سيف عبدالفتاح يكتب: النَّصب الاحتفالي والمنقلب النَّصاب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيف عبدالفتاح يكتب: النَّصب الاحتفالي والمنقلب النَّصاب


(8/14/ 2015)

سيف عبدالفتاح

ذكّرني ما يُسمّى احتفال افتتاح تفريعة القناة، وما سمّاها بعضهم هيستريا الاحتفال، بمشهد سينمائي معروف بـ(عنبر العقلاء)؛ تندراً على غيبة العقل في المشهد برمته، وهو مشهد جدير بالتتبع والتأمل واستخلاص العبرة، قبل أن نصبح نحن أمام العالم عبرة. فلايزال المنقلب المهووس بذاته الضئيلة، المجنون بعظمته الزائفة، يواصل تقديم فصول ومشاهد متتالية من مسرحية النصب والاحتيال والقفز على الأحبال.

مطلع القصيدة كذب: يسمي التفريعة المسبوقة بأربع أكبر منها، قناة جديدة كأنها تعادل القديمة، ويموّه على ما ذكره من قبل بنصف طوله: من 72 كم إلى 36 كم، وهو كذب له جذور متمددة في نفسيته وعقليته وممارساته.

ففي مؤتمره الذي أعلن فيه عن هذا المشروع، سرقوا جزءاً من العرض الذي قدمه رئيس الوزراء (الأسبق) هشام قنديل (سبتمبر /أيلول 2012 )، وقدموا القرار على دراسات الجدوى، وادعوا جدة الأمر، وهو مشروع قديم لدى الهيئة والجيش، و..إلخ.

لكنه هذه المرة قرر أن تكون الكذبة كبيرة وواسعة تبلغ الآفاق، وتؤكد أنه أفاك، يحاول أن يغطي بها على أساطيره المفتراة، ومشروعاته الفنكوشية المدعاة، وفشله خلال عامين من انقلابه وعام من اغتصابه، وأنه لم يقدم إلا الأوهام وراء الأوهام.

ثم تأتي أبيات القصيدة كاسدة وكسيحة على الأصعدة كافة: إعلام زياط هياط، ونخبة خائبة خائنة، ورجال أعمال طمّاعون طبّالون، وحالة شعبية أشبه بما وصفناه أعلاه بعنبر العقلاء.

قاد البوق الانقلابي الكبير حملة واسعة متواصلة، ليخيل للناس أنها ليست فقط قناة جديدة تعادل قناة السويس ، بل هي قناة الوصول إلى العالمية، و"هدية الانقلاب للعالم والبشرية"، بينما العالم لا يكترث بها، ومنهم من يضحك على هزلها وهزالها، وأنها "إنجاز تاريخي غير مسبوق"، يعادل كل الإنجازات، ويشفع للفاشل في فشله، وأنها مشروع قومي غصباً عن كل مشروع وكل قومي، يفرض على الجميع أن "يفرحوا" به، ويهللوا له، ويرقصوا على أنغامه الهستيرية.

صور الإعلام الكاذب للناس أن هذه الأكذوبة ستدر عليهم من الخيرات والثروات والأموال ما لا حصر له؛ فبدأ بـ 200 مليار في السنة، ثم 100 في السنة، ثم 100 في خمس سنوات، ثم 30 في 28 سنة، وهكذا حتى قيل لهم لا تنتظروا منها خيراً قبل 2023 أي ثمان سنوات، وبلغ العته مداه بالقول إنه لا يهم ما يأتي منها، المهم أن نفرح، وأن المنقلب صدق في قوله، وأنجز ما وعد، ولو كان في النهاية وهماً وخيالاً.

"أعد يخت الملك المخلوع الغابر، ليذكّرهم بأنه ليس رئيساً، بل ملكًا ورثهم كابراً عن كابر، أو عسكراً عن عسكر، منفقاً الملايين على يخته، ليدخل به ترعته التاريخية"

ودخل على الخط نخبة الخيبة التي غلب خوفها على ما تبقى لها من عقل، فأصبحت تهذي، وتقول أي شيء في أي شيء، ويزايدون على من يحاول أن يحتفظ باحترامه لنفسه وثقته بوعيه، بأنه ليس وطنياً لأنه لا يفرح مع الفرحين، ولا يهلل حتى لو كان لا يستوعب ما يجري.

لم يخرج منهم من يحترم دوره في التوعيه والتنبيه والنقد والرفض، بل منهم من برّر اختزال الوطنية في قطعة من قماش رديء، أو إشادة بالوهم في جراب الحاوي.

غرقوا في مياه قناة الزور، وانكشف منهم مزيد من المستور.

وعلى منوالهم نسج مجموعة من رجال الفساد المطبلين لكل عصر، الهباشين المكوشين على مقدرات الوطن ومعايش المواطنين بمسافحة بين المال والسلطة، بين التجارة بالأوطان والإنسان والمجاورة للبغي والطغيان.

لافتات التهنئة كإعلانات التهيئة مخدرات يتاجرون بها لتغييب الوعي والتلاعب بالعقول، ويدفعون بها ضريبة الركوب على يخت الانقلاب وسفينة الخرق والحمق والخراب..

وكل يصفق وراء (عنتر المفتح المدردح) وهو يعلم أنه مجنون رسمي، كذاب أشر، لكنهم يروجون له كذبه ويشاركونه خيبته.

كل هذا جعل من مشروع فنكوشي، بكل معنى للكلمة، شيئاً أكبر من الصعود إلى ظهر بلوتو، أو اكتشاف حياة خارج كوكب الأرض، وأكبر من الاكتشافات والاختراعات التي يعلن عنها عالميا كل يوم بغير ضجيج، ولا ضوضاء على الطريقة الانقلابية البليدة.

ولكن يوم الزينة الفرعوني شأن آخر وفصل خاص من مشاهد غاية في الدلالة والضلالة.

أعد المنقلب وجوقته نصباً من شغل النصابين، ومنصة لإطلاق مدافع لا خير فيها ولا منافع، وحفلاً لاستضافة الممثلين على الأمم الممثلين في أجسام البشرية، وأعد يخت الملك المخلوع الغابر، ليذكّرهم بأنه ليس رئيساً، بل ملكًا ورثهم كابراً عن كابر، أو عسكراً عن عسكر، منفقاً الملايين على يخته، ليدخل به ترعته التاريخية (ترعة المحمودية فوق الـ170 كم)، وراصداً ليوم زينته هذا نحو الثلاثين من الملايين.

وخرج على قومه في زينته العسكرية الاحتفالية، كحال الأطفال الفرحين بلباس العيد، يشير بيده إلى الهواء والصحراء، وكأن الناس عن يمينه وشماله، ليذكّرنا مرة أخرى بعنبر العقلاء.

ثم ينزل فيغير لبس العيد، ويجلس لمجرد افتتاح الفنكوش، الذي يعلم مشاركوه فيه أكثر من أي أحد آخر أنه فنكوش لا حقيقة له.

ثم يخطب فيذكر الإخوان، فإذا نابليون صاحب الأسرار يتحول إلى نيرون الذي يوقدها ناراً على نار.

وفي المساء، يتحول إلى عنتر الجامع بين إرهاب المنظر ورعونة الجوهر، بين من يرأس ومن يرقص، ومن يظهر القوة وهو في الحقيقة هواء وفراغ، والمشهد يتجدد.

إنه احتفال التفريعة الغراء في أوبريت عنبر العقلاء، يتقدمه طبيب الفلاسفة النَّصاب، تحيط به جوقة المهوسين من الحمقى والمجانين.

وعلى طريقة "العلاج بالكفتة" لكل الأمراض المستعصية لنجد أنفسنا أمام وطن في مستشفى الأمراض العقلية والنفسية والعصبية والأمراض التاريخية والمستقبلية، والأمراض السياسية والأمنية، وأننا إن لم يتداركنا الله برحمته، فعلى أرضنا السلام.

المصدر