق "واعترفت " ليلي" بأنها تلقته ، هدية من الملك ، وعند ذلك " تكلمت " فريدة تليفونيا – مع الأميرالاي " عثمان بك المهدي " قائد الحرس وأخبرته بالأمر .

وبعد 45 دقيقة وصل " المهدي " فاتصل تليفونيا " بصادق باشا " مدير حرس القصر " ومراد باشا محسن" وبرئيس الوزراء ، والنائب العام ، ومأمور قسم عابدين ، وتم استجواب " ليلي" وقرر هؤلاء المسئولون الكبار . منعا للمزيد من الفضائح أنها مختلة العقل .. الخ.

واستدعي أخصائي الأمراض العقلية بالعباسية لوضعها تحت الملاحظة .

وقال بواب القصر إن " ليلي" أخبرته عند دخولها أنها احدي مربيات الأميرات ، وصدقها لأنه رآها مرات كثيرة في السراي من قبل .

وذكر حرس الحرملك أنه يعرف " ليلي " بالنظر ولم يمنع دخولها ،وفي التحقيق الذي أجراه النائب العام يذكر الأميرالاي " عثمان بك المهدي " أنه جاء بعد محادثة الملكة له بدقيقتين.

ولكن الملكة تؤكد أنه جاء بعد 45 دقيقة وفي تلك الفترة – كما تقول المكلة كان يتصل بالملك في الفيوم طلبا لأوامره .

ويقال إن سبب زيارة " ليلي" يرجع إلى أن الملك طلب منها أن تزوره في تلك الليلة وأبلغت رسالة لها في مطلع الأسبوع على أساس أن الملك سيكون معها بعد انتهاء المأدبة التي أقيمت لمندوبي ( سان فرنسيسكو ) لكن تعديل موعد المأدبة ونسيان إبلاغ " ليلي " بتغيير الترتيبات – أدي إلى حدوث الفضيحة .

" 2- الملكة مغتبطة بما حدث وسعيدة ، لأنها أوقعت باحدي عشيقات الملك . وتملك دليلا دامغا تقدمه لأصدقائها .ز الخ الذين ما زالوا يرتابون في حقيقة السلوك الخاطئ للملك ويؤكد أحد العملاء الذين تربطهم صلة وثيقة بالسراي وهو من مصادرنا الموثوقة كل الحقائق ولكنه يذكر أن " الملك فاروق " كن متغيبا في الفيوم في ذلك الوقت وبرئ تماما من هذا الموضوع .

وطبقا لما ذكره هذا العميل فإن " ليلي شيرين " سيدة يونانية تزوجت من مصري وهي سيدة لا ترتفع فضيلتها فوق مستوي الشبهات وفضلا عن ذلك فهي معرضة لموجات من الخبل .

ومنذ عدة شهور كانت تعالج من الاضطراب العقلي على يد الدكتور " جيلات" الذي يدير مصحة للأمراض العقلية في المعادي .

ومن حسن الحظ أن تقرير الدكتور " جيلات" عن مرضها – وضع تحت تصرف النائب العام الذي قام بإعلانه بعد أن عرضت عليه القضية .وذكر عملينا المتصل بالسراي التفاصيل التالية عن الموضوع .

ونتيجة لهذه الحادثة طلبت " الملكة فريدة" إما الطلاق وإما السماح لها بالانسحاب من المسرح لتعيش بمفردها مع كريماتها .

أما " الملك فاروق " فقد استبد به الغضب . وكان يميل إلى الموافقة على الطلاق بيد ن " حسين باشا " تدخل في هذا الأمر ونجح في صرف النظر عن اقتراح الطلاق في الوقت الحاضر .

ومن المحتمل أن يعود " الملك فاروق " إلى فكرة الطلاق بسبب رفض " الملكة فريدة الحياة معه الأمر الذي يحرمه من إمكانية إنجاب ولي عهد " ووريث"وقد اتخذت الملكة هذا الموقف على ضوء ما يشاع عن علاقات الملك الحميمة مع سيدات أخريات بما في ذلك " النبيلة فاطمة طوسون"وإذا قرر الملك يوما الطلاق . فسيبلغ ذلك إلى البرلمان ويفسره على أنه لجأ إلى الطلاق بسبب رفض الملكة أن تعيش معه أو أن تمنحه فرصة إنجاب وريث .

وانتشرت معلومات بأن الملك يود الزواج من النبيلة " فاطمة طوسون" التي سيتعين عليها في هذه الحالة أن تضمن طلاقها من زوجها .

ومثل هذه الفضيحة في العائلة المالكة سيكون لها أثرها الضار بسمعة " الملك فاروق "مما يحتم بذل كل جهد لصرفه عن هذا المشروع إذا كان يفكر فيه جديا "وهكذا عندما كانت مصر كلها تتابع سير المباحثات مع بريطانيا لتعديل المعاهدة كان " فاروق " مشغولا بمشاكله مع زوجته " الملكة فريدة" في 19 يناير 1946 كتب " كيلرن " البرقية رقم 36 إلى لندن .

" 1- أخبرتني مدام " قطاوي باشا" كبري سيدات البلاط الملكي أن النفور مستمر بين " الملك فاروق" و" الملكة فريدة".

"2- وحتى في الفرص النادرة التي يلتقيان فيها " مثل أعياد ميلاد الأميرات الصغيرات " فإنهما لا يتبادلان أية كلمة حتى التحية العادية" وتحضر مدام فطاوي " هذه المناسبات ، ولذلك فهي تتحدث عن معرفة مباشرة.

3- لا " الملكة نازلي " ولا أى شخص آخر له أى نفوذ على الطرفين .

4- يوجد كثير من الفضائح حول الطريقة التي يستعرض فيها " الملك فاروق " علاقته مع " الآنسة زغيب" وغضب جميع الأميرات في أثناء الاحتفال بليلة رأس السنة الجديدة ، الذي دعت إليه " الأميرة شويكار " لأن " الآنسة زغيب " جلست على مائدة الملك فاروق في الوقت الذي استبعدن فيه جميعا .

وصلت متأخرا إلى الحفل فوجدت نفسي مع الأميرة" كريمة حليم وأستطيع أن أؤكد أنها كانت منفعلة جدا بسبب هذا الموقف .

5- ومن ناحية أخري فإن " الملكة فريدة " تتصرف بطريقة شاذة جدا فهي لا تلتقي بأحد إلا قليلا بما في ذلك والدها .

وهي تخرج كل يوم ، ولا يدري أحد أين تذهب وتقود سيارتها بنفسها ولا يصحبها أحد حتى السائق .

ويشك " الملك فاروق " في أن لها علاقة حميمة، مع وحيد يسري" ابن " سيف الله يسري باشا " والأمير شويكار "

6- وتقول " مدام قطاوي " إن الجميع مضطربون بسبب هذه الحالة المؤسفة ويسألون أنفسهم إلى أين تؤدي .

7- ولا تزال " الملكة فريدة" والأطفال في سراي عابدين ، أما "الملك فاروق " وشقيقته إمبراطورة إيران " فوزية – فهما في قصر القبة ، وأخت " الملك فاروق " لا تقابل فريدة إطلاقا .

8- قابلت الأميرة " مهوش طوسون" في احدي الحفلات يوم 20 يناير بمنزل الأميرة " كريمة " بالمعادي .

والأميرة " مهوش " الجميلة تعتبر ، إلى وقت قريب ، أولي المفضلات لدي " الملك فاروق " حدثتني " الأميرة مهوش " بانفعال عن حماقات " الملك فاروق " المستمرة مما يسبب له ضررا كبيرا .

وتكلمت كثيرا على هذا النمط دون أن أحاول استدراجها من جانبي .. ففي هذه الظروف أحب أن أستمع فقط.

حرص " اللورد كيلرن" على نشر فضائح " فاروق" بين الدبلوماسيين الأجانب في القاهرة في لقاء مع " بنكني تاك" الوزير الأمريكي المفوض قال " كيلرن ":

إن العاهل الصغير ألقي بالتعقل أدراج الرياح فيما يختص بعلاقاته النسائية.

... والإسكندرية – العاصمة الصيفية – ومصر كلها تتحدث عن آخر غزواته وهي " الآنسة زغيب" التي أنزلها في جناح في فندق " سمر بالاس "وبالإضافة إلى ذلك له مخابئ أخري في الإسكندرية .

باختصار الملك يتخذ موقفا طائشا وإهمالا مماثلا في واجباته كحاكم للبلاد وفشل الملك في أداء واجباته بصورة جادة "ويبرق " تاك" بنص الحديث إلى واشنطن.

ويتحدث " كيلرن " إلى " احمد حسنين باشا " يسأله مباشرة عن الأخبار العاطفية للملك مصر اضطر " حسين باشا " إلى الاعتراف قائلا .

إن قلق جدا بسبب عادات " الملك فاروق" وبطانته الحالية وعلاقات الملك مع " الملكة فريدة " لا يمكن أن تصبح أسوأ مما هي عليه ويحاول " حسنين " تخفيف الأمر قائلا :

لا زلت آمل أن تتحسن الأمور .. في نهاية المطاف ويبرق السفير البريطاني بنص الحديث في برقيته رقم 224 ويضيف " إن " حسنين " يتنبأ بتدهور الأحوال نتيجة عادات الملك وبطانته "... حدث في الليلة السابقة على إعلان الحرب العالمية الثانية عام 1939 أن وجهت بريطانيا دعوة إلى " الملك فاروق " وزوجته " الملكة فريدة " لزيارة لندن .

ويلح " فاروق " مرة أخري و بعد أن انتهت الحرب في تجديد الدعوة وزيارة لندن ويعارض السفير البريطاني خوفا من أن يطالب " الملك فاروق " وزارة الخارجية في لندن إقصاء السفير ولذلك يثير " كيلرن" العراقيل لأن العلاقة المتوترة بين " فاروق " وفريدة قد تفسد الزيارة وتري الخارجية البريطانية أيضا – أن " الملكة فريدة" قد ترفض مصاحبة الملك إلى لندن وتدرك وزارة الخارجية الحيرة .

وتري الخارجية البريطانية أيضا أن " الملكة فريدة " قد ترفض مصاحبة الملك إلى لندن وتدرك وزرة الخارجية الحيرة ..هل توجه لدعوة للملك والملكة للزيارة فتعتذر الملكة، وتكون أزمة أم توجه الدعوة " للملك فاروق " وحده ؟.

وتظل المشكلة التي أثارها السفير قائمة حتى بعد نقل " كيلرن" من القاهرة ويحل المشكلة " عبد الفتاح عمرو باشا "قال " عمرو " للسفير البريطاني الجديد " رونالد كامبل " :

إن – الملك فؤاد " قام وحده بزيارة لندن ، وكان متزوجا ولم ترافقه زوجته " الملكة نازلي " فلم لا يكرر " فاروق " ما فعله أبوه ... الملك الأب ويقول " عمرو ملحا في ضرورة توجيه الدعوة " لفاروق "لا أعتقد أن لديكم مانعا من ذلك .

ولكن السفير يخشي أن تكون هناك تعقيدات من جانب ( قصر باكنجهام ) الملكي في لندن فيكتب رسالة شخصية إلى صديقه " روبرت هاو" الوكيل المساعد لوزارة الخارجية البريطانية قائلا :

- سأكون ممتنا إذا استطلعت الأمر في دوائر قص صاحب الجلالة ملك بريطانيا العظمي وتقول الرسالة :

" إن ملك مصر ، مثل كل المصريين في حاجة إلى بعض الهواء الطلق ، بعد أن قضي سبع سنوات في بلاده دون زيارة للخارج "

ويكون " بوب" هاو في أجازة ،يرد " سكريفنر " رئيس القسم المصري بوزارة الخارجية البريطانية قائلا :

" أكتب ليك حول تعقيدات الزيارة الملكية المقترحة بسبب الانفصال المفترض بين الملك والملكة. وفي الحقيقة حذرنا السراي – في لندن – من هذه الحالة منذ بعض الوقت نتيجة لتقاريرل " كيلرن " وإذا أصبحت الزيارة مشكلة عملية سيكون علينا أن نبلغ القصر الملكي البريطاني كما تقترح ".

ويقول " سكر يفنر " في هذه البرقية أيضا

" إننا ستنتظر حتى ينتهي الضباب المحيط بمسألة المعاهدة بين مصر وبريطانيا والصراع الداخلي في مصر حول هذا الموضوع وسنظل صامتين في الوقت الحاضر "وهكذا تخلصت بريطانيا من مشكلة زيارة ملك مصر الرسمية إلى لندن .

وكانت مفاوضات المعاهدة هي العذر الرسمي للحكومة البريطانية .حاول " الملك فروق " أن يستميل الولايات المتحدة إلى صفة ضد بريطانيا مساء 4 فبراير عام 1942 استدعي الملك القائم بالأعمال الأمريكي إلى قصر عابدين يستنجد به ضد السفير البريطاني وكانت الحرب في عنفوانها وكفة المعارك لصالح الألماني في صحراء مصر الغربية فوقف الدبلوماسي الأمريكي مع السفير البريطاني ضد " فاروق"

وزار " فاروق " منزل الوزير المفوض في أبريل عام 1944 يبلغه أنه يريد عزل " النحاس " من رئاسة الوزارة وبريطانيا تمنعه .. ومرة أخري خذل الملك برغم أن سير المعارك قد تبدل لصالح الحلفاء ولكن " فاروق " استمر يحاول مع أمريكا.

في فبراير عام 1945 زار " روزفلت " مصر واجتمع " بالملك فاروق " على ظهر يخت أمريكي في المياه الإقليمية المصرية في خليج السويس .. يومها أبدي الرئيس الأمريكي " روزفلت " رغبته في أن يزور " فاروق " أمريكا ولكن ..

مات " روزفلت " فجأة وانتظر الملك أن يجدد الرئيس الجديد " ترومان " الدعوة ويثير فاروق الأمر مع القائم بالأعمال الأمريكي " بنكني تاك"قال ملك مصر:

- سأكون سعيدا بإتمام الزيارة وربما أزور بلدا آخر ... بريطانيا . ويضيف :ولكني لأن أزور لندن إلا إذا تلقيت اعتذارا . بطريقة أو بآخري . عن حادث فبراير لأسترد كرامتي .

ويوفد الملك رسولا إلى المفوضية الأمريكية قائلا :إذا تلقي الملك دعوة " ترومان" فسيلبيها .. ولم يربط بين هذه الدعوة وزيارة انجلترا .. ولن يرجئ " فاروق " زيارته لواشنطن انتظارا لدعوة بريطانيا .

ويكتب " تاك " إلى حكومته بهذا كله مؤيدا توجيه الدعوة قائلا " إن الملك لم يغادر البلاد منذ عام 1936 أى منذ عودته المفاجئة بعد وفاة أبيه للجلوس على العرش .

وقد أرغمت هذه الإقامة الجبرية – فاروق - على التدخل في شئون البلاد ورغب في أن يحكم لا أن يملك ، فحسب .

وقد حاضره " روزفلت" عن ضرورة الإصلاح الاجتماعي وتحسين أحوال الفلاحين فإذا شاهد الملك ما تحقق في أمريكا فإن ذلك سيساعده في مصر . إن فاروق ذكي ولامع ، ويهتم بكل ما هو أمريكي فإذا رأي المنظمات الأمريكية فإنه سيعرف ما ينقص مصر وإني مهتم بالملك الشاب .

وإذا كان القدر قد أرسله لحكم مصر فإننا نستطيع القيام بدور هام في تشكيله وتكوينه في هذه السنوات التعليمية من عمره ولا توجد وسيلة أفضل من دعوته لزيارة بلادنا"وترحب الحكومة الأمريكية بالفكرة..ويحمل " تاك " الدعوة الشفهية إلى " فاروق " يوم 5 سبتمبر على أن تتم الزيارة يوم أول نوفمبر قال " فاروق " مرحبا بالدعوة لا أعرف على وجه التحديد متى أستطيع القيام بهذه الزيارة بسبب متاعب محلية إني أقترح تأجيل الموعد .

قال " تاك ":

- أرجوك الاحتفاظ بالأمر سرا حتى لا يعرف الإنجليز وإذا عرفوا فإنهم سيحاولون تأجيل الزيارة أو منعها حتى تصل جلالتك دعوة بريطانيا فنزورها أولا .

ويوافق " فاروق " أن السرية هي هدفه وغايته منذ البداية وفي اليوم التالي يتوجه " حسن يوسف " وكيل الديوان الملكي إلى المفوضية الأمريكية ليطلب بصفة رسمية تأجيل الموعد.

قال " تاك" :

- نريد أن نعرف موعد الزيارة قبل شهر من القيام بها .

ويسافر " تاك " إلى واشنطن " ويجتمع – يوم 26 أكتوبر – بالمسئولين في وزارة الخارجية للاتفاق على كل الأمور الخاصة بالرحلة ومدتها والوفد الذي يرافق الملك.

ويتم الاتفاق على أن تكون مدة الزيارة 3 أو 4 أسابيع وأن يرافق الملك 12 على الأكثر بما في ذلك الخدم ويعرض " تاك " مقترحته قائلا :

- الملك لا يذوق الخمر . وهو مستعد لزيارة بعض أصدقائه والاكتفاء بزجاجة كوكا كولا وسندوتش " هبرجر"وإذا دعاه ثري أمريكي إلى عزبته لصيد البط فسيرحب بذلك وهو يحب أن يري مصنعا للطائرات ، وحوضا لبناء السفن ولابد من أن يبقي 10 أيام في " نيويورك " بلا برنامج ، أى يكون صاحب الجلالة حرا يفعل ما يشاء .

ويفسر " تاك" ذلك قائلا للمسئولين في وزارة الخارجية :

- عيون الملك على النساء دائما وهو ما يجب أن يبقي في ذاكرتكم ولابد أن يرافقه مندوب من الوزارة لتجنب أى حاد أو احتكاك.

- وتوافق شركة الخطوط الجوية العالمية على أن تضع احدي طائراتها تحت تصرف الملك لنقله من مصر إلى أمريكا وتكون تحت تصرفه في تنقلاته الداخلية ... لأن الشركة تريد عقد اتفاق مع الحكومة المصرية.

- إن هذه الرحلة ستتكلف مبلغا ضخما وهو 5000 دولا كل أسبوع ويجب الحصول على اعتماد بذلك. ويعود " تاك " إلى مصر ويجتمع بالملك " فاروق" يوم 10 ديسمبر ويبلغه :

- إن الرئيس " ترومان " مستعد لاستقبالك في الموعد الذي يناسبك

- ويضيف :ربما تتم الزيارة في فبراير أو مارس القادم.

ويلتقي " الجنرال ولسون رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية العالمية الأمريكية " بفاروق " الذي يقول له:

- لن أزور بريطانيا ما لم تعتذر عن حادث 4 فبراير .

وهكذا نجد " فاروق يسعي لزيارة بريطانيا .. وفي نفس الوقت يحاول إتمام زيارة أمريكا والتقارب معها .

ولم تعرف بريطانيا قط بمحاولات " فاروق " مع " تاك " " ترومان " ولم تتم زيارة " فاروق " لأمريكا بسبب إضرابات الطلبة واختلال الأمن العام والأزمة الوزارية

وكان يمكن أن تساعد رحلة " فاروق " إلى لندن على إتمام المعاهدة وخلق جو مناسب للتفاهم بين البلدين.

ولكن فضائح " فاروق " .. ومعلومات السفارة البريطانية عن كل ما يقع داخل غرفة النوم الملكية هي السبب .

ولسوء الحظ كان مصدر المعلومات .. ولي عهد مصر.. ورئيس وزراء مصر السابق وصيفة صاحبة الجلالة ملكة مصر!لا تخرجوا .. من مصر اعتادت صحف مصر – حتى خلال سنوات الحرب – أن تستقبل كل عام جديد بتفاؤل ولكن خلت الصحف المصرية من لهجة التفاؤل وهي تستقبل عام 1946 كان اليأس ضاربا في كل سطور صحف الحكومة .. وصحف المعارضة وحتى " اللورد كيلرن" لم يحس بالسعادة..

كان يظن أن مصر لن تطلب تعديل المعاهدة ..

وكان يريد الوفد في الحكم ، ليوافق على كل طلباته وكان يسمع كل يوم عن اغتيالات للجنود الإنجليز .

في مذكرته يوم أول يناير كتب يقول :

" عام جديد فما الذي يحمله إلينا " ؟

وعلى أية حال الحرب انتهت "؟

ويبقي الآن ترتيب الأمور ، وهو ما يبدو مشكلة بالغة الصعوبة انتهي لقاء موسكو – بين وزراء خارجية الدول الكبرى – برغم أن أحدا لا يعرف بالضبط ما الذي حققه.

فعلي سبيل المثال ، المشكلة الشائكة الخاصة بالتسرب الروسي في إيران لم تسو بعد ويبقي أمر أكثر أهمية خاص بالنوايا الروسية تجاه تركيا .. ومن الطبيعي أن يثير كل ذلك أشد الاهتمام في مصر أما على المستوي المحلي ، فالأمور هادئة الآن .

ولكن هل يكون السلام الذي يسبق العاصفة ؟ فبسبب سلسلة من الأخطاء المتعمدة طرح علينا إعادة النظر في المعاهدة وقام المصريون أخيرا بتقديم مذكرتهم الرسمية إلى لندن .

وأعتقد ن ذلك لا يمكن أن يكون أمرا سيئا بل إني أرحب – بصفة خاصة – بإشارتهم إلى وجوب أن يقوم وفد مصري بزيارة لندن فمن الأفضل ن يذهبوا إلى لندن بعيدا عن متناول صحافتهم الوطنية المؤذية .

ومن الأفضل أن تتعامل معهم لندن مباشرة بدلا من أن ترسل إلينا – هنا في القاهرة – سلسلة من التعليمات المستحيلة ثم نلام عندئذ على عدم تنفيذها .

وأتوقع ن يكون ذلك مسألة يعيد فيها التاريخ نفسه فبغض النظر تماما عن البنود العسكرية في المعاهدة فهناك الحائط الصخري الخاص بالسودان .

وأتوقع أن يهدأ كل ذلك الصيح المصري الراهن و بشأن هذه المشكلة ( تماما مثلما حدث في عام 1936 وإذا أمكن التوصل إلى اتفاق بشأن البنود العسكرية .

واحدي المشكلات الرئيسية التي تواجهنا هي الحفاظ على وضعنا السائد في الشرق الأوسط إن لدينا حكومة بريطانية جديدة .

وفي الوقت الذي أشعر فيه بكل الإعجاب لوزير خارجيتنا الجديد " أرنست بيفن " ولكن يساورني القلق نظرا للمتحمسين الآخرين من أمثال " نويل بيكر "وأشعر دائما أنه على المدى البعيد ، فإن الجمهور البريطاني العظيم ، لن يهضم التخلي عن حقوقنا في منطقة كهذه ، لها أهمية تأمين الاتصال بكل الكومنولث "ويكتب السفير لحكومته عن الأزمة الوزارية في مصر ..

قال :

" ... طبقا لما صرح به الدكتور محمد حسين هيكل " يبدو أن الحكومة قد تؤجل مسألة شغل منصب وزير الأوقاف والعدل لأن وزيرهما يرقد طريح فراش المرض .

ويقال إن سبب هذا التأجيل يرجع إلى مطالبة " مكرم عبيد بأن يحل وزير " مكرمي " ، محل المرحوم " راغب حنا " وزير الدولة وأن تسند احدي الوزارات إلى هذا الوزير ويقول " مكرم " إنه قبل أصلا مبدأ التمثيل النسبي بين الأحزاب على أساس أن ممثل الحزب الوطني أسندت إليه احدي الوزارات .

وقد ترك " حافظ رمضان " الوزارة ولذلك يعتقد " مكرم " أن من حقه أن يكون له وزير في مجلس الوزراء ليخلف " راغب حنا" بل لابد أن تسند إلى هذا الوزير احدي الوزارات ولا يكون وزير دولة فحسب مثل ، راغب حنا"ويقال إنه ستؤجل إعادة تشكيل الوزارة حتى بعد رحيل " الملك عبد العزيز آل سعود " بغية تجنب حدوث معارك غير لائقة في أثناء تلك الزيارة الملكية .

ويقال إنه من المحتمل استقالة " عبد الحميد بدوي " خلال شهر ويقتصر على عضوية محكمة العدل الدولية وفي هذه الحالة يقال إن النقراشي سيتولي بنفسه وزارة الخارجية وفي أثناء المناقشة التي جرت حول الرد على خطاب العرش، نميز نواب الحزب الوطني بالعنف في حديثهم عن المطامح الوطنية .. وأعلن أحدهم عن ضرورة قيام ثورة وكانت لهجة النواب الآخرين متسمة بالعداء لبريطانيا .

وفي هذا الاتجاه فإن " مكرم باشا " وحزبه على وجه الخصوص – لهما اليد الطولي ويبدو أن " مكرم باشا " على وشك أن يأخذ موقفا معاديا للبريطانيين لتقوية وضعه ضد الحكومة الحالية ، من ناحية ونتيجة لحنقه على اعتراضنا على محاكمة " النحاس "ويهدف " مكرم باشا " إلى إقامة تعاون متطرف مع الوطنيين وقد وجه إليه كثير من الانتقادات لحضور حفل أقامه الوطنيون ، للترحيب " بحافظ رمضان " عند عودته من الصعيد بعد استقالته المثيرة نظرا لموقف " حافظ رمضان " المعادي للحكومة والعادي للبريطانيين ويقوم " على ماهر باشا " بنشاط سياسي ملحوظ.

ويقال إن اجتماعا عقد أخيرا في مقره السياسي حضره عدد من المواطنين بالإضافة إلى " أحمد حسين " زعيم مصر الفتاة ويقال إن هناك هتافات معادية للبريطانيين من بعض الحاضرين وأعلنت الصحافة أن " مكرم، وعبود باشا " توصلا إلى اتفاق بشأن خلافهما حول الضرائب المستحقة لدي شركة البواخر الفرعونية .

وهناك دعاية ملحوظة حول الإجراء الذي اتخذته الحكومة لتنفيذ مقاطعة البضائع الصهيونية .

وتجري استعدادات عظيمة لاستقبال " الملك عبد العزيز آل سعود " يوم 10 يناير وهناك بعض الانتقادات الهمسات بين الطبقات الفقيرة بشأن الاعتمادات الواسعة المخصصة لهذه الزيارة في الوقت الذي تحتاج فيه الجماهير أشد الاحتياج إلى الغوث .

وتتوالي رسائل السفير وبرقياته إلى لندن ، فهو حريص على أن يبين حجم المتاعب في مصر ، ليكون ذلك مبررا للتدخل في شئون مصر .. وفرض الحكومة المناسبة .. له ولبلاده !ولا يستطيع السفير أن يطلب مباشرة من " أرنست بيفن" وزير الخارجية كما كان يفعل مع " أنتوني ايدن" بل إنه يتحسس طريقه ويلقي ظلالا قاتمة على الموقف السياسي الداخلي في مصر .

وإنه يجد مصر حانقة على اجتماع أقطاب الحلفاء وقراراتهم، باستبعاد كل دول الشرق الأوسط من الاشتراك في مؤتمر السلام فيكتب إلى لندن :

"1- أحدث استبعاد مصر من المشاركة في مبحاثات السلام ، طبقا للبيان الصادر عن اتفاق موسكو رد فعل غاضبا جدا في مصر وصرح رئيس الوزراء للصحافة بأن الحكومة المصرية تبحث اتخاذ إجراء في هذا الشأن .

2- خلق اتفاق موسكو انطباعا مؤلما لدي المصريين ، الذين يمليون إلى الاعتقاد ، بأن بريطانيا العظمي ، قدمت تنازلات هامة لروسيا في أوربا دون أن تحصل منها على ضمانات في الشرق الأوسط.

وخلق فشل بريطانيا العظمي في إيقاف عدوان روسيا على إيران شعورا بريطانيا عاجزة عن وقف التقدم الروسي في الشرق الأوسط ، وأن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمي مستعدتان بصفة عامة للتضحية بمصالح الدول الصغيرة وحتى بين حلفائهما – الحساب المطالب الروسية .

وأصبح عنصر إيران ذا أهمية كبيرة بالنسبة لمركزنا في مصرعشية مفاوضات تعديل المعاهدة فإذا لم يبد ما ينبئ بقدرتنا على إيقاف روسيا في إيران . فسيشك المصريون في قدرتنا في الحفاظ على مركز نفوذنا في الشرق الأوسط ومثل هذا الموقف المتشكك كفيل بأن يجعل منهم مفاوضين أقل مرونة .

"3- وقوبل الاتفاق البريطاني ، الفرنسي المتعلق بدول الشام ، مقابلة سيئة في الدوائر السياسية المصرية .

وعمق ذلك الشعور الذي ولده اتفاق موسكو بأن بريطانيا تضحي بالدول الصغيرة في الشرق الأوسط على مذبح سياسات القوة العظمي ويفسر الاتفاق بأنه يمنح فرنسا حق الاهتمام بشئون الشرق الأوسط ، وهو مر يثير ردود فعل عدائية لدي المصريين .

وعبرت الصحافة وغيرها عن المعارضة الغضبة التي تقول بان اتفاقا كهذا يحدو بفرنسا إلى ادعاء حق التدخل في مصر إن عدم التقدم في مفاوضات تعديل المعاهدة واستبعاد مصر السافر في مفاوضات السلام ومن اتفاق موسكو والاتفاق البريطاني الفرنسي كل ذلك خلق شعورا كبيرا بالمرارة في الدوائر السياسية "ويصل " الملك عبد العزيز آل سعود" إلى ميناء بور توفيق يوم 9 يناير ويكون في استقباله بالميناء " الملك فاروق " ورئيس وزرائه وكبار رجال الدولة وينتقل العاهل السعودي إلى القاهرة .

وتمتد زيارته 12 يوما تتجمد خلالها الأزمة الوزارية وتعلن أحزاب الحكومة هدنة غير مكتوبة – تنتهي عندما غادر الملك مصر عائدا إلى بلاده يوم 22 يناير وتضاعف صحف المعارضة من حملتها عن " النقراشي " والحكومة واشتركت في هذه الحملة كل أحزاب المعارضة ... الوفد الإخوان المسلمون مصر الفتاة الشيوعيون والحزب الوطني أيضا وأظهر الملك عداءه " للنحاس " بكل الطرق إنه لا يدعوه لحضور الاحتفالات التي أقيمت لاستقبال " الملك عبد العزيز آل سعود" عند زيارته لمصر.

وتنضم الجامعة العربية غلى الملك في إظهار العداء ، فلا توجه الدعوة " للنحاس " في حفل الغداء الذي أقامته الجامعة للعاهل السعودي ، في حين دعي كل رؤساء الوزارات السابقين ..

ويكون الضيف الوفدي الوحيد في هذا الحفل " على زكي العرابي باشا" رئيس مجلس الشيوخ السابق ، الذي يسعي القصر لجذبه بعيدا عن " النحاس "..

وتضغط صحف الوفد مطالبة بعرض قضية مصر على مجلس الأمن ، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة .

ولكن " عبد الحميد بدوي باشا " وزير خارجية مصر يصرح – يوم 18 يناير 1946 – بأنه ليس لمجلس الأمن حق النظر في أية مسألة تتصل بمصر أو بالعالم العربي لأن مشاكلهم ليست مما تمخضت عنه الحرب...!!

وهكذا في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا حائرة تخشي التجاء مصر إلى مجلس الأمن وقد اختيرت مصر عضوا فيه يوم 13 يناير ، أو الجمعية العامة كان وزير خارجية مصر يعلن أن مجلس الأمن ليس مختصا !!

ويثير تصريح بدوي باشا " أزمة عنيفة داخل مجلس الوزراء المصري ... وفي مصر كلها .. هاجمت صحيفة " الكتلة " الناطقة باسم وزير المالية " بدوي باشا " ووصفت تصريحاته بأنها ( فضيحة وعار )وقالت " الكتلة " إن مقعد مصر في مجلس الأمن يصبح بلا قيمة وقالت إن " بدوي " تكلم عن التزامات مصر ، ولم يشرح مطالبها .. وكيف يقول إن مشاكل مصر لم تنش عن الحزب على حين أن الحرب أخرت المفاوضات وأبقت القوات البريطانية في مصر .

وانتقلت " الكتلة " من انتقاد " بدوي باشا " وحده إلى انتقاد الحكومة كلها ، وأعلن " مكرم عبيد " أن تصريح " بدوي باشا " لا يلزمه ولا يلزم حكومة مصر .

وجريدة الأهرام " خرجت عن حيادها التقليدي لتنتقد وزير خارجية مصر ويحاول " النقراشي " أن يجمع الوزارة ضد الوفد .. ولكن يخلو منصب وزاري آخر باستقالة " محمود غالب باشا " وزير الإشغال وهو من الحزب السعدي ..حزب " النقراشي "وبعد أن كانت الوزارة تضم 13 وزيرا أصبح أعضاؤها تسعة فقط ويحاول " النقراشي باشا " في مجلس الوزراء . وفي مجلس الشيوخ أيضا تهدئة الحملة ضد " بدوي " انتظارا لوصول النص الرسمي لتصريحاته .

ألح " صبري أبو علم " على " النقراشي" أن يحدد ما إذا كان مجلس الأمن مختصا ببحث القضية المصرية والخلاف بين مصر وبريطانيا فرفض " النقراشي " الإجابة وطلب الانتظار حتى يصل نص تصريحاته " بدوي "

ويحاول " بدوي " أن يتراجع فيعلن " الدكتور محمود عزمي " المتحد باسمه نص تصريحاته وهو أنه إذا كان ممكنا حل القضية المصرية والمطالب العربية وديا فلا داعي للعرض على مجلس الأمن الذي يتدخل في الخلافات الدولية التي تهدد بالحرب .

وقال " محمود عزمي " إن " بدوي باشا " أعلن ذلك بعد أن تلقي تأكيدات من القوي الكبرى بنواياها الطيبة أما إذ حنثت هذه القوي بوعودها ونشأن موقف دولي يهدد السلام العالمي فمن المؤكد عندئذ أن يقدم طلب إلى مجلس الأمن.

ويصف كيلرن الموقف :

" الصحافة " الوفدية مستمرة في حملتها ضد بريطانيا العظمي وقام البوليس بمصادرة آخر عدد من مجلة " روز اليوسف " المعادية للوفد بسبب نشرها مقالا ناريا يشير – ضمن أشياء أخري – إلى أن شباب البلاد سيستمرون في اللجوء إلى الأساليب الإجرامية لتحقيق أهدافهم إذا لم يخرجهم الزعماء من الظلمات إلى النور فيما يتعلق بتحقيق الأماني القومية "وحدث اضطراب ملحوظ ، بسبب البرقية التي نقلتها وكالة الأنباء العربية من لندن عن تصريح " عبد الحميد بدوي باشا " وزير الخارجية .

وقد اجتمع مجلس الوزراء المصري يوم 24 يناير لبحث إصدار بيان بهذا الصدد ومن الواضح أن الوزراء فشلوا في التوصل إلى اتفاق .

وطبقا لما قاله عميل واسع الاطلاع أراد " النقراشي " إصدار بيان بالمعني الذي شرحه " بدوي " ولكن بشكل لبق لكيلا يبدو أنه يهددنا بالإشارة إلى مجلس الأمن في حين أصر " مكرم " على شئ محدد تماما في هذا الشأن.

وسيجتمع مجلس الوزراء مرة خري يوم 26 يناير لاستئناف بحث هذه المسألة وواكب هذا الخلاف نهاية الهدنة التي روعيت بشكل ضمني في أثناء زيارة " الملك عبد العزيز آل سعود " لمصر .

وكان تصريح " بدوي " قد غطي ، بشكل مؤقت على السبب الأصلي للخلاف داخل مجلس الوزراء وهو إعادة تشكيل المجلس وأضيفت الآن برقية ( لرويتر) من لندن بتاريخ 24 يناير تفيد أن المصريين بذلوا العديد من الجهود للحصول على إعلان رد على المذكرة بخصوص إعادة النظر في المعاهدة ولكن دون أية نتائج .

وطبقا لما ذكره عملاء واسعوا الاطلاع فمن المحتمل أن يقوي ذلك من قبضة أولئك الذين يصرون مثل " مكرم " على سياسة فعالة بدلا من سياسة النقراشي ويصرون على استجابة فورية من حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا .

وفي نفس الوقت فإن رئيس الوزراء محاصر – بقسوة – بالأسئلة في مجلس النواب والشيوخ بشأن تصريح " بدوي " ولكنه رفض الإدلاء بأي تصريح حتى يحصل على معلومات كاملة .

وهاجم " إسماعيل صدقي " الحكومة في مجلس النواب على أساس أن سياستها المتراخية ستضر بتحقيق مصر لأمانيها القومية.

وطبقا لتقرير ورد من عميل ، ذي صلة بالقصر فإن الملك يرغب في الاحتفاظ بالتوليفة السياسية الراهنة ويبدو كما لو أن " مكرم " بالتعاون مع الحزب الوطني – لا يريد للوفد احتكار التطرف الوطني ومن المحتمل أن يكون " مكرم" نفسه مدفوعا برغبته إما في تأكيد مكانته في مجلس الوزراء ، أو في تنظيم انسحاب وطني منه .

وترقب الدوائر السياسية المصرية عن كثب الهجوم السياسي الروسي ضد إيران واليونان وأند ونسيا وكان على أحزاب الحكومة أن تتحد في مواجهة المعارضة ولكن ذلك لم يتحقق ظل " مكرم عبيد " يهدد بالاستقالة ..

واستقالة " مكرم" معناها استقالة زملائه أعضاء حزب الكتلة وفض الائتلاف الوزاري قال " الدكتور محمد حسين هيكل باشا " في مذكراته :

" كان هذا التفكير يخيف " النقراشي باشا " ويخيف رئيس الديوان ..

وقد حدثني " احمد حسنين باشا " رئيس الديوان الملكي في هذا الأمر غير مرة وطلب إلى أن أتوسط بين الرجلين لإزالة ما بينهما من جفوة حتى تظل الأمور جارية من غير تعقيد أذكر يوما ذهبت فيه مع لجنة الرد على خطاب العرض نرفعه إلى الملك بقصر القبة فلما فرغنا من هذا المهمة التى لا تستغرق عادة أكثر من دقيقتين ، أو نحوهما استبقاني الملك ، وطلب إلى أن أسلوب ما بين " مكرم ، والنقراشي" من خلاف ، وأن أقنعهما بأن من الخير للعهد كله ن تزول أسباب الجفاء بينهما .

حاولت فلم أوفق ، فذهبت إلى " حسين باشا " بمنزله فاستدعاهما وتحدث إليهما فلم يكن كثر توفيقا اجتمع مجلس الوزراء مساء يوم 26 يناير .

وتغيب عن الاجتماع " مكرم عبيد" وزملاؤه الوزراء أعضاء حزب الكتلة وتلفي " النقراشي " خلال الاجتماع خطابا من " مكرم عبيد" يفيد أنه بعث برسالة إلى جلالة الملك وتعرف مصر كلها ، أن الرسالة تتضمن استقالة وزراء حزب الكتلة .

ويعود الملك في اليوم التالي – 27 يناير – من الإسكندرية ويعقد اجتماعات منفردة مع كل من " النقراشي" ومكرم عبيد ، والدكتور هيكل باشا وحامد جودة بك" ورئيس مجلس النواب .. ثم عقد الملك اجتماعا مشتركا للجميع .

قال " هيكل باشا " في مذكراته

" دعا الملك " النقراشي ، ومكرم لمقابلته بقصر القبة ، وطلب إلى أن أكون هناك للمعاونة في هذه المهمة فلما قابلهما ، خرجا من عنده وعليهما من مظاهر الاتفاق ما طمأنني ، وما جعلني أحمد لهما حسن تقديرها للموقف ، في هذا الظرف الدقيق الذي تعد فيه مصر عدتها لمفاوضة انجلترا في تعديل المعاهدة .

قال لي : النقراشي " غير مرة إن التعاون بينه وبين " مكرم " أصبح مستحيلا ، وأحسب أن حرص رئيس الديوان " وحرص الملك على ألا يتغير الوضع الوزاري كان له أثره في تصرفه لكن ما حدث من استدعاء الملك لرئيس الوزراء ولوزير المالية وما كان قبل ذلك من خلافهما لم يبق سرا بل تناثرت أنباؤه عليها المعارضة فكان لذلك أثره في تشجيع هذه المعارضة وإضعاف الوزارة "

وأذيع رسمي بعد الاجتماع أعلن فيه " النقراشي ، ومكرم " شكرهما لصاحب الجلالة وهدأت العاصفة السياسية في مصر لأن الرجلين وجدا أنه لابد من التضامن انتظارا للرد البريطاني .

ويحاول الملك أن يجد حلا ..

قال " كيلرن " في برقياته إلى لندن :

" ذكرت التقارير أن " احمد حسنين باشا " رئيس الديوان الملكي يستكشف الأسس حول توسيع مجلس الوزراء... وأنه يدلي بالتصريحات الصحفية التي توحي بأن " الملك فاروق " مهتم بذلك.

واقترح " حسنين " أن يتم تعيين رئيس وزراء مستقل، لتشكيل حكومة ائتلافية تهتم بدعوة الوفد للاشتراك فيها مع استبعاد " النحاس باشا "ولم يتم إحراز سوي تقدم ضئيل – حتى الآن – في عملية الاستكشاف ) ويوالي " كيلرن " تحذير لندن من " النقراشي "قال :

" هناك إحساس عام بأن " النقراشي " ليس من الطراز الذي يمكنه علاج الموقف الصعب الذي يسود مصر الآن... إن النقراشي " يبدو عاجزا عن علاج ، وتوجيه الرأي العام ، أو التعامل مع العناصر المخربة .

.. ويخشي ن ينساق شباب البلاد – وقد فقدوا إيمانهم بالزعماء السياسيين الحاليين إلى مواقف عنف .. بلا عقل ".

ويضرب طلبة الأزهر .. بعد استقالة الشيخ " إبراهيم حمروش " وزميليه. وتنضم كلية الهندسة بجامعة القاهرة إلى الإضراب لمساواة كلية الفنون التطبيقية بهم..وتلهب صحف المعارضة حماس الطلاب المصريين ، لأن بريطانيا لم تستجب للمطالب الوطنية ولا تريد الجلاء .

ويكتب " كيلرن " إلى لندن محذرا لأن السفارة لم تعد قادرة على تهدئة الوفد والنقراشي لم يستطع قمع المظاهرات.

قال السفير :

" بدأت الصحف الوفدية شن هجمات على بريطانيا العظمي في مستهل حملة منظمة من قبل الوفد وما زال الجمهور والصحافة مستفزين من استبعاد مصر من محادثات السلام وبشأن الشرف الأوسط .

وقد أصبح الجو في مصر بشكل عام ، أقل مواتاة لبريطانيا العظمي مما كان منذ بعض الوقت "

فالوفد لم يعد يقصر هجومه على " النقراشي " والحكومة بل بدأ النقد العنيف لبريطانيا ويبدأ شباب الوفد .. " عزيز فهمي ، ومحمد مندور " وعبد المجيد نافع " في تمجيد روسيا والاشادة بسياستها والمطالبة بالاستفادة من العامل الروسي القوي لتحقيق الآمال القومية فروسيا – في رأيهم-( دولة صديقة بلا مطامع توسعية ).

ولم يكن الذين يتكلمون عن روسيا يعرفون كل الحقائق...في ( مؤتمر سان فرانسيسكو) طلب الاتحاد السوفيتي أن يعهد إليه بالوصاية على بعض البلدان في ( مؤتمر بوتسدام) اقترح السوفيت أن توضع – تحت وصايتهم – منطقة طرابلس الليبية .

وقال " مولوتوف " وزير الخارجية إن بلاده تريد منفذا لها على البحر الأبيض المتوسط وعارضت فرنسا وبريطانيا هذا الرأي في حين اقترحت الولايات المتحدة ( وصاية مشتركة) بشروط .

وسافر " إرنست بيفن " إلى موسكو لحضور مؤتمر وزراء خارجية الدول الكبرى .. وبعد عودته إلى لندن ، شهد اجتماع مجلس الوزراء البريطاني يوم أول يناير عام 1946 الذي عقد برئاسة " كليمنت أتلي " رئيس الوزراء .. قدم " بيفن" إلى المجلس نتائج اجتماعات ( مؤتمر موسكو) وما جري فيه من تبادل للآراء مع " الماريشال ستالين " الزعيم السوفيتي ووزير خارجيته " مولوتوف "

وهذا نص محضر اجتماع مجلس الوزراء البريطاني ..

" أشار " الماريشال ستالين " إلى الاقتراح الذي قدمه في أول اجتماع لوزراء الخارجية وهو أن يدعو المجلس السوفيت للوصاية على طرابلس .

وأبدي " ستالين " أسفه لأن الحكومة البريطانية لم تتمكن من تأييد هذا الاقتراح وقال إن بريطانيا تشك في نوايا السوفيت في هذه المسألة وقد رد عليه " بيفن " قائلا إن الأمر ليس عدم ثقة ولكن بريطانيا تفضل أن تتجنب المنافسة مع الحكومة السوفيتية في هذه المنطقة .

وانتقل " ستالين " إلى الحديث عن مصر قال إنه قلقل وإن البريطانيين لا يجب أن يخرجوا من مصر .

رد " بيفن " قائلا :

إن بريطانيا ستبحث مع مصر قريبا تعديل المعاهدة المصرية وهو يأمل الاعتماد على تأييد تعاطف الحكومة السوفيتية في المفاوضات القادمة مع بريطانيا. وقد وعد الماريشال ستالين . بتقديم هذا التأييد لبريطانيا "!!وبينما كانت الدول الكبرى تتحد في التآمر ضد مصر .

كان زعماء مصر يتآمرون ضد " النقراشي "..

برقية رقم 6 من " اللورد كيلرن "إلى وزارة الخارجية بتاريخ 5 يناير 1946

1- زارني " حسين سريباشا " صباح اليوم بناء على طلبه

2- سعي للحصول على وجهه نظري حول الموقف المحلي .

أجبته : لا يمكنني التظاهر بالسعادة .

انتهت الحرب ومن حسن الحظ أنها لم تعد مسألة لها أهمية مباشرة بالنسبة لنا .

3- قال " سري باشا " هذا أمر بالغ السوء بالنسبة لمصر لأن الموقف تسوده الفوضى ولا يمكننا بالتأكيد أن نترك مصر . تتحمل نتائج المكائد الداخلية .

4- وعندما سألته كيف يكون ذلك أجابني :

- بجعل مصر تسعي للحصول على نصائحنا إذا لم تكونوا على استعداد للتطوع بها أشرت إلى أن ذلك ليس اقتراحا عمليا . فما الذي يدور في ذهنه بالتحديد ؟

5- جاء الرد على الفور :

- حكومة ائتلافية تضم كل الأحزاب بما في ذلك الوفد وتعين الحكومة الجديدة خمسة من أعضائها – مثلا – للتفاوض معنا حول تعديل المعاهدة .

- وعندما يتم ذلك يحل البرلمان الحالي وتجري انتخابات عامة مباشرة وسيكون على البرلمان الجديد لا القديم التصديق على المعاهدة المعدلة وفي رأيه أن الانتخابات العامة ستعيد الوفد الذي تزداد شعبيته بصورة سريعة وسيكون ذلك هو الوقت الذي تحل فيه مسألة " النحاس " نفسها إذ من المؤكد أن " الملك فاروق " لن يضمه مطلقا إلى أى وزارة ائتلافية .

- ويعتقد " سري باشا " أن هذا شئ معروف ومعترف به بصورة أو بآخري من جانب الوفديين البارزين مثل " صبري أبو علم ، والهلالي "ويبدو أن " سري " يشير إلى ني الشخص الوحيد القادر على التعامل مع " النحاس"

6- شكرته على اقتراحه الشجاع ولكني أكدت أن لست على استعداد للقيام به بأى حال من الأحوال فمنذ عودتي في شهر نوفمبر كانت اتصالاتي " بالنحاس " معدومة تماما وعلى أية حال فسيكون من الصعوبة أن نتصور تدخلا أكثر مباشرة وأكثر حماقة في السياسة الداخلية المصرية فمصر وساستها يجب أن يتولوا خلاصها بأنفسهم وقد حان الوقت ليفعلوا ذلك.

7- انتقلنا إلى أمور أخري مثل الصعوبات التي تنتظر تعديل المعاهدة ، وكان يعرف أن " الملك فاروق " يعتقد أن الحكومة الحالية يمكن أن تعالج الأمر بصورة مناسبة " وسري باشا " على قناعة بأنها لا تستطيع ذلك . وإدارة المفاوضات على أساس حزبي سيكون شيئا قاتلا وكان من الواجب ضم الوفد بصورة ما .

و من سوء الحظ أن " حسنين " يساند " الملك فاروق " ويتطلع إلى كرسي الرئاسة ، وهذه حماقة بالغة بالطبع ، وكان " سري " شديد الانتقاد لكل من " النقراشي " وبدوي " لأنها أيا منهما لا يتمتع حقا بالبصيرة أو قدرة رجل الدولة

8- قلت أن " الملك فاروق" أظهر إحساسا يستحق الترحيب فيما يتعلق بتعديل المعاهدة ، أما ما كان مفاجئا قليلا ، فهو أن جلالته يبدو عليه الهدوء بهذا الشكل إزاء إمكانية الانسحاب الكامل للقوات البريطانية كشئ يؤثر على أمن عرشه .

وكان الملك " فؤاد " يربط دائما بين الشيئين اللذين يبدو ن " الملك فاروق " لم يربط بينهما ولكن – لحسن الحظ مرة أخي – فإن ذلك ليس من شأننا وما أخشاه حدوث الصدام النهائي – وهو قد لا يكون بعيدا – بين السراي والحكومة أو بين الديكتاتورية وقوي الديمقراطية المحلية النامية .

وباعتباره ( خال الملكة) فقد ينجح في توضح ذلك للملك قال " سري " إن " الملك فاروق " بكل فطنته الموروثة أخفق تماما في إدراك كيف يمكن بسهولة أن يصبح وضعه غير مأمون داخليا .

9- سجلت هذا الحديث ببعض الاسهاب نظرا للوضع الخاص الذي يشغله حسين سريوصداقته الوطيدة معنا ، وهو بطبيعة الحال مهتم شخصيا وملكيا، لأنه يعرف جيدا أن بمقدوره أن يعتمد على تأييدنا وتعاوننا في حالة تكليفه برئاسة وزارة جديدة "

10- وهكذا يرشح " سري " نفسه لرئاسة الوزارة .

والغريب في الأمر أن هذا الاقتراح نفذ بعد سنوات أى في عام 1949 عندما تولي " حسين سريباشا " نفسه رئاسة وزارة ائتلافية أجرت انتخابات عامة

عقدة ... بيفن

" إذا كان لديك كلب ممتاز فلا تنبح أنت .. بل دع الكلب ينبح .. وكان بيفن كلب ممتازا "!

ولقد انتشرت في بريطانيا في ذلك الحين نكتة تقول :

( أتلي " هو رئيس الوزراء اسما ..)

" وهربرت موريسون " أحد رجالات الحزب – يظن أنه رئيس الوزراء ..

ولكن " بيفن " هو رئيس الوزراء "! وهذه النكتة أقرب للحقيقة .. ومن هنا نفهم السر في أن " أتلي " ترك" لبيفن " حرية تقرير الخطوط الأساسية الخارجية .. كما أن " أتلي " أراد وزير قويا للشئون الخارجية وترك لهذا الوزير حرية الحركة .

ومن هذا كله نفهم مدي قوة " بيفن" في مجلس الوزراء البريطاني وفي السياسة الخارجية للحكومة البريطانية .

وفي مذكراته شبه " وليم سترانج" الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية " أرنست بيفن " بالإمبراطور . فهو يعرف ما يريد ويجد من الصعب عليه ، أن يفهم سر معارضة الآخرين له.

وكان " بيفن " كما يري " سترانج " أنانيا ينظر إلى الأمور من خلال تجاربه وحده .. حتى إذا استقر على رأي فإنه – عندئذ – لا يستمع إلى أى تحذير ... يظن أنه الوزارة البريطانية كلها فهو واثق من قوته ، ولا يهمه أن تكون الصحافة معه أو ضده .

ويري العالم وحده واحدة ،لا يتعامل في أى مشكلة على أنها منفصلة عن باقي مشاكل العالم وكان " بيفن" مصابا بعقدة خطيرة .

أنه يهتم بمن سبقوه في منصبه .. ومثله الأعلى وزيران للخارجية البريطانية ..

الأول " كاسلي " الذي تولي وزارة الخارجية أكثر من عشر سنوات من عام 1810 حتى عام 1822 ومات وهو وزير للخارجية ..مثل " بيفن" !!

تولي " كاسلري " الوزارة في أواخر عصر " نابليون" وعهد إليه بالتفاوض مع القوي الكبري بعد هزيمة " نابليون " لتحقيق السلام في أوربا .

ولم تكن الاتصالات سهلة في ذلك الحين فكان " كاسلري " يتخذ وحده أخطر القرارات في شئون الحرب والسلام ودون الرجوع إلى مجلس الوزراء لأن الوزير في " باريس " و فيينا " ومجلس الوزراء مستقر في لندن.

وكانت لدي الوزير كل السلطات للتفاوض وتوقيع الاتفاقيات أيضا .

وقد رفع شعار " التوازن العادل " فهو يطبق التوازن بين القوي الكبرى في ظل حصول كل منها على مصالحه .

واشترك " كاسلري" مع ميترنيخ" وزير خارجية النمسا في توزيع الأراضي والبلاد دون اهتمام برغبات السكان فإن الاستقرار – وحده – هو الهدف .

ورأي " كاسلري " أن أوربا الشرقية لن تكون أبدأ مجالا للنفوذ البريطاني بل للروس ولذلك وقف ضد موسكو... وأقام تحالفات مع الدول الأوربية لمنع الروس من ابتلاع أوربا ، ومنع فرنسا من أن تصبح قوة كبري أو تعيد عهد توسع " نابليون " مرة أخر ي.

وهذا هو ما اتجه إليه وطبقة " أرنست بيفن"..

وكانت نهاية الرجلين واحدة .. ماتا وهما وزيران ..

" كاسلري " انتحر ..

ويبفن أدي مرضه إلى وفاته .

وكان " اللورد كيرزون " هو المثل الأعلى الثاني " لبيفن"

وقد تولي " كيرزون " وزارة الخارجية البريطانية 4 سنوات من عام 1919 حتى عام 1923 .

في أعقاب الحرب العالمية الأولي . واشترك في توزيع مناطق النفوذ وإقامة التحالفات والتوازنات الدولية لتبقي بريطانيا محتفظة بإمبراطوريتها العظمي .

وفي كل أزمة دولية كان " بيفن " يتساءل :

- ماذا كان " اللورد كيرزون" يفعل في هذه المشكلة ؟..

ولذلك قيل إن بيفن " وزير من القرن الثامن عشر !!..

... خاف موظفو وزارة الخارجية البريطانية أن يتضاءل نفوذهم بعد تولي " بيفن " .. إنه جل دخل مجلس النواب لأول مرة عام 40 وعمره 59 سنة ودخل وزارة " تشرشل" الائتلافية بعد ذلك..

وهو رجل نقابات العمال ولذلك آمن الجميع بأنه سيحدث هزة ضخمة في هذه الوزارة والحقيقة أن شيئا من ذلك لم يحدث ..

إن بيروقراطية وزارة الخارجية البريطانية استطاعت أن تسيطر على " بيفن" وأن تسوسه أيضا إلا في الشئون التي كون فيها رأيا فيها اتجاه محدد ، وبالذات علاقته بالسوفيت .

ومنذ عام 1927 " وبيفن" يري ضرورة اتجاه بريطانيا نحو وحدة اقتصادية أوربية أو ما عرف ذلك باسم السوق الأوربية المشتركة .. وربما كان تأثيره هو الذي دعا " ها رولد ولسون" عندما تولي رئاسة الوزارة أن يطلب باسم بريطانيا دخول هذه السوق .

ومنذ الثلاثينات " وبيفن" لا يثق بالشيوعيين داخل نقابات العمال البريطانية ، ولا يثق بالروس بصفة عامة .

شهد " بيفن " مؤتمر " بوتسدام - بألمانيا – وهو المؤتمر الذي قرر مصير العالم بعد الحرب وكان " بيفن " مع " أتلي" عضوين في الوفد الذي يرأسه " تشرشل " رئيس الوزراء وتوقف المؤتمر يومين لإجراء الانتخابات البريطانية .. فلما سقط العمال عاد " أتلي " و" بيفن" إلى " بوتسدام " ولم يعد " تشرشل "

وكانت هذه هي أول مرة يتعامل فيها " بيفن" مع الروس .. وكان من ريه " أن الروس يمكن أن يكونوا عدوانيين وغير متعاونين"

قال وزير خارجية أمريكا الذي حضر " بوتسدام" مع " ترومان" :" كانت طريقة " بيفن " عدوانية حتى أننا تعجبنا – أنا " وترومان " كيف نستطيع التعامل معه"

وفي هذا المؤتمر قال " مولوتوف " وزير خارجية السوفيت " لبيفن ":

- إن " تشرشل. وإيدن " كانا صديقين لروسيا . أما أنت " وأتلي " فإنكما نموذجان للاستعماريين البريطانيين القدامى .

ومن هنا نفهم سر الصدام الطويل الذي بدأ بين " بيفن " والسوفيت خلال السنوات الست التي تولي فيها وزارة الخارجية .

وقد أصبح العداء للسوفيت هو نقطة الارتكاز في السياسة الخارجية البريطانية خلال عهد " بيفن".

ولابد أن نفهم ظروف العالم كله في هذه الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية بريطانيا خرجت من الحرب منتصرة ولكنها تعاني أزمة اقتصادية ضخمة .. أو منهكة اقتصاديا .. بعد ن توقف تنفيذ قانون الإعارة والتأجير الأمريكي وقوات بريطانيا منتشرة في كل مكان .. في أوربا ، والشرق الأقصى والشرق الأوسط أيضا ،، ولكن نفوذ بريطانيا السياسي يتضاءل .

وكن " بيفن" يعرف هذه الحقائق المتناقضة ... وهي أن على بريطانيا نفس الالتزامات والارتباطات القديمة السابقة ولكن ليست لديها القدرة لتكون قوة كبري فهي تعتمد على أمريكا ماليا .. وتختلف معها سياسيا .

إنها – بريطانيا - فلا قوة ومع ذلك تريد أن تلعب في السياسة العالمية دورا كبير !!

تغير الميزان الدولي بعد الحرب ، بإعادة توزيع القوي الجديدة أصبحت في العالم قوتان فقط أمريكا والاتحاد السوفيتي ولم تعد بريطانيا احدي القوتين الكبيرتين ولكن من القوي الكبرى .. فقد تبدل موقعها نتيجة العلاقات الجديدة التي قامت بعد الحرب لأن قدرة بريطانيا عسكريا واقتصاديا أصبحت محدودة ..

وكان بيفن أول وزير للخارجية في بريطانيا يواجه انهيار . وتدهور . بريطانيا .. وأمامه مشاكل كثيرة ووسائله لحلها محدودة أو أقل مما توفر لدي أى وزير سابق .

وانتشر في بريطانيا رأي يقول : إن عليها الانسحاب من كل مكان لتصبح بريطانيا الصغرى رد " بيفن" على ذلك قائلا :" نحن نقبل الرأي الذي يقول بأننا لم نعد قوة ضخمة وأن نتوقف عن القيام بهذا الدور ... إننا نعتبر أنفسنا احدي القوي الحيوية للسلام العالمي وعلينا دور تاريخي وينبغي استمرار مسيرتنا فيه "

وفرق ضخم بين قوة كبري وقوة حيوية .. ولا نستطيع أن تكون العامل المؤثر في مجري الأحداث .

كانت ألمانيا تقسيمها وتسليمها ورخاؤها هي النقطة التي تحطم عندها الحلف الثلاثي الذي استمر في أثناء الحرب وانتصر والذي يضم أمريكا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا بيفن يري أن على الغرب أن يواجه اختبارا للقوة مع روسيا .

وإعادة بناء الاقتصاد الغربي يعتمد على ألمانيا الغربية وتعاونها ولابد من إنهاء الاحتلال السوفيتي الأمريكي البريطاني لألمانيا الغربية وإقامة دولة فيها وهو على يقين من أن الروس سيعارضون ذلك. وكلما تعمق الخلاف بين الأطرف الثلاثة أصبحت بريطانيا هي الهدف الرئيسي للعداوة السوفيتية .

وكان " بيفن" ضد سياسة الروس ، في فرض أنظمة مشايعة لهم في الدول الشرقية واعتبر ذلك مخالفا لاتفاقات يالتا .

وهو – بيفن – يريد وقف توسع الروس ولكنه لا يستطيع ذلك ومن هنا تطلع إلى قوة أخري للموازنة مع الروس .

ونظرية القوة الثالثة الجديدة و تعتمد في رأيه على هيئة الأمم المتحدة التي قامت بعد مؤتمر سان فرانسيسكو وتضم هذه القوة بريطانيا والكومنولث وأوربا الغربية .. وتساندها الولايات المتحدة .

ولم يدرك " بيفن " في ذلك الحين أن الدول المستقلة الجديدة قد تساعد على الاشتراك في هذه القوة الثالثة وكان هناك نقد كثير لسياسة " بيفن" من نواب حزب العمال .

إن الحزب حمل شعارا في الانتخابات يقول " اليسار يفهم اليسار ).... أى أن العمال يفهمون السوفيت ، ويستطيعون التعامل معهم .. ولم يتحقق ذلك ، لأن " بيفن" لم يكن معجبا بالسوفيت قط..

وقد اتهم الحزب – من نوابه – بأنه خان السياسة الخارجية الاشتراكية ، وذلك دون أن يوضع تعريف لهذه السياسة الخارجية الاشتراكية !وكان " بيفن " يجري اتصالات سرية مع " ايدن " وزير الخارجية المحافظ السابق - ويستشيره .

وكان " بيفن " يتوقع أن يوافقه الآخرون على رأيه.. ويعتبر كل نقد ... طعنه في ظهره وهو يتكلم عن أية مفاوضات تشترك بريطانيا فيقول " مفاوضاتي " ومعاهداتي " ولذلك فإن النقد للمفاوضات أو المعاهدات التي يشترك فيها يعتبر إساءة شخصية له .

زار قبل ذلك .. أوربا وأمريكا ودول الدومينيون أما الشرق الأوسط فبعيد عن اهتمامه .

ومنذ عام 1937 " وبيفن" يؤيد تسليح بريطانيا لمواجهة " هتلر " فهو في هذه الناحية مع " تشرشل "

وعندما كان وزيرا في وزارة " تشرشل" أعطي صوته مؤيدا لقانون منع الإضراب وهذا أيضا ضد سياسة العمال .

وأيد – كوزير للخارجية – النظام الملكي في اليونان وعارض التدخل العسكري ضد الملكيين هناك بعد الحرب .

وفي اجتماعات مجلس الوزراء البريطانية كانت تناقش باستمرار الشئون الاقتصادية وضرورة تسريح المجندين بسرعة وتوفير أعمال لهم .

وكان الوزراء يطالبون بتخفيض ميزانية الدفاع ..

وبرغم المشكلة الاقتصادية فإن بريطانيا اضطرت لإرسال القمح إلى المنطقة التي تحتلها بريطانيا في ألمانيا ولذلك فرض توزيع الخبز بالبطاقات في بريطانيا بعد استسلام ألمانيا في حين لم يفرض ذلك في أثناء الحرب..

هذه هي صورة " بيفن" الذي جاء ليتولي شئون بريطانيا الخارجية ويتعامل مع " النقراشي " .. أو على " النقراشي " أن يتعامل أو يتفاوض معه .

.. إن وزيرا بهذه الصورة يحتاج إلى من يفهمه ، ويقدر ظروفه وخاصة أنه يضع الاقتصاد كعامل أساسي في أية مفاوضات .. فهو لا يريد أعباء على بريطانيا ..

وموظفو وزارة الخارجية البريطانية يسيطرون عليه.. وايدن ينصحه سرا وهو يريد تخفيف أعباء بريطانيا الاقتصادية في مصر وفي غير مصر ..

وهو يريد من يقف معه لتكوين قوة ثالثة ضد الروس وكانت بريطانيا تري أن مصر هي التي ساعدت على النصر في حربين عالميتين من القاهرة في عام 1917 تحرك الماريشال " اللورد ألنبي " ليهزم تركيا وفي عام 1942 توقفت قوات " هتلر " الزاحفة في مدينة العلمين المصرية ولذلك رأت بريطانيا أهمية مصر في الدفاع عن بريطانيا نفسها .

ورأي العسكريون البريطانيون أنه من الصعب عليهم التضحية بهذه المنطقة الهامة الحيوية . التي تعتبر نقطة اتصال رئيسية في خطوطهم الدفاعية بل إن الانسحاب من المدن الرئيسية المصرية كان يبدو للعسكريين البريطانيين عملية لا ينبغي القيام بها .

وفي ظل شخصية " بيفن " وتأثيره قدم إلى مجلس الوزراء البريطاني – يوم 18 يناير 1946 مذكرة برأيه في تعديل معاهدة 1936 .

والمذكرة طويلة ..

وهذا أهم ما فيها :

" أوصي بإرسال رد إلى مصر يوافق بصورة عامة على إعادة النظر في المعاهدة المواد الأساسية في المعاهدة الحالية تمثل أهمية عظمي من وجهة نظرنا وهذه المواد تتصل بإقامة التحالف وتقديم كافة التسهيلات الممنوحة لقواتنا في زمن الحرب أو هي مواد يمكن تجديدها أوتوماتيكيا في أى تعديل للمعاهدة طبق للمادة 16 من معاهدة 1936 وكنقطة بداية علينا الإصرار على هذا التجديد.

وهناك عدد من المواد ، وخاصة المرتبطة بعصبة الأمم أصبحت مواد عتيقة فات أوانها ولأن معاهدة 1936 بأسرها تقوم على أساس عصبة الأمم وميثاقها فمن الضروري إجراء بعض التعديلات المطلوب إدخالها .

ليس من الحكمة بل من المستحيل على ضوء وضع الرأي العام المصري والموقف الدولي بصورة عامة أو تتخذ موقفا على أساس نص المعاهدة الحالية التي تستبعد إمكانية إجراء أى تعديل قبل نهاية العام الحالي .

والمعاهدة الجديدة - التي ستضم مرة أخري السمات الأساسية للمعاهدة القديمة يجب أن تكون ثنائية الطابع .

ويجب ن تتم صياغتها أن تتلاءم مع قيام نظام دفاعي إقليمي للشرق الأوسط ككل .. وهو الأمر الذي آمل تحقيقه بالصورة المناسبة .

وسترتبط المعاهدة بمنظمة الأمم المتحدة بصورة مناسبة بحيث يمكن أن تكون ترتيبا للدفاع الجماعي كما هو مخول بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة .

أوافق على نصيحة رؤساء الأركان بأنه من الضروري أن نضغط للحصول على تسهيلات للإبقاء على القوات البرية والجوية في مصر في زمن السلم حتى يمكن أن تصبح المساعدات التي تقوم بصورة عاجلة فعالة وسريعة بشكل كاف .

بالنسبة للسودان الذي يشكل مثل مسألة التسهيلات لقواتنا زمن السلك صعوبة أساسية ولا تتيح سوي مجال صغير للمساومة فإن الحكومة البريطانية كررت رفضها للتخلي عن مسئوليتها حيال الشعب السوداني الذي تبلورت بين صفوفه بالفعل الفكرة القومية .

ومن المستحيل بالنسبة لنا أن نوافق على الطلب الذي قد تتقدم به مصر وهو الاعتراف بالسيادة المضربة وحدها على السودانيين.

ويجب على المصريين أن يعرفوا بصورة حاسمة موقفنا الخاص وهو أن مستقبل السودان ليس ملكا لهذا البلد و لمصر بل للسودانيين أنفسهم ويجب أن تؤخذ رغباتهم في الاعتبار في أية ترتيبات جديدة يتم التوصل إليه .

ويجب أن تعتمد ( تكتيكاتنا) الأخرى على رد فعل المصريين إزاء الموقف وبالنسبة للإجراءات علينا أن نتبع ما جري عام 1936 وأن نمهد الأرض بإجراء حادثات تمهيدية في القاهرة يجريها سفيرنا وقادة الفروع العسكرية كمستشارين فنيين للسفير من غير الملائم من الناحية العملية استقبال وفد مصري في لندن خلال الأسابيع القادمة إذ ستجري المناقشات بصورة صاخبة الأمر الذي سيزيد بشدة من احتمال حدوث انهيار )

ويحدد " بيفن " خطوط المحادثات مع مصر والعلاقة بين المعاهدة الجديدة وميثاق الأمم المتحدة على النحو التالي :

" أفضل ما يناسب بريطانيا هو أن نتقدم بالمعاهدة بوصفها من ترتيبات الأمن الجماعي داخل نطاق مفهوم المدة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أكثر من كونها اتفاقية إقليمية " تدخل في نطاق مفهوم المواد من 52 حتى 54 للأسباب التالية :

(1) أحد أغراض الترتيبات الإقليمية هو التوصل إلى تسويات سلمية للمنازعات المحلية عن طريق الاتفاقيات المحلية .

(2) تعارض الحكومة المصرية أن تأخذ المعاهدة شكل الاتفاقية الإقليمية .

(3) هناك شرط غير مناسب في المادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة لأنه لا يمكن اتخاذ إجراء طبق لأية اتفاقية إقليمية دون تخويل من مجلس الأمن في الوقت الذي لا توجد فيه أية قيود في ممارسة الدفاع الجماعي طبق للمادة 51 .

من الأفضل في بداية المحادثات التمهيدية تجنب الإشارة إلى مواد معينة خاصة بالأمن في ميثاق الأمم المتحدة وقد نضطر لمناقشة هذا الأمر في وقت قريب . الهدف من المعاهدة هو القيام عن طريق التعاون المتبادل بتعزيز المهمة التي يمكن لكل طرف أن يقدمها للحفاظ على السلام والأمن العالميين طبق لميثاق الأمم المتحدة

الدفاع

يجب أن نوضح للحكومة المصرية أننا نتطلع إلى الارتفاع بمسألة الدفاع من مستوي المفهوم الثنائي المجرد ، إلى مستوي المشاركة العامة بين دول الشرق الأوسط وبريطاني لتأمين وحدة واستقلال هذه الدول .

ومن ناحية أخري ضمان أمن " الكومنولث " البريطاني الذي يمكن أن يتعرض كما وضح من الحربين العالميتين إلى تهديد بالغ عند شن هجوم ضد منطقة الشرق الأوسط وبهذا الشكل فإن دول الشرق الأوسط والكومنولث تقف معا أو تسقط معا.

وإن قيام أحد المعتدين ، بالقضاء على استقلال دول الشرق الأوسط ، أو استقلال دولة منها يهدد بتقسيم " الكومنولث"

وبصورة مماثلة ، فإن تدمير موقف بريطانيا في الشرق الأوسط من قبل أحد المعتدين يهدد لاستقرار في الدول العربية كل على حدة.

وزيادة على ذلك فإن مجمل تجربة الحرب الأخيرة يوضح أن الدول الصغيرة تتعرض للاجتياح من قبل المعتدي مهما أبدت من ثبات في الدفاع عن نفسها ما لم تتمكن من الحصول على دعم كامل وعاجل من دولة عظمي تمتلك قوة عسكرية واقتصادية مساوية لقوة المعتدي وإذا كانت مصر قد تفادت آلام الاحتلال من قبل العدو فإن ذلك يرجع إلى وجود نواة لقوة قادرة للدفاع عن الأراضي المصرية وشن هجوم مضاد طبقا للمعاهدة المصرية البريطانية ويجب أن نتذكر أنه منذ فجر التاريخ فإن كل معتد قد وصل بأطماعه حتى منطقة الشرق الأوسط .

وليس هناك خطأ أفدح من أن تفترض الدول العربية أن حريتها في 19411943 أدت في حد ذاتها إلى تجنب خطر شن هجوم عليها في جميع الأوقات .

وقد تعهدت المملكة المتحدة وحلفاؤها في الأمم المتحدة بإقامة نظام عالمي لضمان أمن العالم غير أنه من المطلوب وجود مشاركة إقليمية لحين استكمال هذا الصرح الهائل والمشورة العسكرية المتاحة للحكومة البريطانية أقنعتها بأن الدفاع عن الشرق الأوسط يمكن ويجب أن يتم تنظيمه على أسس جماعية .

وعلى ضوء الاعتبارات السابقة تعتبر حكومة صاحب الجلالة من الأمور الجوهرية كما جاء في المادة 16 من معاهدة 1936 استمرار التحالف ..ويجب بصفة خاصة التأكيد على المساعدات التي وعدت بها مصر وتحديدها من جديد على ضوء التجربة المكتسبة ..

وحتى تصبح هذه المساعدة ذات فعالية كاملة لابد أن نحصل على تسهيلات معينة في دول الشرق الأوسط في زمن السلم. وأن تكون قادرين بصفة خاصة ‘لى أن نضع في المنطقة وفي مصر بصفة خاصة – بوصفها احدي الدول التي يسمح وضعها الجغرافي وتطورها الصناعي – بأن تكون قاعدة إقليمية الحد الأدنى من القوات الضرورية لوجود نواة لمنشأة عسكرية لزمن الحرب للدفاع عن المنطقة بأسرها ولتأمين استمرار التعاون في التدريب واستخدام الأجهزة التكتيكية والأسلحة .

وطبقا للتطور الحلي للطيران العسكري فإن العبء الذي سيقع على دولة صغيرة أو عدة دول صغيرة في الحفاظ على قوات الدفاع الضرورية لصد هجمات القصف البعيد المدى .( بكل نتائجه سيكون أمرا غير محتمل مهما كانت عظمة روح التضحية والوطنية .

وعلى هذا فإن حكومة صاحب الجلالة ستطلب ن الحكومة المصرية قبل أى شئ آخر تأكيد المواد من 4 لى 7 في المعاهدة الحالية وتوافق من حيث المبدأ على تزويد القوات الإمبراطورية بالتسهيلات الإدارية وتسهيلات في القواعد والاتصالات ببقاء القوات البريطانية على أراضيها لسنوات محددة تعتبر ضرورية كجزء من المساهمة التي تكون مصر مستعدة لتقديمها لأمن الشرق الأوسط .

ستطلب حكومة صاحب الجلالة ملك بريطاني من الحكومة المصرية أيضا بناء وسائل معينة للدفاع أو أن تقيم القوات الإمبراطورية ما قد تكون هناك حاجة إليها في جميع أنحاء مصر بالإضافة إلى ذلك ستثير حكومة صاحب الجلالة مع حكومة مصر مسألة بقاء البعثة العسكرية البريطانية .

ويعتبر أمن الحدود الجنوبية لمصر من المصالح البريطانية المصرية المشتركة مل العبور الحر لتجارة السودان استمرار الإدارة الحالية للسودان التي تمارس منذ حوالي نصف قرن بواسطة عدد من البريطانيين من الضروري إقامة جهاز دستوري في السودان لاستشارة الرأي المحلي ..

وتعرف الحكومة المصرية أن الحكم العام للسودان أعلن في نوفمبر الماضي في الاجتماع الأخير للمجلس الاستشاري السوداني بأنه " في حالة إثارة مسألة الوضع المقبل للسودان من قبل سلطات الحكم الثنائي في أى تعديل للمعاهدة المصرية البريطانية فإن حكومة السودان تنوي إجراء مشاورات مع المجلس الاستشاري لشمال السودان حتى تكون آراؤه تحت تصرف حكومة الإدارة لإبلاغها للقوي أى لمصر وبريطانيا .

اجتمع مجلس الوزراء البريطاني يوم 22 يناير 1946 لبحث طلب مصر تعديل المعاهدة وحضر الاجتماع ثلاثة من كبار القادة العسكريين البريطانيين وهم " اللورد ألان بروك: رئيس أركان القوات الإمبراطورية " وآرثرتيدر ماريشال الجو ونائب الأدميرال رودربك ماك كريجور " نائب رئيس القوات البحرية .

وهذا محضر الاجتماع

" بحث الوزراء مذكرة وزير الخارجية التي تعرض السياسة والإجراءات التي سيتم إتباعها في المفاوضات الخاصة بتعديل معاهدة 36 المصرية والبريطانية .

وهناك توصية من وزير الخارجية بإرسال رد بالموافقة بصورة عامة على إعادة النظر في المعاهدة.

وستجري المباحثات التمهيدية في القاهرة بين سفير صاحب الجلالة وقادة الفروع العسكرية العاملين كمستشارين فنيين له وتم توضيح التعليمات المقدمة للسفير في مذكرة وزير الخارجية وذكر الوزير أن المعاهدة الجديدة بالرغم من طابعها الثنائي فإنها يجب أن تصاغ لتتناسب مع نظام إقليمي للدفاع عن الشرق الأوسط ككل .

ومواد المعاهدة الحالية التي قام التحالف على أساسها والتي تنص على تقديم التسهيلات لقواتنا المسلحة في زمن الحرب قابلة للتجديد ( أوتوماتيكيا) في أى تعديل للمعاهدة على أن يؤخذ هذا كنقطة البداية في المناقشات .

ومن الأمور الأساسية أن نضغط للحصول على تسهيلات للإبقاء على القوات الجوية والبرية البريطانية في زمن السلم لتصبح في موقف يمكننا فيه أن نقدم مساعدة سريعة وفعالة في حالة الطوارئ .

وعلى أية حال فإن ما نهدف إليه هو الابتعاد عن فكرة وجود قوات احتلال بريطانية في مصر إلى فكرة قيام إجراءات دفاع مصرية بريطانية مشتركة .

وسوف يمكننا هذا من استخدم القوة البشرية المصرية استخدما مكثفا في الورش والخدمات المساعدة وبهذا يمكننا أن نحقق التخفيض المطلوب للغاية في نفقاتنا العسكرية في هذه المنطقة ومن المحتمل أن يطلب منا الاعتراف بسيادة مصر وحدها على السودان إذ أن هذه النقطة تمثل الهيبة بالنسبة للمصريين .

وفي رأي الوزير أننا لا يمكننا أن نوافق على ذلك وعلينا أن نوصل رفض التخلي عن مسئوليات تجاه الشعب السوداني .

وذكر رئيس الأركان العام الإمبراطوري أن وزارة الخارجية استشارت رؤساء الأركان في الإعداد للمقترحات المقدمة ولم تطلب منهم أية تعقيبات أخري .

وذكر رئيس مجلس التجارة أنه يجري الآن الإعداد لإبرام المعاهدة التجارية المصرية البريطانية وقد ينشأ موقف محرج إذا انتهي مفعول المواد التجارية في المعاهدات القائمة قبل إبرام المعاهدة التجارية الجديدة.

وعلى هذا طالب بأن يكون مجلس التجارة على معرفة بتقدم المناقشات حول المعاهدة الأساسية .

وقال وزير الخارجية : " إنه سيرتب لتحقيق هذا الأمر "

ويوافق مجلس الوزراء في نهاية الأمر على الرد الذي أعده " بيفن " لمصر وعلى أن يتولي السفير البريطاني في القاهرة إجراء المحادثات التمهيدية ولم تعرف مصر شيئا من هذا كله ..لم تعرف أن بريطانيا تريد بقاء قواتها في مصر . تحت اسم آخر وهو الدفاع الإقليمي .. وأن يدرب الجيش المصري والعمال المصريون لتخفيف النفقات عن بريطانيا ولا تنسحب الإدارة البريطانية من السودان .. ولا تتركه بريطانيا !!

.. ولكن مصر كانت منقسمة موزعة كل حزب فيها يحارب الآخر والملك يلعب لعبة التوازن ..

لم تكن مصر مستعدة ولم تكن أيضا تدري ! وإذا كانت هناك فكرة في قيم وزارة ائتلافية فإن ذلك يقتضي أن يفتح " كيلرن" بابا للحوار مع " النحاس " .

والحوار مع " النحاس" لا يكون إلا عن طريق " أمين عثمان باشا "ولكن هذا الطريق أصبح مسدودا أغلقته رصاصتان !..

اغتيال أمين عثمان

أنشأ أمين عثمان " رابطة النهضة " تدعو للصداقة بين مصر وبريطانيا وهذا هو الهدف لظاهر ما الهدف الآخر فهو إلقاء الأضواء على الباشا ليكون – يوما – رئيسا للوزراء .... وفي السادسة والنصف من مساء 5 يناير 1ذ946 وصل أمين عثمان " كعادته – إلى نادي الرابطة بشارع عدلي وما كاد يصعد السلالم الأولي حتى برز له شخص كان ينتظره . ثم طلق عليه الرصاص .

ويطارد الناس القاتل فيجري نحو ميدان الأوبرا ويطلق الرصاص هنا وهناك .. وعندما يوشك المطاردون على اللحاق به .. ويلقي عليهم قنبلة يدوية تنفجر وتصيب البعض .

ولم تكن هذه أول محاولة لاغتيال " أمين عثمان " جرت محاولة لقتله في مارس 1945 . ولكنها فشلت يومها وجد " أنتوني إيدن" وزير خارجية بريطانيا وقتا يبعث فيه إلى " أمين عثمان " برقية تهنئة بنجاته من القتل .

بعث " اللورد كيلرن" برقية إلى لندن وصف فيها كيف مات " أمين عثمان "

قال اللورد :

" أتت الأنباء الليلة بأن الرصاص أطلق على الصغير المسكين أمين عثمان وقد أصابته إحداهما في الصدر أما الأخرى فليست مؤذية وهو لآن في المستشفي .

وبينما كنت أقوم بالإملاء وصلت رسالة من " كيتي " زوجة " أمين عثمان " – وكنت قد كتبت لها – تقول إنه سيجري " لأمين " نقل دم وإنهم بحاجة لمشورة جراح خبير"

وقالت الرسالة :

" أيمكن أن نرسل الجراح البريطاني الخبير " الأدميرال ويكلي " للمساعدة ؟

قلت :

- إننا سنفعل ما في وسعنا وعلى الفور أبلغت " تون كار " أن يذهب إلى الأدميرال ويحاول ترتيب ذهابه إليهم.

- واتضح أن الرصاص قد أطلق على " أمين عثمان " وهو على عتبة أولد فيكتوريا كلوب"

- وذلك يبدو أمرا بالغ السوء ولكن لماذا اختير الصغير المسكين " أمين "!

- ذهبت إلى مستشفي الأنجلو أمريكان بعد العشاء فقد وصلت رسالة تفيد بأن حلة " أمين خطيرة للغاية "

.. .. خارج المدخل كانت العربات مزدحمة وفي الداخل ساد الهرج والمرج . وجدت " كيتي" التعسة في حجرة مليئة بالنساء .

وفي النهاية عثرنا ( أنا وهي وفرغلي ) محمد أحمد فرغلي باشا تاجر القطن – على حجرة خالية تخص أحد المرض حيث جلسنا وأفرغت مكنون صدرها إلى .

اتضح أنها كانت في طريقها للسينما عندما سمعت بالهجوم وعندما وصلت إلى جواره كلن قد نقل بالفعل إلى المستشفي وكان – مازال واعيا .

ولم يكن هناك شك في أن الجراحة بالغة الخطورة وقد دخل غرفة العمليات لإجراء جراحة أخري .

وأجريت له عمليتان لنقل الدم وكانت الجراحة في ذلك الوقت في ذروتها وجلسنا وتحدنا لبعض الوقت وأخيرا أرسلت مذكرة إلى الأميرال ويكلي " الذي يعاون في العملية هو والبريجادير " أليوث سميث" وسألته أن يرسل لى أى كلمة جاء الرد بأن العملية انتهت وطلب مني أن أهبط إليهم.

ونزلت فوجدت الأطباء الأربعة معا الدكتور " مورو" الذي أجري العملية بناء على طلب أمين نفسه – والأدميرال" ويكلي والبيجادير " أليوث سميث " والدكتور " كاتز" الألماني الذي تصادف مجيئه من الإسكندرية.

وكان وضحا أن الأمور سيئة تماما ولحق بنا " النحاس باشا ، وفؤاد سراج الدين ، ودخلا حجرة العمليات في أثناء إجراء العملية .

وقال " ويكلي " : إن " أمين" أحتمل التخدير بشكل جيد وأن الجرح الذي أصاب الأحشاء خطير للغاية ولكن مازالت – هناك فرصة .

سألت عما إذا كانت الفرصة جيدة!

وجاء الرد سلبيا .

وكان واضحا من اتجاه الدكتور " مورو" أنه ليس هناك سوي أمل ضئيل تحدثنا عن ضرورة توفير تمريض جيد " لأمين عثمان "

واقترحت أنه لابد من أن يتحدث شخص ما إلى " كيتي أمين" ؟ وكرغبتي استدعوها إلى الحجرة التي كنا فيها جميعا .

وكانت شجاعة بشكل مذهل فعندما كانت تتحدث إلى د. كاتز" سمعتها تسأله عما إذا كان هناك شديد فأجابها بالإيجاب .

وبرغم هذا كان شيئا لافت للنظر تمام من " كيتي " ن تستدير لى وتطلب مني أو أوصل الجراحين البريطانيين في سيارتي لأنها متأكدة من أنه لن يكون بمقدروهما العثور على تاكسي في هذه الساعة المتأخرة .

أعدتهما إلى العشاء الذي أتيا منه وفي الطريق سألتهما عما إذا كانت فرصة كبيرة حقا بدا من " ويكلي " أن ذلك ممكن مع كثير من الحظ ، أما " سميث " فكان اقل تشجيعا وفي طريق العودة مررت بالمستشفي وأخبت " جاكلين" زوجة " كيلرن" التي كانت في حالة من القلق الشديد . وتحب " أمين " جدا فقد تعاون معهما كثيرا في مجال الترفيه عن القوات وعند عودتي للسفارة دخلت الفراش .

وبعد ساعة دق جرس التليفون لأعرف أن " أمين : قد مات وأن جثمانه نقل فعلا إلى منزله كانت مأساة حقيقية ومفجعة لا بالنسبة لمن عرفوا " أمين " فحسب وإنما بالنسبة لبلده ولنا وتنتابني رعدة حين أتصور المشاكل التي تنتظرنا في الأيام المقبلة فيما يتعلق بالمعاهدة ... الخ وليس لدينا " أمين " ليلعب دور الفرملة و مخفف الصدمات بيننا وبين الوفد .

كان " أمين " صديقا مخلصا لنا وكان وطنيا عظيما "

ويشترك السفير البريطاني في جنازة " أمين عثمان " ويبعث إلى الحكومة البريطانية ببرقية يصف فيها ما جري في أثناء وداع الرجل الذي يقوم بالوساطة بين الوفد والسفارة .

وقال السفير:

" جنازة " أمين " في الثالثة والنصف كانت أمرا شائنا تماما الشوارع غاصة بالناس ، وعلينا أن نصارع إلى طريقنا بين الزحام سألت " جيلز " بك لماذا لم يقم البوليس بترتيبات أفضل ؟

قال : إن ذلك مستحيل دون المخاطرة بحدوث صدام مع الدهماء ، وكانوا حوالي 100،000 شخص في الشوارع .

استغرق الأمر منا ساعة تقريبا، لقطع الثلاثمائه ياردة من مكان بدء موكب الجنازة إلى بوابة السفارة .

وكنت أعتزم بطبيعة الحال أن أسير الطريق كله حتى المسجد ولكن الجموع خرجت عن الطوع وفي حالة هياج .

خلصت نفسي بصعوبة أمام بوابة السفارة ودلفت داخلها وكانت الجموع معادية للحكومة الحالية .

ولم يكن ذلك سوي مظاهرة سياسية ضخمة وهو أمر مقزز تماما .. داخل بوابة السفارة وجدت " محمد حسين هيكل باشا " وحسين سريباشا " الذين خلصا بأنفسهما من الزحام أيضا وكنت غاضبا جدا من المنظر كله حتى أن انفجرت بشدة في " هيكل " التعس .

وكان يساعدني ويحرضني على ذلك " حسين سري" الذي قال إنه ربما سيكون " هيكل نفسه الضحية القادمة لرصاص المجرم.

وأكد " سري " أن هناك قوائم في وزارة الداخلية بأسماء كل هؤلاء الشباب المنخرط في هذا الإرهاب وتساءل .

- لماذا لا يتم وضعهم تحت التحفظ العاجل !

- أضفت قائلا:

لماذا حقا :

وتركنا " هيكل " في حالة إثارة ملحوظة بل أعتقد أنه كان فزعا من هجومي المباشر "

ويطلب السفير من المسئولين البريطانيين في جهاز الأمن المصري تقريرا عما جري في الجنازة ويبعث بهذا التقرير ويطلب السفير من المسئولين البريطانيين في جهاز الأمن المصري تقريرا عما جري في الجنازة ويبعث بهذا التقرير إلى لندن :

قال التقرير :

1- قام عديد من الطلبة من كلية الطب " بجامعة فؤاد الأول " القاهرة – ومن الأزهر بإضراب في العاشرة صباحا وتوجهوا إلى منزل المرحوم أمين عثمان ومصطفي النحاس باشا " وأخذوا يهتفون :" لتحيا ذكري " أمين عثمان " و" يحيا النحاس باشا " و" يسقط المجرمون" حاول البوليس منع المظاهرات من الوصول إلى المنزلين ، برغم أنه تمكن من إعادة بعض الطلبة فإن كثيرين منهم استطاعوا اختراق " كوردون " البوليس ..

2- وفي الوقت نفسه كان " فؤاد سراج الدين" منذ الصباح الباكر يعد الترتيبات لمظاهرة الوفد خلال الجنازة وقد دعا كلا من :

أ‌- لجان الوفد الفرعية .

ب‌- لجان شباب الوفد.

ت‌- لجان طلبة الوفد من الكليات والمدرس المختلفة

وأمرهم بتكوين مجموعات يرأسها قادة الهتاف .

وطلب من هذه المجموعات أن تهتف بشعارات مختلفة وتتبع خط سير الجنازة من البداية حتي النهاية .

ثم وضع جثمان " أمين عثمان باشا " داخل سيارة لدفنه في ( مقابر الإمام الشافعي ) ويستمر تقرير شرطة مصر المقدم للسفير البريطاني فيقول .

" جمعت اللجان المذكورة الوفديين من بنها وطنطا والجيزة والزقازيق وكفر الجرايدة موطن " فؤاد سراج الدين" والغربية والمنوفية للقيام بدورهم في المظاهرة وعينت قادة الهتاف الآتية أسماؤهم :" حسن ياسين ، وأحمد حسب الله و ومحمد كمال ، وسيد سالم ، ومحمد الشافعي البنا وعلى سلامة "

3- وفيما يلي الشعارات التي سمعت خلال سير الجنازة بالإنجليزية :

" ويحيا النحاس باشا " .

" ويسقط النقراشي ".

" تحيا ذكري أمين عثمان باشا " " إلى لجنة يا أمين عثمان باشا " " إلى الجحيم يا نقراشي " ويسقط وليم " يقصدون : مكرم عبيد "

" ملحوظة : بعض المتظاهرين هتفوا بسقوط " مكرم " لكن الأغلبية نصحتهم بالهتاف بسقوط " وليم" " يسقط النقراشي " " الأمة تعزيك يا نحاس باشا " .

" قل لسعد على الظلم يا عثمان " .

" فلتحيا الثورة " " ولابد أن ننتقم للثورة" .

" الدم بالدم والعين بالعين " .

" لا نقراشي بعد اليوم .

" الأمة ترفض حكومة النقراشي " .

" يسقط النقراشي المجرم " ... " أين السودان يا نقراشي ؟ ... " أين الجلاء يا نقراشي؟" ... " أين الكساء وأين الغذاء يا نقراشي؟" ... " ماذا تفعل يا نقراشي ":

" نريد الجلاء "

ملحوظة: قليل من المتظاهرين أراود ترديد هذا الشعار ".

" لتحيا ذكري أمين باشا صديق العال والموظفين " " ليسقط عهد القنابل والمؤتمرات " " يعيش النحاس زعيم الأمة " يسقط العهد الفاسد "

4- وفي الساعة الثالثة والنصف تحركت الجنازة من السرادق وقد تبع النعش " اللورد كيلرن ، والنحاس وممثل الملك " – محمود يونس رئيس التشريفات – وهو شاب تافه في الخامسة والعشرين من عمره ولم يشاهد أى عضو من الحكومة في هذه المرحلة لكن " النقراشي " حضر في الثالثة وأربعين دقيقة .

عند الهتاف بكلمات:

يسقط وليم والنقراشي " وقول لسعد على ظلم الحكومة يا عثمان "

رأي العديد من الأشخاص أنه ليس من الواجب الهتاف بمثل هذه الأشياء في حضور رئيس الوزراء فتوقف الجمهور عن شتم " النقراشي " فترة من الوقت وعند هذا الوقت مرت الجنازة بالسفارة البريطانية فاستأذن " اللورد كيلرن" من " النحاس ، والنقراشي " وممثل الملك وعاد إلى السفارة .

واستمرت الجنازة في طريقها وعادت الشتائم تدريجا ضد " النقراشي "وبدا الأخير متضايقا يريد الانصراف من الجنازة .

وفي ميدان الإسماعيلية إستأذن ( ممثل الملك) من " النحاس " فانصرف " النقراشي " معه .

تضاعفت الشتائم ضد " النقراشي " بتوجيه من طلبة الأزهر الوفديين الذين طردوا أخيرا من الجامعة وكانوا يحملون العصي خلال الجنازة .

5- الواقع أن جنازة " أمين عثمان " استغلت كمظاهرة وفدية .

وأغلبية الوفد لم تحزن على " أمين عثمان " لأنه فقد شعبيته في الفترة الأخيرة بسبب تطلعاته السياسية والحقيقة أن الجنازة اتخذت طابعا مواليا لبريطانيا خصوص وأن " فؤاد سراج الدين " أعطي تعليمات مسبقة لعناصر الوفد بعدم الهتاف بأى كلمة معادية للبريطانيين.

6- بعد نقل النعش من المسجد إلى المقابر توجه حشد من المتظاهرين – حوالي أربعة آلاف إلى ميدان عابدين واستمروا في الهتاف :نريد " النحاس باشا " زعيما للأمة"وتشاء المصادفة أن يكون " عبد العزيز الشافعي " المهندس السابق بوزارة المواصلات في منطقة الحادث فيبلغ رجال الشرطة أنه لاحظ وجود شخص يعرفه قرب دار " رابطة النهضة " قبل إطلاق النار .. وأنه شاهد هذا الشخص في ذلك المكان عدة مرات من قبل وأنه يعرفه وهو " حسين توفيق حمد"

ويكتشف بعد ذلك ، أن بين " عبد العزيز الشافعي ، وتوفيق أحمد " وكيل وزارة المواصلات – والد " حسين " خلافات قديمة وضغائن لا أول لها ولا آخر .

ويقبض على " حسين توفيق " وشقيقه " سعيد"

ويصف " اللورد كيلرن" فجيعة بريطانيا لمصرع " أمين عثمان "

إنه يذكر بالتفصيل – دور " أمين عثمان بالكامل بالنسبة لبريطانيا وخدماته لها وفي هذه البرقية أكد السفير أن " أمين عثمان " لم يكن رسول الوفد فحسب إلى السفارة البريطانية بل كان وسيطا ورسول معظم الأحزاب إلى هذه السفارة وذلك قبل عام 1942 ثم تفرغ بعد ذلك ليكون وسيط الوفد وحده.

كان مصرع " أمين عثمان " فرصة انطلاق لأحقاد كثيرة ..

" اللورد كيلرن" بعث إلى حكومته بعد 4 أيام فقط من الحادث بتقرير هام عن نتائج اغتيال " أمين عثمان " قال التقرير يوم 12 يناير :

".... خلق الاغتيال السياسي قلقا عاما ..

... الوفد اتخذ من جنازة " أمين عثمان " مناسبة للقيام بمظاهرة سياسية تخللتها صيحات بالغة العداء " للنقراشي ومكرم".

وأعتقد – عموما – أن " أمين عمان " اغتيل أساس بسبب موقفه الموالي لبريطانيا وجزيئا بسبب ارتباطه البارز " بالنحاس " وبالوفد"

والحملات الصحفية العنيفة ضد " النحاس " والوفد في الصحف الموالية للسراي " ولمكرم " تعد - أيضا – مسئولة عن خلق جو ، حرض على الاغتيال .

باختصار .. القصر وجدها فرصة ليحمل على " النحاس " أمين عثمان ، وبالتالي على بريطانيا . ولأحزاب التي تتألف منها الحكومة – اتخذت نفس الخط السياسي ... أى الحملة على بريطانيا والوفد .

وقد اتفقت مصالح الحكومة والقصر حول هدف واحد ووجدها الوفد فرصة ليحمل على الحكومة والقصر "وتتابع السفارة التحقيقات الجنائية والسفير يقول لحكومته بعد القبض على " حسين توفيق "... " اعتقل البوليس شابا اتهم بالقتل ، وبعد أن أنكر التهمة في البداية اعترف أخيرا لا بأنه قاتل " أمين عثمان " فحسب بل بالاشتراك أيضا في إلقاء القنابل على " النحاس باشا " وفي حوادث قتل ، وشروع في قتل جنود بريطانيين في المعادي ومصر الجديدة والجزيرة خلال العامين الماضيين.

وقد أجريت بعض الاعتقالات جديدة فيما يتعلق بوفاة " أمين عثمان باشا " أهمها اعتقال " عزيز المصري باشا " الذي اكتشف في منزله – تبعا لما ذكرته الصحف عدد من الوثائق المثيرة للاهتمام أدت إلى مزيد من الاعتقالات "

ويسأل المحقق " الفريق عزيز المصري " الرئيس السابق لهيئة أركان حرب الجيش المصري الذي حقق معه في هذه القضية .

هل لك رأي خاص في السياسة الداخلية لمصر .

أجاب الفريق :

رأيي الخاص يقضي باستقلال مصر .. إذ لا يمكنها أن تكون عضوا حرا في الشرق الأوسط وهي في حالفة تشبه القاصر .

وتستمر التحقيقات في قضية " أمين عثمان "ويتوالي القبض على 24 متهما آخرين .

ويعتقل " أنور السادات " بعد 6 أيام من الحادث.. كما يعتقل أيضا الضابط السابق " حسن عزت"وفي اليوم التالي مباشرة ، يبعث السفير البريطاني بأول إشارة لبريطانيا عن اعتقال " أنور السادات.

"فقالت برقية السفير يوم 16 يناير :

" أوردت التقارير أن ضابطين مصريين – كانا قد فصلا من الجيش والطيران المصري بسبب اتصالهما بالألمان عام 1943 ألقي القبض أيضا"ويفسر " أنور السادات " في مذكراته السر في انهيار " حسين توفيق " واعترافه السريع قال " أنور السادات "

" قام بهذا الحادث تشكيل فدائي خارج الجيش وكان محققا ألا يبوح القاتل إذا قبض عليه بأي شكل ، أو بأى اسم من أسماء إخوانه وكان " حسين توفيق " هو الذي تقدم في اللحظة الأخيرة وأصر على ن يوكل إليه أمر التنفيذ .

وعندما قبض عليه .. ظل مصرا على عدم الاعتراف حتى استطاع " كامل القاويش " أن يلعب بأعصابه بقصة مختلفة ، إن دلت على شئ ، فعلي ذكاء " القاويش " وإدراكه الصحيح لنفسيات من يقوم بالتحقيق معهم.

فقد أدرك " القاويش " أن " حسين توفيق " قام بهذا العمل كعمل من أعمال البطولة يذكره التاريخ فأراد أن يطعنه في حلمه العزيز طعنة دامية ، تجعله ينسي عهده للجماعة ، ويبوح بكل شئ .

ذهب " القاويش " إلى احدي الصحف الكبيرة وأملي عليها خبرا مؤيده أن التحقيق أسفر عن وقوع الحادث لأسباب نسائية .

وجعل في الخبر تلميحا إلى قيام صلة بين " أمين عثمان " وبين سيدة عزيزة جد على القاتل " حسين توفيق "وفي الصباح دعا " القاويش " القاتل إلى مكتبه وأطلعه على هذا الخبر .

وجن جنون " حسين توفيق " لقد قتل " أمين عثمان " وفي يقينه ، أنه يعمل عملا من أعمال البطولة الوطنية ، فكيف يمكن أن تذهب كل هذه البطولة هباء وأن تلوث أيضا سمعة أسرته وسمعة اعز النساء إليه .

وانفجر يعترف .. يعترف بالجماعة التي دبرت هاذ الحادث ، وأسماء أعضائها وأهدافهم . ومكان اجتماعاتهم وتفاصيل ما يملكون من أسلحة واعترف بكل شئ .

وكنت بين من شملتهم اعترافات " حسين توفيق " فألقي القبض علىّ وشاركته السجن واحدا وثلاثين شهرا حتى برأني القضاء "ولكن " كامل القاويش" نفي أنه لجأ إلى أى حيلة ، أو ضغط لإرغام " حسين توفيق " على الاعتراف .

لم تفقد السفارة البريطانية اهتمامها بقضية " أمين عثمان " أبدا ظلت السفارة تبرق إلى لندن بتفصيلات ما يجري داخل قاعة المحكمة خلال الـ 83 جلسة التي استغرقها نظر القضية حتى صدر الحكم بعد 30 شهرا من اغتيال " أمين عثمان "

وأصبحت المحاكمة قضية سياسية من الدرجة الأولي ..وقالت السفارة البريطانية إنه لا مثيل لهذه القضية منذ محاكمات " نورمبرج" التي جرت في ألمانيا بواسطة قضاة من دول الحلفاء حاكموا النازيين عن جرائم الحرب.

تغير سفراء في مصر ، ولكن اهتمامهم بهذه القضية لم يتغير أو يتضاءل قط أشار السفير البريطاني " السير رونالد كامبل " في برقيته إلى لندن بتاريخ 15 فبراير عام 1947 إلى إنه كان متوقعا منذ زمن طويل ألا يعدم " حسين توفيق " بسبب حماية القصر الملكي له وشهد في هذه القضية كل رؤساء الوزارات السابقين .

وارتفع صوت من داخل قفص الاتهام في الجيش المصري أصبح بعد ذلك رئيسا لجمهورية مصر وهو " أنور السادات "وأجلت القضية عدة مرات ، حتى نظرت في يوم 4 فبراير عام 1948 فننتهز الجميع الفرصة المحكمة والمحامون والمتهمون لإدانة حادث 4 فبراير الذي شهد حصار قصر عابدين بواسطة القوات البريطانية وإنذار " كيلرن الشهير ... " لفاروق "

ونظرت القضية بعد قيام حرب فلسطين ولكن السفير البريطاني هتم بالحرب واهتم أيضا بقضية " أمين عثمان " يكتب عنها تقاريره وأدانت المرافعات بالخيانة كل من تعاون مع بريطانيا وقالت السفارة إن الجميع ألقوا بقعا سوداء ضخمة على ذكري " أمين عثمان "..وأصبحت القضية، بداية لانتشار الاغتيالات السياسية .

وفي تقارير السفارة البريطانية " إن الإرهاب أصبح عاملا بارزا في الحياة السياسية المصرية وإن قوي الفوضي تستعد لجوله حاسمة ، ضد بريطانيا إذا لم تستجب لمطالب "وقالت هذه التقارير إن الوفد – طبقا لسياسته وهو في المعارضة – " وأخذ يذكي روح العنف بدعايته ضد بريطانيا وحكومة مصر "

وقالت السفارة إن تجارة السلاح نشطت في مصر " ومعظم الأسلحة جاءت من الصحراء الغربية من مخلفات الحرب العالمية ولم تستطيع سلطات الأمن موقف عمليات التهريب ، خاصة وأن الأسلحة المهربة حديثه في حين أن أسلحة قوات الأمن المصرية قديمة لا تستطيع أن تفرض احترام القانون على الفلاحين وامتلاك السلاح على نطاق واسع ، يعتبر عاملا خطيرا في العلاقات المصرية – البريطانية خاصة إذا قامت اضطرابات شاملة ضد بريطانيا وهذا يجعل الموقف أخطرا مما كان عليه في ثورة عام 1919 عندما كان الثوار غير مسلحين .

وساعد على ذلك كله ، إلغاء الأحكام العرفية .

اعترضت السفارة على تأجيل القضية ، وعلى السماح للمتهمين بأداء الامتحانات قبل الفصل في الدعوي .. وحتى على احتسائهم ( الكوكاكولا) في أثناء الاستراحة داخل المحكمة . وبعث السفير البريطاني " السير رونالد كامبل" " يوم أول يوليو 1946 برسالة – لم تنشر في هذا المعني إلى رئيس وزراء مصر .. " إسماعيل صدقي ".. الذي تولي الحكم بعد " النقراشي " رد " صدقي باشا " يوم 19 يوليو برسالة لم تنشر أيضا ..

قال :" حضرة صاحب السعادة السفير البريطاني .

لم يسبب خطاب سعادتكم المؤرخ أول يوليو ، أى نوع من المفاجأة فسعادتكم تعيبون على الطريقة التي تسير بها الإجراءات القضائية ضد الأشخاص المتهمين في قضية مقتل " أمين عثمان باشا " وفي جرائم أخري .

وتعتقدون ن الأسلوب المستخدم حتى الآن يعطي انطباعا بأن الجرائم المنسوبة للمتهمين ينظر إليها في أوساط معينة على أنها ليست سوي عمل يطولي قام به شبان أو طلبة متحمسون أو أنه دليل على الوطنية المحمودة.

واسمحوا لي يا صاحب السعادة أن أقول إن مثل هذا الانطباع إن أمكن وجوده حقيقة ، فلن يكون له سند إطلاقا ، وربما تكشف الصورة الفوتوغرافية ، التي ظهر فيها المتهمون ، وهم يتناولون المرطبات عن شئ من هذا الانطباع .

كان المتهمون في ذلك اليوم ماثلين أما قاضي لإحالة ، وكان تناولهم للمرطبات في أثناء توقف الجلسة وبإمكانهم أن يفعلوا ذلك.

ولكن مثل هذا الأمر ، لا يمكن أن يحدث بالطبع في أثناء اعتقالهم في السجن ومن ناحية أخري طلب المتهمون السماح لهم بالخروج من السجن ، لأداء امتحاناتهم وقد رفض هذا الطلب بشكل قاطع .

وبالنسبة لإطلاق قاضي الإحالة ، سراح متهمين معينين بصفة مؤقتة فأحب أن أوجه النظر هنا إلى أن هذا الإجراء لا يعني إطلاقا أن الأدلة القائمة ضدهم غير كافية .

وإن ذلك يرجع إلى اعتبارات خاصة متروكة لتقدير المحكمة ، كما هو الحال في كل الإجراءات التي بناء عليها ، اتخذ القاضي هذا القرار .

وأود عن اقتناع ، أن ينجح ما سبق أن ذكرته في أن يجعل سعادتكم تقتنعون بأنه لا مجال للمخاوف إزاء هذا الموضوع وانتهز هذه المناسبة لأؤكد لسعادتكم فائق احترامي "ولم يعجب هذا الرد المسئولين في السفارة البريطانية ..عرضوا على السفير تقديم احتاج شفهي أو مكتوب إلى " صدقي باشا "

ولكن السفير رفض . ففي ذلك الوقت كانت تجري مفاوضات بين مصر وبريطانيا وخشي السفير أن يعرف الاحتجاج ويستغله الوفد فيسوء مناخ المفاوضات .

وكتبت السفارة إلى لندن يوم 8 أكتوبر تقول :

" اتضح أن " صدقي باشا " لم يستطيع أن يقدر وجهة نظرنا لقد راعينا ن نظر له استياءنا من استمرار عجز السلطات المصرية عن تقديم مدبري سلسلة الاعتداءات على الجنود البريطانيين إلى ساحة العدالة .

وغرض في النهاية اقتراح بتقديم احتجاج آخر شفهي و مكتوب ولكن السفير رأي إزاء التطورات المتلاحقة في الموقف السياسي وأن يأخذ " صدقي باشا " فرصة خري لإظهار ما إذا كن يزمع معالجة مثل هذه الأمور مستقبلا بحزم أم لا "وفي 10 أبريل عام 1948 ترافع " أنور حبيب " وكيل النيابة في القضية فهاجم السياسة البريطانية وأشار إلى حادث 4 فبراير عام 1942 وشبه بريطانيا بالثعبان الذي يفرق .. ليسود وكان مقررا أن يجتمع السفير البريطاني في الصباح التالي مع " أحمد خشبة" وزير خارجية مصر لأمور خري .

ولكن السفير اهتم – أولا – بقضية أمين عثمان كما تقول برقيته رقم 195 المؤرخة في 15 أبريل عام 1948.

قال السير " رونالد كمبل " .. في هذه البرقية :" انتهزت الفرصة لأبلغ سعادته بمشاعر الاشمئزاز التي انتابتني، لدي سماع بيان وكيل النائب العام في محاكمة المتهمين في جرائم السياسة .

وقرأت له بعض العبارات التي استخدمه " أنور حبيب "وأبلغته بإشارة هذا الأخير يوم 4 فبراير .

قلت إن الملاحظات بوجه عام ترقي إلى مستوي دعوة المحكمة لتبرئة ساحة المتهمين وهو ما يبدو لى إجراءا غريبا من جانب الادعاء .

وهناك ملاحظات بعينها كانت بمثابة تحريض مباشر على قتل البريطانيين وهو يعرف من أحداث الماضي ومن اغتيال " الخازندار بك " مؤخرا ، إلى أين تؤدي مثل هذه الأشياء وفضلا عن ذلك كنت هتم بهذه المحاكمة بوجه خاص ، كممثل بريطاني لأن أولئك المتهمين باغتيال " أمين عثمان باشا " كانوا ممن تحيط بهم الشكوك ، أيضا بشأن العديد من الهجمات الإجرامية بالأسلحة النارية ، والقنابل اليدوية على الرعايا البريطانيين هنا وفي الإسكندرية .

ولم يبد على " خشية باشا " أنه يدرك ذلك .

قاطعني مصححا بقوله :

- ليست الهجمات على الرعايا البريطانيين بل على أشخاص مثلي ممن يرغبون في البقاء كأصدقاء لبريطانيا العظمي ، وممن سيظلون كذلك على الأرجح.

- قلت إن المحاكمات انحدرت لنمضي بصورة تصدم الرأي العام البريطاني .

- أعرب " خشية باشا " عن أسفه الشديد وعن عدم موافقته على بيان " أنور حبيب " وأعرب عن عدم موافقته بوجه عام على الانعطافة السياسية التي أخذتها المحاكمة ، في مرحلة مبكرة منها عندما تم استدعاء " النحاس باشا " وغيره كشهود .

- وقال إن هذه طريقة سيئة لإدارة شئون العدالة .

ووافق على أن خطاب " أنور حبيب " يستحق التوبيخ بوجه خاص ، لأنه صادر عن ممثل الحكومة ، ووعد بأن يتولي هذا الأمر "

في الصباح التالي ، حضر " محمود منصور" النائب العام جلسة المحاكمة لأول مرة وقف النائب العمومي ليعترض على بيان " أنور حبيب " وأعلن أن ما قاله وكيل النيابة يتعارض مع طلب النيابة إعدام المتهمين .

وأعلن النائب العام سحب ما قاله أنور حبيب – عن 4 فبراير – من محضر الجلسة .. هتف أحد المتهمين في القفص - " اليوزباشي أنور السادات " وقال :

- أفضل أن أشنق ألف مرة ، على أن أري النائب العام يتراجع ويقف هذا الموقف غير الشريف .

- وهاج المتهمون ومحاموهم .. وطالب " مكرم عبيد " بحذف ما قاله النائب العام من محضر الجلسة ..

- وأدي ذلك إلى رفع الجلسة للاستراحة فلما أعيدت أعلن رئيس المحكمة أنها لم تتأثر بما قبل ولم تعرف مصر قط وأن النائب العام كان مكرها على الحضور ، بقرار من الحكومة المصرية رغبة في نجاح المفاوضات .

والتقي السير " رونالد كامبل " مع " خشبة باشا " مرة أخري يوم 15 أبريل فقال له كنت سعيدا لما قرته عن ملاحظات النائب العام في المحكمة .

أصدرت محكمة الجنايات يوم 24 عام 1948 أحكامها في هذه القضية كانت المحكمة برئاسة " عبد اللطيف محمد بك" وعضوية " إبراهيم خليل بك ، وصادق حمدي بك "

قضت المحكمة على المتهم الرئيسي " حسين توفيق " بعشر سنوات سجن مع الأشغال الشاقة وحكمت المحكمة بخمس سنوات على " محمود يحي " طالب الهندسة – 21 سنة – والذي وجهت إليه تسع تهم بما في ذلك الاشتراك في مقتل " أمين عثمان باشا " ومحاولة الاعتداء على حياة النحاس باشا "

وحكم على " محمود أحمد الجوهري " الطالب بالثانوي المتهم بالاشتراك في مقتل " أمين عثمان " ومحاولة الاعتداء على حياة " النحاس " وبخمس تهم أخري بالسجن خمس سنوات مثله في ذلك الوقت مثل متهمين آخرين

وأم الخمسة الآخرون ، ومنهم " سعيد توفيق أحمد " شقيق المتهم الرئيسي فقد حكم عليهم بالسجن سنوات وحكم على منهم واحد بالسجن سنة واحدة وعلى آخر بالسجن شهرا واحدا في حين حصل أحد عشر متهما على البراءة.. كان من بينهم " أنور السادات "

وحكمت المحكمة بدفع تعويض ، خمسة آلاف جنيه لأرملة " أمين عثمان " وخمسة آلاف أخري لكريمته على أن يدفع المتهمون وعلى رأسهم " حسين توفيق " هذه المبالغ متضامنين .

وقضت المحكمة بأن يدفع " أحمد وسيم خالد" ومصطفي كامل حبيشة " تعويضا قدره 500 جنيه غلى " ممدوح الشلقاني بعد أن حاولا الاعتداء على حياته في طريق الهرم .

بعد صدور الحكم كتب " جيفرسون بانزسون " القائم بالعمال الأمريكي إلى حكومته يقول إن الجميع يعرفون أين يوجد :" حسين توفيق ولكن لا أحد يريد مواجهة الملك .

واحتجت السفارة البريطانية على الأحكام التي صدرت في القضية ..

قصد وزير خارجية مصر " أحمد خشية باشا " إلى السفير البريطاني يزوره مودعا ، بمناسبة سفر الوزير إلى الخارج .

أبدي السفير " السفير " السير رونالد كامبل" أسفه من الأحكام وقال :

- كيف تكون الأحكام لينة ومخففة ولماذا يبقي السلاح في يد هؤلاء وسط شعب تعس ماذا أقول لوزير خارجيتي عن حالة الأمن هنا .

- رد الوزير قائلا :

- ابعث إليه برسالة مطمئنة لقد اتخذنا كل الإجراءات لحفظ الأمن ومنع تكرار الحوادث .

أخذت السفارة ووزارة الخارجية البريطانية تبحثان فيما إذا كان من حق بريطانيا أن تطلب التعويض من مصر التي لم تستطع القيام بواجبها الدولي ومعاقبة المسئولين عن الجرائم التي ارتكبت ضد الرعايا البريطانيين ذلك لأنه كان بين الاتهامات التي وجهت للمتهمين في قضية " أمين عثمان " الاشتراك في جرائم ضد الجنود البريطانيين.

ولكن عدل عن هذا الرأي .. وقالت التقارير السرية للسفير البريطاني :

" إن بريطانيا لا تستطيع أن تفعل شيئا ولا يمكنها أن تتدخل حتى لو أرادت ذلك. إلا بالاحتجاجات السياسية ولا يوجد ما يدعو لها"

وبعد صدور الأحكام حاولت السفارة البريطانية السعي إلى أن تقدم النيابة طعنا بالنقض في الحكم خلال فترة الـ 18 يوما التي حددها القانون للطعن .

ويظهر ذلك من هذه البرقية التي بعثت بها السفارة إلى لندن يوم 10 أغسطس 1948 " خلال حديث جري مع " محمود بك منصور " النائب العام انتهز – ماك دوجال - المستشار القانوني للسفارة – الفرصة وسأله عن النتائج المحتملة لأي طعن يقدم ضد الأحكام التي صدرت على متهمين معينين في قضية أمين عثمان باشا "

أوضح " محمود بك منصور " أن الأساس الوحيد للطعن حتى الآن هو ما يقال عن المخالفات الإجرائية في الحكم الذي أصدرته المحكمة لأن وكيل النيابة خرج عن مقتضيات منصبه بتقديم الأدلة في مرحلة مبكرة من الإجراءات .

وأدي هذا إلى تعيين وكيل جديد للنيابة في منتصف المحاكمة وبهذا كون المحامي " أنور حبيب " قد أدخل بالادعاء .

وقد تصادف أن هذا هو نفس الرجل الذي انفجر ضد البريطانيين في 10 أبريل وهو الأمر الذي تنصل منه في اليوم التالي " محمود بك منصور " نفسه .

وردا على سؤال " الماك دوجال " أعلن النائب العام أن محكمة النقض لا يمكن أن تشدد الأحكام وبهذا لا يشكل النقض بالنسبة لنا ، إلا اهتماما ضئيلا جدا وكل ما يمكن أن يؤدي إليه النقض هو إجراء محاكمة جديدة لواحد و أكثر من المتهمين .

ويقول " محمود بك منصور " " إن الأمل في هذا بعيد جدا" ولقد تنب " كيلرن" منذ البداية بالخسارة الضخمة التي لحقت ببريطانيا والوفد نتيجة اغتيال " أمين عثمان "بعد إقالة " النحاس " من الحكم في أكتوبر 1944 قال " كيلرن"" عاد " أمين عثمان " ليلعب دور المخفف من غلواء الوفد وهو في المعارضة " وقال كيلرن"" بوفاة " أمين عثمان " يختفي الرجل الوحيد الذي كان بوسعه دائما التأثير على " النحاس " في اتجاه الاعتدال نحو بريطانيا العظمي "

وبالفعل ...

بوفاة " أمين عثمان " فقد الوفد رسوله إلى السفارة وفقد الإنجليز جلا مهتمه دفع " النحاس " غلى الاعتدال .

وتكون النتيجة أن يبقي الوفد 4 سنوات كاملة بعيدا عن الحكم لأن بريطانيا تخلت عنه والملك " فاروق " لم يكن – في يوم من الأيام – راغبا في عودة الوفد .

وعلى أية حال فإن اغتيال " أمين عثمان في بداية عام 1946 كان الزلزال الذي فجر الإعصار السياسي في مصر .. لقد أطلق مظاهرات الطلبة وهز الثقة بقدرة " النقراشي " على حفظ الأمن .. وبالتالي أطاح بفكرة المفاوضات بين " النقراشي وبيفن" المد الشيوعي .. يزحف بدأ البوليس المصري حملة ضخمة لتفتيش بيوت الشيوعيون المصريين بحثا عن قنابل ومتفجرات وشركاء في قضية اغتيال " أمين عثمان "ولم يكن للشيوعيين دور في هذه القضية بل إن بعض الشيوعيين انضموا إلى الوفد في تك الفترة و ضد " النقراشي وضد بريطانيا "

وكان السبب في اتجاه البوليس نحو الشيوعيين هو انتشار الحركة الشيوعية في تلك الفترة فقد أصيبت منطقة ( شبرا الخيمة) الصناعية بإضراب شل الإنتاج في كل المصانع وتعطل 7000 عامل وعجزت الحكومة عن الوصول إلى اتفاق مع المضربين للعودة إلى العمل واعتقلت الحكومة زعماء العمال واتهمتهم بالنشاط الشيوعي والتخريبي .

وقبض – قبل أسبوعين من اغتيال " أمين عثمان " على 17 شيوعيا منهم صحفي و8 من ضباط الاحتياط واتهمت مجلة " الضمير " الشيوعية بتحريض العمال على الإضراب .

وكانت " الضمير " تترجم مقالات صحيفة " الديلي وركر " الناطقة باسم الحزب الشيوعي البريطاني وكذلك الصحف الشيوعية الفرنسية .

ويعترف مؤرخ النشاط الشيوعي في مصر الدكتور " رفعت السعيد " في كتابيه ( الصحافة اليسارية في عام 1925 – 1948 ) و( تاريخ المنظمات اليسارية في مصر 1940 – 1950 ) بأن مجلة " الضمير " كانت تعبر عن لجنة العمال للتحرير القومي الهيئة السياسية للطبقة العاملة" ويقول :" إن هذه المجلة منبر تأسيس بإشراف مباشر من حلقة ماركسية تستهدف استقطاب أعداد من المثقفين والعمال المصريين لتأسيس تنظيم شيوعي "

ولم تكن الضمير – التي صدرت 26 سبتمبر 1945 هي المجلة الشيوعية الوحيدة في مصر في تلك الفترة .

سبقتها إلى الصدور مجلة " الفجر الجديد في 16 مايو عام 1945 وقد فتحت هذه المجلة صفحاتها أما كتاب من مختلف المجموعات الماركسية وهي دفاع عارم عن الماركسية وتدعو لتعزيز العلاقات مع الأحزاب الشيوعية العربية وتقدم أفكارا ماركسية عن الاقتصاد السياسي ومجلة " أم درمان " – التي صدرت في 15 مارس 1945 للدعوة الشيوعية بين السودانيين في مصر والسودان .

ولكن تقارير السفارة البريطانية تقول إن عدد المجلات الشيوعية التي كانت تصدر في ذلك الوقت سبعة هي :

1- البراع : مجلة أسبوعية غامضة ، تحولت إلى مجلة موالية للشيوعيين .

2- الضمير : المجلة ذات الميول الشيوعية التي ألقي القبض على صاحبها ومحررها في إضراب عمال النسيج بشبرا الخيمة.

3- الجبهة : وقد ظهرت في البداية على صورة ملازم ويقال إن " فتحي الرملي " هو الذي يحررها .

4- البعث : جريدة موالية للشيوعيين كان يحررها " الدكتور محمد مندور " محرر صحيفة " الوفد المصري".

5- الطليعة : يقال إنها مجلة أسبوعية موالية للشيوعية ومناهضة للإمبريالية يحررها خريجو الجامعات وإنها جريدة ( جماعة البحث العلمي ) .

6- الفجر الجديد : مجلة أسبوعية تتضمن مادة شيوعية موجهة إلى الدوائر العمالية والشباب .

7- أم درمان : مجلة أسبوعية مناهضة للإمبريالية يحررها مجموعة من الشباب السودانيين والمصريين.

وإذا كانت هذه المجلات . علنية فإن التنظيمات الشيوعية السرية في تلك الفترة كانت كثيرة كما يعترف مؤرخ الحركة الشيوعية المصرية .

كان هناك تياران شيوعيان سريان .. كم يقول

الأول : الاتحاد الديمقراطي .

والثاني مجموعة الفجر الجديد ، التي تصدر المجلة التي تحمل نفس الاسم ، وقد انقسم التيار الأول إلى جماعات هي الحركة المصرية للتحرر الوطني وايسكرا أى الشرارة بالروسية – وتحرير الشعب أما المجموعة الثانية فقد تركز نشاطها في عدة اتجاهات وجماعات منها " جماعة الشباب للثقافة الشعبية " وجماعة نشر الثقافة الحدية ولجنة العمال التحرير القومي بالإضافة إلى العمل النشيط في صفوف الوفد !وهذه المجموعة هي التي كانت تصدر ( الفجر الجديد ) و( الضمير)وبرغم هذين التيارين كانت هناك تنظيمات شيوعية كثيرة منها :

" الفن والحرية "

و" نحن أنفسنا"

و" الأخبار والحرية "

و" الجبهة الاشتراكية"

و" اتحاد أنصار السلام"

و" جماعة البحوث "

و" المركز الثقافي الاجتماعي "

و" ثقافة وفراغ "

و" لجنة نشر الثقافة الحديثة"

و " دار الأبحاث العلمية "

وفي كتابة " قصتي مع الشيوعية يقول :" اللواء حسن المصيلحي " رئيس قسم مكافحة الشيوعية ( كانت هناك عدة تنظيمات شيوعية وهي:" منظمة تحرير الشعب " و" عصبة الشيوعيين"، " وجبهة التحرير التقدمية" ، " وجبهة الأحرار الديمقراطية " ،" طليعة العمال " ، " والمنظمة المصرية " و" ونواة الحزب الشيوعي المصري " ، " والنجم الأحمر " ، " إيسكرا " ، و" الحركة المصرية للتحرر الوطني "

ولم يعرف على وجه التحديد عدد المنتسبين إلى هذه الجماعات ولكن ذلاك يلقي الضوء على أية كانت هناك حركة شيوعية نشطة في مصر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .

وكانت السفارة البريطانية تري أن الحركة الشيوعية المصرية توجه وتدعم من المنظمات الشيوعية في بيروت حتى لا يلتزم الروس بشئ أمام المصريين.

ولقد رأينا في محضر اجتماع مجلس الوزراء البريطاني يوم أول يناير 1946 كيف التزم السوفيت بتأييد بقاء الاحتلال البريطاني لمصر !!

وبرغم هذا الاتفاق البريطاني الروسي فإن السفارتين البريطانية والأمريكية تابعتا باهتمام ، بدء ونمو الحركة الشيوعية في مصر .

وقد تركزت عملية المتابعة في مصر .

الأول : بعد قيام ثورة عام 1919 فقد حاول الإنجليز والأمريكيون أن يجدوا رابطة بين الثورة المصرية وبين ثورة البلاشفة التي قامت قبل ذلك بعامين .

الثاني : عم 1943 بعد قيام التمثيل الدبلوماسي بين القاهرة وموسكو وفي الوثائق البريطانية السرية في مايو عام 1919 نجد التقرير التالي من المخابرات البريطانية عن ( الوضع في مصر ) قال التقرير:

" تسلل عملاء البلشفيك ( الشيوعيين ) إلى مصر وهم يتكلمون الروسية والفرنسية والإيطالية وهم يفعلون ما في وسعهم لإحداث الفوضي وقد ينجحون إذ قصروا أنفسهم على الأهداف الوطنية المصرية ومن الصعب القول أنهم ، إذا تمدوا سينجحون في بلشفية الشعب المصري .

إن المصريين يتبعون المذهب الحنفي و بين مذاهب الإسلام والأربعة وهو يمثل تعارضا صارخا مع البلشفية ( الشيوعية ) .

وقد أصدر مفتي الحنفية – أخيرا- فتواه ضد البلشفية "وعادت دار المعتمد البريطاني تكتب من الإسكندرية في 8 سبتمبر 1919 تقريرا عن الوضع السياسي العام في المدينة .

" هناك دلائل لا حصر لها . بأن الاشتراكيين والمتطرفين يبذلون جهودا في مصر لنشر مذاهب البلشفية ( الشيوعية ) بين طبقات المجتمع .

وكانت فتوى شيخ الإسلام ضد الشيوعية التي أصدرها مؤخرا موضع هجوم مرير في تلك الأوساط وتبذل محاولات لتصوير شيخ الإسلام وكأنه يعمل بوحي من البريطانيين وهذا الاتجاه نحو البلشفية بين المصريين تم بتحريض من السكان الإيطاليين ذوي الآراء البلشفية والاشتراكية المتطرفة .

وهناك ما ينبئ بوجود دعاية منظمة في الصحافة وغيرها لإيجاد رابطة وثيقة بين أهداف المتطرفين المصريين والاشتراكيين الإيطاليين .

وظهر مقال طويل يوم 29 أغسطس في جريدة " وادي النيل " باللغة العربية يؤكد الصداقة الفريدة والتعاطف بين شعبي البلدين .. مصر وايطاليا "

وفي 11 سبتمبر سنة 1919 بعث شيهتام – القائم بالأعمال – تقريرا آخر إلى " اللورد كيرزون " وزير الخرجية – حول الوضع السياسي العام يقول فيه :

" اشتركت كل الصحف المحلية في مناقشة عامة حول البلشفية والمشكوك فيه أن البلشفية ستدخل مصر لأن أغلبية المصريين حئرزن لملكيات بشكل أو بآخر .

ويبذل المتآمرون البلشفيك جهودا كبيرة لإقناع الجماهير المسلمة بأن البلشفية لا تتعارض أبدأ مع مبادئ الدين الإسلامي ..أما الآن فقد نبه على رؤساء تحرير الصحف اليومية ، بضرورة إيقاف مناقشة البلشفية أو الترويج لها في مقالتهم ".

ويستنجد المندوب السامي البريطاني بلندن .. ويكتب وزير الخارجية البريطانية إلى المخابرات البريطانية في أكتوبر 1919 يقول :

" طلب المندوب السامي البريطاني في مصر إرسال خبير في الشئون البلشفية إلى مصر وإني أتفق معه في الرأي ، بأن يعمل الضابط الذي يختار لهذا العمل في وظيفة مدنية .

ومن سوء الحظ أنه ليس بوسعه أن يضع يده على شخص مناسب لهذه المهمة في الوقت الحالي إذ يتعين علين أن نعثر على شخص لهذا العمل بأسرع وقت ممكن فهل نجحتم في بحثكم عن شخص مناسب ؟وأعتقد أن الحكومة المصرية لن تثير مشكلة في هذا الصدد "وكانت " لسعد زغلول " موقف واضحة في هذا الشأن .

قال في رسالة من باريس إلى " عبد الرحمن فهمي " رئيس لجنة الوفد في مصر " إن الوفد غري راض عن المنشورات التي تتضمن الانتصار للبلشفيك فإن هذه المنشورات يستفيد منها أعداؤنا "وقال " سعد " ردا على ما نشر – يوما في صحيفة الاجبشيان جازيت " المصرية " إني لا أجهد نفسي في أمر الكومونة أو البلشفية، وليست عندي أية فكرة من هذا الوجهة.

ويكتب " أرنست إيفز " قنصل الولايات المتحدة بالإسكندرية في 11 أبريل 1924 إلى حكومته :

" تم تنظيم الحزب الشيوعي المصري الأول في أوائل عام 1923 بعد حل الحزب الاشتراكي المصري السابق بسبب الشقاق بين أعضائه .

وكان المعتقد أن الشيوعية في مصر نشأت من فكرة المساعدة المتبادلة بين العمال ، ومن الرغبة في الاستفادة من المكاسب الطبيعية التي تتأتي من الوحدة .

ولكن ليس هناك شك الآن في أن بعض المبادئ الشيوعية المعتدلة إن لم يكن المتطرفة قليلا قد امتزجت بهذه الفكرة والرغبة .

ولقد أرسل الحزب الشيوعي المصري بعثة تضم أربعة طلاب إلى الجامعة الشيوعية في موسكو وكانت البعثة تضم شابا من كل من القاهرة والإسكندرية والزقازيق والعطف ، وتضمنت الخطابات المرسلة منهم إلى رفاقهم بالإسكندرية وصفا لأوضاعهم وللاستقبال الذي قوبلوا به وللمناهج الدراسية التي يدرسونها .

وكان الحزب يعتزم في أواخر فبراير الماضي إرسال فتاتين إلى مدرسة الفتيات في موسكو إحداهما شقيقة لطالب من الزقازيق والأخرى من سمنود ولكن الحكومة المصرية حالت دون سفرهما .

وحتى وقت قريب جدا كان وجود حزب شيوعي في مصر محل نزاع كما كان موضع نفي علني ولكن تكد وجود مثل هذا الحزب من تصريحات أقارب هؤلاء الطلاب وفي المعلومات الرسمية من فرع الشيوعي في الإسكندرية.

وإرسال الطلاب إلى روسيا السوفيتية يقتنع المرء بأن الحزب المصري عل صلة بالشيوعيين الروس في موسكو كما يبين بوضوح أن الحزب يعتزم توسيع نطاق أنشطته بل إن اللجنة أعدت طلبات التحاق خاصة يملؤها الطلاب الراغبون في الانضمام للبعثة الشيوعية المصرية في موسكو.

وثبت أن الحزب تلقي عشرين طلب التحاق من أشخاص يرغبون في الالتحاق بالمدارس الشيوعية في روسيا وتم تقديم كل هذه الطلبات قبل إعلان سفر البعثة الأولي .

ويكتب " اللورد جورج لويد" المندوب السامي إلى لندن

" وصلت تقارير في أوائل عام 1925 تفيد بأن الدولية الشيوعية في موسكو تتأهب لتركيز أنشطتها في عدد من دول شمال أفريقيا الواقعة تحت النفوذ الأوربي وبعد ذلك بوقت قصير كشفت التقارير المحلية عن تجدد واضح للنشاط الشيوعي فيمصر .

وسرعان ما اتضح أن هناك قوتين شيوعيتين تعملان في البلاد كل منهما بصورة مستقلة عن الأخرى .

الأولي: منظمة شبه سرية رئيسها الأسمى ( مواطن محلي سوري ).

الثانية: ، وربما الأكثر خطورة يتزعمها في الظاهر " الأمير أوتومسكي" والذي تتألف من حشد فضفاض من المغامرين الأوربيين ، وأساسا من الاجئيين الروس .

وعلى الرغم من استقلال عمل هاتين الجماعتين فإنهما تتبعان أساليب متشابهة . وتتضمن هذه الأساليب تقليل النغمة الشيوعية الصرفة في الدعاية واستغلال الروح الوطنية المتطرفة والقلاقل العمالية وأى عملية تميل لإرباك السلطات المصرية وتؤدي في النهاية إلى الفوضي .

ولكن نقطة الخلاف الرئيسية تتمثل في أن المنظمة الأولي أكثر اتصالا بصورة أو بآخري ( بالكومنترن في موسكو) وتتبني الجماعة الثانية أساليب أكثر سرية في الاتصال مثل نقل المراسلات باليد أو شفاهية .

ويعتقد أن هذه الجمعة تعمل بالارتباط مع – إن لم يكن تحت إشراف - " حكيموف" العميل السوفيتي في جده "ولا تقتصر عملية المتابعة على الناشط الشيوعي في مصر ، بل تمتد إلى المصريين في الخارج كتب " اللورد لويد " إلى لندن"" في سبتمبر 1925 سلم " سيف الله يسري باشا " الوزير المصري في برلين نسخا من بعض الوثائق للسفير البريطاني وقال أنها تصدر من السفارة الروسية في برلين .

ويتابع الوزير المصري عمل المحرضين وسط الطلبة المصريين في ألمانيا ( ويتراوح عددهم بين 400، 500) وقد انتهي إلى أن مصدر أفعالهم يأت من موسكو والسفارة الروسية في برلين .

وقرر " يسري باشا" أنه نجح بعد صعوبات ، في أن يجعل البوليس الألماني يطرد اثنين من المحرضين المصريين المعروفين ويأمل أن يتمكن من عمل الشئ نفسه مع أربعة أو خمسة شبان يعيشون في برلين .

وذكر الوزير المصري أسماء ستة من العملاء البلاشفة قال إنهم أبحروا إلى مصر "وتستمر التقارير البريطانية حتى 30 ديسمبر عام 1943 عندما يكتب " اللورد كيلرن" إلى لندن.

"1- قدم " نيكولاي نوفيكوف " الوزير المفوض السوفيتي الجديد في مصر أوراق اعتماده " للملك فاروق " في 25 ديسمبر 1943 وبصحبته أعضاء المفوضية .

وكان يرتدي الزي الرسمي في حين كان " السكرتيرون" الدبلوماسيون بالملابس العادية .

"2- أعرب " نوفيكوف " لدي مغادرته القصر عن اغتباطه باستقبال الملك له وقال : إنه حقا ملك عظيم .

ويدل هذا وغيره على أن الموظفين السوفيت على إدراك تام بهمية الملك بوصفه القوة الدائمة الوحيدة المعترف بها في مصر وجاءت إشارة " نوفيكوف" بمثابة محاولة متعمدة لتملق " فاروق".

"3- إن أكثر من عضو في سفارتنا تلقي إشارات عن أعضاء المفوضية السوفيتية تفيد بأنهم في حرج بسبب الزيارات التي قام بها عدد من ذوي الأفكار الشيوعية المحليين وبخاصة اليهود يعرضون فيها خدماتهم من أجل " القضية"

ومن الواضح أن المفوضية تعاني وهي تشرح لهم أن الهدف الأساسي للإتحاد السوفيتي وممثله في مصر هو دفع الحرب لإحراز نصر سريع بالتحالف مع بريطانيا العظمي وأمريكا .

ويقال إن السيد " سلطانوف " السكرتير الثاني للسفارة حين سئل عن الخط الواجب إتباعه للشيوعية أجاب زائريه بقوله :

- اقرءوا القرآن.

- ولا شك ن الموظفين السوفيت في القاهرة يخشون من عوامل القلاقل ومثير بها .

إن العنصر ( التروتسكي ) قوي بين المجموعة الصغيرة المتعاطفة مع الشيوعية هنا والتي تتكون في مجملها من يهود.

ولو أرادت المفوضية الروسية أن تكسب عطف الملك فإنها لن ترضي بالربط بينها وبين الشيوعيين المحليين الذين لا سلطة لهم وهم في معظمهم ليسوا مصريين بالمعني الوطني للكلمة "

ويكتب " السكندر كيرك" الوزير الأمريكي المفوض إلى حكومته يوم 3 يناير 1944 معلقا على تبادل التمثيل بين البلدين قائلا.

" تضم البعثة السوفيتية العديد من الأعضاء الذين تضعهم اهتماماتهم ومعرفتهم بهذه المنطقة في موقف يتيح لهم دراسة الاتجاهات السياسية الحالية في الشرق الأدنى عن قرب ويوحي ذلك ببداية اتجاهات جديدة في الأمور السياسية لهذه المنطقة .

وأشارت الصحافة بالفعل إلى أن هدف السوفيت هو تمهيد السبيل من خلال إقامة روابط سياسية قوية لتحقيق تقارب ثقافي لإزالة الفكرة التقليدية من أن الشيوعية عدو الإسلام وبالتالي اجتناب أية عقبات قد تعيق تطور التجارة بعد الحرب .

وإذا حكمنا على الأمور بما يجري من دلالات مثل الزيادة للمواد الصحفية حول ما يجري في روسيا والمعروضات العديدة للمواد الروسية في نوافذ المكتبات المحلية التي تضم صورا فوتوغرافية " لستالين " فإن القاهرة تتابع باهتمام أمور الاتحاد السوفيتي "ويتولي " النقراشي " رئاسة الوزارة وينشط خصومه ، وفي مقدمتهم الشيوعيون وتكتب السفارة البريطانية إلى لندن البرقية التالية .

" هذه ترجمة لتقرير طويل عن الشيوعية في مصر والشرق الأوسط كتبه " حسن رفعت باشا " وكيل وزارة الداخلية المصري وأعطاه سرا إلى "والترسمارت" المستشار الشرقي بالسفارة وأهم النقاط في هذا التقرير المطول كالآتي :

1- بدأ أول تطور حقيقي للشيوعية في مصر مع إقامة الدبلوماسي السوفيتي في مصر.

2- كان التقدم الحقيقي للشيوعية راجعا إلى السياسة - الديماجوجية) لحكومة الوفد في محاولتها إرضاء الطبقات المتعددة عن طريق رشوتها .

3- الدور الهام الذي لعبته مكتبة يديرها يهودي شيوعي و يسمي " هنري كورييل وهذه المكتبة تبيع كميات من أدب الدعاية الشيوعية والروسية باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية.

4- جاذبية الشيوعية لعناصر الطلبة والعمال المشمئزين من الأحزاب السياسية الحالية.

5- تسرب الشيوعية من البلدان العربية وخاصة بيروت .

6- كان تكثيف الدعاية الروسية الشيوعية الموجهة ضد بريطانيا العظمي يرجع إلى قلق روسيا من تكوين الجامعة العربية التي اعتبرتها روسيا السوفيتية جبهة موجهة ضدها .

7- أصبح الخوف من روسيا ورقة رابحة في بلدان الشرق الأوسط التي تبتسم في وجه بريطانيا العظمي لتحصل على أمانيها .

8- يحتمل أن تكون روسيا مصدر الدعاية الموجهة في مصر ضد التحالف مع بريطانيا العظمي .

9- الأنشطة الإيجابية للبعثة الروسية مقصورة على المعارض والأفلام السينمائية عدا تلك المرتبطة بالأزهر فتكون عن طريق المستر " سلطانوف " المستشار المسلم بالبعثة وكذلك المرتبطة بالكنائس الأرثوذكسية.

10- نشاط المثقفين في تشجيع الشيوعية أو الاشتراكية ، عن طريق المطبوعات والجمعيات التي تتفادى رقابة سلطات الأمن تحت الستار القافي .

11- الاستفادة من العناصر الأجنبية – الفلسطينيين واليهود والفرنسيين واليونانيين واليوغوسلاف والبولنديين والأرمن وغيرهم في الدعاية للشيوعية .

12- أدت المنافسة المتبادلة بين الأحزاب المختلفة لكسب ود الطبقات العاملة إلى مبالغة تلك الطبقات في تقدير أهميتها وقوتها .

13- توصيف للأحزاب الشيوعية العديد التي شكلت وخاصة " الحركة المصرية للتحرر الوطني " والتي توجد باسم مماثل في فلسطين ودول المضايق .

14- أساليب العمل ونظام الخلايا وما إلى ذلك .

15- هجوم " الحركة المصرية للتحرر الوطني " على القصر .

16- الفساد في عناصر معينة من ضباط الجيش والبوليس .

17- إقامة صلة بين العمال والطلبة والتي انتهت بتكوين " اللجنة الوطنية للطلبة والعمال " والوفد ممثل فيها بثقل .

18- الميل اليساري للوفد والزعم بإقامة علاقات بين الوفد والبعثة الروسية بهدف الحصول على الدعم السوفيتي الآن ، بعد أن سحبت بريطانيا العظمي تأييدها للوفد.

19- تقييم قوة الوفد والتأثير اليساري في الجامعات من ناحية وقوة الإخوان المسلمين والعناصر المعادية للوفد من ناحية أخري .

20- تكوين الحزب الشيوعي المصري بهدف تصفية الخلافات بين ( التروتسكين والستالينيين) . 21- دلائل على أن البعثة الروسية تلقي بثقلها لإفشال مفاوضات المعاهدة الإنجليزية المصرية .

22- الإشارة إلى أن النظام اليهودي للمستعمرات الجماعية في فلسطين يمكن تقليده بنجاح في مصر بهدف إضعاف الدعاية الشيوعية بين الجماهير .

23- إن " حسن رفعت باشا " مثل الذي يحتفظ بنحلة في قبعته بشان الشيوعية فهو يراها في كل مكان حيثما توجد وحثيما لا توجد .

وليس هناك شك في وجود دعاية شيوعية في مصر وهو موجهة في الوقت الحالي إلى إثارة القومية المعادية للبريطانيين أكثر من تبشيرها بالعقائد الخالصة للشيوعية ولقد نقلت لكم بالفعل ، ذلك الميل اليساري للوفد أما الزعم بأن الوفد أقام علاقات بالروس فيجب النظر إليه بشئ من التحفظ .

ومع ذلك فما يقال . عموما هو أن " النحاس باشا " أصبح يتأثر الآن بشكل كبير " بالدكتور محمد مندور " رئيس تحرير " الوفد المصري " وهو رجل متطرف أو على الأقل اشتراكي النزعة .

ويمكن أن نتوقع بعد جلاء البريطانيين أن يتخذ الصراع الداخلي شكل شبه اشتراكية معادية للأغنياء وللقصر يمكن أن ينتهي الوفد بها إلى قبول الدعم الروسي وتستعين السفارة بالأساتذة الإنجليز الذين يعملون في الجامعات المصرية ويكتب " رونالد كامبل" السفير البريطاني إلى لندن قائلا :

" 1- أيد الأساتذة الإنجليز الذين يعملون في الجامعات المعلومات التي وصلتنا حول نمو الشيوعية بين الطلاب .

ويبدو أن الكليات المتأثرة بالشيوعية أكثر من غيرها – هي : كليات الحقوق . والطب والعلوم حيث تؤدي المناهج العادية للدراسة إلى مناقشة الظروف الاجتماعية والمنظمات التي تعتبر مسئولة أساسا عن تشجيع انتشار الشيوعية بين الطلبة هي :

(أ‌) جماعة أم درمان : ويديرها " هنري كورييل" الذي يعمل بنشاط بين العناصر السودانية من السكان .

ويقال إن هذه الجماعة مسئولة عن المنشورات ذات الطابع التخريبي ولهذه الجماعة صلة وثيقة بلجنة التحرير القومي وبعدد من أعضاء جماعة البحث العلمي ولجنة خريجي الجامعة .

ويتولي الاتصال بالسودان أساسا " أحمد يوسف هاشم " محرر جريدة " النيل " السودانية " وإسماعيل الأزهري " الزعيم السوداني المعروف . الذي يطالب بالوحدة بين مصر والسودان .

(ب‌) نادي خريجي الجامعة يضم هذا النادي جمعية سرية للشيوعيين وهو متحالف مع جماعة البحث العلمي .

تم أخيرا انتخاب لجنة جديدة معظم أعضائها من المعروفين بنشاطهم وميولهم الشيوعية ويقال إن النادي تموله المصالح اليسارية التي جمعت عشرين ألف جنيه لتنظيمه .

(جـ) جماعة البحث العلمي : وهذه الجماعة مرتبطة بأنشطة نادي خريجي الجامعة بصورة وثيقة حتى أنه لا يمكن التمييز بينها .

ويحضر الاجتماعات والمحاضرات الطلبة وأعضاء الطوائف المهنية والموظفون الحكوميون وليس من الضروري أن يكونوا جميعا شيوعيين .

ويقوم بإدارة الجماعة أشخاص معروفون بميولهم الشيوعية ويستخدمونها كوسيلة للدعاية لمعتقداتهم .

(د) جماعة الخبز والقلم : جماعة شيوعية تتكون أساسا من الطلبة الأزهريين والجماعة رئيسها هو " محمد زكي عبد القادر " الذي يقال إنه على اتصال بأحد أعضاء المفوضية الروسية .

اللجنة الثقافية الحديثة : هذا النادي له نفوذ كبير على العناصر الطلابية وبرغم أن نشاط الجماعة مشكوك فيه بدرجة كبيرة فإن الأفراد الذين يحضرون اجتماعها ليسوا – كلهم بالضرورة – من الشيوعيين ولكنهم يخضعون لبعض أشكال الدعاية الشيوعية غير المباشرة ورئيس اللجنة " سعيد الكيال " وهو شيوعي معروف يوصف بأنه محام.

وأعضاء اللجنة أساسا من الطبقة المهنية والطلبة وسياسة الجماعة التركيز على الدعاية للأفكار الشيوعية بين الطبقة المثقفة في البلاد وتجنيد أفراد أفضل للخلايا الشيوعية .

وهذه الجمعية جزء من منظمة أكبر مقرها في بيروت وهي على صلة بالجماعة الشرقية في لبنان والمركز العربي الشيوعي العام في حلب وتصل اللجنة كتب دعائية من روسيا وتتسلم الجماعة مساعدات مالية من المفوضية السوفيتية .

2- فيما يلي أسماء المنظمات التي تقوم بأغلبية النشاط الهادف لتشجيع انتشار الشيوعية بين العمال :

(1) لجنة التحرير القومي : شكلت هذه اللجنة في بدية أكتوبر 1945 ومنذ ذلك الوقت أصبح لها نشاط كثيف في الدوائر العمالية وقد وزعت منشورات تدعو إلى الوحدة وتحرير البلاد ومنشورات أخري موجهة إلى الجيش لحثه على مساندة النضال القومي .

وطبعت هذه المنشورات في نفس المطبعة التي تنشر مجلة " الضمير " وقد تسرب ممثلو هذه اللجنة إلى عدد من النقابات في القاهرة والأقاليم .

وذكر أن " محمد يوسف المدرك" أصبح على صلة وثيقة " بمصطفي العريس " رئيس الوفد اللبناني لمؤتمر النقابات العمالية العالمي الذي انعقد أخيرا في باريس " وإبراهيم بكري " رئيس الوفد السوري ، والمعروف أن كليهما شيوعي .

وتوجد بعض الدلال على أن لجنة التحرير القومي لها صلة " برابطة عرب فلسطين من أجل التحرير

( ب) مصر الفتاة : أشارت التقارير الواردة من مصادر عديدة خلال العام الماضي إلى أن عناصر معينة في هذا الحزب ، تؤيد الشيوعية ، وأن جريدتهم تتلقي عونا ماليا من المصادر الروسية .

(جـ) الإخوان المسلمون: يوجد حاليا بعض الشك في أن النفوذ الشيوعي تسرب إلى قطاعات معينة داخل هذه المنظمة.

ووصلت أعداد من التقارير التي تشير إلى محاولات قام بها الروس للاتصال بهذا الكيان لترويج أن فكرة الشيوعية تنتسب إلى الدين الإسلامي وتتعاطف معه.

ولا تتابع بريطانيا حركة الشيوعية في مصر فحسب بل إنها تتابع هذه الحركة في العراق أيضا فإن ظروف الحكم الملكي في البلدين متشابهة .

ويكتب السفير البريطاني في بغداد تقريرا مفصلا يقول فيه

" إننا نرتبط في كل بلاد الشرق الأوسط بطبقة حاكمة يتفق الجميع على أنها مكونة – في مجموعها – من حفنة من الانتهازيين والمنتفعين الفاسدين والفساد الحكومي يصدم أى غربي إذ يري الآفاق التي تمادت إليها الرأسمالية التي يمارسها الأغنياء .

إن النفوذ السوفيتي سيزداد عاجلا ، أو آجلا ، في العالم العربي وأتنبأ بأن السوفيت ، سيفعلون في العالم العربي ما سبق أن فعلوه في إيران وهو أن ينشروا بين الناس أن البريطانيين ، ارتبطوا بالقهر الاقتصادي والفساد الحكومي ، وهنا فإن على الشعب أن يبحث عن المعونة من جانب روسيا السوفيتية .

ولن يكون سهلا على السوفيت أن يكرروا في العالم العربي ما حد في إيران فالإسلام في العالم العربي يمثل حاجزا قويا ضدهم ومع ذلك فلا يزال الخطر ماثلا .. وبرغم أن الشيوعية محظورة قانونا في العراق ، فإن المجموعات المنتمية إلى الجناح اليساري الراديكالي تمثل إمكانية وأداة محتملة في يد التسلل السوفيتي في زيادة نفوذه بالعراق وبرغم أن خلافات وقعت بين فصائل الشيوعيين كما هي العادة بالنسبة لكل الأحزاب السياسية العربية فإن هناك مجموعة شيوعية أظهرت في الشهور الأخيرة إشارات تنبئ بأحكام تنظمها وتملك وحدة وتجانسا في الهدف الذي يتبناه أعضاؤها .

وليست لدينا قرينة على أن هذه المجموعة من الشيوعيين العراقيين يجري تسييرها من روسيا برغم أنها قد تكون على صلة بالعراقيين المقيمين في الاتحاد السوفيتي ولكن السابقة التي يمثلها حزب توده الإيراني أمام أعيننا تحدو بنا إلى أن نذكر دائما إمكانية قيام روسيا بتوجيه الشيوعيين العراقيين في الحاضر أو المستقبل

وكتب السفير البريطاني في بغداد – كورنووليس – إلى حكومته

" ها هي سطوة الإسلام تتراخي حتى بين أقل القطاعات تعليما من السكان وكذلك بين صفوف الطلاب الشبان الذي انفصلوا عن تقاليدهم المذهبية فلا يزال الخطر ماثلا "وبدلا من أن يتصور " كورنووليس " أن مواجهة خطر الشيوعية يتم بالإصلاح الاجتماعي الجذري والعدل الاجتماعي فإنه يطرح حلا غريبا يقول :

" إن الفرصة رائعة لدي البريطانيين لمواجهة الخطر السوفيتي وهذه الفرصة تكمن في جمعية إخوان الحرية" باعتبارها جمعية شعبية بعيدة عن التمييز الطبقي وبوسعها أن تهيئ لنا علاقات من الدرجة الأولي مع أهل البلاد من كل الطبقات والمشارب على أساس المساواة الاجتماعية والرغبة في الإصلاح والتوجيه السليم "

وفي تقدير عام للموقف في العراق أعدت وزرة الخارجية البريطانية تقريرا يقول

" منذ فترة قصيرة تم إنشاء حركة ( راد يكالية ) جيدة التنظيم تسمي " الحزب الشيوعي وبدأت هذه المنظمة في إثبات وجودها وأعضاؤها يزدادون يوما بعد يوم والشعور العام بدأ يسود بجدوى الإضراب مع إصدار النشرات والكتيبات وقيام المظاهرات التي تهدف إلى تأكيد الحقوق الفردية والجماعية ولا يمكن التنبؤ بما سيكون عليه مستقبل الأمن في العراق وللشيوعية جاذبية في العراق خاصة بين الفلاحين بقدر ما تمدهم من جزاء يجنونه لقاء عملهم ومن الدفاع عنهم في مواجهة ملاك الأراضي الأنانيين الغائبين عن أراضيهم والشيوعية من ناحية أخري تروق للمتعلمين الشبان .

وإنهم على استعداد ليتقبلوا مذهبا يرون فيه إمكانية تنشيط الحياة السياسية في البلاد ويذكر السفير " كورنوليس " العوامل التالية التي تساعد على انتشار الشيوعية في العراق  :

" شعور الإعجاب بقوة السوفيت وشعور الإحباط في نفوس الشيعة – وهم غالبية سكان العراق - ومع ذلك فهم مستبعدون من الحكومة وهناك الجهل بالمعني الحقيقي للشيوعية وبظروف الحياة داخل الاتحاد السوفيتي "

ويختتم السفير ملاحظاته بقوله :

" إن الدين الإسلامي لا يمثل حاجزا ضد انتشار الشيوعية في العراق .

وكان هناك اختلاف واحد بين مصر والعراق ..

إن " النحاس يتمادي في معارضة الإنجليز في مصر خارج الحكم أما نوري السعيد" فكان رجل لانجليز وهو رئيس للوزرة أو وزير وأيضا خارج الحكم ولم يتطرف ضدهم قط.

ولكن الحركة الشيوعية لم تنجح في تحقيق أهدافها ضد " النقراشي " لأسباب كثيرة من بينها أن قادة التنظيمات الشيوعية عام 45 ، 46 كانوا من الأجانب كما كان قادتها من لأجانب أيضا أعوام 19 ، 23 ، 24 عقب الثورة المصرية إننا نجد أن ابرز أسماء الزعماء الشيوعيين في مصر هم :

" بول جاك ودي كومب وريمون أجيون ، وهنري كورييل وأبي ستوليار وراؤل كوييل وجورج برانتريه ، ومارسيل إسرائيل ، وماليتومندل ، وبيريدس وياناكس .

وقد حاول مؤرخ الحركة الشيوعية أن يبرر وجود الدور الأجنبي فيها فقال إن الأجانب لهم ثقل خاص في مصر ونفوذهم السياسي الاجتماعي والاقتصادي .. طاغ .

وكانت هناك عوامل تدفعهم للاحتفاظ بأجنبيتهم برغم ميلاد بعضهم المصري – بسبب الامتيازات الأجنبية التي تكفل لهم حقوقا قانونية ومالية واجتماعية غير محدودة .

فهذه الامتيازات الأجنبية تحمي النشاط السياسي وسط الأجانب حتى ولو لم يكن مرضيا عنه من جانب السلطة .

وهنك عنصر يضاف إلى ذلك وهو اللغة فحتي نهاية الثلاثينات لم يكن الأدب الماركسي قد ترجم إلى اللغة العربية .. وكان دخول الكتب والمجلات والصحف الشيوعية إلى مصر ممنوعا وكان الشيوعيون الأجانب يملكون القدرة على استيراد الكتب والمجلات الشيوعية احتماء بالامتيازات الأجنبية وبحكم احتكاكهم الثقافي بأوربا وترددهم عليها .

وكانت السلطات البريطانية تتغاضي عن الميول الماركسية وتسعي للتحالف مع بعض التجمعات الشيوعية وخاصة في أثناء الحرب.

وفي كتابه يقول " اللواء المصيلحي " :" إن اليهودي " هنري كورييل " أسس احدي الحلقتين الماركسيتين الهامتين اللتين ظهرتا في الأربعينات وهي " الحركة المصرية للتحرر الوطني " عام 1942 .

وقد اتحد بعد ذلك مع الحركة الثانية التي أسسها يهودي ثان وهو " هليل شفارتز " وهي " يسكرا أو الشرارة .

وسميت المنظمة الجديدة " الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني التي زاد نشاطها وتسللت إلى الطلبة والعمال المثقفين"

وروي الدكتور رفعت السعيد قصة " كورييل " كما ذكرها له وهي أنه " اقتنع بالماركسية في عام 37 -1938 وبدأ الاتصال بآخرين واتخذ مقرا لنشاط إحدي الجمعيات الماسونية وقد اتصل به مندوب من السفارة البريطانية لتوحيد التعاون ضد الفاشية ولكنه رفض .. فرفض ورأي ضرورة البدء بتأسيس تنظيم شيوعي يرفع شعار التمصير أى أن يتولي قيادة الحركة الشيوعية مصريون .

وقد رأي آخرون ضرورة تركيز الهجوم على الدين في حين يرفض " كورييل " ذلك ورأي أن ينشط مع الشيوعيين في صفوف الأزهر "..ويستمر " كورييل " في نشاطه الشيوعي سنوات طويلة ويقبض عليه عدة مرات ثم يستقر بعد ذلك في باريس .

وقد قبض عليه عام 1960 بعد ن وجدت لدي إحدى أصدقائه وثائق مسروقة من وزارة الخارجية الفرنسية واعترف الصديق بأن " كورييل" سلمه هذه الوثائق .

ورفض " كورييل" أن يتكلم أو يعترف فسجن عامين ثم أفرج عنه وفي 4 مايو 78 يطلق رجلان الرصاص على " هنري كورييل " في مصعد منزله الفاخر على ضفة نهر السين في باريس .

وتؤلف الصحيفية الأمريكية " كلير ستيرلنج" كتابا اسمه " شبكة لإرهاب " عام 1981 تقول فيه إن " هنري كورييل " كان معروفا لدي جهاز الأمن الداخلي الفرنسي خلال 27 سنة وقد أنشأ عام 63 جمعية خيرية باسم " التضامن " تقدم المساعدة لكل الثوريين الذين يأتون إلى باريس .. ثم حلها وأنشأ بعد ذلك جمعية أخري باسم " المساعدة والصدقة ".

واكتشف بعد ذلك أن "كورييل " على علاقة بأحد أجهزة الأمن الفرنسية وعلى علاقة بمنظمات الإرهاب الدولية وجهاز المخابرات السوفيتية وأنه أرسل سيدة شيوعية للمشاركة في اغتيال السفير الأمريكي في جواتيمالا ، وبعث برجل فريقي ثوري إلى جنوب أفريقيا لكشف القيادة الأفريقية الوطنية والإيقاع بها" فكورييل الذي أنشأ وقاد جانبا هاما من الحركة الشيوعية في مصر والتي برز نشاطها في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية كان عميلا لعدة جهات في وقت واحد...

وما كشف من ماضي " كورييل" يطرح عدة أسئلة ..هل فرنسا هي التي جندته في مصر ليثير الفتن انتقاما لموقف مصر في الجامعة العربية وتأييدها لاستقلال سوريا ولبنان ودول شمال أفريقيا التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي وهذا هو السبب في إقامته بعد ذلك في باريس أم هو الاتحاد السوفيتي لينشر الشيوعية في المنطقة ...أم كان الرجل عميلا مزدوجا ؟....

حاول " الدكتور رفعت السعيد"" أيضا الدفاع عن تعدد وانقسام التنظيمات والجماعات الشيوعية في مصر وانقسامها فقال إن الحركة الشيوعية نشأت في مجتمعات منفصلة يونانيين وإيطاليين .

وأن الأحزاب الشيوعية الأوربية كانت منفصلة ومستقلة لظروف كثيرة أهمها الحرب العالمية الثانية .

وقد يكون هذا هو السبب وقد يكون السبب أن هذه الحركة ورثت عن الأحزاب المصرية روح الانقسام أو سرت إليها – من الأحزاب عدوي الانقسام .

وقد يكون هذا التفسير مقبولا ومبررا لقيام الحركة الشيوعية ولكنه يفسر أيضا السر الأول في فشلها .

وهناك سبب آخر وهو أن معظم هؤلاء الأجانب كانوا من اليهود ولا يوجد مبرر سوي أنه كان من أهداف الشيوعيين الوقوف ضد التحرك العربي المؤبد لفلسطين برفع شعار وحدة الطبقة العاملة .

وكان مستحيلا أن يحتوي اليهود الحركة المصرية المؤبدة لفلسطين ..ولكن بقي المد الشيوعي يزحف في عهد " النقراشي " بعد إلغاء الأحكام العرفية وإطلاق حرية الصحف حتى جاء " إسماعيل صدقي " رئيس للوزارة فاعتقل في 11 يوليو 1946 مئات الشيوعيين وأغلق 11 منظمة و8 صحف شيوعية .. وأطلق الشيوعيون على هذا اليوم اسم " المذبحة الشهيرة "ليس إنذارا . ولكنه تحذير

الغريب في التاريخ المصري الحديث ، أن فصوله تتكرر حتى بالتفاصيل الصغيرة ، برغم الفوارق الزمنية .

والغريب أيضا أن زعماء مصر لم يفطنوا لذلك ولم يتعلموا منه .. مع أن الدرس أعيد عليهم .. أمامهم .. وبهم .. أكثر من مرة..في أغسطس عام 1929 أجري " محمد محمودباشا " رئيس وزراء مصر ورئيس حزب الأحرار الدستوريين مفاوضات في لندن مع " رثر هندرسون" وزير الخارجية البريطاني انتهت إلى مشروع معاهدة .

نشر مشروع العاهدة في مصر يوم 6 أغسطس فأصدر الوفد بيانا طالب فيه بإقصاء وزارة " محمد محمود" وإجراء انتخابات لتعبر الأمة عن رأيها في المشروع وكان مقررا أن يعود رئيس الوزراء إلى مصر يوم 23 أغسطس عدت الحكومة البريطانية مفاجأة " محمد محمودباشا "..

أذاع " رامزي ماكونالد" رئيس وزراء بريطانيا بيانا في نفس اليوم – 23 أغسطس – أعلن فيه :

" أن الحكم النهائي على مشروع المعاهدة يصدره ممثلون منتخبون لشعب مصر.." وكان " محمد محمود" يحكم في ذلك الوقت بلا برلمان واشتهرت حكومته باسم وزارة اليد الحديدية " لأنها عطلت البرلمان نحو 3 سنوات " وعاد " محمد محمود" إلى مصر يوم 29 أغسطس ليجد هذا التصريح أمامه , وكان عليه في هذه الحالة إجراء انتخابات ليقوم برلمان يمثل شعب مصر ويبدي رأيه في المعاهدة وطان الوفد في المعارضة فلم يهجم مشروع المعاهدة ولم يهجم حزب العمال البريطاني بل حمل على " محمد محمودباشا " رئيس وزراء مصر وكان الوفد منطقيا مع سياسته الحزبية في هذا الموقف .

إنه لا يريد معارضة المعاهدة وإلا فقد ثقة وصداقة حكومة العمال التي تريد دائما التفاوض مع الوفد باعتباره ممثلا لشعب مصر منذ ثورة 1919 .

ولا يريد الوفد تأييد المعاهدة إلا بعد قيام حكم نيابي والمنطق الحزبي غير المنطق القومي المنطق الحزبي في تلك الأيام يريد الحكم أولا والمنطق القومي يريد مصلحة البلاد ولو جاء بها الخصوم !وصل إلى مصر يوم 2 سبتمبر 1929 المندوب السامي البريطاني الجديد " السير برسل ورين " ومعه تعليمات محددة وهي أن الحكومة البريطانية تريد إجراء انتخابات على أساس الاقتراع العام .

وكن هذا حكما بالإعدام على نظام " محمد محمود"ورحبت الحكومة البريطانية بقيام وزارة ائتلاف واسعة حتى تضمن أن تشترك الأمة كلها في بحث مقترحات المعاهدة وافق " محمد محمود" على ذلك.

وعلى حد تعبير " السر برسي لوين " في برقياته إلى لندن

" وضع " محمد محمودباشا " نفسه تماما تحت تصرف بالنسبة لتأليف الوزارة القومية وكان " محمد محمود" يريد إقرار مشروع المعاهدة بواسطة وزارة ائتلافية يتول رئاستها أو يستقيل.

وترك رئيس الوزراء المصري القرار النهائي في ذلك الشأن للمندوب السامي .ز كما تقول الوثائق .

ورفض " مصطفي النحاس " فكرة الوزارة الائتلافية لأنه يري أن الوفد – وحده يمثل الشعب وخلال عشرة أيام وجد " لورين " نفسه في طريق مسدود لقد حذره " رامزي ماكدونالد " رئيس وزراء بريطانيا من التدخل في شئون مصر ومن ناحية أخري لا يمكن قيام وزارة ائتلافية دون اشترك الوفد الذي رفض الفكرة نهائيا وظل " برسل ورين " يكتب إلى لندن يطلب تعليمات محددة للخروج من حالة الجمود وأخيرا في 25 سبتمبر تلقي المندوب السامي برقية من وزير الخارجية " ارثرهندرسون" بأن عودة الوفد للحكم .. حتمية.

دعا " لورين" ... " مصطفي النحاس باشا " للغداء .. وبدأت اتصالات الوفد بالمندوب السامي البريطاني وأبرق " هندرسون" للمندوب السمي يقول :

" إني حزين على " محمد محمودباشا " .. حان لأوان ليترك خشبة المسرح"

وهو نفس ما كان يجري للوالي في مصر عندما يقوم رجال السلطان بسحب السجاد الأحمر الممتد أمام كرسي الوالي فيعلم أن عليه الاستقالة ..فورا !

وجد " محمد محمودباشا" نفسه في ذات موقف الوالي التركي القديم..وكان استمرار البقاء في الحكم أو استمرار العذاب – على تعبير " السير برسي لورين " غير مجد .

ومرة أخري وضع " محمد محمودنفسه " بين يدي لأوين بلا تحفظ ... كما تؤكد الوثائق وعرض استقالته في الوقت الذي يشي به لورين"

وفي تقريره قال المندوب السامي .'

" أخبرت " محمد محمود" بصراحة يوم أول أكتوبر أن اللحظة حانت ليستقيل .. فتقبل مشورتي بصورة مهذبة للغاية وقدم استقالته يوم 2 أكتوبر "

وأحس " محمد محمود" وهو يستقيل بالمرارة وأرادت بريطانيا تعويضه فمنحته وساما .

وجاء " عدلي يكن باشا " ليمهد لعودة الوفد إلى الحكم ..وفي يناير عام 1946 كان كليمنت أتلي " رئيسا لوزراء بريطانيا وأرنست بيفن " وزيرا للخارجية .. والوزارة كلها من حزب العمال .

وكان " النقراشي " يرأس الوزارة المصرية والوفد خارج الحكم ....وبريطانيا وافقت على مبدأ التفاوض مع الحكومة المصرية ..وتذكر رجال وزراء الخارجية البريطانية درس " محمد محمود" .. ودرس مفاوضات عام 1936 .

لقد سقطت وزارة " محمد محمود" لأن الوفد لم يشترك فيها ولم يشترك في مفاوضات المعاهدة ولم توقع المعاهدة إلا بعد ذلك بـ 7 سنوات .

ونجحت مفوضات عام 1936 والوفد خارج الحكم , ولكن " النحاس " باشا " كان يرأس وفد المفاوضات الذي يضم كل أحزاب مصر ..وأرادت بريطانيا ألا تكرر تجربة : محمد محمود" وأن تعيد – في تعديل المعاهدة تجربة توقيع المعاهدة !ظل السفير البريطاني يضغط على حكومته لتضغط بدورها على إشراك الوفد في الوزارة أو في المفاوضات مع بريطانيا .

بعد تشكيل وزارة " النقراشي باشا " بشهر واحد التقي " كيلرن" بعبد الفتاح عمرو" وقال له:

أقول بشكل غير رسمي تماما إنه من الأهمية بمكان إعادة النظر في الخطأ الذي ارتكبه " النقراشي " عندما استبعد حزب الوفد من عضوية وفد مصر في ( مؤتمر سان فرانسيسكو ) الخاص بتوقيع ميثاق الأمم المتحدة .

وإني أشم رائحة في الأفق عندما يعود وفد المفاوضات من سان فرانسيسكو إلى مصر في حين أن حزب الوفد – الذي يمثل الأغلبية – مطلق الحرية يطلق لسانه نقدا وتجريحا .

" كيلرن" بنص الحديث إلى حكومته يوم 15 مارس 1945 للإيحاء ... والإقناع وتكررت بعد ذلك برقيات " كيلرن" عن أهمية الوفد في إثارة الاضطرابات والميل لروسيا وضرورة إشراكه فى الوفد – في الحكم أو في المفاوضات .

وتأثر رجال وزارة الخارجية البريطانية .. واستطاعوا إقناع " أرنست بيفن" وزير الخارجية استدعي " أرنست بيفن" وزير الخارجية سفير مصر " عبد الفتاح عمرو باشا" لمقابلته بوزارة الخارجية – يوم 26 يناير – وسلمه رد بريطانيا على مذكرة مصر التي قدمتها في 20 ديسمبر يطلب تعديل المعاهدة .

قال " بيفن" " إن المبادئ الأساسية التي قامت عليها المعاهدة المصرية الإنجليزية المنعقدة سنة 1936 سليمة في جوهرها .

وسياسة الحكومة تدعيم التعاون على أساس المشاركة الحرة الكاملة وهي على استعداد لأن تعيد النظر في أحكام المعاهدة القائمة .. وسترسل إلى السفير البريطاني في القاهرة قريبا تعليمات لإجراء محادثات تمهيدية مع الحكومة المصرية لهذا الغرض" ويجد الشعب المصري في هذا الرد البريطاني الذي أذاعه " النقراشي " تمسك بريطانيا بمعاهدة 1936 كأساس للعلاقات مع مصر .

ولم يحدد الرد البريطاني موعد بدء المفاوضات بل ترك السفير البريطاني أن يجري محادثات تمهيدية .... ويكون الرد البريطاني الذي تلقاه " كيلرن " يوم 26 يناير , مقدمة لما جري في حريق القاهرة في نفس اليوم – أى 26 يناير 1952 – بعد 6 سنوات .

في نفس اليوم – السبت 26 يناير – الذي وافقت فيه بريطانيا على الدخول في مفاوضات مع " النقراشي " .. تلقي " اللورد كيلرن" تعليمات محددة من لندن تشمل :

1- كيف تجري المفاوضات ؟

2- ومن يجريها ؟

3- وفي مذكراته كتب " كيلرن":

قالت المذكرات :

" وفي وقت تأخر من المساء وصلت برقيتان طويلتان من وزارة الخارجية بهما القرار الذي اتخذ بشأن إعادة النظر في المعاهدة :

والإجراء ينقسم في المعاهدة :

وهناك أولا المذكرة الموجهة إلى " عمرو باشا " ( السفير المصري في لندن ) التي نعلن فيها برغم المادة 16 من المعاهدة الحالية – قبولها مبد إعادة النظر في إجراءات المعاهدة على ضوء الخبرات المتبادلة نظرا لميثاق الأمم المتحدة.

وسيتم إرسال هذه التعليمات لى لأبدأ حوارا تمهيديا مع الحكومة المصرية أما الجزء الثاني من التعليمات فيشرح لى السبب في عدم إمكان إجراء مفاوضات في لندن حتي يتضح أساس للاتفاق .. وعندئذ فقط ستكون لندن مستعدة لاستقبال وفد مصري وأضافت التعليمات أن برقية موجزة في الطريق للإشارة للخط الذي يجب على تبنيه في الحوار التمهيدي المقترح وللسؤال عن تعليقي أنا " وهدلستون" حاكم السودان على هذا الخط أما الجزء الثالث فيبحث ماذا كان علينا أن نشرع في هذا الحوار مع الحكومة الحلية أم لا وأضافت البرقية إنه في حالة موافقتي فلابد من رؤية الملك فاروق " على الفور وتحذيره من قلقنا من الشكل الذي تسير به الأمور بطريقة خاطئة مثلما حدث مع " محمد محمودباشا" عام 1929 وبعد أن أوضح له تماما تصميمنا على عدم التدخل في السياسة الداخلية ويجب أن أشير عليه بشدة بوجوب العمل لإقامة حكومة على قاعدة أوسع من الحكومة الحالية أو على الأقل ضمان اشتراك حزب الوفد في وفد المفاوضات المصري لإنقاذ مصر من كارثة مماثلة في هذا الموقف .

ويجب أن أؤكد " للملك فاروق " ن هذه مشكلة يجب أن يحلها هو مستشاروه لأنه ليس بمقدورنا أن نحلها دون تدخل صارخ من جانبن في الشئون الدخلية وأضافت البقية أن " الملك فاروق " يجب أن يتعامل بنفسه مع مشكلة " النحاس باشا " الشخصية وأقصي ما يمكن أن نفعله عدم إعاقته عن ذلك بأي شكل من أشكال التدخل لصالح " النحاس "

وتستمر مذكرات " كيلرن" قائلة :

" هذه عملية بارعة حقا ومن الواضح أنه لابد من فصل الإجراء الذي سيتخذ مع " الملك فاروق " عن عملية بدء الحوار التمهيدي .

وعلى أية حال فذلك الحوار يعتمد على ما تقرره تعليمات وزارة الخارجية القادمة وتقرر وزارة الخارجية شيئا آخر وهو أن هذا الحوار يجب أن أقوم به بنفسي أو يقوم به قادة الجيش البريطاني في مصر باعتبارهم مستشارين .. لي .

والآن إذا تحدثت إلى " الملك فاروق " بالشكل الذي يطرحونه بشأن " النحاس بالذات فإننا ننزلق إلى مياه عميقة ومليئة بالمصاعب .

لنفترض أن الوفد والنحاس " سيعودان في نهاية المطاف ؟ وإذا حدث ذلك فسيكون واضحا أنه سيعود في موقع المواجهة والخصومة الكاملة مع الملك .

وأكثر من ذلك فإن " الملك فاروق " سيري – في إشارتي "للنحاس " – إطلاقا كاملا ليده في التعامل معه .

أتوقع أن تكون الأسابيع القليلة القادمة محمومة ومليئة بالصعاب إن لندن تقترح استخدامي أنا والسفارة كمخفف للصدمات وكنت آمل – ربما بشئ من الجبن التنصل من هذا العبء .

كانت التعليمات واضحة " للورد كيلرن" بشأن تشكيل وفد مصر في المفاوضات ..إن بيفن لا يريد تجربة ما جري مع " محمد محمودباشا " عندما اضطر " محمود باشا " للاستقالة .

إن " بيفن" يريد إعادة تشكيل حكومة " النقراشي باشا " لتضم وزراء وفديين .

أو يريد إذا بقيت حكومة " النقراشي " كما هي أن يضم وفد المفاوضات مع بريطانيا أعضاء من حزب الوفد.

وكان نص رسالة " بيفن " بالحرف الواحد.

" إبلاغ الملك أنه في الوقت الذي لا أرغب فيه – أى " بيفن" التدخل في شئون مصر الداخلية إلا أنك توجه إليه في نفس الوقت شكلا من أشكال التحذير يفيد بأني لا ري أن إدارة مصر قد عهد بها لأفضل المصريين .

وبصرف النظر عن أى شئ آخر فإن الموقف الخاص بالأمن العام أظهر تدهورا ملحوظا في ظل الإدارة الحالية كما يتعين على الملك. أن يدرس مفاوضات " محمد محمود" في عام 1929.

ويجب على الملك أن يتعامل بنفسه مع مشكلة " النحس " الشخصية وأقصي ما يمكن ان نتعهد به هو أن لا نقف في وجه صاحب الجلالة بأى شكل من أشكال التدخل لصالح النحاس "

وجد اللورد " كيلرن" نفسه في مأزق ..لقد جاء بالنحاس إلى الحكم في 4 فبراير 1942 وعندما أقاله " الملك فاروق تدخل " كيلرن " لمنع محاكمة " النحاس "ولم يتدخل " كيلرن " وحده .. بل تدخلت الحكومة البريطانية كلها لمنع المحاكمة . في فبراير 1945 انتهت اللجنة الوزارية المشكلة برئاسة " مكرم عبيد" من تحقيق تهم الفساد التي وجهت " للنحاس "أيامها وبناء على تعليمات وزارة الخارجية البريطانية حذر السفير البريطاني كلا من " أحمد ماهر " رئيس الوزراء " واحمد حسنين " رئيس الديوان " والملك فاروق " نفسه من محكمة " النحاس "وبعد أيام زار " أنتوني إيدن" مصر فأكد " لأحمد ماهر " أن محاكمة " النحاس " سيكون لها تأثير سيئ على الرأي العام البريطاني لأن ذلك يعتبر عملا انتقاميا من " النحاس ".

ووقف " أحمد ماهر " في مجلس النواب المصري يعلن أن الحكومة تعد مشروع قانون بمحاكمة الوزارة طبقا للدستور ون هذا القانون لن يكون له أثر رجعي ومعني ذلك أن " النحاس " لن يحاكم .

وكد " اللورد كيلرن" للنقراشي " بعد توليه رئاسة الوزارة موقف بريطانيا من محاكمة " النحاس "ولكن " النقراشي " تفادي الالتزام بشئ .

وفي 11 يونيو 1945 تناول " النقراشي " طعام الغداء مع السفير البريطاني ولم يبلغه شيئا وفي اليوم التالي أعلن أن مجلس الوزراء المصري أحال تقرير اللجنة الوزارية الخاصة بمحاكمة النحاس إلى البرلمان.

وشكل البرلمان لجنة لهذا الغرض مما أثار عاصفة من الحملات المتبادلة بين صحف الحكومة والوفد هبطت إلى مستوي منخفض لعنف الاتهامات المتبادلة ولكن تقرير اللجنة الوزارية ظل مودعا في ملف اللجنة البرلمانية لا يتحرك فقد أدرك الجميع أن الحكومة البريطانية ستتدخل بحسم لمنع محاكمة النحاس .

والآن مطلوب من " كيلرن " بتعليمات صريحة ومحدودة من " أرنست بيفن" وزير الخارجية أن يبلغ ملك مصر " فاروق " أن بريطانيا لن تحمي " النحاس " وكل ما تريده أن يكون للوفد دور في الوزارة أو في وفد المفاوضات ..ورآي " كيلرن" أن يحاول أولا مع وزير خارجيته .. لمصلحة " النحاس "

1- كتب إلى " بيفن" - يوم 28 يناير في البرقية رقم 117 يطلب الرأفة والتخفيف وألا يذكر " النحاس باشا بالاسم وأن يكتفي بأن يقول للملك إن بريطانيا لن تتدخل ضد الملك لصالح الأشخاص ..

2- قال التماس " كيلرن" .. لبيفن" بعد المقدمة ..فيما يتعلق بالتكتيك الوارد في برقيتكم لاستخدامه مع " الملك فاروق " اتفق معكم باستثناء شئ واحد وهو أنه لن يكون من الحكمة ذكر اسم " النحاس باشا " بالتحديد إن " الملك فاروق " سيعتبر هذه الإشارة " للنحاس باشا " بمثابة إطلاق يده ليفعل ما يشاء مع " النحاس "

ومن المحتمل ن تكون نتيجة ذلك أن يتشدد الملك أكثر ضد أية محاولة لترتيب أى مشاركة وفدية في الحكومة من أجل مفاوضات المعاهدة .

ومثل هذه المشاركة لن تكون عملية دون بعض المساومة مع " النحاس باشا " على أساس تنحيه عن رئاسة الوزارة وقبول رئاسة مجلس النواب أو شئ من هذا القبيل وبالإضافة إلى ذلك فمن الأفضل أن نتروي قليلا فيما نقوله عن " النحاس باشا " لأنه سواء عاد إلى الحكم أم لا سيظل دائما نظرا لرئاسته للوفد قوة يتعين الرجوع إليها وسيعرف " النحاس " بياننا بالتأكيد وسيعتبر أننا تخلينا عن الرجل الذي وقف معنا في أيام 1942 العصبية .

ومن الممن تلافي أية مخاطر بأن نوضح المبدأ العام " للملك فاروق " دون ذكر أسماء وهذا ما سأحاول أن أفعله وإني على ثقة من أنكم سوف تقرون هذا الاحتياط .

3- اللحظة الحالية قد لا تكون مواتية بوجه خاص نظرا للأزمة الوزارية ولكن آخر الأنباء التي وردت في الليلة الماضية تفيد أن هذه الأزمة ستحل نفسها في الوقت الذي سأتمكن فيه من مقابلة " الملك فاروق " وهو ما سيجعل الأمر أكثر سهولة دون إثارة شكوك حول التدخل في السياسة الداخلية .

4- إن لحظة البدء في محادثات تمهيدية مع رئيس الوزراء المصري يجب بالضرورة أن تنتظر وصول تعليماتكم .

ومن المحتمل أيضا أن تنتظر نتيجة محادثتي مع " الملك فاروق " التي سأحاول أن تتم يوم الثلاثاء 29 يناير .

5- سأقابل رئيس الوزراء يوم 28 يناير بشأن مسألة سندات القناة التي تدفع بالذهب ولن أشير لمسألة تعديل المعاهدة ما لم يثرها بنفسه. وفي هذه الحلة موقفي متفقا مع رسالتكم للسفير المصري في 26 يناير " تعمد كيلرن أن يؤخر إرسال البرقية يومين ..

بعث بها يوم الاثنين 28 يناير ,كان قد حدد اليوم التالي – 29 يناير موعدا لاجتماعه " بالملك فاروق "

وبالفعل قدم " السير روبرت هاو " الوكيل المساعد للخارجية البريطانية المذكرة التالية إلى " بيفن" يوم 4 فبراير :

" مذكرة من السير روبرت هاو"الوكيل المساعد للخارجية إلى " أرنست بيفن "في 4 فبراير 1946 .

عندما أصدرنا توجيهاتنا " للورد كيلرن" بأن يثير مع الملك القضية الخاصة بإمكانية إعادة تشكيل الحكومة الحالية أبلغناه أنه يجب على الملك أن يتناول مشكلة " النحاس باشا "

الشخصية وأقصي ما يمكن أن نتعهد به هو ألا نقف في وجه صاحب الجلالة " بأى شكل من أشكال التدخل لصالح " النحاس "

والمسألة تكمن في أن " النحاس " يتوقع أن يرأس أية حكومة جديدة والملك لن يحتمل على الإطلاق وجوده مرة أخري كرئيس للوزراء هي مسألة ترجع إلى التعارض السياسي والكراهية الشخصية بينهما .

وقد استنكر " اللورد كيلر" أن يذكر " النحاس " بالاسم على أساس :

1- القيام بذلك سيشجع الملك على أن يكون شديدا مع " النحاس " بشكل غير ملائم.

2- سيعتقد " النحاس الشعب بأننا " نتخلي عن الرجل الذي وقف إلى جانبنا " بفرض أن لأمر سيتسرب إلى الناس .

ونحن لا نعترض على اقترح " اللورد كيلرن" إلا أن الأسباب التي عرضها لم ترق لنا والأكثر من ذلك أن الجميع في مصر – سواء عن صواب أم خطأ يعتبرون أن الورد كيلرن , يميل لصالح " النحاس " وضد الملك .

وعلى هذا فإن مشروع البرقية الحالي يستهدف وضع النقاط على الحروف في حالة ما إذا كان هناك أى لبس "

ووافق " بيفن" على البرقية التي اقترحها " السير روبرت هاو" وهي :

برقية رقم 208 من " أرنست بيفن "إلى " اللورد كيلرن"بتاريخ 8 فبراير 1946

إن لك بالطبع حرية التصرف في تفسير هذه التعليمات على ضوء المقتضيات المحلية ولكني أرغب أن يكون رأيي واضحا وهو أننا دفعنا الدين الذي علينا " للنحاس باشا " بمنحه تأييدنا عندما كان يرأس الوزارة حتى آخر عام 1944 ونحن على استعداد لأن تكون " للملك فاروق " اليد العليا طالما أن الأمر يتعلق بالموقف الداخلي .

وكما تعلم فقد أعلنت سرا وعلنا أن حكومة صاحب الجلالة ملك بريطانيا لن تتدخل في الشئون الداخلية لمصر .

ولكن البرقية لم تصل إلى السفير إلا بعد أن كان قد قابل " الملك فاروق وأبلغه رسالة " بيفن" لا كما أرادها وزير خارجية بريطانيا ... بل كما أرادها " كيلرنلقد ظل اللورد يحمي " النحاس " .. حتى اللحظة الأخيرة .

استقبل ملك مصر " اللورد كيلرن" يوم الثلاثاء 29 يناير .. وبعث اللورد ببرقية سريعة قال فيها :

" في أثناء مقابلتي مع " الملك فاروق " اليوم أشار إلى الأزمة السياسية الأخيرة سألني هل رأيت خطأ فيما قاله " بدوي باشا " في لندن ؟

أجبت " بأني لم أر شيئا من ذلك.

استطرد جلالته قائلا :

- إن الأمر " زوبعة في فنجان" بسبب العداوة الشخصية بين الرجلين .." يقصد " مكرم وبدوي " - وقال جلالته ضحكا وهو يطرق الزجاج الذي يغطي المكتب الذي نجلس إليه إنه مندهش لأن الزجاح لم يتحطم

قال جلالته :

- هذه ميزة الأشياء المصنوعة قبل الحرب فهي تتحمل قدرا من الدق العنيف أما الشجار نفسه فكان ... أشياء صبيانية "

- ثم كتب السفير تقريرا طويلا يصف فيه اللقاء .

برقية رقم 131 من " اللورد كيلرن"إلى " ارنست بيفن"بتاريخ 29 ينير 1946

1- قابلت " الملك فاروق " بعد ظهر اليوم وتصرفت حرفي وفقا لنص الفقرة 4 من برقيتكم رقم 131 .

2- تقبل جلالته ذلك بصورة طيبة للغاية وكان يبدو ميالا لاعتبار ذلك مفيدا وبناء .

لم يظهر ميلا للتشكك أو للاعتراض على النصح وكان يعتقد أن لدي رئيس وزارته بالفعل أفكارا معينة حول إدخال الوفد في الحكومة وكان يتفهم الحاجة لإدخالهم وكان مدركا لأحداث 1929 جيدا .

3- غيرت من لغة الجملتين الأخيرتين لتصبحا كالآتي :" وعلى وجه الخصوص فإن جلالته يجب أن يعالج أية مسائل خاصة بالأفراد وفي ذلك ليس بمقدورنا مساعدته وأقصي ما نستطيع فعله هو أن نتعهد بعدم عرقلته بأى نوع من أنواع التدخل ""

أدرك جلالته على الفور هذا المغزي الضمني برغم أن اسم " النحاس باشا " لم يذكر مرة واحدة .

4- وفي سياق المناقشات العامة التالية ذكرت أني لست في الوضع الذي يمكنني من بدء المناقشات التمهيدية وإن كنت أتوقع أن أفعل ذلك قريبا برغم أن ذلك قد يتأثر بما يقرر جلالته أن يفعله بشأن الرسالة التي نقلتها إليه لتوي .

وللوهلة لأولي فإن أفضل أسلوب لتناول الأمر بصورة مبدئية السعي لإقراره بعض المبادئ العامة الحاكمة وعلى سبيل المثال :

(أ‌) أن تهدف المعاهدة المعدلة , لأن تقوي عن طريق التعاون المتبادل مساهمتنا المشتركة في نظام الأمن العالمي الجديد في ظل منظمة لأمم المتحدة .

(ب‌) أن يستمر سريان التحالف بالشكل القائم في المعاهدة الحالية .

وإذا أمكن الاتفاق على هذين المبدأين العريضين فسيكون ممكنا تطوير المشكلات التالية المتعلقة بالتفصيلات العسكرية وبلورتها .

5- أشار الملك بوجه خاص إلى هذه الروح من المساواة والمشاركة التامة التي وردت بشكل لا نزاع فيه في مذكرتكم للسفير المصري بتاريخ 26 يناير وفي كافة تصريحاتكم منذ توليتم منصبكم . وأعرب عن اعتقاده أن ذلك يشكل سببا طيبا لإقامة العلاقات الإنجليزية المصرية على أساس سليم ودائم .

6- وذكر أنه يعد – منذ وقت طويل – بيانا بآرائه الأساسية حول العلاقات مع بريطانيا العظمي وهو بيان يقوم على ما ورثه عن والده ويمثل قناعته الشخصية أيضا .

وربما تقترب اللحظة التي قد يطلب مني فيها نقل هذا البيان إلى لندن وسيكون ذلك تعبيرا شخصيا وسريا عن معتقداته الأساسية وسيكون الأمر محرجا له, أقصي الحرج , إذا أذيع .

أكدت له أني دوما في خدمته وليس بحاجة مطلقا لأن تساوره المخاوف فيما يتعلق بالسرية الكاملة وانتهزت هذه البداية المواتية للإشارة إلى محادثتي مع " الملك ابن سعود"قال " فاروق " إن " سعود أبلغه بها هو – وفاروق - يشعر بالامتنان للخط الذي اتخذته .

7- سألته إذ كان بمقدوري أن أتوقع منه ردا على الرسالة التي حملتها له اليوم قال بأن من الطبيعي أن يضطر إلى إمعان الرأي فيها وهو يتفهم تطلعي لرد ما ويستشير " حسنين " ولكن لن يستشير رئيس وزرائه أو أى شخص آخر .

8- قبل انصرافي ألححت أن يظل موضوع حديثنا قاصرا علينا بصورة محكمة وبشكل خاص فوافق عن طيب خاطر .

9- وأعربت عن أملي أن نستمر في الاعتماد على مساعدته التي لا تقدر في حالة الصعوبات المؤكدة في المحادثات المقبلة وعد بذلك .

وقال إن لديه آراه فيما يتعلق بالتعديل ويجب ألا تثبط عزيمتنا إذا ردد الساسة والصحافة المحلية مزاعمهم بصوت عال للغاية . سجلت ذلك بالشكر والإعراب عن أملي في أن تسود هذه الآراء فيما يتعلق بالضجة الحالية حول ضرورة رحيل القوات البريطانية عن البلاد , الأمر الذي سينتهي بنا جميعا إلى المستنقع "بعد 48 سعة يلتقي " كيلرن" مرة أخري " بفاروق" ليقدم إليه " اللورد هانكي " الوزير البريطاني السابق وعضو مجلس إدارة شركة قناة السويس .

انتهز السفير الفرصة ليسأل الملك.

هل وصلت إلى قرار في الرسالة التي أبلغتك إياها قبل يومين أجاب الملك:

- ليس عندي جديد أخبرك به و آمل أن يكون لدي شئ قريبا ويلح اللورد " كيلرن" قائلا :

- ما هي الخطوة القادمة من جانب مصر !

قال " فاروق " :

- لم يستقر رأيي على شئ ولا يوجد ما نفعله حتى تسمع من الحكومة البريطانية أو المصرية .

ولم يفهم " كيلرن" مضمون حديث الملك أو م يقصده إلا بعد حسين ..

العداء بين فاروق وكيلرن" قديم ..

وفي مذكراتهاعترف " اللورد بذلك... وقال إنه حمل حاشية الملك رسائل كثيرة فيها إهانات متعددة للملك الشاب .

وتدخل اللورد في شئون الحكم في مصر أكثر من مرة ..

حاول إبقاء " النحاس باشا " رئيسا للوزراء عام 1937 فرفض الملك .. وعزل " النحاس " وأصر اللورد عام 1940 على إقالة " على ماهر " من رئاسة الوزراء وقدم السفير إنذارا بذلك إلى الملك فأرغم " على ماهر على الاستقالة .

وحاصر " كيلرن" قصر عابدين بالدبابات في 4 فبراير عام 1942 وعرفت مصر كلها أن بريطانيا فرضت " النحاس " رئيسا للوزراء برغم اعتراض الملك وأحس " فاروق " أنه أهين .

كتب " كروسمان " الوزير البريطاني العمالي أن " كيلرن" كان يجب عليه أن يصمم على تنازل " فاروق " عن العرش في 4 فبراير 1942 ما دام العداء بين الرجلين قد وصل إلى قمته ولأن "كيلرن" لم يعزل الملك " فإن الكراهية استمرت بين الملك والسفير وكان مستحيلا التغلب عليها من الطرفين .

وأراد " فاروق " تغيير " النحاس " أكثر من مرة في أثناء الحرب العالمية الثانية فجاءت التعليمات من لندن في أبريل 1944 بناء على توصية السفير بأنه " لا تغيير" فبقي رئيس وزراء مصر في منصبه لا بناء على ضغط الشعب بل بناء على الضغط البريطاني وحاجة بريطانيا إلى تعاون الحكومة المصرية معها في أثناء الحرب.

وعندما سافر " كيلرن" إلى جنوب أفريقيا في أجازة أسرع الملك بإقالة النحاس في أثناء غياب السفير وظل " كيلرن" في مصر منذ عام 1934 يحكم ويفرض إرادته .

وبعد انتهاء الحرب وسقوط حزب المحافظين في الانتخابات البريطانية واستقالة تشرشل رئيس الوزراء وخروج إيدن وزير الخارجية وجد ملك مصر أن الوقت قد حان ليتخلص من " كيلرن" وبدأ الملك يظهر كراهيته للسفير .

التقي " الملك فاروق " يوم 10 ديسمبر بالوزير الأمريكي المفوض " بنكني تاك" .. وفي برقية " تاك رقم 2293 إلى وشنطن قال :

" كانت المرارة شديدة لدي " الملك فاروق" فيما يتصل بالسفير البريطاني .. إن السفير لم يأل جهدا في نشر الانطباع بأن علاقته بالملك تعتبر في أفضل أوقاتها على حين قال لى الملك إن " اللورد كيلرن" عدوه.

وبدا على فاروق الاقتناع بان السفير على استعداد لتخريب أية محاولات مصرية لتعديل المعاهدة مع بريطانيا أو تحقيق التطلعات الوطنية لمصر "

وفي يوم 29 يناير رأي " فاروق " أن الفرصة الذهبية هبطت عليه من السماء لاقتلاع اللورد إلى الأبد من أرض مصر.

كان " احمد حسنين باشا" قد عرف بسر اللورد وبرقية لندن التي تطالب فيها بإدخال الوفد .. الوزارة أو وفد المفاوضات .

وربما يكون " حسنين " قد عرف ذلك من " عبد الفتاح عمرو" الذي قابل " بيفن" يوم 26 يناير, وفهم من خلال الاجتماع نوايا بريطانيا .. وعمر" يعرف أن " بيفن " لا يريد التدخل في شئون مصر.

وربما يكون " اللورد كيلرن" قد أشاع أنه سيكرر حادث 4 فبراير ولكن بلا دبابات وأيا ما يكون المصدر فإن " حسين باشا " أبلغ " الملك فاروق " بالأمر واتفق معه على الخطة .

وحسنين باشا " كان لديه خنجر من الذهب أهداه إليه " الملك عبد العزيز آل سعود"

وأصدقاءه " حسنين " رأوه مرارا وهو يمسك بهذا الخنجر ويطعن به شيئا أمامه .. وكانوا يسألونه :

لمن هذه الطعنة !

فكان جوابه الوحيد :

" لورد كيلرن" أريد قبل أن أموت أن أطعنه لأنتقم لـ 4 فبراير ... أريد ن أراه يغادر مصر مخذولا .. ومهانا ..وتحققت أمنية " حسنين"

الفخ الملكي

قال " حسن باشا يوسف " وكيل الديوان الملكي المصري إن الملك فاروق " تصف بذكاء مع اللورد كيلرن" في هذا اللقاء .

وبعبارة أخي خدع الملك " كيلرن" ..

تحدث الملك بود مع السفير البريطاني كما قالت البرقية وشجع " فاروق " السفير على أن يتمادي في مطالبة وأن يسأله النصح إلى حد أن السفير أبدي عدم ارتياحه لبقاء النقراشي " وأنه – أى السفير – لا يستطيع التعاون مع رئيس وزراء مصر وقال " فاروق":

- أريد أن أدرس الاقتراح البريطاني بهدوء .

وأضاف :

- أرجو أن تقدم لى مذكرة مكتوبة .

ووقع " كيلرن " في الفخ وقدم مذكرة مكتوبة كما رغب " فاروق – بعد 48 ساعة من اللقاء أى يوم 31 يناير .

- بل إن " كيلرن " كتب في نفس اليوم – 31 يناير – يفضح نفسه في البرقية رقم 145 . قال :

" هل أنا على صواب في ألا أقوم بأى اتصال بالمصريين بل أنتظر اتصالاتهم لفتح المناقشة كما أشرت على " الملك فاروق". ...وهل أدخل في مفاوضات مع الحكومة المصرية بتشكيلها الحالي "

بعد أن تسلم " فاروق " المذكرة أبرق إلى " عمرو باشا " في لندن يحتج على تدخل السفير البريطاني في شئون مصر الداخلية .

و"عمرو باشا " على اتصال لاسلكي مباشر بالقصر الملكي المصري . " وعمرو باشا " أيضا معروف بصلاته الوثيقة بالمسئولين البريطانيين ...جميعا طلب " عمرو باشا " موعدا عاجلا جدا مع بيفن " فوافق الوزير البريطاني وتم اللقاء في نفس اليوم الأربعاء 31 يناير ..قال " عمرو باشا " لمستر " أرنست بيفن"

- صاحب الجلالة ملك مصر يعتبر رسالتكم إليه بخصوص تعديل الوزارة وتشكيل حكومة أوسع عملا غير ودي .. وأن جلالته شديد الاضطراب لما جري .

- وما حد بين السفير والوزير شرحته هذه البرقية:

برقية رقم 168 من " أرنست بيفن" وزير الخارجية إلى اللورد " كيلرن"بتاريخ 31 يناير 1946

1- عندما التقيت اليوم بالسفير المصري أبلغني أنك طلبت مقابلة فورية مع الملك وأخبرته أنك مكلف بنقل رسالة مني .

وكانت رسالتي تتضمن إبلاغ الملك أنه في الوقت الذي لا أرغب فيه في التدخل في شئون مصر الداخلية إلا أنك توجه إليه في نفس الوقت تحذيرا رسميا " وأكرر : رسميا ) يفيد أني لا أري أن إدارة مصر عهد بها لأفضل المصريين .

وبصرف النظر عن أى شئ آخر فإن الموقف الخاص بالأمن العام أظهر تدهور ملحوظا في ظل الإدارة الحالية كما يتعين على الملك أن يدرس مفاوضات " محمد محمودفي عام 1929 الخ.

2- وقال السفير المصري إنه تلقي برقية من الملك تفيد بأن جلالته تلقي رسالة غير ودية للغاية وأن جلالته انزعج للغاية من تلقيه تحذيرا رسما .

3- لقد قلت في برقيتي رقم 131 " شكلا ما من أشكال التحذير عني بعض النصح وكما كنت أعتزم نقله إنه يجب أن تكون هناك مناقشة ودية يكون واضحا خلالها أني لا أتدخل في الشئون المصرية وإن كنت أري صعوبات مقبلة أوضحها للملك وآمل أن يساعد في التغلب عليها .

4- الرجاء إبلاغي على الفور بما إذا كان هناك أى أساس لهذا التقرير الذي تلقاه السفير هنا من الملك .

إن برقيتكم رقم 131 توضح أن المناقشة كانت ودية للغاية وإني لفي حيرة من أمري لفهم ما حدث .

إن السفير المصري هنا منزعج ويري أن هناك خطرا عظيما يحدق بالعلاقات الودية التي نشأت بيننا أريد أن أتأكد من الأرض التي أقف عليها .

وسيسرني أن أتلقي تقريرا كاملا عن الأسلوب والجو الذي دارت فيه المقابلة وإذا حد في أثناء نقل الرسالة أن قمتم بتوجيه تحذير رسمي , وهي خطوة دبلوماسية بطبيعة الحال فسيكون من دواعي سروري إذا اتخذتم خطوات لتوضحوا لجلالته أنمثل هذه النية لم تطرأ على ذهني للحظة واحدة وهناك إمكانية بالطبع لحدوث خطأ في النقل أسرع " كيلرن " بالرد مدافعا عن نفسه

برقية رقم 151 بتاريخ أول فبرايرشخصي إلى وزير الخارجية

1- إني – بالمثل – في حيرة من أمري .

ولا أذكر أني أجريت من قبل مقابلة , تتسم بالود بشكل واضح مع صاحب الجلالة " الملك فاروق " كتلك المقابلة وكما سجلت في برقيتي رقم 131 بتاريخ 29 يناير التي ذكرت فيها أني تصرفت " حرفيا " وفقا لتعليماتكم .

2- وبطبيعة الأمر فإن الانطباعات قد تكون مضللة غير أن ما زلت أحمل نفس الانطباع. وقد أشار الملك إلى موقفكم الودي حيال مصر .

وجدير بالذكر أني عندما قدمت " اللورد هانكي " إلى جلالته أمس فإنه كن وديا للغاية وربما كانت مبالغة منه, وإن صح ذلك فهو ممثل مجيد بشكل غير عادي .

3- وفيما يتعلق بطلب عقد اجتماع عاجل مع الملك , فقد ذكرت في برقيتي أني أسعي جاهدا إلى مقابلة " الملك فاروق " يوم الثلاثاء 29 يناير, أى بعد ثلاثة أيام من تلقي تعليماتكم.

4- وإني على ثقة بأن هناك سوء تفاهم كامل .

ولم يحدث مطلقا أن ألمحت إلى تحذير رسمي مع روح الرسالة التي أبلغتها لجلالته وهنك احتمال بأن الفقه التي تقول " إني لا أعتقد أن بإمكاننا تفادي شكلا من أشكال التحذير " شوهت , وحرفت ".

5- وأكرر أن اللقاء كان وديا للغاية وأفترض أن بعض مستشاريه أقنعوه بالنظر إلى المسألة من زاوية مختلفة وما زلت على اقتناع كمل بأنه أخذ الرسالة على أنها لفته ودية من جانبنا في ضوء الروح التي قصدتموها .

6- هل تودون مني إيضاح المسألة مع " حسنين " .. إني لا أحبذ ذلك فلا أثق فيه على الإطلاق وسوء التفاهم الدائم لا يقلل من عدم الثقة "....نجحت اللعبة الملكية .. على أية حال .

إن " بيفن " لم يقل لسفيره قدم إنذارا رسميا " لفاروق " لإقالة النقراشي وتشكيل حكومة تضم الوفد .

ولم يقل " بيفن" لسفيره إن بريطانيا تطالب بطرد " النقراشي " لأنه لم يحفظ الأمن إن حكومة العمال أوصت السفير - فقط – أن ذكر للملك أنه من الأفضل " للنقراشي " أن حفظ الأمن .. ومن الأفضل للملك أن يشجع الوفد كحزب – لا " النحاس باشا "بالذات – على الانضمام للوزارة والانضمام لوفد المفاوضات .

وخاف " بيفن " أن يستغل الملك إنذار السفير خطأ أو عمدا فيثير " فاروق " حملة ضد بريطانيا تستفيد منها القوتان الكبيرتان , أمريكا أو روسيا أو يستغل الوطنيون ذلك فتزداد مشاعر الشعب التهابا ضد الإنجليز .

ومن ناحية هذا الإنذار قد يستفيد منه الوفد فيتطرف ضد الإنجليز و قد يقضي على الوفد باعتباره تكرارا لحادث 4 فبراير .. وإذا قضي على الوفد – شعبيا – فإن أحدا لن يستطيع تأييد المعاهدة ..

وأخيرا فإن " النقراشي" سيخرج من الوزارة بطلا يستعيد الناس بطولته في أحداث اغتيال السردار " السير لى ستاك " عام 24 ( ومحاكمة النقراشي ) عام 1925..باختصار وجد " بيفن " أن السفير أخطأ أو أن الملك عرف كيف يستغل الموقف وبالإضافة إلى هذا كله فإن" كيلرن " أمضي فترة طويلة في مصر ومن الأفضل أن يذهب حتى تختفي معه ذكريات غطرسته.

ولا يمكن أن يعرف أبدا لماذا اختار " بيفن " يوم 4 فبراير عام 46 لنقل السفير البريطاني ... هل جاء ذلك مصادفة ... أن أنه خطة مرسومة لترضية الملك والاعتذار عن حادث 4 فبراير 1942 , عندما حاصر " كيلرن" قصر " الملك فاروق " بالدبابات لإرغامه على تعيين " النحاس " رئيسا للوزراء..

كتب كيلرن في مذكراته يوم 4 فبراير 1946

أصابني صاعقة حقيقية هذا الصباح..

وصلتني برقية شخصية من " أرنست بيفن" تفيد أن مجلس الوزراء قرر تعييني مندوبا خاصا :

في جنوب شرق آسيا لأضطلع بمهمة التجوال في الملايو, وسيلان , والهند الصينية وهونج كونج , وأخيرا لتنسيق الأمور الاقتصادية وبذل المشورة للحكام وغيرها من المسائل . وقال أيضا إنه يأمل أن لقي هذا التعيين قبولا مني وأن أثبت فائدتي فيه مثلما أثبتها في أثناء وجودي في القاهرة . وقال " بيفن " إنه عاجلا أو آجلا " ستأتي اللحظة التي أغادر فيها القاهرة .. ومن المناسب أن أفعل ذلك قبل بدء محادثات المعاهدة خيرا من أن تيم ذلك في منتصف المفاوضات عظيم في الواقع أن أتلقي مثل هذه الرسالة الآن ..للوهلة الأولي يعتقد المرء نهات هنيئة .

ولكن عند تأملها يتضح أنها مكيدة تلقائية صغيرة دبرها القصر دون شك , عن طريق " عمرو " الصغير لإبعادي عن مصر قبل بدء المفاوضات.

وبحس داخلي شخصي . فإن ذلك سيكون راحة عظيمة لأني أشعر بأمانة تامة . أن احتمال نجاح مفاوضا المعاهدة هو واحد في الألف وأن قرار لندن , باستخدام سفيرها هنا كمهدئ للصواعق في حالة الفشل لا يبدو جذابا لى .

وفي نفس الوقت إن تلقيك " شلوتا" إلى أعلي له جانبه الشخصي المرير وبغض النظر عن كل ذلك , فلا يمكنني بأمانة أن أري شيئا – أكثر من هذا – تدميرا لهيبتنا في مصر ..إن الرأي العام سينظر – عن حق – إلى ذلك باعتباره انتصارا كاملا للقصر على السفارة أو أعتقد شخصيا أن ذلك سيكون بمثابة كارثة .

ولما كان من الواضح أن الأمر سري فقد استدعيت " جيم بوكر " الوزير المفوض بالسفارة البريطانية " وولتر سمارت" المستشار الشرقي – وبحثت معهما الأمر من كل جوانبه .

وهكذا كتبت برقيتين للرد أعربت في أولاهما عن امتناني البالغ واستعدادي لأن أخدم على الدوام .

ولكني طرحت بعض النقاط الأساسية المفيدة التي تحتاج إلى إيضاح مثل مجال الوظيفة الجديدة .. وتحديد واضح للصلاحيات إزاء الحكومة المحلية هناك , وما إلى ذلك , بالإضافة إلى بعض الأمور البسيطة مثل المنافسات , وكفاءة الإدارة , والسكن المناسب .

وفي رسالتي الثانية , ذكرت أني أشعر بالتزامي بتسجيل التأثير السياسي الذي سيتركه هذا النقل على المصريين ولا يتلقي " كيلرن" ردا على رسائله أو التماسه بإلغاء قرار النقل .

وبعد أسبوع يستدعي " كيلرن" صديقه " والترمونكتون " الذي وصل من لندن ليستشيره في الأمر .

وفي مذكراته كتب اللورد يقول :

" لدي عودت إلى السفارة صحبت " والترمونكتون " التعس إلى مكتبي وأطلعته على البرقيات الخاصة بوظيفتي الجديدة .

سألته عن رأيه :

- قال إن التوقيت اختير بشكل بالغ السوء , لمثل هذا النقل عشية محادثات المعاهدة ويعتقد أن وزرة الخارجية البريطانية أصابها الجنون حقا .

- وفي نفس الوقت فإنه لم ينظر الوظيفة الجديدة باعتبارها تنزيلا في الدرجة بل على العكس يعتقد أنها شئ كبير حقا .

ورجاني ألا أفكر بحال من الأحوال في ترك العمل ... أو الاستقالة .

وفي حديثه معي بشكل بالغ السرية , وهو بطبيعة الحال من المقربين جدا لميكنا , قال إنه سخبرني بشئ لا أعرفه , وهو أني كنت مرشحا لمنصب نائب الملك في الهند , ويعتقد أن عدم حدوث ذلك بمثابة مأساة. وبالرغم من أن " الجنرال ويفل " – الذي اختير للمنصب كان ممتازا بما فيه الكفاية فإنه لا يملك لسوء لحظ التقدير السياسي الصحيح.

وقال إن الأمور الآن في الهند , في حالة مؤسفة للغاية .. فقد انحل كل شئ من عقاله والله وحده يعلم متي ستنهي ذلك.

وكان " مونكتون " يعتقد أيضا " مثل كثير من الآخرين " أنهم قد يرسلونني إلى واشنطن , وهو تعيين ممتاز في تقديره ".

لا يستمع " بيفن" إلى توسلات اللورد , بل يفاجئه ببرقية أخري يقول فيها : " إن الموقف في الشرق الأقصى أصبح يدعو لليأس , وأن مجلس الوزراء البريطاني درس الموقف ووجد أنه يجب عدم إضاعة دقيقة واحدة "

وكانت هذه البرقية تحمل تفسير واحدا .. وهو أن مجلس الوزراء رفض إلغاء نقل " كيلرن" وأنه مصر على إبعاده عن القاهرة .

وتعرف " جاكلين" زوجة " كيلرن" بالأمر فتزداد اضطرابا لأن زوجها مضطر للسفر بسرعة إلى سنغافورة على أن تلحق به فيما بعد .

ويخدع " كيلرن" نفسه قائلا – في مذكراته – " إن هذه البرقية جعلتني أحس بشعور أفضل.

لأن هناك موقفا وطنيا عاجلا يحتاج إلى ... وأن هناك مهمة وعملا حيويا عهد به إلى ويجب أن أحسن القيام به "

ومع ذلك يطي إلى لندن بدعوي التشاور كما يقول ... ولإجراء محاولة أخيرة لإلغاء قرار النقل كأى موظف صغير .

ويحسن " بيفن " استقباله " يوم 18 فبراير – ولكنه يقول له

- هذه أكبر وظيفة في حياتك يا طفلي العزيز!

- ومن هذه الكلمات يعرف " كيلرن " أنه لا فائدة ولا جدوى من الإلحاح ويستقبله ملك بريطانيا في القصر الملكي .. ويدعوه للغداء مع الملكة وحدها .. ولكن ملك بريطانيا وملكتها لا يتدخلان في شئون الحكم .. ولا يوصيان " بيفن" باللورد .. خيرا !!

بعد أسبوع من اغتيال " أمين عثمان " .. ماتت السيدة " صفية زغلول " التي عاشت 19 سنة عقب وفاة قرينها " سعد زغلول ". توجهت في الصباح الباكر – كعادتها كل يوم – لزيارة ضريح زوجها .

وتناولت طعام الغداء مع أفراد أسرتها التي تدعوهم ظهر كل سبت وأمضت بعض الوقت في مكتب سعد.

وفي الرابعة بعد الظهر شعرت بألم ففحصها قريبها " الدكتور أحمد شفيق باشا " ثم صعدت إلى حجرتها لتستريح .

خافت الأسرة فدعت " الدكتور سليمان عزمي باشا " ليجد هبوطا في القلب فأعطاها حقنة ولكنها أسلمت الروح في الخامسة مساء .

ورأت الأسرة ألا تنعي " أم المصريين" وهذا هو الاسم الذي أطلقه عليها المصريون بعد وفاة زوجها .. لأن " صفية زغلول " كانت تعد نفسها أما لمصر كلها . قصد " النقراشي " إلى ( قصر الزعفران ) ليحضر مأدبة العشاء التي أقامها " الملك عبد العزيز آل سعود" وليطلب إعفاءه من الاشتراك في المأدبة ليشرف على تدابير الجنازة التي شيعت في وقار لتدفن بجوار سعد.

وتخلف " مصطفي النحاس " عن موكب الجنازة وأوفد نائبا عنه " عثمان محرم باشا " عضو الوفد ووزير الأشغال السابق .

وقيل إن " صفية زغلول " اختلفت مع " النحاس" عندما اختلف مع " مكرم عبيد " عام 1942 .

وقيل إن " النحاس "ذهب يزورها بعد تعيينه رئيسا للوزارة يوم 4 فبراير عام 1942 فرفضت استقباله ..

والغريب في الأمر أن " صفية زغلول " هي التي أيدت ترشيح " النحاس الوفد عام 1927 بعد وفاة " سعد"

ووقفت أرملة " ضد ابن شقيقه " فتح الله بركات " الذي كان يطمع في رئاسة الوفد .

وكان تأييد كل من " صفية زغلول , وأحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي . للنحاس من العوامل الأساسية والرئيسية لفوزه برئاسة الوفد في سبتمبر 1927 .

كنت أم المصريين في السبعين من عمرها وهي صغري بنات " مصطفي باشا فهمي " الذي تولي رئاسة الوزارة المصرية 5 مرات وبقي رئيسا للوزارة 13 سنة دفعة واحدة تتكلم العربية والتركية والفرنسية .

تزوجها سعد – في أثناء اشتغاله بالمحاماة وهو في السادسة والثلاثين وهي في الثامنة عشر ولم يرزقا بأولاد.

روي العقاد دور " صفية زغلول " في ثورة 1919 فقال " إن سعدا جاءها في فجر الثورة يقول . - يا " صفية" إني وضعت رأسي عل يدي هذه وبسط لها يمناه.

- كان جوابها .

وضع رأسي هذا على يسراك .

بعد نفي " سعد " إلى مالطة , فكرت في السفر واشترت تذكرة الباخرة ثم فضلت أن تبقي لتزور جرحي الثورة .

وجعلت ن بيتها معسكرا للجهاد الوطني تصدر البيانات الثورية والنداءات الوطنية وترأس اجتماعات أنصار الوفد وتجتمع بقادة الحركة وتثير حماسهم .

وقيل أيامها إنها لو كانت رجلا لقادت الأمة .

وكتبت إلى المعتمد البريطاني " السير رونالد وينجت" تطلب أن تمر رسائلها إلى " سعد " بلا رقابة مقابل وعد منها بأن السائل لن تحتوي على شئ ممنوع .

وقبل أن يجيب " وينجت " على رسالتها , فكرت في أن هذا العمل لا يناسب الرجل الذي أحبته , ولا يناسب مصر أيضا فأمسكت التليفون لتكلم المعتمد البريطاني فقيل لها إن " وينجت " لم يعد من لعبة الجولف .

سألت عن الضابط النوباتشي فقال لها :

- أية خدمة أستطيع تقديمها لك " يا مدام زغلول باشا "

- قالت بالفرنسية :

قل لسيدك إن أسحب طلبي الذي قدمته هذا الصباح لا أريد جميلا منه أو من بلاده .

وأريده أن يعرف أني عازمة على تخصيص كل فكري وكل قوتي لمحاربة بلاده حتى تخضع وتمنح مصر استقلالها .

وإذا كان قراري يعتبر حكما بالإعدام على وعلى زوجي فإننا سنموت في سبيل مصر .. وستحيا مصر لتنتقم لنا .

وبعد نفي " سعد" إلى ( سيشل) عام 1922 طلبت إلى المندوب السمي البريطاني " اللورد اللنبي " ن يسمح لها بالسفر مع زوجها إلى هذه الجزيرة النائبة فرفض .

... أخذت تقود الحركة الوطنية فرأت الحكومة البريطانية أن توافق على سفرها لتقصيها عن مصر وأبلغتها ذلك ولكنها أبت قائلة ..

- ذهب " سعد " وسأبقي مكانه .

- وظلت في القاهرة حتى نقل " سعد " إلى جبل طارق بعد أن اشتد عليه المرض فسافرت لتكون إلى جواره .

- وبعد وفاة " سعد " عام 1927 فتحت بيتها للوفد يجتمع فيه كما كان في عهد " سعد " حتى تم توقيع المعاهدة المصرية الإنجليزية فقررت اعتزال السياسة ولكنها بقيت الأم الوطنية للزعماء جميعا تصلح ذات بينهم وترشدهم وتثير حماسهم , ووطنيتهم وتشد من أزرهم وبقيت ملهمة للحركة الوطنية 19 عاما , تدعو للحركة الوطنية وللوحدة قائلة : إن مصر في حاجة إلى الوحدة الوطنية .

- وطلبت إلى أجنحة الوفد التقارب والاتحاد ولكن حزب زوجها خيب أمالها ولذلك أخذت تنصح الجميع .

- وقالت :

إن مصري تنتظر قائدا وطني يضع مصالح مصر أولا .

ورأي الملك فؤاد" أن يجعل مقامها في البروتوكول بعد الميرات .

ومم يجدر بالذكر , أن مجلس الوزراء أصدر عقب وفاة " سعد " قرارا بشراء بيت الأمة ليكون متحفا وطنيا بعد وفاتها وقد تبرعت بأثاث البيت للحكومة .

وكان " سعد" قد أوصي بأن تدفن أم المصريين معه في ضريح واحد فلما نقل جثمانه إلى الضريح الحالي قرر مجلس الوزراء أن تدفن أم المصريين إلى جوار زوجها .

زارها – قبل وقتها بشهر - صحفي بريطاني وسألها وهو يشير إلى ضريح " سعد " الذي يجاور دارها عم تشعر به عندما تطل كل صباح على ضريح زوجها .

فقال أم المصريين .

" أعرف أني سأدفن هناك.. وكلما استيقظت في الصباح ونظرت إلى الضريح من النفاذة أحس في نفس بأن المسافة التي سأقطعها بين الحياة والموت قصيرة جدا"

وبموت " صفية زغلول " تزداد خلافات الوفد. ولكن " النحاس " يقرر ضم أعضاء جدد إلى لجنة الوفد التنفيذية.." فؤاد سراج الدين ومحمود سليمان غنام وأحمد حمزة , ومصطفي نصرت ":

ويكون هؤلاء الأعضاء علامة على اتجاه جديد في حزب الوفد لضم أصحاب لأملاك إليه وكان من الطبيعي أن يزداد جناح الشباب المثقف في الوفد .. تطرفا إلى اليسار ..

أصدر الوفد بيانا عنيفا قال فيه : " إن المذكرة المصرية , تساوي الاعتراف بأن المعاهدة الجديدة ستفرض قيودا عسكرية دائمة بالرغم من الضمانات التي حصلت علها مصر من اشتراكها في منظمة الأمم المتحدة ".

وقيل إن الإشارة إلى السودان في رد بريطانيا توحي بأن الحكومة المصرية الحالية قدمت تنازلا كبيرا للإمبريالية البريطانية في السودان .

ووجه الإخوان المسلمون بيانا إلى أبناء النيل قالوا فيه : " إن المذكرة المصرية كتبت بأسلوب الشحاذين .. والرد البريطاني تجاهل مطالب المصريين الاجتماعية .. ويجب إلغاء المعاهدة " وتبرأ " على مالهر " من هذه المذكرة وقال :" إن الهيئة السياسية ليست مسئولة عنها "

وقال " صبي أبو علم " سكرتير عام الوفد :" إن بريطانيا وافقت على التفاوض مع " النقراشي " مقابل تصريح " عبد الحميد بدوي" بعدم الالتجاء إلى مجلس الأمن "

وقال : إن بريطانيا عجلت بالتفاوض حتى لا تثير روسيا القضية المصرية في مجلس الأمن وقال إن التحالف مع بريطانيا جريمة.

فوجه إليه " إبراهيم عبد الهاد " وزير الصحة – الذي أصبح رئيسا للوزارة بعد ذلك – سؤالا .

" هل أنت ضد التحالف المصري البريطاني "!

رفض " صبي أبو علم " الإجابة ! فإنه كان يخشي التزام الوفد بهذه السياسية مما يقطع أمل الإنجليز في أن الوفد سيعقد معاهدة .

وكتب " إسماعيل صدقي " في " الأهرام " : " إن المذكرة البريطانية لم تهتم بالتغييرات الناشئة عن الحرب ".

وقال :" إن عصر السيطرة والنفوذ قد انتهي "

وقال :" إن المفاوضات يجب أن تكون في لندن لا في القاهرة وإن ما فعلته بريطانيا يعتبر محاولة للتسويف "

وخطب " مكرم عبيد" في حفل أقيم لتكريمه في فندق " شبرد " فقال : إنه يؤيد الصداقة مع بريطانيا لا المشاركة "

وهاجم المشاركة المصرية ( الكوميدية) في حكم السودان .

وهاجم السفير البريطاني ووضعه الدائم كعميد للسلك السياسي الأجنبي في مصر وقال ذلك احتكار لا امتياز .

وقال " مكرم عبيد" : " إن مصر لا تقبل مبدأ المشاركة ولكنها توافق على التحالف " ويحاول " النقراشي " أن يرد على كل الاتهامات الموجهة إليه .

خطب في الحزب السعدي فقال :" تقطع يدي ولا أسمح ببقاء ولو قوة بريطانية صغيرة في مصر وسأتمسك بسياسة الصمت لأن من الحماقة أن ننغمس في دعاية عنيفة في مسألة لها هذه الأهمية العظمي "

وكد من جديد شعاره وهو " الصمت الوقور والصبر "

أعلن " النقراشي " أنه اتخذ خطوة لتحقيق الأماني الوطنية .

وردت صحف الوفد , فسمته ساخرة . بأنه " أبو خطوة " و" رجل الوقت المناسب " وجعلت من " سياسة الصمت" التي التزم بها .. أضحوكة .

واستمرت صحف المعارضة تنتقد " النقراشي " لأنه لم يطالب إلا بتعديل المعاهدة ولم تحدد مواعيد لبدء المفاوضات أو نهايتها .

صحيفة مصرية واحدة ه التي وافقت على الرد البريطاني وهي " الإجيبشان جازيت " التي تصدر باللغة الإنجليزية .

كتبت تقول :

" لو أن بريطانيا بقوتها البحرية لم تطرد نابليون من مصر , لما انتصر " محمد على باشا " ولما قامت مصر الحديثة .

وصف " كيلرن " في تقاريره خيبة أمل مصر من الرد البريطاني وتمسك لندن بمعاهدة عام 1936 كأساس للمفاوضات والمشاركة بين مصر وبريطانيا في الدفاع .

قال :" كان استقبال المذكرة البريطانية فاترا بصورة عامة"

وجهت الصحف المستقلة – برغم أنها أكثر تحفظا من الصحف الوفدية – انتقادات شديدة أعلنت " الأهرام" بصورة قاطعة أن على مصر المطالبة بتعديل أسس التفاوض ومن الأفضل للحكومة إجراء المفاوضات في الوقت الحاضر "

وتبنت صحيفة " مكرم عبيد" " الكتلة" خطها المتشدد المعتاد انتقدت الكتلة ردنا , ولكن " مكرم عبيد" كان أكثر تحفظا في البرلمان . اكتف بالقول بأن على المفاوضين المصريين دخول المفاوضات دون أية قيود "

وشن " الإخوان المسلمون" أيضا هجوما على المذكرة البريطانية بخط مشابه لخط الوفد وجرت المظاهرات ضد مذكرتنا في المعاهد الدينية وفي مدرسة الأقباط بطنطا وفي الأزهر .

ويتوقع البوليس حدوث مظاهرات – ينظمها الوفد أساسا من طلبة الجامعة عند عودتهم للدراسة عقب الأجازة.

وذكرت التقارير أيضا أنه يتم تنظيم إضراب احتجاجا على القرار البريطاني بالسماح بالهجرة مؤقتا لفلسطين .

وقال مدير الأمن العام بأن البوليس تلقي الأوامر ليمنع بالقوة أية مظاهرات وفي مجلس الشيوخ انتقد " صبري أبو علم" إن ذلك غير ضروري نظرا لميثاق الأمم المتحدة.

واقترح على المجلس أن يصدر قرارا بأن المذكرة المصرة والرد البريطاني لا يصلحان كأساس للمحادثات أولا المفاوضات .

تتزايد المشاعر المتطرفة المعادية لبريطانيا حول موضوع هذه المعاهدة دون أن تبذل الحكومة محاولة فعالة للسيطرة عليها في الرأي العام أو في الصحافة .

وتبدو الآمال حول نجاح " المفاوضات, في مثل هذا الجو ضئيلة " النقراشي ..مقابل كيلرن

بقي " محمود فهمي النقراشي " بين نارين نار الإنجليز ...ونار المعارضة قالت " البلاغ " إن " النقراشي " طرف في المؤامرة مع الإنجليزويهاجم " صبري أبو علم " في مجلس الشيوخ – الهيئة السياسية قائلا : إنها هيئة لا مثيل لها . فرد " النقراشي " معبرا عن حيرته :

إذا لم نأخذ بآراء السياسيين القدامي يقل إننا أهملناهم .. إنها هيئة استشارية والحكومة هي المسئولة .

ويكتب " احمد حسنين " زعيم حزب مصر الفتاة في جريدة الحزب تحت عنوان ( فليسقط عدو الوطنية" .. فليسقط عدو الحرية) :

"... أجل فليسقط هذا " النقراشي " عدو الحريات جميعا , وعدو الوطنية في كافة أشكالها ومظاهرها "

وقال الكاتب :

لكي لا ننسي وينسي النقراشي " وينسي الإنجليز قامت الأمة قومة رجل واحد تطلب إخراج الإنجليز ولكن " النقراشي " راد أن يقف في وجه الأمة وأن يقتل شعورها . وإحساسها بدعوي أنه سيتولى عنها إرسال الخطابات إلى انجلترا

وقد ظل هذا العاجز عاما يضلل الشعب ويطاوله يعده ويمنيه وهو في كل ذلك يضغط ويخيف ويرهب ويخدع "

وحملت صحيفة " الوفد المصري " على " النقراشي " بطريقة أعنف .

قالت " هذه الحكومة علام تستند ؟ " إن العهد الحاضر انتهي إلى فشل ذريع وأصيبت البلاد بأضرار جسيمة .

وكتب الدكتور " محمود مندور " رئيس تحير الوفد المصري تحت عنوان " الحكومة واضطراب البلاد" لم يعد هناك شك في أن البلاد في حالة اضطراب الآن .. والحكومة هي المسئولة عن هذه الحالة بسبب سياستها التي عجزت عن أن ترضي مشاعر الأمة وتحقق مطالبها سواء في الداخل أو في الخارج.

إنها حكومة تستند إلى أحزاب الأقلية وتضعف في المطالبة بحقوق البلاد ثم لا تصرف همها إلا إلى التضييق من الحريات المبدئية والتجسس على الشرفاء .. حكومة هذا شأنها يجب أن تزول "

ولم يتخلف كاتب وفدي عن الحملة على " النقراشي "...قال الدكتور " عزيز فهمي " .

" هذه الحالة أصبحت لا تطاق .. أقلية عابثة مستهترة بالأمن العام .. تساوم في حقوق البلاد ,, وتتحكم في الملايين .. وحكام عابثون .. لا يزعهم وازع , ولا يردهم ضمير يتحدون القوانين .

إن حالتنا هذه أصبحت ( ج) ومصر مشرفة على الهاوية .. فليعلن الشعب قيام الحالة ( ج) وعلينا أن نتولى حماية أنفسنا ... بأنفسنا وعلينا أن ندافع عن حقوق بأيدينا فالوطن وطننا والمصري مصيرنا "

ويقول " عزيز فهمي " تحت عنوان آخر " الميت حي " ولد النظام الحاضر ميتا .. وأشاح الشعب عنه يوم بشر بمولده .. وصاحب الدولة يعلم .. كما يعلم أصحاب المعالي أنهم في واد .. والأمة في واد "

وتشتد مقالات " عزيز فهمي كتب تحت عنوان " عود إلى الحماية ":

" سيسجل التاريخ أن الوزارة المصرية طالبت في 20 ديسمبر 1945 بإعلان الحمية على مصر وشطر وادي النيل , ولتضمن البقاء في الحكم وأن الحكومة البريطانية أجابتها إلى ما تريد ".

ويكتب " الدكتور محمد مندور" في " الوفد المصري " تحت عنوان ( دولية القضية المصرية )

" حكومتنا المجاملة لا تزال صابرة صبر أيوب , وللإنجليز أن يماطلوا كما يشاءون .. ولحكومتنا العجيبة أن ننتظر حتى تجد من وقتها متسعا للحدي معها "

وبرغم أن " النقراشي " كان يعاني من القصر والسفارة البريطانية فإن صحف المعارضة بقيت تتهمه بالتواطؤ مع الإنجليز كما كتب " الدكتور عزيز فهمي " ... قال :" وزارة متهمة . وأدلة لاتهام أن الوزارة التي تريد أن تبدأ محادثات مع السفير البريطاني هي الوزارة التي تآمرت على إقصاء قضية الوطن عن مجلس الأمن لتلتمس شخوص وفد مصر إلى لندن يفاوض الحكومة البريطانية في عقد معاهدة عسكرية جديدة تسوغ بقاء الاحتلال وهي أول وزارة مصرية في عهد الحماية أو في عهد الاستقلال تسلم للإنجليز بحق من الحقوق في السودان جل أو هان .."

ويحتج السفير على جريدة مصر الفتاة وهجومها على بريطانيا ويصادر أحد أعداد روز اليوسف وتعطل صحيفتا البلاغ والوادي شهرا .

ويقول " كيلرن" إن الوفد يلعب لعبة أمريكا بعد أن قال : إنه يلعب على الورقة السوفيتية نشرت صحيفة " الديلي تلجراف " إن الوفد يتطرف في المعارضة لإحياء شهرته باعتباره البطل الوحيد للوطنية المصرية .. أما " النقراشي " فإنه نفر من إحراج الحكومة البريطانية , مما جعله عرضة للاتهام بأنه خاضع للمصالح الأجنبية .

وقال الدكتور " محمود عزمي " إن مصر ستواجه مصاعب في عام 1946 ويجب أن نستعد لها وسيأتي يوم علينا أن نختار فيه بين العبودية والنضال في سبيل الحرية.

أفلت الزمام ..

طرح الطلبة خلافاتهم جانبا بعد استئناف الدراسة عقب عطلة نصف السنة أثار الرد البريطاني ثائرة الطلبة واعتبروه إهانة وقحة للسيادة المصرية ولكل تضحيات مصر في أثناء الحرب.

ووزع الطلبة الوفديون استفتاء داخل الجامعات والمدارس عن الطريقة المثالية لحل القضية المصرية وهل هي التعاون أو التفاوض أو استعمال القوة .

التقي " بنكني تاك" الوزير الأمريكي المفوض في مصر " باحمد حسنين باشا " رئيس الديوان الملكي يسأله عن الأسباب الكامنة وراء موقف الشعب المصري.

أشار " حسنين " إلى ظهور الوطنية المصرية وقال :

" أخشي إذا لم يستجب للتطلعات الوطنية , رد فعل خطير في جميع أنحاء البلاد واضطرابات توازي بل تفوق أعمال العنف التي جرت عام 1919 "

وكتب " بنكني تاك " إلى وشنطن

" يعترف المراقبون السياسيون المحنكون أنفسهم أنهم لا يستطيعون بصورة واضحة تحديد الأسباب الكامنة وراء اضطرابات القاهرة الأخيرة وهناك اتفاق على وجود شعور وطني عام واسع النطاق .. يجب قبوله كعامل هام في العلاقات المصرية البريطانية مستقبلا .

ولا يوجد شك في المد الوطني ليس قاصرا على مجموعة بعينها بل تشارك فيه وتسانده الأمة كلها .

ومن المؤكد أن أهم قضية تسهم في الهياج هي المفاوضات المقبلة لتعديل معاهدة التحالف الانجلو – مصرية "

وقال " تاك " :

" إن العوامل التي يعزي إليها ظهور الوطنية تأتي بترتيب أهميتها :

• الرغبة في جلاء القوات البريطانية .

• والمطالبة بوحدة وادي النيل .

• والمطالبة المتكررة بتحسين أحوال معيشة الجماهير .

وتبذل محاولات لإدخال ممثل وفدي في المفاوضات وربما " النحاس باشا " نفسه .

وهذه المفاوضات وتمثيل الوفد تعتبران أهم عامل يجب الاعتراف به ف التطور السياسي في مصر في المستقبل العاجل .

والعامل الوطني هو العامل الأساسي "

أخذت الأحزاب , والإخوان المسلمون والملك يستغلون الطلبة ويستعدونهم للتظاهر .. ضد الإنجليز .. وضد حكومة " النقراشي "...

الملك يريد ن يغير صورته و التي استقرت في أذهان الشعب بعد حاد 4 فبراير 1942 عندما استسلم للإنجليز .

بعد 4 فبراير كانت عواطف الشعب والجيش مع الملك .. فبعد حصار قصر عابدين عرف الجميع أن الملك قد أهين ولم يقاوم ..

ومن ناحية أخري فإن الفضائح الشخصية " لفاروق " جعلته موضع .. كراهية الشعب وقد فشل الملك منذ أكتوبر 1944 أى منذ إقالة النحاس في أن يسترد صورته القديمة في أذهان الناس , ولذلك أراد أن يقف مع الطلبة ضد الإنجليز .

أما الوفد فإنه فقد موقعه في قيادة الشعب بعد تعاونه مع الإنجليز ولذلك رغب في التطرف ضد بريطانيا .. وقد اعتاد الوفد ذلك عندما يكون خارج الحكم. وساعد على تراجع الوفد الفساد الذي انتشر فيه والذي دفع " مكرم عبيد " إلى تأليف " الكتاب الأسود" ليروي فيه فضائح الحكم"

ونطلق الوفد يتطرف مدفوعا بالجناح اليساري فيه الذي رفع صوته – الدكتور محمد مندور " والدكتور عزيز فهمي " الخ – وأصبح هؤلاء هم الناطقون باسم الوفد والمعبرون عنه .

يضاف إلى ذلك زيادة نفوذ الإخوان المسلمين وانتشارهم في المعاقل التي كان يسيطر عليها الوفد فأراد الوفد أن يدخل معركة التحدي ضد لإخوان والإنجليز أحزاب الحكومة .

كان ميدان المعركة ... الجامعة وبالذات جامعة فؤاد الأول .. أو جامعة القاهرة شكلت في الجامعة " اللجنة التنفيذية" التي تضم طلبة من جميع الأحزاب والاتجاهات نالت تفويضا من طلاب الجامعة وأصبحت تتحدث باسمهم وتقودهم إلى الإضراب والتظاهر من أجل مطالب البلاد.

ولم يكن هناك من يستطيع الوقوف في وجه هذا الإعصار الحزبي الملكي الديني العنيف الذي انضم إليه الشيوعيون أيضا !

السفارة البريطانية لم تعد قادرة على تهدئة الوفد الذي أراد أن يظهر لبريطانيا قوته " النقراشي " لم يعد قادرا على قمع المظاهرات لأن الوفد والحزب الوطني والإخوان المسلمين والشيوعيين وحتى حزب الكتلة برغم اشتراكه في الوزارة ضده والصحف رفعت عنها الرقابة ولذلك انطلقت في الهجوم على " النقراشي" بعنف ...

هذه مجلة " رابطة الشباب" مثلا تصف " النقراشي " بأنه " المتهم لأول في قضية مصر الكبري .. قضية أمانيها القوية وأهدافها الوطنية .. إنه أضاع على مصر سمعة الماضي المجيد .. في الوطنية , والكرامة , والعزة , وجهاد السنين الشاق , في سبيل الحرية والاستقلال "والزعماء ينافسون الصحف في الحملة على " النقراشي "... " حسين سريباشا " الرجل الذي ينافق السفير البريطاني و ينقل إليه أخبار مصر وأسرارها يدلي بحديث لمجلة " آخر ساعة " يقول فيه :" الرد البريطاني كارثة وكل جملة منه قطرة من السم والخطأ خطأ الحكومة المصرية "و" إسماعيل صدقي " يهاجم " مؤامرة الصمت والسرية التي تلتزمها حكومة " النقراشي: قال :إن العرب لا يؤمنون بسياسة ( انتظر حتى تري ) فإن كل دولة تريد لفت الأنظار لقضيتها كما حدث في سوريا ولبنان وإيران وتركيا "

ويتساءل " صدقي " في عجب :

" لم لا تفعل مصر ذلك , فإن سياسة الصمت , لم تأت إلا بالوعود الحلوة .. فحسب "

وتكون مقالات "صدقي " عاملا يضاعف الأزمة الوزارية , ويضاعف الأضواء حول " صدقي " نفسه .

ولكن " طه حسين " يكتب قائلا إن " النقراشي " تجاهل " صدقي " وهذا هو سر المقال ولذلك فإن " النقراشي " سيسعي لمصالحه رئيس الوزراء السابق .

ويشتد النقد ضد الرد البريطاني لأن لندن تمسكت بفكرة التحالف أو المشاركة مع مصر للدفع عن المصالح المتبادلة .

ولا تقتصر أحزاب المعارضة على استعداء الطلبة ضد الحكومة , بل تستعدي كل الطوائف.. تنشر صحيفة " الوفد المصري " إن الفلاحين يلاقون عنتا في نقل محاصيلهم لأن قطارات السكة الحديد مشغولة بخدمة بريطانيا وقواتها "

وتلقي هذه الكلمات صدي في نفوس الفلاحين لأن بريطانيا تشتري القطن المصري بسعر يزيد قليلا عن أسعار عام 1938.. وهذا السعر أقل دولارين في القنطار – بالنسبة للقطن الأمريكي برغم أن أمريكا تقدم إعانة لزراع القطن .

وينشر أن أمريكا اشترت قطنا مصريا ولكن بريطانيا احتفظت بالثمن وقدره 3,250,000 جنيها وبذلك زادت ديون بريطانيا ... لمصر .

ونشر ن بريطانيا . لن تدفع ديون لمصر .. وستقوم بإلغائها في مذكراته كتب " كيلرن"

" كانت هناك قلاقل طلابية ومظاهرات عديدة خلال اليومين الماضيين وبالأمس كانت هناك مظاهرت ضخمة , وصدام مع البوليس

وهناك تحذيرات شديدة بشأن مظاهرات رهيبة ستقام غدا تحت ستار أنها مظاهرة وطنية تعرض ولاءها " للملك فاروق " بمناسبة عيد ميلاده .

وإدارتي قلقة للغاية بسبب كل ذلك وبسبب احتمالات القلاقل والمظاهرات المعادية للبريطانيين .

وفي الواقع كان قلق إدارتي بالغا لدرجة أني أثرت الأمر في الليلة الماضية مع " النقراشي " أخبرته أنني لست في الوضع الذي يمكنني من طلب حضر المظاهرات الموالية ولكني على حق في القول بوجوب الحيلولة دون حدوث ما يعكر السلام أو انفجار هبات معادية للبريطانيين وإذا حدث ذلك فسيعتبر مسئولا عن ذلك أمام لندن في الوقت الذي توشك فيه مناقشات هامة على أعلي مستوي بين البلدين.

وقد تقبل " النقراشي " تحذيري بشكل طيب ..."

قال " بنكني تاك" الوزير الأمريكي المفوض :

" إن الوفد لعب , ويلعب دورا محددا في إذكاء نار الفوضى ويرجع انتقاد " النحاس باشا " العالي للبريطانيين , لأن الحكومة البريطانية لم تبد حتى الآن إشارة استعداد لمساندة حزبه .

ويوجد دليل مزعج على أن الإخوان المسلمون يتمتعون بنفوذ متزايد , بين عناصر الخلاف .

وهنك من يزعمون أن الإخوان متحالفون مع عناصر وفدية معينة وفيما يتعلق بالإثارة الشيوعية خلال أحداث الشغب الأخيرة فلا يوجد أى دليل مباشر على وجود مثل هذه الإثارة .

والمراقبون العليمون يعترفون بخصوبة الميدان المصري للشيوعية ويعترفون بأنه ظهرت خلال الاضطرابات الأخيرة شعارات شيوعية وقدر ضئيل من الأدلة على وجود تنظيم شيوعي

لم يهتم الملك إلا بعيد ميلاده والبرامج التي أعدت لذلك.

الحفلة الساهرة الترفيهية في قصر الأميرة " شويكار " ... ومهرجان الشعلة الذي يتحرك من الأقصر على بعد 700 كيلو متر من القاهرة ويتبادل حمل الشعلة 600 من الجنود , يرتدون الملابس الفرعونية وكل متسابق بقطع مائتي متر .

ويتفجر الموقف قبل يومين اثنين من عيد ميلاد " فاروق "

صباح السبت 9 فبراير قام ألوف من الطلبة جامعة فؤاد الأول - القاهرة – بمظاهرة اتجهت إلى قصر عابدين .

ومر الطلبة ( بكوبري عباس ) فوجدوه مفتوحا فنزل بعض الطلاب وأغلقوا الكوبري ليمروا فوقه .

وحدث صدام بين الطلبة الذين أرادوا متابعة المظاهرة ورجال الشرطة الذين حاولوا منعهم . واعتدي رجال الشرطة على الطلاب بالعصي الغليظة بقسوة متناهية فأصيب 84 طالبا صورت جريدة " الوفد المصري" ما جري يوم 9 فبراير بعناوين ضخمة وكأن الحادث معركة حربية بين دولتين .

ونشرت الصحيفة :" إن معارك دموية جرت بين الشباب من ناحية والجيش والبوليس المصري من ناحية أخري .. وإن القتلى والجرحى والمفقودين والغرقي ... كثيرون .

بل نشرت " الوفد المصري " : إن مئات القتلى سقطوا في كل أنحاء البلاد . وقال الإخوان المسلمون : إنهم تقدموا مسيرة الطلاب المتظاهرين من أجل قضية مصر ضد البوليس المصري الذي يسيطر عليه البريطانيون وإن " مصطفي مؤمن " قائد الإخوان في الجامعة .. كان يقود المظاهرات .

والرواية الأخيرة عن حادث كوبري عباس كتبها " جميس بوكر" الوزير البريطاني المفوض في تقريره إلى لندن..

قال :

" كنت الظروف السائدة هذا الأسبوع هي موجه عارمة من الغضب والعداء لبريطانيا بسبب ردنا على المذكرة المصرية التي تطالب بمفاوضات حول موضوع المعاهدة .

- شهدت القاهرة مظاهرات طلابية عنيفة واضطر رجال البوليس إلى اللجوء إلى أعمال القمع

, وخاصة يوم 9 فبراير عندما هاجم رجال الأمن حشدا من الطلاب - يقدر عددهم بستة آلاف طالب – كانوا يحاولون عبور ( كوبري عباس ) من الجيزة إلى القاهرة .

- أصيب عدد بسيط من الطلاب بإصابات جسيمة وفي اليوم التالي حدثت موجة خطيرة من أعمال الشغب قام بها الطلبة وقامت مظاهرات مماثلة في كل من الإسكندرية والمنصورة والزقازيق وشبين الكوم والمنظمون الرئيسيون لهذه المظاهرات هم جماعة " الإخوان المسلمين " وحزب الوفد ويذك أنه عند افتتاح الجامعة في أكتوبر الماضي لم يستطيع الوفديون إغراء الطلبة على الخروج بمظاهرات بسبب عدم تعاون الإخوان معهم لأن جماعة الإخوان كانت تتقرب إلى " النقراشي في ذلك الوقت .

ويبدو أن ما حدث هذه المرة من تعاون بين الإخوان المسلمين والوفديين يشي إلى نهم يعتقدون أن الحكومة الحالية تقف على أقدامها الخلفية ... أى على وشك السقوط , والإخوان المسلمون في ضيق من حكومة " النقراشي " الحالية فقد أظهرت نحوهم نوعا من الود في البداية ولكنها بدأت في الفترة الأخيرة تفرض القيود على نشاط الجماعة ومن الأدلة على تعاظم نفوذ الإخوان المسلمين , نهم قرروا أن يلقوا بثقلهم إلى جانب الفوضى والشغب .. وأثر ذلك واضح تماما ..ويبدو أن القصر يقوم بلعبة .. أى أن القصر يؤيد الحكومة وفي نفس الوقت , يوحي بأن البوليس كان في غاية العنف .

وأكدت الصحف , أن " مصطفي أمين " وهو أحد النواب ورئيس تحرير جريدة " أخبار اليوم " قرر أمام البرلمان , أن أعمال الشغب التي حدثت ذات فائدة لمصر فقد أوضحت للعالم أن المصريين لا يمكن أن يقبلوا الرد البريطاني واقترح ن يتم العفو عن الطلاب "وأضاف :" إن إصرار الحكومة على الاستغناء عن خدمة ضابط البوليس البريطانيين دفعت هؤلاء الضباط إلى إصدار الأوامر بضرب الطلبة .

ومن الواضح أن القصر يلعب بالنار ولم يدرك جيدا مقدار التأييد الذي فقده " الملك فاروق " في الدوائر الطلابية عندما لم يمنع الغليات الذي حدث بين صفوف الطلبة والذي انتهي – كما هو متوقع – بالفوضي التي واجهتها الحكومة بالقوة فيحين تعتبر الحكومة أداة من أدوات القصر .

وهذا التغيير في الموقف بين جماهير الطلاب كان واضحا في احتفال وضع حجر الأساس للمدينة الجامعية الجديدة التي ساهم فيها " الملك فاروق " والعائلة المالكة بنصيب وافر فلم يحضر هذا الاحتفال سوي عدد قليل جدا من الطلبة .

والأكثر من ذلك , هدم الطلبة الزينات التي أقيمت بسبب عيد الملكي وفي مكان الاحتفال .

وتقول دوائر القصر في محاولة لتبرير ذلك إن الطلاب مزقوا الزينات ليستخدموها فيما يشبه الذخيرة أو العتاد ضد البوليس وهذا غير محتمل فما كانوا ليفعلوا ذلك لو لم تكن نفوسهم تحمل شيئا ضد الملك . ويبدو أن العناصر المناوئة للقصر حظيت مرة أخري بأغلبية كبيرة .

وبكلمات خري .. فقد القصر المكانة التي حصل عليها منذ سقوط وزارة " النحاس في أكتوبر 1944 .

ومع ذلك فالوضع يتوقف إلى حد بعيد على موقف لإخوان المسلمين الذين قد يتحلفون من القصر مرة أخري إذا اتفق ذلك مع أهدافهم في الوقت الراهن .

وتمت مصادرة صحيفتين وفديتين يومين متتاليين , لأنهما صحيفتان مغرضتان ولتشجيعهما للفوضي .

ومع ذلك فإن صحيفة " مكرم عبيد" " الكتلة " هاجمت الحكومة بشدة بسبب أعمال القمع التي قام بها البوليس ضد الطلاب .

وأخيرا فإن " مكرم عبيد" الذي عرض استقالته بسبب هذا الموضوع يلعب لعبة التنافس مع حزب الوفد حول أيهما يقوم بدور البطل الشعبي قال " عبد الرحمن الرافعي "" سميت هذه الحادثة ( حادثة كوبري عباس ) وبالغ الرواة في تصويرها إذ جعلوا منها فما بعد دعاية سياسية ضد وزارة النقراشي وزعموا أن بعض الطلبة قتلوا فيها وبعضهم غرق في النيل من أعلي الكوبري وقد تحققنا وإنه لم يقتل أحد.

ولا غرق أحد في هذه الواقعة بالذات , ولو قتل , أو غرق أحد لذكر أسمه ولو بعد حين وإنما توفي في اليوم التالي شاب من أبناء الجنوب اسمه " محمد على محمد " الطالب بكلية التجارة وكانت وفاته بفناء الجامعة إثر سقوطه من سيارة كانت تمر أمام الجامعة وأراد الطلبة ركوبها ولم يكن للبوليس دخل في مقتلة .

وليس من شك في أن الاعتداء بالضرب على المتظاهرين عمل منكر في ذاته لأنه كان يجب تركهم يذهبون إلى قص عابدين إذا لم تكن هتافاتهم عدائية للحكومة ولكن ليس من الإنصاف - في رواية الوقائع – المبالغة فيها وإخراجها عن حقيقتها إرضاء للمآرب والشهوات "وحاصر رجال البوليس كلية طب القصر العيني 9 ساعات كملة لمنع الطلبة من التظاهر في شوارع القاهرة .

وصادر البوليس صحيفتي ( المصري والوفد المصري ) لنشرهما أنباء المظاهرات وساعد على تدهور الموقف ما أعلنته الولايات المتحدة عن عزم قواتها الباقية في مصر على الانسحاب في الأسبوع الأول من مارس .

وتكون النتيجة أن يهتف الطلبة بسقوط الملك ويمزقون صوره ويحرقونها ويطفئون الشعلة حتى لا تصل إلى "فاروق " في عيد ميلاده قبل 24 ساعة من عيد ميلاد الملك, قصد " فاروق " إلى المدينة الجامعية ليفتتحها فوجد تجمعا طلابيا غاضبا يرفض تحيته .

وصف " الدكتور محمد حسنين" هيكل باشا " ما جري داخل جامعة فؤاد الأول في ذلك الحفل .. قال :

" كن مقررا أن يضع الملك حجر الأساس للمدينة الجامعية لجامعة فؤاد الأول على أن يكون " بيت الطلبة" أول ما يقام من مباني هذه المدينة .

وكان الطبيعي أن يغتبط الطلبة بهذه المدينة وبهذا البيت الذي يأوي منهم كثيرين يتعذر عليهم أن يجدوا مأوي صالحا على مقربة من الجامعة.

ولكن الصبح تنفس عن شائعات تردد أن طلاب الجامعة سيقاطعون الحفلة التي يحضرها الملك لوضع حجر الأساس .

فلما تقدم إليها بلغني أن الأمر لم يقف عند المقاطعة وأن الملك قد لا يحضر الاجتماع وسمعت ظهرا أن محاولات إجرامية تدبر فاتصلت برئيس الديوان وسألته عن الموقف وتطوراته وعما إذا كانت الحفلة تجري وفق برنامجها الأول , وهل يري واجبا أن أذهب إليها بوصفي رئيسي مجلس الشيوخ فذكر لى أن يجب أن أعد عدتي للذهاب إليه ما لم يتصل بي قبيل موعدها ولم يتصل بي ذهبت إلى مكان الاجتماع فإذا الطرق كلها محروسة أشد الحراسة وجاء الملك متأخرا عن الموعد المعين ثم علمت أن البوليس ضبط في احدي العمارات أشخاصا بتهمة أنهم كانوا يعتزمون إلقاء متفجرات على الموكب الملكي .

ولم يحضر الحفل من الطلبة إلا من وثق رجال الأمن بهم وتم الحفل سراعا في أضيق حدوده ثم انصرف الملك وانصرف الحاضرون كل إلى منزله والجو يؤذن بالنذر "وقال " عبد الرحمن الرافعي ": إن رجال البوليس صدوا – بالقوة – المظاهرات التي قامت في ذلك اليوم "وفي المساء دعا الملك – بواسطة " احمد حسنين " كل القيادات الطلابية لزيارته وحضور مؤتمر ..وفي المؤتمر عبر الملك عن عدم رضائه عن أعمال رجال البوليس ... وأشار أيضا إلى احتمال إقالة " النقراشي "

وفي يوم عيد الميلاد الملكي كما يقول " ريتشارد ميتشل " في كتاب الإخوان المسلمين " خرجت من الجامعة مظاهرة يقودها " مصطفي مؤمن " أيضا توجهت إلى قص عابدين .. ولكن تحت حماية البوليس هذه المرة !احتفل ملك مصر بعيد ميلاده بمواكب الشعلة وبحفل في قصر عابدين أنعم الملك على 23 من رجالات مصر برتبة الباشوية وعلى 65 برتبه البكوية وأنعم على رئيس وزرائه بوسام ومنح رتبة الباشوية لـ 5 وزراء .

ومنح الخصمين اللدودين " مكرم عبيد " وعبد الحميد بدوي " رتبة الامتياز التي تتيح لكل منهما أن ينادي بلقب صاحب المعالي وهو خارج الوزارة .

وأراد الملك – بهذا كله – أن يؤكد للجميع أنه يثق بحكومته ويساندها ووجه " النقراشي " بيانا للشعب في هذه المناسبة واستقبل السفراء ورجالات مصر في حفل شاي في قصر الزعفران ..ولكن " فاروق " برغم ذلك كله – كان يدبر مؤامرة " للنقراشي "

اختير " عبد الحميد بدوي " يوم 6 فبراير عضوا في محكمة العدل الدولية وأصبح محتما عليه الاستقالة من منصبه كوزير للخارجية وبذلك أصبحت خمس مناصب وزارية حالية واستقال " مكرم عبيد" وزميلاه أعضاء حزب الكتلة – يوم الأربعاء 13 فبراير – ولم يدخل الوزارة بعد ذلك قط..

وكانت وجهة نظر " مكرم عبيد " أن عمل " النقراشي " ضد الطلبة ليس مسئولية وزير الداخلية وحده بل هو مسئولية جماعية للوزارة كلها.

وكان من أسباب الاستقالة أيضا المفاوضات وتصريحات " بدوي "وتوجه " إبراهيم عبد الهادي " وزير الصحة إلى " مكرم عبيد " يحاول إقناعه بسحب الاستقالة ولكن بلا جدوى أصبح مجتمع على " النقراشي باشا " إعادة تشكيل الوزارة فقصد إلى قصر عابدين في اليوم التالي ليعرض على الملك التشكيل الوزاري الجديد.

وفوجئ " النقراشي " بفاروق " يقول له يوم 14 فبراير : " وجه الإنجليز إلى إنذارا بأن الحكومة لا تحفظ الأمن "وفهم " النقراشي " ما يقصده فاروق " أدرك أن الإنجليز يريدون تنحيته وخشي " النقراشي " أن يلح الإنجليز في إخراجه علانية كما فعلوا مع " على ماهر " عام 1940 .. أو يوجهون إنذارا آخر إلى " فاروق ط بتعيين رئيس وزراء يختارونه بأنفسهم كما فعلوا يوم 4 فبراير 1942 خشي " النقراشي " ذلك فاستقال في اليوم التالي 15 فبراير .

ولقد اعترف " السير رونالد كامبل " السفير البريطاني الذي جاء بعد " كيلرن" بدور بريطانيا في استقالة " النقراشي "

قال في برقية تاريخها 5 يونيو عام 1947

" لقد أشرنا في عام 1945 على أعلي المستويات إلى أن " النقراشي " غير قادر على المحافظة على النظام مما يحتم إبعاده من منصبه . في حين أنه يعتبر نفسه وزيرا جيدا للداخلية قديرا ومتخصصا في حفظ الأمن "

وخطاب استقالة " النقراشي " يدل على ذلك كله .

لم يكن من الطبيعي في تلك الأيام أن يشار صراحة إلى تدخل بريطانيا كتب " النقراشي " في خطاب استقالته يقول :" في هذه المرحلة الجديدة – مرحلة دخول البلاد في مفاوضات لتحقيق المطالب الوطنية - رأيت أن أتخلي عن الحكم لأضع الأمور بين يد جلالتكم توجهونها بسامي حكمتكم إلى ما ترون فيه الخير للبلاد.

رد " الملك فاروق " :

" اطلعت على كتاب الاستقالة وإنا نجيبكم إلى ملتمسكم , مراعين الدواعي التي حدت بكم إليه "

كان السفير البريطاني في لندن عند استقالة " النقراشي " وقد جرت عادة فاروق أن يغير الوزرة في أثناء غياب السفير .

في أكثر 1944 أقال الملك " مصطفي النحاس " وفي فبراير 1946 طلب إلى " النقراشي " الاستقالة بناء على مشورة " كيلرن"

ويؤلف " إسماعيل صدقي " الوزارة الجديدة من مستقلين ومن حزب الأحرار الدستوريين ورفض " النقراشي " أن يشترك السعديون في الوزارة لأسباب أهمها أنه كان يشعر بالمرارة من الملك والإنجليز . كتبت روز اليوسف تحت عنوان ( خطايا " النقراشي " العشر )

" لن يختلف أحد من المعارضين أو المؤيدين في ن " النقراشي باشا " برغم كل أخطائه كان ولا يزال رجلا نزيها مخلصا في كل تصرفاته فلم يكن يتصرف إلا عن اقتناع تام .

وربما كان أول عيوبه أنه لم يستطيع إقناع الشعب بما اقتنع به .

والخطيئة الأولي هي ( سياسة الصمت ) الصمت الذي ترك الناس وأعضاء البرلمان بل والوزراء أحيانا في حية تامة .. حيرة وصلت إلى حد الشك برئيس الوزراء وبكفاءاته ونواياه.

والخطيئة الثانية هي ( سياسة المجاملة ) أو ( المجاملة السياسية ) في حل القضية المصرية وكانت تصرفات " النقراشي باشا " كلها تنطق بمجاملة انجلترا على حساب الشعور الوطني الذي لم يتحمل تصريحاته اللينة .

وحجة " النقراشي باشا " في دفاعه عن سياسة المجملة أنه كان من السهل عليه أن يواجه انجلترا بمطالب مصر ويعتبرها من الحقوق التي لا تقبل المناقشة ولا المفاوضة فتكون النتيجة أن ترفض انجلترا مطالبة ويخرج من الوزارة بطلا تزفه الهتافات ولكن مصر لم تكن لتجني شيئا من هذه السياسة .

5- التأجيل .. كان " النقراشي باشا " يعتمد كثيرا على التأجيل . ولم يكن يؤجل إلا المسائل التي تستدعي حلا سريعا .. أجل الرد على تصريح " بدوي باشا " وأجل التعليق على الرد البريطاني . وأجل تصريحه أنه سيدخل المفاوضات حرا من كل قيد . وأجل معظم الاستجوابات التي تتعلق بالسياسة العامة.

6- الانسجام .. ونحن نعتبر أن " النقراشي " كان المسئول الأول عن الانسجام بين أعضاء الوزارة , فهو رئيسها وواجبه كان يقضي عليه بالمحافظة على كيانها .

كانت حكومة " النقراشي " باشا تضم في داخلها ثلاث حكومات منفصلة بعضها عن بعض تماما حكومة للسعديين وثانية للدستوريين , وثالثة للكتليين .

7- الاعتداد بالنفس الذي وصل إلى أبعد الحدود , وكانت هناك فكرة متسلطة على رءوس السعديين وهي أن بقاءهم في الحكم يتعلق بوجود " النحاس باشا" خارج الحكم فإن خرجوا هم من الحكم جاء إليه " النحاس " وكان هذا – في نظرهم – يكفي للتمسك ببقائهم في الوزارة ".

واستمرت روز اليوسف تعدد أخطاء " النقراشي " وآخرها .

" محاكمة النحاس باشا ".. ولكنهم لم يحاكموه فكان هذا كفيلا بتبرئته ورد اعتباره وتقويته ".

ولم تكن روز اليوسف تدري أن بريطانيا هي التي منعت محاكمة " النحاس " وأن ظروفا كثيرة كانت ضد " النقراشي ".. وأنه كان – على الصمت – مرغما ..

وربما يكون خطأ" النقراشي " الأساسي أنه تحول من ثائر إلى سياسي يحسب حساب الإمكانيات التي بين يديه .

كان يظن أن الملك معه وكان الملك – في الحقيقة – ضد " كيلرن وضد محاولة الإنجليز الانتقاص من صلاحيته وسيادته لا سيادة مصر وشعب مصر .

وكان " النقراشي " مرغما أن يتقبل وجود الأحزاب السياسية المعارضة للوفد معه لأن الملك أراد ذلك ..وكان مستحيلا أن تتوفر قيادة حازمة لفريق متنافر .

أيا ما تكون خطايا " النقراشي " أو عيوبه فإن استقالته كانت محتومة ... وكل قرار في مصر له ثمن حياة " أحمد ماهر " كانت مقابل قرار إعلان الحرب وكان على الملك أن يدفع للإنجليز ثمن الإطاحة " بالسفير "" النقراشي " ... مقابل " كيلرن"

سنة ضائعة

لم تعرف صحف مصر أول الأمر بنبأ نقل " كيلرن" أو حقيقة مهمتهأول صحيفة عربية نشرت الخبر هي " المقطم" المسائية . ومعروف صلتها بالسفارة البريطانية , وكذلك صلات محررها – كريم ثابت – الوثيقة بالقصر .. مما يقطع بأن القصر هو الذي تعمد ( تسريب ) النبأ للتشفي أو الانتقام قالت المقطم " إن أنباء غير مؤكدة تقول بأن اللورد نقل من منصبه وفي اليوم التالي مباشرة قالت ( أخبار اليوم ) بالبنط العريض إن السفير البريطاني أحيل إلى المعاش .

والأرجح أن القصر أذاع خبر نقل السفير مشوها , أو مبتورا حتى لا يتهم بأنه المصدر الأساسي والوحيد !

وربما يكون القصر قد نشر الخبر بهذه الطريقة إيحاء بأن نقل السفير أشبه بإحالته إلى المعاش ونشرت " الأهرام " النبأ بتحفظها التقليدي ... المعتاد .

أما " روز اليوسف" فقالت إن السفير كلف بمهمة ستأخذه إلى فلسطين والهند وأخيرا إندونيسيا .. وأنه استقال لخلافه مع وزارة الخارجية البريطانية ولكنه اقتنع بسحب الاستقالة .

يوم 19 فبراير بعد 4 أيام من استقالة " النقراشي " وتشكيل وزارة إسماعيل صدقي " قتل " احمد حسنين باشا " رئيس الديوان الملكي .. وكان حسنين قد غادر قصر عابدين في الثالثة والنصف بعد الظهر في طريقه إلى منزله بالجيزة .

انزلقت – بسبب المطر – سيارة لوري بريطانية فوق كوبري قصر النيل فصدمت سيارة " حسنين "

شهد الحادث وزير الزراعة السابق " أحمد عبد الغفار باشا " فساعد في نقل رئيس الديوان إلى مستشفي " الأنجلو – أمريكان " حيث قضي نحبه .

قال " حسن باشا يوسف " وكيل الديوان الملكي إنه رأي الحادث , فقد انصرف بسيارته من قصر عابدين عقب خروج " حسنين "

نشرت الصحف المصرية كلها وفي صفحاتها الأول وفاة " حسنين " وقالت إنه ليد اليمني للملك ومن الصعب العثور على بديل له ..وصورت وفاته باعتبارها كارثة قومية ..

ولكن صحيفتي الوفد :" البلاغ " و " الوفد المصري " لم تظهر حزنا حقيقيا على " حسنين " فإن الوفد يعلم ما دبره " حسنين " ضده عندما رسم خطة إقالة " النحاس " في 8 أكتوبر 1944 وإبعاد النحاس عن الملك ومحاولة اكتساب شعبية للقصر بتحريض الطلبة – كما تقول السفارة – على الإضراب لصالح الملك حتى يبدو في صورة أكثر وطنية من الوفد كان " حسنين " في السابعة والخمسين من عمره .

تعلم في جامعة أكسفورد ومثل مصر في الدورة الأوليمبية التي عقدت في مدينة أنتويرب عام 1920كما طار من لندن إلى القاهرة مما يعتبر مغمرة كبري في ذلك الزمان .

وتحول في صحراء مصر الغربية فاكتشف واحة " أركنو والعوينات " وحدد مكان واحة " الكفرة " على غير ما كان معروفا في الخرائط واشتغل في السلك السياسي سكرتيرا أول في مفوضية مصر في واشنطن ولندن وعين أمينا أول لملك مصر اختير رئيسا للديوان الملكي في 27 يوليو عام 1940 وأمضي الـ 11 سنة الأخيرة من حياته مع " فاروق " قال " محمد زكي عبد القادر " : إنه رجل دارس , فهم , لبق , مهذب , عارف بالتيارات والاتجاهات جمع إلى ثقافة الغربية الماما كافيا بالحياة المصرية وكان على صلة حسنة بالإنجليز وعلى صلات وثيقة بالعائلة المالكة.

تمرس بحياة القصور وما فيها من دسائس وتيارات ووعي كل شئ من هذه الناحية أدرك أنه أقوي رجل في القصر وربما في مصر .

وأراد " احمد حسنين" أن يخلق من الملك شخصية مقدسة تدين لها الجماهير بالحب والولاء صرفا لها عن الولاء للدستور .

وأراد أن يوطد مركز الملك في الشعب لا ليعطي الملك سلطات يستحقها ولكن ليحكم هو من ورائه "

وكان " حسنين " هو الذي صنع صورة الملك الصالح والملك الخبير في كل الشئون والفنون .

وكان أيضا صديقا ومعلما للملك .. تزوج من الملكة الأم نازلي بعقد عرفي .. عرف به عدد قليل من المسئولين ... همسا .

وكان المصري الوحيدين حاشية الملك.. الذي يستطيع أن يقول له رأيا معارضا , ولكن في العامين الأخيرين هبط نشاط " حسنين" فقد أصيب بأزمة قلبية في أثناء اشتراكه في تشييع جنازة " اللورد موين " ولم يفارقه المرض منذ ذلك الحين .

وفي كتاب " محمد التابعي " ( أسرار الساسة والسياسيين) روي هذه القصة :" بعد وفاة " حسنين" بأسبوعين أو ثلاثة أسابيع ذهب " فاروق " يزور أمه " نازلي " في قصرها الذي ورثته عن أبيها في الدقي .. ودخل عليها في قاعة القصر الكبرى .. وتسمرت قدماه عند الباب .. رأي أمامه في صدر القاعة صورة " لاحمد حسنين" بالحجم الطبيعي وقد جللت بالسود.. وأمام الصورة – على الأرض – جلست أمه " الملكة نازلي " وحولها سيدات حاشيتها وخادمات القصر وجميعهن متشحات بالسواد .

وعلى جانبي القاعة الكبيرة جلس نحو عشرين شيخا يتلون الأوراد ويدعون بالرحمة للراحل الكريم .

توقف " فاروق " لحظة عند باب القاعة وعقدت الدهشة لسانه ثم مشي إلى حيث كانت تجلس أمه , وقال لها وهو يشير بيده إلى الصورة وإلى السيدات والمشايخ :

- قال : إيه ده كله ؟... وعشان إيه ده كله .. مات .. خلاص مات ... لزوم ده إيه ؟

- انتفضت " نازلي " وقفة على قدميه وانفجرت في ابنها تصيح :

- ده ؟ ده اللي عملك راجل ...ده اللي حافظ على عرشك .. بكره راح تشوف يجري لك إيه .. بعد موت " حسنين"

إلى آخره .. إلى آخره ..

وهز " فاروق " كتفيه ساخرا وانصرف "

حاولت الدعاية أن تصور الحادث بأن الإنجليز هم الذين قتلوا رئيس ديوان الملك أعرب " سكريفنر" رئيس القسم المصري بوزارة الخارجية البريطانية للسفير الأمريكي في لندن .." وينانت" يوم 20 فبراير عن أسفه الشديد لخسارة " أمين عثمان , واحمد حسنين "

في نفس الوقت .. وأشار إلى " أن اشتراك سيارة تابعة لبريطانيا في الحادث يعد قدرا كبيرا من سوء الحظ " وقالت برقية " وينانت" لحكومته :

" يبدو أن البريطانيين في مصر يأخذون نصيبا كبيرا من سوء الحظ ... هذه الأيام " وتعبر برقية " جيمس بوكر " السفير البريطاني بالنيابة لوزير خارجيته عن رأي بريطانيا في " حسنين قال :

" إن وفاة " حسنين " باشا " تبدو وكأنها تمت على الفور نقلوه إلى مستشفي الأنجلو – أمريكان على أساس أنها أقرب مستشفي ولكنه توفي لدي وصوله .

حضر " الملك فاروق " إلى المستشفي فور إبلاغه وصحب جثمان " حسنين " إلى منزله وأقيمت جنازة عسكرية " لحسنين باشا" في اليوم التالي .

حضرت الجنازة بنفسي , ومعي عدد من أعضاء السفارة .

وشهد الجنازة رؤساء البعثات الدبلوماسية ورؤساء هيئات أركان الحرب وممثلوهم وقائد القوات البريطانية في مصر ورئيس البعثة العسكرية البريطانية .

وطبقا لما ابلغنا به العميل المتصل بنا فقد بدر " الملك فاروق " فور وفاة " حسنين باشا "

بالاتصال تليفونيا " بعبد الفتاح عمرو باشا . وطلب إليه الحضور إلى القاهرة .

وثمة اقتراح بأن بفكر الملك في استبقاء " عمرو باشا " في القصر في منصب أو آخر بعد وفاة " حسنين باشا "

" وحسنين باشا " معروف جدا , وفقده خسارة كبيرة " للملك فاروق " وأيضا للحكومتين المصرية والبريطانية .

وكان " حسنين باشا " يمارس نفوذه ويقدم مشورته للملك وفي الفترة الأخيرة , بالنسبة للشئون الداخلية تبني سياسة خطرة تقضي. بإدخال " الملك فاروق " في حلبة المنافسة مع الوفد في استمالة ( الديماجوجية ) للطلبة والعمال . وأكثر من هذا كله كان يلعب لعبة – هي أخطر ما تكون – في تشجيع الطلبة على التظاهر تأييدا للملك دون أن يصرفهم عن رفع الشعارات المعادية لبريطانيا وهي الجلاء ووحدة وادي النيل .

وفكرة " حسنين باشا " أن الملك ليس بوسعه معارضة الحركة الوطنية دون أن يخسر اللعبة أمام الوفد وأدت هذه السياسة إلى الأحداث المؤسفة .

وبالرغم من هذه الوسائل المزدوجة كان " حسنين باشا " على قناعة مخلصة بأن استقرار العرش يقوم على علاقة الصداقة والتفاهم , بين " الملك فاروق " والحكومة البريطانية وكان هذا هو الأساس برغم أنه يلعب من حيث التفاصيل لعبة مزدوجة .

وبعد اختفاء " حسنين باشا " من المسرح يبقي أن نري من هو الشخص الذي سيقع الملك تحت تأثيره .

وعلى أية حال فإن " حسنين " كان يؤثر بريطانيا على غيرها من الدول الأجنبية "

حدث فراغ ضخم في القصر الملكي بعد وفاة" حسنين " .. ولم يستطع الملك أن يجد رئيسا لديوانه يرسم له صورة مثالية – كاذبة – أمام الشعب كما فعل " حسنين" !

ولم يجرؤ واحد من رجال الديوان والقصر على نصح الملك واستعاض عن المستشارين بالخدم .

وحاول " الملك فاروق " ن يجد رئيسا للديوان صديقا للإنجليز ووسيلة اتصال مع السفير البريطاني الجديد فاستدعي " عبد الفتاح عمرو" إلى القاهرة ولكن الملك كان في الحاجة إلى بقاء " عمرو" في انجلترا ليكون رسول الملك إلى وزارة الخارجية البريطانية ذاتها .. وبقي منصب رئيس الديوان خليا حتى شغله بعد شهور " إبراهيم عبد الهادي باشا "

وهكذا . فقد الملك عنصرا مهدئا يكبح جماحه حينا ويحفظ خطوط اتصاله بالسفارة البريطانية في كل الأحيان .

قال " محمد التابعي ":

" بعد أسابيع معدودة من وفاة " حسنين " غادرت " نازلي " مصر إلى أوربا للعلاج والراحة كما زعمت .

ولكنها غادرت مصر وفي نيتها ألا تعود.. وكان منها ومن " فاروق " ما كان .. وكيف استهتر إلى أبعد حدود الاستهتار .. ثم كانت الثورة التي طرحت به وحطمت عرشه ..ولعله تذكر يومئذ وهو يوقع وثيقة تنازله عن العرش عام 1952 ق ل أمه " بكره تشوف راح يجري لك إيه بعد موت " حسنين "اللقاء الأخير بين " كيلرن" و " والملك فاروق " تم يوم 6 مارس 1946أقام الملك مأدبة غداء توديعا للورد ..وحرص " فاروق " على أن يجامل اللورد .. وأن يبدي مشاعر الصداقة والمودة كما فعل في الأيام الأخيرة بعد أن عرف بقرار نقل السفير .

برقية رقم 425 من " اللورد كيلرن" إلى " أرنست بيفن " بتاريخ 6 مارس 1946

1- عقدت اجتماع الوداع مع " الملك فاروق" الذي استبقاني لمدة ساعة وربع الساعة بعد ظهر اليوم .

2- كان الاجتماع – كالعادة وديا للغاية .

3- أبلغت صاحب الجلالة بالشكاوي التي أعربت عنها لرئيس الوزراء المصري صباح اليوم وعن أملي في أن يعزز ما قلت .

وعدني بذلك , وشارك " صدقي باشا " في الإعراب عن عميق أسفه وبالنسبة له شخصيا كانت أحداث 4 مارس – بقصد المظاهرات التي قامت في ذلك اليوم – تمثل أعظم صدمة له وأعرب عن أسفه إزاءها .

4- ناقشنا السياسة المحلية في أعرض خطوطها وأبديت مخاوفي من حدوث صدام نهائي بين الأيديولوجيات . وإذا كان لى أن أبدي رأيي فإن هذه التحركات الشعبية وهي وطنية صحيحة في حد ذاتها تتطلب قيادة حقيقية .

وكانت كل آملي دائما أن تكون القيادة للعرش بإيحاء من صاحب الجلالة الملك ويجب ن يكون العرش الدعامة والحصن للمصلحة الحقيقية للشعب المصري . ولم أشعر قط بأن " حسنين باشا " يقدم أفضل مشورة للملك

أقر الملك بأن الأمر كذلك. لو كان يأخذ توجيهاته من مستشاريه بل إنه يتخذ قراراته بنفسه ويقوم بتنفيذها .

وهو يعتقد بأن " صدقي باشا " أفضل رجل – إن لم يكن الرجل الوحيد المتاح حاليا – الذي يملك القوة الكافية .

ولم يأل الملك جهدا في التعبير مرة أخري , عن أفضل مشاعر الإخلاص لبريطانيا العظمي وقال إنه خلال الأيام القادمة من المهم – أكثر من أى وقت مضي – أن تبقي بلدانا مكتاتفتين .

5- أما بالنسبة لإعادة النظر في المعاهدة فإنه يشاركني الرأي في أنه لا يوجد ما يدعو للتشاؤم .

وقال إن مصادر معلوماته – غير المعروفة حتى لحكومته – تتوقع أن تكون رغبات بريطاني معتدلة بصورة مثيرة للدهشة .

وأشار حينئذ إلى أنه قد يقوم بشئ للمساعدة في هذا المجال .

وعند مغادرة صاحب الجلالة توجهت مباشرة إلى حفل شاي للوداع أقامه " صدقي باشا " في منزله .

وعقب مغادرتي للحفل اتصل بي " صدقي باشا " تليفونيا وقال :" إن الملك وصل إلى منزله معتقدا أني ما زلت هناك ولكني لسوء الحظ كنت قد انصرفت ".

ترك " كيلرن" قصر عابدين وأسرع يضيف إلى مذكراته

" تركت " فاروق " في الرابعة بعد الظهر إن الملك – من غير شك – كان سعيدا بأن أحل وأدير إليه ظهري ." وقال اللورد في مذكراته .

" إن الملك ممثل جيد .. ولكنه لا يظهر ذلك"ويطير " كيلرن" من مصر في الحادية عشرة مساء السبت 9 مارس .

اهتمت 3 مجلات مصرية هي " أخبار اليوم" وآخر ساعة" " وروز اليوسف " بقصة رحيل " كيلرن" من مصر اتفقت الصحف الثلاثة على أن اللورد كان يجب أن يرحل من مصر بعد توقيع معاهدة عام 1936.

ونشرت " آخر ساعة " مقالا بقلم سياسي كبير وصف فيه " كيلرن" بأنه دبلوماسي متغطرس أراد إخضاع الملك , ونجاحه في مصر أدار رأسه , وظن أن ذلك النجاح يبرر تصرفه قالت " روز اليوسف " تحت عنوان "( أما وقد ذهب ) :" لم يكن اثنان يختلفان في أن بقاء " اللورد كيلرن" في منصبه ليس من صالح القضية المصرية ولا مما يشرف الكرامة المصرية .

وكنا جميعا ننتظر , في صمت , أن تنتهز حكومة لندن فرصة انتهاء مدة خدمته وتنحيه من منصبه ولكن حكومة لندن لم تنحه وظل " اللورد كيلرن" بيننا ضيفا مكرما عزيزا وكنا نعلم أن هناك من يسعي لإبقائه في منصبه لأن جنابه – أى " اللورد كيلرن" – استطاع أن يكسب صداقة وثقة الشعب المصري والزعماء المصريين بدليل أن أحدا منهم لم يعترض على سياسته وأن حادث 4 فبراير مر بهدوء فلم يحتج الشعب على السفير إنما احتج على " النحاس باشا " كان احتجاجه عليه لدوافع حزبية لا وطنية وبدليل أن الزعماء الذين لم يشتركوا في الحادث أظهروا رضاءهم عن اللورد بعد أن تولوا الحكم ..

إن السفير البريطاني لا يتحمل وحده وزر سياسته وإنما يتحمل الوزر معه كل من واقفه عليها من زعمائنا وساستنا الأفاضل .. وكل ما نرجوه أن يعترف هؤلاء الزعماء والساسة بخطئهم حتى لا يتكرر هذا الخطأ مرة ثانية مع سفير آخر "

نسبت الصحف المصرية لفضل في نقل " كيلرن" إلى عمرو باشا" الذي استطاع إقناع وزارة الخارجية البريطانية بضرورة تغيير السفير وظل بعض رجالات مصر مخلصين حتى النهاية للورد.

في حفل عشاء حضره السفير قال له رجل الأعمال المليونير المصري " عبود" " هناك اقتناع إجماع بين المصريين بأن مركز القصر قد تعزز بصورة هائلة بسبب نجاح " الملك فاروق " في إبعادك اعتمادا على الخطوة التي يلقاها " عمرو باشا " في لندن "ويسجل اللورد في برقياته حديث " عبود"حاولت مصر عدة مرات إبعاد " كيلرن" ولكن بغير نتيجة .

وكان يجب نقله بعد توقيع معاهدة 1936. فإن المندوب السامي البريطاني لن " تناول ليصبح سفير " ... في 22 يوليو عام 1937 أرسل " بيرت فيش " القائم بالأعمال الأمريكي يقول " كانت هناك إشاعات وأحاديث كثيرة , في صحف مصر عن نقل " السير مايلز الامبسون" وهو اسمه قبل ن يحصل على لقب " اللورد كيلرن" وقد سألته فنفي لى ذلك وقال إنه يحب منصبه في مصر وسيسافر في أجازة "ولم يكن الملك قد بلغ السن القانونية .. في ذلك الوقت أى عام 1937.

وفي برقية أخري " لبيرت فيش" تاريخها 19 أبريل 1939

قال : " إن السير مايلز لامبسون يعتقد أن " على ماهر " عندما كان في لندن لحضور مؤتمر فلسطين في أوائل هذا العام – 1939 – حاول نقله – أى السفير – من مصر .... وأن " على ماهر " والملك على علاقة ودية طيبة . ولكن الملك ليس سعيدا بوجود " السير مايلز لامبسون "..

وقامت الحرب ,كان بقاء " السير مايلز " في مصر ضرورة بالنسبة لبريطانيا العظمي فقد استطاع عن طريق وزارة الوفد أن يؤدي خدمات عظمي لبلاده !بدت الحسرة في كل كلمة نطق بها " اللورد كيلرن" وهو يغادر مصر يوم 10 مارس 1946 .

قال للصحفيين : إن مصر هي وطنه الأصلي ومركز حياته العامة والخاصة خلال 12 عاما وقال مشيرا إلى دوره في سنوات لحرب .

" عندما أنظر إلى الوراء .. إلى السنوات التي عملتها في مصر وبالذات في الفترة التي وقفنا فيها معا , جنبا إلى جنب, ضد العدو القاتل أجد أن ذلك يشجعني على الأمل في أن الروابط بين البلدين ستثبت إنها فوق كل هجوم .

وقال إنه " سيظل يرقب باهتمام بالغ كل تطور في مصر "ووصف " بنكني تاك" رحيل السفير البريطاني من مصر ..

برقية رقم 3768من " بنكني تك " القائم بالأعمال الأمريكي إلى وزير الخارجية في واشنطن بتاريخ 10 مارس 1946

غادر القاهرة مساء مس " اللورد كيلرن" السفير البريطاني لدي مصر بعد 12 عاما من الخدمة المتصلة في مصر متوجها بالجو إلى " سنغافورة " لتولي منصبه الجديد.

ولم يكن هناك ممثل للقصر بين المجموعة الصغيرة التي جاءت لوداعه من أعضاء موظفي سفارته وعدد قليل جدا من المواطنين البريطانيين .

وكنت " وسيسيل ليون – السكرتير الأول للمفوضية الأمريكية – الدبلوماسيين الأجنبيين الحاضرين , ويمكن إرجاع الغياب الكامل لزملائي الدبلوماسيين إلى وجود شعور عميق بالغضب بينهم – منذ وقت طويل تجاه لا مبالاة, وإغفال " كيلرن" لمنصبه كعميد للسلك الدبلوماسي وإلى قدر أكبر من اللامبالاة تبديه " الليدي كيلرن" إزاء واجباتها .

وبرغم برود المصريين في هذه المناسبة فإني أشك في أن يعامل أى ممثل لبريطانيا في مصر في هذا الوقت بصورة مختلفة .

وقبل مغادرة " اللورد كيلرن" مصر استقبل ممثلي الصحافة , وأكد النقاط التالية ردا على الأسئلة التي قدمها إليه الصحفيون :

أولا : بريطانيا ترغب في وجود مصر المستقلة بنفس القدر الذي يتطلع فيه المصريون إلى الاستقلال التام. ثانيا : إن الدولتين قدمتا مساهمة مشتركة في صنع نظام الأمن العالمي الجديد .

ثالثا : لا الحكومة البريطانية ولا دافعوا الضرائب يرغبان في دفع أجر جندي واحد أكثر من العدد اللازم في مصر .

رابعا : يري شخصيا أنه من المثير للشفقة أن مصر لم تنجح في تكوين جبهة موحدة للمفاوضات كما حدث عام 1936 .

خامسا إنه متفائل بشأن نتيجة المفاوضات حين يبدأ الجانبان بحث الحقائق الأساسية وبعد أن يهدأ المناخ الحالي الساخن جدا "

رفضت الحكومة البريطاني أن تعلن , أن اللعبة الملكية هي التي أدت إلى نقل السفير سأل " وينانت" السفير البريطاني في لندن " سكرتفنر " رئيس القسم المصري بوزارة الخارجية البريطانية عما نشر في مصر عن " نقل كيلرن"

نفي " سكريفنر" النبأ الذي يقول إن النقل تم تحت ضغط المصريين وتمسك بأن السبب الحقيقي هو الحاجة إلى خدمات " كيلرن" في مكان آخر وكتب " وينانت" إلى واشنطن يقول :

" إن " سكريفنر" يشعر بأن القرار يمكن أن يكون له تأثير طيب ويعطي فترة لالتقاط الأنفاس "

لم يدرك ملك مصر أن نقل " كيلرن" مجرد ترضية شكلية .

ولم يستفد " فاروق " أو الزعماء من رحيل " كيلرن"جاء السفير الجديد " رونالد كامبل " الذي عمل في مصر خلال الثلاثينات في أثناء فترة الحكم المطلق للملك .

لم يتدخل السفير الجديد في شئون مصر لأنه كان يعرف الدرس القديم ولأن بريطانيا في عهد " بيفن" وبعد حركة " كيلرن" لم تهتم كثيرا بمن يحكم مصر .

ولم يهتم الزعماء بالاتحاد ضد الملك لحماية الدستور .

ولم يعرف الملك أو زعماء الأحزاب , أن الدنيا تغيرت وأن موازين دولية جديدة نشأت وأنهم يستطيعون تحقيق مصلحة لمصر من خلال تلك الظروف .

لم يعرف المصريون أن بيفن يريد مساندة من مص لتكون طرفا في القوة الثالثة التي تريد إقامتها ولم يعرفوا كيف يستفيدون من " المشاركة الحرة " التي تكلم عنها الرد البريطاني وفي نفس الوقت لم يعارض المصريون كما ينبغي هذه الأفكار الجديدة ..

ولم يفطن قادة الأحزاب السياسية بعد الحرب مباشرة ,. إلى استغلال الفرص , والالتجاء لمجلس الأمن فورا لعله يعطيهم حقهم في فترة الاضطراب وإعادة التوازن عقب الحرب وقد أنصف المجلس إيران وسوريا ولبنان فأصدر قرارات بحق هذه الدول في جلاء القوات الأجنبية عنها ونفذت هذه القرارات . وكانت بريطانيا تخشي – كما رأينا – التجاء مصر إلى مجلس الأمن ..

أهمل زعماء مصر تقييم الموقف الدولي .. كانت الحرب الباردة في طريقها إلى الظهور .. وأمريكا تريد أن تأخذ مكان بريطانيا وبريطانيا تتعلق بأمريكا وتسايرها والقوي الكبرى تتكتل ولابد من حلفاء أو شركاء مستعمرات أو أتباع .. وذيول .

وكان يجب على الزعماء أن يتطلعوا إلى بلادهم كجزء من العالم الجديد.

وكان يمكن أن تربح مصر كثيرا من الظروف المتغيرة .

إن الحرب لم تدمر مصر كما دمرت أوربا .. ولذلك كان في استطاعة مصر أن تنهض بصورة أسرع وأن تبني بصورة أكبر ..

ولكن ..

اختلف الزعماء وتصارعوا دون أن يحققوا هدفا واحدا ولم ينجح - منهم أحد .

الملك لم يرتفع فوق الأحزاب .. قط

ضرب الأحزاب بعضها ببعض , وفرق ليسود وكانت النتيجة أنه فرق , وفرق, ليخسر كانت الوسيلة الوحيدة لاحتفاظه بعرشه , أن يتحد مع الأحزاب ضد الإنجليز ولكنه أتحد مع الإنجليز ضد الأحزاب وضد الشعب .

وجد أن بريطانيا نفذت الاتفاق السري الذي عرضه عليها " عمرو" فلم تتدخل في شئون مصر الداخلية , تركت له أن يحكم على هواه ... وكان انفراد الملك بالحكم و هو الذي جعله يفقد عنصر الاتزان , فإن السفير البريطاني كان يعرف متي يتدخل لتحقيق التوازن ..

أضاع الملك الفرصة الوحيدة لتحقيق الإصلاح الاجتماعي والسياسي التي أتيحت له بعد رحيل " كيلرن" ..

ولو أن الملك تمسك بالدستور , لتغير التاريخ المصري بعد الحرب العالمية الثانية .

وخسر الوفد بوفاة " أمين عثمان" العنصر المهدئ الذي يستطيع إقناع السفارة البريطانية بالتدخل لدي الملك لصالح الوفد ويستطيع إقناع الوفد بمعاداة الإنجليز بقدر وبحدود ! وظل الوفد يكرر أنه يجب إيجاد جو من الثقة وحسن النية , بين بريطانيا ومصر وتحقيق ذلك بطريقة واحدة وهي أن تعالج بريطانيا الموقف مع الممثلين الحقيقيين للشعب المصري أى الوفد.

واضطر الوفد.. صيانة الماضية , وضمانا لمستقبله , إلى التطرف ضد الإنجليز فعاقبة الإنجليز بأن تركوا للملك كل شئون الحكم.

ولم يستطع الوفد إقناع الإنجليز أو إرغام الملك على إجراء انتخابات جديدة إلا في عام 1949 .

و" والنقراشي "...

لم يستطع التفاوض مع بريطانيا وكل ما حصل عليه تجديد لاتفاقية الأرصدة 3 شهور وحصلت مصر على 3 ملايين جنيه إسترليني من 400 مليون .

وترك " النقراشي " للملك أن يتدخل علنا في السياسة فاجتمع – وحده – بتشرشل"

والملك عبد العزيز " وكان يجب أن يشترك " النقراشي " في هذه الاجتماعات تمسكا بالحقوق الدستورية لرئيس الوزراء.

وكان تساهل النقراشي " في وزارته لأولي مع الملك هو الذي أدي بالملك , في وزارة " النقراشي " الثانية إلى دخول مصر حرب فلسطين على غير رغبة " النقراشي "إن الاستسلام المحدود أدي " النقراشي " إلى الاستسلام بعد ذلك .. لمك .. بلا حدودومكرم عبيد"إن تمرده وانقلابه على الوفد كان يجب أن ينتهي إلى خاتمه واحدة فحسب وهي محاكمة " النحاس " وإدانته أيضا .

ولكنه لم يستطع أن يصل إلى هذه النتيجة لأن بريطانيا لا تستطيع إهمال أصدقائها والتضحية بهم وإلا فقدت في مصر الأنصار إلى الأبد.

ودور " النحاس " في مساعدة بريطانيا خلال الحرب واضح .. واضح ولذلك منعت محاكمة " النحاس " وفقد ( حزب الكتلة) سر وجوده أو الهدف من نشأته

أما ( الأحرار الدستوريون ) فقد بقي حزبهم يؤدي دورا مساندا لأى رئيس للوزارء يعارض الوفد ! ولم يستطع ( الحزب الوطني ) أن يجد قائدا ملهما مثل " مصطفي كامل " يستطيع تعبئة الشعب وراءه .. وكل ما بقي للحزب مجرد شعار ..ثم انقسم الحزب على نفسه بعد ذلك ووجد شباب الحزب أن دورهم ينبغي ن يقتصر على توعية الرأي العام فكانت صحيفة الحزب بعد سنوات عاملا من عوامل التعبئة لما جري عام 1952 .

كانت هناك تيارات كثيرة تتحرك في المجتمع المصري ... ونشأت عوامل عديدة ألقت مزيدا من الوقود على المشاعر الملتهبة لمصر .

تحمل الشعب تضحيات بالغة في أثناء الحرب وتولد عنده أمل في استقرار العلاقات المصرية البريطانية على أساس مبادئ الأمم المتحدة والاستقلال التام والمساواة مع الاحتفاظ بصداقة بريطانيا .

وتضاعفت هذه الآمال بوصول حزب العمال البريطاني إلى الحكم .

وفي نفس الوقت تركت الحرب آثارها من القلق والتوتر في نفوس المصريين وهو ما يحدث عادة في أعقاب الحروب ..

وقامت الطبقة الوسطي في مصر تحاول أن تجد لها طريقا بين الأثرياء والفقراء وتضاعفت الجهود لتكييف العلاقة المصرية البريطانية على أسس جديدة ..ولكن حفل العام بسلسلة متلاحقة من خيبة الأمل .. في كل شئ لا جلاء ولا إصلاحا اجتماعي .. ولم ينتصر الدستور ... إلا شكليا .. ولم يبد ما يدل على أن الآمال الوليدة ستزدهر .

وكانت النتيجة أن المصريين أخذوا يوجهون ضغوطهم وسخطهم لا ضد بريطانيا كما حدث بعد الحرب العالمية الأولي , بل وجهت الأحقاد والعداوات ضد الزعماء والسياسيين المصريين ... ا،فسهم .

وبدأت الاغتيالات السياسية " بأحمد ماهر " الذي كان رمزا لمساندة بريطانيا بإعلان الحرب .. " ولأمين عثمان " باعتباره رجل الإنجليز داخل حزب الوفد..

ولم تتوقف حركة الاغتيالات السياسية بل استمرت ليسقط " النقراشي " نفسه ضحية جديدة لها . بعد عامين ..وفشل مع الزعماء لسوء الحظ ومع الشباب أيضا ..

في سنة 1935 استطاع طلاب مصر الاتفاق وفرضوا الوحدة على الزعماء وبعد 10 سنوات في عام 1945 , وأوائل عام 1946 استطاع الزعماء أن ينقلوا عداواتهم وخلافاتهم إلى الطلبة فأضربوا تفرقوا وكانت مظاهرات الطلبة عاملا جعل الإنجليز يخافون من تجدد ثورة عام 1919.

ولم يضع الزعماء خطة ولم يوزعوا الأدوار فيما بينهم وعجزوا عن الحصول على أى مطلب قبل بدء الحرب الباردة أو بعد أن اختلف الغرب والشرق ..

وما حدث في مصر بعد الحرب العالمية الثانية هو تكرار لما حدث بعد الحرب العالمية الأولي بعد الحرب العالمية الأولي قامت ثورة عام 1919 ولكن اختلف الزعماء فلم يحصلوا على شئ من أنهم أيضا كانوا حلفاء للمنتصرين ..

ولم يدرك المصريون أنه في أعقاب النصر مباشرة كان الحلفاء يوزعون العالم فيما بينهم ولا يختلفون على تحرير الشعوب بل على اقتسام حقوق الشعوب .

وظل المصريون خلال السنة التالية لانتهاء الحرب العالمية الثانية يتحركون في إطار السياسية الحزبية القديمة يتصارعون على الحكم ولا يعرفون كيف وأين يتجهون هل إلى القصر أم إلى الإنجليز حائرين هل يرفعون علم الصداقة أو علم المهادنة .. ولم يدركوا أن الفرقة والتمزق تعنيان أن العلم الوحيد السياسي المرفوع هو علم الاستسلام وحده !كان سنة ن أخطر السنوات في التاريخ المصري الحديث .

كانت مفترق الطرق بين عصرين .. عصر الحروب العالمية التي انتهت وعصر الحروب الصغيرة المحدودة التي بدأت ..

وأخذت مصر تدور حول زعمائها ..

وتدور حول نفسها .

وكانت سنة ضائعة من عمر مصر !