شعاع في ظلمة الاعتقال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:٣٨، ١٩ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

شعاع في ظلمة الاعتقال ..... بقلم / حفصة خيرت


"أماه لا تحزني.. فالله لن يضيعنا"

معتقل 2.jpg

كلمة ملتهبة بنور الحق وضياء فطرة طفلها.. انطلقت من فمه لتطفئ لهيب نار كادت أن تحرق كل آمالها.. كلمة تسامت فوق قاموس الكلمات.. كلمة أيقظت الهمم في وجدانها، فلقد اكتسبت من براءة الصغير قوتها.. كلمة أصبح الصغير بها مصدر الزاد وسر الصبر ونفحة الأمل في حياتها.. كلمة من أجلها عاهدت ربَّها وصغيرها على بذل ما في وسعها.. كلمة أو نظرة حرمان أو اشتياق من طفلها علَّمتها كيفية قيادة سفينتها ورفع شراعها حتى تصل إلى شاطيء الأمان بها.


فبعد اعتقال زوجها رأت الدنيا سوداء من حولها فضَّمت إلى قلبها صغيرها الذي لا تدري إن كانت ستتوفر له مقومات الحياة الكريمة بعد الآن أم لا.. بللت خصلات شعره بدموعها، فقبلها على يديها وناداها بأجمل الأسماء وقعًا في أذنيها.


ناشدها بما علمته هي ووالده من جميع المعاني، وأجاب على تساؤلاتٍ نبض بها قلبها: أليس الرازق هو الله يا أمي.. إذن فلن يضيعنا إذا ما عليه توكلنا لا تواكلنا.


فلم تجبه بكلماتها بل أجابته بأفعالها وفتشت داخل نفسها عن شيء يميزها ويظهر فيه إبداعها فتعقل به ناقتها، وبعد ذلك يكون على الله توكلها فيكرمها ويرزقها هي وكل أسرتها.


ظروف قاسية

باعتقال الزوج وغيابه تغيب عن الأسرة أشياء كثيرة.. فما أقسى أن يمر الإنسان بضائقة مالية بعد رغد في العيش ورزق وفير فيجد نفسه مجبرًا على نمط مختلف من الحياة غير هذا الذي اعتاده من قبل، والأقسى أن يغيب مَن جعله الله سببًا في الدخل المادي للأسرة فتجد الأم نفسها أمام منعطفين أولهما ضرورة إيجاد دخل بديل وثانيهما والأخير كيفية تكييف الأسرة والأبناء على هذا التغيير.


بهذه الظروف القاسية مرَّت زوجات كثيرات، تعرَّض أزواجهن للاعتقالات، ولم يترك لهن شيئًا يعود عليهن بدخلٍ ثابتٍ كإيجار عقار أو ما شابه، ومن بين هؤلاء وجدنا تجارب عظيمة نجحت بها الزوجات في قيادة السفينة خلفًا لأزواجهن وحافظن على أسرة مسلمة صامدة أمام التيار فلا يحققن باهتزازها مآرب الأعداء والآمرين بالاعتقال.


الكعكة المباركة

من بين أطفال ثمانية كانت أم مريم التي تركها زوجها بعد اعتقاله بلا أي دخل فلم تجد أهل تحتمي بهم؛ لأنها كانت قد تيتمت وهي صغيرة فأبت أن تطلب المساعدة من أي شخص على وجه الأرض حتى ولو كان من أهل زوجها والمقربين إليها، واستعانت بالله واستمرت في حضور مجالس العلم في المساجد ولم يثنها الاعتقال عن ذلك، وفي يوم من أيام هذا المجلس جاءتها ابنتها الصغيرة وطلبت منها إعداد كعكة تذهب بها للمدرسة بمناسبة العيد ككل عام، ولم يكن يوجد مع أمها سوى مبلغ قليل من المال لم يكن يكفي ليطعم أطفالها فيما بقي في الأسبوع من أيام، وانصرفت الصغيرة تاركة أمها غارقة في همومها ودموعها فبماذا تجيبها هل تشعرها بتبعات اعتقال أبيها فيتسرب القلق والخوف إلى قلب صغيرة لم تبلغ بعد العاشرة من عمرها.


فاستخارت ربها وقامت لإعداد كعكة، ولكنها لم تكن لصغيرتها، نعم.. فلقد أخذتها وذهبت لمجلس العلم، وأعلنت أنها تبيع كعك وحلويات، وباعت الكعكة بالقطعة للحاضرات، وعادت بضعف ما تكلفته في إعدادها وبأكثر من طلب بإعداد أخريات في المرة القادمة لشدة إعجابهن بما صنعته يديها فأخذت نصف المبلغ مقدمًا كنوعٍ من التأكيد ومصدر للتمويل على الإعداد أيضًا، وأعدت بما كسبته من الكعكة الأولى أخرى لصغيرتها لتذهب بها إلى مدرستها فرأت على وجنتيها بسمة زادت من حماسها في العمل، واستمر هذا النشاط وذاع صيتها في الأماكن من حولها ونوَّعت أصنافها وزاد زبائنها، وأصبح لها حد أدنى في دخلٍ ثابتٍ لا يقل عنه بل يزيد، ونجحت في إيجاد بديل أو مورد رزق لأسرتها استمر بعد خروج زوجها وعودته إليها سعيدًا بجميل صنيعها.


سفر للحسنات

كثيرًا ما غاب زوجي عنَّا في سفر للخارج ليكسب الأموال وينفعنا بها في دنيانا، والآن يغيب ليعود إلينا بالحسنات فتنفعنا في آخرتنا هذا هو رأي أم حبيبة التي اشتدت بها الأزمة المادية بعد اعتقال زوجها خاصةً في بداية العام الدراسي الجديد فأعدت قائمة بالمتطلبات ومن بينها وجدت شرائط الشعر فذهبت واشترت كميةً لا بأسَ بها وشغلت منها أشكالاً جذابة وباعتها إلى زميلاتها فحققت مكسبًا لا بأسَ به مكَّنها من توسيع المشروع والتوريد إلى المكاتب المجاورة.


ماكينة خياطة

في غرفة صغيرة جعلها الله سببًا في رزق أم أيمن وأسرتها التي كثيرًا ما عاشوا محنة الاعتقال والأزمات المادية، ولكنها قامت بخياطة الملابس وبعض المنسوجات، وأقامت معرضًا في منزلها دعت إليه صديقاتها ومعارفها، وتوسع النشاط ليشمل كل ما تحتاجه الأسرة المصرية، ووفرت بذلك إيجار مكان تعرض فيه منتجاتها، وفي نفس الوقت ضمنت مشتريًا أمينًا من خلال ضويفها ومعارفها.


دروس خصوصية

عاشت هناء طيلة حياتها متفوقة في دراستها حتى التحقت بكلية الهندسة، ولكنها لم تعمل نظرًا لزواجها وبعد اعتقال زوجها فكَّرت في النزول إلى العمل لكنها لم تكن قد كوَّنت خبرة تؤهلها للعمل في مجال الهندسة فجمعت زملاء ابنها، وذاكرت لهم دروسهم حتى لاحظ أهاليهم تقدم مستوى الأبناء فقدموا لها مبالغ مادية نظير هذه الدروس، وانتشر اسمها حتى حققت دخلاً لها ولأسرتها.


الإدارة

مهارة الإدارة هي مهارة أم أحمد التي عمل زوجها في عملٍ خاصٍ كاد أن ينهار بعد اعتقاله ويتهدَّم كل ما بناه خلال الأعوام الماضية فقررت النزول إلى عمل زوجها وأدارته بدلاًَ من تركه لينهار، وبالفعل ساعدها زوجها خلال زيارتها له ببعض المعلومات فأدارت العمل بفضل الله ونجحت في اجتياز المحنة.


نصائح من ذهب

حين تشتد المحن تأتي النصائح من المبتلى كالذهب الصافي حرصًا منه على أن لا يقع الآخرون في مثل ما وقع فيه، ومن خلال هذه التجارب التي أخلص الزوجات فيها النوايا لله فحافظن على بيتٍ عاش لله وبالله قبل الاعتقال وفي الاعتقال وفي كل الحياة.


سألناهن إن كانوا تمنَّين شيئًا بعد الاعتقال فقلن: يا ليتنا كنا قبل الاعتقال فعلنا شيئًا هوَّن علينا الابتلاء؛ مثل التقشف في العيش أو تعلُّم حرفة تكون مصدرًا للدخل في حال اعتقال الزوج، بالإضافة إلى مفاتيح الرزق وهي كثرة ذكر الله والاستغفار، وصدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف: "تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة"، فكلما تعرفنا إلى الله وتقرَّبنا منه أكثر أيام الرخاء وقف بجانبنا وقت الشدة وهوَّن علينا الابتلاء.


اخشوشنوا فإنَّ النعمة لا تدوم

أول نصيحة قدمتها أم مريم من خلاصة تجربتها، وأوضحت أنه من الضروري أن تحتهد كل أسرة في أن تعيش حياة المتقشفين حتى وإن توفَّر لها رزق وفير، وليكن هناك يوم في الأسبوع لا يأكلون فيه إلا التمر واللبن، فالأمة الإسلامية محاربة ومعرضة لأي شيء فقد نُشرَّد ونحارب ولا نجد ما نأكله كما يحدث لإخواننا المستضعفين، وإن لم نتعود على ذلك واعتدنا علىالرفاهية فسنجد صعوبةً بالغة في التعامل مع الحياة وتصير المحنة محنتين، كذلك سنشعر حينها بالفقراء وإخواننا في فلسطين فنذكرهم في دعائنا ومالنا.


قادرًا على الكسب

صفة عظيمة من صفات المؤمن القوي لا بد أن يتحلى بها سواء كان مضطرًا أم حرًّا.. هذا هو رأي أم عبادة التي كانت تشغل من خيوط الصوف ملابس تعرضها في معارض الأسر المنتجة بجانب عملها كمترجمة للكتب الأجنبية، وكان ذلك قبل زواجها، واستمرت في هذه الأعمال بعد الزواج، وعند اعتقال زوجها كانت قد وصلت لمهارة ممتازة في هذه الأعمال مما ساعدها على كسب أكبر، وتؤكد أنَّ البداية في توظيف الموهبة والطاقة في القدرة على الكسب- حتى لو توفرت ظروف معيشية جيدة- يفيد في استثمار هذه الموهبة وتنميتها فإذا ما احتاجت للعمل أو الكسب لأي سبب تكون قد تأهلت على ذلك من قبل، وتكون قد وصلت لمستوى لائق من جهة أخرى.


سورة الواقعة وثمار الاستغفار

مع ضرورة العمل وطرق أبواب الرزق أعطانا الله مفاتيح تيسر علينا الأمر.. هذا هو رأي أم عمر التي اعتقل والدها، مما أدى إلى تدهور وضعهم المادي بشكلٍ كبيرٍ، وكان ذلك قبل زواجها هي وأخواتها، وفي منتصف المحنة هذه علمت من إحدى صديقاتي ثمار الاستغفار وكيف أنَّ الله تعالى قال في كتابه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ (نوح: من 9-11)، فقررت الاستغفار بالرزق وحدثتها عن فضل سورة الواقعة، ومن يومها أخذت على نفسها هي وإخواتها عهدًا بالاستغفار كثيرًا وقراءة سورة الواقعة، وتتحدث عن مفعول السحر قائلةً: وعدت بعد يومين لأجد أختًا فاضلة كانت تسمع عن قضية والدي كثيرًا تعاطفت معنا بشدة في اليومين السابقين فقط- أي منذ بداية محافظتنا على الاستغفار أرسلت إلينا مبلغ مالي كبير ساعدنا بفضل الله على اجتياز المحنة، وحينها قلنا سبحان الله الذي زاد في تعاطفها معنا بعدما استغفرناه واستخدمنا مفاتيح الرزق التي يسرها لنا.


خطوات على الرمال

"فليكن عملك وجهادك في فترة غياب زوجك كالسير علىالرمال لا يُسمع لها صوت، ولكنها تترك الأثر" نصيحة نختم بها التجارب العظيمة فتكون كمسك الختام نصحتنا بها أم أسامة والتي تدهور وضعها المالدي بعد اعتقال زوجها مما أدَّى بها إلى بيع الخضروات لتكسب الرزق، وتأتي نصيحتها كنوعٍ من الرأفة على الزوج المعتقل فلا تضيف على أعبائه عبئًا جديدًا فكثيرًا ما أخبرته أنَّ أوضاعهم ممتازة، ولم تخبره يومًا عن أمر بيعها الخضروات، وكل ذلك لتفوز بالأجر وترزق الإخلاص، ولقد أكرمها الله هي وأولادها بعد ذلك بنعم عظيمة أعظمها القناعة والإخلاص والرضا بالمقسوم.


وأخيرًا

حـمدًا للذي نجـى سفينتنا لشاطيها

يحي القلب من سارت بها حتى مراسيها

فلتجعل كل زوجة مقولة هذا الشاعر لسان حال زوجها وكل من حولها، ولتبحث كل من مرَّت بمحنة أو لم تمر عن صورٍ تجعلها قادرة على الكسب فتجعله سلاحًا في يديها في السلم تشهره في أي شدة.


ولتزرع هذه القدرة في أولادها لتتوارثها الأجيال من بعد، وليكن الاستغفار وقود حياتها والنية الخالصة خريطة طريقها.


المصدر : إخوان أون لاين