شرح رسالة المؤتمر السادس (2/2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شرح رسالة المؤتمر السادس (2/2)


إعداد: وليد شلبي

مقدمة

الإمام الشهيد حسن البنا وهو يخطب فى أحد الؤتمرات

توقفنا في الحلقة السابقة عند أن حركات الإصلاح التي سبقت الجماعة في عالمنا الإسلامي من حركات التجديد محسوبة عليها، وأن أي تجربة سابقة أنت محاسب عليها وتكرار الخطأ يعني مقتلاً سريعًا، والتعصب الكبير الذي يواجهه العمل الإسلامي المعاصر الآن وعدم القدرة على تحقيق النتائج وابتعاده، وبينه وبين العواقب والنتائج بون شاسع؛ وذلك كله يرجع إلى أن الجميع يعمل محتميًا بالإسلام، فبالنسبة للدعاة يعملون للإسلام وحقوقه، والخصوم يعملون للإسلام، والأمة أيضًا تعمل للإسلام.

فيجب على الداعية ألا يبقى في جانب المتفرج، بل يتحرك عندما يشعر بالقضية، ويشعر أنها تهمه وفي مصلحته، فهذا هو عمله أن يجعل الأمة تستشعر القضية، فهمُّ الدعاة أن يزيحوا الغموض وأن يوضحوا القضية، وهذا هو العمل الإسلامي بعيد عن أي إدارياتٍ أخرى، ويجب عليه أن يتحدث عن هذه الغاية دائمًا ويعمل لها.

فعندما أشار الإمام البنا إلى أن الخصوم يخونون إسلامهم وغايتهم بقوله: إن مطلبهم الحكومة المسلمة فقوة التنفيذ جزء من تعاليم الإسلام تؤيدها أمة مسلمة.. فرأى أن الحكومة خانت أمانة الله وأمانة الناس عندهم؛ فقد خانوا أمانة الله عندما التزموا الإسلام ولم يعملوا له، وخانوا الناس عندما أعلنوا في دستورها أن الدين الرسمي يكون للدولة المسلمة ولم يعملوا به فبذلك يجب عليها المجاهرة بأن وادي النيل هو حامل رسالة الإسلام ونفهمها ونُجليها للناس حتى يعملوا بها بدون مهادنةٍ أو معارضة فبذلك وضع الخصوم في خانة التخوين لأمانة الله والناس.

بين الدين والدولة

فكان الإمام البنا حريصًا على أن تكون قضية الإسلام قضيةً واضحةً لا تأخذ أي نوعٍ من الإجراءات والشكليات، ولا تُصور الجماعة على أنها صراعٌ سياسيٌّ فيستغل الخصم ذلك فيبعدك عن منطقة قوتك وهو انتماؤك للإسلام، ومن ناحية أخرى يسحب الأرض من تحت قدميك عندما يُظهرك للأمة والشعب أنك تصارع من أجل أغراضٍ تحققها لنفسك.

وذلك ما نجح فيه الإمام البنا، والدليل على ذلك مدة حياته الدعوية الـ20 عامًا واستمرارية عمله، فقد روى بعض الإخوان المسئولين عن النظام الخاص أن حسن البنا إن أراد أن يُحدث انقلابًا في الحكم لكان يحدث في يومٍ وليلة، فإنه لم يكن هناك مصلحة أو فئة أو طبقة في الأمة المصرية إلا وفيها العديد من الإخوان، ولكنه كان ينظر أن يستمر الدين، وإن ضاعت الدولة، فالدين هو مَن يصلح الأمة والدولة في الحقيقة هي تعبير عن مفاهيم الدين والأخلاق، وكان يهدف إلى القوة النافعة الجدية، ولم يتكلم عن الثورة المسلحة قط، وكان يقول عنها إن هذا الزمن قد انتهى تمامًا في ظل الظروف التاريخية الراهنة.

واعلم جيدًا أنك إن جئت بالقوة المسلحة أو السلطات والنفوذ فقد انتهيت، فإنه أكثر ما يقاوم من الجميع الخصوم والأمة، أما إذا جئت من قوة الجماهير وقوة الأمة وقوة العصيان وقوة الاحتجاج وقوة التظاهر تعني الأمة؛ أي تعني أن الأمة معك ممكن أن تؤدي إلى نتيجة، فلكي تنجح الدعوة يجب أن تتوفر الأمور الآتية: البساطة وحقائق الحياة حتى لا يوجد فيها إجهاد ذهني فيسهل فهمها وممكن أن أتقبلها فتعطيها المهابة.

البنا.. الرجل القرآني

وهذا بالتحديد ما أراده البنا، وكما قال عنه روبيير جاكسون إنه كان يستطيع أن يعبر عن معالم قضيته الكبرى بكلمات مفيدة فقد سألته: يومًا إلامَ تدعو؟ عندما تحدث البنا عن هذا الحوار قال إن جاكسون كان يستضيفه ليعمل حوارًا صحفيًّا يساعده في كتابه، ومن ذكاء الإمام كان يعلم أن هذا الأجنبي لا يحتاج إلى أن يشرح له فوائد الإسلام، وأنه صحفي يريد أن يأخذ كلمتين، فسأله الإمام رحمه الله أتعرف محمدًا قال جاكسون: "نعم"، فسأله الإمام: أتعرف ما صنع؟ قال: "نعم"، فقال الإمام: "نحن ندعو ما دعا إليه، ونصنع ما صنع"، فأدرك روبيير جاكسون مَن هو حسن البنا وكتب في مذكراته إن الأيام لن تبعده وإن حياته أكبر منه.. فقد جاء جاكسون ليكتب كتابًا عن العالم الإسلامي وعن مصر من الناحية السياسية والدينية فيها فلم يكتب الكتاب ولكن كتب (حسن البنا رجل قرآني).

فالإمام كان يؤمن بأن التغيير لا يحدث بانقلاب ولكن بإصلاح الأخلاق؛ فهي سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في التغيير وأنه لا يحدث إلا بإرادة الأمة فعندما سأله فريد عبد الخالق هل سيأتي يوم يعود النحاس مرةً أخرى؟ قال الإمام إن اختارته الأمة يحضر ثانيةً فإن الأمر ليس ثابتًا ولا يوجد شيء بالإكراه، وما تختاره الأمة يكون لها فإن اختارت الهيمنة فلتتحمل أعباء وتبعات الاختيار وتشعر بالحرج الشديد لاختياره.

وكان كل سعي وحرص الإمام البنا في صراعه، هو حرصه على الإسلام، وعلى أصوله، وعندما تكلم عن رجال الأحزاب عندما سُئل لما لا نواجههم فقال الإمام: نحن في حاجة إلى الجهد الذي يُبذل في الكفاح السلبي من أجل مهاجمتهم وأن ننفقه في عملٍ نافع وكفاح، ونتركهم للزمن فإن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

القوة الحقيقية

الإمام الشهيد حسن البنا فى أحد المؤتمرات

ومن كلماته أننا لن نتقدم لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال فيكون حكمًا سلبيًّا ويظهر شائعات وسيئات الأمة ويملؤها بالعنفوان والخروج عن المألوف؛ فإن الأمة كثيرة الذنوب يكون الحكم فيها على هذه الحالة فيظهر بشاعتها وعنفوانها؛ فلذلك حرص الإمام أن يُقدم المصلحة العامة على الخاصة.

وفي بعض المطالبات في برلمانٍ أو خلافه يمكن أن تؤدي إلى استجابة؛ وذلك بعيدًا عن صور الضغط.. فأية رسالة يمكن أن تمارس نشاطها بعيدًا عن القوات المسلحة أو العنف، فهو مشروع طويل الأمل، فبذلك يكون لديك قوة جماهير هي التي تُطالب عنك لأنها تشعر أنك تعبر عن مفاهيم الدين والأخلاق لديها، وتوصل هذه الرسالة إلى رجل الشارع العادي؛ لأنه آلة التشريع والتنفيذ ووسيلة نقل رسالتك، وبالتالي جمهور الأمة أهم فهو المكافح معك من تحت قبة البرلمان، فإما أن يُستجاب لمطالبك وإما أن تُمنع أصلاً كما يحدث الآن، فسوف يكون معك جمهورٌ تكافح به ويساندك، فهذه قوة الجماهير فرجل الشارع يساندك ويساعدك طالما تتحدث معه بلسان الدين.

في عام 1961م، عندما عمل الرئيس جمال عبد الناصر مؤتمرًا قوميًّا وتكلم فيه الشيخ محمد الغزالي عن لباس المرأة ودعوته للاحتشام على العيان أمام الجميع ومباشرةً في اليوم التالي قام صلاح جاهين رسام الكاريكاتير المشهور بجريدة "الأهرام" بعمل صفحةٍ كاملةٍ سخريةً من الشيخ الغزالي، وكان المؤتمر يوم الخميس وظهرت الجريدة صباح الجمعة فخرجت الجماهير (عدة آلاف) بعد صلاة الجمعة من مسجدي الأزهر والحسين وبدون أي تنبيهٍ، وكان لا توجد أية قوة للإخوان على الساحة تحث الناس وتدعوهم إلى ذلك العمل.. خرجوا قائلين: "صلاح جاهين عدو الدين"، وقاموا بتقطيع الجريدة وذهبوا كل هذه المسافة إلى أن وصلوا إلى مبنى الأهرام يضربونه بالحجارة، واستمروا على ذلك حتى جاءت الشرطة وفرقتهم واعتقلت مَن اعتقلت منهم، وكان أحد المعتقلين واحدًا من الإخوان، كل هذا لمجرد أن صلاح جاهين تعرَّض للشيخ محمد الغزالي. وهذه المظاهرة خرجت تلقائيةً، فرجل الشارع اعتبر ما قام به صلاح جاهين يمس دينه وعقيدته، فقام يدافع عن دينه.

منهج البنا

وهذا ما أراده الإمام البنا، حيث كان حريصًا على أن تكون قضية الإسلام بعيدةً عن كل ما يشوبها من أن تكون صراعًا سياسيًّا أو صراعًا على السلطة، وإن ما اتصل بالإسلام من قضايا مثل الحرية فهي فريضة من فرائضه، ومواجهة الظلم، وهذا من أمر الإسلام، ومحاربة الفقر، ومحاربة الفرقة فهما من أسباب الهزيمة، وأن لا يكون له أي اعتماد إلا على قوة الجماهير.

ومن أقواله أن لا توجد أمة تتبوأ مكانتها في التاريخ إلا وهي غنية بأخلاقها، وكان هذا منهجه في تربية الأمة وهي تهذيب النفوس والأرواح وتزكية الأخلاق، فوفرة الأخلاق هي التي تصنع الأمة وتسير بها إلى ناحية مثمرة، وكما قال الشاعر:

قد كان فوت الموت سهلاً فرده

إليه الحفاظ المر والخلق الوعر

فإن كان طريق الموت سهلاً فأتنازل عن المبادئ والأخلاق في تحقيق المنفعة الخاصة وغاية قريبة.

فكان الناس يقولون عن الإمام الشهيد- رحمه الله- إنه حرص على أمرين هامين طوال حياته وعرضها رغم قصرها؛ إذ لا يُعرف عنه أنه شيخ طريقة أو صاحب منفعة، فقد حرص أصحاب المنافع على عدم التقدم والإباحية والإبقاء على حالة التخلف الطبيعية وتأمين وجود الأجنبي المفيد لهم، أما الإمام البنا فقد حرص أن تتضح الوسائل منضبطة ووفرة أخلاق.

فهم البنا ونهايته

سؤال حائر لا يزال يدور معنا هل هناك ارتباط بين الإسلام كما كان يفهمه البنا ويدعو إليه وبين نهايته التي جاءت لحياته على نحوٍ غير مسبوق؟ طبعًا بلا شك مما أدى إلى ذكره في التاريخ؛ فقد كانت حياة الإمام صورةً لما جاء به، لم يكن أحد أوضح من الإمام وفي حماسه، وكما قال عدد من الإخوان مَن هم في سن الثمانينيات إن الإمام إذا كانت هناك أزمةٌ تمر بالدعوة تجد أنه أشد وضوحًا، ولا يُخفي شيئًا في كلامه، ولا يختبئ.. فمَن يفعل ذلك ممن هم أصحاب الغايات والمصالح الشخصية، فلما سمع الإمام بقرار حل الجماعة، وفي ذلك الوقت كان الإمام في الحج، ومن عادته أنه يجلس هناك فترة طويلة ليفتح أبوابًا جديدةً للإصلاح، فلما علم بأمر الحل اختصر المدة وعاد إلى مصر ليواجه الموقف بنفسه وكتب طلبًا لمقابلة النقراشي ليعرف سبب حل الجماعة، ولكن النقراشي رفض، وكان النقراشي يعلم أن البنا لا يُقاوم، ومع إصرار البنا وقوته وثقته بنفسه وإيمانه بدعوته جعل النقراشي يعدل عن تنفيذ القرار بحل الجماعة؛ وذلك لإيمانه بدعوتنا، وأنه لا يوجد شيء مخالف يستدعي الخصومة.

وكان الإمام يقول: نحن موقفنا من الحكومة- مع أننا لم نرَ منها إلا الوعود البراقة، وأنها السبب في انحدار الأمة- إلا أننا موقفنا منها بمثابة موقف الناصح الشفيق، نُقدم لهم الخير والمشاريع والأفكار، وهكذا لنُخرج الأمة من مأزقها.

عندما سُئل أحد الإخوان ما أهم صفات الإمام قال: إنه في الأزمات يظهر ويبرق لإيمانه العجيب وثقته بدعوته، فكان رجل إيمان ويخاطب أمةً فلا يصح أن يضحك عليها أو يسخر منها.

هل كان الإمام يختبئ في الأزمات؟

مَن قال في حقه ذلك أناسٌ مرضى بالفساد الأخلاقي، وهم نتيجة لكارثة أخلاقية لما مارسته الحكومات من الفساد والظلم والإباحية في حكمها فتفشى فيهم الفساد.

فالرسول- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يُوقِّع صلح الحديبية جاءه أبو جندل مسلمًا على أن لا يرده رسول الله، ولكن سهيل بن عامر والد أبي جندل جاء لرسول الله ليرد عليه أبا جندل فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: إننا لم نُوقِّع الاتفاق، فرد سهيل: ولكنك وعدت- أي أعطيت كلمة-، وأبو جندل يخاف الفتنة في دينه وقد بدا به الجزع إلى الإعياء، فجاء سيدنا عمر بن الخطاب يشحذ السيف أمام أبي جندل ويقول: والله إن كان أبي يردني عن ديني لقتلته دم الرجل بأبيه؛ يريد سيدنا عمر إنهاء القضية، ولكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "لقد أعطيناهم عهدًا لله وميثاقه، وأنَّا لا نغدر أبدًا.. اذهب معهم يا أبا جندل".

فكان الإمام يتعلم ممن سبقه، فيجب التعلم دائمًا مما سبقك فيعلمهم أن لا يدخلوا في أي منازعاتٍ حتى يحافظوا على غايتهم ويستمروا، فلا تستطيع أن تنسلخ أبدًا من التاريخ السابق لك في الإصلاح.

وأي عملٍ تقوم به يجب أن يكون مدروسًا ومخططًا له وتتلافى أخطاء الآخرين حتى لا تكون مقتلاً سريعًا، كل ما تجعل العمل بعيدًا عن صراعات فهذا أجدر ألا يستغله الخصم وأي عمل يستخدم العنف والسلاح وغير ذلك سوف يفيد الخصم، فسوف يأخذ الشكل والإجراءات ويبتعد عن المحتوى، فإنك في ذلك الوقت لا تحرص على الإسلام وغيره، بل تحرص على الفعل الذي تفعله الآن، وبالتالي يسحب الخصم البساطَ من تحت أقدامك ويجعل القضية ليست للإسلام بل للصدام والسلطة والاختلاف على مصالح سياسية فحسب.

ففي الظروف الحالية ستمر أوقات طويلة جدًّا حتى تستطيع الناس أن تصدقك حتى تعرف الأمة مصلحتها "أين ومع من"، فالجماعة مرت في تاريخها بوقتٍ طويل ومحن وأعمار ودماء قضيت وراء إنجاح العمل فأخذت الدليل على مصداقيتها.


المصدر