سيد قطب يكتب عن: فصل الدين عن الدولة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيد قطب يكتب عن: فصل الدين عن الدولة

إعداد: أحمد حسن

قضية (العلمانية) جدل قديم يتجدد دائمًا، لا يسأم مروِّجوها من ربطها بالتقدم والحداثة، وأن الأمم لا تتقدم إلا بحلِّ هذه المعضلة (فصل الدين عن الدولة)، ويتغافلون دائمًا عن الظرف التاريخي الذي نشأت فيه، والسياق الذي لازم معاركها بين الدول الحديثة والمؤسسات الدينية في بلاد المنشأ، ويحاولون زرعها في بيئة مغايرة تمامًا؛ ما أدَّى إلى تعثر خطوات النهضة في بلادنا وتنكُّبها عن السير السليم..

12569.jpg

كل هذه القضايا لم يغفل عنها أستاذنا الشهيد (سيد قطب)، وهو في الغرب الأمريكي، يتابع ما يجري على أرض الوطن من صراعات فكرية، فبعث على التوِّ هذه الرسالة إلى "منبر الشرق"، موضحًا ومبينًا ظروف نشأة مصطلح (العلمانية)، وجذوره في الثقافة المسيحية، ووجه الاختلاف بينها وبين الثقافة الإسلامية.

مقال الأستاذ سيد قطب خطاب مفتوح إلى معالي وزير الخارجية: فصل الدين عن الدولة ((في عدد من أعداد (منبر الشرق) وصل إليَّ متأخرًا، قرأت للأستاذ الكبير علي الغاياتي حديثًا لمعاليكم، جاء فيه على لسانكم: "إنني أرى بحق فصل الدين عن الدولة، وأخالف في ذلك رأي الإخوان المسلمين".

وأحب أن أتحدث إلى معاليكم قليلاً عن هذه المسألة؛ أن هذا التعبير: "فصل الدين عن الدولة" ذو مدلول في الحياة الأوروبية المسيحية، ولكن لا مدلول له على الإطلاق في البلاد الإسلامية، وأغلب الظن أنه تسرَّب إليكم- كما تسرَّب إلى كثير من رجالنا المثقَّفين والمتعلمين- خلال قراءاتهم للتاريخ الأوروبي، ثم صار يتردَّد على الألسنة دون تفكير في مدلوله ودون نظر إلى أنه يحوي معنى أو لا يحوي بالنسبة للبلاد الإسلامية.

وتفصيل ذلك: أن المسيحية كدين تجعل للكنيسة وظيفةً معينةً في صلب الديانة المسيحية، وهي ما يعرف "بالخدمة الدينية"، وقد حدث في التاريخ الأوروبي أن أصبحت الكنيسة سلطةً لا روحيةً فحسب، ولكن مدنية كذلك، تتولى تتويج الأباطرة، وتسيطر على أملاك ضخمة معفاة من الضريبة، وتُصدِرُ قرارات الحرمان وصكوك الغفران.. إلخ ما يعرفه دارسو التاريخ الأوروبي.

وحين أرادت الحكومات أن تتخلَّص من سلطة الكنيسة نادت بفصل الدين عن الدولة؛ أي فصل الإدارة الحكومية عن الإدارة الكنيسية، وكان لهذا التعبير مدلوله الواقعي؛ لأن الكنيسة منظمة دينية وجزء من صلب المسيحية كديانة.

في الإسلام لا توجد كنيسة، أعني لا يوجد (أكليروس)، ولا وساطة هنالك بين الله والناس، لا توجد هيئة معينة تتولَّى الطقوس الدينية، وبدونها لا تقام هذه الطقوس.

حينئذٍ لا توجد سلطة دينية؛ بمعنى أن هناك هيئةً تتولى مباشرة هذه السلطة، لها كيان معين في صلب الإسلام كديانة.

والإسلام عقيدة وقانون، وكلاهما متصلٌ بالآخر وقائمٌ عليه، ولا يمكن أن توجد العقيدة ثم يهمَل القانون، والنصوص صريحة في هذا ولا تحتمل تأويلاً، فإما أننا مسلمون فيجب تنفيذ هذا القانون، والدولة هي التي تنفِّذه، لا هيئة دينية معينة، وأما أننا لسنا مسلمين، فنهمل إذًا تنفيذ القانون الإسلامي.

في القرآن: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)﴾ (المائدة)، وهو نصٌّ صريحٌ كما ترون، فيه شرط وجواب، فلا عقيدة إسلامية لمن يحكم بغير القانون الإسلامي، ولا معنى لنص الدستور الذي يقول: إن دين الدولة الرسمي هو الإسلام إذا كانت قوانين الدولة لا تُستمد من التشريع الإسلامي، فالإسلام لا يَعتبر مسلمًا من يحكم بغير قانونه، ولا مفرَّ من مواجهة هذا النص الصريح!.

في المسيحية يمكن أن يكون الإنسان مسيحيًّا ثم يحكم بالقانون الروماني؛ لأن المسيحية عقيدة فحسب، ولم تتضمن تشريعات لتنظيم المجتمع، والعقيدة تباشرها الكنيسة كهيئة نظامية داخلة في صلب المسيحية كديانة، والقانون تباشره الدولة بوصفها هيئةً مدنيةً غير خاضعة لسلطان الكنيسة.

فأما في الإسلام فلا.. فالإسلام قد تولَّى تنظيم المجتمع بشريعات وقوانين معينة معينة، ثم وضع مبادئ عامة لتُصاغ في ظلها القوانين والتشريعات التي لم يتضمَّنها نصها؛ لأن المجتمع لم يكن في حاجة إليها حينذاك، وهذه المبادئ العامة- كهذه القوانين والتشريعات- هي قوام العقيدة الإسلامية، ولا توجد عقيدة بدونها، كما أن هذه المبادئ العامة هي الضمانة لتلبية حاجة المجتمع المتجددة إلى تشريعات جديدة في ظل العقيدة الإسلامية، حتى يظل المجتمع ناميًا متجددًا، وهي في الوقت ذاته مجتمع مسلم محكوم بقوانين إسلامية.

فليس هو إذن "رأي" الإخوان المسلمين، أو رأي سواهم.. المسألة هنا ليست مسألة آراء هيئات وتشكيلات معينة، المسألة مسألة الإسلام ذاته، موجودًا أو غير موجود.. الدولة مسلمة أو غير مسلمة.. الدولة مسلمة؛ إذن لا محيص لها من تنفيذ الشريعة الإسلامية بمبادئها العامة مصدرًا لكل تشريع جديد يحتاج إليه المجتمع المتجدد، لا في الأحوال الشخصية، "ولكن في العقوبات والمدنيات سواء".. الدولة لا تنفِّذ القانون الإسلامي؛ إذن فهي داخلة في النص القرآني الصريح: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44)﴾ (المائدة)، ولا وسط بين الطرفين!.

ليست هناك- يا معالي الوزير- سلطة دينية وسلطة مدنية في الإسلام، أو كما يسمونها سلطة روحية وسلطة زمنية، وإنما هناك قانون، والدولة مطالبة بتنفيذ هذا القانون، وهي لا تتلقَّى سلطتها في هذا من هيئة أو من شخص، وإنما تتلقَّاها من ذات القانون، وإذن فلا خطر هنالك من قيام الدولة على الدين؛ لأن الخطر الذي كان في أوروبا كان مصدره تدخل الهيئة الدينية الرسمية في أمور الحكم المدنية، وهنا في البلاد الإسلامية لا يعترف الإسلام بوجود هذه الهيئة، ولا يمنحها سلطة ما لا روحية ولا زمنية!.

بقى أن يقال: هل تفي التشريعات الإسلامية بحاجة المجتمع؟ وهذه مسألة أخرى لا مجال للحديث فيها هنا؛ لأنها لم تكن موضوع الحديث، ولكن أحيلكم فيها إلى كتابي "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، وقد كلَّفت أخي في مصر أن يقدم نسخةً منه إلى معاليكم)).

المصدر