شهداء الدعوة الإسلامية في القرن العشرين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شهداء الدعوة الإسلامية في القرن العشرين


محمد الصايم

مراجعة وتقديم :محمد عبد الله السمان

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم
( من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم ومن ينتظر وما بدلوا تبديلا ) ( الأحزاب 23)

حين طلبت إلى : دار الفضيلة للنشر بالقاهرة مراجعة كتاب :" شهداء الدعوة الإسلامية في القرن العشرين " للعالم الفاضل الشيخ محمد الصايم , والتقديم له أحسست بوافر السرور لا لثقة الدار في شخصي وحسب . بل أيضا لأن موضوع الكتاب شدي وفرض على أن أدع كل ما في يدي جانبا , وأن أخلو بنفسي لقراءته واستيعاب ما فيه و, ويعلم الله أني وجدت في قراءته لذة لا تدانيها لذة ومتعة لا تضارعها متعة – ذهنية كانت أم نفسية – وإن كان قد أصابني كثير من الأسي , لأننا معاشر الكتاب الإسلاميين , مقصرون بحق إزاء هؤلاء الشهداء , وإن كانوا – رحمهم الله – في غني عن أن نذكرهم ولكن هذا الجيل والأجيال بعده في حاجة إلى أن تذكرها بهؤلاء الأبطال الشهداء الذين رضي الله - عزوجل - عنهم ورضوا عنه .. ومما خفف وطأة الأسي , أن تسجيل تاريخ شهداء الدعوة هو بمثابة " فرض كفاية " إذا قام به البعض سقط الوزر عن الآخرين , والحمد لله الذي وفق المؤلف أن يؤدي عنا – معاشر الكتاب الإسلاميين – هذا الواجب ... فشكر الله له .

إن أخانا المؤلف – بارك الله فيه – لم يقف عند حدود الترجمة الذاتية لهؤلاء الشهداء بل عزم على المعاناة – تفكيرا وتحصيلا- ليقدم لنا موسوعة محدودة في محنة الدعوة الإسلامية في القرن العشرين .. هذه المحنة التي كان ضحاياها عشرات الشهداء من خيرة المسلمين ... منهم من قضي نحبه بين جدران السجون بأيدي زبانية الطغاة في ديار الإسلام ومنهم من استشهد في ساحات الجهاد إما على أيدي الأعداء وإما على أيدي الخونة من عملائهم الذين باعوا دينهم وضمائرهم بأبخس الأثمان وسوف يدفعون الثمن باهظا يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها , وتري الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.

واعتقد أن المؤلف قد عانت أعصابه الكثير , وهو يكتب عن صنوف التعذيب التي لقيها الشهداء في سجون الفراعنة الصغار ومعتقلاتهم وأري أن ما سجله المؤلف لا يمثل إلا جزءا من الحقيقة لأن فن التعذيب الذي حدث لشهداء الدعوة الإسلامية وغيرهم فاق أساليب النازية والفاشية , والصهيونية , ومحاكم التفتيش في العصور الوسطي أذكر أنني بعد خروجي من السجن الحربي إبان محنة عام 1954م دعاني الشيخ محمود شلتوت إلى زيارته في بيته – رحمه الله – وسألني أصحيح ما يذاع عن التعذيب في المعتقلات ؟ قلت : لابد أن فضيلتكم قرأ كتابا صغيرا عنوانه :" دقائق الأخبار في ذكر الجنة والنار " الذي تحدث عن أهوال القيامة بما تقشعر منه الأبدان قال : نعم . قلت إن ما في هذا الكتاب ليس إلا صورة مصغرة لما حدث في السجن الحربي وسأضرب لفضيلتكم مثلا واحدا هو النفخ بمنفاخ يوضع في دبر الأخ المسلم .. وفوجئت بالشيخ تنهمر عيناه بالدموع , وقال :حسبك..حسبك.

والحقيقي التي يجب أن تزل ماثلة أمام أعيننا , أعين الأجيال بعدنا هي أن محنة الدعوة الإسلامية في ديار الإسلام وعلى أيدي الطواغيت لتي تحكمت ولا يزال بعضها – على قيد الحياة – يتحكم ولا يحكم , أشد ضراوة وأكثر نذالة من محنة الدعوة في غير ديار الإسلام وعلى أيدي أعلام الإسلام وقد يقال : إنه لشئ بدهي أن يحارب أعداء الإسلام دعوة الإسلام ودعاتها ونحن نقول : إنه كذلك لشئ بدهي أن تحارب دعوة الإسلام , ويتربص بدعاتها الدوائر في ديار الإسلام طالما تتحكم فيها طواغيت أرضعت بلبان الجاهلية. ترفض شريعة الله , لأنها لا تتفق وأهواءها ومطامعها ومصالحها , كما ترفض أن يكون الحكم تشريفا لا تكليفا ,وتأبي أن يكون الحاكم نصف إليه وليس إله من سائر الرعية غير أنه أثقلها حملا ومسئولية , كما تأبي أن يكون مال المسلمين نهيا لأنصاف الآلهة ! وهيئات المنتفعين من بطانتهم

وما يثير الدهشة :

إن الطغاة أبعد الناس عن العظة والاعتبار ويصمون آذانهم عن الحقيق التي لا جدال فيها والتي جاءت في كتاب الله عزوجل :( إن ربك لبا لمرصاد ) تخشع لها الجبال وتتصدع لا يدور بخلد هؤلاء الطغاة كيف كانت نهايات هتلر وموسيليني وعبد الكريم قاسم , وشاه إيران وزياد بري طاغية الصومال ومنجستو طاغية أثيوبيا .

وحقيقة أخري لا يعيها إلا قليل من الناس هي أن كل طاغية يحمل بين جنبيه إنسان جبانا!

إن حمزة البسيوني جلاد السجن الحربي كان أول الهاربين من ميدان القتال في معركة 1967م وهو الذي كان في محنة 1954 م يصرح بأنه سيضع الله في الزنزانة لو نزل من السماء تهديدا للمعذبين ليكفوا عن قولهم : يا رب وحين اعتقل إثر النكسة بالقلعة كان يبكي كالأطفال وصفوت الروبي الملازم وأحد زبانية حمزة البسيوني حين اعتقل بالسجن الحربي شاء الله أن يوضع في الزنزانة التي كانت تستضيف قبله المجاهدة زينب الغزالي وما أن أغلق عليه الباب حتى أخذ في البكاء بصوت مسموع وطرق عليه أحد الجنود ليقول له : جري إيه يابيه؟ لقد كانت في هذه الزنزانة حرمة لقيت منك أشد ألوان التعذيب دون أن تولول مثلك !

لماذا هذا الكلام؟

أقول : لأن محنة الدعوة الإسلامية لم تنته ولن تنتهي طالما أن هناك أنظمة تحكم حكما شموليا لا تدين بالولاء للإسلام بل تدين بالتبعية لواشنطن , ولا تعتبر الشعوب إلا كما مهملا تهتف بحياتي قاتليها – كما يقول أمير الشعراء احمد شوقي وطالما أن وسائل الإعلام ملكية خاصة للأنظمة وسند لها في كل سلوكياتها الطائشة وطالما أن علماء الدين – إلا من عصم الله – تحولوا إلى أبواق تنعق بما يرضي أهواء الطواغيت !

ولا يمكن أن نفرق بين محنة الدعوة وشهدائها وهذا ما لمسته من خلال قراءتي للكتاب , فالمؤلف – شكر الله له – من خلال تاريخ الشهداء حدثنا عن محنة الدعوة, ومن خلال محنة الدعوة حدثنا عن الشهداء لقد جعل المحنة هي الأصل والشهادة شعبة من شعب المحنة أو غصن من أغصان الشجرة إذ للمحنة شعبها ومنها شعبة الابتلاء الذي يلحق أتباع الدعوة وحملة مشاعلها ..

وشيئا من البيان :

إن الدعوة الإسلامية المعاصرة ليست مستهدفة لذاتها من قبل السلطات المحلية الغاشمة والقوي العالمية المعادية للإسلام وإنما المستهدف هو الإسلام في ذاته لأنه في نظر السلطات المحلية والقوي المعادية الخارجية يعتبر مصدر قلق وإزعاج لهما يحول دون مصالح الأولي , مطامع الأخرى وأعني هنا الإسلام الحق الذي رضيه الله لعباده دينا وليس الإسلام الشكل الذي أريد له أن يكون في معزل عن الحياة ولا يكاد يطفو على السطح إلا في المناسبات والأعياد ..

إذن فقد اتحدت رغبة السلطات المحلية الغاشمة مع رغبة القوي الخارجية المعادية للإسلام في لعمل الجاد الحاسم على تصفية الحركات الإسلامية أينما كانت والتي تسعي مخلصة لكي يكون للإسلام وجود ولشعوبه كيان معترف بهما معا فالإسلام دين ودولة ومصحف وسيف , وحتى لا يتحقق ذلك الهدف الأسمى عمدت السلطات المحلية التابعة التي لا تملك إرادتها إلى تشويه وجه الحركات الإسلامية عن طريق التلفيق والتزوير والاتهام الجزافي مستعينة أحيانا بشرذمة من المشايخ يحرفون لها الكلم عن مواضعه أما وسائل الإعلام فهي على أهبة الاستعداد دائما وهي أقل من أن تطلب السلطات منها المعونة لن هذا شرف لا تستحقه ..

وبقيت أمور منها :

أولا –أن الأنظمة المحلية التي تطارد الحركات الإسلامية وتتربص بها الدوائر هذه الأنظمة مجرد أدوات تنفيذ ففي عام 1948 ضربت حركة الإخوان بتوجيه من بريطانيا وفي عام 1954 بتوجيه من أمريكا وفي عام 1965م بأمر من روسيا التي رفضت أن تمد عبد الناصر بالسلاح إلا بعد تنفيذ هذا الأمر ..

ثانيا –أن الأنظمة الغاشم تجيد اختيار أذنابها وجلاديها وأبواقها , وهؤلاء يشترط فيهم : انعدام الضمائر , وأن يتوافر فيهم اضمحلال الشخصية وانحلال الخلق وتجاهل أن الله بالمرصاد لهم ولسادتهم , في عام 1965م أمر وزير الداخلية شعراوي جمعة " أن يكتب على ملفات الإخوان الذين حكم عليهم بالمؤبد عبارة : " يحول إلى المعتقل في عام 1990م" أى بعد انقضاء مدة العقوبة خمسة وعشرين عاما ويشاء الله بعد خمس سنوات أن يودع الوزير وشيعته السجن , ويبدي في إطلاق سراح الضحايا !

ثالثا-أن فشل الأنظمة الغاشمة في السياسة الداخلية والخارجية هذا الفشل يعتبر أبرز الدوافع لديها إلى اضطهاد الحركات الإسلامية كعملية تعويض لها عن فشلها , وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد – كما يقولون – ترضي سادتها من ناحية , ترهب الشعوب من ناحية أخري , حتى لا تفكر في استرداد اعتبارها .

وأخيرا – وليس آخرا :

فإني أحيي دار الفضيلة للنشر للقيام بطبع هذا الكتاب ومديرها الشاب المثقف الذي عهدناه يحسن الاختيار فمحنة الدعوة الإسلامية لم تستوف حقها بعد أما المؤلف العالم الفاضل الشيخ محمد الصايم فهو جدير بالتقدير فقد فعل خيرا حين جعل من قضية شهداء الدعوة الإسلامية وقضية محنة الدعوة الأم , وحسبه من التقدير أن أوجز – دونما خلل – ما كان يحتاج إلى مجلدات – مستهدفا بذلك التيسير على الشباب المسلم المعاصر ومن عبده أن يعرف قدرا من التاريخ قبل أن تعبث به أيدي هواة طمس التاريخ .

وكل ما يؤخذ على المؤلف اعتماده أحيانا على الذاكرة أو على أقوال تناقلها البعض دون تمحيص وأيضا نسي المؤلف أشياء كان لابد من أن يستوعبها الكتاب ولكن جل من لا ينسي ولكن تلك الملاحظات لا تنقص من قدر جهد المؤلف شيئا جزاه الله خيرا .

محمد عبد الله السمان

كلمة لابد منها

بقلم : طه عاشور

فوجئنا والكتاب ماثل للطبع بنبأ سقوط العاصمة الأفغانية كابول في قبضة المجاهدين الأفغان وسيطرتهم على وزارة الداخلية والدفاع والتليفزيون والإذاعة وكافة الأجهزة الحيوية والأمباني الحكومية وسط مظاهرات التأييد والفرحة من الشعب الأفغاني الذي انتظر ذلك اليوم طويلا بعد أن حرم من حرية الكلمة وحرية العبادة وحيل بينه وبين قرآنه .. وبعد أن حول الطاغية نجيب الله هذا البلد الآمن إلى سجن كبير أحاطه بالأسوار والجواسيس .

وأخيرا تنفس الشعب المسلم الصعداء وذاق طعم الحرية التي كفلها الإسلام ويصادرها بعض الحكام ليذيقوا شعوبهم المغلوبة على أمرها الذل والقهر والهوان .

تحررت أفغانستان بعد كفاح ونضال مريرين قوامهما : أربعة عشر عاما من الجهاد.

ومليون شهيد وعدة ملايين من الجرحي وأكثر من خمسة ملايين لاجئ في باكستان وإيران.

بعد حصار ضربته قوات المجاهدين على المدينة دام أسبوعين سقطت خلالهما دراهم وباع دينه بلا مقابل ... وأرغم شعبه المسلم على الخضوع لتعاليم سادته : لينين وماركس وستالين ... وعندما حاول الهرب رفضت أن تستقبله كل دول العالم حتى التي باع نفسه لها لفظته هي الأخرى .. وضاقت عليه الأرض بما رحبت.

سقط هذا النظام القبيح الذي كان يلعب في الوقت الضائع بعد انهيار الشيوعية في عقر دارها وسقوطها في أوروبا وغيرها وتحطمت الأصنام إلى غير رجعة وكان هؤلاء الخونة عملاء الوقت الضائع يعيشون تحت الأرض ولا يدرون بما حدث فوقها من تغيير ومؤثرات تفوق في نتائجها ما يحدث عادة في الحروب .

بعد أربعة عشر عاما من الجهاد الأفغاني واجه المجاهدون جيوش احدي القوتين العظميين في ذلك الوقت بحرب عصابات ضروس دوخ بها جنود الاحتلال وأجبرهم على الانسحاب والفرار . ومما لا شك فيه أن انهيار الاتحاد السوفيتي وانحدار الشيوعية وتغيير خريطة العالم هو آية من آيات الجهاد الأفغاني وكرامة لجند الله الأبرار إن تحرير أفغانستان لم يتحقق بالشعارات الجوفاء والخطب العصماء ولم يتحقق بالمهادنة والتفويض وأسلوب الضعفاء ومسلوبي الإرادة .

لقد شاهدت بنفسي في أحد الأفلام التي أنتجها القسم الإعلامي للمجاهدين ... شاهدت الرجل يحارب برجل واحدة أ ذراع مبتورة بسبب الألغام التي زرعها الشيوعيون... إنه لا يعبأ برجله أو يده ما دام يتطلع إلى الشهادة ويبيع نفسه لله ... إن هؤلاء الرجال كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : الرجل منهم أمة .

لقد حرم المجاهدون الطعام والنوم وحرموا على أنفسهم حياة الترف والنعومة والعيش الرغد ... فحيا الجهاد خشنة ... وسلعة الله غالية " ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ... وظل المجاهدون في رباط طوال أربعة عشر عاما في جبال أفغانستان يعيشون على التمر أيام وشهورا في أقسي الظروف البيئية وأصعب الأحوال المناخية في زمهرير الصيف وبرودة الشتاء القاسية يلتحفون بالثلوج .. وينتظرون النصر .. وقد عبروا بجهادهم إلى الدار الآخرة .

توطئة وتميهد

تأصلت العقيدة الإسلامية لدي فئة آمنوا بربهم فزادهم الله هدي ... فئة عرفت قيمة الدنيا وفهمت قدر الآخرة فرغم قلتهم وضعفهم كانوا للناس قادة جمعوا الشمل من حولهم فحولوا الضعف إلى قوة وجعلوا من القوة نصرا وشهادة .

الدنيا متاع وسوق وهي للدعاة تجارة وربح كريم وما أعظم الذين مع الله يتاجرون وبالخلق الحسن مع الناس يتعاملون:

يقول تعالي :

" يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرا لكم إن كنتم تعلمون )

لقد كان الدعاة الأوائل أصحاب عز – سيطروا به على أنفسهم – وأصحاب مجد استذلوا به عدوهم حتى أصبحت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلي فهم وإن كانوا قد تركوا الدنيا شهداء فتاريخ الدنيا أعطاهم حق البقاء .

وعندما أسس الإسلام رجالا أقوياء كلفهم نبي الإسلام صلي الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله وأفهمهم أن الدعوة جهاد وأوضح لهم أسلوب دعوة العباد إلى طريق رب العباد .

قامت الدعوة على أساس من التسامح والعفو والحكمة والموعظة الحسن والإعراض عن الجاهلين :

( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين )

( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ..)

( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأن مسلمون )

ومنذ فترة كبيرة والجهاد فرض عين على المسلمين وذلك لتواجد الأعداء في أرض الإسلام ولو في شبر منه ولا يكون الجهاد فرض كفاية إلا في حالة خروج العدو من أرض الوطن الإسلامي .

والجهاد في الإسلام ليس هو السيف فقط . لذا جاءت كلمة ( قوة) في الآية الكريمة غير محدودة – لتشمل جميع القوي فقال تعالي ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) الجهاد أنواع : منها بالنفس والجهاد بالقلب , والجهاد باللسان , والجهاد باليد , والجهاد بالمال و والجهاد بالقلم .

إن التقاعس عن ميدان الدعوة يعتبره الإسلام جريمة وكذا التثبيط او التعويق أو إثارة الفتنة بين الناس .

والجهاد واجب على المسلم إذا كان قادرا عليه فمن لا يقدره له فلا جهاد عليه ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) فمن عجز عن الجهاد بنفسه ولا مال له فقد منحت له فرصة الجهاد بالقلب واللسان واليد .

إن أهم الأمور ألا يترك المسلم الجهاد مهما كانت الأسباب ومهما تعددت المغريات :

( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومه لائم )

مبادئ الجهاد في الإسلام

أوضح الإسلام مبادئ كثيرة للجهاد نوجزها في أمور هي :

أولا : أن يعقد المسلم النية على بيع نفسه وماله لله في سبيل الحصول على الجنة جزاء الشهادة مؤمنا بأن الله موف وعده .

ثانيا: يؤمن المجاهد بأن الله ناصر المؤمنين . ولا يتطرق إلى قلبه شك في قدرة الله لأن الله ناصر من ينصره .

ثالثا : يعتقد المجاهد أنه رابح في تجارته – هذه – مع الله لأنه للو قتل نال الشهادة وإلا رجع بالنصر المبين .

رابعا : أن يوطد نفسه على الابتلاء والاختبار. فالله قد يبتليه بالخوف النقص في الأموال والأنفس في سبيل الله , والبشري للصابرين .

خامسا : الإيمان بأن الأجل لا يتقدم لحظة ولا يتأخر عما هو مقرر في علم الله ويعلم المؤمن أنه أينما يكون يدركه الموت .

سادسا: الثبات في ميادين الجهاد وعدم الفرار أو الهوان سواء في ميدان القتال أو أمام سلطان جائر .

فنون الإيذاء والدعاة الشهداء

صدق الرجال ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

الرجال مواقف والمواقف أحداث والأحداث تصنع الأبطال والإخلاص في كل جهاد أساس .

وقد أنعم الله على المسلمين بأن جعلهم خير أمة أخرجت للناس وكتب عليهم الجهاد :( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باله )

تظل الأم ة في متعة وعزة ما أقدمت الجهاد وانتشر لواء التوحيد عاليا تحمله هامات البطال الذين أكرمهم الله بالنصر وأنعم عليهم بالشهادة . التي هي حياة الخلد والفضل من الله :

( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولك لا تشعرون)

وقد رغب الإسلام في الشهادة وجعل للشهيد مكانة عالية غالية , ومجد رسولنا الكريم الشهداء فقال في الشهيد :

" ما من مسلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة يسيل دما اللون لون الزعفران والريح ريح المسك "

ويذكر ابن القيم الشهيد بقوله :

" أن الشهادة عند الله من أعلي مراتب أوليائه والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في محبته ومرضاته ويؤثرون رضاه ومحبته على نفوسهم , ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المقتضية إليها من تسليط العدو"

وفي مجال الدعوة للثبات على الحق يدعو الله المجاهدين إلى إحياء عزائمهم وإيقاظ ضمائرهم وعدم اللين أو الفرار والصبر والمثابرة وإعلامهم أن الأيام دول والحروب سجال والابتلاء من الله يقول تعالي :

( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين غن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين )

من مزايا الشهداء

ومن خلال ورود الآثار التي أوضحت مزايا الشهيد نستطيع أن نخلص بما يأتي :

(1) أن الله يغفر للشهيد مع أول دفعة من دمه .

(2) الشهيد يري مقعده في الجنة قبل أن يفارق الدنيا .

(3) الشهيد يجار من عذاب القبر ويأمن فتنته .

(4) الشهيد يأمن من الفزع الأكبر ويزوج من الحور العين .

(5) يوضع على رأس الشهيد تاج الوقار .

(6) يشفع الشهيد في سبعين إنسانا من أهله .

(7) يحشر الشهيد مع النبيين والصديقين " وحسن أولئك رفيقا "

(8) الشهداء يرزقون ويستبشرون بمن يلحق بهم .

(9) الشهداء أصحاب عقد وعهد مع الله سبحانه وتعالي :

يقول عزوجل:

" إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )

ويقول تعالي :

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون )

الشهداء . أهل الفوز والأمان . لا يعرفون الخوف ولا الخسران , أكرمهم الله بجنات الخلد وعدا في القرآن .

ألوان العذاب وفنون الإيذاء

لقد تعرض الدعاة على مر العصور للمحاربة بوسائل شتي تبدأ بالإعلام حيث تشوه لدي العامة – صورتهم بإطلاق الشائعات الكاذبة حولهم والسخرية منهم واتهامهم بالرجعية والسلبية ويهال عليهم قاموس البذاءة والخسة والنذالة والقصد من كل هذا التهوين من شأنهم والإقلال من عزمهم ومحاولة التشكيك في دعوتهم .

ولأن الدعاة الإسلاميين أصحاب قضية فلم تلن قناة ولم تضعف لهم عزيمة بل كان على العكس الصمود أمام المغريات وعدم المبالاة بالشائعات والتصميم الأكيد على سلوك الطريق مهما كان الثمن ولو بذلن النفس فهي في سبيل الله .

إنهم فتية آمنوا بربهم وتزودوا بالتقوى . الخير في طبعهم والجهاد في دمائهم وهذا ما أقلق عدوهم .

إن الطاغوت في كل عصر لا يريد إلا بطانة المنافقين الذين يصورون الهزائم على أنها النصر المبين يخادعون أنفسهم وهم يعرفون الحق , ولكنهم رفضونه .

من أجل هذا تفنن الظالمون في إيقاع فنون العذاب برجال الدعوة الإسلامية بعد أن بارت محاربتهم الإعلامية وكان من هذه الوسائل الإيذاء الجسماني في أبشع صوره وأخس طرقه . وبه يهدفون إلى :

أولا: إكراه الدعاة على التراجع عن مواقفهم والتنازل عن مبادئهم لاعتقادهم بأن للإنسان طاقة إذا نفدت اعترف بكل شئ ولو كذبا .

ثانيا : ابتزاز المعلومات عن الجماعة المسلمة. فيوقعون بالدعاة أشد أنواع العذاب المحدث لأفظع الآلام ولو كان ذلك بطرق لا إنسانية . وفي بعض السجون لجأ الطواغيت إلى أساليب خسيسة حتى يجبروا السجناء الأبرياء على الاعتراف بأشياء ليست من الواقع .

ثالثا: العمل على تحطيم معنويات الدعاة ليكرهوهم على ترك هذا المجال .

وقضاء بقية العمر في خنوع وسلبية وإذلال ولعل التاريخ يعيد نفسه فقد حاول جهلاء قريش مع دعاة الإسلام الأوائل كثيرا وبنفس الأساليب وكانت النتيجة عكسية إنه الصمود وقوة الإيمان .

رابعا : إعلام الناس – عامة وبقية الدعاة خاصة – بما يحدث للمعذبين السجناء حتى يخاف الناس العذاب الدنيوي فينكسر بقية الدعاة ويتركوا هذا المجال ويعتقد الطواغيت أنهم يحققون هدفين :

الأول : أن ينفض الناس من حولهم . ويكرهوا علماء الدعوة أو الحديث عن الدعوة .

الثاني : ترويع بقية الدعاة الذين لم يسجنوا حتى لا يناصروا الحق ولا يرفعوا أصواتهم بمعالم قضيتهم .

ومع كل هذا فإن هؤلاء الدعاة أرغموا التاريخ بالانحناء لصمودهم وشجاعتهم التي عاشت من بعدهم ذكري عطره يتطلع إليها أشبال الأجيال الذين حملوا اللواء وساروا على الدرب عبر العصور وداروا مع الحق حيث دار.

أمثلة لوسائل تعذيب دعاة الإسلام

وتلك أمثلة لوسائل التعذيب التي استعملها الطغاة فتكا وإجراما بأجساد الدعاة وإنها لوصمة عار في جبينهم على مر العصور . فالتاريخ يسجل والأجيال تتعظ.

أولا : التعذيب بالنار

يا سبحان الله . وهل يعذب بالنار إلا رب النار ؟! ويحمل لنا تاريخ الأوائل ما لقيه المؤمنون من تعذيب في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم فهذا عمار ابن ياسر ومع أهله يعذبون بالنار ورسول الله صلي الله عليه وسلم يمر عليهم ويقول لهم : صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة .

وهذا بلال يعذب في الرمضاء لو أن شرائح لحم وضعت لنضجت , وهو يقول ( أنا كافر باللات والعي) وأمية بن خلف مغتاظ عليه فيزيده عذابا فيقبل عليه فيذهب خلفه فغشي عليه ثم يفيق .

وهذا خباب ابن الأرت – رضي الله عنه – يحدثنا عن نفسه فيقول :

لقد أشعل الكفار نارا حتى أصبحت جمرا ثم وضعوني على ظهري عليها حتى أطفأ ودك ظهري النار .

ثانيا : الخنق وإلقاء القاذورات

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه – قال : أيها الناس أخبروني لأشجع الناس , قالوا : لا نعلم , فمن ؟ قال : أبو بكر , لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه أخذته قريش هذا يطأه وهذا يتلته وهم يقولون ! أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا قال : والله ما دنا منه أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجالد هذا ويتلتل هذا ويقول : ويلكم أتقتلون رجلا يقول : ربي الله , ثم رفع على برده كانت عليه فبكي حتى اخضلت لحيته , ثم قال أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر ؟.فسكت القوم , فقال ألا تجيبوني ؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من مثلي آل فرعون , ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم دعا قريش غير يوم واحد , فإنه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلا جزور نحرت بالأمس قريبا فقالوا : من يأخذ سلا هذا الجزور فيضعه على كتف محمد – صلي الله عليه وسلن فضحكوا وجعل بعضهم يميل إلي بعض والنبي صلي الله عليه وسلم ما يرفع لثقله وجاءت فاطمة رضي الله عنها فطرحته عن ظهره ودعت على من صنع ذلك . فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته , رفع رأسه فحمد الله وأثني عليه ثم دعا عليهم , وكان إذا دعا دعا ثلاثا , وإذا سأل سأل ثلاثا , ثم قال : اللهم عليك بالملأ من قريش اللهم عليك بأبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة , وأمية بن خلف , عقبة بن أبي معيط وذكر السابع فلم أحفظه فوالذي بعثه بالحق لقد رأيت الذين سمي صرعي يبدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر غير أمية بن خلف فإن كان رجلا بادنا فتقطع قبل أن يبلغ به إليه .

وفي العصور الحديثة وبخاصة القرن العشرين تكررت مثل هذه الأساليب سواء في السجون أو في ساحات أقسام الشرطة وسجل التاريخ كثيرا من ذلك والذي سوف يواكب كل شخصية نفصلها على حدة .

ثالثا : الركض بالأقدام والضرب بالسياط

وهذا أسلوب يستعمله الأنذال طالما أن السلطة في أيديهم فيتكبرون على الناس وينظرون إليهم بازدراء محتقرين كل من يخالفهم يطلبون من الدعاة تأييد مظالمهم فكم من ظهور ألهبت بسياطهم وكم من بطون ركضت بأقدامهم وهم لا يخافون الله ولا يخشون لومه لائم لأنهم أولياء الشيطان .

وهذا قائدنا صلى الله عليه وسلم يتعرض لمثل هذه الأنواع وكذلك صحابته الكرام ومن بعدهم أهل الولاء والصلاح وصفحات التاريخ بها الكثير من هذه الأمثلة التي صنعت أعظم الرجال .

ولقد تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم للضرب وقصة الطائف وطرده منها ورميه بالحجارة من الصبية وتسليط السفهاء عليه كل هذا درس للأجيال .

قال ابن عقبة : وقفوا له صفين على طريقه فلما مرّ رسول الله صلي الله عليه وسلم بين الصفين جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوها بالحجارة حتى أدموا رجليه .

ولما أسلم أبو ذر رضي الله عنه له رسول الله صلي الله عليه وسلم – ناصحا – أن أرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري : , قال : والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم . فخرج حتى إذا أتي المسجد نادي بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمد رسول الله ثم قام القوم فضربوه حتى أوجعوه "

وأتي العباس , فأكب عليه . قال ويلكم ! ألستم تعلمون أنه من غفار وأنها طريق تجارتكم إلى الشام ؟ فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا عليه فأكب العباس عليه .

ولقد أصاب عبد الله بن مسعود وبلال وعمار وغيرهم الكثير مما يطول سرده ولكننا قصدنا ربط ماضينا العظيم بحاضرنا المؤسف . ونأمل من الله مستقيلا للأمة الإسلامية زاهرا .

رابعا: الموت غطسا في الماء

وهذا أسلوب آخر استعمل ضد الدعاة ومهما بلغت نذالة الأساليب فإنها مع العظماء تزيدهم عظمة ومع أهل الثبات تزيدهم صبرا ومثابرة .

روي الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال " شكونا إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ؟ فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له حفرة في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دونه لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعلجون "

وروي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ( لقي عمارا وهو يبكي فجعل يمسح عينه ويقول : أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا فإن عادوا فقل ذاك لهم )

واستعمل الطواغيت هذه الوسيلة في أكثر من عصر فيأتون بالرجل المؤمن ويضعونه إمام حوض من الماء كبير ثم يقولون له هنا ستموت ويعرض من يجنه كل يوم على الحوض الذي سيموت فيه تنكيلا به وشدة في الإيذاء .

هناك كثير من فنون الإيذاء التي استعملت من أولياء الشيطان ضد أولياء الرحمن وإضافة إلى ما سبق استعمل :

(1) الوثق بالحبال والبصق على الوجه .

(2) إطفاء نار السجائر في أذن الرجل وثدي المرأة

(3) إتيان الشيخ في دبره أو إجلاسه على خازوق

(4) خلع الأظافر ووضع الثلج على الصدر

الإمام الشهيد حسن البنا:مؤسس جماعة الإخوان المسلمين

( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )

الرائد العلم

نشأته :

ولد حسن البنا بالمحمودية محافظة البحيرةمصر – في شعبان سنة 1324هـ (أكتوبر 1906 ) كان أبوه الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا من العلماء العاملين عرفه البنا بلين جانبه وكريم خلقه وحبه للخير والسعي للصلح بين الناس .

اشتغل الشيخ : أحمد عبد الرحمن البنا ( والد المعلم حسن البنا ) بعلوم السنة وله عدة مصنفات في الحديث الشريف من أهمها ( الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد )

بدأ حسن البنا اهتمامه بالعمل الإسلامي في سن مبكرة فاشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله . كان الشهيد محبوبا من زملائه في المدرسة فأنشأ معهم ( جمعية الأخلاق الدينية) ( جمعية منع المحرمات )

كما شرف حسن البنا بالاشتراك في ثورة سنة 1919 م وهو في الثانية عشرة من عمره

تعليمه :

تخرج الأستاذ المعلم ( حسن البنا) في دار العلوم عام 1346هـ ( 1927م) وكان ترتيبه على الطلاب " الأول " وبعد نجاحه بشهور عين مدرسا بمدينة الإسماعيلية حيث بدأ نهجا مدروسا سبق خوضه في القاهرة ولقي نجاحا ( وهو اختيار تجمعات الناس على الماقهي لنشر دعوته التي امتاز بحسن عرضها وكيفية إقناع الغير بها وقد اتصف بتجاوزه للخلافات التي تسود المجتمع الإسلامي . بل إنه كان ينصح زملائه التماس بعضهم لبعض الأعذار .

استطاع الأستاذ حسن البنا أن يرسي قواعد العمل الإسلامي المدروس وقد تعاهد مع ستة نفر من إخوانه على تكوين أول نواة لجماعة الإخوان المسلمين في شوال سنة 1346م نقل الشيخ إلى القاهرة . وكانت البداية وفي عام 1352هـ 1932م نقل الشيخ إلى القاهرة وكان لذلك أثره الحميد على الدعوة حيث أخذت طورا جديدا وأصبح المركز العام بالقاهرة ) أى مركز جماعة الإخوان )

حرص الإمام البنا على أن تكون دعوته غير إقليمية في حدود مصر ولذلك نجد دعوة الإخوان تظهر في العالم العربي بل تمتد إلى الكثير من أقطار العالم الإسلامي .

كان ترحال الداعية حسن البنا إلى الأقاليم له أثره البالغ في نشر الدعوة وربط الإخوان بقائدهم واتصال الجماعات بعضها ببعض .

والحقيقة أن الجهاد في سبيل الله يشكل العنصر الأساسي لدعوة الإخوان المسلمين وقد رأينا ذلك بجلاء ووضوح في معركة فلسطين 1948 , والتي شهدت ساحاتها أروع التضحيات من شبابا الإخوان الذين ضربوا للعالم أجمع أمثلة في سبيل الله .

ابتلاء أصحاب الدعوات

العقبات في طريقنا :

يقول الإمام الشهيد لإخوانه :

" أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها يدركون مراميها وأهدافها ستلقي منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية وستجدون أمامكم كثير من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات أما الآن فلا زلتم مجهولين و لا زلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم .

وسيتذرع الغاضبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم وسيتعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال إليكم بالإساءة والعدوان وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة وأن يظهروها للناس في أبشع صورة معتمدين على قوتهم وسلطانهم ومعتدين بأموالهم ونفوذهم ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون )

وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان فتسجنون وتعتقلون وتنقلون وتشردون وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتيش بيوتكم وقد يطول بكم هدي هذا الامتحان ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين  : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) .

( فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله

نعم وبعد مرور هذه السنين الطوال أثبتت أحداث التاريخ أن هذه الصحوة الإسلامية التي أسسها حسن البنا قد تجاوزت بفضل الله ثم بصدق توجهها وطهارتها وثباتها كل ما ألقي في طريقها من شبهات واتهامات وعوائق.

إن تلك التعليمات التي كان يلقيها القائد للإخوان المسلمين تمثل الدستور الحقيقي لأسلوب الدعوة الناجح في حياة الفرد والمجتمع . لقد أوضح الشيخ المعلم أن الطريق ليس بالسهل ولكنه مملوء بالاختبارات وتحمل المشاق الصبر على الإيذاء حتى تحقق الآمال بتطبيق شرع الله في أرض الله .

البنا وعبقرية البناء

سبحان الله أن يكون صاحب البناء الأول و هو البنا . وليس مجرد " البنا" بل إنه " حسن " " البنا" هل هي مصادفة أم أنه التوفيق الإلهي ؟

ذكر لنا التاريخ كثير ا من الدعاة الذين أخلصوا في الدعوة إلى الله . ولكن ليس كل داعية بناء – فتلك مهمة شاقة لا يقوم بها إلا الزعماء الذين وهبوا عبقرية البناء .

إن أعظم ما يميز بناء جماعة الإخوان المسلمين . أنها ليست مجموعة من الناس يلتفون حول داعية يلهب مشاعرهم ويستحوذ على قلوبهم بل إن البنا كان حسن البناء مقتن التنظيم يؤسس في الأفراد والجماعات حب الولاء وكل هذا يتم مع الأفراد والأسرة ثم الشعبة ثم المنطقة إلى المركز الإداري إلى الهيئة التأسيسية إلى مكتب الإرشاد .

كان هذا هو البناء من الخارج أو الشكل المظهري .

وهناك لب البناء ومضمونه الذي يرتكز على البناء الروحي إنها القيادة المشتركة والقرارات المشتركة والصلوات المشتركة والدراسات المشتركة إنه الانصهار الجماعي انصهار القائد بشعبة و انصهار المعلم مع رواده .

أليس هو التفاني وإنكار الذات ؟

لم يقتصر الإمام حسن البنا على مجرد الترابط بين الأفراد والجماعات ولكنه حول الأتباع إلى دعاة يتحركون بنظام ويعملون بإخلاص يتعاونون فيما بينهم فيحسون بألام بعضهم البعض فتأسست بهذه الروح الطيبة شركات بين الإخوان منها يسدون حاجات إخوانهم وينفقون على تربية النشء المسلم داخل خلايا الإخوان المسلمين .

تلك نماذج فريدة من نوعها التي ترجمت في الحياة إلى سلوك حقيقي ظهر واضحا في معارك النضال بفلسطين والقنال حيث أثبته شباب وشيوخ الإخوان بالفداء التضحية

ولقد تجلت – أيضا – عبقرية البناء في تجميع تلك العقول من مختلف البيئات والمستويات الاجتماعية على محور واحد ينصهرون داخل نظام واحد وكان ذلك في فترة تعتبر قصيرة إذا قيست بعمر غيرها من الحركات (أقل من ربع قرن ) .

لقد ترك " البنا" البناء مؤسس الجدران شامخ البنيان وها هي الأجيال تدرس حياته وحركته تدرس تأسيس مدرسة إسلامية تنمو اليوم تلو اليوم كالشجرة المباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء .

ولكل بناء حراس وحمل اللواء من بعده قادة امتحنوا في دينهم وبين جدران السجون عاشوا وعلى أوتاد جلسوا وفي حبال المشانق علقوا ومع ذلك ارتفع البناء برءوس عالية الهامات تنتهز كل فرصة لتطالب فيها بالقرآن دستورا وبمحمد صلي الله عليه وسلم زعيما .

إن البناء الأكبر أن يعيش المسلمون تحت راية التوحيد حكما وتشريعا وقضاء.

( من فكر الإمام)

انتصار الإسلام

نحن المسلمين نؤمن ونعتقد في قرارة أنفسنا أنه لابد أن ينتصر هذا الإسلام . وتتحرر دولة وأممه وتنهض شعوبه وتتحقق رسالته ويسود ويحكم يهيمن ويعلو ولنا على ذلك أدلة :

الدليل السمعي

فنحن نقرأ قول الله تبارك وتعالي : ( والله متم نوره ولو كره الكافرون ) ويأبي الله إلا أن يتم نوره ) و( هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ) و( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا )

نحن لا نشك في هذه الآيات أبدأ ونؤمن تمام الإيمان بأنها حق وصدق , وبأن كلمة الله ستعلوا وراية الحق سترتفع وأننا سنستخلف في الأرض ويبدلنا الله من بعد خوفنا أمنا وقدرته ولو كانت الظواهر كلها تدعو إلى اليأس ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين )

الدليل التاريخي :

ف أطوار التاريخ كلها منذ وجد الإسلام تدلنا على أنه أقوي ما يكون عودا . وأنشط ما يكون مقاومة إذا أحدقت به الأخطار وأحاطت بأممه وشعوبه المتاعب هناك يتجلي ما في هذه النفوس من إيمان كامن وعزم قاطع وتنتفض لتجاهد فتنتصر وتفوز وتعلو من جديد كلمة الله كذلك قاطع وتنتفض لتجاهد فتنتصر وتفوز وتعلو من جديد كلمة الله كذلك كان يوم الردة حين لم يبق إلا أبو بكر يقول : والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله . لقاتلتهم متى استمسك السيف بيدي ... ثم يجهز في يوم واحد أحد عشر جيشا تتحرك من الجرف بقيادة أبطال قواد من المؤمنين وتعود بالفوز والظفر .

كذلك كان أيام التتار . حين حطمت الخلافة وقضي على الجند واضمحلت القوي وظن الناس الظنون ثم تحققت معجزة الإسلام فإذا هو يأكل هؤلاء الغازين حسا بالهزيمة ومعني الإيمان فإذا هم مسلمون تحت راية دولة واحدة .

ورأي العالم هذه الصورة مرة ثالثة يوم تآلبت أوربا المتعصبة ولا أقول المسيحية ولكنها الهجمة على حضارة المسلمين الزاهرة وانهالت أفواج الغزاة من الصليبيين صوب الشرق فقذفت بهم قوات صلاح الدين وخلفاؤه إلى البحر وتندر بهم الشاعر ابن مطروح بذكرهم بالأسر فيقول :

دار ابن لقمان على حالها .......... والقيد باق والطواشي صبيح

الدليل الحسابي :

فإن الدور لنا لا علينا والناظر في التاريخ العام يعلم صدق هذا الحساب فلقد انبثق فجر الحضارة في هذا الشرق فقاد الدنيا بزمام وعرفت الأرض حضارة اليهود والصينيين والفرس والمصريين والفينيقيين واليابانيين إلخ . ثم دار الفلك حتى ظهرت دورته وانتقل زمام القيادة إلى العرب وظهرت فلسفة اليونان وسلطة الرومان ومكثت الحال على ذلك ما شاء الله لها أن تمكث حتى ظهرت الرسالات العظيمة في الشرق وخاضها الإسلام فعادت القيادة إليه من جديد . وألقت إليه الدنيا بمقاليدها وجبي خلفاؤه خراج السحاب ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات واستيقظ الغرب من ثباته ونهض نهضته الحديث المعتمدة على العلم والكشف والاختراع وهي عماد القوة والسلطان فاستلب القيادة مرة أخري وكان عنيفا جبارا خبيثا ماكرا فأحكم القيود وضيق الأغلال وضرب الرقاب وأطاح بالمثل وحطم الأخلاق وأوغل في الدم وبني حضارته على تلك الأشلاء الممزقة وها هو الإسلام يتحرك من جديد فيزلزل أركان الظلم في كل مكان والصراع يعنف ويشتد ( ولله عاقبة الأمور ) وتمر بالعالم الآن – عالم الأخلاق والمثل – محنة وليست محنة اليوم بأقسي من محن الأمس وتلك الأيام نداولها بين الناس, وسننتصر ونتحرر ونقوي ونفوز بإذن الله .

دعوة عالمية

تري ما الذي جعل دعوة الإخوان المسلمين تنتشر في العالم الإسلامي أجمعه ؟

أهي صفات في الداعية المؤسس ( الإمام حسن البنا) وأ‘ني صفات الداعية الناجح من وعي وفطنه وحسن بقاء ولين الجانب والود والتراحم ؟

أم هو مضمون الدعوة نفسها ؟

الحقيقة هي – الدعوة والداعية . لأنها كليهما يشكل التحرك الأساسي لجماعة الإخوان ( في منهجها).

توجه الداعية الشهيد إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وعلم فجأة بعقد مؤتمر إسلامي دعا إليه صاحب الجلالة الملك عبد العزيز آل سعود . يحضره علماء ووجهاء وقادة العالم الإسلامي لم يكن الإمام حسن البنا قد عرف في الأوساط العالمية وقتها ولكنه توجه بشجاعة منتهزا الفرصة واستأذن من جلالة الملك عبد العزيز في حضور المؤتمر فأذن له , إنها لفرصة ذهبية لوصول الدعوة إلى العالم الإسلامي .

وحضر الداعية ( حسن البنا) المؤتمر وتحدث المتحدثون من أنحاء العالم بلغات شتي منها الفرنسية والانجليزية والأردية ومما يؤسف له أن بعض الحاضرين لم يكن يفهم البعض الآخر .

وجاء دور ( حسن البنا ) ليتكلم فكان حديثه باللغة العربية الفصحي مطعما بآيات القرآن الكريم التي كان يكثر الاستشهاد بها فيزداد الحديث جمالا وتقوي دلالته في أذهان السامعين .

لقد تناول الداعية ( حسن البنا ) قضايا المسلمين المهمة والملحة وأولهما : الفرقة وعدم الوحدة – والتباين الخطير بين شعوب العالم الإسلامي والانقسامات الصناعية التي أوجدها الاستعمار وبذلك شخص الداء وطالب الجميع باستعمال الدواء وهو الالتزام بالكتاب والسنة لأن فيهما السعادة والبعد عنهما هو الداء الخبيث بل هو الضلال المبين .

وما أن انتهي المؤتمر عن رغبتهم في الانضمام إلى جماعة الإخوان وتسابقوا يأخذون عنوان الشيخ ويلتفون حوله ويكتب أسماءهم وعناوينهم .

حرص بعد ذلك حسن البنا على الذهاب كل عام إلى مكة لأداء فريضة الحج والالتقاء بالإخوان من أنحاء العالم وفي المرات الأخيرة اصطحب الإمام معه الدعاة من الإخوان المسلمين ومعهم وسائل الدعوة ( مكبرات الصوت ونشرات وكتيبات ومجلات ) وحرص – أيضا – على حضور المؤتمرات الإسلامية في أى دولة مسلمة هكذا سري الشعاع يضيء أفئدة شباب الأمة يناديها أن ترجع إلى الكتاب والسنة .

نعم لقد ترك الشهيد القلوب تردد دائما ما كان يردده معهم ( الله أكبر ولله الحمد الله غايتنا الرسول زعيمنا القرآن دستورنا الجهاد سبيلنا الموت في سبيل الله أسمي أمانينا ) .

لقد ترجم القادة من بعده هذه الشعارات إلى حقائق أذهلت العالم فهذه فلسطين تشهد بذلك والسجون وما فيها من وسائل التعذيب والدماء التي سالت من الأبرياء إنها صفحات تاريخ لن ينسي وهل ينسي الجهاد في سبيل الله !؟

اعتقال الإمام

ذكرنا في معرض حديثنا أن الأستاذ البنا نقل من مدينة " الإسماعيلية " إلى القاهرة والتي وجد فيها الحقل الخصب للدعوة وحيث أسس المركز العام ( مكتب الإرشاد ) وما أن نشط تحرك ( الإخوان المسلمون ) ولم يكن قد مضي وقت كبير على نقل الأستاذ إلى القاهرة . إلا وصدر قرار آخر بنقله إلى " قنا " حيث كان ولم ينفذ المؤسس ( حسن البنا ) القرار . فصدر أمر باعتقاله وزميليه الأستاذ أحمد السكري الوكيل العام والأستاذ عبد الحكيم عابدين السكرتير العام وذلك في معتقل الزيتون بالقاهرة وبالطبع كان لذلك رد فعل كبير فقامت الضجة وسط " الإخوان المسلمين " في محاولات للضغط على المسئولين للإفراج عن المعتقلين ( المرشد وزميليه).

وفي مسجد السلطان حسن ( بمنطقة القلعة ) وبعد صلاة الجمعة كان الإخوان طلبة وعمالا يعتصمون في المسجد –وقد تم الاتفاق المسبق بينهم على ذلك – ورفضوا مغادرة المكان حتى تم الإفراج عن المرشد وزميليه وحضر مدير امن القاهرة وبعض المسئولين وأعطوا للمعتصمين وعدا بالإفراج عن الإمام المعتقل وقبل الشباب المعتصم هذا الوعد وانصرفوا .

وتم بالفعل الإفراج عن المرشد العام . ولا عجب فإنه الابتلاء الذي غالبا ما يتعرض له العظماء أو الزعماء .

والتقي المرشد العام بالإخوان وخاطبهم مذكرا لهم حتى لا ينسوا ما عاهدوا وبايعوه عليه فقال :

لقد كانت فترة الاعتقال بمثابة اعتكاف إجباري أو محطة في طريق السفر الطويل راجعت فيها كتاب الله تعالي حفظا ودراسة وتدبرا وعرفت واختلطت بأناس آخرين ووجدت فرصة أخلو فيها إلى نفسي أستعرض أحداث الماضي وأفكر في الحاضر بهدوء وروية وأعتقد أننا لن نخسر شيئا في أمر قدره الله لنا . فإن ما يحدث لنا من عذاب واضطهاد أمر قد تعاهدنا عليه فلا غرابة فيه ولن يؤثر على ما عقدنا العزم عليه ولكنه فقط يعطينا المؤشرات ويحذرنا من المطبات ويفتح أعيننا على ما هو آت .. فإن ما يحدث لنا لن يوقف حركة الدعوة ولن يرهب أبناءها الذين اعتقدوا أن اقل ما يطلب في سبيلها هو الدم والمال والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون )

ثم استطرد الأستاذ البنا فقال حين جاء أمر الإفراج عني سألت عن شمول هذا الإفراج عن الأستاذ أحمد السكري وعبد الحكيم عابدين

فقيل : الإفراج عنك وحدك . فرفضت الخروج واستمسكت بذلك متذكرا قصة الحمام والصياد التي حفظناها أيام الدراسة والتي تحكي أن مجموعة من الحمام وقعت في شباك صياد وتصادف وجد فأر صديق لقائد سرب الحمام, فأراد أن يقوم بقرض الشبكة لتخليص قائد الحمام وحده ولكنه رفض أن ينجو بنفسه دون زملائه فقام الفأر بتخليص الجميع وهكذا خجلت من نفسي : كيف أخرج وأترك إخواني ؟ ولكن محاولات واتصالات كثيرة بذلت حتى أعطوني وعدا باستصدار قرار الإفراج عنهم وخرجت آسفا لذلك ولكني كما قلت من قبل هذا هو الطريق وبقي أن نواصل العمل مسترشدين بهذه الأحداث في سبيل الوصول إلى الغاية المنشودة "

زادت حركة الإخوان المسلمين نشاطا وبخاصة بعد حرب فلسطين وما أبلوه فيها من صمود وما نالوه من استشهاد الكثير منهم . إذن أصبح " الإخوان " قوة سياسية وجهادية وجماعة دينية لا يستهان بها بل يعمل لها ألف حساب .

لا شك أن هذا أزعج السلطات فبات رجال الحكم وعلى رأسهم الملك فاروق فبدءوا يعدون للأمر عدته حتى يقضوا على جماعة الإخوان المسلمين .

ضربة عنيفة:

قامت حملة ضارية ضد " الإخوان المسلمين " هدفت إلى :

أولا: محاولة تشويه صورتهم وأهداف جماعتهم في وسائل الإعلام من صحف ومجلات وإذاعة .

ثانيا : واكب هذا التشهير حملة اعتقالات وساعة شملت العديد من الإخوان المسلمين " سواء في القاهرة أو في رشيد أو في الإسكندرية .

ثالثا: في مساء اليوم الثامن من ديسمبر 1948 م وبالتحديد في الساعة الحادية عشرة صدر قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين وتم إذاعة بيان بذلك ( في الإذاعة المصرية ) وتناقلته جميع الصحف .

وازدادت حركة القمع ضد جماعة الإخوان وخيم الخزن على كثير من أبناء الشعب المصري بل حزن لذلك كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها .

إن الأمر العجيب أنهم لم يعتقلوا المرشد العام لماذا ؟!

إنها المكيدة الكبرى التي تدبر في الفخاء .

استشهاد الإمام

نعم لم يعتقل الإمام حسن البنا مع أنه رئيس الجماعة ( المرشد العام) استعدادا لمؤامرة أكبر. مؤامرة القضاء على الاتجاه الديني وضرب الإسلام ضربة بحيث لا يقيم لهم قائمة ثانية وظنوا أن ذلك لا يتم إلا باغتيال ( حسن البنا) وخاب ظنهم .

إن جماعة بهذه القوة أصبحت تشكل خطرا على الاستعمار وعملاء الاستعمار ومصالح المتعاونين معه ولذلك فإن قوي الشر داخل البلاد وخارجها اتفقت على هدف واحد وهو : التخلص من جماعة الإخوان المسلمين بالتخلص من القائد المؤسس ( حسن البنا) .

ولكن كيف قتل الإمام حسن البنا ؟

حيكت مؤامرة سمّوها ( لجنة الصلح) أى اللجنة التي تسعي للصلح بين الإخوان والحكومة ودعي الأستاذ حسن البنا إلى هذه المفاوضات أكثر من مرة في أكثر من مكان وكانت هذه المفاوضات تعقد في ( جمعية الشبان المسلمين ) بالقاهرة .

وكان من الطبيعي أن هناك حرسا خارج مبني ( جمعية الشبان المسلمين ) وقد دبرت المؤامرة من الحكومة على أن هذا الحرس يستبدل بمن سيقومون بتنفيذ المؤامرة .

وعقدت جلسة المفاوضات في ( جمعية الشبان المسلمين ) وانصرف الإمام وقبل وصوله إلى الباب الرئيسي حيث أعد الكمين من مجموعة من الضباط والجنود قبل وصوله إلى الباب سلم على المودعين له وخرج وما إن أصبح في الشارع أمام مبني الجمعية حتى انهالت عليه رصاصات الغدر والتآمر وتحامل الإمام على نفسه وطلب سيارة الإسعاف التي نقلته إلى مستشفي القصر العيني وهناك لم يجد أحدا يطببه وظل الدم ينزف دون عناية من أحد حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وسلم الشهيد القائد روحه لبارئها كان ذلك في 14 ربيع الثاني 1368هـ ( 12 فبراير 1949 م).

رحمة الله عليك أيها المؤسس وهكذا تكون عظمة الرجل " الرجل منهم أمة " ذلك قول الصديق رضي الله عنه لخالد بن الوليد يوم أن طلب مددا للجيش . قال له : يا خالد إني أمدك بأربعة, الرجل منهم أمة .

وتطوي صفحة من صفحات التاريخ وقد حفلت بأروع آيات الجهاد من رجال جعلوا تجارتهم مع الله فأوفوا بعهده فربحت تجارتهم ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

صدق الله العظيم

البنا يرسي قواعد الإعلام وأسس التربية

إن قضايا العدالة ورفع الظلم ومجاهدة النفس ثم مجاهدة أ‘داء الله وتحرير الإنسان من ربقة الظلم وتجارة الرقيق والتصدي للطغاة في الداخل والصهيونية والاستعمار في الخارج يحتاج إلى رجال لسان حالهم أوقع من لسان مقالهم , يدركون المعني السامي لأهداف الدعوة الإسلامية ويفرقون بين الدعوة النظرية والدعوة بالتطبيق العملي. يعرفون الفرق الشاسع بين من يتحدثون عن الجهاد وبين من يجاهدون حقا إنه الفرق بين الذين يشرحون للناس الصبر وبين من يصبرون فعلا .

إن الناظر بعين الإمعان والتدبر ليجد الإمام الشهيد أرسي لشباب الأمة وفتياتها قواعد الإعلام الإسلامي وأسس التربية التي تستمد من الكتاب والسنة .

والآن نورد الفقرات السبع التي أرسي بها الإمام قواعد الإعلام والتي نشرتها جريدة " الإخوان المسلمين " وقد جاءت هذه الفقرات الأساس الذي استقي منه مؤتمر ( جاكرتا) للإعلام الإسلامي المنعقد في أواخر سنة 1980 .

بنوده وتوصياته :

مطالع الفجر

تكون الدعوة من الدعوات واضحة ناجحة ومع وضوحها ونجاحها يظل أمرها مغمورا في الناس وتظل قلوبهم منصرفة عنها , حتى يتم لها أن تمتلك قلوب المؤمنين بها , وأن تنسجم في أشخاصهم وأن تؤثر في مجريات حياتهم وحياة من يتصل بهم وحينئذ تتنبه أحاسيس الناس ومشاعرهم وتتفتح أبصارهم ويلتفتون يمنة ويسرة نحو هذا النور يحسبونه جديدا وهو قديم ويظنونه مفاجئا وهو متئد ويكثر التهامس والتساؤل ثم يتحول إلى نقاش وتحاور وقد يتجاوز هذا الحد إلى اتهام وتهاتر أو تهجم وتشاجر وينتهي ذلك كله بانتصار الحق وإنصاف أهله : كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء , وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض وكذلك نشأت دعوة الإخوان المسلمين منذ سبعة عشر عاما واضحة ناجحة إسلامية صحيحة وأخذت طريقها إلى ظهور حتى تملكت آلاف القلوب من المؤمنين بها .

والإسلام الحنيف دعوة إنسانية عالمية لا دعوة جنسية إقليمية . وقد تصوره المسلمون أنفسهم بفعل الحوادث المتعاقبة وظروف الأجيال المتطاولة على صور شتي ... منها القريب من حقيقته , ومنها البعيد كل البعد من أهدافه وغايته ومنها ما أصاب المحز وطبق المفصل ووصل إلى عين اليقين , وكل إناء بما فيه ينضح ... كما أحاطت به عند غير المسلمين خرافات وشبهات وأقاصيص وخيالات ليست من الحق في قليل ولا كثير .

ولنا مع قضايانا هذه السابقة قضية أخري لا تقل عنها خطرا ولا تنقص عنها أهمية وهي قضية أوطاننا وديارنا , التي باغتها الاستعمار الغربي بعد أن بيت لها أجيالا طويلة فأحاط بها وقيد حكوماتها وشعوبها وحال بينها وبين التقدم وبلغ ذلك مداه في نهاية الحرب العالمية الأولي . إذ كانت مصر تحت الحماية البريطانية , وفلسطين والعراق في قبضة إنجلترا وسوريا ولبنان تونس والجزائر ومراكش في يد فرنسا وطرابلس وبرقة مع إيطاليا , حتى تركيا الأوربية والآسيوية وهي دار الخلافة وقعت تحت يد احتلال الحلفاء وأدي ذلك الاسترقاق والاستهتار بكرامات الأمم وحريات الشعوب إلى انفجار الثورات في كل مكان واشتد النضال بين أصحاب الحق وغاصبيه حتى تحررت هذه الأوطان بعض الشئ وتيقظت وعرفت طريقها إلى الجهاد والكفاح .

لقد ترك الاستعمار كما تركت الحرب أعمق الآثار في أخلاقنا واقتصادياتنا ومدارسنا وكل شئون حياتنا وواجهنا من المشكلات الاجتماعية ما يحتاج إلى العلاج الحاسم والسريع وارتفعت أصوات كثير من الطوائف والهيئات التي شعرت بوطأة الفقر والمرض أدركت سوء آثر الجهل والرذيلة بالشكاية والاستصراخ .

وجريدة الإخوان وإن كانت صحيفة إخوانية فلن تكن خاصة بهم أو وقفا عليهم بل هي ترجو أن تكون المنبر العام للهيئات الإسلامية والجماعات الإصلاحية على اختلاف أنواعها وبلدانها وترحب بكل ما يقدم إليها ما دام متفقا مع خطتها ومنهاجها .

إننا نؤمن أعمق الإيمان بأن رسالتنا الأولي أن نقول الحق وأن نجهر به لا يقعدنا عن ذلك رغبة أو رهبة ولا نخشي فيه لومه لائم كما نؤمن بأن النصيحة والإرشاد والثناء أو النقد يجب أن يكون ذلك كله في أسلوب عال رفيع لا مهاترة ولا افتراء ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) وسيكون هذا موقفنا من الأفراد والهيئات والأحزاب والحكومات على السواء لا نؤيد ولا نهاتر ولكن نرقب ونوجه ونرجو في ذلك كله وجه الله وصالح الوطن .

سنحاول ما استطعنا ألا تكون جريدة الإخوان مقصورة على لون من ألوان الغذاء الفكري والروحي – ما وجدنا إلى الاستيعاب سبيلا – فسيكون فيها دنيا ودين وعلم وفن وأدب ورياضة وقصص وفكاهة فالقلوب تمل كما تمل الأبدان.

ونحن بعد ذلك نرحب بكل نصح أو توجيه والحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها وكنا نرجو أن تكون صحيفتنا مولودا لا طفولة له لولا أن ذلك ليس من سنة الحياة فلا أقل من أن نتعاون جميعا على أن ينشأ هذا المولود – وهو ابن كل محب للإصلاح – نشأة طبيعية تدفع به دفعا سريعا إلى النمو والكمال .

بهذه الكلمة وهذا الرجاء نقدم هذه الصحيفة إلى قرائها الكرام .

حسن البنا

رسائل الإمام الشهيد

كانت رسائل الإمام الموجهة إلى الأمة الإسلامية تفيض حبا ونصحا يوجه السلوك ويهذب النفوس .

الرسائل الثلاث :

(أ‌) دعوتنا .

(ب‌) إلى أى شئ ندعو الناس

(ت‌) نحو النور.

وتتجلي في هذه الرسائل خصائص الدعوة الإسلامية والتي يقول فيها :

- إنها دعوة لا تقبل الشركة إذ طبيعتها الوحدة والتوحيد .

- دعوة سلفية : فيها العودة إلى منبع الإسلام الصافي من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم .

- طريقة سنية : لأنهم يحملون أنفسهم على لعمل بالسنة النبوية المطهرة في كل شئ.

- وحقيقة صوفية : لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة على العمل والحب في الله والارتباط على لخير .

- وهيئة سياسية : لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج وتربية الشعب على لعزة والكرامة ’ وإخراج البغاة المعتدين من أرض الإسلام في مصر خاصة والعالم الإسلامي عامة .

- وجماعة رياضية: لأنهم يعنون بأجسامهم ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف .

- وشركة اقتصادية: لأن الإسلام يعني بتدبير المال وكسبه حيث يقول الرسول صلي الله عليه:" نعم المال الصالح للرجل الصالح "..

وعن أهدافها يقول في رسالته :

( إلى الشباب ) نحن نريد :

1- الرجل المسلم : في عقيدته وتفكيره وخلقه وعاكفته وعمله وتصرفه .

2- البيت المسلم : نريد للمرأة ما نريده للرجل المسلم ونعني بالطفولة عنايتنا بالشباب .. وهذا هو تكوينها الأسري .

3- الشعب المسلم : ولذلك نعمل على أن تصل دعوتنا لكل بيت وأن يسمع صوتنا في كل مكان .

4- الحكومة المسلمة : التي تقود هذا الشعب إلى المسجد , ونحن لا نعترف بأى نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه . زلا نعترف بهذه الأحزاب السياسية ولا بهذه الأشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها .

وفي رسالة الإمام الشهيد :" بين الأمس واليوم " يري أن الوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة :

[1] الإيمان العميق .

[2] التكوين الدقيق

[3] العمل المتواصل .

- رسالة المؤتمر الخامس : ويشرح فيها الإمام أسلوبه للوصول إلى هذه الأهداف فيقول:

(1) البعد عن مواطن الخلاف الفقهي .

(2) البعد عن هيمنة الكبار والأعيان .

(3) البعد عن الهيئات والأحزاب .

(4) التدرج في الخطوات .

- رسالة الجهاد " إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيز في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت .

- رسالة التعاليم : يتحدث فيها عن أركان البيعة العشرة : الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة وتجمع المبادئ في كلمات عشر :

الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن شرعتنا والجهاد سبيلنا والشهادة أمنيتنا .

- رسالة نظام الأسرة :

ويرتكز النظام الأسري عند الإمام الشهيد على الروابط الآتية :

1- التعارف : ( إنما المؤمنون إخوة)

2- التفاهم: ويدعو إلى محاسبة كل مؤمن نفسه على الطاعة والبعد عن المعصية .

3- التكافل : فيعرض كل أخ مشكلته ويشاركه إخوانه في دراسة حلوها في جو من صدق الإخوة والإخلاص .

- رسالة العقائد : وتتناول درجات الاعتقاد وتقدير الإسلام للعقل وأقسام العقائد الإسلامية وصفات الله تعالي .

- رسالة المأثورات : وهي رسالة الذكر والدعاء من الكتاب السنة وقد انتشرت هذه الرسائل وذاع صيتها .

- وللإمام الشهيد كثير من المحاضرات والدروس مثل ( حديث الثلاثاء ) والذي قام بجمعه وتسجيله فضيلة الشيخ المرحوم / أحمد عيسي عاشور .. جزاه الله خيرا عن الإسلام ودعوته .

الداعية الشهيد :سيد قطب " صاحب الظلال "

" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ( آل عمران : 142)

نشأته وخصائصه

في قرية " موشا " من محافظة أسيوط ولد " الشهيد سيد قطب " – عام 1906 من أسرة متوسطة الحال . كان والده إبراهيم في مقدوره المال على أن ينفق على ولده في حياته التعليمية .

نشأ الشهيد في بيئة تحترم الأولياء , وتقيم وزنا للموالد وأدعياء الولاة دخل في بادئ الأمر " كتاب القرية" ولكنه سرعان ما هجره لعدم اقتناعه بوسيلة التعليم فيه . والتحق بمدرسة القرية " الإلزامية " ولم تمض سنوات أربع حتى حفظ القرآن الكريم , وألّم بالكثير من الآداب المتعلقة بالحديث وفي هذا المحال يتحدث الشهيد عن نفسه فيقول :

" لقد قرأت القرآن وأنا طفل صغير ولا ترقي مداركي إلى آفاق معانيه كان خيالي الساذج الصغير يجسم لى بعض الصور من خلال تعبير القرآن وإنها لصورة ساذجة ولكنها كانت تشوق نفسي وتلذذ حسي . فأظل فترة غير قصيرة أتملاها وأنا بها فرح ولها نشيط .. من الصور التي كانت ترتسم في خيالي إذ ذاك صورة كانت تتمثل لى كلما قرأت هذه الآية ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خيرا اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا الآخرة )

لقد كان يشخص في مخيلتي رجلا قائما على حافة مكان مرتفع ( مصطبة) فقد كنت في القرية – أو قمة تل - فق5د رأيت التل المجاور للوادي – وهو قائم يصلي ولكونه لا يملك موقفه فهو يتأرجح وبهم بالسقوط وأنا بإزائه أتتبع حركاته في لذة وشغف عجيبين !!"

وهكذا نري تعلق فكر " سيد قطب " وخياله بالقرآن الكريم وتصوره وكان كل ذلك في مراحله التعليمية الأولي ولقد كان لبيئته المتدينة ولتعليمه المبكر وخاصة حفظه القرآن الكريم وحبه لسنة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم - كان لكل ذلك- أثره في تكوين الشخصية المفكرة المتطلعة إلى مستقبل زاهر للأمة الإسلامية .

خصائصه :

كان لشخصية سيد قطب كثير من الخصائص التي وضحت في كتاباته . ومن خلال فكره نستطيع أن نخلص إلى بعض خصائص شخصيته :

أولا : فيوضات التصور الفني :

واتضح ذلك بجلاء في كتاباته الإسلامية وبخاصة " في ظلال القرآن "

وما حفل به من أسلوب أدب رائع وربط للمعاني في سلاسة وقوة تعبيرية وانعكس وجدانه الذكي في إبرازه المعاني بتصورات فنية تجسم المعني وتقربه إلى الإفهام ومن خلال تصوراته الفنية يحرص دائما على ربط المجتمع بتعاليم الإسلام .

ثانيا : اتساع أفقه في الاطلاع :

إن اتساع الأفق بين صفحات المجلدات وأفكار الكتاب لهي من أول سمات الكاتب الإسلامي .

كانت لدي " سيد قطب " وهو صغير رغبة عارمة في الاطلاع . وكانت لديه مكتبة تضم العديد من الكتب في مختلف العلوم والفنون .

كان رقيق الحس عاشقا للشعر محبا للأدب ومن شعره :

أخي أنت حر وراء السدود
أخى أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما
فماذا يضيرك كيد العبيد
أخي سنبيد جيوش الظلام
ويشرق في الكن فجر جديد

وقوله :

سأثار لكن .... لرب ودين
وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام
وإما إلى الله في الخالدين

وله الكثير ن الشعر في مناسبات متعددة : يفوح من شعره الحب والإخلاص ورقة الإحساس .

ثالثا : كرهه للظلم والظالمين

كان " سيد قطب " في طفولته – صاحب فكر واعي يستغلي به على الظلم والظالمين .

ويقول بعد سرد مفصل لحياة المعذبين وتصوير مقزز لحياة احد المستغلين لأقوات الناس وأرزاقهم .

" لو كان في الوادي قانون عادي لقاده إلى السجن قبل أولئك الكثيرين الذين يحسبهم القانون لصوصا ومجرمين !! ويستطرد في وصف مشاعره في هذه الفترة من طفولته فيقول :" هذا هو الشعور الذي ظل يعاوده أبدا كلما جلس يتناول طعاما دسما أو فاكهة لذيذة او حلوي أنيقة أو يتمتع بأيسر مباهج الحياة بين ملايين المحرومين "

لقد تمت سيد قطب بوطنية فائقة وجدير بالذكر أن والده كان عضو بالحزب الوطني الذي كان يرأسه مصطفى كامل أما ناظر المدرسة التي كان طالبا بها فكان من خطباء الثورة المصرية عام 1919م.

وكان لسيد قطب دور حماسي في الثورة يكتب ويخطب – وهو في الثالثة عشر من عمره – في النوادي والمحافل والمساجد . عاش سيد قطب " الفتي " في القاهرة , وانتقلت أسرته إلى القاهرة أيضا وخاصة بعد وفاة والده ووالدته رحمهما الله . وعاش الشهيد مع شقيقه محمد قطب وأختيه أمينة وحميدة ..

الدعوة والداعية

بعد تخرجه في كلية دار العلوم سنة 1933 م مارس هوايته المفضلة " كتابة الأدب والشعر " وتنقل بين عدد من الصحف منها : الأهرام والرسالة , والأسبوع , والشرق الجديد , العالم العربي .

وفي سنة 1948 م وحتى أواخر سنة 1950 م بعث إلى أمريكا من قبل وزارة التعليم لدراسة النظم التربوية هناك . ويعود " الشهيد إلى مصر وهو في عجب ودهشة. إنه لم يجد هناك شيئا جديدا بل إنه لا يجد بدا من اللجوء إلى المنهج الإسلامي كأساس للتربية في مصر !! وبعد أن أعلن رأيه بصراحة واجهته كثير من الدعاوي تتهمه بالجمود والتأخر .

استطاع " سيد قطب " أن يحرر مجلة الفكر الجديد كان ذلك بعد انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين وبدأ الفكر الجديد يتحرك تجاه تناسق موفق . الهدف منه الوصول بالإسلام إلى الحكم الرشيد في الوطن الإسلامي .

وبذل الشهيد جهدا مشكورا في الدعوة واستطاع جذب أفكار الشباب إليه بل أصبح مثار إعجاب المفكرين في عصره . إنه الداعية الذي مزج الحركة بالدعوة في تفان عجيب وإخلاص مجيد .

وفي عام 1952 م انتخب الشهيد عضوا في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان وعين رئيسا لقسم شر الدعوة في المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين ثم رئيسا لتحرير مجلة " الإخوان المسلمين" وذلك في شهر يوليو عام 1954 م وبعد شهر واحد أغلقت الجريدة وذلك لمعارضتها المعاهدة الانجليزية المصرية التي عقدها عبد الناصر وضباك الثورة مع الانجليز !

لم تكن دعوة الإخوان عجبا ولا جرما إنها دعوى تهدف إلى تطبيق شرع الله في الأرض وعن دعوة الإخوان المسلمين نترك " عضو التنظيم عباس حسن السيسي يقول :" تنظيم الإخوان المسلمين عموما يسعي إلى هدفين أولهما تجميع الإخوان مع بعض في تنظيم على شكل أسر ومجموعات يتدارسون الدعوة الإسلامية ويفقهونها ... وهي تخليص الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وإحلال الشريعة الإسلامية محل القوانين الوضعية وقيام حكومة إسلامية تحمل لواء الإسلام وتدعو له .

والهدف الثاني : إعداد هؤلاء الإخوان ماديا وروحا لتحقيق هذه الدعوة والجهاد في سبيلها فأما الإعداد الروحي فيكون بتربية الأفراد على أسس إسلامية وأما الإعداد المادي فيكون بتربية أجسامهم بالرياضة ويشمل أيضا لتدريب على السلاح وطبعا بتجميع اشتراكات للصرف على التنظيم والغرض في النهاية هو تطبيق أحكام الإسلام والحكم بما أنزل الله ".

ما بعد المذبحة:

دخل سيد قطب السجن بعد إغلاق الجريدة التي عارضت – كما ذكرنا المعاهدة المصرة الإنجليزية , وحتى دخوله السجن كان الفكر لديه هو العمل على إقامة حكم إسلامي يفي بمتطلبات العصر ويحقق أمل الأمة المنشود في تطيق الشريعة الإسلامية .

ولكن بعد المذبحة المشهورة " بليمان طره " تغير فكر الشهيد .

إنه من المؤكد أن هذه المذبحة – كما قال شهود العيان – حسمت الأمر داخل سيد قطب كانت بداية آخر تحولاته الفكرة الإسلامية أصبح مقتنعا بأن النظام الذي يحكم لا مت للإسلام بصلة . ولأنه نظام غير إسلامي فلابد انه نظام جاهل .. ولأنه نظام جاهل لابد من مقاومته ومحاربته وفرض الإسلام الصحيح عليه ... هكذا استقر الأمر في كيانه .. وهكذا انقلبت آخر اجتهاداته الإسلامية ".

وقد كان السجن بالنسبة لسيد قطب أمرا ليس بالصعب لأنه قض وقتا طويلا في مستشفي السجن . ولكن الحق الذي لا يختلف عليه اثنان أن السجن هو السجن ولو كان في قفص من ذهب .

لقد أتيح للشهيد " سيد قطب " في السجن فرصة الاطلاع والبحث والتأليف حتى أنه كتب داخل السجن أخطر مؤلفاته :" معالم ف الطريق " كان الداعية يتصل بالإخوان وهو داخل السجن عن طريق الزوار حتى أنه استطاع تهريب فصول كتابه عن طريق أخته حميدة كما كتب العديد من الرسائل والوصايا داخل السجن وتم طبعها خارج السجن .

وفي 13 يوليو عام 1955 م حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة 15 عاما مع الأشغال الشاقة وكانت فترة سجنه نحوا من عشر سنوات دامت حتى 1964م بعدها تدخل الرئيس العراقي عبد السلام عارف للإفراج عنه ,

ومضت هذه السنوات غنية بالإنتاج الفكري ( للدعوة الإسلامية ) وكان من نتاجها أيضا مواصلة تفسيره " في ظلال القرآن "

وفي عام 1965 م أعيد إلى السجن من جديد بتهمة تدبير مؤامرة لقلب نظام الحكم – وكان الشهيد آنذاك قد بلغ سن الستين وكان مصابا بالذبحة الصدرية .. بالإضافة إلى مرض الكلي .. وأمراض المعدة – ولكن لم تشفع له سنه .. ولم يشفع له مرضه عن الظالمين وكلاب السلطة .

الابتلاء

كثيرا ما يلجأ أولياء الشيطان إلى أنواع عجيبة وغريبة من فنون الإيذاء في محاولات متكررة لعزل الدعاة عن الناس وإبعادهم عن مخالطتهم حتى لا يؤثروا فيهم وهو أسلوب ليس بالجديد , فلقد أجمعت قبائل قريش على محاصرة المؤمنين في شعب أبي طالب ومعهم بنو هاشم ثلاث سنوات لا يتواصلون معهم ولا يبيعون لهم ولا يشترون منهم حتى أدرك المؤمنين عناء شديد وعنت ومشقة وأذي إذ لم يجدوا ما يأكلون إلا ما يلتقطونه من خشاش الأرض .

وها هو عثمان بن عفان – رضي الله عنه - لما سمع من رسول الله صلي الله عليه وسلم وسري الإيمان إلى قلبه وعلم بإسلامه عمه الحكم بن أبي العاص ابن أمية فأوثقه رباطا وقال : أترعب عن ملة آبائك إلى دين حدث ؟! والله لا أصلك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين فقال عثمان : والله لا أدعه أبدا ولا أفارقه فلما رأي الحك صلابته في دينه تركه .

إنه المصير المشابه لمعظم رجال الدعوة الذين يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومه لائم ولا يضنون بغال أو رخيص ما دام من أجل إعلاء كلمة الحق .

وهؤلاء آل قطب يمتحنون في إيمانهم ويبتلون بالسجن فلم يقتصر الأمر على اعتقال الشهيد سيد قطب , ولكن صدر باعتقال السيدة نفيسة قطب , وكان عمرها يزيد على الخامسة والستين وبقيت في المعتقل حتى مقتل ابنها ( رفعت ) ثم أفرج عنها .

واعتقلت السلطات المجاهدة أمينة قطب وأودعت السجن الحربي لفترة طويلة . أما الأخت حميدة قطب فقد اعتقلت بالسجن الحربي ولفقت لها تهمة وقدمت للمحاكمة وصدر حكم بعشر سنوات .

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأستاذ سيد قطب ألقي عليه القبض بعد الإفراج عنه . وكان ذلك في 9 أغسطس عام 1965 م بعد أن قدم رسالة احتجاج إلى المباحث العامة بسبب القبض على أخيه الأستاذ / محمد قطب .

الأديب والقرآن

امتاز " الشهيد " بالمنظار النقدي للأدب ( النقد الأدبي ) ولهذا المنظار أخضع كل شئ نظر إليه أو قرأه من مقالات أو شعر أو أدب أو سير أو شخصيات أو ثورات- وكان دائما يفتش عن التصوير الفني ولا يهتم بأسلوب يخلو من صور أو ظلال حسية فنية لأنه يعتقد أنه أسلوب يخلو من الفن .

وبحثا عن الصور والظلال التي تخاطب الحس والوجدان أعاد قراءة القرآن . لقد قرأ القرآن وهو طفل لا ترقي مداركه إلى آفاق معانيه .. ولكنه كان يجد في نفسه " منه شيئا " على حد تعبيره .. وكان خياله الساذج الصغير يجسم له بعض الصور من خلال تعبير القرآن .

وبدأت تظهر للكاتب الشهيد مقالات عن التصوير الفني في مجله " المقتطف " كان ذلك في سنة 1939م وبدأت كشوفاته عن الجمال الفني في تعبيرات القرآن الكريم وكأنه فنان بيده ريشة يحاكي الحياة وجمالها. وظل صاحب الظلال يعيش مع القرآن بحثا عن الصور الفنية حتى أكرمه الله فصدر له كتاب " التصوير الفني في القرآن الكريم " ونشر عام 1945 ثم صدر له كتاب آخر في نفس هذا المجال وهو " مشاهد القيامة في القرآن "

تحول جديد وخطير :

كان لكل ما سبق انعكاسه الطيب على شخصية الشهيد الذي بدأ يجاهد بقلمه وفكره في سبيل إقامة المجتمع الإسلامي الذي يأمل في تحقيقه انتقل المفكر الشهيد من هدفه البلاغي في القرآن إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي – إنه واقع خطير لأن هذه الآونة كانت المذاهب الفكرية والعقائدية آخذة في الانتشار السريع وأصبح لها رجالاتها وطالما أن " سيد قطب " سيخوض هذا المجال فهو ليس بالأمر السهل ولكنه رجل التحدي والصمود وبدأ ينتقد هذه المذاهب ويبين عظمة الإسلام ... في دراسات اجتماعية واقتصادية . وتبلور كل هذا في ظهور أعظم وأنجح كتاب في ذلك الوقت إنه كتاب " العدالة الاجتماعية في الإسلام " صدر الكتاب عن دار المعارف عام 1949 م

وهناك شبه إجماع بين المفكرين المعاصرين ( حتى الذين اختلفوا معه ) على أن الكتاب كان المرة الأولي التي يتجرأ فيها كاتب – مثقف مسلم – ويطرح نظرية إسلامية اجتماعية جديدة تأخذ في الاعتبار ظروف العصر بما فيه ويقارن بين الإسلام والمذاهب الوضعية .

الآثار العلمية لفقيد الأمة الإسلامية

أولع الشهيد سيد قطب بتسجيل فيض الخاطر الذي كان يراوده عن قراءة أى آية من كتاب الله عزوجل وظهرت البراعة الأدبية في كثير من مؤلفاته والتي اهمها :

1- في ظلال القرآن :

وهو تفسير للقرآن الكريم يتسم بسهولة التعبير واتساع المعاني ويميل إلى الأسلوب الأدبي وقد ظهر فكر الشهيد فيه كثيرا عندما كان يتناول قضية تخص العقيدة أو المجتمع حيث ينبري مدافعا وموضحا آثار الشرك ووقع الظلم على المجتمعات ويعتبر " في ظلال القرآن " من أعظم مؤلفات الشهيد .

2- معالم في الطريق :

وهو الكتاب الذي آثار الطغاة وكثرت فيه الأقاويل وقد تجلي في هذا الكتاب بالذات الرؤية التامة " لسيد قطب " عن المجتمع والحكام وكان الكتاب تحولا خطيرا في فكر الكاتب نفسه لأنه كتبه بعد مذبحة الإخوان المسلمين . ولذا حمل التصور التام للحكم الإسلامي وتطبيق منهج الله في الأرض .

3- التصوير الفني في القرآن الكريم :

في هذا الكتاب ظهرت براعة الشهيد البلاغية واتساع أفقه الفني الأدبي حيث ركز على الصور الفنية في أى القرآن وهو بذلك يعطي للقارئ عمق الإعجاز القرآني وهذا الكتاب كان في البداية عبارة عن مقالات نشرتها مجلة " المقتطف " والحقيقة فإن تعبيرات هذا الكتاب يطلق عليها الأدباء " الذوق الفني الرفيع ".


4- الإسلام ومشكلات الحضارة:

وهو من أفضل المؤلفات التي ألقت الضوء على مشكلات الحضارة من خلال منظور إسلامي من حيث تحديد المشكلات وتشخصيها ووصف العلاج الإسلامي لها وكيفية التعامل مع الحضارة بميزان العدل .

5- السلام العالمي الإسلام

إنه الكتاب الذي تناول المعني الحقيق للسلام في العالم والذي به تسعد البشرية وإيضاح ذلك من الدراسات الإسلامية والتي أرست قواعد العدالة وأسس بناء المجتمعات في ظل الإسلام .

6- معركتنا مع اليهود :

وهو الكتاب الذي أوضح جذور الأطماع الصهيونية. وكذلك تفنيد الافتراءات الكاذبة التي روج لها أ‘داء الإسلام سواء في الشرق الملحد أو الغرب المنحرف .

7- العدالة الاجتماعية في الإسلام :

يتناول فيه الشهيد كيفية العدالة بين أفراد الأمة , وهي العدالة الإلهية التي جاءت في وحي السماء لا تضاهيها عدالة أخري من الفلسفات البشرية التي أوقعت الظلم بالناس وغرست الحقد في القلوب وأورثتهم الضغينة .

وللكاتب المفكر الشهيد كثير من الأبحاث والمؤلفات والمحاضرات التي ترجمت الإسلام إلى واقع حقيق ومنهج تطبيقي وفكر الشهيد جدير بالدراسة والتحليل وقد امتلأت – ولله الحمد – مكتباتنا الإسلامية بهذه الدرر القطبية , بعد أن كانت محظورة على أبناء الأمة الإسلامية لقد انتقل الشهيد إلى جوار ربه ولكنه ترك لنا مشكاة نور على الأرض ,

استشهاد بعد جهاد

أجمعت المصادر التي يطول ذكرها على أن الأستاذ " سيد قطب " ذاق ألوان العذاب مع بقية الرفاق من المجاهدين داخل جدران السجون – ومما يؤسف له – أن ذلك كله يتم في عصر الحريات والديمقراطيات . ولكن يبدو أن الزيف التاريخي كثيرا ما خدع الشعوب التي ظلت السنين الطوال تأمل في فجر الحرية وفي عيش الرفاهية التي وعدت بها من القادة الأفذاذ الذين تلذذوا بإذلال الناس وتمتعوا بدماء الأبرياء .

إن ما أصاب الإخوان المسلمين من التعذيب البشع والتنكيل المريع والتقتيل الذريع , لم يصب بمثله أحد في مصر بل وعلى مسار حقب التاريخ إن ما فعله جمال عبد الناصر بالإخوان المسلمين في بيوتهم وفي سجونه لا يمكن أن يصدقه عقل بالغة ما بلغت قسوته ووحشيته ولقد كانت تنقل إليه أجهزة الإعلام الصوتية والمرئية كل ألوان التعذيب لتعرض عليه في سهراته مع بطانته داخل قصوره يتسلي برؤية تعذيب البشر ويرتاح صدره لرؤية الضحايا تقطع السياط أوصالها تقطيعا .

رجل المواقف :

لم تكن حياة الشهيد سيد قطب تمر إلا وتلاحقها الأحداث التي صنعت منه بطلا عظيما تلمس من بعده خطاه .

ومن الإنصاف أن نقدم طرفا يعرفه له بعض أصدقائه الذين ألفوا كتبا عنه وهو الأستاذ يوسف الأعظم ( الأردني ) فيقول :" كان موثقا التف حوله إخوانه بين جدران السجن أو في جنبات المجتمع إنه حقا قطب الجماعة والجبل الذي يلتف حوله ويقتدي به لو استطيع بالغالي والنفيس وكان مخلصا داس بكبريائه على مناصب الطغاة ن قناعة ورفض كل لين أو هوان يقوده إلى نعمي الدنيا ويحرمه من نعمي الآخرة .. أبي المساومة على كرامة الدعوة والداعية .. وقد أغرته السلطة بمنصبه وزير المعارف في أعقاب قيام الثورة فأبي ... وعرضوا عليه منصب السكرتير العام لهيئة التحرير المصرية أول بذرة للحزب الواحد في مصر الثورة ولكنه عد ذلك هراء ولغو حديث طالما مطالب الثورة تنحصر يومذاك في هتاف وصياح ومواكب تطبيل وزمير .... حاولوا خداعه فعرضوا عليه وهو سجين أن يكون مرشدا عاما للإخوان المسلمين.. مكان المرشد الصابر حسن الهضيبي فسخر من تجار المساومة وأكد لهم التفاف الإخوان حول مرشدهم , ثم قال لطغاة ناصحا :" أكون غاشا حينما أقول إن الإخوان يجتمعون على غير مرشدهم حسن الهضيبي "

محاكم هزيلة :

شهد عهد الثورة في مصر محاكم من نوع عجيب فلا الحاكم من رجال القضاء ولا مساعدوه يفهمون في قانون أو تشريع . ولكنهم وضعوا في سرعة خاطفة ( قوانين فصلوها تفصيلا ) ليقتلوا بها من خالفهم ويضعوا بها في السجون من لا تهواه أنفسهم ..

تلك المحاكم التي قدم إليها العالم الشهيد عبد القادر عودة والمجاهدان محمد فرغلي ويوسف طلعت والتي قدمتهم وإخوانهم قربانا على حبال المشانق لعشاق الانتقام الجالسين على كراسي السلطان .

قدم الشهيد " سيد قطب " إلى مثل هذه المحاكم الثورية وبالطبع لم تتوافر أدلة اتهام ولم تعط فرصة للدفاع حتى أنها تحولت إلى ساحات للسخرية والاستهزاء من كل شريف أو داع إلى إصلاح إنه الظلم الفادح الذي ساعدته في ذلك الوقت وسائل الإعلام والتي أصدرت حكمها مسبقا بوصفهم " بالخونة وأنهم يستحقون الإعدام ".

وقف الأستاذ الشهيد أمام هذه المحكمة التي كان يرأسها القاضي – كما عينته الثورة

محمد فؤاد الدجوي .

طلب القاضي من الشهيد أن يذكر له الحقيقة – في قضية الإخوان – فقال " سيد قطب " وقد كشف عن صدره وظهره الممزق بالسياط وأنياب الكلاب وعصي الحراس : أتريد الحقيقة ... هذه هي الحقيقة !!

فضجت القاعة بالاشمئزاز وأشاح الجمهور بوجهه تألما وازدراء لما شاهدوه من آثار التعذيب .

كان الشعب كله يريد أن يجري في محاكم الثورة . وقد فهم من لهجة القاضي والنيابة والدفاع ... بأن الموت ينتظر هؤلاء الأبرياء الذي هبوا يدافعون عن شرع الله واليوم يدفعون بأنفسهم في سبيل الله – إنهم ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )

وتوالت جلسا الاستهزاء والإذلال تسأل حول قضية واضحة وهي تسأل وترفض سماع الجواب – وفي النهاية حكمت المحكمة برئاسة الدجوي بالإعدام !!!

إعدام من !! إعدام رجل نادي بالحق وتبعه أهل الحق !! إعدام رجا فسر القرآن الكريم !! إعدام رجل من الركع السجود !! إنها لوصمة عار في جبين مصر تمت على أيد جهلاء مصر .

في جنة الخلد أيها الشهيد ( مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ).

مذبحة ليمان طره وصمة عار في جبين حكام مصر

أخطر الوثائق

تبلغ قمة الظلم مداها ويحدث على أرض مصر أبشع أنواع الجرائم وأخسها ضد نخبة من خيرة شباب مصر ورجالها الأطهار الذين لم يرتكبوا جريمة إلا أنهم طالبوا بتطبيق شرع الله وتحكيم كتابه .

وقعت هذه الحادثة المشئومة يوم أول يونيه عام 1957 م وقد استشهد من الإخوان في هذه المذبحة 21 بطلا وجرح منهم 22 وفقد ستة أبطال عقولهم من شدة التعذيب وهناك أسباب منوعة للحادث .

أما السبب المباشر الحقيقي فهو أن الإخوان بالمملكة الأردنية أبطلوا انقلابا كان لصالح عبد الناصر وقام عبد الرحمن خليفة رئيس الإخوان ورئيس مجلس النواب الأردني – آنذاك – بفضح المؤامرة ومن كان وراءها فأرادت حكومة الثورة هنا في مصر أن تثأر لذلك بضرب الإخوان العزل المسجونين في سجن طرة تنفيذا للأحكام الإجرامية التي حكمت بها عليهم محكمة الشعب العسكرية.

وهناك سبب مفتعل وهو أنه قبيل الحادث بأيام كان بعض النساء والأطفال والرجال يزورون أقاربهم المسجونين وأخرجت احدي الأمهات من صدرها فرخة مطبوخة وناولتها ابنها من بين الأسلاك ... فثارت ثائرة الضابط السجان المكلف بالحراسة وتصرف بحماقة بأن قام بوضع الحديد في أيدي ستة من الإخوان أمام ذويهم .. وأصدر أمره بتحويلهم إلى زنازين التأديب .. وقام بالقبض على الزوار وإرسالهم إلى قسم الشرطة بطرة للتحقيق معهم بتهمة إحداث شغب أثناء الزيارة وتقديم فرخة لمسجون ..

ولا شك أن الحق الدفين وراء كل هذه التصرفات ... لأن الإخوان يريدون الإسلام حكما وفي ذلك خطر جسيم على القوانين الوضعية والقائمين عليها

مع الأحداث :

كان الإخوان يعملون في الجبل ثم يعودون إلى السجن وقبل المغرب يدخلون الزنازين ولكنهم بعد هذه الزيارة سالفة الذكر – أجبروا على دخول الزنازين عصرا .

وذات يوم كان أحد الإخوان يصلي العصر أمام الزنزانة فعنفه أحد الضباط وسحب السجادة التي يصلي عليه وأمره بدخول الزنزانة فورا بعد أن أهانه واستجاب المصلي للأمر .. بعد ساعات أعلنت إدارة السجن بأن كل من قضي بالجبل أربعة وعشرين شهرا عليه أن يقدم لإدارة السجن طلب إعفاء من العمل بالجبل ليعمل بالورش داخل الليمان – وكان هذا الخبر فرحة للإخوان إذ سيستريحون من عناء العمل بالجبل ويستريحون من ضباط الجبل الذي طالما هددهم بالانتقام ... وتقدم عدد كبير من الإخوان بطلباتهم لإدارة السجن وأخذت منهم الطلبات ورجعوا إلى الزنازين ,, وأغلقت الزنازين ولم يسمح لهم بالخروج كالمعتاد صباح اليوم التالي السبت أول يونيه عام 1957م... وفي الساعة العاشرة نودي من الإخوان الأساتذة :" حسن دوح "... " عبد الرازق أمان الدين "و" عبد الحميد الخطابي "و" وأحمد البس " فأخرجوا من الزنازين وأمامهم على السور حشد من الجند المسلح وحول العنبر أكوام من العصي الغليظة والسياط ... وأمام سور العنبر من الخارج كتيبة عسكرية على أهبة الاستعداد وكأنها في ميدان حرب .. ومضت دقائق دفع بعدها بالإخوان الأربعة إلى مكتب مدير السجن ... وطلب من الأخ حسن دوح أن يتحدث أى كلام فتحدث !! وتحدث بقية الأربعة وقال أحمد البس : إني مندهش لهذا الحشد المدجج بالسلاح وإلى هذه الذخائر والعصي ! فما سبب ذلك ؟! الذي أطمع فيه أن يعالج السيد المدير الموقف بالحكمة والرحمة قبل أن يعالجه بالقوة ..

وتأثر المدير بهذه العبارة وقال موجها الكلام للحاج أحمد البس :

" والله ... والله العظيم أنا يا فلان – طول حياتي بالشرطة – أعالج الأمور بالحكمة والرحمة لا بالقوة وملف خدمتي يشير إلى هذا وسأفعل ذلك الآن "... وعلى الفور اتصل بالمدير العام للسجون وبزكريا محيي الدين وزير الداخلية آنذاك , وبالرئيس عبد الناصر وتمت مباحثات كانت محصلتها التنكيل بالإخوان ومحاولة إبادتهم ..!!

وفجأة صدرت أوامر غريبة بمقتضاها شرع السجانون يقتحمون زنازين الإخوان ويخرجونهم مثني مثني ويربط كل ستة بالسلاسل فلما جاء دور إخوان الزنزانتين الخامسة والسادسة , ونزلوا إلى ساحة الليمان حيث يتم التفتيش والسلسلة... وبدأ الضابط ينادي عليهم بألفاظ نابية وغير مقبولة فغضب الإخوان , وأخذ الأخ الشهيد ( علي حمزة ) المفتاح من الحارس بعد أن صعد إلى الدور( الطابق الثالث ) حيث بقية الإخوان المغلق عليهم وفتح على جميع الإخوان وهنا فشلت المؤامرة المرسومة لتقييد الإخوان بالسلاسل والخروج بهم إلى الجبل لضربهم هناك بالعصي والنار وإلاعلان هروبهم ..

وكان لابد من تنفيذ أوامر السلطات العليا – فتم رسم خطة من قبل إدارة الليمان لإبادة الإخوان .. وصدرت الأوامر بدخول جميع الإخوان الزنازين وإغلاقها عليهم .. وطلب الإخوان أن يصلوا الظهر قبل دخولهم الزنازين وتوضئوا للصلاة وهم على هذه الحال , وإذ بهم يفاجئون بكتيبة عسكرية يتقدمها الضباط يقتحمون العنبر رقم (1) بينما صعد بعضهم – أى الضباط – غلى الطابق الرابع وبدءوا يطلقون النار إيذانا بالهجوم الغادر – ويالها من مهزلة –نظر الإخوان المصلون في دهشة وهم يظنون أن تلك الأعيرة النارية للتهديد وإذ برءوس بعض الإخوان تتساقط من الطابق الرابع , فهرعوا إلى داخل الزنازين فداهمهم الضباط داخل الزنازين – ودارت معركة حامية الوطيس بين كتيبة عسكرية معدة للقتال وإخوان عزّل لا حول لهم ولا قوة إلا بالله .

وفي ساعة أو أقل كان حصاد المعركة 21 شهيدا و22 جريحا وتم انتصار السلطة ويالها من خيبة أمل وياليت ذلك فعل بيهود إسرائيل – وسيسجل التاريخ ذلك للأجيال القادمة أن قوما ذبحوا بتهمة " لا إله إلا الله " وحبهم لكتاب الله عقيدة ومنهجا . وسالت الدماء الزكية وسمعت أصوات الحشرجة في صدورهم وهم يلفظون آخر أنفاسهم .

افتراء وبهتان :

قدمت إدارة السجن تقريرا جاء فيه :" أن ما حدث كان نتيجة معركة بين الإخوان بعضهم مع بعض – شئ مضحك مؤسف- استعملوا فيها السكاكين وحين تدخل الحرس اعتدوا عليهم ... وكان قد بقي من رجال النيابة احترام لأنفسهم ولشرف المهنة حين قرروا أن هذه مذبحة من الحراس ضد الإخوان – فغيرتهم السلطة وأتت بوكلاء نيابة آخرين ..

وخيم جو من سواد العهد المؤلم . وفي اليوم الثالث للحادث أديرت دفة البلاد على الإخوان الذين نجوا من القتل فجردوا من ثيابهم وألبسوا ( بيجامات ) مزقة وحشر كل 15 في زنزانة من الزنازين المعدة لثلاثة أفراد وظلوا وقوفا 38 ساعة إلى اليوم الرابع وبعد ذلك تم ترحيل الإخوان تحت حراسة مشددة وسيارات مغلقة وإخلاء الشوارع من المارة وانتهي بهم الأمر إلى سجن القناطر حيث تم تفتيشهم وجلدهم واحدا وراء الآخر وذاق الإخوان في هذا السجن ألوان العذاب الذي لم يشهد تاريخ البشرية مثله .. وعاشوا في حجرات مظلمة لا يخرجون منها .... فيها يأكلون ويشربون ويتبولون حتى نحلت أجسادهم وأصفرت وجوههم وصاروا أشباحا .

وبعد ثلاثة عشر شهرا من هذا العذاب المهين انتقوا عددا من الإخوان وأرسلوهم إلى سجن الواحات ليقضوا هناك مدة العقوبة ولينالوا صنوفا أخري من العذاب وتركوا الباقين تحت سلطان الضابط عبد المتعال " حجر الزاوية في حادث طره.

ظن هؤلاء – أصحاب الجريمة البشعة ومدبروها – أنهم بذلك قضوا على دعوة الإخوان ولكنهم واهمون فالإسلام باق وغيره إلى زوال وفناء :

( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره )

شهداء ليمان طرة

في 3 من ذي القعدة عام 1376هـ 1 من يونيه عام 1957م كان حصاد مذبحة طره من الإخوان على أيدي كلاب السلطة في مصر – كنانة الله في أرضه – كالآتي :

الرقم الاسم الوظيفة والبلد
1 إبراهيم محمود أبو الدهب مدرس – الإسكندرية
2 أحمد حامد على قرقر محاسب – ميت غمر
3 أحمد محمود الشناوي عامل برادة – العباسية
4 الأحمدي عبده متولي بكالوريوس زراعة – أبو الشقوق شرقية
5 أنور مصطفي أحمد دباغ – مصر القديمة
6 خيري إبراهيم عطية طالب ثانوي بالأزهرالجيزة
7 الحاج رزق حسن إسماعيل مزارع- كفر المرازقة – كفر الشيخ
8 سعد الدين محمود شوقي موظف – إمبابة
9 السيد عزب صوان موظف بشركة الغزل – المحلة الكبرى
10 السيد علي محمد تاجر نحاس – الإسكندرية
11 عبد الفتاح محمود عطا الله ترزي – كفر وهب – قويسنا
12 عبد الله عبد العزيز الجندي عامل بالسكة الحديد – شبرا
13 عثمان حسن عيد طالب بكلية درا العلوم – القاهرة
14 عثمان عزت عثمان موظف بجمرك السويسالسويس
15 علي إبراهيم حمزة قمصنجي – حلوان
16 فهمي إبراهيم نصر طالب ثانوي – هواش منوفية
17 محمد أبو الفتوح قوارة مطبعجي – عزبة ناصف – منوف
18 محمد السيد عفيفي موظف – بين السرايات – القاهرة
19 محمود عبد الجواد العطار ترزي – الإسكندرية
20 محمود محمد سليمان مهندس بالسكة الحديد – العباسية الطحاوي
21 مصطفى حامد علي طالب ثانوي – إمبابة الجيزة

أما صرعي الحالات العصبية فمنهم

22- معوض أبو زهرة

23- محمد الفتاح

24 – عبد الحليم شحاتة

( مع الذين أنعم الله عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .

شيخ المجاهدين : عبد الله عزام

معلم الدعاة وقائد المجاهدين

نشأته وتربيته

ولد الشهيد عبد الله عزام – رحمه الله – في قرية تقع في الشمال الأوسط من فلسطين اسمها " سيلة" الحارثية في لواء جنين 1941 م في حى اسمه حارة الشواهنة .

واسم والده الحاج يوسف مصطفي عزام الذي وافته المنية بعد سنة من استشهاد ابنه أما والدته فهي من عائلة أخري لها صلة قرابة بآل عزام واسمها زكية صالح حسين الأحمد .

شب المجاهد على أرض القرية وترعرع في أحضان والديه وقد لوحظ على الشهيد نبوغه الفكري المبكر وشهد له بذلك أقرانه معلموه .

تلقي الشهيد علومه الابتدائية والإعدادية في مدرسة القرية وبدأ دراسته الثانوية في مدرسة جنين الثانوية ولم يمكث فيها طويلا حيث التحق بالمدرسة الزراع الثانوية " خضورية " في مدينة طولكرم وحصل على شهادتها بامتياز عام 1959 م.

كان الشهد – رحمه الله – قوي الإيمان منذ صغره ملازما المساجد يتلو القرآن ويحافظ على حضور الدروس الدينية .

وقد حباه الله بنخبة من العلماء الذين تلقي علومه الدينية عليهم وخاصة الأستاذ الداعية المرحوم الشيخ شفيق أسعد الذي كان يتولي مجموعة من شباب القرية يعلمهم ويريبهم على مبادئ الإخوان المسلمين فكان الشهيد " عزام أول نواة لهذه الحركة في القرية وكان حريصا على الحضور إلى مركز جماعة الإخوان في مدينة " جنن " .

يتحدث عنه فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن خليفةالمراقب العام للإخوان المسلمين بالأردن – من ذكرياته عن الشهيد عبد الله عزام يقول في إحد زياراتي لشعبة الإخوان المسلمين في مدينة " جنين " – في الخمسينيات – بينما كنت أجلس مع نائب الشعبة دخل علينا فتي صغير وقال أنا عبد الله عزام من سيلة الحارثية ومن الإخوان المسلمين أدرس في الصف السابع ( الأول الإعدادي ) وكونت أسرة من أقاربي وزملائي وألتقي بهم في مسجد قريتنا – وأنا أدعوك لزيارتنا فوعدته بزيارة عندما أحضر إلى جنين ... ولما ذهبت إلها في المرة التالية , زرت سيلة الحارثية وصليت العصر في المسجد فوجدت عبد الله عزام ومجموعته يجلسون في زاوية المسجد .. وكم كان سرورهم بزيارتي لهم ثم عدت إلى جنيني . وما زلت أذكر ذلك اللقاء وما ترك في نفسي من اثر طيب.

المجاهد الصغير :

حمل الدعوة وهو صغير وقد عرف بين الناس مصليا تاليا للقرآن منذ نعومة أظفاره .. وعرفه أقرباؤه وعشيرته وأهل بلده وعرفته فلسطين كان لا يضيع لحظة واحدة من وقت فراغه بل وصل الأمر به أن يقوم الليل وهو في المرحلة المتوسطة تقول أمه الحاجة زكية .

كنت أفيق في الليل فأدخل عليه وإذا به يصلي , فأقول له : ياولدي رفقا بنفسك وألزم فراشك واسترح فيقول لها : وهل لنا من راحة للنفوس والقلوب إلا بهذا ؟ أى بالعبادة ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) وما كنت أراه إلا ملازما للمسجد يحافظ على صلا ة الجماعة ومدرسا وواعظا يقرع آذان المصلين بالذكر والموعظة الحسنة .

وكان المجاهد الصغير ( عبد الله عزام ) أصغر الطلاب سنا إلا أنه كان أذكاهم .

دراسته الجامعية ووظيفته التعليمية:

بعد تخرجه من مدرسة ( خضوري ) الزراعية وحصوله على شهادتها تم تعيينه معلما في قرية أدر بمنطقة الكرك جنوب الأردن وبقي فيها سنة واحدة وفي أواخر عام 1960 تم نقله إلى مدرسة برفين الإعدادية بالقرب من مدينة جنين .

أتاح هذا الوسط التعليمي الفرصة أمام الشهيد كي ينشر الدعوة فالتف حوله العدد الكثير الذين بدءوا يتحركون معه يجمعون التبرعات ويساعدون المحتاجين .

لم يشكل النشاط الاجتماعي ودعم الحركة الإسلامية عائقا أمام الشهيد في مواصلة دراساته فقد نال شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير جيد جدا عام 1966م.

كان عبد الله عزام يتحرك لنشر الدعوة وداخله أمل يريد تحقيقه : إنه تحرير هذه البلاد التي شب عليها وترعرع على ترابها . إنها أراضي قريته التي يحتل معظمها اليهود يزرعون ويلعبون عله ويقطفون ثمار أشجارها وأهلها الأصليون محرومون من ذلك .

ولكن – واحسرا تاه- فقد جاء عام 1967 م وإذا بالعدو المجرم يحتل بقية الأرض الفلسطينية وسقطت الضفة الغربية وقطاع غزة في أيدي اليهود وزحفت الدبابات الإسرائيلية إلى مسقط رأس المجاهد – قرية سيلة الحارثية – ووقف الشهيد ومعه مجموعة من الشباب وحاولوا الوقوف في وجه العدو . ولكن عقلاء القرية نصحوهم بالتريث لأنهم لا قبل لهم بهذه القوات .

وهاجر عبد الله عزام لالأردن . وفي عمان تعاقد مع وزارة المعارف بالسعودية لمدة سنة رجع بعدها إلى الأردن .

وبدأ الشيخ المجاهد يفكر جديا في إقامة التدريبات العسكرية ولما قررت قيادة الجماعة في عمان البدء بعمل فدائي ضد العدو وطلبت من شباب الإخوان التدريب في معسكرات خاصة بهم حيث اتفقت مع حركة فتح على إنشاء قواعد للإخوان باسم فتح .. كان الشيخ عبد الله عزام في مقدمة أول فوج من الشباب توجه إلى معسكر التدريب في عام 1968م

كل هذا لم يقف – كما ذكرنا – عائقا أمام المسيرة العلمية للشيخ المجاهد فقد نال شهادة الماجستير في أصول الفقه عام 1969 من جامعة الأزهر بمصر وبعد انتهاء العمل الفدائي في الأردن , أوفد – من كلية الشريعة التي عمل بها مدرسا – لنيل درجة الدكتوراه في أصول الفقه وقد حصل عليها بمرتبة الشرف الأولي عام 1973.

لقد عاش المجاهد أيامه في القاهرة في بؤس وشقاء حيث كانت المخابرات المصرية تلاحقه من مكان لآخر . وذلك بسبب إرساله برقية إلى عبد الناصر , يقبح فيها ما صنعه بالأستاذ سيد قطب وإخوانه من إعدام سبقه ألوان ما بين تعذيب وتنكيل .

وكان الشيخ يزور آل قطب وآل الهضيبي والداعية الحاجة زينب الغزالي يتعلم منهم شجاعة الرجال والثبات في المواقف ويعرض خدماته عليهم لقد نجح عبد الله عزام سواء في أيام الكلية طالبا وبعد تخرجه في نشر الدعوة واجتذاب أكبر عدد من الطلاب بنين وبنات حتى أصبح له من المريدين مما جعل أصحاب السلطة يهابونه .

أبرز صفاته الخلقية

انعكست طبيعة التربية وعوامل البيئة التي عاشها المجاهد ونوعية التعليم ومصاحبته العلماء وحبه للشيوخ وميله للتدين وعمله في مجال الدعوة كل هذا ساعد في بناء شخصية قوية متنزنة سكنت قلوب جماهير الشباب تؤثر فيها وتجذبها إلى ساحة الجماعة ودعوتها . وقد برز كثير من الصفات الخلقية للشيخ المجاهد نذكر منها :

1- العزة والإباء:

كانت تلك سمة بارزة شخصية الشيخ المجاهد وقد تمثل بها من قوله تعالي ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) تمثل في كثير من مواقفه بالعز بن عبد السلام في معاملته مع الحكام لمن يحن جبهته إلا لخالقه ولم يذل نفسه إلا للعزيز الجبار رب الأرض والسماء . والمواقف في حياته كثيرة تشهد بذلك .

2- الجرأة والشجاعة النادرة:

وتلك سمة أيضا من سمات الزعماء والقادة – كتب المجاهد قبل استشهاده مقالة بعنوان " الأسود الجائعة " شرح فيها أن عماد الشجاعة قوة الإيمان وإخلاص القلب والتوكل على الله وأن لا تخش إلا الله سبحانه وتعالي

يقول الله تعالي : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسي أولئك أن يكونوا من المهتدين )

وقد تمثل الشهيد هذه الشجاعة من القائد الأول رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول الصحابة رضوان الله عليهم :" كنا إذا اشتد البأس وحمي الوطيس اتقينا برسول الله صلي الله عليه وسلم وإنه ليكون أقربنا إلى العدو ".

3- الزهد والبعد عن الترف

4- وهذه من سمات العظماء لأن القاعدة أن من انتصر على نفسه انتصر على عدوه . وهذا ما فعله الشهيد حيث ترك الدنيا ومتاعها وأقبل على الجهاد حتى نال الشهادة إنه نوع فريد طلق الدنيا ولم يعبأ بمتاعها ولا جاهها بل إنه أعطي كل حياته لله سبحان : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) ولم يترك الشهيد وراءه شيئا من حطام الدنيا , كل ذلك اقتفاء بمنهج الرسول صلي الله عليه وسلم كما روي الإمام أحمد بسند صحيح :" أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ما ترك دينارا ولا درهما ولا شاه ولا بعيرا ".

وروي الترمذي بسند حسن أن رسول الله قال :" عرض على ربي أن يجعل لى بطحاء مكة ذهبا فقلت : لا يا ري بل أجوع يوما وأشبع يوما فإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك وإذا شبعت شكرتك وحمدتك ".

تقول زوجة الشهيد ( أم محمد ) :

" كان لا يحب الدنيا ولا التمتع بها ولا يرضي إلا بالسير والشئ والضروري من المتاع فقط كان قد طلق الدنيا ورماها خلف ظهره حتى الهدية سواء أكانت ثمينة أم بسيطة فإنه كان يطلب مني أن أهديها لأنها شئ زائد وليس من الأساسيات ".

4- الحلم والصبر والسماحة

تلك سمات لابد أن يتصف بها المجاهد في سبيل الله وهل هناك جهاد بدون صبر لقد كان الشهيد معلما من معالم الصبر وتحمل الإيذاء ولقد حاول الأعداء مرارا أن يثنه عن عزيمته سواء بالملاينة أو بالضغوط فالتزم الصبر وكأنه يتمثل كفاح وصبر النبي الكريم صلي الله عليه وسلم عندما شج وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته فقال له أصحابه لو دعوت عليهم , فقال عليه السلام :" إني ل أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة " ثم قال :" اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون ".

وقد اتصف المجاهد بالحلم فروي عنه أنه لم يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ولكنه يغضب إذا انتهكت حرمات الله وهو بذلك يتخلق بخلق الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم كما عرف عنه تحمله للأذى وعدم رده على خصومه . إن المجاهد ( عبد الله عزام ) عاش الجهاد بكل معانيه بل نهل من قواميس العربية كلمة ( جهاد – ومجاهد) نعم الصابر المحتسب صاحب السماحة – المتمثل بقول الشاعر :

فإما حياة تسر الصديق ............. وإما مما يغيظ العدا

ونفس الشزيف لها غايتان ............ ورود المنايا ونيل المني

إن هناك كثير من السجايا التي اتصف بها الشيخ المجاهد مثل التواضع أدب الاستماع وبراعة الإلقاء . كما عرف بين إخوانه بالكرم والجود وهي صفات اتصف بها الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ( إنها منهج السنة) إن المجاهد البطل أجبر التاريخ أن يسجل له مواقفه في فلسطين وجولاته وصولاته في أفغانستان . إنها أرض الجهاد وإنها قضية المسلمين الأولي والجهاد فرض عين لوجود العدو في الأرض الإسلام هذا ما آمن به البطل الشهيد .

صفحات من حياة الشهيد

على أرض فلسطين :

كانت الأيام الأولي والمنهل العذب على أرض الوطن الحبيب مسقط رأس الشهيد الذي عاصر بنفسه وشاهد ببصره غشاوة الظلم واعتداء الظالمين على أرض فلسطين- شاهد اليهود الملاعين وهم يعيثون في الأرض فسادا يعتقلون الشباب ويقتلون الأبرياء ويهتكون الحرمات نشأ الشهيد وفي قلبه عداوة لليهود يقابلها حب للشهادة في سبيل الله .

دعا الشباب فالتف حوله المئات ونادي الضمائر الحية فردت عليه بالتلبيات وأنشأ مراكز التدريب وأعد المعسكرات وأبان لشباب الأمة معني الجهاد وأوضح لهم الطريق – وشوقهم إلى اليوم الذي يطردون فيه اليهود فيطهرون بذلك أرض المقدسات - حتى أصبح في فلسطين قواعد تدريب ( تسمي قواعد الشيخ عبد الله عزام ) .

وتغني الأطفال والنسوة بكلمات الجهاد . حبا في الجهاد وأملا في النصر .

وقد اشترك الشيخ المجاهد في كثير من العمليات العسكرية على أرض فلسطين نذكر منها .

أولا :

معركة المشروع أو " الحزام الأخضر " وخاضها الشهيد مع إخوانه وشملت هذه المعركة الغور الشمالي .

ثانيا :

أشرف الشهيد المجاهد على معركة الخامس من حزيران عام 1970م واشترك فيها معه ستة من المجاهدين كان من بينهم أبو إسماعيل , وإبراهيم بن بله وبلال الفلسطيني وفي أرض مكشوفة تصدوا لدبابتين وكاسحة ألغام . وكان ( دايان ) وزير الدفاع اليهودي قد أرسل مراسلا كنديا وآخر أمريكيا ليطوف بهم الحدود ويريهم أن العمل الفدائي قد انتهي .

وإذا بجند الله يخرجون لهم كالجن المؤمن من باطن الأرض وانهالت القذائف وجرح الصحفيان واعترف اليهود باثني عشر قتيلا من الجنود والضباط ولكن قتلي الأعداء أكثر من هذا بكثير وقد استشهد ثلاثة من الإخوان في هذه المعركة .

ثم حدثت قلاقل وفتن حالت دون مواصلة الشيخ جهاده ضد العداء ومن ذلك ما حدث في أيلول عام 1970 م حيث أغلقت الحدود هذا هو البطل عبد الله عزام الشيخ العالم والمجاهد الصابر والشهيد المحتسب الذي بذل المال والروح والدم في سبيل الله .

على أرض أفغانستان

رحل الشيخ عبد الله عزام إلى الجامعة الإسلامية بإسلام أباد حتى يصبح بالقرب من الجهاد الأفغاني وقادة الجهاد . وبدأ عمله بالجامعة الإسلامية بإسلام أباد وقلبه معلق بأفغانستان ( بشاور) يذهب إليها يوم الخميس والجمعة من كل أسبوع . لقد أحب الشيخ الشعب الأفغاني لما رآه فيه ممن حب ووفاء وشجاعة ( صفات نفتقدها معظم الشعوب ) إنه لشعب الذي وقف أعزل أمام أكبر قوة طاغوتية ملحدة في العالم تريد سلب إرادته ونهب خيراته وتحكيم الكفر بدلا من الإيمان وشريعة الغاب بدلا من شريعة الرحمن وقف الشيخ مع الشعب الأفغاني الذي ينازل الأعداء وجها لوجه وقال كلمته المشهورة :" هؤلاء الذين كنت ابحث عنهم منذ زمن بعيد.... هنا المحيا وهنا الممات " من هذه اللحظة بدأ الشيخ جهاده ووضع أول كتبه عن الجهاد " آيات الرحمن في جهاد الأفغان " ذلك الكتاب الذي أحدث ضجة في جميع الأوساط وجعل مئات من الشباب العرب يذهبون إلى بيشاور ليشاهدوا كرامات الله سبحانه التي لا زالت تتنزل على جند الله في الميدان "

وأنشا الشيخ " مكتب الخدمات " والذي من خلاله تقدم المساعدات لأكثر من ألف مجاهد أفغاني – وبدأ الجهاد ينتشر والمجاهدون حول القائد الحنون يستمعون نصائحه وينفذون أوامره حتى حانت الفرصة لأول معركة في المواجهة مع العدو ودخل " الأنصار " كمجموعة مسلمة في معركة جاور.

ذهب الشيخ عبد الله عزام " وأسامة بن لادن " إلى " ميرام شاه " ونزلوا بيت جلال الدين حقاني حيث كان الروس يشنون عليهم هجوما عنيفا . وتمت مبايعة الشيخ عبد الله عزام على أن يكون أميرا للأنصار في القتال في هذه المعركة وكانت التجربة الأولي التي يشتركون فيها "

وازداد الشيخ حبا للشعب الأفغاني لما رآه من صلابته وقوة إيمانه وثبات رأيه وإخلاص نيته وجد فيهم – وصف الله ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" وأصبح الشيخ لا يفكر إلا في قضية الأفغان لا يعمل إلا لها ولا يتحدث إلا عنها .

كان المجاهد الشهيد نجما لامعا سواء على المستوي الإعلامي أو على المستوي العسكري أو على المستوي العلمي ونشر الدعوة بين الناس إنه المجاهد الذي ترك ملذات الدنيا وطلق متاعها ورضي بشظف العيش وصعوبة الحياة آثرا الآخرة على الأولي واختار ميدان الوغي على حياة الغناء والطرب , وكان دائما يقول للشعب الأفغاني : " حياتكم حياتي وموتكم موتي يا معشر الأفغان".

لقد تحمل كثيرا من أجل إعلاء كلمة الحق وكم دوي صوته في وسط الأنصار :" حي على الجهاد حي على نصرة الأفغان ".

وصية الشيخ لأبناء الصحوة الإسلامية

أوصي الشيخ بعدة وصايا وجهها لأبناء حماس والصحوة الإسلامية نذكرها تباعا :

1- عليك بإخلاص النية وصدق الطوية وإياك والرياء .

2- عليك بتلاوة جزء من القرآن يوميا .

3- أحفظ من القرآن يوميا ولو آية .

4- عليك بأذكار الصباح والمساء .

5- داوم على قراءة أذكار اليوم والليلة ( المأثورات ) أدعية الطعام واللباس والخروج والمسجد والمنام .

6- احتفظ بتفسير صغير مثل الجلالين أو مختصر الطبري وكتاب رياض الصالحين .

7- اقرأ كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية لمنير الغضبان

8- اقرأ حياة الصحابة لمحمد يوسف الكاندهلوي .

9- اقرأ كتاب فقه السنة للسيد سابق .

10- اقرأ كتاب الإيمان – أركانه ونواقضه – للدكتور محمد نعيم ياسين .

11- عليك بكتاب التاريخ الإسلامي لأحمد شاكر .

12- أحفظ لسانك ابك على خطيئتك .

13- لا تضيع وقتك سدي وطالع في الكتب الإسلامية خاصة رسائل البنا وآل قطب وسعيد حوى ومصطفي مشهور والقرضاوي وفتحي يكن والمودودي ومحمد أبو فارس وأحمد نوفلر ومحمد أحمد الراشد جاسم مهلهل .

14- أحفظ أعشاءك من المعاصي يحفظها الله لك نشيطة قوية .

15- لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي .

16- ابتعد عن المحرمات خاصة فيما يختص بالنساء :" فما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ".

17- نم مبكرا وقم مبكرا ولا تنم بعد الفجر

18- عليك بقيام الليل .

19- بيت النية على الجهاد واستعد له وخذ له أهبته .

غدر الأنذال واستشهاد الأبطال

لا شك أن أمثال الشيخ المجاهد مستهدفون من الأعداء . ولم تنم أعين الجبناء حتى نفذوا مخططهم الدنيئ ومؤامراتهم الخسيسة ..

توجه الشيخ كعادته إلى لاهور وذلك لحضور مؤتمر الجماعة الإسلامية وهناك ألقي كلمة في الندوة العالمية لقادة الحركات الإسلامية حملهم فيها أمانة الجهاد – وكانت كلمة بالحب والحماس وكأنها وصية مودع , وفي ليلة الجمعة الرابع والعشرين من نوفمبر عاد الشيخ إلى بيته وجلس مع صديق له ( الأستاذ برهان الدين رباني ) يناقش معه قضية الجهاد وحتمية توحيد صفوف المجاهدين وفي الصباح " يوم الجمعة " جلس المجاهد بمكتبه يراجع أوراقه استعدادا لخطبة الجمعة . وقرب وقت الصلاة ولم يحضر ابن أخيه أبو الحارث وهو سائقه وحارسه الخاص . فقرر أن ينزل إلى المسجد بسيارته وطلب من ولداه محمد وإبراهيم أن يصطحبهما في سيارته لأداء صلاة الجمعة .

وقبل التحرك حضر أبو الحارث الذي أبدي تأسفه عن التأخير وطلب من الشيخ أن يركب معه وترك سيارته ولكن محمد وإبراهيم نظرا إلى والدهما يريدان البقاء معه . فحقق لهما ذلك وطلب من أبي الحارث اللحاق بهم .

مشي أبو الحارث بسيارته خلف سيارة الشيخ وفي شارع الشهداء انحرف الشيخ بسيارته إلى شارع جمرود ( أحد شوارع بيشاور الرئيسية) وأسرع أبو الحارث ليسبق سيارة الشيخ وفجأة سمع صوت انفجار ما كان يظن أنه في سيارة الشيخ وتطاير الزجاج .. نعم ... إنها مؤامرة الأعداء وانشطرت السيارة نصفين وتطايرت الجثث الطاهرة عشرات الأمتار . وجري أبو الحارث نحو الشيخ وهو ينزف الدم ولكن المنية واتته وفاضت روحه إلى بارئها واستشهد معه ولداه محمد وإبراهيم في جنة الخلد أيها الشيخ المجاهد ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )

وصية الشهيد

  • إلى النساء :

يقول الشهيد موصيا أمهات المسلمين وبناتهن بما يجب أتباعه والعمل به لصالح دنياهن ودينهن:

" يا معشر النساء إياكن والترف . لأن الترف عدو الجهاد والترف تلف للنفوس البشرية .. واحذرن الكماليات بالضروريات وربين أبناءكن على الخشونة الرجولة والجهاد ..

لتكن بيوتكن عرينا لأسود وليس مزرعة للنجاح الذي يسمن ليذبحه الطغاة .. واغرسن في أبنائكن حب الجهاد وميادين الفروسية وساحات الوغي وعشن مشاكل المسلمين وحاولن أن تكن يوما في الأسبوع في حياة تشبه حياة المجاهدين .. حيث الخبز الجاف .. ولا يتعدي الإدام جرعات من الشاي ".

ثم يوجه الشيخ المجاهد نصيحته في وصية إلى أبناء العالم الإسلامي وخاصة الأطفال منهم فيقول :

" يا أيها الأطفال : تربوا على نغمات القذائف ودوى المدافع وأزيز الطائرات وهدير الدبابات .. وإياكم وأنغام الناعمين وموسيقي المترفين وفراش المتخمين".

  • إلى الزوجة الطاهرة.

وقد وجه الشيخ المجاهد نصيحته لحرمه السيدة / أم محمد – بوصيته التي يقول لها فيها :

" أما أنت أيتها الزوجة ففي النفس الكثير والكثير أريد أن أبثه إليك يا أم محمد جزاك الله عني وعن المسلمين خير الجزاء .. لقد صبرت معي طويلا على لأواء الطريق وترجعت معي كئوس الحياة حلوها ومرها . وكنت خير عون لى على أن أنطلق في هذه المسيرة وأن أعمل في ميدان الجهاد ... لقد تركت على كاهلك البين عام 1969 . أيام كان لدينا طفلتان وولد صغير .. لقد عشت معي في غرفة واحدة من الطين لا مطبخ لها ولا منافع وتركت على عاتقك البيت يوم شغلك الحمل وزادت العائلة وكثر معارفنا وزاد ضيوفنا فاحتملت لله فجزاك الله خير الجزاء ولولا الله ثم صبرك على غيابنا الطويل عن البيت .. ما استطعت أن أحتمل هذا العبء الثقيل وحدي .. لقد عرفتك زاهدة في الحياة وليس للمادة أى وزن في حياتك .. لم تشتك أيام الشدة من قلة ذات اليد .. ولم تترفهي ولم تبطري أيام فتح علينا قليل من الدنيا .. لم تكن الحياة في قلبك بل كانت معظم الوقت في يدك .. الزمي الزهد يحبك الله وازهدي مما في أيدي الناس يحبك الناس .. القرآن هو متعة العمر وأنس الحياة وصيام النافلة والاستغفار في الأسحار هو الذي يجعل في القلب شفافية وللعبادة حلاوة وصحبة الطيبات وعدم التوسع في الدنيا والبعد عن المظاهر وعن أهل الدنيا راحة القلوب .. وأملي في الله أن يجمعنا في الفردوس كما جمعنا في الدنيا ".

  • ثم وجه الشيخ المجاهد وصيته العصماء إلى الأبناء ( أبناء الأمة الإسلامية عامة وأبنائه خاصة ) فقال :

" وأما أنتم يا أبنائي إنكم لم تحظوا من وقتي إلا بالقليل ولم ينلكم من تربيتي إلا اليسير .. نعم لقد شغلت عنكم ولكن ماذا أصنع ومصائب المسلمين تذهل المرضعة عن رضيعها.. والأهوال التي ألمت بالأمة الإسلامية تشيب نواصي الأطفال ..

وأوصيكم أبنائي بعقيدة السلف .. أهل السنة والجماعة .. وإياكم والتنطع , وأوصيكم بالقرآن وحفظا وبحفظ اللسان وبالقيام والصيام وبالصحبة الطيبة وبالعمل مع الحركة الإسلامية .. ولكن اعملوا لكم البقاء للدعوة بعيدا عن مصانع الرجولة وميادين الفروسية ... لا تأخذوا إذن أحد للجهاد في سبيل الله .. ارموا واركبوا ولأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا أوصيكم يا أبنائي بطاعة أمكم واحترام أخواتكم – أم الحسن وأم يحي – وأوصيكم بالعلم النافع الشرعي وأوصيكم بطاعة أخيكم الكبير محمد " الذي استشهد معه".... وأوصيكم بالمحبة فيما بينكم... بروا جدكم وجدتكم وأكرموهما كثيرا ... وبروا عمتكم فلها بعد الله فضل كبير علىّ صلوا أرحامنا وبروا أهلنا وأوفوا بحق صحبتنا لمن صاحبنا ...

وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك "

عبد الله عزام

كانت تلك وصية المجاهد الشهيد والتي كانت ترجمة حية لما يجيش في صدره بل هي آماله العريضة التي يتمني أن تتحقق في نساء المسلمات وفي أبناء الأمة الإسلامية إنه أمل الجهاد الذي يحدوا بالمسلمين إلى احدي الحسنين إما النصر وإما الشهادة .

قالوا عنه

كلمة الأستاذ عبد رب الرسول سيّاف

بعد دفن الشهداء الثلاثة ألقي " البروفسير سياف " كلمة قال فيها " رحمك الله يا من كنت تحرض وكان الناس يثبطون , يا من كنت في هذا الجهاد والناس قاعدون , يا أبا محمد سنشهد بين يدي الله ونشهد الله على ذلك بأننا لم نر فيك إلا الإخلاص ولم نلمس منك إلا الصدق والصفح . هنيئا لك قد رسمت طريقا لا يتيه فيه السائرون بعدك .. إن شاء الله هنيئا لك قد وجدنا فيك أخا كريما .. وصديقا كريما .. وأنيسا شفيقا فغفر الله لك ورحمك وأكرم نزلك وجمعنا بك في جنان النعيم .

يا إخواني :

إن لساني يعجز عن ذكر بطولات هذا البطل العظيم والله ثم والله إن كنت استصغر نفسي أمامه .... وعندما كنت أراه أنسي كثيرا من الهموم والحزن ..

يا إخواننا :

إن هذه المشاكل وهذه المصائب التي نواجهها ليست غريبة على المجاهدين فإنها من طبيعة هذا الطريق .. إنها من طبيعة الدعوة والجهاد "..

كلمة الأستاذ رباني :

..إخواني في الله:

إننا اليوم فقدنا بفقدان شيخنا الشهيد أبي محمد وأبي إبراهيم علما من أ‘لام الأمة ورمزا من رموز الجهاد .. رحم الله شيخنا الشهيد لقد عاش مجاهدا في سبيل الله يعمل ليلا ونهارا ومات شهيدا في سبيل الله إن شاء الله ,

أيها الإخوة :

حقا إننا محزونون لفقدان شيخنا ولكن ماذا نقول ؟ هذا قضاء الله .. وإنا لله وإنا إليه راجعون .

ولكني على يقين لو فقدنا شيخنا بجسمه فهو حي بيننا بحبه ودعوته وإن الدعوات لا تموت لأن الشيخ ربي جيلا من الدعاة والمجاهدين الذين يواصلوا المسيرة بإذن الله .

كلمة الدكتور أبو مجاهد :

جاء فيها :

عندما قرأت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من خير معاش الناس رجل أخذ بعنان فرسه يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار إليها يبتغي الموت مظنة " رأيت أن هذا الحديث قد انطبق عليك يا أبا محمد لقد رأيتك في حرب عام 1967 م عندما هجم اليهود على الضفة الغربية وقطاع غزة امتشقت سلاحك ونزلت إلى الميدان عندما رأيت الدبابات تهجم على قريتنا وإذا بضابط المخفر ينصح الإخوة الذين نزلوا أن يعودوا إلى ديارهم لأن هذه مهزلة .

كلمة الشيخ فتحي الرفاعي :

جاء فيها :

أيها الإخوة : نهنئ أنفسنا ونهنئ الأمة الإسلامية بشهادة أخ كريم نحسبه إن شاء من الشهداء ولا نزكي على الله أحد لقد كان يبحث عن الشهادة ويقول دائما لن أترك الجهاد الإسلامي في أفغانستان ولن أخرج من هنا إلا مقتولا .

كلمة قلب الدين حكمتيار:

إن جريمة الاعتداء على الشيخ عبد الله عزام هى اعتداء على الإسلام والمسلمين ولله عهد أن هذه الجريمة البشعة لن تمر دون عقاب ونحن نؤمن بقضاء الله وقدره ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب لنا) لقد عاهد الشهيد رب العالمين أمام الناس جميعا أنه لن يخرج من هذه الأرض إلا بعد انتصار أو أن يموت شهيدا ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

عهد لله ولأسرة الشهيد الطاهرة الكريمة مرة أخري لنثأرن لشهيدنا والله نسأل أن يسكنه فسيح جناته ويلهم آله وذويه الصبر والسلوان ( إنا لله وإنا إليه راجعون )

تركه شيخ المجاهدين

هذه ثمار العلم والجهاد التي تركها المجاهد الشيخ وهي مؤلفاته من الكتب :

1- العقيدة وأثرها في بناء الجيل

2- الإسلام ومستقبل البشرية

3- السرطان الأحمر

4- آيات الرحمن في جهاد الأفغان

5- المنارة المفقودة

6- الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان .

7- الحق بالقافلة.

8- في الجهاد آداب وأحكام

9- عبر وبصائر للجهاد في العصر الحاضر .

10- جهاد شعب مسلم .

11- بشائر النصر .

12- حماس " الجذور التاريخية للميثاق ".

13- كلمات من خط النار

14- جريمة قتل النفس المسلمة .

15- في خضم المعركة : ثلاثة أجزاء .

هذا بخلاف محاضرات مسجلة على أشرطة تحدث فيها المجاهد للشباب وأوضح لهم فيها المنهج التربوي النبوي وإبان دور التيارات المنحرفة وأحث فيها شباب الأمة الإسلامية على التضحية والإيثار وحبب إليهم الجهاد .. وربط بين الجهاد والزهد في الدنيا .

كما ألقي كثيرا من المحاضرات التي نقلها عنه الكثيرون حذر فيها من خطر العدو اليهودي في فلسطين وخطر الإلحاد في أفغانستان .

حقا إنك معجزة نأمل أن تتكرر هذا كل ما تركه الشهيد عبرة لشباب الأمة وموعظة لرجالها ونسائها . رحم الله شهيدنا وأدخله فسيح جناته . يهنأ فيها بصحبة السابقين .

القاضي الشهيد عبد القادر عودة

عدل وشجاعة

( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) ( النسا : 58)

بطل في الميدان

كان الشهيد عبد القادر عودة – من رجال القضاء الذين شهدت لهم ساحات المحاكم بالعدل مناصرة للضعفاء ودفاعا عن المظلومين ومن أقواله الشهيرة :" أعطني قاضيا .. قبل أن تعطني قانونا ".

ولم يمكث البطل في منصب القضاء كثيرا ولكنه استقال مجندا نفسه للدفاع عن الحق عمل محاميا . وكان مكتبه بميدان الأوبرا وقد عمل معه في هذا المكتب البطل الشهيد إبراهيم الطيب .

وما أن علا صوت الإخوان المسلمين بالحق حتى كان البطل من أوائل الدعاة الذين وهبوا أنفسهم في سبيل رفع راية الإسلام . وكان للشهيد مقالاته الشهيرة بمجلة " الشباب " التي كان يصدرها الإمام حسن البنا .

ولم يجد عبد القادر عودة نفسه في عمله كمحام ومن قبلها قاضا فتفرغ للدعوة من خلال جماعة الإخوان المسلمين وقد اختاره الأستاذ حسن الهضيبي وكيلا للجماعة بعد اختياره مرشدا للجماعة .

ويذكر أن رجال الثورة لم يستريحوا للشهيد عبد القادر عودة حتى أن المرشد العام رشحه للوزارة رفضت الحكومة بحجة : أنهم لا ينسجمون معه !!

مع الأحداث

في يوم 28 من فبراير عام 1954 م قاد البطل عبد القادر عودة المظاهرة التي نادت برجوع " محمد نجيب " رئيسا للجمهورية. بعد محاول عزله من زملائه ضباط الانقلاب .

وقد اشتهر البطل بهذه المظاهرة التي سيطرت على ميدان عابدين ( قصر الجمهورية ) وامتلأت ساحات القصر بهتافات واحدة رفعت فيها المصاحف : لا شرقية .. ولا غربية إسلامية .. إسلامية .. إسلامية قرآنية .

وكانت تلك أعظم مظاهرة شهدتها مصر طوال تاريخها . تخترق الصفوف عربة جيب مكشوفة بها البطل عبد القادر عودة وبجواره السائق . وحوله عدد من الإخوان يلوحون بمناديل بها دماءهم يقولون : دم الشهداء . بدم جمال .

وتتوقف السيارة داخل القصر ويمسك البطل الميكرفون ويلقي خطابا ملتهبا ندد فيه بتصدي قوات الجيش لطلاب الجامعة وطلاب مدارس الجيزة والذي سقط فيه عدد من الطلاب الشهداء كان الخطاب عاصفا قويا زلزل أركان القصر الجمهوري .

وأثناء إلقاء هذا الخطاب كان الرئيس " محمد نجيب " يقف في شرفة القصر الجمهوري ومعه آخرون . وبعد انتهاء خطاب القاضي الشهيد ألقي الرئيس " محمد نجيب " كلمة وعد فيها الجمهور بالحكم النيابي وطلب من الجمهور الانصراف ولكن الحشود الهائلة رفضت الانصراف , والهتافات مستمرة وأصبح الوضع أخطر مما يتصوره إنسان فلم تشهد مصر مظاهرة بهذه القوة .. وينادي الرئيس " محمد نجيب على البطل عبد القادر عودة ويطلب منه أن يصعد إلى شرفة القصر الجمهوري . ويصعد البطل ويتعانق والرئيس " محمد نجيب " ويطلب منه أن يأمر المتظاهرين بالانصراف ويلوح الشهيد عبد القادر عودة إلى جماهير الشعب وهو يقول لهم : انصرفوا آمنين وما هي إلا لحظات حتى أصبحت ساحة عابدين هادئة وأدرك عبد الناصر ورفاقه مدي قوة وخطورة هذا الرجل وترسخ في قرارة أنفسهم أنه لابد من التخلص منه وقبل فوات الآوان !!

ولم تمض خمسة أيام حتى تم القبض عليه الشهيد عوده والأستاذ عمر التلمساني رحمهما الله .. وكانت التهمة إليهما – كما هو معروف – قلب نظام الحكم وهي تهمة جاهزة لكل من يريدون التخلص منه بسرعة .

خاب أمل الطغاة

ظن الطغاة بحقدهم أنهم بالقبض على الشهيد ومعه بعض قيادات الإخوان يستطيعون شق صفوف الإخوان ولكنهم خاب أملهم فقد ازداد الإخوان صلابة وقوة .

- ومما يذكر أنه عقب القبض على هؤلاء القادة .. عقد المحامون جمعيتهم العمومية ونددوا بالاعتداء الذي وقع على الأساتذة : عبد القادر عودة وعمر التلمساني وأحمد حسين .

- وبدأ المخطط يبحث كيفية التخلص من هذه الفئة المؤمنة ودبرت المؤامرات .

- المحاولة الأولي : استطاع الطغاة التغرير ببعض شباب جماعة الإخوان الذين اقتحموا منزل البطل في محاولة لإجباره على الاستقالة وباءت بالفشل .

- المحاولة الثانية : وفي نفس العام وفي شهر أكتوبر دبرت تمثيلية حادث المنشية . لتكون الذريعة والمبرر لدي الطغاة للتخلص من قيادات الإخوان حتى يتم لهذه العصبة السيطرة لعلى الشعب بعد أن يكون قد فقد أعظم قواده وأخلصهم .

- ويكون القاضي الشهيد عبد القادر عودة على رأس هؤلاء الأبرياء المجاهدين الذين قدموا لحبل المشنقة ويقف الشهيد في ثبات الأبطال . صاحب قلب مطمئن بالإيمان مؤمن بقضاء الله وقدره وكان آخر كلماته قبل استشهاده : في ديسمبر عام 1954م

- " أرجو الله أن يجعل دمي لعنة على أعضاء مجلس قيادة الثورة ".

وحقا كان .. ويا سبحان الله هل عني الثورة قتل الشرفاء وحماية اللصوص ؟ أم معناها ضياع فلسطين ثم أجزاء من الوطن العربي الكبير؟وهذا حالنا شاهد علينا . إن العزة في الإسلام ولا انتصار بدون جهاد .

ومن أراد معرفة أكثر عن عظمة الشهيد فيكفيه ما كتبه في مؤلفيه :

1- الإسلام بين عجز أبنائه وجهل علمائه

2- التشريع الجنائي في الإسلام


يوسف طلعت شهيد المبادئ والقيم

ولد الشهيد ( يوسف طلعت ) بالإسماعيلية في شوال عام 1332هـ أغسطس عام 1914م . تلقي تعليمه الأولي في مدارس الإسماعيلية وحصل على لكفاءة ( الإعدادية حاليا ) .

اشتغل يوسف في بادئ أمره بالنجارة وبعد فترة حببت إليه التجارة واستمر في عمله هذا بضع سنين . حتى حضر الإمام حسن البنا وافتتح دارا للدعوة في الإسماعيلية.

كان البطل ( يوسف) من أوائل المشاركين في الافتتاح ومن أكثر المترددين على المقر.

وكبقية إخوانه تم اعتقاله لأول مرة عام 1355هـ عام 1936م بمناسبة ذكري وعد بلفور ( أعطي من لا يملك لمن لا يستحق ) حيث قاد الشهيد مظاهرة تهتف بالإسلام نظاما وتندد باليهود استعمارا وبالحكام العرب الذين تقاسعوا عن نصرة فلسطين.

وفي فلسطين حيث ترك المجاهد عمله بالتجارة والنجارة وتفرغ للجهاد فجمع السلاح لمحاربة الانجليز في القنال . وفي وسط كل هذه المعضلات لم ينس أنه داعية إسلامي ففي كل مسجد يؤدي فيه الصلاة ينادي على الجماهير التي تجتمع إليه فيشرح لها الجهاد ويحثها على سرعة حمل السلاح .

لم يهدأ لرجال المخابرات البريطانية بال . حيث تتبعت المجاهد تجمع عنه المعلومات وتضييق عليه الطرقات . يرصدون حركاته ويحاولون اغتياله ولكنه كثيرا ما نجح في خداعهم وكان النصر حليفه .

استعمل المستعمر أساليب شتي مع المجاهد في محاولة لإغرائه, ولكنه رفض كل الإغراءات خاصة وأنه معروف بعزة النفس عفيف اللسان صادق الإيمان وكثيرا ما كان يردد :" إن الإسلام يجري في عروقي مجري الدم ".

قال عنه الدكتور أحمد الشرباصي :

" تعرف إلى اليوم رجل مفتول العضلات أسمر اللون حاد النظرات بسام الملامح مهيب اللحية .. إنه الأستاذ يوسف طلعت ".

وبعد حادث المنشية ( تلك التمثيلية التي لا تنطل على لكثيرين وإن خدع بها بعض العوام ورددها كثير من حملة أقلام النفاق بعد هذا الحادث اعتقل يوسف طلعت وذاق ألوان العذاب وفنون الإيذاء فأصيب بكسر في عموده الفقري وكسر ذراعه وشوه جسمه وضوعف عليه التعذيب حتى كسرت جمجمته . يا سبحان الله ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله )

وقد البطل للمحاكمة وحكم عليه – ظلما وعدوانا – بالإعدام وقبل تنفيذ الحكم بلحظات قال البطل وهو مستبشر راض :" اليوم أقابل ربي وهو عني راض .. اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون .. اللهم سامحني وسامح من ظلمنى ".

حقا إنهم رجال صنعوا التاريخ وبلع بكريم خلقهم أنهم عند الموت يطلبون من الله السماح لمن ظلمهم في جنة الخلد مع السابقين الأولين الشهداء الذين عند ربهم يرزقون ..

شهيد وقضية محمد يوسف هواش

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) (آل عمران : 142)

الشهيد يتحدث عن نفسه

إن أقرب الطرق لمعرفة سمة الشخصية التي بين أيدينا أن نسمع منه حديثه عن نفسه .. فمع حديث الصدق يقول هواش : بدأت نشاطي في جماعة الإخوان المسلمين سنة 1954م حيث انضممت لشعبة طنطا وكنت وقتها طالبا في مدرسة طنطا الصناعية ثم أصبحت وكيل شعبة مصر القديمة . وكنت عضوا في فصيلة جنوب القاهرة وكان رئيس الفصيلة كمال السنانيري – عليه رحمة الله – وقبض على في أغسطس سنة 1955م لأنني هربت فقدمت للمحاكمة أمام محكمة الشعب في أكتوبر سنة 1955م وحكم على! بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة ونفذت العقوبة بليمان طره وقعدت المدة كلها في مصحة طره لأني مريض بالصدر من سنة 1947م وخرجت من مصحة السجن في أغسطس سنة 1964م بموجب عفو صحي. وكان معي في مصحة طره" سيد قطب " وكان محكوما عليه أيضا بالسجن 15 سنة وفي حوالي سنة 1959 جلس سيد قطب يكلمني وقال لى – بعدما قرأت القرآن – لأنه كان يقرأه ونحن في السجن – قال : إنه اتضح لى أن مسألة الحكم في الإسلام مسألة عقيدية بمعني أن الإسلام هو : أن تكون الحاكمية لله وحده وأنه ليس هناك في موضوع الحكم إلا وصفان :

إما حكم إسلامي : وهو الحكم تكون فيه الحاكمية لله وحده .

وإما حكم جاهلي: وهو كل حكم لا تكون الحاكمية فيه لله وحده , وأن مسألة الحكم تدخل في صميم خصوصيات الربوبية والألوهية وأن الدين في معناه " نظام الحكم " بدليل قوله تعالي ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) أى في شريعة الملك وبما أن الإسلام هو أن يكون الدن خالصا لله تعالي فيجب أن يكون نظام الحكم خالصا لله تعالي ليكون حكما إسلاميا .

ومن هذا المنطلق نعرف طبيعة الشهيد " هواش" وما كان عليه من شجاعة الرأي وتفهمه للفكر . ومدي صلته بالشهيد العالم الجليل " سيد قطب "

أمضي الشهيد سنوات بين جدران السجون وحاله تنعيه :

خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها
فلسنا من الأموات فيها ولا الأحياء
وإذا دخل السجان يوما لحاجة
عجبنا وقلنا : جاء هذا من الدنيا
ونفرح بالرؤيا فجل حديثنا
إذا نحن أصبحنا عن الرؤيا
فإن حسبت كانت بطيئا مجيئها
وإن قبحت لم تنتظر وأتت سعيا

الشهيد والصديق

عرف هؤلاء الرجال قيمة الدنيا فلم تكن مبلغ همهم ولا غاية علمهم فالصدق مع الله أساس ف حياتهم والوفاء بالعهد من صفات شخصياتهم

يقول الله تعالي ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

وأما المحقق كان الشهيد " هواش " رابط الجأش يعي ما يقول وسأله المحقق :

س- ما هي الفكرة التي خرج بها سيد قطب عن " الحاكمية لله "؟

ج- قال : إن موضوع الحكم حاجة من اثنين : إما حكم إسلامي وهو الحكم الذي تكون فيه الحاكمية لله وحده , أى يكون مصدر التشريع فيه للشريعة الإسلامية فقط والحكم بكتاب الله و إما حكم جاهلي وهو كل حكم يحكم بغير كتاب الله وأن علينا أن نوضح للمسلمين هذه الفكرة عموما والدعوة إلى إقامة حكم إسلامي .

س- وما هو السبيل إلى إقامة المجتمع الإسلامي ؟!

جـ- بالدعوة .. أى بدعوة الناس وتفهيمهم لهذه الحقيقة والاستدلال عليهما من كتاب الله وسنة الرسول صلي الله عليه وسلم ونظل ندعو حتى يكون الفرد قد أدي واجبه نحو الله وينجو من عقوبته .

س- وما الحل في حالة عدم اقتناع الأفراد والمسئولين عن الحكم في البلاد بإقامة هذا المجتمع الإسلامي ؟

جـ- إحنا مش مكلفين بالنتيجة إحنا مكلفين بالواجب فقط وهو الدعوة وتكرارها ... الخ

كانت أسئلة وكانت أجوبة والموقف فيها واضح والقضية حق .

وقفة حق

ومن خلال صفحات تاريخ شهداء المذابح التي أذكت أرواح الأبطال ولوثت تاريخ الطغاة – يتضح لنا صدق وقفات الشهيد " هواش" من خلال أقواله في محاضر التحقيق :

( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)

وكان هناك سؤال تقليدي يسأله " الدجوي " للإخوان في القضية الأولي. هو :

س – هل لك اعتراض على هيئة المحكمة ؟!

أجاب الشهيد سيد قطب :" لا اعتراض على أشخاص المحكمة " والتزم إخوان القضية الأولي نفس الإجابة إلا الشهيد محمد يوسف هواش .. وقف وقال :

" إنني كمسلم ومن وحي عقيدتي أرفض أن أتحاكم أو أحاكم إلى محكمة لا تحكم بما أنزل الله " – " وهذه عقيدتي "

لقد كان الشهيد " هواش " مثالا لإخوانه في السجن الكبير وكان في إجاباته للمحققين هادئا . صابرا . ثابتا . صريحا . واضحا محاولا أن يبلغ دعوة الله بما أمر الله عزوجل :

( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسن وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )

ومع مراحل التعذيب التي تمت في السجن الحربي عقب التحقيقات ما زادت البطل إلا إيمانا بدعوته فلم تلن له قناة أو تخور له عزيمة أو تهون له إرادة.

رفض الشهيد أن يقول إلا الصدق ورفض البطل أن يشرك نفسه في تزييف التاريخ فينطق بما لم يحدث أو يوافق عليه .

وتمر الأيام في السجن وهواش يتمثل بيوسف عليه السلام ودعوته مع الرفاق ( يا صاحبي السجن أأربا متفرقون خير أم الله الواحد القهار )

وتقول الداعية الإسلامية ( زينب الغزالي):

لقد رأيت الشهيد محمد هواش يذهب إلى مكاتب التحقيق وهو يزحف على مرفقيه وركبتيه "!!

الدعوة والأجيال

لقد اشتعلت نار الدعوة بنور قلوب الدعاة وجملتها الأجيال بعد القيادات مؤمنين بالله مهاجرين في سبيله مجاهدين من أجل إعلاء كلمة الله . لا يخشون إلا الله ولا يخافون إلا عظمته . يبذلون النفس والمال ثمنا للفردوس الأعلي :

( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم )

إن أمثال هؤلاء الدعاة الشهداء ما كانوا يطلبون الحكم لذاته ولكنهم كانوا يطلبون ما هو أسمي وأعلي من الحكم ألا وهو تطبيق شرع الله في أرض الله ليعم العدل ويرفع عن العباد الظلم

وفي مثل هؤلاء يردد الشاعر على لسانهم :

فلست أبالي حين أقتل مسلما
على أى جنب كان في الله مصرعي
لست بمبد للعدو تخشعا
ولا جزعا إني إلى الله مرجعي

الله ..الله على الآخرة . ومن أهم صفات جناتها الخلد والحب

( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين )

إنها مواكب الرحمة تستقبلهم ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار )


الشاعر الشهيد محمد عواد

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ( آل عمران : 142 )

وقفة مع الشهيد

البطل محمد عواد كان مدرسا إلزاميا ( بابتدائي ) واشتهر بين زملائه بحسن السيرة ونبل الخلق والإحساس المرهف . وهي صفات لابد من توافرها لدي الأديب الشاعر .وقد كان الشهيد شاعرا صاحب موهبة يتأثر قلبه بالأحداث فينطلق لسانه مترجما لما في فؤاده وهذه أبيات متفرقة في الدعوة : ( من شعر الشهيد ).

يا دعوة الإسلام لن أنساك
لا لن أميل على هواي هواك !!
يا دعوة الإسلام نورك عمنا
والصبح والإشراق بعض سناك
يا دعوة الإسلام إنك مجدنا
وسبيلنا بالرغم من أعداك
أين الأمين أبو عبيدة فاتحا
باب العدو بجيشه الفتاك
فالعدل والإحسان فيك شريعة
والسلم والإسلام من اسماك

ولد الشهيد ( محمد عواد ) في قرية الزوامل محافظة الشرقية – مصر – وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ولم يكن قد تجاوز العقد الثاني من عمره .

ثبات المؤمن المجاهد

كان عواد – رحمه الله عليه – في التنظيم الحركي للإخوان المسلمين الذي كان يقوده الشهيد سيد قطب بعد خروجه من السجن عام 1964م تم القبض على الشهيد الشاعر في بداية الأسبوع الثالث من شهر أغسطس عام 1965 .

ويقول الأستاذ سليم العفيفي – في الذي أدلي به جابر رزق-:::::

" بعد إلقاء القبض على صحبوني إلى السجن الحربي وساقوني نمع غيري إلى ساحة التعذيب أمام مكتب شمس بدران وزبانية السجن الحربي وبدأ الجلادون يمزقون أجسادنا بالسياط وكان الوقت ليلا .. وفجأة رأينا صفوت الروبي جلاد السجن الحربي يسوق أمامه شابا عرفنا أن اسمه محمد عواد يعمل مدرسا بوزارة التربية والتعليم .. ومن قرية الزوامل محافظة الشرقية تقدم الجلاد صفوت الروبي من قائد الشرطة العسكرية العميد سعد زغلول عبد الكريم قائلا في زهو :

هذا هو المجرم محمد عواد ... يا أفندم

لقد سلك الجلادون مع عواد أبشع صور التعذيب التي فاقت في وحشيتها ما فعل على أيدي الأعداء بالمسلمين الأوائل أمثال عمار بن ياسر وبلال , ومصعب بن عمير وغيرهم .

والحق أن مثل هذه الأساليب الوحشية لم تزد البطل " عواد " إلا صلابة وظهر منه الثبات والمصابرة وقوة الإرادة ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) .

قوة وصلابة . أراد الجلادون قطع شأفة هذه الجماعة وأراد الله لها البقاء والاستمرار وسرعة الانتشار أرادوا أن يحاصروها داخل مصر فحطمت القيود والأسوار وانطلقت إلى كل أرجاء المعمورة .

لقد امتلأت نفس عواد وجيله عزما وتصميما على الصبر والثبات والتضحية في سبيل بقاء الدعوة حية في النفوس وكان إيمانهم بربهم حماية لهم من كل خوف وبقيت الدعوة حية في النفوس وبقي الإخوان تربطهم ببعضهم رابطة الإخوة ويجمع بين قلوبهم الحب حتى في أحلك سنين الظلم .

من أقوال الشهيد :

كان محمد عواد من الذين يدركون مدي حاجة الأمة للدعوة مؤمنا بأن عناية الله ترعي الدعاة بالثبات والنصر المبين إن لم يكن الآن فبعد حين وكان المعلم ( مدرس الإلزامي ) عواد يزرع في نفوس الأبناء حب الدعوة ويجذبهم بشعره الفياض إلى ساحة الجهاد وأوله جهاد النفس قبل جهاد الأعداء .

وكان المعلم منذ انضمامه لجماعة الإخوان يفهم الدعوة ويعي أسلوبها ويؤمن بأسسها والتي منها :

1- العقيدة السليمة .

2- الحكم بشرع الله ( أو تحكيم شريعة الله ).

3- العبادة الحقة

والآن مع بعض أقوال الشهيد :

" ما على هذه الدنيا بايعت ولكن بايعت على أن أرمي برصاصة هاهنا.. وأشار إلى رقبته !!..

"ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة !!

" من عناوين قصائده التي نشرتها مجلة الاعتصام " صيحة الحق ", " الحق المنتصر" , " شهيد" , " مصارحة " و" تجرد " و" دعوة الإسلام " .

من " قصيدة مصارحة" التي نشرتها الاعتصام عدد المحرم 1383هـ مايو 1964 م.

عهود على حربنا توثق
ومال على ضربنا ينفق
وحقد يحاك لنا في الظلام
فيفضحه ومضة المبرق
أينسي الزمان صنوف الهوان
وسهم الظنون بنا يرشق
ولن يقبلوا الشرع فيهم صراخا
وشمس حكومته تشرق

في جنة الخلد

عاش المجاهد الشهيد أيام السجن يتقلب في أنواع عجيبة من العذاب والجلادون لا يهدوءن . بأيديهم أذناب البقر . الله خصيمهم يوم القيامة. ولو تصفحنا التاريخ لما وقعت العين أو سجل الفكر على أبشع من هذه الصور التي جاءت مصادرها من ثلاث :

1- تصريحات من نجوا من الموت من جماعة الإخوان المسلمين وهم قلة .

2- شهود العيان من بعض المسجونين الذين شاهدوا التعذيب .

3- اعتراف كثير ممن مارسوا التعذيب بما قاموا به .

ما كان الشهيد يزيد على قوله وهو يعذب : يا مقلب القلوب ثبت قلبي ... ثبت قدمي ... أعني .. لا تفتني وما أن سمعه كبير الجلادين حتى ركله بقدمه . وأخذ سوطا وأهوي به عليه وانهال عليه ضربا وبعد أن أعياه التعذيب . أمره الجلاد أن ينهض فحاول ولكن لم يقو ... خانته قواه وحاول مرارا فلم يستطع .

ونادي الجلاد على زبانيته وأمرهم أن يوثقوه بالحبال . ثم سأله تكلم . اعترف .

قال الشهيد : بم أتكلم ؟ وعلى أى شئ أعترف ؟ أنا لا أعرف شيئا !!

فأمر الجلاد بأن توضع رأس الشهيد في الحوض ( به ماء قذر ) وأن ترضخ في جدار الحوض وتكرر هذا العمل الإجرامي البشع حتى اختلط الدم بماء الحوض وتركوا الشهيد في الحوض وما هي إلا لحظات حتى فاضت روحه إلى بارئها ..

واستشهد محمد عواد يوم الجمعة – مع الأبرار والصديقين والشهداء والآن : هل تمت محاكمة محمد عواد ؟ هل حكم عليه بالتعذيب ؟ وهل يوجد نص قانوني مفاده التعذيب حتى الموت ؟ هل صدر حكم بقتل عواد وخاصة في حوض ملئ بالماء القدر ؟

إنها حقا وصمة عار فأى جريمة هذه التي يعاقب عليه بأبشع صور العذاب ؟!!

من الميراث الأدبي لــ"عواد"

خلف الشاعر الشهيد " محمد عواد " وراءه أعمالا أدبية أشرنا إلى بعض منها في حديثنا عن جهاده , ونختار الآن قطوفا من قصائده:

شبهات

إذا قالوا : كتاب الله ذكر
ورهينة بأركان الزوايا
وتبخر وأحجبه وزار
ودروشة تهمهم في التكايا
فقل : كلا كتاب الله حكم
دستور لإصلاح البرايا
محمد في السياسة لا يجاري
وقاض والمنفذ للسرايا
إذا قالوا: فإن الدين حزن
وتخدير لأعصاب الشعوب
تعصبه يثير الحقد فينا
فنهلك في التنازع والحروب
فقل من دونه نحيا وحوشا
بلا خلق ولا رب حسيب
فلولا الدين ما عمرت بلاد
ولا بذل التسامح للصليب
إذا قالوا : أما يكفيك ذكر
وقرآن يرتل في المحافل
ومذياع يردد كل شئ
وإيقام الصلاة فلا تجادل
فقل روح الكتاب قيام حكم
على القرآن ينفذ في الجلائل
ونحن بدونه أشباه قوم
بدار الشرك تكنفنا الرذائل

إليك يا فتاة الإسلام

ما للظلام ينام فوق منائري
ما للكلام يضيع بين الأسطر
ما للرشاد يغط في أحلامه
حيران يسبح في أسي وتقطر
ما للوجود يلوم ثائرتي التي
أذكت بعزمي أوهبت بمشاعري
ما للدعاة تهبت ميدانها
وتحرجت فيه ولم تتجسر
ما زال يصعد نصحهم متأججا
حتى يموت على جدار المنبر
ما للمجون تجمعت أعوانه
وتعاونت في الشر لم تتناحر
ما للشباب تميعت أعواده
وترهلت لا تستقيم لكاسر
ما للشباب يصد عن أمجاده
بسذاجة وبساطة كالقصر
يتنسم الأهواء وهو منعم
ويبذر الأموال فوق الميسر
أتقلد الغربي وهو مخنث
في الموبقات وفي سموم المسكر
يا أخت لا تبغي ولا تتكبري
نحو الرشاد تواضعي , واستغفري
فإذا خصت وصرت مثل بضاعة
عرضت على الأسواق عرض البائر
وإذا غدوت كما يريد ذئابها
نهبا مشاعا لا يخص لغادر
قد زينوا العصيان روضة جنة
فيحاء ترفل في النعيم الأخضر
وطهارة الأخلاق ظلمة حفرة
سوداء ترسف في قيود المأسر
بالعلم والإيمان يصلح أمرها
لا بالكلام ولا بضرب العسكر
إن كنت مسلمة فتلك مصيبة
أو كنت تابعة لأمة حمير
فالعرب لا تزهو بغير حجابها
والله قد أوصي بطول المئزر
يا عزة الإسلام أصبح حالنا
ف شر حال رغم كل مكابر
يا عزة الإسلام آن لتدحر ي
رجس اليهود وموبقات الكافر

صيحة الحق ..!؟

أخي طال عهدك بالمرقد
وطال اصطبارك بالحاقد
وطال انتظارك يوم الخلاص
ويوم الكرامة والسودد
وعسعس ليل ودس النجوم
وأخفي رواها عن الراصد
وأمسي الأنام بتيه مخيف
بلا رائد فه أو مرشد
وغطي الضباب دروب النجاة
وعز العثور على مهتدي


أخي كيف تحيأ بأرض النفاق
نفاق العبيد مع السيد
نفاق يمجد غث الجديد
ويعمي العيون عن الخالد
نفاق تملك حك البقاع
وأرسي الفسوق على أ‘مد
وأحيا المراقص تزهوا بهاء
وضيق من سعة المسجد
وأغري الكلاب وأجري اللعاب
لتنهش في الناصح الناقد
وعطل – بغيا- تراث الخلود
وشكك في مجدنا التالد
وراح يروج ما يشتهيه
ضلال المنافق والجاحد

الشهيد الصابر: كمال السنانيري

المحنة والثبات

نجا من القتل العمد – مع سبق الإصرار والترصد – عام 1957 م في سجن طره حيث كان محكوما عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في محاكمات " قراقوش" سنة 1954م ولم يقدر له أن ينجو من الاغتيال المتعمد – مع سبق الإصرار والترصد في سجن طره كذلك – سنة 1981 م حيث كان معتقلا مع الآلاف من خيرة رجال مصر بمقتضي قرارات السادات المشئومة في أيلول الأسود عام 1981م.

كان عبد الناصر قد خطط لانقلاب عسكري ضد الملك حسين في الأردن , وعهد بالمهمة لشبه مغامر ( أبو نوار ) وفشل الانقلاب على يد " عبد النعم عبد الرءوف " أحد ضباط الإخوان , كان له دور في حركة عزيز المصري في الحرب العالمية الثانية , ودور رئيسي في حركة الضباط الأحرار التي أطاحت بالملك فاروق في يوليو سنة 1952 م وفي محاكمات " قراقوش" حكم عليه بالإعدام غيابيا واستطاع اللجوء إلى الأردن , وأسقط في يد الطاغية الذي كان متحفزا لنجاح الانقلاب , وقرر أن ينتقم من الإخوان المسلمين في مصر وسنحت له الفرصة في سجن طرة الذي كان يعج بالمئات من خيرة شباب الإخوان ..

وفي صبيحة يوم أغبر اتجهت فرقة الجيش وأدت المهمة أو بمعني أدق – المجزرة التي استشهد فيها زهاء ثلاثين من شباب الإخوان العزل , وكتبت الصحف خبرا في سطور ثلاثة مؤاده : أن هناك احتكاكا وقع بين الإخوان وحراس السجن بسبب تمرد الإخوان ورفضهم إطاعة الأوامر وأصيب البعض من الطرفين بالجراح .."

عرفت الشهيد كمال السنانيري منذ أن استقر بي القرار بالقاهرة وفي حي السيدة زينب سنة 1947م عرفته شابا مسلما حركيا يعتبر حركة الإخوان كل همه , يمنحها جل وقته وقبل محنة 1954 م كان مسئولا عن منطقة جنوبي القاهرة وتحت سمع أجهزة الأمن منطقة جنوبي القاهرة وتحت سمع أجهزة الأمن وبصرها حتى وقعت الواقعة وحكم عليه بالسجن المؤبد ضمن أحكام صدرت قبل أن تنعقد المحكمة فتقبل الحكم مبتسما بصدر رحب وإيمان راسخ وعقيدة قوية تعلو فوق كل محنة وشدة شأنه في ذلك شأن إخوانه في الدعوة والمحنة معا .

يجهل كثير من الناس أن فكرة التآمر أو المؤامرة على حركة الإخوان المسلمين كانت واردة في ذهن الطاغية – عبد الناصر – قبل الانقلاب, وربما كانت المؤامرة شرطا من شروط أمريكا لكي تساند حركة الانقلاب ذاتها وقد سمح لبعض مصوري الصحف الأمريكية بالتقاط صور لنا ونحن في السجن الحربي , ونحن والسياط من حولنا تردد وراء صوت أم كلثوم :" يا جمال يا مثال الوطنية".

والمهم : أن المحنة كانت ضرورية لاختبار الرجال وصقل إيمان الصامدين ورحم الله الإمام أحمد ابن حنبل القائل :" الرجال سواء ما لم تقع المحنة " يعني – رحمه الله – أن المحنة محك اختبار الرجال , وبرغم أن الامتحان كان قاسيا شرسا داخل سجون الطاغية , ولم يكن مصدر القسوة والشراسة – وحسب – سوء المعاملة وغلظتها وبشاعتها بل كذلك أساليب الحيلة والخداع والدس والوقيعة بين صفوف الإخوان , وكان الشهيد كمال السنانيري من الثابتين في مواجهة تلك الأساليب المهينة, وعندما أفرج عنه بعد هلاك الطاغية مع بقية الصامدين , لم يتقوقع بل واصل نشاطه على ترقب ومضض من أجهزة الأمن التي لم تسمح لها الظروف باعتقاله.

وسنحت لها الفرصة في قرارات السادات تلك القرارات السوداء التي وصفها " موسي صبري " بأنها أعظم وأخطر من قرارات العبور عام 1973م ولما اعتقل الشهيد كان هناك تساؤل : لماذا حبس انفراديا ؟ ولم كين هناك سوي جواب واحد لكي ينفرد به الجلادون .. وإذا كان من الجائز أن نصدق" اللامعقول " فإنه من رابع المستحيلات أن نصدق أكذوبة " انتحار " الشهيد كمال السنانيري.

قال لى الأخ الحاج محمد محروس عز العرب التاجر بالموسكي : لقد عرفت الشهيد في سجن أسيوط للعلاج صواما قواما كان يرفض أن يأكل طعاما غير طعام السجن برغم خشونته ليس من قبيل الخضوع للائحة السجن بل كانت له فلسفة في ذلك أن يقول :" نحن هنا بقضاء الله , وينبغي للمؤمن أن يكون خضوعه لقضاء الله كاملا ".

مثل هذا البطل الذي صمد عشرين عاما قوي الإيمان هل يجزع لاعتقاله فترة من الزمن قد لا تتجاوز أسابيع أو شهورا ؟ إن قصة إغتيال الشهيد في زنزانته قد أسدل عليها ستار من الورق الشفاف ولكنها باقية في باطن الزمن وضمير التاريخ وسوف تبعث من جديد – إن شاء الله – وإن غدا لناظره قريب !

الشهيد الشيخ: محمد فرغلي

كان الشيخ محمد فرغلي من الرعيل الأول الذين عملوا مع الإمام الشهيد ( حين البنا) منذ بدأ دعوته في الإسماعيلية. وكان للشهيد محمد فرغلي دور نشط في بث الفكر وتحريك القلوب فانطلق في المدينة يدخل مساجدها ويجلس على المقاهي يجمع الشباب لأنه امتاز بخلق كريم وطبع هادئ وفكر ورويه قفزت الدعوة على يديه فنال قصب السبق لأن النفوس المؤمنة وجدت على يديه سبيلها إلى الإسلام الصحيح كان الشهيد من الأوائل الذين لبوا نداء الجهاد بفلسطين واشترك ومن معه من المجاهدين في ضربات خاطفة منظمة أقضت مضاجع اليهود واستطاع المجاهد أن يسيطر على كثير من المناطق الفلسطينية إلا أن الأسلحة المتطورة التي كانت بحوزة اليهود ومساندة بريطانيا أثرت على قوات ( فرغلي ) فجعلته يتخلي وقواته عن بعض المواقع , وكان الشهيد دائما يذكر قول الله عزوجل:

( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ) وكثيرا ما كان يردد في خطبه أمام الجنود آيات الجهاد ويذكرهم بشهداء صدر الإسلام فمثلا قوله سبحانه : ( ولا تهنوا فى ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله عليما حكيما ).

وعندما اندلعت معارك القتال في سنة 1371هـ سنة 1951م نزل الشيخ محمد فرغلي ومن معه إلى المعركة في صدق ويقين لا يهابون الموت بل يرجون الشهادة وأعلن تشرشل في لندن " أن عنصرا جديدا قد دخل المعركة "

لم يكن الشيخ " فرغلي " رجلا عاديا عن الانجليز ولكنه كان شخصية يحسب لها ألف حساب . وذلك بمعاركه ضد اليهود .. تلك المعارك المشهورة التي انتصر فيها . وكثيرا ما هاجم الانجليز في الإسماعيلية وقطع مواصلاتهم وبدد أحلامهم . حتى أن القيادة الإنجليزية رصدت أموالا طائلة لمن يأتي بالشيخ المجاهد حيا أو ميتا .

كان للإنجليز عملاؤهم من الخونة الذين يتقاضون الأجور في سبيل خيانة أوطانهم واصطدم هؤلاء بالشيخ المجاهد أكثر من مرة.

في جنة الخلد

كان الشيخ " محمد فرغلي " الموجه والمرشد للطبل ( أحمد عبد العزيز) في معاركه داخل فلسطين وخاض معه وشباب الإخوان الكثير من المعارك التي كان في معظمها النصر حليف الإخوان المسلمين وشاءت إرادة الله أن تتأزم الأمور بين الإخوان ورجال ورجال انقلاب 23 يوليو عام 1952م. وحاولت الحكومة أن تثنيه عن عزمه سواء بصور الإغراء أو التهديد ليتخلي عن ميدان الدعوة ولكن المجاهد ظل صامدا قويا لا يخشي إلا الله ولا يخاف إلا قوته .. وبمساعدة الخونة تم القبض على الشيخ وأودع السجن وتول الجلادون تعذيبه وتسلح الشيخ بالصبر . وبعد أيام وقف المجاهد أمام حبل المشنقة شجاعا محتسبا جهاده عند الله . وكان من آخر كلماته :" انني مستعد للموت فمرحبا بلقاء الإله " ومضي الشيخ مع الصديقين والشهداء وترك لنا سيرة عطرة وتاريخا مجيدا في مجال الجهاد بالدعوة والسيف .  

الشهيد الثائر: بديع الزمان سعيد النورسي مؤسس جماعة النور

( ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلي الله تحشرون ) ( آل عمران: 157 – 158)

مولده ونشأته

ولد الأستاذ النرسي في قرية ( نورس ) وهي احدي قري قضاء " خيزان" التابع لولاية( بتليس) شرق الأناضول سنة 1293 هـ سنة 1873م – وكان والده " الصوف ميرزا " ورعا يضرب به المثل لم يذق حراما ولم يطعم أولاده من غير الحلال . حتى إنه كان إذا عاد بمواشيه – من المزارع التي يمتلكها – شد أفواهها حتى لا تأكل من مزارع الآخرين – وتقول أمه ( نورية ) : أنها ما أرضعت أطفالها إلا وهي على طهر ووضوء.

ولقد ظهرت علامات النبوغ والذكاء على ( سعيد) منذ فترة صغره حيث كان دائم السؤال والاستطلاع لكل ما استغلق عليه فهمه فكان يجلس في حلقات العلم ويستمع بأدب للعلماء ويهتم بما يدور بينهم من حوار في مسائل شتي من العلوم .

كان منزل والده تعقد به حلقات – جلسات – العلم والذكر والبحث وكان للبيئة الدينية التي نشأ فيها " سعيد " أثرها البالغ عليه حيث ظهر نبوغه وتفوقه على أقرانه . وعشق " سعيد " مجالس العلماء واهتم بما كان يدور فيها من مسائل , وبخاصة أن هذه الجلسات كانت تعقد في بيت والده , وقد سجل عنه الكتاب ما كان يمتاز به من تعقد في بيت والده .

وقد سجل عنه الكتاب ما كان يمتاز به من عفة نفس ورفض للظلم وحب للعلم , واحترام للعلماء . حتى شهد له بهذا الخلق الكريم كل من قابلهم من أفراد الشعب مسئولين كانوا أو حكاما .

حفظ القرآن الكريم صغيرا والتحق بمدرسة الشيخ أمين أفندي ( 1888م)

ثم انتقل بتفوق من مدرسة إلى أخري وأتقن دراسة النحو والصرف كما درس في الفقه والعقيدة لأكبر علماء المسلمين ومع تطور حياته لعلمة وبعد حصوله على إجازته العلمية على يد الشيخ " محمد جلالي " بدأ " الشيخ سعيد " ينتشر في المدن والقرى يلقي دروس العلم ويجيب السائلين في فروعه وفي سنة ( 1894م) ذهب إلى ( وان) بدعوة من واليها ( حسن باشا) حيث بقي عنده , ثم في منزل ( طاهر باشا ) ولقد هيأ الله له ظروف الالتقاء ببعض أساتذة العلوم الحديثة ( من جغرافيا وكيمياء وغيرهم ) وحينما دخل معهم في نقاش شعر بقصوره في هذه العلوم مما جعله يقبل على تعلمها بشغف عظيم حتى أتقنها وأصبح متمكنا منها لدرجة أنه كان قادرا على التأليف ومناقشة المختصين فيها .

ففي مدة قصيرة جدا استطاع أن يتقن الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والفسلفة والتاريخ الجغرافيا ولتعدد قابليته ولذكائه الخارق ذاعت شهرته وأطلق عليه لقب " بديع الزمان "

مؤلفات الشيخ سعيد :

أولا : هو صاحب " رسائل النور" والتي يكن لها مصدر إلا القرآن الكريم. مع الفيض الإلهي . ومثال ذلك أنه أملي رسالة الحشر وهو يغدو ويروح ذهابا وإيابا على ضفاف بحيرة " بارلا" ويردد أربعين مرة قوله تعالي ( فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتي وهو على كل شئ قدير)

ومن مؤلفاته أيضا :نذكر بعضها "

1- إشارات الإعجاز: وهو تفسير قيم لفاتحة الكتاب وسورة البقرة .

2- الإيمان وتكامل الإنسان : تفسير لمعاني بعض الآيات بضرب الأمثال.

3- حقيقة التوحيد : نهج قراني قويم يبين أن التوحيد علم نابع من البراهين

4- الإخلاص والإخوة : علاج لمشاكل المسلمين وجمع شملهم في هذا العصر .

5- حقائق الإيمان: عن معاني الصلاة وحكم أوقاتها والتأمل الفكري

افتراء كاذب

كان هناك ترابط وثيق بين الحركة الأتاتوركية العلمانية في تركيا وبين النشاط الصهيوني في المنطقة العربية يزامنها تحرك خبيث من بعض العرب أصحاب النفوس المريضة والقلوب الخربة وذلك واضح بكثير من الأدلة سوف نذكرها بعد قليل.

لقد شهدت المنطقة بأثرها ( داخل بلاد الخلافة الإسلامية ) ردود فعل قوية ضد ثورة الخائن ( كمال أتاتورك) وأذنابه برغم اشتعال نار الثورة في معظم البلدان بقيادة بعض الثوار من الإسلاميين الذين استشهدوا في سبيل مقاومة الإلحاد .

ومما يؤسف له أن بعض الناس وبخاصة ( العرب أصحاب الفكر القصير) وكذلك الأعداء – ينكرون ردود فعل الحركات الإسلامية ضد إسقاط الخلافة وتمزيق الأمة- ويقول بعضهم : إنها كانت مظاهرات غوغائية مع أن بعض الثورات الإسلامية انتصرت في البداية على حركة ( جمعية الإتحاد والترقي ) إلا أن مساعدة بعض الخونة بالتفافهم حول كمال أتاتورك وإدعائهم بأن سبب جمودهم وتأخرهم هو النظام الإسلامي ونعيد الأسف – أن الكثير خدع بهذه المقولات الزائفة .

وبمرور الأيام يكشف سجل التاريخ هذه الافتراءات وإن ظلت فترة كبيرة يرددها البعض إلا أن الحقيقة أكبر من أى افتراء هذه الحقيقة التي مضمونها واضح . وهو أن الشعب التركي المسلم قاوم بضراوة وبطولة حركات الردة منذ اللحظة الأولي بل وأثبتت الأيام أن الدولة التركية أيام الخلافة وهي صاحبة السيادة بالنظام الإسلامي أصبحت الآن وبعد حركات الخونة دعاة التحرر الزائف أصبحت تعيش على فتات موائد الغرب وتتعلق بذيوله أمله فر رضاه عليه . وأاسفاه !؟

والحق يقال: إن الشعب التركي يرغب دائما في الإسلام دينا ونظاما ويتمني اليوم الذي تعود فيه أمجاد الخلافة أو حتى حكومة تعلن الإسلام خيوط المؤامرة:

فيعهد السلطان عبد الحميد أصدرت الحكومة العثمانية أمرا قاطعا يمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ابتداء من عام 1884 م

في الوقت نفسه سمح لليهود الراغبين في الحج ( زيارة فلسطين ) بمدة ثلاثة أشهر فقط يغادرون بعدها فلسطين . وما أن علمت بريطانيا بهذه القيود حتى تحركت غضبا لأنها تري فيها عائقا لتنفيذ مؤامراتها في فلسطين . وأعلن السفير البريطاني في القسطنطينية ( سير وليم وايت) عن رفضه لهذه الإجراءات, وتعاون سفير بريطانيا مع سفير فرنسا وسفير الولايات المتحدة على إرسال مذكرة مشتركة للقسطنطينية يرفضون فيها القيود العثمانية على هجرة اليهود إلى فلسطين . وبالفعل وجهت المذكرة الاحتجاجية إلى الحكومة العثمانية في 28 من مايو سنة 1888م

وللحق وللتاريخ فإن حكومة السلطان عبد الحميد رفضت هذا الاحتجاج بل أعلنت عدم تسجيل العقارات لليهود في فلسطين .

وأكثر من هذا فإن الحكومة العثمانية قامت باتخاذ كثير من التدابير التي تحمي فلسطين من مؤامرات الخونة ففي سنة 1900م صدرت لائحة خاصة بمقتضاها يسلم كل يهودي يدخل فلسطين جواز سفره إلى السلطات العثمانية ويمنح تصريحا موضحا به مدة إقامته والمهمة التي دخل فلسطين من أجلها .

كانت تلك لمحة سريعة تظهر لنا موقف الخلافة العثمانية _ ( المفتري عليها ) – تجاه القضية الفلسطينية وتبين لنا بصمات المتآمرين من الأعداء الحقيقيين وبعض المنافقين الضعفاء – في احتلال فلسطين .

في تلك الأونة كان الخونة داخل تركيا يعملون على تقويض الخلافة الإسلامية فيحاربونها بشتي الوسائل ليظهروها بمظهر الضعف . فتكونت جمعية سرية في بداية الأمر هي ( جمعية الإتحاد والترقي ) وبدأ بلاؤها يستشري في الدول العثمانية مع أن الشعب التركي كان في قناعة تامة بأن هذه الجمعية ما هي إلا مؤامرة دنيئة خبيثة تتستر حتى تحين لها الفرصة للانقضاض على الإسلام في تركيا .

شيخ وثورة

لم يطل صبر الشعب التركي على مكر الماكرين وألاعيب المخادعين فبدأت الجماهير المسلمة تترجم حبها للإسلام ورفض ولائها للنظام بردود فعل عملية سريعة لمواجهة هذا الخطر الداهم فتأسست في عام 1908م جمعية إسلامية أطلق عليها ( الاتحاد المحمدي) برئاسة الشيخ المجاهد ( بديع الزمان سعيد النورسي) ونشط مؤسسوها وسرعان ما انتشرت فروعها في أنحاء تركيا والتف الشعب حول الشيخ المجاهد وانضم للجمعية المحمدية خلق كثير من المسلمين وأصبحت قوة لا يستهان بها وشوكة قوية في حلق الخونة الماسونيين أعضاء جمعية الإتحاد والترقي الذين لم يناموا ليلهم يفكرون ويدبرون مؤامرات الكيد ويتساءلون : كيف يمكنهم التخلص من الشيخ أعوانه ؟

وبدأ المجرمون يتربصون الدوائر بالشيخ النورسي حتى حانت لهم الفرصة عندما اندفعت جموع الشعب وطلاب العلم في أكبر مظاهرة عرفتها البلاد يعلنون غضبتهم على أعضاء جمعية الإتحاد والترقي ويتهمونهم بالخيانة للأوطان والتآمر مع الأعداء ضد النظام الإسلامي كان ذلك في 31 من آذار 1908م واستطاعت هذه الغضبة العارمة أن تجبر جمعية الإتحاد والترقي على التخلي عن الحكم وفر أعضاؤها خوفا من انتقام جماهير الشعب بقيادة العلماء .

عودة الذئاب

التف أعضاء جمعية الإتحاد والترقي حول خائن آخر هو محمود شوكت باشا وتجمعت فلولهم من الأماكن التي كانوا يختفون فيها واستطاعوا تكوين لواء بقيادة الخائن المذكور يعاونه بعض الخونة من الضباط من أبرزهم مصطفي كمال أتاتورك وأطلقوا على أنفسهم ( جيش الخلاص )!وفي ليلة مظلمة حالكة تسلل هذا الجيش نحو إسلام بول ,وما أن شاهدتهم ذيولهم حتى خرجوا لينضموا إليهم . إنها عودة الذئاب . وغيلة تمكن هؤلاء من ضرب المقاومة الإسلامية , وعقبها أصدروا قرارا بعزل السلطان المسلم " عبد الحميد الثاني " ونصبوا مكانه أخاه محمد رشاد ذلك الرجل الضعيف الإرادة القليل الخبرة التابع لغيره الخاضع لشهواته كانت تلك الخطوات السابقة مرحلة تمهيدية لإلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا ولذلك ركز الخونة على ملاحقة العلماء المجاهدين والتضييق عليهم في أرزاقهم وأعمالهم ونشر الشائعات المغرضة ضدهم وتسخير الإعلام في محاولات متكررة ماكرة لتشويه صورة الحكم الإسلامي .

محاكم الخونة إعدام الثوار

وما أن استتب الأمر لهذه العصبة الشريرة الآثمة ( جمعية الإتحاد والترقي ) إلا وشكلت محاكم عسكرية ترأسها خائن من الطغاة هو " خورشيد باشا " الذي عرف بانتمائه للماسونية . وقد صدر أول حكم بدون تحقيقات تذكر أو بدون تهمة أصلا . كان الحكم بإعدام خمسين من المجاهدين الصابرين شنقا وتلك من أكبر الفظائع الإجرامية للخائن كمال أتاتورك وأعوانه وشاهد الشعب هذه المأساة تتم أمام عينيه :

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )

وجئ بالشيخ المجاهد سعيد النورسي ليشاهد هذه الأجساد الطاهرة ظنا من ( خورشيد باشا) أن ذلك يدخل في قلبه الروع أو يلين من عزيمته قال خورشيد باشا – للشيخ النورسي:

وهل أنت أيضا تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية أيها الشيخ ؟

فأجاب الشيخ النورسي - في هدوء :

نعم . أدعو إلى تطبيق الشريعة وسأجاهد من أجلها طيل حياتي

ثم أعاد الشيخ كلامه قائلا :

أعلم يا خورشيد . أنه لو كان لى ألف روح لما ترددت في أن أجعلها كلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام واسمع مني جيدا يا خورشيد . إنني لا أخشي حكمكم بإعدامي فقد هيأت نفسي بشوق عظيم للذهاب إلى الآخرة لألحق بإخواني الذين سبقوني إلى أعواد المشانق لينالوا الشهادة في سبيل الله

أدرك خورشيد باشا وأعوانه أن إعدام الشيخ علنا سيكون له الأثر السيئ عليهم وهم لا يريدون غضبة أخري من الشعب قد تعصف بهم ..

وفي الوقت نفسه فإن وجود الشيخ سعيد النورسي حيا يعتبر مصدر أرق وتحريك وتجديد للشعور الديني .

وهنا بدا المتآمرون في تدبر الأمر وحيكت خيوط مؤامرة دنيئة ودس السم في شراب الشيخ أو طعامه وبذلك انطوت صفحة من أجل وأعظم صفحات التاريخ باستشهاد الشيخ النورسي :( مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) إن شاء الله .

وآسفاه – سقوط الخلافة – والافتراء على الخليفة وإعدام العلماء – وإلغاء الشريعة الإسلامية هذه هي تركيا اليوم التي صنعها الخونة الآثمون . وطبت حيا وميتا أيها المجدد والمؤسس الوفي " الشيخ النورسي "

أسد الصحراء عمر المختار

الزعيم الثائر والفارس المجاهد

( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) ( فصلت : 30)

حول الدعوة السنوسية

أسس هذه الدعوة : محمد بن على السنوسي العالم المجاهد في سبيل إحياء العمل بالكتاب والسنة

ولد مؤسس الدعوة السنوسية عام 1787م بالجزائر وتلقي العلم عن أفاضل العلماء. حتى عين مدرسا بالجامع الكبير بمدينة فاس اعتمدت الدعوة السنوسية في انتشارها بين الناس على البساطة وهي تطلب من الناس إقامة الفرائض والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعاملت الدعوة السنوسية مع الناس بهدوء وبساطة فلم تنفر منها الفطرة ولم تطلب من الناس أمرا عجيبا وكان لابد لهذه الدعوة من أماكن يلقي فيها شيوخ الطريقة أو الدعاة فكرهم فأسست " الزوايا " وهي مكان الدعوة والعبادة والتشاور وبهذا التنظيم وبهذه البساطة كسب السنوسيون سلطانا واسعا أدي إلى قيام الإمارة السنوسية .

إن الزوايا التي أسست لم تكن مجرد " مساجد " للعبادة ولكنها كانت ميدانا للنشاط والتدريب والإصلاح وتلقي العلم وكيفية العمل بهذا العلم أصبح الشيخ والزاوية رمزين لدي الشعب يؤثران في النفس بقوة الإيمان وحب الجهاد والتسامح والتصافح على يد شيوخ الزوايا داخل الزوايا والحقيقة إن الزاوية في المكان التي هي فيه : شعاع نور للتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل . واتجه المسلمون من جميع القبائل إلى شيوخ الزوايا يتلقون منهم العلم ويستفتونهم في مسائل حياتهم الدنيوية وما يتعلق بآخرتهم .

أضف إلى ذلك أن هذه الزوايا لعبت دورا كبيرا في نشر الإسلام في وسط القبائل الوثنية التي أقبلت على الإسلام .

الأصول السياسية للدعوة السنوسية :

استندت الدعوة السنوسية إلى أصول سياسية بعد انطلاقها من الزوايا إلى العالم منذ أن لجأ العثمانيون إلى المؤسس الأول للدعوة لما له من نفوذ وسلطان وقدرة على إصلاح ذات البين بين العرب والترك ... هذا كله دفع الدولة العثمانية أن تعترف بزعامة السيد مؤسس الدعوة وإمارته .

بهذا الاعتراف أصبحت الدعوة السنوسية أمل كثير من شعوب العالم الإسلامي في التخلص من الطغاة المستعمرين .

تمتع شيوخ السنوسية بنفوذ عظيم انعكس على علو قيمة الزوايا بين الشعب أو القبيلة حتى أن الحكام خطبوا ود السنوسية تحاشيا لغضبتهم إذ أن غضبتهم تعني غضبة الجماهير المسلمة .

إن كل هؤلاء الشيوخ في أى دولة أو قبيلة أو إقليم بما يتمتعون به من قوة يتبعون المؤسس شيخ الزوايا وإمامه وأميرها .

لقد بلغ الأثر السياسي للسنوسية أن كانت أى قبيلة تسفر للتجارة لابد أن تحصل على ( محرر) من شيخ السنوسية حتى تمر بسلام وأصبحت السنوسية تشكل قوة داخل السودان حتى بلغ الإتباع ما يربو على خمسين ألف مواطن وكما سبق أن ذكرنا فإن الزوايا السنوسية لم تكن مجرد أماكن للعبادة ولكنها مؤسسات مكتملة التعليم والتدريب وفنون القتال حتى غدت القوة الحربية التي يرأسها شيخ السنوسية يعمل لها حساباتها لدي أصحاب القوي .

وبلغت القوة السياسية للأمير أن أصبح في مقدوره إعلان الجهاد وشن الحروب ضد أى معتد يريد النيل من كرامة البلاد .

لقد سعي هواة الفتن والنفوس الضعيفة إلى الوشاية ما بين القوة السنوسية والخلافة العثمانية ولكنها باءت جميعها بالفشل .

ثورة الأبطال وجهاد المختار

لم توفق الخلافة العثمانية في استمرار فرض هيمنتها على جميع الدول التابعة لها لظروف اقتصادية وسياسية وللنشاط المتزايد للأعداء الذين كرسوا جل جهدهم لإسقاط الخلافة الإسلامية يعاونهم في ذلك طابور الخونة داخل تركيا وفي بعض الأقطار العربية .

كل هذه الظروف جعلت أعين ذئاب الغرب تتطلع إلى اليوم الذي تحل فيه مكان الدول العثمانية في بعض الأقطار وكان هناك اتفاق بين الدول الكبرى على هذا التقسيم الذي أطلقوا عليه وبدون أدب أو حياء ( تركة الرجل المريض ).

فجأة أعلن الإيطاليون قطع العلاقات مع الدولة العثمانية وإعلان الحرب عليها في أواخر سبتمبر 1911م

تحرك أسطولهم وأطلق عددا من القذائف على مواني طرابلس وبرقة ووقع على السنوسيين عبء الدفاع عن البلاد التي نشأت فيها دعوتهم وكانت مقر إمارتهم .

توالت ضربات الطليان على ميناء طرابلس الغرب . وتلك مصيبة حلت بالبلاد التي لم يكن لديها من المعدات الحديثة ما تستطيع به رد العدوان .

وفي 24 من أكتوبر عام 1911م استطاع الإيطاليون احتلال طبرق ثم عسكروا في درنة واحتلوا بعدها بنغازي .

وتعاون الجند العثمانيون والعرب في مقاومة الاحتلال بشدة واعتصموا بحبل الله وحققوا بعض النصر في موقعة اسمها ( جوليانة ).ولكن العدو الغاشم الشره الذي ظل سنوات يجري لعابه شوقا إلى هذه البلاد زاد ضرباته من البحر والجو والبر فلم يستطع العثمانيون ولا العرب الصمود وأصبح الموقف يحتاج إلى قوة تردع عدو الله عن بلاد المسلمين

الجهاد المقدس:

في الوقت الذي زلزلت فيه الإقدام اضطربت القلوب وفي مثل هذه المواقف لابد من إيمان قوي وصبر عظيم وإخلاص لله للجهاد في سبيل الله يقول عزوجل:

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )

استنفر الزعماء السنوسيون في بنغازي وغيرها شيوخ القبائل والزوايا للجهاد المقدس ضد الأعداء وتحرك الجند من الزوايا إلى ميدان القتال .. كان لهذه النجدة أثرها في تثبيت جند العثمانيين الذين استطاعوا بمعاونة السنوسيين أن يرغموا العدو على التقهقر .

وفي مدينة ( برقة ) كان الجيش المسلم قد خف للقاء العدو بقيادة الشيخ عمر المختار الذي كان يناديه المريدون بقولهم ( سيدي عمر المختار )

أمر المجاهد عمر المختار قبيلة العبيد المنتسبة لزاوية القصور بإعداد العدة والعتاد لملاقاة العدو. وأصبح المجاهد قائدا للسنوسيين في هذه المنطقة واستمر جهادهم حتى ضيقوا الخناق على العدو , وفازوا بالغنائم كما قتل ما لا يقل عن ألف جندي إيطالي . وهكذا أثبت المجاهد العظيم الشيخ عمر المختار صلابته وقوة إيمانه التي انعكست بدورها على الجنود الذين كانوا بقيادته : رهبان الليل فرسان النهار :

( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله )

وكانت الحرب سجالا بين العرب والعثمانيين من جهة والعدو من جهة أخري إلا أن القوة العسكرية للإيطاليين جعلت الدولة العثمانية تقبل الصلح مع العدو بعد مفاوضات طويلة في ( لوزان) في 18 من أكتوبر سنة 1912م وبمقتضي ذلك وقفت الحر ب, وانسحب العثمانيون بقوتهم التي كان على رأسها في ذلك الوقت عزيز بك المصري الذي أبلي بلاء حسنا وصدق النية مع النية

صمود الداعية

أصبح الميدان خاويا ونظر الشعب المسلم إلى الداعية الشيخ عمر المختار نظرة الأمل فاسندوا إليه القيادة العامة للمجاهدين . وذلك لما عرف عنه من قوة الشخصية وصلابة الإرادة وعدم مداهنة العدو وخبرته العسكرية وحسن قيادته للجند

لم يتردد البطل المغوار في قبول هذا الشرف العظيم بإسناد القيادة إليه وعلى الفور شكل جيشا قويا مدربا منظما ألهب حماسه وشرح للجنود قيمة النصر ومكانه الشهداء , ورغبهم في الزهد في الدنيا وحبب إليهم جزاء الآخرة .

خرج الطليان من مراكزهم معتقدين أن لا مقاومة ضدهم وفجأة انقض عليهم السد المغوار بجنده الأبرار فشتتوا جمعهم وقتلوا جندهم وسلبوا معداتهم وغنموا كثيرا من طعامهم ومعداتهم وكل هذا كان جند المسلمين في حاجة إليه . وكتب الله في هذه المعركة النصر المبين للمجاهدين.

ظل السنوسيون بقيادة عمر المختار يوزعون جنودهم على المراكز والأقاليم ودارت مع العدو العديد من المعارك التي كثيرا ما كان النصر فيها للمجاهدين واستمرت هذه الحال والحرب بين الفريقين سجال حتى وقعت الحرب العالمية ( العظمي) في أغسطس سنة 1914م

وبذلك تغيرت الأحوال وكانت في صالح السنوسيين الذين تعلقت آمالهم بالنصر على إيطاليا وتحرير البلاد

ودأب القائد المجاهد على التنقل بجنوده بين القصور وتكتس حتى احتل الإيطاليون هذه الأماكن في سبتمبر 1913م ورأي القائد أن يعسكر بجنده في جبل العبيد .

وسكن الأسد الصحراء ليذيق من فوقها العدو أنكي الضربات .

استطاع المختار أن يؤلف جبهة قتالية كبيرة من أهل برقة وطرابلس ليقف في وجه الإيطاليين بجيش قوي .

وتتغير الأحوال ويقرر الأمير الأعلي للسنوسية السيد إدريس مغادرة برقة . فعهد بقيادة المجاهدين العليا للبطل السيد / عمر المختار .

انتقل المختار بمقر القيادة إلى الجبل الأخضر . يتربص بالأعداء ويخطط للجند المجاهدين ويقود المعارك تلو المعارك . وكم أنزل بالأعداء من هزائم سجلها التاريخ لتكون عبرا وعظات للأجيال المسلمة وما يزال التاريخ يتحدث عن هذه البطولات .. تمركز المحتار في الجبل الأخضر طيلة عشرة أعوام .

محاكمة صورية

ودارت الأيام دورتها والحروب سجال . وفي احدي المعارك التي أبلي فيها الشهيد بلاء حسنا وقع البطل أسيرا للأعداء بقيادة ( جرازياني ) القائد الإيطالي وبدأت المساومات بأن طلب القائد الإيطالي من المجاهد المختار أن يتعامل معهم في سبيل إخماد ثورة المجاهدين , فعجب المختار ورفض جميع مطالب الأعداء . فعادوا وعرضوا عليه العفو العام في سبيل أن يوجه للمجاهدين نداء يطلب منهم فيه أن يسلموا أسلحتهم ويكفوا عن المقاومة فأجاب البطل المغوار بقوله:

" إن هذا العمل لا يرضي ضميره ودينه ,وفضلا عن ذلك فإن أحدا لن يصدق صدور هذا النداء من المختار "

إن أمثال المختار يختارون الموت أحرارا شهداء أفضل ممن حياة الخسة والعار .

وفي اليوم الخامس عشر من سبتمبر سنة 1921 م عقدت محكمة العدو أولي جلساتها لمحاكمة . وكانت محاكمة صورية حيث أعد الجبناء حبل المشنقة قبلها فهي محاكمة هزلية لا قيمة لها .

يصف الدكتور العنبري هذه المحاكمة فيقول :

جاء الطليان بالسيد عمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلا بالحديد وحوله الحراس من كل جانب .. وكان مكاني في القاعة بجوار السيد عمر .. وأحضر الطليان أحد التراجمة الرسميين واسمه ( نصرت هرمس ) فلما افتتحت الجلسة وبدأ استجواب السيد بلغ التأثر بالترجمان حدا جعله لا يستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار ترجمان آخر .

فوقع الاختيار على احد اليهود وهو ( لمبروزو) من بين الحاضرين في الجلسة .

وبعد استجواب السيد عمر ومناقشته وقف المدعي العمومي ( بندو) فطلب الحكم على السيد عمر بالإعدام.

وعندما جاء دور المحامي المعهود إليه بالدفاع عن السيد عمر المختار وكان ضابطا إيطاليا يدعي الكابتن ( لونتانو) وقف وقال:

" أنا كجندي لا أتردد البتة – إذا وقعت عيناى على عمر المختار في ميدان القتال - في إطلاق الرصاص عليه وقتله , وأفعل ذلك أيضا كإيطالي أمقته وأكرهه . ولكني وقد كلفت بالدفاع عنه , فإني أطلب حكما هو في نظري أشد هولا من الإعدام , وأقصد بذلك الحكم عليه بالسجن مدي الحياة نظرا لكبر سنه وشيخوخته "

وعندئذ تدخل المدعي العمومي – وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته .

يا سبحان الله !! هل هذه محاكمة؟ إن الظلم ليس له أعين يري بها الحقيقة والصراع بين الحق والباطل سوف يستمر مدي الحياة !

أسد الصحراء مع الشهداء

إن الشيخ الداعية يعلم مسبقا مصيره مع الصديقين والشهداء .. والعدو الغادر يقيم هذه المحاكمات بأسلوب استهتاري يعرفه أهل الحق . وكم من محاكم صورية أزهقت فيها أرواح العظماء ولكنهم بفضل الله كتبوا مع الشهداء .

في نهاية المحاكمة سأل رئيس المحكمة السيد عمر المختار " إن كان لديه ما يقوله"

فأجاب البطل بالنفي . مفوضا أمره إلى الله , تاركا وراءه تاريخا عظيما ومجدا خالدا .

انسحبا هيئة المحكمة وبعد قليل عادت للنطق بالحكم فإذا برئيس المحكمة بيقول :

حكمت المحكمة بإعدام المختار شنقا .

فقال الشيخ الداعية عمر المختار : "إنا لله وإنا إليه راجعون"

طلب رئيس المحكمة من الترجمان أن يفهمه ما قاله السيد عمر بعد سماع الحكم ففعل وتأثر الحاضرون – حتى الأعداء منهم – تأثرا عميقا وشاب وجوههم الحزن .

استغرقت المحاكمة الظالمة بجلستها ومرافعتها وأسئلتها ساعة واحدة وخمس عشر دقيقة .

دفعت النذالة بالإيطاليين أن يجمعوا حشدا من الناس وأرغموا مشايخ القبائل على الحضور وكثيرا من الأهالي ليشاهدوا تنفذ حكم الإعدام في الشيخ الهمام . إنها لحظات قاسية وظروف صعبة والعدو لمنتقم الحادي عشر من سبتمبر 1931م – شنقا في البطل عمر المختار .

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند بهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله وستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون"

الشهيد العالم: إحسان إلهي ظهير

نجم باكستان

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) (آل عمران : 102 )

رحلة الحياة

لقد كانت حياة بطلنا " ظهير" حياة حافلة بالجد والكفاح قليلة السنين مليئة بالعبر .

في كتاب قريته بـ" باكستان " حفظ القرآن الكريم في سن التاسعة ودرس علوم القرآن في الجامعة الإسلامية بمدينة " ججرانوالا".

وفي مدينة " فيصل أباد" تلقي علوم الحديث – على يد العالم الحافظ " محمد جوندلدي" شيخ العلامة عطا الله حنيف .

ثم توجه إلى الشيخ الفيلسوف ( شريف الله ) ودرس على يديه الفلسفة والمنطق والعقل ونبغ في ذلك حيث ظهر نبوغه جليا في ردوده على الأعداء في مؤلفاته التي تناولت الملل والنحل .

مؤهلاته العلمية

حصل الشهيد على ليسانس الشريعة من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنور وكان ترتيبه الأول بنسبة 91% عام 1961م.

وبعد رجوعه إلى باكستان حصل علي ليسانس الحقوق العلوم السياسية . ثم حصل على ماجستير في الشريعة وفي اللغة العربية .

تولي الشهيد رئاسة تحرير ( مجلة ترجمان الحديث ) التابعة لجامعة الحديث بالاهور باكستان .

مدير تحرير مجلة أهل الحديث الأسبوعية .

اشتغل بالدعوة إلى الله ومناظرة المنحرفين وأعداء الإسلام

بعض مؤلفاته :

1- الشيعة والسنة :ملل ونحل .

2- الشيعة وأهل البيت : عن حقيقة من يزعمون حب آل البيت .

3- الشيعة والتشيع : فرق وتاريخ . ويشتمل على تاريخ التشيع والشيعة جاءت مؤرلفات " ظهير" تفند دعاوي الكذابين وأصحاب الفرق الضالة والملل المنحرفة وتكشف خطر هذه الفرق الباطلة ومحاولة بث أفكاره بين جماهير المسلمين وهو يهدفون صد الناس عن طريق البعد عن الكتاب والسنة .

4- الشيعة والقرآن: تفنيد لدعواهم وبيان لتحريفهم معاني الآيات .

5- الباطنية بفرقها المشهورة وبيان أنها أخطر الفرق .

6- النصرانية: وبه توضيح الاعتقادات الفاسدة لدي النصارى .

7- التصوف : المنشأ والمصدر .

8- مجموعة من المحاضرات والندوات المسجلة وكتب تحت الطبع .

انتشرت مؤلفات الشيخ ظهير ونالت إعجاب العلماء وراغبي العلم من الطلاب في بقاع الأرض وخاصة أن كثيرا منها ترجم إلى لغات عالمية .

من أقوال الشهيد :

كان للشهيد وقفاته ضد الشيعة ومناصرته لأهل السنة جاء في كتابه ( الشيعة والسنة) :

ولما كانت الشيعة ومناصرته لأهل السنة جاء في كتابه ( الشيعة والسنة) :

ولما كانت الشيعة وليدة الكذب أعطوه صيغة التقديس والتعظيم وسموه بغير اسمه واستعملوا له لفظ " التقية " وأرادوا بها إظهارا بخلاف ما يبطنون وإعلانا ضد ما يكتمون وبالغوا في التمسك بها حتى جعلوها أساس لدينهم وأصلا من أصولهم .؟

لقد بدأ الشيعة منذ قريب ينشرون كتبا مزورة في بلاد الإسلام يدعون فيها التقريب إلى أهل السنة ".

وها هو التاريخ الإسلامي ملء بمآثمكم وخذلانكم للمسلمين كلما حدثت لهم حادثة ووقعت لهم كارثة ,حلت بهم نائبة ".

وجاء في كتاب ( البابية)قوله :

وأما البابيه والبهائية فلم أزل حريصا على اقتناء المعلومات عنهما وجمع الكتب مشتغلا بالمناظرات والمناقشات مع جالهما .

فموازنة الإسلام ومقارنته مع البهائية إهانة له وانتقاصة لهذا الدين العظيم حيث إنه لا توافق بين الحق والباطل وبين العلم والجهل ".

هذا وقد حذر الشيخ ظهير من كثير من حركات القاديانية والبهائية .

اهتمام الأوساط العلمية بمؤلفات المجاهد

كان لمؤلفات الشيخ وأبحاثه ونداءاته أثر كبير ودوي هائل لما حوته هذه المؤلفات من بحث أخطر القضايا وأهمها وخاصة ما يتصل منها بالعقيدة وإنها في مجال الأبحاث العلمية لتعتبر من أهم مراجع الدارسين للفرق والملل والنحل .

من الزعماء البارزين ( الملك فيصل ) والذي عرف عنه – رحمة الله عليه – اهتمامه بالعلم وتقديره للعلماء .. أمر الملك فيصل بشراء جميع مؤلفات الشيخ " إحسان ظهير " على نفقته الخاصة وتوزيعها على جميع مكتبات دور العلم ومؤسسات الأبحاث بالمملكة العربية السعودية ويتلو الأمر السابق من الملك فيصل أمر آخر بإهداء مؤلفات الشيخ المجاهد لمكتبات العالم سواء في أوربا أو آسيا أو أفريقيا بعد طبعها على حسابه الخاص .

ومن أبرز العلماء الذين اهتموا بمؤلفات الشيخ " إحسان ظهير" الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس إدارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ورئيس الجامعة الإسلامية سابقا كذلك الشيخ إبراهيم بان محمد بن إبراهيم آل الشيخ ووزير العدل بالمملكة العربية السعودية والشيخ محمد بن على الحركان – رحمه الله – الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي السابق – وغيرهم من ذوي البصائر والنهي .

التصدي للباطل :

تمتاز أبحاث ومؤلفات الشيخ " إحسان " بتفنيد آراء ومعتقدات الفرق الضالة وكشف أهدافها وتوضيح مراميها ولقد استطاع بفضل الله أن يوقف كثيرا منها عند حده بل ويجعلها تتراجع القهقري .

وقد جرت بينه وبين كثير من دعاة هذه الطوائف الهدامة مناقشات ومناظرات كتب الله لدين الحق فيها النصر. ومن هذه الطوائف الخرافيون , والمقلدون , والمتعصبون , والاشتراكيون , والشيوعيون , والشيعة , والقاديانيون , والبهائيون , والنصاري .

مع الصديقين والشهداء

جلس العالم المجاهد" إحسان ظهير " في ندوة العلماء التي كانت تعقدها جمعية أهل الحديث بـ " لاهور " وكان يلقي محاضرته في ذلك اليوم 23 / 7/ 1407هـ وأثناء الدرس وقد قرب الليل على الانتصاف وبالتحديد في تمام الساعة الحادية عشرة ليلا وقع الانفجار المدوي بانفجار قنبلة تحت المنصة التي يدار منها الاجتماع وكان الحاضرون في هذه الندوة ( 2000) ألفين من المسلمين استشهد منهم ( 18) ثمانية عشر شخصا وعدد ( 114) مائة وأربعة عشر مصابا بجروح بين البسيطة والخطيرة وقد تم تسجيل الحادث بالفيديو, وقد بلغت الخسائر المادية سقوط بعض العمارات والبيوت القريبة من مكان الحادث , وقيل أن المتآمرون عليه من أعداء الإسلام وضعوا له قنبلة وسط باقة من الزهور .

وما أن علم العالم الإسلامي بالحادث والإصابة الخطيرة للبطل المجاهد الداعية الإسلامي ( إحسان إلهي ظهير ) حتى عم الحزن وخيم الاستياء على وجوه الناس . وخاصة في باكستان التي أغلق الناس فيها المحلات في المدن التالية : لاهور , إسلام آباد وكراتشي .

أذاع راديو الرياض خبر الفاجعة الأليمة حتى دخل الحزن كل بيت في السعودية ورحبت الحكومة السعودية بمعالجة البطل بناء على طلب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس إدارة الإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض . وأمر الملك بطائرة من باكستان للرياض وقد وافت البطل المنية قبل استكمال علاجه .

والحقيقة أن الشعب في باكستان لم يهدأ له بال وخرجت المظاهرات تطالب بإعدام الجناة فورا وإلا تعرضت البلاد لثورة عارمة .

كانت وفاة البطل في الساعة الرابعة من صباح يوم الاثنين غرة شعبان عام 1407 هـ الموافق 30 من مارس سنة 1987م

وتم تغسيل البطل وتكفينه في الرياض وصلي عليه جمع كبير من طلابه ومريديه على رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز ثم نقل جثمانه بعد ذلك بالطائرة إلى المدينة المنورة حيث دفن في مقبرة البقيع مع الصحابة وآل البيت وأمهات المؤمنين .

الشهداء من العلماء غير الشيخ إحسان إلهي في هذه الحادثة:

1- حبيب الرحمن يزداني .

2- عبد الخالق قدوسي

3- محمد خان نجيب .

4- محمد سليم

5- بهائي محمد عالم

6- عبد السلام محمد عالم .

7- سليم فاروق .

8- إحسان الله .. هؤلاء رجال يصدق فيهم قوله تعالي :( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )  

الشهيد الداعية : عز الدين القسام

خطيب فلسطين

( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) ( فصلت : ( 33)

فلسطين والمؤامرة

منذ أمد بعيد وأعداء الإسلام لا تغمض أعينهم عن التطلع لليوم الذي يقضون فيه على الإسلام والمسلمين خاب ظنهم والله حافظ دينه .

لقد تكررت محاولاتهم هذه بإقامة دولتهم إسرائيل .. يقول الحق تبارك وتعالي : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) .

مزاعم كاذبة :

ردد اليهود الصهاينة في محافلهم الدولية أنهم أصحاب قضية هي ( التشريد والاضطهاد) وأنهم يحتاجون إلى ارض يقيمون عليها دولتهم التي يحلمون بها وأن أنسب المواقع لذلك هي فلسطين " أرض الميعاد كان أطلقوا عليها .

ولم تمض سنوات حتى أصدر الصهيوني " هرتزل " كتابه " الدولة اليهودية " وتولي بعد ذلك الدعوة لعقد مؤتمر منظم وتم له ذلك في " مؤتمر بال " سنة 1897م بسويسرا.

سرعان ما ترجم اليهود أفكار هذا المؤتمر إلى فلسفة عقائدية وأضفوا على فكرة هالة من الاحترام والتقديس وكان " حاييم وايزمان " عندما يردد هذه الأفكار التي تعني إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين يقول : إنه يتحدث باسم الملايين من اليهود . واستطاع " وايزمان " إقناع " بلفور " بفكرته عام 1906 م .

وبدأ الشعب الانجليزي وقياداته السياسية يرددون مقولة عجيبة هي : أنه لابد من إقامة قاعدة صهيونية في فلسطين لنشر الحضارة ورعاية المصالح الإنجليزية ضد ما سموه : البربرة الأسيوية " هي نفس الأسطورة التي رددها : هرتزل في كتابه " الدولة اليهودية " ومن أجلها عقد مؤتمر " بال ".

وتطورت الأمور إلى أن صدر " وعد بلفور " بمنح اليهود وطن قومي في فلسطين وذلك في نوفمبر عام 1917م

ومع ذلك فإن فكرة العودة لم تكن عقيدة كل اليهود بل " الصهيونية " فقد أما المصادر اليهودية نفسها فتقول: إن فكرة " العودة " واردة في كتابهم المقدس ولكن بعض فلاسفة اليهود لا يؤمنون بعوده " مملكة داود " أو إعادة بناء المعبد أو امتلاك فلسطين مرة أخري , ويرفضون رفضا باتا فكرة " الوطن القومي لليهود " وقد قرر مؤتمر الأحبار اليهود في فرانكفورت ( 15- 28 فبراير 1845) حذف الجزء الخاص بالدعوة للعودة إلى فلسطين من التعاليم اليهودية ولكن هذا – حقيقة – لا يخفي سعادة اليهود عامة بإقامة دولتهم المزعومة .

أحلام الذئاب

عملت السياسة البريطانية منذ صدور وعد " بلفور " على إنشاء الوطن اليهودي وحتى عام 1937م تعتقد أن العرب واليهود سينسون الخلاف بينهم في غضون هذا القرن وينصهرون في شعب واحد لأنهم ينحدرون من سلالة واحدة إذ يتصل نسبهم بإبراهيم الخليل عليه السلام وقد أثبتت الأيام والتجارب قصر هذه الفكرة التي باءت بالفشل خلال سبعة عشر عاما ( 1920- 1937م

لقد أصبح الصراع أوسع مدي في العالم أجمع بين المسلمين من جانب واليهود وبريطانيا من جانب آخر , وأصبحت قضية فلسطين تدوي في العالم أجمع .

يقول العالم البريطاني الدبلوماسي :" إن وعد بلفور صدر استنادا إلى أفكار خاطئة ومصدر الخطأ أن الحكومة البريطانية في عام 1917 م لم تدرك أن الشعب العربي لم يعان من اضطهاد الأتراك بالقدر الذي يدفعه إلى التحرر إذا كان ثمن الحرية هو الخضوع لسيطرة أجنبية جديدة".

ثورة الدعاة

احتشدت المساجد في فلسطين بالجماهير المسلمة التي التفت حول الدعاة الذين نددوا بسياسة القمع ونادوا بطرد المستعمر .

وكانت من أكثر المدن اشتعالا بالثورة " مدينة حيفا " بفلسطين وبخاصة أن بمسجدها الكبير " جامع الاستقلال " داعية عرف بشجاعته وصلابته وثباته على الحق لا يخشي في الله لومه لائم . إنه المجاهد الشيخ " عز الدين القسام " إما وخطيب جامع الاستقلال – الذي راعه موقف الإنجليز الأنذال المساندين للصهيونية فدعا الناس لمناهضة العدو . ومن فوق منبره رفع صوته بالحق مفندا أكاذيب الصهاينة معلنا الجهاد .

ولم يكتف الشيخ عز الدين القسام المجاهد البطل بذلك بل بعث بأبنائه من الدعاة في أنحاء البلاد يعلنون الجهاد .

وعلم حاكم لواء حيفا " عسكري إنجليزي " بحركة الشيخ عز الدين القسام فأرسل إليه فلما حضر الشيخ المجاهد. سأله الحاكم الإنجليزي:" يا شيخ إنك متحرك وذو نشاط مناوئ لنا ".

فرد الشيخ مخرجا المصحف من جيبه قائلا : ( هذا الكتاب العظيم يأمرنا بالجهاد ولا نخالفه ) .

ومنذ هذه اللحظة بدأ الإنجليز يرصدون تحركات الشيخ البطل

الشيخ يقود الثورة

كان لابد من التحرك السريع في مواجهة المخطط الخبيث الذي مالبث أن سارت بنوده دون هواده أو حتى أدني اعتبار لأصحاب الأرض الأصليين .

وخرج الشيخ عز الدين يقود الكتيبة في حركة مسلحة تفتك بالإنجليز وتترصد العدو في كل مكان فقتلت أفرادا منهم في مدينة " بيسان " ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذي أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله )

خرج الشيخ بجنده متجها إلى " أحراش يعبد " بالقرب من مدينة حنين. وهناك اتخذ له مقرا . وفي 19 من تشرين الثاني 1935 م استشهد أحد أفراد الكتيبة عندما كان يراقب الطريق بتطويق منطقة " ألأحراش" حيث مقر الشيخ وجنده من الفجر حتى العاشرة صباحا وقد استمر القتال بين الطرفين بضراوة . والشيخ ينادي " الله أكبر" ولكن كثرة الطائرات لدي الأعداء مكنتهم من حسم المعركة لصالحهم وقد شرف الشيخ عز الدين القسام ومعه أربعة من زملائه بالاستشهاد وتم أسر باقي القوة :

( إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ).

ورغم بطش السلطات الإنجليزية إلا أن الشعب خرج يشيع البطل ورفاقه في مظهر بهيج رائع يعلنون من خلاله تجديد العهد أنهم على الطريق سائرون . وثورات حمل فيها اللواء كثير من العلماء المجاهدين الذين أبلوا في سبيل الله بلا حسنا .

شهيد الجبال الخضراء: محمد خلف الصخري

حامل لواء الحق في أفغانستان

( ولا تقولوا لن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) ( البقرة : 154)

مع البطل

كان البطل الشاب طالبا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعرف عنه الحلم والتواضع وحب الآخرين له . كما نبغ في العلوم الإسلامية فكان يلقي الدروس في بعض المساجد ويدعو العامة والخاصة إلى طريق الله .

كان " الصخري" يرجع في إجازاته الدراسية إلى بلدته الطائف فتعم البهجة الأسرة ويسعد به الأصدقاء ويلتف حوله الأحباء فكأن يوم رجوعه عيدا .

سمع البطل من خلال وسائل الإعلام عن قضية أفغانستان فتفهم نوعية الجهاد الذي يدور في بلد مسلم وعلم من خلال دراسته أن الجهاد أصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة ما دام العدو في شبر من أرض الوطن الإسلامي الكبير .

وفجأة قرر " الصخري " استبدال القلم بالرشاش والمداد بالدماء ونادي في زملائه بالجامعة : إخواني قررت أن أؤدي فريضة عين كتبت علينا . إنها الجهاد في سبيل الله – إن أفغانستان قضية كل المسلمين .

سافر البطل إلى " أفغانستان " ونزل بمنطقة " جاجي " حيث " مأسدة الأنصار " وبقي في هذه المنطقة مع المجاهدين يتدرب على القتال ويتقن فنونه . ونعود قساوة الطقس حيث المطر والثلج داخل الكهوف ولكن كل ذلك يهون في سبيل الله . وبدأ اسم " الصخري " يتردد في كهوف المجاهدين وكان بينهم نموذجا طيبا لأخلاق الرجال .

اشترك " محمد خلف الصخري " في عدة معارك " اشتباكات " خفيفة دارت بين المجاهدين والأعداء ليلا. ومن هنا طبق الجهاد عمليا .

فبدلا من تدريسه نظريا أصبح في الميدان للتطبيق العملي مصداقا لقوله تعالي :

"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"

استشهاد الصخري

حتى إذا جاءت ليلة العيد وتقدم الروس بدباباتهم ومدفعيتهم وطائراتهم نحو مواقع المجاهدين في " جاجي " ودارت معركة شرسة وكان الصخري يقاتل ببسالة في الخط الأول حتى آخر يوم من المعركة وبعدها لازم أحد المجاهدين المصابين وهو بالمستشفي ثم عاد بعدها إلى بلده الطائف حيث يعد نفسه لأداء فريضة الحج وفي الوقت نفسه يعيش بعض الوقت مع والديه وإخوته ..

رجع البطل إلى أفغانستان بعد أداء فريضة الحج . وتوجه إلى مناطق القتال وتحرك مع أخ مجاهد اسمه " عبد الحميد" واستقرت الحال بهما في ولاية " قندهار " ودارت هناك معارك قوية استشهد فيها " عبد الحميد " فعاد البطل " الصخري " إلى مدينة خوست وبقي فيها عدة أشهر يعد نفسه مع زملائه المجاهدين لمعركة كبيرة .

وكان البطل يتمني في كل معركة أن ينال الشهادة في سبيل الله وتدور معركة كبري بين المجاهدين والأعداء في منطقة " جلال آباد " وكان الصخري ثابتا صبورا ما يقرب من شهر ونصف وسط المدافع والدبابات وإلقاء القنابل والغازات .

وهدأت الأحوال بعض الوقت – حتى إذا جاء شهر الجهاد " رمضان المبارك " قام الصخري مع بعض إخوانه بشن هجوم مباغت على موقع للشيوعيين ونجحوا في احتلاله وتطهيره. بدءوا في التقدم إلى مواقع أخري . ودارت معارك لم يسبق للصخري أن خاض مثلها استعمل الأعداء فيها معداتهم المتطورة . من قنابل وقذائف صاروخية وفجأة يقع صاروخ وسط مجموعة من المجاهدين استشهد على أثر ذلك " البطل الصخري ط واثنان من إخوانه المجاهدين . نعم الرجال وما أعظمها من شهادة

إن أفغانستان ميدان الاستشهاد للذين يحبون الحياة بعد الموت .

( مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .

وصية الشهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

... الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على إمام المجاهدين وقائد الغر المحجلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ,

وبعد :

إلى والدتي الحنونة وإخوتي الكرام : أحييكم بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد

والدتي الكريمة الحنونة . إخوتي الكرام . يا من أتعبناكم معنا في هذه الدنيا . وفضلكم علينا كبير .. يصل إليكم هذا الكتاب إن شاء الله من ابنكم محمد الصخري وذلك بعد أن يكون إخواني في جبال الأفغان قد شيعوا جثماني وأرجو من الله القدير أن أكون شهيدا وتكون منيتي خالصة لوجهه الكريم فقد بعته نفسي وأرجو أن يتقبلها مني وعقدت معه تجارة إن شاء سبحانه لن تبور , فهو ولي ذلك والقادر عليه وهو القائل في كتابه العزيز ( إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )

أرجو من الله أن أكون ممن ربح البيع وهو القائل سبحانه في موضع آخر :( يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم )

أسرتي العظيمة يا من عشت معكم في ظل بيت واحد أرجو منكم أن تصبروا وتحتسبوا وتدعوا لى بالمغفرة والرحمة ولا تجزعوا لموتي في سبيل الله . ولا تقولوا مثل قول الذين كفروا : لو كان محمد عندما ولم يذهب للجهاد لما مات .. فتكون هذه الكلمات حسرة وندامة في قلوبكم قال تعالي .

( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزي لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير )

والدتي الحبيبة وإخوتي الحبة : الموت حق وكل إنسان ذائقه لا محالة وأجله مكتوب والمكان الذي يموت فيه مكتوب سواء كان عند أهله أو في أى مكان وليس جلوسي عندكم سوف يمنع عني الموت أو يؤخره فالله سبحانه يقول في كتابه الكريم :

( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) أسرتي الحبيبة : كل الذي حدث بقدر ولا ينفع التذمر ولا الجزع .

لا تقل عما جري كيف جري ........... فكل شئ بقضاء وقدر

والدتي الحبيبة والحنونة وإخوتي الكرام : إن كنتم تحبون محمدا فادعوا له أن يتقبله الله شهيدا وأن يكون ممن ربح البيع وأرجوكم السماح في كل ما فعلت معكم وإني والله أعترف أني مقصر في حقكم كثيرا فسامحوني واطلبوا لى السماح من كل الأقرباء ومن يعرفني فربما أخطأت في حق أحدهم .

والدتي العزيزة أرجو السماح والرضا عني فإني والله ما تركتك وابتعدت إلا استجابة لأمر الله سبحانه فهو القائل :

( يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل )

وقال سبحانه :

( قل إن كان آباؤكم أبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين )

لهذا أنا فارقتكم وليس هربا منكم فمن يهرب من أمه التي سهرت وتعبت من أجله ؟

ابنكم محمد الصخري


الليث الثائر إبراهيم محمد يوسف عطا أبو جبل المصري

" ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ( فصلت : 33)

نشأته وتربيته

في بيت متواضع بالريف المصري في ضواحي مدينة محافظة الغربية بـ " مصر" ولد إبراهيم وترعرع, وعاش حياة هادئة من الكتاب إلى المسجد إلى بيت أبيه الرجل الفلاح الذي يكثر الذكر ويقوم الليل تقربا إلى الله .

ويشاء الله أن تبتلي هذه الأسرة بوفاة أحد أقرباء إبراهيم وأعز أصدقائه فحزن عليه واصطبر لأمر الله ورضي بقضائه وصبر على بلائه وتلا لإخوانه قوال الله عوجل : ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )

وكما تعود إخوانه جلس يشرح لهم ما في هذه الآيات من عبر وعظات والدعوة لتفويض الأمر إلى الله . والجميع لإبراهيم ينصتون ومنه يتعلمون منذ أن حمل إبراهيم مع رفاقه نعش قريبه وهو يحس بإحساس عجيب حيث تضاءلت عنده الدنيا ويرغب في ربح الآخرة وتغذي هذا الإحساس لدي المجاهد عندما تابع أخبار وطنه الحزين أفغانستان وبدأ يقرأ ويسمع عن قصص الأبطال هناك واشتد شوقه وحنينه إلى الجهاد بل باتت نفسه تتوق إلى الاستشهاد في سبيل الله .

من مكة إلى أفغانستان :

ووجد إبراهيم من ينصحه فيقول له : إذا كنت تريد الذهاب إلى أفغانستان فسافر إلى الأرض المقدسة ومن هناك تجد لأمرك مخرجا.. ووصل إبراهيم إلى مكة وأدي فريضة الحج ثم توجه إلى فريضة الجهاد ودخل أفغانستان وتوجه إلى أسخن جبهات القتال " أرض قندهار" وهناك ومع إخوانه المجاهدين أحس بكل السعادة وخاصة عندما وقف فيهم خطيبا شارحا الأسباب التي دفعت به إلى الحضور هنا لأداء فريضة الجهاد موجها نداءه لشباب الأمة الإسلامية والذي جاء فيه :" وللعلم يا أخي فإن الإنسان مهما قدم أو ضحي فل ساوي أقل نعمة أنعم الله بها علينا .. هيا يا شباب تحركوا واعلموا أنا مسئولون أمام الله ماذا قدمنا لهذا الدين .. أخي حان الوقت كي تتيقن أن معنا ما هو أقوي من القنبلة الذرية والهيروجينية, معنا لا إله إلا الله لو عرفنا الله عزوجل ستكون لنا السيادة في الأرض ولابد أن يعلم الجميع أن العزة للإسلام بإذن الله واعلم أن أى إنسان يتجه إلى الله بقلبه – صدقني – فإن الله سيساعده وسيبارك خطواته حتى يصل إلى أرض الجهاد إلى ساحة الشرف "

رهبان الليل فرسان النهار :

ضاق بالمصلين المكان حتى اضطروا إلى الصلاة في ثلاث جماعات وفي أثناء الدروس التي كان يعطيها لإخوانه المجاهدين وجد أنه من الصعب جلوسهم في مكان واحد لضيقه .. فأخذ على نفسه عهدا أن يبني مسجدا يجمع شملهم وعاونه كثير من الإخوة وتم بناء المسجد

كان الشهيد له صفات الحلم والخلق الكريم لا جلس على مائدة الطعام حتى يطمئن أن جميع إخوانه من المجاهدين جلسوا وكان يقوم بخدمتهم وهم يأكلون .

كان البطل أول مناد لصلاة الفجر حيث تعود الاستيقاظ مبكرا عن إخوانه فيشعل النار ويسخن علها الماء في زمهرير الشتاء ليتوضأ إخوانه .

عرف الشهيد بين رفاقه بأنه ( العابد) كان يقوم ثلث الليل الأخير ويصوم يوما ويفطر يوما ( كصيام داود عليه السلام ) وكان يقول : نحن رهبان الليل فرسان النهار .

الداعية والدعوة :

وكتب الشهيد رسالة لوالديه جاء فيها :

عندما أنظر من خلفي أجدني أقرأ تاريخا حافلا بالمعاصي والذنوب ف حق الله وفي حقكم , رجاء اغفروا لى زلاتي حتى يرضي الله عني , توجهوا إلى الله وقولوا: اللهم اغفر لإبراهيم واعف عنه وتقبل منه ولا ترده خائبا وسامحوني على فراقي لكم دون استئذان فما حملني على ذلك إلا نداء الله الذي لم استطيع أن أتأخر عنه .

وأوصي الشهيد إخوانه في النسب وفي الدين فقال:

أدعو الله أن يجعلكم دعاة إلى دينه سيوفا على أعدائه وأن يعز بكم الإسلام والمسلمين , وأن يبصركم بالطريق ويمن عليكم بالهداية, وأوصيكم ونفسي بتقوي الله عزوجل وإتباع هدي رسولنا محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم والسير على منهجه فهيا إخوان أدعوكم إلى طاعة الله هيا أسرعوا قبل فوات الميعاد وارتفاع الأمواج أناديكم من شاطئ الأمان بأعلي صوتي اركبوا فالأمواج عالية والرياح ناسفة .

أبو جبل مع الشهداء

أذن لصلاة المغرب ( اليوم الخامس عشر من رجب عام 1409هـ) وتناول البطل مع إخوانه الإفطار. وكان ذلك في غرفة ( القيادة) بولاية قندهار ووقف البطل إماما للصلاة بكاملها في الصلاة وانطلق الجميع للقتال على بركة الله ويتقدم الصفوف في بشر وإحساس بالشهادة .

صعد البطل الجبل ونظر إلى مراكز الشيوعيين وأخذته العزة وتاقت نفسه للشهادة . وتناول قاذفه الصاروخي وقال : بسم الله وعلى بركة الله . ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي ) وأطلق القذيفة ومع صوته بقول :

( الله أكبر ) وتمزق صمت السكون وتزلزل الأعداء . ورد الأعداء بوابل من النيران انطلقت من الرشاشات وهدأت النيران وإذا بالليث الثائر مضرج في دمائه .

وانطوت صفحة من صفحات البطولة الإسلامية من تاريخ شهداء الدعوة الإسلامية الذين باعوا أنفسهم لله عزوجل ففازوا برضوانه وسكنوا جناته .


إبراهيم الطيب شهيد الحق والحرية

نشأته وتعليمه

ولد إبراهيم الطيب بمدينة شبين الكوم وذلك عام 1340هـ ( 1922م) وكانت ولادته في بيت إسلامي عريق فقد كان والده أستاذا للفقه الشافعي في كلية الشريعة جامعة الأزهر نشأ الشهيد على يد والده مؤدبا هادئا محبا للعلم فعن أبيه تلقي العلوم الدينية والعربية ونهل من الحديث وتخلق بأدب القرآن كان كل ذلك مترجما في سلوك الشهيد يخاف ربه ويتقي الله في معاملته للناس .

حبب إلى إبراهيم دراسة التاريخ وبذلك وقف على أحوال المسلمين في الماضي والحاضر واشتد شوق إبراهيم الطيب إلى أن يعمل في مجال الدعوة وقد أتيحت له هذه الفرصة عام 1359هـ (1940) عندما سمع مناديا ينادي للإيمان فوجد فكره وروحه وذاته في جماعة الإخوان المسلمين وتحقق حلمه واستراحت نفسه .

وقد كان إبراهيم مؤهلا علميا لهذه المسئولية لأنه تخرج في كلية الحقوق عام 1944م واشتغل بالمحاماة وبالدعوة الإسلامية واعتبرها رسالة حياته .

المحنة :

وبينما المجاهد الداعية ينشط في مجال الدعوة إلى الله إذ تم القبض عليه مع بعض رفاقه وذلك . وذلك عندما حلت حكومة الانقلاب العسكري " يوليو سنة 1952" جماعة الإخوان المسلمين في عام 1954م وزج بالأبرياء إلى السجون وفتحت المعتقلات وأصبح إبراهيم داعية داخل السجن وكان آخر عهده بالمحاماة قبل الاعتقال هو المكتب الذي افتتحه مع الشهيد عبد القادر عودة في ميدان الأوبرا .

وكان صدور الأمر باعتقال هذه الفئة المؤمنة في جمادي الأولي عام 1373هـ يناير عام 1954 م وتم الإفراج عن هذه المجموعة بعد المناداة من الشعب برجوع الجيش إلى ثكناته .

المؤامرة

وبعد وقوع حادث المنشية ( المزعوم ) والذي كان ذريعة وتلفيقا فوجئ الدعاة من الإخوان بالقبض على الكثير منهم تحت دعوي محاولة اغتيال عبد الناصر وقلب نظام الحكم . وهي مكيدة قصد بها الانتقام من الإخوان . وقدم إبراهيم الطيب إلى المحاكمة مع إخوانه ن أصحاب الدعوة ولكونه محاميا بارعا فقد دافع بحرارة وقوة عن المثل العليا والمبادئ الإسلامية . نعم دافع عن جماعة الإخوان المسلمين التي تحمل لواء العقيدة في شجاعة الأبطال وشهامة الفرسان .

ولكن يد الغدر لم تستمتع لصوت الحق وصدر الحكم بإعدام البطل إبراهيم الطيب شنقا تقبل الشهيد الحكم بصبر المؤمن وشجاعة التقي واحتسب أمره عند الله . وكانت آخر كلماته دعوة مظلوم قال فيها:"إلهي عليك بالظالم فاقصمه وخذه . فلا تفلته ".

ومضي هؤلاء العظماء يتركون وراءهم تاريخا أسمي لأجيال المجاهدين .  

شهيد أفغانستان: محمد عثمان أبو عاصم العراقي

( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) _(العنكبوت : 69)

أفغانستان قضية جميع المسلمين

كانت أفغانستان تعيش في هدوء شأنها في ذلك شأن أى دولة مستقرة تنعم بالأمن والأمان وكان الحكم فيها ملكيا " الملك ظاهر شاه "

وفجأة فكر الأعداء : كيف يفسدون بلدا مسلما ؟ لابد أن يكون لهم طابور خامس في البلاد هم أعوانهم الخونة .

أوحي الأعداء في بداية الخمسينات إلى الملك ظاهر شاه أن يحدث ثورة ثقافية لمحو الشعائر الإسلامية العريقة في الشعب الأفغاني . وبدأ المخطط بالهجوم الإعلامي على حجاب المرأة المسلمة . " وداس الملك حجاب امرأة مسلمة " في مؤتمر شعبي عام معلنا ( انتهاء الظلام إلى الأبد..!) وثارت الناس في ( قندهار ) ورفضوا نزع الحجاب فسير إليهم جيشا بقيادة ( خان محمد ) فقتل العشرات من أهل مدينة (قندهار )وبدأت خيوط المؤامرة تكتمل عندما أسند الملك رئاسة الوزارة إلى ( محمد داود خان ) وهو علماني مقرّب من الشيوعيين وعمل رئيس الوزراء على تربية الكوادر الشيوعية التي تعينه في مسئولياته ومن تلاميذه ( حفيظ الله أمين ) الرجل الذي عرف بولائه للشيوعية والشيوعيين .

وبدأ الرد من جماهير الشعب المسلم على هذه الغوغائية التي أحدثها الملك وأعوانه. وكان من ردود الفعل أن قام البروفيسور (غلام محمد نيازي ) بتكوين حركة إسلامية ترد وتجاهد في مواجهة هذا التيار الإلحادي الزاحف على البلد المسلم العريق " أفغانستان "

وسري التيار الإسلامي يحرك طلاب الجامعة الذين رفضوا تلك المبادئ الإلحادية ونادوا بالإسلام دينا ودولة وقد تم تأسيس حركة من شباب الجامعة أطلقوا عليها " جوانان مسلمان " ترأسها الطالب المجاهد (عبد الرحيم نيازي )

وكان " سياف ورباني ) من الأساتذة المشرفين على هذه الحركة وتطورت الأحداث وانتصر التيار الإسلامي وعمت البلاد الفرحة وكان ذلك في سنة 1973 ..

فتحركت الشيوعية وقامت روسيا بالإطاحة بالملك ظاهر شاه . وجاءت برجلها ( محمد داود) ابن عم الملك وعينته رئيسا للجمهورية الأفغانية وكان الهدف من ذلك القضاء على الحركات الإسلامية فهاجر بعض الشباب إلى "بيشارو" بالباكستان , ومن هناك قرروا مقاومة

" داود" وحمل الشباب البنادق والقنابل والمسدسات وفي هذه الأثناء تم اعتقال سياف وغلام محمد نيازي . وشهدت حدود باكستان معسكرات للتدريب يعمل فيها المجاهدون ليل نهار وقامت الحكومة بمهاجمة بعض حصون المجاهدين وأعدمت كثيرا .... منهم : د / محمد عمر , وخواجا محفوظ وانجنيز حبيب الرحمن ومولوي حبيب الرحمن .

استمرت مقاومة الشعب المنظمة وغير المنظمة ضعيفة لأن الأمل في الإصلاح كان يلوح في الأفق .

فجأة وقع في أفغانستان انقلاب شيوعي أحمر وذلك في 27 من نيسان عام 1978 م بقيادة تراقي . وأعلنت الشيوعية في البلاد وهنا هب الشعب الأفغاني في ثورة عارمة انتشرت في جميع مدن الدولة وحقق المجاهدون كثيرا من الانتصارات ضد الهجمات الشرسة للأعداء ضد المدافع والدبابات وتسلح الشعب بما يمكن له مع قوة إيمانه وأمله في النصر من الله .

في هذه الآونة كان الخلاف على أشده بين الخونة في كيفية توليهم السلطة وقام حفيظ الله بقتل تراقي ونادي حفيظ الله سادته الروس فدخلوا البلاد بجيوشهم وهب المجاهدون للمقاومة الأعنف ومن ومها 27 من ديسمبر 1979 م والشعب الأفغاني في جهاد مستمر .

هذه قضية أفغانستان قضية جميع المسلمين على وجه الأرض ماذا فعل العامل عندما سمع باجتياح الروس لبلد مسلم ؟!

ماذا فعلت الأمم المتحدة لشعب يتعرض للإبادة على أيدي أهل الإلحاد ؟!

ثم ما هو موقف الدول الإسلامية بحكوماتها تجاه روسيا المعتدية ؟!

ثم إن المعونات التي يتلقاها الشعب الأفغاني لا ترقي إلى المستوي المطلوب حتى يستمر الجهاد .

ومع كل هذا فإن المجاهدين في طريقهم لتخليص دولتهم من قبضة الشيوعية عن قريب إن شاء الله .

( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء )

مع البطل الشهيد

محمد عثمان " أبو عاصم " شاب عراقي ولد في أربيل في أسرة متوسطة في مستواها الاجتماعي والعلمي والمالي وشب مثل بقية الشباب ولكن في جو مكفهر يطارد المسلمين ويلاحق الإسلام .

إن الجهاد يرفع من شأن المجاهدين ذكري في الدنيا ومكانة عند الله في الآخرة فهناك من يجاهدون بأقلامهم وبعضهم يجاهد بماله والآخر بلسانه ولكن أعلي درجة الذين يجاهدون بما لا بديل عندهم له بالنفس يبذلونها رخيصة في سبيل الله .

وبطلنا " أبو عاصم " نشأ عادية ولم يحظ بالرعاية الكافية أو بالتعليم الذي به يستطيع أن يشق به طريق الحياة وعندما تعرض المسلمون لأنواع الإيذاء في بلده خرج مهاجرا حفاظا على نفسه ودينه .

في رحلة الهجرة بدأ التحول في حياة البطل التحول إلى الخير وهل هناك خير أفضل من التفقه في الدين ؟

ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :" في الحديث الصحيح

" من يرد الله به خيرا يفقه في الدين "

احتضن القرآن يحفظه وتناول الحديث يؤدب به نفسه واهتم بالقراءات وبالتلاوة وبالترتيل .

شهادة معاصر :

ومع المعلم البطل الدكتور / عبد الله عزام شهيد أفغانستان حيث يحدثنا عن حياة " أبو عاصم " فيقول :

( قال لى من سكن معه : كنا أحيانا نتحدث بأمور الدنيا وهو صامت ينسل من بيننا دون أن نشعر فنفتقده وإذا به اعتزل في غرفة أخري يقرأ القرآن وكان يحب صيام الاثنين والخميس ويقوم الليل شغفت نفسه بطلب العلم في ( ملتان) وحفظ القرآن ولم يبق منه إلا جزأن عندما قابلته لأول مرة في بيشاور ولكنه أتم حفظ القرآن في " بنجشير" كانت المقابلة قبل عام ونصف رأيت على وجهه إشراقه أشقر الشعر, باسم الثغر,رزين الصمت , وإذا تكلم فبقدر .

... قال لى : أريد أن أواصل تعلم القراءات فقلت له : تكفيك الآن رواية حفص إذ أنه حل بالمسلمين ما يشغلهم حتى عن أولادهم وأنفسهم ... الآن جاء دور الجهاد )

المجاهد العابد

اشتهر أبو عاصم بين رفاقه في أفغانستان بالتقوي والورع وكثرة الصلاة وحب الخير للرفاق . وما أن جاء رمضان حتى التف جمع من الشباب حول ( أبو عاصم) يصلي بهم صلاة القيام ويحدثهم عن الجهاد في شهر الجهاد وفجأة تصل البطل رسالة من أهله يطلبون منه العودة إلى العراق ولكنه يرفض بإصرار وبعدها بأيام تأتي مكالمة هاتفية لأبي عاصم إنها خطيبته تطلب منه العودة وتقول له :

" لن أتزوج ما دمت حيا " فرد عليها قائلا : تزوجي غيري فلا عودة إليكم هنا الحياة وهنا الممات ."

ورحل أبو عاصم في منتصف رمضان إلى الشمال كي يقابل قائد الشمال ( أحمد شاه مسعود) البطل المخلص الذي تعلق به وطلب منه أن يعلمه اللغة العربية ويحفظه القرآن وقال أحمد شاه : لا تفارقني يا محمد عثمان .

هنيئا لهؤلاء الذين جاهدوا أنفسهم قبل جهادهم العدو . نعم بأدب النفس وتهذيبها وبالاتصال الحقيقي بخالقها تقوي الإرادة وترق القلوب وتسمو النفوس فترجع إلى الحق طريقا وتلتمس الهدي سبيلا فتعشق الموت في سبيل الله لأنها أنه الخلود الحقيقي .

بناء الشباب

بدأ المجاهد قائد الشمال ( أحمد شاه ) يعد الندوات ويدعو الشباب للجلسات القرآنية التي يحاضرها ويعلم فيها البطل " أبو عاصم " وتسابق المجاهدون من الشباب إلى هذا الغذاء الروحي وفتح الله على المعلم المجاهد وفي أقل من عام كان رواده الذين يتربون على يديه يزيدون على المائتين من القادة والجنود .

وكان أهم ما تميز به هؤلاء الجند :

1- تلاوة القرآن وتجويده

2- صيام الاثنين والخميس

3- قيام الليل

4- الزهد في الدنيا وحب الشهادة .

لقد تعلق المجهدون بالبطل " أبو عاصم العراقي " فهم لا يريدون مفارقته أصبح البطل يمثل روح الجهاد في أفغانستان المسلمة ونال البطل من الرفاق والتلاميذ كل تقدير واحترام حتى إنه كان يلقب ( قاري صاحب ) أى المحترم .

لم يكن البطل مشغولا بالعلم والعبادة – وحسب بل كان يقضي الوقت الأكبر في التدريبات العسكرية ومعه مريدوه وبذلك كمل لشخصية البطل المقومات التي جعلته قائدا عظيما .

مع الصديقين والشهداء

يذكر الأصدقاء من حول البطل " أبو عاصم " أنه كان يتمني الشهادة في شهر القرآن رمضان وقد استجاب الله دعوته وحقق أمنيته ..

جاء اليوم الرابع عشر من رمضان سنة 1406 هـ وبدأت معركة ( أندراب بغلان ) وأستأذن أبو عاصم ليشارك في المعركة واختار لنفسه أكبر المهام وأصعبها وهو تفجير " القلعة " التي يتحصن فيها الأعداء.

اشترك في هذه المعركة ما يربو على مائة وعشرين من المجاهدين وكتب أمام اسم الداعية المجاهد " أبو عاصم " كلمة شهيد . وقال الكاتب إن لدي إحساسا بأنه سينال في هذه المعركة الشهادة وأن الله سيحقق أنيته أفطر المجاهدون استعدادا للمعركة إلا البطل أبو عاصم رفض وصمم أن يجاهد صائما .

ووصل الجنود إلى القلعة يتقدمهم البطل ( محمد عثمان – أبو عاصم العراقي ) وفي سرعة خاطفة وضع الألغام تحت باب القلعة ورجع كالأسد الجسور وقبل رجوعه إلى مكانه بين صفوف زملائه فتحت عليهم من تجاه العدو الرشاشات في نفس الوقت الذي تفجرت القلعة بالأعداء الذين دب في قلوبهم الرعب ومات منهم كثير من الجنود , حتى إذا انكشف غبار القتل كان البطل الصائم قد استشهد ومعه زميل له هو البطل ( شاه قلندر ) ومضي أبو عاصم إلى ربه تستقبله الجنان ليأخذ مكانه بين الشهداء الأحياء عند الله .

لقد كانت حياة البطل حياه كفاح تستحق أن تدرس لأبناء الأمة ليعرفوا عظمة هؤلاء الذين ربح بيعهم وحقق الله أمنيتهم ( مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا )

شيخ الثوار الشهيد سعيد ملا الكردي

" بطل التحدي "

( أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم )

فكرة القومية والخلافة الإسلامية

لعب الخونة دورا آثما مستغلين الحركات الانفصالية عن الدولة الأم مقر الخلافة " تركيا عمل هؤلاء بإصرار على البحث عن صيغ مزيفة يقدمونها للشعب المسلم في محاولات لإقناعه بفشل الخلافة وأن الاستقرار في القوميات فكرة القومية فكرة قديمة وأساسها لا غبار عليه . إن أريد بها قومية متماسكة في ظل الإسلام وأساسها لا غبار عليه . إن أريد بها قومية متماسكة في ظل الإسلام وتعاليمه - لكن شتان ما بين هذا المفهوم وما أراده الخونة .

أما أن يراد بالقومية إحياء عادات جاهلية درست وإقامة ذكريات بائدة خلت , وتعفيه حضارة نافعة استقرت والتحلل من عقدة الإسلام ورباطه بدعوي القومية والاعتزاز بالجنس كما فعلت بعض الدول في المغالاة بتحطيم مظاهر الإسلام والعروبة حتي الأسماء وحروف الكتابة وألفاظ اللغة , وإحياء ما اندثر ما عادات جاهلية فذلك في القومية معني ذميم وخيم العاقبة سيئ المغبة يؤدي بالشرق إلى خسارة فادحة يضيع معها تراثه وتنحط بها منزلته ويفقد أخص مميزاته وأقدس مظاهر شرفه ونبله , ولا يشر ذلك دين الله شيئا .

لقد ظهر من ينادي في قلب بلد الخلافة " تركيا " بقومية عجيبة – بل وظالمة – قومية تعني التفاضل بين الناس على أساس الجنس كما حدث في ألمانيا وإيطاليا إنها قوميات حمقاء لأنها تعني التضحية . بالأجناس الأخرى في سبيل عزة أمة وبقائها . وذلك يتنافي مع مبادئ الإسلام بل مع أبسط مبادئ الإنسانية .

والحقيقة أن عامة الشعب التركي رفض هذه النعرات الجاهلية والشعارات الجوفاء ذلك لأنه شعب متدين ولا يوافق على أى تغيير فيما ألفه من الشئون الإسلامية غير أن رأيه فهذا قاصر عليه فلا يصل إلى منصات الأحكام ومواد القوانين وخطط الحكومة

كان برنامج ( حزب الخلق ) وهو الحزب الذي أسسه الخائن كمال أتاتورك – كان يشتمل على العمل على إزالة التقاليد القديمة ووضع القوانين بالحرية التامة .

إذن هي معركة بين الإسلام بعظمته (دين ودولة – شعب وحكومة ) وبين العلمانية والذئاب المتسلقة من أجل تحقيق حكم أو ,ضع نظام يضمن لهم كراسي السلطة ويرضي سادتهم في الغرب ولا يثير عليهم ملحدي الشرق .

الارتداد عن الدين :

إن حادثة إلغاء المحاكم الشرعية وإن كانت مسألة مستقلة ذات خطورة عظيمة بحيث تكفي وحدها لتغيير الدولة الإسلامية وإخراجها عن أصلها إلا أنها من مستتبعات التفريق بين الحكومة والخلافة ومؤيدة لما ذكرنا فيما عمدوا إليه في ذلك التفريق لأنهم لما نزعوا الحكومة من الخليفة لأجل كونه خليفة له رئاسة دينية ومن واجبه أن يجعل دين الإسلام حاكما في حكومته قاعدا لها بالمرصاد حتى يستقلوا برأيهم ويفلتوا من قيد ذلك الحكم والرصد فلا جرم التزموا إلغاء المحاكم الشرعية الممثلة لحاكمية الدين في المملكة ومن جراء ذلك جزمت أنا أبان افتراق الحكومة التركية الحاضرة عن الخلافة بأنه ارتداد عن الدين .

إعلان الغضبة

ظهر في هذه الآونة السابق ذكرها رجال أحرار حملوا على عاتقهم مسئولية الدفاع عن الخلافة الإسلامية وهو في نفس الوقت دفاع عن الدين – أو عن الإسلام ونظامه وهي غضبة لله في وجه أ‘داء الله .

قامت ثورات وحركات عصيان ضد الخونة الذين ترأسهم ( كمال أتاتورك ) ونجحت في توعية الشعب وإثارته ضد أهداف العلمانية ورجالها إلا أن مساعدة الغرب ورغبته في إسقاط الخلافة حال دون إتمام نجاح هذه الثورات .

ونعيش الآن مع أحد قادة الثورة الإسلامية في تركيا  :

الشيخ الثائر

كان الشيخ سعيد الملا الكردي رجلا مسلما يتصف بقوة العقيدة وحسن الخلق وحبه للإسلام وينتمي الشيخ سعيد إلى أكبر القبائل الكردية في الأناضول التركي وهو شيخ أكبر قبيلة وهذا ما جعله يستفيد من ثقله العشائري في خدمة الإسلام .

وعندما وقعت البلاد في هذه الفتنة الطاحنة التي أدت إلى إلغاء الخلافة الإسلامية ظهر الشيخ سعيد أسدا ثائرا وعلما شامخا يتصدي لمؤامرة الردة التي استهدفت الإسلام في دولة الخلافة .

وفي عام 1919 استطاع الشيخ جمع العشائر من حوله وإعلان قيام حزب إسلامي هو ( حزب انبعاث وحدة الإسلام ) وكان لتأسيس هذا الحزب رد فعل عنيف أقلق مضاجع الخونة فأشار مصطفي كمال أتاتورك إلى أعوانه بنشر الشائعات القذرة حول شخصية الشيخ وبلغ الحد اتهامه بأنه عميل للإنجليز وبالطبع فإن الشعب التركي عامة وقبائل الأكراد خاصة يعرفون من هو الشيخ المجاهد بل ويعترفون بنزاهة شخصيته وحسن خلقه وإخلاصه لدينه وحبه لوطنه .

الحزب والثورة

نجح الخونة بقيادة أتاتورك في حياك المؤامرات ودس الفتن وإثارة القلاقل من حول الشيخ سعيد وأعضاء حزب ( انبعاث وحدة الإسلام ) وتمكن أتاتورك وأعوانه من حل الحزب وتشتيت أعضائه والتفريق بينهم خوفا من تجمعهم مرة أخري . ولم يؤثر ذلك في كفاح الشيخ ولم يثنه عن عزمه وظل متمسكا بتركيا المسلمة مصمما على الجهاد ضد أعداء الإسلام , وكانت الكارثة عندما أ‘لن أتاتورك إسقاط الخلاقة الإسلامية كان ذلك في الثالث من آذار عام 1924 م وأتبع ذلك بسيل من الإجراءات القمعية الوحشية لطمس جميع معالم الإسلام في تركيا :

وفور وقوع هذه الأحداث الخطيرة وجد الشيخ الفرصة حيث انطلقت ردود الفعل الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بالاستنكار وإعلان الغضبة الجماهيرية وأعلن الشيخ سعيد ملا الكردي قيام الثورة التي نادت بأعلي صوتها برفض إجراءات المجرم قائد الردة الكافرة عميل الاستعمار صاحب أكبر وصمة عار في جبين الإنسانية .

وفي الخامس من شباط عام 1925 م ازدادت الحركة الثورية وانضم إليها الآلاف وأصبحت تهدد وتؤرق مضاجع الخونة أصحاب المؤامرة الدنيئة – وزاد الثورة عظمة أنها رفعت شعارها ( راية خضراء مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .

مواجهة حاسمة

تحرك المجاهد الشيخ سعيد ملا بقواته المسلمة المؤمنة , والتي معظمها من الأكراد أصحاب الصلابة والشجاعة والاستبسال , وانتشرت القوات الثورية في أكبر مساحة تمكنت فيها حتى استطاعت السيطرة على مدينة ( ديار بكر ) وأحس الأعداء بفداحة الموقف وخطورته – فحشد الأعداء أكبر قوات لديهم من عتاد وعدة زادت عن ثمانية فرق عسكرية وتم محاصرة الشيخ وقواته ودارت معركة شرسة إلا أن جيوش الأعداء تغلبت على الموقف وفرقت قوات وقامت بتمشيط المنطقة بأسلوب وحشي بشع لا يوصف بالإنسانية .

وإزاء هذه الأحداث اضطر الشيخ الشهيد إلى التراجع ببعض قواته على قمم الجبال والتي عسكر فوقها في محاولة جديدة لتجميع قواته واستعادة قوته ولكن الأعداء لاحقوهم وأحكموا على الشيخ وجنده الحصار الذي استمر أياما مع بعض المناوشات القتالية وفي النهاية استسلمت قوات الثورة الإسلامية بعد كفاح طويل .

تم القبض على عدد كبيرا من الثوار على رأسهم الشيخ المجاهد سعيد ملا الكردي .

استشهاد البطل الثائر

شكلت محكمة سريعة هزلية ن قيادات العلمانية في تركيا لمحاكمة الشيخ سعيد ملا الكردي وإخوانه .

وجهت المحكمة اتهاماتها ونفاها الشيخ بل قرر للمحكمة أن الأولي بالاتهام بالخيانة هو أنتم , لأن خياناتكم لله ورسوله صلي الله عليه وسلم .

وكانت المحكمة قد عقدت جلستها في ميدان ديار بكر الرئيسي في وسط جموع من الناس وأعلنت حكمها برئاسة الخائن المجرم مصطفى كمال أتاتورك بإعدام الشيخ وإخوانه الثوار وقدم الشيخ للمشنقة وهو يقول بصوت مرتفع لا إله إلا الله محمد رسول الله .

ولقي المجاهد ربه بعد شنقه وتعليق جثته الطاهرة على باب مسجد ديار بكر الكبير وكذلك فعل بإخوانه :

( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

الداعية المجاهد الدكتور صالح محمد الفارسي

صاحب السيف والقلم

( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) ( فصلت : 30)

وكانت البداية

ولد المجاهد ( صالح محمد الفارسي ) في بني غازي سنة 1951 م وحصل على شهادة الطب من جامعة بني غازي – ثم توجه إلى بريطانيا للدراسات العليا بجامعة لندن قسم الأطفال . وعاش في بريطانيا يحدوه الأمل في الحصول على الدكتوراه .

وفجأة شدة الحنين إلى أرض المجاد والجهاد إلى أرض الطيبة التي تروي كل يوم بدماء الشهداء . ,أصبحت أفغانستان بما يدور عليها شغله الشاغل يتتبع أخبارها ويزداد كل يوم لديه الحماس القتالي وحبب الله إليه الاستشهاد .

كان دائما يردد كيف يعيش الإنسان يتمتع بمباهج الدنيا في عاصمة الزحام والبريق ووطنه الإسلامي مسلوب .

وبعد أيام من التفكير هداه الله فأصدر قراره بالرجوع إلى بلده ثم التوجه إلى أفغانستان.

على أرض الجهاد

وصل لمجاهد أرض أفغانستان ولم يكن على أرضها طبيب عربي واحد . وكان على البطل أن يحمل البندقية بيد وحقيبته الطبية بيد أخري وانضم إلى جموع المجاهدين الذين سر بهم وشرحت صدورهم به وسار معهم إلى " غزني" وهناك مكث ثمانية أشهر طلق فيها الدنيا يأكل ويشرب في مخابئ القتال – حياة كلها خشونة وشتان ما بينها وبين حياة الترف والنعيم في لندن .

وبعدها طلب الدكتور صالح إلى " بلح " – مزار – وكان الأطباء الفرنسيون قد دخلوا قلوب الناس – وليى صالح الطلب وسافر إلى هناك حيث كثرة عدد المرضي الذين يتمنون أن يعالجوا على يد طبيب مسلم – وها هو الدكتور الداعية المجاهد صالح الفارسي .

لقد كان تواجد الأطباء الأجانب في أرض أفغانستان وصمة عار في جبين كل عربي مسلم وذلك لأن مهمة هؤلاء لم تكن الطب فقط بل حملوا معهم التبشير وكانوا يحبون الفقراء بالحلوي والهدايا وما إلى ذلك .

وبوصول البطل المجاهد طلب أهل المنطقة من الفرنسيين ( الأطباء ) مغادرة البلاد وتم ذلك بالفعل .

فتوي :

شجع الشعب الأفغاني ترك الأطباء الأجانب أن القاضي عبد الله أعلن :

حرمة المعالجة عند الفرنسيين وحرمة مخالطتهم ومجالستهم , وهكذا وفي يوم واحد تقلب لهم بلخ ظهر المجن إذ أن العلاج عندهم كان ضروري والضرورة تقدر بقدرها وانتهت هذه الضرورة فشعر الفرنسيون بالنبذ والانفراد فقالوا للأمير والقاضي : يبدوا أنكم قد استغنيتم عنا فكان الرد :

نعم : فطلب الفرنسيون أخذ معداتهم فلم يأبه المجاهدون لهذا فقالوا لهم : وليكن لكم ما تريدون خذوها وغادروا المنطقة .

من كرامات البطل :

كان لوصول الدكتور صالح أثر كبير في نفوس المجاهدين ومما روي في ذلك أن أحد المجاهدين كان قد أصيب بشظية في العمود الفقري . وعرض على الأطباء الفرنسيين الذين قرروا أن علاجه مستحيل وأصيب المجاهد بتحطيم نفسي مما جعله في حالة سيئة .

ولما وصل الدكتور صالح : عرض عليه المجاهد المصاب فاستطاع بعون الله إخراج الشظية وعلاج المصاب الذي ارتسمت البسمة على وجهه متفائلا مسرورا بأن معالجه طبيب مسلم .

وبعد أن كان المريض مقعدا يتبول ويتبرز على السرير . تحرك وخرج إلى بقية إخوانه : وقال الدكتور صالح : إن الله هو الذي شفاه والعبد سبب فقط .

وعاش المجاهد ( الدكتور صالح ) سنتين في ( مزار شريف – بلخ)

عرف فيها بين إخوانه بعلو الهمة وكرم الأخلاق كما اشتهر ببراعة الحديث والأسلوب العذب وأصبح له مريدوه الذين يحضرون به محاضراته التي يشرح فيها الفقه الإسلامي وخاصة الآداب والسلوك وأبواب الجهاد في مجال الطب لقب بالماهر . وفي مجال الكرم أطلق عليه إخوانه : أبا حاتم كان الداعية الإسلامي يعلم أبناء الشعب الأفغاني عبارات يرددونها مثل : ماذا تريد ؟ أريد جيلا قرآنيا فريدا لا يخشي الوعيد ولا التهديد, قدوته أسامة بن زيد وخالد بن الوليد . أمله الوحيد أن يموت في سبيل الله شهيدا .

إن شهيدنا الدكتور الفارسي كان داعية مخلصا وكان طبيبا ماهرا وكان أخا وفيا نعم الرجال في ميدان القتال .

استشهاد البطل

في سنة 1409هـ وفي شهر الجهاد ( رمضان المبارك ) عاد المجاهد الفارسي من ( تخار) بعد حضور احدي المعارك الكبرى في ( جلال أباد) وكان فيها مقاتلا ومعالجا ولقد شهد مصارع كثير من إخوانه وهو في شوق للشهادة .

وتمر الأيام وفي العشرين من صفر عام 1410هـ تقع كبري المعارك بين المجاهدين والملحدين وقد شهد الجميع ببسالة الداعية صالح الفارسي ولكن قدر الله مقدور إذ أتت قذيفة صاروخية وقع على أثرها المجاهد البطل ( الفارسي ) شهيدا مع أخ عزيز آخر هو " أحمد المبارك الصومالي " وشيع جثمانه الطاهر في موكب مهيب ودفن بمقابر الشهداء ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

الشاب الشهيد: أحمد الزاهراني

زهرة أفغانستان

(إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدي ) ( الكهف :13)

في بيت المجاهدين

نشأ المجاهد في بيت بسيط متواضع عرف عنه منذ الصغر الاتجاه إلى الله . ذلك لأنه ترعرع في أحضان أسرة آثرت الجهاد على كل شئ في الحياة بل أصبح – الجهاد – شغلها الشاغل. وكان أحمد وأسرته يعيشون في الطائف بلدهم الأول . وليس معني ذلك أن بقية أهل الطائف كانوا بمعزل عن أحداث أفغانستان المسلمة لا بل كان الحديث السامر للناس هو تتبع أحداث الجهاد وموقف الأمة الإسلامية وموقف العالم أجمع .

عاش – أحمد – بين إخوته عيشة هادئة وله بينهم مكانة مرموقة وهم يتقلدون مناصب اجتماعية هامة في بلدهم وفي رمضان عام 1406هـ .

أراد أحمد أن يقف بنفسه على طبيعة الجهاد في أفغانستان ودخل أفغانستان واستقبله بعض المجاهدين الذين شرحوا له مهامهم أمام الأعداء فسر بذلك- أحمد الزهراني – الذي بدأ يبتسم وكأنه ود ضالته وانشرح صدره بل أحب المجاهدين حب الروح .

قبل – أحمد- أن ينضم للمجاهدين مع أنهم شرحوا لع – قساوة الحياة في منطقة ( جاجي ) التي نزل بها – إن الشتاء شديد . والجند يعيشون في وسط الثلوج . ولكن كل هذا لم يؤثر في نفس المجاهد – أحمد – بل أحب الشهادة وأقبل بإخلاص ووداعة وصفاء نفس لا يريد إلا الوفاء لدينه والنصر للمسلمين

الشاب المجاهد

انخرط – أحمد – في صفوف المجاهدين – وأصبح يضرب به المثل في الطاعة لله حيث كان يوقظ إخوانه لصلاة الفجر وتمركزت القوة التي يعمل فيها – أحمد – في منطقة بالقرب من العدو بينه وبين مراكز الشيوعيين ثلاثة كيلو مترات ونصف وبينها وبين مركز المجاهدين أربعة عشر كيلوا مترا .

وبدأت الأعمال العسكرية الحساسة في تلك المنطقة الخطرة ويبدو على المجاهد الاستبسال والشجاعة .

سأل أحد الحاضرين – أحمد – بقوله : ماذا لو هجم العدو بدباته وطائراته وقنابله وصواريخه على هذه المنطقة . هل تنسحبون ؟ فقال البطل : سنتصدي لها بإذن الله ونرجعها . فقال السائل: إنها أقوي قوة على الأرض فقال أحمد : الله في السماء أقوي منها .

كان الشهيد , بجوار قتاله الأعداء من أعظم الدعاة في صفوف المجاهدين يشرح لهم الفقه ويبين لهم مكانة الجهاد وكل يوم يزدادون علما .

وصف أحمد بأنه كان عالي الهمة صاحب نفس أبية :

وإذا كانت النفوس كبارا ............ تعبت في مرادها الأجسام

سبحان الله . كان أحمد يتلو القرآن بين المجاهدين بصوت ندي ويروح عن إخوانه بأناشيد الكفاح – وكان المجاهدون يرتاحون إليه ويصلون وراءه وفي مقابل هذا الحب كان يطلب منهم أن يدعوا له بالشهادة التي كانت أمله الوحيد في الحياة .

مع الأبرار

وتمر الأيام والشاب الداعية يقوم بدوره خير قيام . وفي صباح الجمعة 19 من شعبان عام 1407 هـ الموافق 17 من أبريل عام 1987 م مر على شباب يتحدثون ويمزحون فقال لهم : " لا تنسوا قراءة سورة الكهف " وبدأ – أحمد – كلما مر بأحد يوصيه . وكان لديه إحساسا بأن هذا اليوم آخر أيامه في الدنيا . حتى أنه قال لأخيه حذيفة – وكان يكبره سنا -: سلم على ولدي فإني اليوم شهيد .

واصطف المجاهدون – كالبنيان المرصوص – للانطلاق إلى أكبر العميلات العسكرية ضد العدو ومضت الجموع . وفي أفضل الأوقات استجابة للدعاء السادسة مساء فتح المجاهدون نيرانهم على تجمعات الأعداء ومراكز إمداده. ودارت معارك حامية الوطيس ... وكان الشهيد أحمد ينتقل من هنا إلى هناك وهو في بشر وسرور .

دخل الليل بظلمته وانقشع غبار المعركة وبدأ المجاهدون ينادي كل منهم على الآخر – ونادي – يحيي – وهو من المقربين للشهيد يا أحمد يا أحمد- وذهب يبحث عنه بين أحضان الصحراء فوجده مضرجا بدمائه معفرا بالتراب .. في جنة الخلد مع الصديقين الشهداء!" طوبي لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ,أشعث رأسه مغبرة قدماه , إن كان في الحراسة كان في الحراسة , وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع "

ورحل أحمد الزهراني – ليكون هناك في الجنة مع مصعب بن عمير والطفيل بن عمرو .

بل مع الحبيب المصطفي صلي الله عليه وسلم .

فيا شباب الأمة الإسلامية هذا مثال رائع فاقتفوا أثره .


المعلم الشهيد :محمد علي عبد الله

" حارس الدعوة "

( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ) ( آل عمران : 140)

بطل وقضية

كان البطل الشهيد " محمد على " مثال الرجولة التي تتحلي بالأخلاق الفاضلة مما ييسر له أن يلعب دورا في نشر الدعوة الإسلامية متأثرا بقيادات " جماعة الإخوان المسلمين " الذين تلقي على أيديهم أصول الدعوة إلى الله .. لقد التف حول البطل بعض الشباب الذين تأثروا بفكرة الإسلامي الناضج. وبخاصة أن الشهيد كانت مهنته التعليم" مدرس بمدرسة كفر شكر ) – محافظة القليوبية – مصر .

وكان البطل في مراحل الابتلاء يزداد تعلقا بالعبادات ويكثر من النافل وتلاوة القرآن الكريم ويتوجه إلى الله تعالي بالرجاء والدعاء إن قلب المجاهد يتصل بربه , والروح تشتغل في هذا الجو بالغذاء الروحي نهلا من وحي السماء ( القرآن والسنة) .

لقد عرف عن الشهيد زهده في الدنيا وقطع أسبابها التي تشغل الإنسان عن الاتصال الروحي. وكان السجن أكبر فرصة للتعليم والتعليم وتأسيس الأجيال .

كان البطل وإخوانه يعلمون جيدا أن الابتلاء والمحن التي يواجهها أى مجاهد في سبيل الله في صراعه مع أولياء الشيطان من شأنها أن تنقي نفسه من الشوائب الشرك والرياء وتنقي قلبه من الهوي لأنه يعلم أن الله ناصر جنده .

عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال : قلت : يا رسول – أى الناس أشد بلاء ؟

قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه".

ويقول سبحانه وتعالي : ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب )

وهكذا فإن الله عزوجل يبتلي المؤمنين ليمحصهم فيزدادوا إيمانا على إيمانهم وقد سجل التاريخ كثيرا من مواقف الدعاة الذين ابتلوا وزلزلوا ولكنهم لم يهنوا ولم يستسلموا .

بين أنياب الذئاب

كان عمر الشهيد " محمد علي " 48 سنة متزوجا وله ثلاثة أولاد ولد عام 1917 م وقبضوا عليه يوم 31 من أغسطس عام 1965 م وذهبوا به إلى سجن بنها وبقي أربعة أيام عاد بعدها إلى منزله وهو – كما تقول زوجته – ( في حالة سيئة جدا عندما خلع ملابسه ورأيت جسمه كله باين عليه آثار الضرب بالكرابيج ... وكان متسلخا ... وملابسه لاصقة بجروحه).

والحقيقة أن أبشع صور التعذيب لقيها هؤلاء الذين زج بهم في السجن الحربي . ولم تكن المصيبة تلحق بالأسرة بفقد الشهيد فقط , ولكنها كانت تتعداها إلى التنكيل ببقية أفراد الأسرة وقطع المعاش وملاحقة المتعلمين من الأسرة . حدث هذا لأسرة الشهيد محمد عواد.. وحدث لأسرة الشهيد إسماعيل الفيومي ولأسرة الشهيد سيد قطب وحدث لأسرة شهيدنا ( محمد على عبد الله ) شهيد كفر شكر . وسيظل تاريخ الذئاب البشرية التي هتكت الأعراض وسجنت الأبرياء وشنقت الأتقياء. ويظل وصمة عار في جبين هؤلاء ( عصبة الحكم الناصري).

شهادة حق :

يقول على حسن عبد الله ( ابن عم الشهيد محمد علي عبد الله )

عندما عرفت من أولاد عمتي خبر عودة ابن عمي إلي بيته توجهت إليه ووجدته عرفت من أولاد عمتي خبر عودة ابن عمي إلي بيته توجهت إليه ووجدته مجهدا ولا يستطيع الجلوس ويتألم ألما شديدا فسألته عن السبب فقال لى: لقد أخذوني لأني متهم بأني من الإخوان المسلمين وذهبوا بي إلى مكتب مباحث شبرا الخيمة. وهنا عذبوني كي أدلي بأقوال تثبت أنني من الإخوان المسلمين ..

وبقي ابن عمي أياما قليلة في بيته ثم ألقي القبض عليه مرة ثانية فذهبت إلى ضابط مباحث المركز وسألته عنه فقال لي : لا تسأل عنه .. وهو بكره سيأتي .

ولكنه لم يعد .. وبعد حوالي عشرين أو خمسة وعشرين يوما " المخبرين" في المركز سألوني عن ابن عمي .. وقالوا لى : هو ابن عملك لم يأت ؟..

قلت لهم :.. لم يأت ابن عمي !! فقالوا لي : إنه هرب من السجن الحربي . وإن النشرة الجنائية تقول هكذا .

يا سبحان الله أني لمعذب مريض أن يهرب من قوات مدججة بالسلاح ولكن التهم نوع من الابتلاء .

استشهاد البطل

وفي ليلة من ليالي السجن الحالكة الظلام بالظلم والعدوان نادي عسكري في وسط المسجونين : أين محمد على عبد الله : فرد عليه البطل فقال له : أنت مطلوب للاستجواب .

وأخذه وذهب به .. وبعد عدة ساعات عاد البطل وقد تشرحت رجلاه وآثار التعذيب واضحة عليه حتى أنه كان ينزف دما.

وفي اليوم التالي طلب أيضا تحت دعوي التحقيق ( ولكنه في الحقيقة التعذيب ) استمر العساكر حتى مزقوه .. ثم أعادوه إلى الزنزانة والسؤال الآن الذي يفرض نفسه .

ما هي تهمة هؤلاء وما هي جريمتهم ؟! ويل لبني البشر من الظلم والكل سيمثل أمام القضاء الإلهي ( وما ربك بظلام للعبيد)

وبعد جولات وصولات من زبانية السجن الحربي الذين ينتقمون من برئ بدون ثأر , ويعذبونه لا لشئ إلا لأن شهيتهم التمتع بآلام الأبرياء – بعد كل هذا – ازدادت حالة البطل سوءا . تورمت قدماه وانسلخ جلد ظهره . وكان رفاقه يأخذونه إلى المستشفي وازداد الإيلام عندما منع من الذهاب إلى المستشفي وظل في الزنزانة إلى أن نزف معظم دمه .

وبقي الشهيد محمد على عبد الله فاقد الوعي طوال الليل وبين الحين والحين يصدر منه أنين ... وفي الصباح حضر أحد العساكر وقال لنا : هاتوا الولد اللي عندكم !!

حمله الزملاء إلى الحوش وتسلمه عسكري ( تومرجي ) ووضع البطل على سرير بجوار فسقية مياه .. وبعد لحظات من وضعه على السرير شهق شهقة .... ومات!!

يقول عاطف – أحد شهور العيان ظل محمد على عبد الله ينزف وبدأ يفقد الحركة والنطق مع التشنج... ولقد قمت أنا بنفسي بتلقينه الشهادة عندما أيقنت أنه في الغرغرة وقام زملائي الثلاثة بحمله إلى فناء السجن وعادوا بعد ذلك وقالوا لى أنه قد مات أثناء وضعهم له على السرير .

وهكذا انتهت حياة بطل من البطال سخر منه المجرمون واستهزأ به الجلادون أنسي هؤلاء أنهم أمام ربهم موقوفون .

في جنة الخلد أيها البطل الشهيد كافحت دنيا وسعدت آخرة وفزت برضي الله : ( ولئن قتلتم سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون , ولئن متم أو قتلتم لإلي الله تحشرون )

البطل الفذ: أحمد عبد العزيز

صقر في سماء فلسطين

" يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ) ( التوبة : 123)

الإخوان المسلمون في معارك فلسطين

فلسطين قضية المسلمين الأولي التي ما زالت تشغل أذهان الأمة الإسلامية وأملها في الله عزوجل أن ينصر المسلمين ويخزي الكافرين فذلك وعده الحق .

كان الإخوان المسلمون أول هيئة عنيت بالقضية الفلسطينية خاصة على المستوي الشعبي – وقد استفاد الإخوان في فلسطين – كما يقول الشيخ نمر الخطيب والذي نزل بدمشق قادما من فلسطين :" من تدريبات بريطانيا لجماعات اليهود وأمدنهم في فلسطين بالأسلحة والذخائر وقد لجأ يهود العرب إلى حيل كثيرة لإمداد اليهود في فلسطين بالأسلحة فقد صادف إرسال صناديق كبيرة من بريطانيا إلى محلات تجارية في فلسطين على أنها أقمشة وسلعا – فكسر صندوق عند إنزالها فإذا به أسلحة وذخائر ومسدسات صغيرة فعلم سكان حيفا بالأمر مما جعل الشيخ الشهيد عز الدين القسام يعتزم القيام بثورته مع إخوانه ومريديه . قام الشيخ بإلقاء محاضرة في بعض مساجد حيفا كشف فيها عن مكر وخداع اليهود ودعا الشعب المسلم في فلسطين إلى الثورة وقد كان للشيخ تأثير روحي كبير وسط جموع المصلين .

ولقد لعبت بريطانيا وأعوانها دورا قذر إبان الحرب العالمية الثانية . وقام الإخوان بادوار البطولة والجهاد التي لم تنته بانتهاء الحرب ولكنها عملت في ثلاثة ميادين :

أولا : تقديم المذكرات للحكومات العربية .

ثانيا: الصعيد الشعبي بالمحاضرات الاجتماعات العامة في المدن والقرى .

ثالثا : الصعيد العملي حيث أرسل الإخوان بعض شبابهم لزوروا فلسطين وطلعوا على أحوال اليهود فيها فزاروا يافا وتل أبيب وحيفا والقدس وكثيرا من المستعمرات اليهودية .

ولنا وقفة مع كارثة التقسيم سنة 1948 م حيث هب الشعب في جميع البلاد العربية والإسلامية ينادي بالتطوع ويعلن الجهاد المقدس والذي أصبح فرض عين وتكونت جماعات للتطوع في معظم الدول العربية وأخذت هذه الجماعات على أنفسها عهدا :

1- بتكوين جيش يقاتل لتحرير فلسطين .

2- رفض التقسيم والدفاع عن عروبة فلسطين .

وأعلنوا فتح باب التطوع في جميع أنحاء البلاد وأقبل الشعب المسلم إقبالا منقطع النظير إلا أنه مما يؤسف له أن معظم الحكومات العربية رفضت هذا العمل الجيد بل وأغلقت مراكز التطوع وأصبح واضحا أن المقصود بهذه الإجراءات من لدن هذه الحكومات هم " الإخوان " لأنهم الذين أخذوا على عاتقهم مسئولية إعلان الجهاد وفتح أبواب مراكز التطوع .

وأمام هذه المواقف السيئة أعلن بعض الحكام العرب عن تأليف جيش للإنقاذ مما اضطر الإخوان المسلمين إلى الانخراط في كتائب هذا الجيش فلما وجدوا عدم جدواه ألفوا كتائب خاصة بهم لمقاومة الاحتلال وقد نفذ الإخوان عمليات عسكرية رائعة شهد بها العدو قبل الصديق .

انتشرت معسكرات التدريب في قطاعات فلسطين وانخرط الشباب المسلم يتلقي التدريب ولكن عود السلاح والمدد المادي كان يقف عقبة في مواصلة الجهاد .

إن المسجد الأقصي ليشهد بأروع العمليات العسكرية التي قام بها الإخوان دفاعا عنه حتى تكونت في القدس " منظمة الجهاد المقدس " ثم توزع الإخوان على مناطق القدس الغربية التالية : الشيخ الجراح , المصرارة سعد وسعيد القطمون وكان المسئول عن هذه الجماعات الثلاث الأخ : عدنان الدبس , والمسئول عن القطمون كل من الأخوين : زهر شاويش والمرحوم كامل حتاحه وفريق الانضباط في المدينة بقيادة الشهيد ضيف الله مراد

معلوم أن الإخوان لم يكتفوا كغيرهم بالمظاهرات والتصفيق لقضية فلسطين ولكنهم تلمسوا كل الطرق في سبيل تذليل العقبات أمام الشباب المسلم المتطوع الذين وفدوا من جميع المراكز والقرى حتى هنا في القاهرة ضاقت ساحات ودواوين الدولة بأعداد المتطوعين .

وبعد مشاورات ومؤتمرات انتهي الأمر إلى تكوين فرق من المتطوعين يقودها ضابط من الجيش وتتولي الجامعة العربية تمويلها ورحب الإخوان المسلمون بهذا العمل الرائع لأن هدفهم الأول والأهم هو إنقاذ فلسطين وأصبح الإخوان أكثر الأعداد تطوعا وأخلصهم عملا ونفانيا وشهدت ساحات التدريب براعة الشباب المسلم وإقدامه وسرعة تفهمه للفنون العسكرية .

وفي 25 من أبريل عام 1948 م صدرت الأوامر بإرسال أول كتيبة إلى ميدان القتال وودع الشعب المصري وخاصة عائلات المتطوعين – ودعوا الكتيبة بالدعاء والتهليل والتكبير وكلهم أمل في الله أن يكتب النصر للإسلام وجند المسلمين .

البطل أحمد عبد العزيز قائد الجيش في فلسطين

نزل الجيش بمنطقة العريش استعدادا لدخوله فلسطين وما هي إلا أيام حتى صدرت الأوامر بتعيين الضابط ( البكباشي ) قائد لجيش التحرير " إنه البطل أحمد عبد العزيز ".

لم يكن " أحمد عبد العزيز " ذا شهرة بين رفاقه إلا أنهم وصفوه بالإخلاص والتواضع والهدوء وأنه صاحب المحاضرات القيمة والبطولات الرائعة التي سجلت له في ميدان الفروسية .

لا شك أن للقائد أثره البليغ على الكتيبة والحقيقة أن الجيش ما هو إلا مرآة صادقة لقواده فالقائد عصب الجيش وفكره وقد وضح ذلك في كتيبة المتطوعن التي يقودها البطل أحمد عبد العزيز حيث ظهر أثر سلوكه الحميد وتصرفه الحكيم ونبل خلقه وبداهة تصرفه للأمور وإذا أردنا أن نقف على عظمة جيش المتطوعين فإننا ننظر أولا إلى شخصية القائد أحمد عبد العزيز خصلتان هما الأساس الذي ارتكزت عليه شخصية أحمد عبد العزيز

أولهما : جرأة خارقة وولع شديد بالمغامرة

ثانيهما : اعتزاز بشخصيته , واعتداد بمقدرته وكفاءته

فكثير ما بلغت الشجاعة بالبطل إلى حد لتهور وكم كان يشفق عليه إخوانه الضباط ولكنه كان دائما يتمثل قوله تعالي ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون )

لقد تسلح البطل أحمد عبد العزيز بالإيمان أولا وبالسلاح ثانيا وتزود بالتقوى أولا وبالعتاد ثانيا نعم الرجال الذين باعوا أنفسهم لله ولم يخشوا فيه لومه لائم .

أصبح هذا القائد بشجاعته النادرة محور الجيش وشوكة في عنق اليهود الذين تربصوا به وأرادوا النيل منه . بل بلغ بهم أنهم تعلموا منه بعض فنون القتال وشجاعة الاقتحام ظهر ذلك واضحا في معارك النقب وعند دفاعه عن جنوب القدس وقد سجلت هذه الهجمات التي قام بها البطل وسوف نتحدث عن بعضها في موضعها إن شاء الله .

في ميدان القتال

كانت قوات الاحتلال البريطاني لا تزال في فلسطين والبطل يعد قواته لدخولها مما اضطره إلى القيام بدوريات استكشافية في مناطق النقب الشمالي وصحبه في دورياته الأولي فضيلة الشيخ " محمد فرغلي " رئيس الإخوان في فلسطين والشيخ فريح الصدر شيخ عشائر النصيرات الضاربة في صحراء النقب وكبير معاونيه الضابط ( بكباشي زكريا الورداني ).

وبعد دراسة وتأن أصدر القائد ( أحمد عبد العزيز ) بمشاورة رئيس الإخوان ومعاونيه – قرارا بدخول القوات إلى منطقة غزة ومهاجمة المستعمرات اليهودية بها كان ذلك في الخامس من مايو عام 1948م وكان البطل محنكا عسكريا حيث حاول أن يتفادي الصدام بالقوات البريطانية المتواجدة هناك وبدخوله وقواته منطقة ( خان يونس ) حيث استقبله الشعب الفلسطيني استقبال الفاتحين .

وقف البطل يلقي محاضرة ألهبت قلوب الناس وحركت فيهم الشوق إلى الاستشهاد والطمع في جنة الله .

وفي نهاية كلمته تقدم إليه بعضهم مطالبين بالانضمام إلى جيش التحرير تحت قيادته فطمأنهم ووعدهم خيرا .

إثبات الوجود :

كان على البطل أحمد عبد العزيز أن يثبت للعدو وجوده بقوة في المنطقة فقام بأول عملية عسكرية في منطقة " خان يونس " فأرسل قوة صغيرة تهاجم قافلة يهودية فاشتبكت معها في يوم 13 من مايو وأرغمتها على التقهقر وكانت تلك بشائر النصر ومقدماته وقد استشهد في هذه المعركة البطل المخلص " فتحي الخولي" وهو شاب عرف بقوة إيمانه وشجاعته القتالية .

درس وعبرة :

قصد البطل في بداية الأمر أن يهاجم المستعمرات اليهودية فرسم خطة حذره الشيخ محمد فرغلي " من تنفيذها لأنها مبنية على سبيل خاطئ سبق للإخوان أن سلكوه بقواتهم الحرة قبل مجئ الجيش النظامي .

ولكن – مما يؤسف له – أن هذه النصيحة لم يأخذ بها البطل أحمد عبد العزيز وصمم على تنفيذ ما في رأسه وعز عليه أن يتراجع في قراره أو يغير خطته . وقام البطل بتنفيذ ما صممه وكانت النتيجة درسا قاسيا دفع ثمنه فادحا من خيرة شباب الإخوان .

وبعد هذه التجربة القاسية اتجه فكر القائد إلى الإعداد لمهاجمة أقرب المستعمرات لطرق المواصلات ( كفار ديروم ) وفي يوم 10 من مايو تحركت الدوريات لتحصيل المعلومات وتم إعداد خطة مدروسة محكمة كان القائد في كل خطوة منها يسأل الله العون والتوفيق .

ودارت معركة كان أولها الهجوم على أهداف العدو ثم تلاها اشتباك الفدائيين مع أفراد العدو . وكانت خطط الأعداء ماكرة فعندما تقدم البطل أحمد عبد العزيز بقواته إلى المستعمرة الهادئة الساكنة فجأة تشققت الأرض عن عيون كثيرة وانسابت سيول دافقة من النيران . وتساقط المجاهدون حتى امتلأت الساحة بالجرحي وارتفع عدد الشهداء وبكثير من الأخطاء انتهت معركة ( كفر ديروم) على هذه الصورة المحزنة المؤسفة التي راح ضحيتها الكثير من النجوم اللامعة من الإخوان المسلمين .

ومع كل هذا لم يفقد البطل أحمد عبد العزيز قوة إيمانه ولم تتزلزل أقدامه فوضع خطة جديدة فضرب المجاهدون حصارا محكما حول المستعمرة وفي اليوم التالي للمعركة حاول العدو تحطيم هذا الحصار وإدخال قافلة كبيرة محملة بالجنود والعتاد وطالما انتظر البطل أحمد عبد العزيز هذه الفرصة فنظم كمينا بخطة محكمة وما أن دخلت قافلة اليهود المكان المحدد لها حتى انطلقت المدفعية العربية من حولها وصوبها ومن كل مكان وعبثا حاول اليهود الفرار أو الدفاع عن أنفسهم ولكنهم حوصروا داخل حلقة ضربها جند الله عليهم فلما فروا من مصافحاتهم انهالت عليهم الرشاشات من وراء التلال تحصدهم حصدا وغنم البطل وجنده من عتاد العدو خمس عشرة مصفحة مشحونة بأحدث الأسلحة والذخائر ومواد التموين .

لقد سجل التاريخ العسكري الكثير من الانتصارات التي تمت على يد البطل أحمد عبد العزيز إلا أن الظروف التي حاقت بالجيش بعد ذلك لم تمكنه من استكمال المسيرة وإتمام النصر .

يد الغدر واستشهاد البطل

نشرت الأهرام بعددها الصادر يوم 22 من أبريل عام 1984 م في صفحتها الخامسة مقالا للضابط محمد حسن التهامي نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية توضيحا لمقتل البطل أحمد عبد العزيز فقال :" تحت عنوان " ( إخلاء الأرض من أقوي عناصر في مواجهة اليهود )

استدعت القيادة أحمد عبد العزيز ليترك الجبهة التي كان يسيطر عليها تماما بقواته السياسية في مصر ومع الملك فاروق نفسه كما قيل وكان أحمد عبد العزيز في حالة من الغضب لما يجري من تواطؤ في هذه الحرب لصالح إسرائيل ونزل في ذلك اليوم المشهود في سيارة جيب يقودها الصاغ ( الرائد ) صلاح سالم بجواره ومن خلفهما الجندي السائق وأثناء دخول أحمد عبد العزيز إلى مواقع الكتيبة السادسة مشاة في عراق المنشية والتي كان جمال عبد الناصر أركان حربها قتل أحمد عبد العزيز في سيارته برصاصة أصابته وحده ووصل إلى المجدل حيث فارق الحياة ولم يتم لقاؤه بالقيادة السياسية في مصر واختفي عن مسرح العمليات العسكرية التي كان يعمل لها " موشي ديان " ألف حساب ويخشاها أكثر من خشيته لكل القوات العربية المقاتلة في فلسطين عام 1948 م فهل كان استدعاؤه مصادفة ؟ ثم استشهاده على هذا الحال – ألم يكن هذا كله حلقة من حلقات التآمر وتطوي صفحة من صفحات المجد لشهيد باع الدنيا بالآخرة وجاهد في الله حق جهاده .