شكيب أرسلان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شكيب أرسلان .. أمير البيان والوحدة الإسلامية

موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

مقدمة

من الأسماء قليلة الشهرة في وسط الأجيال الجديدة ولكنه كان علم باز في العالم العربي والإسلامي كمفكر وشاعر وسياسي في بدايات القرن العشرين وكانت له مواقف واضحة تجاه الأحداث التي عاصرها في تلك الفترة وخاصة مع بداية ظهور الفكرة القومية وإحياء فكرة الجامعة الإسلامية.

وهو أحد الشخصيات الأدبية الهامة والذي تنوعت مجالات اهتماماته فتمكن من اختراق العديد من المجالات حاصدا قدر غزير من الثقافة والعلوم فعرف كأديب، شاعر، صحفي، مؤرخ، داعية، سياسي ومترجم، وأمير من دروز لبنان، وقد حمل شكيب أرسلان على مدار حياته هموم المسلمين وهموم أمته فعمل على الدفاع عنهم ومناقشة قضاياهم وتعريف العالم بهم، وبحث أرسلان في السياسة الإسلامية قبل انهيار الدولة العثمانية،هذا بالإضافة لدعوته للوحدة الإسلامية والوحدة الثقافية.

شكيب أرسلان (25 ديسمبر 1869 - 9 ديسمبر 1946)، كاتب وأديب ومفكر عربي لبناني اشتهر بلقب أمير البيان بسب كونه أديباً وشاعراً بالإضافة إلى كونه سياسياً. كان يجيد اللغة العربية والتركية والفرنسية والألمانية.

التقى بالعديد من المفكرين والأدباء خلال سفراته العديدة مثل جمال الدين الأفغاني وأحمد شوقي. من أشهر كتبه الحلل السندسية، "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم"، و"الارتسامات اللطاف"، و"تاريخ غزوات العرب"، و"عروة الاتحاد"، و"حاضر العالم الإسلامي" وغيرها. ولقد لقب بأمير البيان لغزارة كتاباته، ويعتبر واحداً من كبار المفكرين ودعاة الوحدة الإسلامية والوحدة والثقافة.

الميلاد والنشأة

ولد شكيب بن حمود بن حسن بن يونس بن منصور بن عباس بن فخر الدين بن حيدر بن سليمان بن فخر الدين بن يحيى بن مذحج بن محمد بن أحمد بن خليل بن مفرج بن يحيى بن صالح بن مفرج بن يوسف بن صالح بن علي بن بحتر بن علي بن عمر بن عيسى بن موسى بن مطوع بن تميم بن المنذر بن النعمان بن عامر بن هاني بن مسعود بن أرسلان بن مالك بن بركات بن المنذر بن مسعود الشهير بقحطان بن عون بن ملك الحيرة المنذر المغرور ابن الملك النعمان أبي القابوس ابن الملك المنذر ابن الملك المنذر بن ماء السماء, بقرية الشويفات قرب بيروت ليلة الإثنين (غرة رمضان 1286 هـ 25 ديسمبر 1869م). و"شكيب" تعني بالفارسية: الصابر. و"أرسلان" تعني بالتركية والفارسية: الأسد.

ديانته

ولد السيد شكيب لعائلة تنتمي للطائفة الدرزية. ومن المعلوم أن الدروز لهم مذهبهم الخاص بهم، ولا يقبلون بدخول أحد إلى مذهبهم، ولا يسمحون لأحدهم بالخروج منه. إلا أن السيد شكيب كان يعتنق المذهب السني، ويتعبد على طريقتهم. فكان يصلي ويصوم ويحج ويؤدي سائر العبادات كما يفعل المسلمون، كما أنه تزوج من سنية.

محطات في تاريخ شكيب أرسلان

  • كما تأثر بالسيد جمال الدين الأفغاني تأثرًا كبيرًا، واقتدى به في منهجه الفكري وحياته السياسية، وكذلك تأثر بعدد من المفكرين والعلماء مثل أحمد فارس الشدياق الذي كان شديد الحماس والتأييد للخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، وتأثر أيضًا بالعالم الأمريكي د. "كرنليوس فان ديك" الذي كان يدرّس بالجامعة الأمريكية ببيروت، وكان دائم الإشادة به.
  • تعلم شكيب في بلدته الشويفات مبادئ القراءة والكتابة والقرآن على شيخ من أهل بلدته، ثم دخل مدرسة الأميركان، وتعلم فيها مبادئ اللغة الإنجليزية، ثم انتقل إلى بيروت ليتلقى دروسه في مدرسة الحكمة المارونية، والتي كانت مشهورة بتعليم أصول اللغة العربية، والفرنسية، والتركية.
  • ونبغ شكيب في ذلك متفوقاً وبامتياز، ونال شهادتها سنة 1886، ثم انتقل إلى المدرسة السلطانية لتعلم اللغة التركية والفقه، كما حضر درس مجلة الأحكام العدلية على الإمام محمد عبده، ولازمه في مجالسه الخاصة، حتى كان للإمام عبده أثر كبير في حياة شكيب وفي تكوينه وتوجيهه، فاتخذه مثلاً أعلى لحياته، ورأى في أدبه وسيرته ودعوته للإصلاح وعمله لخير المسلمين طريقاً يسلكها، وشعاراً يرمي إليه، ونهجاً يسير فيه، حتى غدا يقلده في خطابه وفي آثاره ومقالاته.
  • نظم شكيب أرسلان الشعر وهو في منتصف العقد الثاني من عمره، وظهر نبوغه في الكتابة وغطت على شعره، فبدأ يراسل جريدة الأهرام المصرية بتوقيع (ش) وظل على ذلك سنين فاستفاضت شهرته، وفي عام 1887 نشر ديوان شعره الأول وأسماه الباكورة.
  • وتعرف إلى كثير من الشعراء والأدباء والساسة تضيق عن استيعاب أسمائهم وأمجادهم سطور وسطور، وكان لهذه البيئة أثر في حياة شكيب حيث كانت تمثل أكبر جامعة من الجامعات دخلها وخرج منها على اطلاع وثقافة وسياسة فزادته يقيناً برسالته التي راحت تراود أحلامه وأمانيه، وهي رسالة الدعوة إلى الإسلام والدفاع عن الخلافة والذود عن العرب ومناضلة الاستعمار.
  • تولى شكيب مديرية الشويفات مدة سنتين بعد وفاة والده الذي كان يشغل هذا المنصب ثم مدير منطقة الشوف مدة ثلاث سنوات، كما عُين نائباً في مجلس المبعوثان العثماني مرة عن اللاذقية ومرة أخرى عن منطقة حوران، وعُين مفتشاً لجمعية الهلال العثماني، وسافر تحت لواء هذا الهلال إلى طرابلس الغرب للدفاع عن إخوانه هناك فكان يحث الهمم ويؤمن المؤن ويضمد الجرحى، كما وقف في خطوط القتال مؤمناً بأنه: (إن لم ندافع عن صحارى ليبيا، لا نستطيع الحفاظ على جنان الشام).
  • دعا شكيب إلى الجامعة الإسلامية في ظل الحكم العثماني، ووقف في وجه التعاون مع الغرب خاصة مع فرنسا وإنجلترا ضد الدولة العثمانية، واعتبره أشد خطراً على الإسلام والعرب، وكان يدعم الخلافة العثمانية في مقالاته في جريدة (الشرق) ويدعو إلى نصرة الإسلام ضد الغرب المستعمر، ويعمل على وحدة المسلمين والإبقاء على سمعة الخلافة العثمانية وقوتها وسيطرتها كما كانت في عهد الأمويين والراشدين.
  • وبالرغم من دفاع شكيب عن الخلافة العثمانية قبل وفي ظل الحرب العامة، إلا أنه أخيراً استاء من سياسة القائد العثماني جمال السفاح، الذي طغى وبغى وقتل ونفى وهجر حتى طفح الكيل، حيث أنقذ الأمير شكيب من مظالم جمال باشا العديد من الشخصيات السورية واللبنانية نذكر منهم فارس الخوري الذي ظل حتى آخر حياته يذكر أن شكيب أرسلان أنقذه من الموت.
  • ثم توترت علاقات الأمير بجمال باشا لتكاثر تدخلاته، وهُدد مراراً بعدم التدخل، وقد نصحه الكثيرون ألاّ يتمادى في التدخل حرصاً على حياته. فهاجر من سورية إلى استانبول سنة 1917، وقرر ألا يعود إلى سورية وجمال السفاح فيها.
  • دعته الحكومة الألمانية في نفس العام لزيارة عواصمها، فلبى الدعوة، وهناك وُفق في إقناع الألمان وساسة الأتراك في إرجاع جمال السفاح إلى الآستانة. وبهذا خدم شكيب قومه وأنقذ البقية الباقية من الزعماء السوريين من حبل المشنقة، كما خدم بلاده في إعادة منفيي سورية إلى أوطانهم.
  • لما انتهت الحرب العالمية بإخفاق الألمان والأتراك، انتقل شكيب إلى برلين وأقام هناك حيث أسس العديد من الجمعيات وانتخب رئيساً لـ (النادي الشرقي) الذي هو مؤسسه.
  • وهناك نهج سياسة جديدة، فبعدما وقف من الثورة العربية أول الأمر موقف المخالف لأنها كانت ضد الخلافة العثمانية فلما انتصرت وعُين فيصل ملكاً، نراه يشد أزر مليكهم وينتصر لهم ضد دسائس المستعمرين الأوربيين، وأصبح ينادي بأنه جندي من جنود الأمة العربية له ثلاثة أهداف جليلة واضحة أولها: الاتحاد،وثانيها: التحرر،وثالثهما: السير في موكب النهضة والعلم.
  • وكان يعرب عن أمله في مستقبل العرب والجامعة العربية فيرى أن ستين مليوناً يستطيعون أن يجندوا حوالي مليون جندي على الأقل لحماية الجامعة العربية.
  • وقد عرف الملك فيصل إخلاص شكيب للقضية العربية، ورأى أنه كان يعمل للعرب تحت ظل الخلافة الإسلامية. فلما قضت الخلافة راح يعمل لهم تحت ستر الإسلام ضد الاستعمار.
  • فلما دخل الفرنسيون سوريا أيقن العرب صدق آراء شكيب إزاء الاستعمار، وهو الذي كان يقول: (هذا الاستعمار استمراراً للغزوة الصليبية، تغيرت الأسماء والألقاب أم لم تتغير).
  • لذلك وجه له الملك فيصل بعد سقوط عرشه رسالة يقول فيها: (أشهد بأنك أول عربي تكلم معي في قضية الوحدة العربية).
  • وكانت تغلب على مبادئ الأمير شكيب الصبغة السياسية لأنه كان يرى أن إصلاح السياسة يصلح كل شيء.
  • وهذا الإصلاح في السياسة قد انحصر عنده منذ بدأ مساهمته في الدعوة للجامعة الإسلامية حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى أي مدة ربع قرن في نقطتين الأولى: إصلاح الحكم الاستبدادي في الدولة العثمانية وفي سائر الدول الإسلامية الأخرى، وتقويم المعوج في شؤونها الداخلية. الثانية، تخليص الشعوب الإسلامية الواقعة تحت الحكم الأجنبي.
  • وقد ظلت هذه النقطة الثانية مدار عمله في هذا الميدان حتى النفس الأخير من حياته.
  • انتخب شكيب سكرتيراً أولاً للوفد المنبثق عن المؤتمر السوري الفلسطيني عام 1921 وعضواً في لجنته التنفيذية ليكون سفيراً لهم في الغرب يدافع عن سورية وفلسطين ويسعى لتحرير هذين القطرين من براثن الاستعمار ويسعى لاستقلالهما أمام جمعية الأمم المتحدة بجنيف.
  • لذلك انتقل شكيب عام 1925 إلى سويسرا مقر عمله وأقام في لوزان أولاً حتى عام 1930 قبل انتقاله إلى جنيف. وقد نجح وفد المؤتمر السوري الفلسطيني في إفهام القضية السورية الفلسطينية، وأثارها في العواصم الأوروبية، ونبه أنظار الأمم إلى جرائم فرنسا في بلده، وجرها إلى مراقبة أعمالها، وتحذيرها من مغبة فسادها، فنقل بذلك أصوات السوريين إلى جمعية الأمم في جنيف وأقض مضجع المستعمرين.
  • ذاع صيت شكيب في العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، وأصبح موضع ثقة العرب جميعاً ومحل احترامهم وإكبارهم، وزال عنه كثير من التهم التي كانت تلصق به في العهد العثماني بسبب وقوفه في وجه العرب المعادين للخلافة العثمانية، ولقي في سبيل هذه الشهرة عناء كبيراً، إذ راح العرب والمسلمون يكاتبونه ويسألونه ويشتكون إليه، وكان عليه بعد أن زحف نحو الستين أن يجيب من يعرف ومن لا يعرف بقلمه السيال وبيانه الفياض، فأصبح في كل ناحية له رسالة من خطه تنير أو تفيد في فتوى سياسية أو تعين في مشورة.
  • انتخب شكيب أرسلان سكرتيراً لمؤتمر الشعوب المقهورة في جنوى، وفي عام 1923 ـ 1925 أقام في مرسين بتركيا ليكون على مقربة من سورية المتحفزة للثورات، وللقاء والدته وعائلته هناك.
  • في عام 1926 نال شكيب أرسلان الجنسية الحجازية (السعودية لاحقاً).
  • كما انتخب شكيب في تموز 1926 في لجنة رئاسة مؤتمر الخلافة، وحركة مؤتمر الخلافة حركة إسلامية عارمة ثارت بعد قرار كمال أتاتورك إلغاء الخلافة في آذار 1924 وقطع روابط تركيا بالعرب والمسلمين.
  • دعاه عرب المهجر في أمريكا الشمالية إلى ترؤس مؤتمرهم المنعقد في (ديترويت) فلبى الدعوة عام 1927، وسافر إلى أمريكا بعد أن طاف في روسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وأخذ يغذي الصحف العربية في كل مكان، وراح ينشر مذكراته في جريدة (مرآة الغرب) بنيويورك، تحدث فيها عن جمال السفاح ومقاومته له وردعه إياه عن فظائعه المنكرة في قتل الأحرار من العرب، وتحذيره لهذا الضابط المتكبر من نتائج أعماله على الدولة العثمانية وعلى رابطة العرب والترك.
  • في سنة 1929 ترك شكيب سويسرا ليحج إلى بيت الله الحرام، في سنة 1930 قام برحلة إلى أسبانيا، فجاس خلالها مدنها وقراها، وصافحت عيناه جدران الأندلس الحلوة ، فنقلها صوراً بارعة ورسوماً باكية ضاحكة إلى كتابه (الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية).
  • كما وأنشأ في هذه السنة مجلة باللغة الفرنسية سماها (الأمة العربية) شهدت له بالنضال في سبيل العرب، والعمل لاستقلالهم، والانتصار لثوراتهم في كل مكان وتحريضه إياهم على الكفاح والنضال والإشادة بأبطالهم وبطولاتهم، غير مبال بغضب الإنجليز والفرنسيين.
  • وللأمير شكيب أياد بيضاء في محو كثير من أسباب سوء التفاهم الذي ينشأ أحياناً بين ملوك العرب أو بين أمرائهم أو سائر رجالاتهم وغالباً ما تكللت مساعيه بالنجاح بفضل ما كان يتمتع به عندهم من نفوذ وإكرام. ففي سنة 1934 اختير شكيب في الوفد الذي شكلته لجنة المؤتمر الإسلامي في القدس لحل الخلاف بين عاهل السعودية ابن سعود والإمام يحيى، فكان لشكيب يد فضلى في جمع الشمل.
  • ومنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى قلما جاء وفد عربي إلى باريس أو لندن أو جنيف أو غيرها من العواصم ليطالب بحقوق العرب ولم يكن الأمير شكيب من أبرز أعضائه أو كبار مستشاريه، كما ندر أن عقد مؤتمر عربي عام وكان بعيداً عنه، ولم تقم ثورة في قطر عربي في المشرق أو المغرب ضد الاستعمار إلا وكان المدافع عن القائمين بها ناشراً الدعوة لها وكاشفاً الستار عن أعمال المستعمرين في أوطانه.
  • وذكر عنه أنه قابل مع صديقه إحسان الجابري موسوليني، وباحثه في موضوع القضية الطرابلسية، وأقنعه بإعادة 80 ألف عربي لوطنهم في ليبيا وإعادة أراضيهم.
  • خطر لشكيب أرسلان عام 1936 أن يجمع ما كتبه من بحوث سياسية ومذكرات واحتجاجات ونداءات، وما كان يوزعه على وفود جمعية الأمم المتحدة ورجالها من خطابات، فوجد أنه يقع فيما يقارب العشرين مجلداً، وأنه يتعذر عليه طبعه فأهداه جميعاً إلى نظارة الخارجية السورية.
  • قال شكيب أرسلان عن نفسه أنه (لا يضيع دقيقة واحدة من وقته، وأنه يتلقى أكثر من ألفي مكتوب في دور السنة، فيجيب عليها كلها، ويكتب زيادة عليها مائتين إلى مائتين وخمسين مقالة في دور السنة. وينشر من التآليف بضعة آلاف من الصفحات المطبوعة تأليفاً).
  • عرّفه خليل مطران بـ (إمام المترسلين)، ولقبه أخوه الخبير بعلمه وفضله السيد رشيد رضا بـ(أمير البيان).
  • في عام 1935 ترأس الأمير شكيب أرسلان المؤتمر الإسلامي الأوروبي الذي عقد في جنيف.
  • وفي عام 1937 سمح للأمير شكيب بزيارة سورية، فطاف مدنها وخطب في قومه وحاضر في أندية علمية مختلفة، واختاره المجمع العلمي العربي بدمشق رئيساً له تكريماً لجهاده وإكباراً ليده، لكنه اعتذر احتجاجاً على فرنسا التي تنكرت للمعاهدة المعقودة مع سوريا سنة 1936، فاضطر للعودة إلى جنيف في ظل فترة الحرب العالمية الثانية.
  • حيث نسج شبكة علاقات واسعة مع السوريين في أمريكا اللاتينية، فراسلهم وكتب المقالات في مجلاتهم ووجه خطواتهم في عقد المؤتمرات وتشكيل الجمعيات، كما شارك في الخطوات السياسية للزعماء العرب المعادين لفرنسا وبريطانيا والساعين لاستقلال ووحدة البلاد العربية، وأبرزهم الحاج محمد أمين الحسيني ورشيد عالي الكيلاني وعلال الفاسي ومصالي الحاج الزعيم الجزائري، وغيرهم في المشرق والمغرب على السواء.
  • الأمير شكيب أرسلان من الدروز وهو يعتز بهذا النسب ويقول:
(والدروز فرقة من الفرق الإسلامية أصلهم من الشيعة الإسماعيلية الفاطمية، والشيعة الإسماعيلية الفاطمية أصلها من الشيعة السبعية القائلين بالأئمة السبعة، وهؤلاء هم من جملة المسلمين، وهم مسلمون ويقيمون شعائر المسلمين ويتواصون بمرافقة الإسلام والمسلمين في السراء والضراء، ويقولون إن كل من خرج عن ذلك منهم فليس بمسلم).
  • أما الأمير شكيب فقد كان شخصياً يتعبد على مذهب أهل السنة، فيصوم ويصلي ويزكي ويحج كما يفعل جمهور المسلمين.
  • قال الشيخ سليمان الظاهر:
(بأن الأمير شكيب كان المسلم الحقيقي الذي عرف أن الإسلام عقيدة وعمل وأنه دين إنساني عام لا دين شعوبية وقبلية وعصبية وإقليمية ولا دين أجناس وألوان).

محاولات المستعمرين للنيل منه

سعى المحتلون إلى تشويه صورته أمام الجماهير، فاتهمه المفوض الفرنسي السامي المسيو "جوفنيل" بأنه من أعوان "جمال باشا السفاح"، وأنه كان قائدًا لفرقة المتطوعين تحت إمرته، وكان "شكيب" قد تولى قيادة تلك الفرقة من المتطوعين اللبنانيين لمقاومة الدول التي احتلت "لبنان"، وكان من الطبيعي أن يكون تحت إمرة "جمال باشا" باعتباره قائد الفيلق الرابع الذي تنتمي إليه فرقة "شكيب"، واستطاع "شكيب" أن يفند أكاذيبهم، ويفضح زيفهم وخداعهم.

كان شكيب لا يثق بوعود الحلفاء للعرب، وكان يعتقد أن الحلفاء لا يريدون الخير للعرب، وإنما يريدون القضاء على الدولة العثمانية أولاً، ثم يقسمون البلاد العربية بعد ذلك. وقد حذر "شكيب أرسلان" قومه من استغلال الأجانب الدخلاء للشقاق بين العرب والترك.

ولكنه حينما رأى الأتراك يتنكرون للخلافة الإسلامية ويلغونها، ويتجهون إلى العلمانية، ويقطعون ما بينهم وبين العروبة والإسلام من وشائج وصلات؛ اتخذ "شكيب" موقفًا آخر من تركيا وحكامها، وبدأ يدعو إلى الوحدة العربية؛ لأنه وجد فيها السبيل إلى قوة العرب وتماسكهم.

وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى حدث ما حذر منه "شكيب أرسلان" فقد برح الخفاء، وتجلت حقيقة خداع الحلفاء للعرب، وظهرت حقيقة نواياهم وأطماعهم ضد العرب والمسلمين، خاصة بعدما تنكر الأتراك للخلافة الإسلامية، واتجهوا اتجاهًا علمانيًا.

وظل "شكيب أرسلان" مطاردًا من أكثر من دولة؛ فتركيا تطارده لاهتمامه بقضايا العرب، وحملته على تنكر حكامها للخلافة والإسلام، وإنجلترا وفرنسا تطاردانه لدفاعه عن شعوب الأمة العربية ودعوته إلى التحرر، وتزعمه حهاد ضد المستعمرين، كما ظل مبعدًا لفترة طويلة من حياته عن كثير من أقطار الوطن العربي، لا يُسمح له بدخولها، خاصة مصر وسوريا اللتين كانتا تشكلان قلب الأمة العربية.

موقف الأمير شكيب من الطائفية فى لبنان

بعد الحرب الطائفية في لبنان عام 1860 بين المسيحيين والدروز، كان النظام الجديد للبنان والذي تبناه ممثلو الدول الأوروبية الست الكبرى (فرنسا، إنجلترا، روسيا، ألمانيا، النمسا وإيطاليا) والباب العالي في حزيران 1861 ، كان مؤاتياً للطائفة المارونية، ويقوم على الاعتراف بالمبدأ الطائفي وتشجيعه له، فوفقاً لهذا النظام منح لبنان الحكم الذاتي المحلي في ظل حاكم مسيحي عثماني هو المتصرف.

وكان نظام المتصرفية هذا وما يتبعه من تنظيم للقائمقاميات الطائفية لمصلحة الموارنة، وبسبب تهميش هذا النظام الجديد لجبل الدروز، حيث ظل الدروز على هامش التطور الاقتصادي الذي عرفه الموارنة بفضل الدعم الخارجي لهم، من الطبيعي أن يرى الأمير شكيب بأن الواجب يقتضي تدعيم موقع الأسرة الأرسلانية الدرزية في هذه القائمقامية، وأن يكون عل رأسها من يحمل تاريخ العائلة الفعلي ويجسد تراثها العربي الإسلامي ومن يعمل على التحام الدروز بالدولة العثمانية وتحقيق الذوبان الاستراتيجي للدروز وسط المحيط الإسلامي والسوري الأوسع.

لذا نجد الأمير شكيب غاص في الصراعات الحزبية الجبلية الضيقة في السنوات 1892 ـ 1908، وقام بعدة مأموريات عام 1902 في جبل حوران لإقناع الثوار الدروز هناك بالرجوع إلى طاعة الدولة العثمانية، وكان حاسماً وواضحاً في موقفه من ضرورة وحدة الدروز والتفافهم حول الدولة في تلك المرحلة، التي تميزت على حد وصف جميع المراقبين والباحثين بضعف الدروز وقوة الموارنة.

قام الأمير شكيب بجهود جبارة في توحيد القوى لإدراج جبل الدروز ضمن إطار الدولة، فقد أقام تحالفاً بين العائلات الدرزية والعائلات اللبنانية، وهذا التحاف قام بالحركة المعروفة باسم (المظاهرة الكبرى)

حيث توجه وجهاء هذه العائلات على رأس وفود من أعيان البلاد من جميع الأقضية والطوائف إلى بيت الدين مطالبين بشمول الدستور لجبل الدروز... ثم تحولت هذه المظاهرات إلى حركة عصيان جماهيري أرغمت المتصرف المسيحي على إعلان الدستور في جبل الدروز.

وكان من النتائج المباشرة لهذه الحركة عزل كبار المأمورين الذين كان المتصرف يعتمد عليهم، وتعيين مكانهم أشخاص من التحالف أو الحزب المؤيد للأمير شكيب ومن جملتهم تعيين الأمير نفسه قائمقاماً لمنطقة الشوف.

كان الأمير شكيب قد تزوج عام 1916 من السيدة سليمى بنت الخاص بك حاتوغو وهي قفقاسية ومن سكان منطقة السلط في الأردن، وأنجبت له: ولده غالب عام 1917 في جبل عالية بلبنان، ومي عام 1928 في لوزان، وناظمة عام 1930 في جنيف.

المفكر والأديب


عاش شكيب أرسلان نحو ثمانين عامًا، قضى منها نحو ستين عامًا في القراءة والكتابة والخطابة والتأليف والنظم، وكتب في عشرات الدوريات من المجلات والصحف في مختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي.


وبلغت بحوثه ومقالاته المئات، فضلاً عن آلاف الرسائل ومئات الخطب، كما نظم عشرات القصائد في مختلف المناسبات. وقد اتسم أسلوبه بالفصاحة وقوة البيان والتمكن من الأداة اللغوية مع دقة التعبير والبراعة في التصوير حتى أطلق عليه "أمير البيان".


وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية سنة (1365هـ 1945م) وتحررت سوريا ولبنان، عاد "شكيب أرسلان" إلى وطنه في أواخر سنة (1366هـ 1946م). فاستُقبل استقبالاً حافلاً. لكن حالته الصحية كانت قد ضعفت بعد تلك السنوات الطوال من الكفاح الشاق، والاغتراب المضني، وكثرة الأمراض، فما لبث أن توفي في 9 ديسمبر 1946 بعد حياة حافلة بالعناء والكفاح.

مؤلفاته

قدم أرسلان العديد من الكتب القيمة من كتبه نذكر كتاب " لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم" هذا الكتاب الذي قام فيه ببحث الأسباب التي أدت إلى تأخر المسلمين عن غيرهم بالرغم من أنهم احتلوا قمة الثقافة والعلوم في وقت من الأوقات وكان يتوافد عليهم طلاب العلم من مختلف البلاد لينهلوا من ثقافتهم وعلومهم ويرجعون بها إلى بلادهم لينشروا العلم بها، كما بحث أيضاً الأسباب التي أدت لتقدم الدول الأخرى، وأرجع السبب في تأخر المسلمين إلى الجهل وعدم تطبيق المبادئ الإسلامية والتي تجمع بين كل من العلم والعمل.

كما قدم أرسلان العديد من الكتب الأخرى التي تتناول الإسلام والمسلمين منها : حاضر العالم الإسلامي، تاريخ غزوات العرب، الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية، الإرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف، بني معروف أهل العروبة والإسلام، عروة الإتحاد بين أهل الجهاد، شوقي أو الصداقة أربعين سنة، هذا بالإضافة للعديد من الكتب والدراسات.

ترك الأمير شكيب الكثير من المؤلفات نذكر منها:

  • كتاب (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم).
  • (الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية).
  • (الإرتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف).
  • (غزوات العرب في فرنسا وشمالي إيطاليا وفي سويسرا).
  • (الباكورة)، ديوان شعره الأول.
  • (السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة).
  • (شوقي أو صداقة أربعين سنة).
  • (القول الفصل في رد العامي إلى الأصل).
  • (روض الشقيق في الجزل الرقيق)، وهو ديوان أخيه نسيب، قدم له في 150 صفحة من أصل 176 صفحة.
  • (محاسن المساعي في مناقب أبي عمرو الأوزاعي).
  • (رسائل الصابئ)، تحقيق وتقديم الأمير شكيب.
  • (أناتول فرانس في مباذله)، كتاب فرنسي ترجمه الأمير إلى العربية.
  • (رواية آخر بني سراج)، ترجمها الأمير إلى العربية وأضاف إليها ملحقاً من ثلاثة أقسام.
  • (الدرة اليتيمة لابن المقفع)، تحقيق وتصحيح الأمير شكيب.
  • تعليقاته على كتاب (حاضر العالم الإسلامي) المنقول عن الإنجليزية بقلم الأستاذ عجاج نويهض.
  • رسالة تاريخية للأمير شكيب حول محاولة فرنسا إخراج البربر من الإسلام.
  • مختارات نقدية في اللغة والأدب والتاريخ.
  • تاريخ ابن خلدون، تعليقات الأمير على الجزء الأول والثاني منه.
  • كتاب (لا يمكن لأية دعاية في العالم أن تشوه صورة إنسان) وهو بالفرنسية.
  • محاضرة (النهضة العربية في العصر الحاضر) في 48 صفحة.
  • محاضرة (الوحدة العربية) في 32 صفحة.
  • له مذكرات باللغة الفرنسية تصل إلى 20 ألف صفحة و30 ألف رسالة أو يزيد.
  • له المئات من المقالات في الجرائد والمجلات منذ أول مقالة له في الأهرام (1887) حتى آخر مقالة في جريد الاستقلال في الأرجنتين في 10 تشرين ثاني عام 1946.
  • عام 1937 أهدى الأمير مجموعة من عشرين ألف ورقة إلى نظارة الخارجية السورية. وهي حصيلة مراسلاته ومرافعاته أمام عصبة الأمم في جنيف خلال سنوات 1923 ـ 1936.

من مؤلفاته المخطوطة:

  • رحلة إلى ألمانيا.
  • بيوتات العرب في لبنان.
  • مذكرات الأمير شكيب أرسلان، وقد أودعها مكتب المؤتمر الإسلامي في القدس لتنشر لعد وفاته.
  • وله العديد من المخطوطات تجاوزت الـ (24 مؤلف) ومعظم هذه المخطوطات موجود في المكتبة الخاصة بالملك المغربي الحسن الثاني، أو موزعة لدى العديد من أبناء الجبل في لبنان وحوران.

نموذج لبعض أشعاره

قدم أرسلان العديد من القصائد الشعرية المتميزة ونذكر من أشعاره:

هَـوى لِـفَـقدِكَ رُكنَ الشَرقِ وَاِحرَبا

يـا كـامِـلَ مَـن يَسلي بَعدَكَ العَرَبا

كُـلُّ الـمَـصـائِبِ يَفنى الدَهرُ شِرَّتَها

إِلّا رَداكَ فـيـفـنـيِ الـدَهرِ وَالحِقَبا

كُـنّـا نُـرجـيـكَ لِـلـجَـلِيَّ تَذَلُّلَها

فَـالـيَـومُ مَن يَنبَري لِلخُطَبِ إِن وَثَبا

تَـلَـقّـى الـنَـوازِلَ بِالأَفعالِ صادِقَةً

وَالناسُ في الخُطَبِ تُسدي القَولَ وَالخُطَبا

رَدَّت مُـصـيـبَـتَـكَ الأَرزاءُ هـينَةً

مِـن بَـعـدِهـا وَغَـدَت أَكبادُنا صُلبا

هَـيـهـاتَ تَـدَّخِـرِ الآمـاقَ سائِلَةً

مِـنَ الـمَـدامِـعِ تَـبغي بَعدَكَ الصَبَبا

لَـو كُـنـتَ مَعَ حاتِمِ الطائِيِّ في زَمَنٍ

مـا نـالَ فـي الكَرَمِ الإِسمِ الَّذي كَسَبا

نَـداكَ بِـالـعَـيـنِ مَـشهودٌ وَنائِلُهُ

هَـيـهـاتَ نَـعلَمُ مِنهُ الصِدقَ وَالكَذِبا

ومن أشعاره أيضاً:

أَسـائَـلُ دَمعي هَل غَدَوتَ مُجيبي

إِذا شِـئـتَ أَطفى حُرقَتي وَلَهيبي

وَهَيهاتَ أَن يَقوى عَلى النارِ صيبِ

وَريـحُ الـرَزايـا آذَنَـت بِهُبوبِ

لَـئِـن بَكَتِ الخَنساءُ صَخراً فَإِنَّهُ

لَقَد باتَ يَبكي الصَخرُ طولَ نَحيبي

يَـقولونَ لي صَبراً فَقَد ذُبتُ لَوعَةً

وَما ذوبَ مِثلي في الأَسى بِعَجيبِ

أَأَحـسَبُ قَلبي مِن حَديدٍ وَإِن يَكُن

فَـكَـم مِـن شَرارٍ لِلحَديدِ مُذيبِ

وَقـالوا أَلا مَهلاً تَأسَ بِمَن مَضوا

فَـلَـيـسَ مُصابٌ جازِعٌ بِمُصيبِ

فَـقُلتُ ذَروني وَالأَسى لَيسَ مُغنِياً

كَـلامَ خَـطـيبٍ مَعَ كَلامِ خُطوبِ

أَجَـلَّ مَـقامي في المَحَبَّةِ وَالوَفا

عَـنِ الـلَهوِ وَالسَلوانِ بَعدَ حَبيبِ

وَرُبَّ مُـحِـبٍّ بـاتَ يَسلو حَبيبَهُ

أَلا تِـلـكَ أَجـسـامٌ بِغَيرِ قُلوبِ

أَفـي كُـلِّ يَـومٍ لِـلمَنِيَّةِ حادِثٌ

يُـسـيـلُ مِنَ الأَجفانِ كُلَّ صَبيبِ

تَـعَـمَّـدنا رَيبَ المَنونِ بِضَربَةٍ

أَبـى الـدَهرُ أَن يَأتي لَها بِضَريبِ

علاقته بالشيخ رشيد رضا

يسرد الأمير شكيب أرسلان قصة علاقته بالسيد رشيد رضا في كتاب "السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة"، فيستهلها بذكر البدايات فيقول: "الذي أتذكره أنه في سنة 1312 هـ وفق سنة 1895م قيل لي في بيروت إن شاباً أديباً من طرابلس الشام يسأل عنك ويهمه الاجتماع بك. وما مضت أيام حتى جاءني، وكنت نازلاً في فندق ببيروت يقال له "كوكب الشرق"

وكان أن التقيا، مرّة أولى وثانية وثالثة، في المرّة الأولى كان بدء الحديث تعبير السيد رضا عن ولعه بقراءة ديوان شكيب أرسلان المسمى "بالباكورة" والذي كان قد نشره عندما كان في السابعة عشرة من عمره (أي في العام 1887).

على أن مقصد التعارف كان أبعد من ذلك، وكما يستنتج من قراءة السيرة المشتركة ودلالات النص:

  • فالقصد الأول: طلب رضا من أرسلان أن يحدّثه عن اتصال هذا الأخير بالمصلحين اللذين ذاع صيتهما في العالم الإسلامي السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده. فهمّ الإصلاح أولاً كان مشتركاً منذ البدايات. المرجعية المباشرة لهذا الإصلاح، تتمثل في أفكار نشرات "العروة الوثقى" التي كانت تتسرّب خفية إلى الداخل العثماني، وعبر أقنية اتصال، تتمثل بأفراد من نخب تهيأت لها فرص الاتصال بالشيخين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.
  • أما القصد الثاني: وهو قصد إجرائي متعلق بالأول، فقد عبّر عنه رشيد رضا في مقابلته الثالثة في العام 1897، عندما أسرّ إلى شكيب أرسلان بعزمه إلى السفر إلى مصر لتأسيس مجلة إصلاحية "وأوصاه آنذاك بكتمان الخبر". ويعلق أرسلان على ذلك "لأنه يجوز أن الحكومة في حال معرفتها بالخبر أن تمنع الشيخ رشيد من السفر، فقد كنا في عصر السلطان عبد الحميد لا نقدر على السياحة إلى الخارج إلا بإذن، وكان هذا الإذن متعذراً كثيراً." (ص 145).

وخلاصة موقف أرسلان في هذه المرحلة الخطيرة، حيث يجثم خطران أساسيان على الدولة (من جهة ليبيا ومن جهة البلقان)، تعبر عنها كلمة أرسلان:

"إني لم أكن موافقاً في تلك الأزمة على مناوأة الاتحاديين الذي كان في أيديهم زمام الدولة وحصلت بيني وبين فريد باشا الأرناؤوطي الصدر الأعظم السابق في سراي عابدين مشادة شديدة من أجل الاتحاديين ووجوب الحملة عليهم في أثناء الحرب البلقانية وعدمه.
إذ كنت ممن لا يجيز المضي في الاختلافات الداخلية إلى ذلك الحد الأقصى، حينما يكون البلقانيون على أبواب الاستانة عاصمة الإسلام. وكنت أرى وجوب الهدنة بين الأحزاب داخل السلطنة العثمانية، ريثما ينعقد الصلح ويزول الخطر على الدولة" (إخاء أربعين سنة، ص151).

ويشدد شكيب أرسلان على هذا الموقف أيضاً عندما انعقد "المؤتمر العربي الأول في العام 1913 في باريس، بمبادرة من اللجنة العليا لحزب اللامركزية في مصر، والذي كان رشيد رضا عضواً مؤسساً فيه.

يكتب أرسلان في سيرته

"كنت ساخطاً على عقد هذا المؤتمر وكانت وجهة نظري أن مؤتمراً كهذا لا ينبغي أن يُعقد في عاصمة كباريس لها ما لها من المطامع في سوريا، ولا يجوز أن يعقد بينما الدولة مشغولة بالحرب البلقانية، وقد فقدت قسماً عظيماً من السلطنة، وسقطت أهميتها العسكرية والسياسية، وأن سوط أهمية الدولة لا ينحصر ضرورةً في الترك وحدهم، بل يتناول جميع المسلمين، لأن الأوربيين لا يعرفون المسلمين إلا أمة واحدة، إذا سقط بعضهم رأيت الأوروبيين احتقروا الجميع." (شكيب أرسلان، سيرة ذاتية، بيروت 1969، ص109).

في هذه المرحلة تمر العلاقة بين رشيد رضا وشكيب أرسلان بحالةٍ من الفتور ولكن دون أن تتحوّل إلى مناكفة أو سجال عدواني. إذ يحافظ الواحد منهم على احترام الآخر ويمتدح ما في الآخر من إيجابيات. فذاك فقيه عظيم، بل أهم فقيه في العالم الإسلامي برأي أرسلان. وهذا كاتب عظيم، بل أهم كاتبٍ في العالم الإسلامي ومن أهم رجال السياسة برأي رشيد رضا.

على أن مسألة الموقف من الاتحاديين والذهاب بعيداً في مطالبتهم بالإصلاح واللامركزية، تبقى مسألة خلافية، حيث يجتهد كل واحد منهما في إيجاد تفسير ذاتي لموقف الآخر.

ومن ذلك مثلاً، ما يكتبه أرسلان عن تفسير "عداوة" رشيد رضا للاتحاديين الأتراك. إذ يقول

"... علمت أن السيد رشيد رضا ذهب بعد إعلان الدستور بمدة إلى الاستانة وسعى لدى رجال الإتحاد والترقي في تأسيس مدرسة باسم دار الدعوة والإرشاد، وهو المشروع الذي قام به في مصر بعد أن أخفق فيه بالأستانة، فيظهر أن الاتحاديين بذلوا له المواعيد في البداية، ولكن ماطلوه في إنجازها حتى قضى في الاستانة سنة تامّة ولم يفز بشيء وخرج من الاستانة عائداً إلى مصر معتقداً أنه لا يرجى شيء من الخير للعرب من جمعية الاتحاد والترقي وصار عدواً لها ينتقد سياستها في كل فرصة" (إخاء أربعين سنة، ص148).

يذهب شكيب أرسلان مذهباً آخر في تقدير الموقف خلال الحرب العالمية الأولى . يعارض سياسة جمال باشا الدموية في سوريا، ويحذره من مغبة هذه السياسة ومخاطرها على العلاقات العربية التركية، ويستنجد بصديقه طلعت باشا لردع زميله عن هذه الممارسات، ولكنه يمتنع عن التصريح أو العمل ضد الدولة العثمانية، لأن رأيه يتلخص دائماً في تفضيل الدولة العثمانية على حكم الأجانب، ومهما بلغت أخطاء الحكام الأتراك.

بل أن شكيب أرسلان يشير في مذكراته إلى المجاعة في لبنان لا تعود إلى مسؤولية الأتراك، بل إلى الحصار الذي ضربه الحلفاء على السواحل السورية واللبنانية (انظر: شكيب أرسلان) سيرة ذاتية، لا سيما فصل "دور الحلفاء في مجاعة لبنان"، ص227 – 238) فأدى ذلك إلى إيقاف حركة التبادل السلعي والمالي التي يقوم عليها اقتصاد الساحل والجبل.

هذه المواقف أثارت لشكيب أرسلان خصومات حادة من قبل طلاب الاستقلال العربي بصيغتيه اللامركزية أو الانفصال، كما أدّت إلى شيوع تأويلات "وتقويلات" لمواقفه وآرائه.

وفي رسالة أخرى إلى جميل بيهم، يشدد شكيب أرسلان على الموقف نفسه، والتوصيف نفسه، يقول في رسالته: (آب 1931) "فكأن أهم الجهاد هي في تصحيح أفكارهم (أفكار الغربيين) قبل أن تصير أفعالاً، وهذا يتوقف على الدعاية، وهذه تتوقف على المال وبذل المال في هذا السبيل يتوقف على العلم، وهذه أمور لا يزال المسلمون إلا النادر غير فاهمين قيمتها.

يعتبون على الله لماذا خذلهم وجعل النصارى واليهود والوثنيين أعلى منهم، ولا ينظرون أنفسهم في إهمالهم للأوامر الإلهية أن كانوا متدينين، وفي إهمالهم للمصالح الدنيوية إن كانوا غير متدينين.. يريدون كل شيء بلا تعب ولا تضحية.." (المرجع نفسه، ص282).

قد يكون صحيحاً توصيف شكيب أرسلان لهذه الظاهرة في مجالها المعين والتي قد تكون ممتدة حتى اليوم، ولكن التساؤل ينبغي أن ينصب حول أحادية حصر الأسباب. فلماذا هذه الحصرية في تعيين أسباب قد تكون من باب النتائج لا من باب العلل؟ وإذا كان الإحجام عن "التضحية" في مجال الإعلام وتشجيع العلم قائماً، ولا يزل فالتضحية في مجالات أخرى، وفي طليعتها مجال الاستشهاد أي التضحية بالنفس، كان ولا يزال قائماً! فلماذا إذن تأخر المسلمون؟ السؤال لا يزال قائماً ومفتوحاً؟

قالوا عن شكيب أرسلان

(إن شكيب أعظم شخصية عربية، وكان لسان الإسلام، وأحسب أن مقالاته لو جمعت لجاء منها كتاب في ضعف حجم الأغاني).
(لو أخذت الحكومة العثمانية بتفاصيل الخطة التي رسمها الأمير شكيب ونفذتها بحذافيرها لما ضاع الأمل في إنقاذ طرابلس وبرقه، أو لاستطعنا على الأقل إطالة الحرب ثلاث سنوات أو أربع).

من اللطائف عن شكيب

  • لما حج كان الوقت صيفاً فلم يستطع أن ينام ثلاثة أيام بلياليهن، فأرسله الملك عبد العزيز إلى بستان عبد الله السليمان في الزاهر بمكة المكرمة فنـزل في بركة البستان فبرد جسده فنام!! ثم أوصى الملك بإصعاده إلى الطائف حتى يأتي وقت الحج.
  • ولما كان في الحجاز عرض عليه الملك عبد العزيز أن يرسل له جارية ليتسرى بها فرفض قائلاً: (إنني متزوج، وأنا أحب زوجتي، وفوق هذا فإن زوجتي تغضب علي إذا عرفت)!!
  • له رسالة منشورة باسم "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم" قال عنها الأستاذ رشيد رضا:
(اضطربت بها بعض دول الاستعمار، وزلزلت زلزالاً شديداً، حتى قيل لنا إنها أغرت حكومة سورية بمنع نشرها فيها، وهي أحق بها وأهلها، فانفردت بهذه العداوة للإسلام دون مَن أغروها بها. وكذلك منعت فرنسة دخول هذه الرسالة الجزائر حينئذ، وجعلت عقوبة لمن يطالعها).

تدينه وفهمه للإسلام

كان الأمير شكيب في الجملة متديناً، محافظاً على الصلاة في زمن كانت الصلاة فيه مهجورة من أكثر الناس، وكان محافظاً على دين أسرته، وكان عارفاً بشرائع الإسلام في الجملة وإليكم هذه الوقائع التي تدل على هذا:

  1. في سنة 1935 رأس الأمير شكيب أرسلان المؤتمر الإسلامي الأوروبي الذي انعقد بجنيف، وكانت إحدى جلسات المؤتمر في يوم جمعة، فأوقف الجلسة ليصلي الحاضرون الجمعة، فخطب المصلين في الفندق وصلى بهم إماماً.
  2. في سنة 1937 زار حلب، وخطب في جامعها الكبير قائلاً: (إن المسلم يستمد استقلاله من القرآن، وإن إيمان المسلم غير الكامل إنما هو إيمان ناقص، ولا توجد الوطنية الصحيحة إلا في قلب المؤمن العامر بالإيمان).
  3. أرسل بنتيه إلى لبنان ولم يسمح لهن بالبقاء في جنيف، وذكر السبب لولده غالب عندما اشتاق إلى أختيه وطلب من أبيه إحضارهما فقال: (إنني أشد منك عذاباً في فراقهن، لكني لا أريد أن يخرجن إفرنجيات، فلو ربيتهن في جنيف لخرجن بدون لغة عربية، وبدون عقيدة إسلامية، وما يعود ممكناً إعادتهن إلى الحجاب متى ذهبن إلى الوطن).
  4. عند حديثه عن حدود العلاقة بين الدين والدولة مثل لما يحصل في أوروبا من علاقة بين الفاتيكان وإيطاليا، وفي بلجيكا وغيرها فيقول: (إذن فالمدنيّة تجتمع مع الدين، والحكومات الشرقية التي تزعم أنها تقطع صلتها بالدين الإسلامي اقتداء بحكومات أوروبا التي تزعم عنها قطع الصلة بالدين المسيحي إنما هي حكومات تضلل أفكار السُذّج من رعيتها، وتموّه عليهم، وتقصد حرباً وتوري بغيرها، وناشروا دعايتها في مصر والبلاد العربية كاذبون).

فكان شكيب بهذا من أوائل من رد على العلمانيين في العالم العربي.

لكن هذا كله لا يعني أنه بريء من أخطاء شرعية وقع فيها لكن أقول إنه في الجملة متدين بدين الإسلام معتز به، مقيم للشعائر، وهذا من مثله في ذلك الزمان عزيز، والله أعلم.

وبعض ما ذكرته يؤيد ما نقلته في بداية المقالة عن سنيته، والله أعلم.

نقد الإستشراق لدى الأمير شكيب أرسلان

كان الإصلاحيون المسلمون قد رأوا في الاستشراق جوانب إيجابية، في سياق نظرتهم العامة للثقافة الغربية، لقد وجّهوا للاستشراق النقد، وازدادوا في تمحيصه، وأخضعوه لمبضع تحليلهم واستنتاجاتهم، غير أن حواراتهم مع الاستشراق لم يحكمها منطق القطيعة الشاملة، كما جرى لاحقاً على يد الإحيائيين الإسلاميين، إذ تركوا دائماً فسحة للتفاهم.

رأوا في الاستشراق جوانب إيجابية، وواجهوا بالنقد بعض وجوهه الأخرى، حاور محمد عبده هانوتو، ونقد رؤيته للعرب والإسلام، وحاور الأفغاني رينان، واعترفوا بما استفادوا فيه من المستشرقين، مناهج وتحقيقات، وفي تطوير الدراسات الإسلامية، فلم يحكم حواراتهم معهم منطق القطيعة الشاملة، كما جرى لاحقاً على يد الإسلاميين الحركيين.

تخيل الأفغاني (1838 - 1897) حوارية بين الشرق والغرب تنتهي بنوع من التصالح، والاعتراف المتبادل، يقول على لسان الغرب (الاستشراق) "أنا لا أنكر ما لك (للشرق) من الفوائد، ولا أجحد ما لك من حسان العوائد، فالآن قد حصص الحق، وعلمت أن نصحك هو الوجه الحق" فرد الشرق بقول الأفغاني: "لا تثريب عليك فما منا إلاّ صديق صادق وخل موافق، لا يغير ما بيننا من الوداد شرارة من الحمق والعناد"، وكان عبده على الرغم من نقده لأطروحات الاستشراق السائدة، ينصح بقراءة كتابات المستشرقين التي عرف جيداً معطياتها ومناهجها.

أما الأمير شكيب أرسلان، فقد حضر دروس محمد عبده عام 1887، ولازم مجلسه، عندما كان الأخير في بيروت، حتى أصبح صديقاً للعائلة، واتخذه الأمير مثالاً يُحتذى، لذا شعر بالوحدة عند مغادرة عبده إلى مصر 1890، بعد أن ساهم في تكوين المرحلة الأولى من حياته، ثم سافر أرسلان إلى مصر سنة 1890 في طريقه إلى الآستانة وعمره 21 عاماً، لازم فيها الإمام محمد عبده وحلقته التي كانت تشمل سعد زغلول وحفني ناصف وأحمد زكي، وعلي يوسف، وتوثقت علاقته بيعقوب صروف، فازداد قرباً بالإمام وبالمناخ الثقافي الذي يحيط به.

وكان الأمير واسع الاطلاع على الثقافة الأوروبية الحديثة، فلقد قضى شطراً كبيراً من شبابه متجولاً في عواصم أوروبا، ما بين 1924 - 1946، وعرف لغات عدة، وتوسعت معارفه، واستغل وجوده هناك في الدفاع عن القضايا العربية، وفي تنظيم المؤتمرات وتدبيج المقالات والمطالب، كما كان على دراية عميقة بالثقافة العربية الإسلامية. وحاول في كتابه "لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم" تعليل أسباب تراجع المسلمين وغلبة أوروبا وتقدمها، فأرجع ذلك إلى ابتعاد المسلمين عن الإسلام الصحيح.

تعرّف على المستشرقين مباشرة، وعلى كتبهم، واستفاد من البحوث التاريخية الأوروبية بالإضافة للعربية، في تأليف (تاريخ غزوات العرب في أوروبا)، وعلّق على كتاب المستشرق الأميركي لوثروب ستودارد، المُترجم "حاضر العالم الإسلامي" فضاعف في تعليقه حجم الكتاب ثلاث مرات، ضمَّنها آراءه، وردوده على ما تضمنه الكتاب من أفكار

فكان أرسلان في خاتمة أولئك الإصلاحيين، فهو على عدائه للسياسة الغربية الاستعمارية لم يعادِ الثقافة الأوروبية، التي كانت أحد مصادره، ولقد أيقظت لديه الصدمة الحضارية مع الغرب الميل لاقتباس المفاهيم الحديثة عن السياسة وبناء الدولة، وقد اهتم أرسلان بأعمال المستشرقين، وبخاصة دراسة مواقفهم من السيرة النبوية، ومن الفتوحات، كما في السياسة الاجتماعية: التسامح، ونبذ العنصرية.

واعترف بفضل الكثيرين منهم لعلمهم وحبهم للحقيقة ودفاعهم عن الإسلام، فأثنى على رينيه غروسيه الذي كانت له مواقف إيجابية في حديثه عن الفتوحات الروحية والاجتماعية للإسلام. فكان يجمع في نقده للمستشرق ذاته إيجابياته وسلبياته تبعاً لقرب المستشرق أو بعده من فهم الإسلام، وإنصافه.

فهو يمدح: دوساسي وغود فروا دو مومبين وكاترمير ودو برسفال ورينود ودوزي ونولدكه وفالهاوزن وغولد زيهر وسنوك هورغرونجه، ثم ما يلبث أن يصنفهم بدلالة مسائل أخرى بين "منحازين" و"منصفين". ولعل المديح الأبرز هو ذاك الذي خصه لـ(مونيه Monet)، ولـ(اتيان دينيه Dinet). وحاول أرسلان في تعليقاته أن يُبرز الآراء والأفكار المؤيدة لملاحظة عظمة الإسلام ورسوله. ولكن تعليقه الأهم دار حول كتاب أميل دورمنغهام (حياة محمد).

وقد أكد دائماً، أن الحضارات البشرية بأجمعها يأخذ بعضها عن بعض ويكمل بعضها بعضاً، وعلى مديونية الثقافات لبعضها "فلم نعلم مدنية واحدة من مدنيات الأرض إلاَّ وهي رشح لمدنيات سابقة، وآثار وآراء اشتركت بها سلاسل البشرية، ومجموع نتائج عقول مختلفة الأصل".

غير أنه لم يكف عن التساؤل حول كيف تستطيع أوروبا أن توفق بين مبادئها المُعلنة وسلوك حكوماتها، وكيف يوفق الدوتشي بين تعاليم المسيحية والفاشية، وكيف توفق فرنسا بين علمانيتها وأعمالها التبشيرية في الجزائر وغيرها من البلدان العربية؟.

تصلبت نظرته التشككية في الغرب ونواياه، واتجه إلى نقد من يتخذ من أوروبا مرجعاً، وأبدى ارتياحه "لأن افتتان الناشئة الشرقيين بعدل أوروبا وإنصافها.. قد خف كثيراً بعد الحرب العالمية"، ودعا، على غرار الأفغاني، إلى التضامن بين "الشرقيين عموماً والمسلمين خصوصاً"، على غرار تضامن "جميع الأوروبيين في وجه الإسلام والشرق بأسره".

كان أكثر انفتاحاً من صديقه رشيد رضا، وأشد تصلباً من عبده تجاه الاقتباس من الغرب، لكنه حافظ على موقف الإصلاحية الإسلامية من الثقافات، فذكر أن العرب المسلمين اقتبسوا من ثقافات جيرانهم من روم ويونان وفرس، ثم مزجوها في ثقافتهم الحية.

وبالقدر نفسه دعا إلى الحفاظ على التنوع الثري: الثقافي والديني والعرقي في الاجتماع العربي الإسلامي. مذكراً بالحديث الشريف "الناس عيال الله، وأحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله" ويُلاحظ أن الحديث لم يقل: "المسلمون عيال الله".

وفاته

عاد شكيب أرسلان إلى بيروت في 30 تشرين أول 1946، فمتع نظره بمشاهدة وطنه حراً مستقلاً طليقاً من الاحتلال والاستبداد إلا أنه تحالف عليه مرض تصلب الشرايين والنقرس والرمل في الكليتين، وثقل الثمانين عاماً، فلم تطل مقاومته فلفظ أنفاسه الأخيرة ليلة الاثنين في 9 كانون أول 1946 ، وصلي عليه في الجامع العمري ببيروت.

وقبل أن يموت بأيام أوصى وصيته الأخيرة، وكان فيها: (أوصيكم بفلسطين)، وهذا قبل احتلالها بسنة وبضعة أشهر، فرحمة الله تعالى رحمة واسعة، وعوض الأمة عنه خيراً.

ودوى النبأ الفاجع، فهرع الأمراء الأرسلانيون إلى بيته يرسلون إليه النظرة الأخيرة لوداعه، وهبت بيروت ودمشق إلى داره، وساد وجوم رهيب في أنحاء العالمين العربي والإسلامي لموته، وشيع في اليوم التالي بموكب مهيب وصلي عليه في الجامع العربي ببيروت، وسار في صدر هذا الموكب الحاشد رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك الشيخ بشارة الخوري، ونقل جثمان الراحل إلى مسقط رأسه في (الشويفات) فعاد إلى الربوع التي عرفته صبياً يافعاً.

رثاء د مصطفى السباعي لشكيب أرسلان

قد كان فيمن رثاه الدكتور مصطفى السباعي بقصيدة صادقة مطلعها:

سلام عليك أبا غالب

أمير البيان أمير القلم

هتكت برأيك حجب الظلام

وثرت إباءً إذا الخطب عم

وطوفت في الأرض تبغي السلام

لقومك والحق ممن ظلم

فخضت الغمار وصنت الذمار

وكنت الإمام وكنت العلم

ثم يقول:

فآن لجسمك أن يستريح

وتهجر روحك دنيا الألم

أصبت بدنياك مجد الخلود

وعند الإله الثواب العمم

المراجع

  1. موقع ويكيبيديا
  2. (الأمير شكيب أرسلان حياته وآثاره) سامي الدهان، ، دار المعارف بمصر، طبعة ثانية ص(62ـ 101).
  3. (تاريخ غزوات العرب) شكيب أرسلان ، دار مكتبة الحياة بيروت، ص(7ـ15).
  4. (المعاصرون) محمد كرد علي ، دار صادر، بيروت، 1991، ص(248ـ 167).
  5. (موسوعة الأعلام) خير الدين الزركلي ، دار العلم للملايين، بيروت، طبعة عاشرة، 1992، الجزء الثالث ص(173).
  6. (الأمير شكيب أرسلان) د. سعود الموسى، بنو معروف أهل العروبة والإسلام، دار العودة، بيروت، طبعة أولى، 1990).
  7. نقد الاستشراق لدى الأمير شكيب أرسلان- شمس الدين الكيلاني
  8. موقع القصة السورية
  9. شكيب أرسلان أمير البيان – موقع محيط
  10. رشيد رضا وشكيب أرسلان : "الموقف من الدولة العثمانية ومن صيغة الدولة البديلة" - وجيه كوثراني
  11. شكيب أرسلان..أمير البيان - للدكتور / محمد موسى الشريف