الفرق بين المراجعتين لصفحة: «عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سطر ٣٠٠: سطر ٣٠٠:
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية [[التنظيم الطليعي]] تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية.  
وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية [[التنظيم الطليعي]] تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية.  


ولقد بدأ ( [[على صبري]] ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – [[عبد المنعم القسيونى – [[عبد القادر حاتم – [[عبد المحسن أبو النور – [[محمد النبوي المهندس – [[أحمد توفيق البكري – [[عبد العزيز السيد – [[إبراهيم الشربينى – أ[[حمد بهاء الدين – أحمد فهيم – [[سامي شرف]] ، ثم سمح ل[[على صبري]] بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – [[كمال رمزي استينو – [[سامي شرف]] – [[محمد فائق – [[عبد المجيد فريد]] – [[عبد المجيد شديد – [[محمد أبو نار – [[عبد المعبود الجبيلى – [[عبد اللطيف بلطيه – [[على السيد – [[محمد على بشير – [[لبيب شقير]] – [[أحمد الخواجة -  [[حسنى الحديدي.  
ولقد بدأ ( [[على صبري]] ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – [[عبد المنعم القسيونى]] – [[عبد القادر حاتم – [[عبد المحسن أبو النور]] – [[محمد النبوي المهندس]] – [[أحمد توفيق البكري]] – [[عبد العزيز السيد]] – [[إبراهيم الشربينى]] – أ[[حمد بهاء الدين]] – أحمد فهيم]] – [[سامي شرف]] ، ثم سمح ل[[على صبري]] بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – [[كمال رمزي استينو]] – [[سامي شرف]] – [[محمد فائق]] – [[عبد المجيد فريد]] – [[عبد المجيد شديد – [[محمد أبو نار – [[عبد المعبود الجبيلى – [[عبد اللطيف بلطيه – [[على السيد]] – [[محمد على بشير]] – [[لبيب شقير]] – [[أحمد الخواجة]] -  [[حسنى الحديدي]].  


وقام [[عباس رضوان]] بتشكيل خلية من كل من – [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كمال أبو الفتوح]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[عبد العزيز كامل]] – [[محمود الجيار]] – [[أحمد عبده الشرباصى]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – [[حلمي السعيد]] – [[سعد زايد]] وشكل [[محمد حسنين هيكل]] خلية من [[محمد الخفيف]] – [[لطفي الخولى]] – [[عبد الرزاق حسن]] – [[إبراهيم سعد الدين]] – [[نوال المحلاوي]].  
وقام [[عباس رضوان]] بتشكيل خلية من كل من – [[شعراوي جمعة]] – [[أحمد كمال أبو الفتوح]] – [[كمال الدين الحناوى]] – [[عبد العزيز كامل]] – [[محمود الجيار]] – [[أحمد عبده الشرباصى]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – [[حلمي السعيد]] – [[سعد زايد]] وشكل [[محمد حسنين هيكل]] خلية من [[محمد الخفيف]] – [[لطفي الخولى]] – [[عبد الرزاق حسن]] – [[إبراهيم سعد الدين]] – [[نوال المحلاوي]].  
سطر ٣٣٠: سطر ٣٣٠:
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من [[أسعد خليل]] مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين [[جمال عبد الناصر]] من خلال [[سامي شرف]] والتنظيم بقيادة [[على صبري]] ومن ثم [[شعراوي جمعة]] ) والسفير [[جمال شعير]] [[فؤاد كمال حسنين]] ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) [[عبد المجيد فريد]] ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) [[حسنى الحديدي]] ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان [[شعراوي جمعة]] مسئولا عن تلك المجموعة.  
هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من [[أسعد خليل]] مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين [[جمال عبد الناصر]] من خلال [[سامي شرف]] والتنظيم بقيادة [[على صبري]] ومن ثم [[شعراوي جمعة]] ) والسفير [[جمال شعير]] [[فؤاد كمال حسنين]] ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) [[عبد المجيد فريد]] ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) [[حسنى الحديدي]] ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان [[شعراوي جمعة]] مسئولا عن تلك المجموعة.  


ومن أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيضا [[حسنين محمود – [[نوال عامر]] – [[فهيم صلاح غريب – [[عايدة حمدي]] – [[أحمد فؤاد]] حجر – [[سنية الخولى]] – [[فوقية أحمد على – [[محمد أحمد غانم – [[محمد أسعد راجح – [[محمد البدوي فؤاد – [[عبد الحليم منتصر – [[عبد الوهاب البرلسى – [[على سيد حمدي الحكيم – [[طلبة عبد العزيز مصطفى – [[محمد خلف الله أحمد – [[حسين خلاف – [[رفعت المحجوب – [[مصطفى كمال حلمي – [[عبد الجابر علام – [[محمود أبو عافية – [[حسن ناجى – [[أحمد محمد كامل صديق – [[محمد فؤاد حسن همام – [[فتحي فوده]] تادرس – [[صلاح زكى – [[عواطف الصحفي – [[عبد الحميد غازي – [[أحمد فؤاد]] محمود – [[حسين فهما – [[طلعت عزيز – [[فؤاد محي الدين – [[فردوس أحمد سعد – [[نعيم أبو طالب – [[كمال الشاذلي – [[سميرة الكيلانى – [[همت مصطفى – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[أحمد فتحي سرور]] – [[مصطفى كمال]] – [[إسماعيل الدفتار]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] – [[حسن مأمون]] – [[عاطف صدقي]] – [[أحمد الشيخ علام]] – [[أحمد عز الدين هلال]] – [[فؤاد أبو زغلة]] – [[محمود شريف]] – [[عزيز حلمي]] – [[عبد الهادي قنديل]] – [[حمدي حرزا]] – [[عبد الجابر علام]] – [[صلاح حافظ]] – [[عبد العزيز حجازي]] – [[مشهور أحمد مشهور]] – [[يوسف إدريس]] – [[إبراهيم صقر]] – [[على صدقي]] – [[ناصف عبد الغفار خلاف]] – [[إسماعيل صبري عبد الله]] – [[على السمان]] – [[صلاح الدين حافظ]] ( الأهرام ) – [[عبد الهادي معوض]] – [[محمد البلتاجي]] – [[وجيه أبو بكر]] – [[محمود يونس]] – [[حلمي سلام]] – [[فنحى غانم]] – [[محمد أمين حماد]] – [[جلال عبد الحميد]] – [[على نور الدين]] – [[محمد أبو نصير]] – [[أحمد الخواجة]] – [[صلاح جاهين]] – [[أباظة]] – [[عمر الشريف]] – [[صدقي سليمان]] – [[حكمت أبو زيد]] – [[حمدي السيد]] – [[عبد الوهاب البشرى]] – [[صلاح هديت]] – [[حسين ذو الفقار صبري]] – [[محمد أمين]] – [[حلمي كامل]] – [[كمال هنرى أبادير]] – [[على زين العابدين]] – [[محمد عزت سلامة]] – [[محمود عبد السلام]] –  [[محمد صفى الدين أبو العز]] – [[صالح محمد]] – [[حلمي مراد]] – [[أحمد مصطفى أحمد]] – [[حسين أحمد مصطفى]] – [[محمد بكر أحمد]] – [[محمد محمود الإمام]] – [[حسب الله الكفراوي]] – [[محمود أمين عبد الحافظ]] – [[محمد حمدي عاشور]] – [[حافظ بدوى]] – [[عبده سلام]] – [[حامد محمود]] – [[أمين السعد]] – [[كامل زهير]] – [[محمد راغب دويدار]] - [[أحمد أحمد العماوى]] – [[فريد محمود]] – [[فليب جلاب]] – [[نجاح عمر]] – [[حسن معاذ رميح]] – [[فؤاد عز الدين]] – [[محمد عودة]] – [[محمود المراغى]] – [[حسن محمود شهاب]] – [[حسين كامل]] – [[كامل مراد]] - [[عبد المولى عطية]] – [[محمد عزت عادل]] – [[محيى الدين أبو شادي]] – [[مفيد مصطفى بهاء الدين]] – [[أحمد سلامة]] – [[يسرى مصطفى]] – [[ميلاد حنا]] – [[أمينة شفيق]] – [[فاروق العشري]] – [[عبد الوهاب الحباك]].  
ومن أعضاء [[التنظيم الطليعي]] أيضا [[حسنين محمود – [[نوال عامر]] – [[فهيم صلاح غريب]] – [[عايدة حمدي]] – [[أحمد فؤاد حجر]] – [[سنية الخولى]] – [[فوقية أحمد على]] – [[محمد أحمد غانم]] – [[محمد أسعد راجح]] – [[محمد البدوي فؤاد]] – [[عبد الحليم منتصر]] – [[عبد الوهاب البرلسى]] – [[على سيد حمدي الحكيم]] – [[طلبة عبد العزيز مصطفى]] – [[محمد خلف الله أحمد]] – [[حسين خلاف]] – [[رفعت المحجوب]] – [[مصطفى كمال حلمي]] – [[عبد الجابر علام]] – [[محمود أبو عافية]] – [[حسن ناجى]] – [[أحمد محمد كامل صديق]] – [[محمد فؤاد حسن همام]] – [[فتحي فوده تادرس]] – [[صلاح زكى – [[عواطف الصحفي]] – [[عبد الحميد غازي]] – [[أحمد فؤاد محمود]] – [[حسين فهما]] – [[طلعت عزيز]] – [[فؤاد محي الدين]] – [[فردوس أحمد سعد]] – [[نعيم أبو طالب]] – [[كمال الشاذلي]] – [[سميرة الكيلانى]] – [[همت مصطفى]] – [[عبد اللطيف بلطيه]] – [[أحمد فتحي سرور]] – [[مصطفى كمال]] – [[إسماعيل الدفتار]] – [[الشيخ عبد الحليم محمود]] – [[حسن مأمون]] – [[عاطف صدقي]] – [[أحمد الشيخ علام]] – [[أحمد عز الدين هلال]] – [[فؤاد أبو زغلة]] – [[محمود شريف]] – [[عزيز حلمي]] – [[عبد الهادي قنديل]] – [[حمدي حرزا]] – [[عبد الجابر علام]] – [[صلاح حافظ]] – [[عبد العزيز حجازي]] – [[مشهور أحمد مشهور]] – [[يوسف إدريس]] – [[إبراهيم صقر]] – [[على صدقي]] – [[ناصف عبد الغفار خلاف]] – [[إسماعيل صبري عبد الله]] – [[على السمان]] – [[صلاح الدين حافظ]] ( الأهرام ) – [[عبد الهادي معوض]] – [[محمد البلتاجي]] – [[وجيه أبو بكر]] – [[محمود يونس]] – [[حلمي سلام]] – [[فنحى غانم]] – [[محمد أمين حماد]] – [[جلال عبد الحميد]] – [[على نور الدين]] – [[محمد أبو نصير]] – [[أحمد الخواجة]] – [[صلاح جاهين]] – [[أباظة]] – [[عمر الشريف]] – [[صدقي سليمان]] – [[حكمت أبو زيد]] – [[حمدي السيد]] – [[عبد الوهاب البشرى]] – [[صلاح هديت]] – [[حسين ذو الفقار صبري]] – [[محمد أمين]] – [[حلمي كامل]] – [[كمال هنرى أبادير]] – [[على زين العابدين]] – [[محمد عزت سلامة]] – [[محمود عبد السلام]] –  [[محمد صفى الدين أبو العز]] – [[صالح محمد]] – [[حلمي مراد]] – [[أحمد مصطفى أحمد]] – [[حسين أحمد مصطفى]] – [[محمد بكر أحمد]] – [[محمد محمود الإمام]] – [[حسب الله الكفراوي]] – [[محمود أمين عبد الحافظ]] – [[محمد حمدي عاشور]] – [[حافظ بدوى]] – [[عبده سلام]] – [[حامد محمود]] – [[أمين السعد]] – [[كامل زهير]] – [[محمد راغب دويدار]] - [[أحمد أحمد العماوى]] – [[فريد محمود]] – [[فليب جلاب]] – [[نجاح عمر]] – [[حسن معاذ رميح]] – [[فؤاد عز الدين]] – [[محمد عودة]] – [[محمود المراغى]] – [[حسن محمود شهاب]] – [[حسين كامل]] – [[كامل مراد]] - [[عبد المولى عطية]] – [[محمد عزت عادل]] – [[محيى الدين أبو شادي]] – [[مفيد مصطفى بهاء الدين]] – [[أحمد سلامة]] – [[يسرى مصطفى]] – [[ميلاد حنا]] – [[أمينة شفيق]] – [[فاروق العشري]] – [[عبد الوهاب الحباك]].  


ومن كليات جامعات [[القاهرة]] وعين شمس و[[الإسكندرية]] على سبيل المثال: [[عبد الجليل مصطفى بسيونى]] – [[السيد جمال الدين مجاهد]] – [[أبو شادي الروبى]] – [[نبيل يوسف خطار]] – [[يوسف محمد عبد الرحمن]] – [[على الجارم]] – [[حيدر أحمد سامح همام]] – [[كميل أدهم]] -  [[منير عجيب زخارى]] – [[إبراهيم جميل بدران]] – [[أحمد عادل على]] – [[إبراهيم جاد]] – [[محمود عبد القادر]] – [[محمد توفيق الرخاوى]] – [[عبد المنعم على]] - [[عباس غالب]] – [[أحمد عبد المنعم فرجر – [[محمد صفوت حسين]] – [[محمد عبد الوهاب غندو]] – [[عبد الملك عودة]] – [[أحمد محمود محمد بدر]] – [[محمد فتح الله الخطيب]] – [[محمد زكى شافعي]] – [[محمد حسب الله]] – [[السيد أحمد نور]] – [[يحيى حامد هويدى]] – [[عبد اللطيف أحمد على]] – [[السيد محمد رجب]] – [[عمرو أمين محيى الدينر – [[أحمد جعرة]] – [[سعيد شاهين]] – [[عبد المعطى أحمد شعراوي حراز]] – [[يوسف عبد المجيد فايدر – [[العمان عبد المتعال]] – [[على القاضي]] – [[سامية أحمد]] – [[على أحمد إسماعيل]] – [[أحمد على مرسى أحمد]] – [[محمد مهران رشوان]] – [[محمد صبحي سليمان]] – [[محمد أمين البنهاوي]] – [[أحمد كراوية]] – [[محمد شريف عادل]] – [[يحيى مصطفى عبد الحكيم]] – [[حلمي محمد أبو الفتوح]] – [[شفيق إبراهيم بلبع]] – [[محمد سعد الدين]] – [[محمد محمود غراب]] – [[صبحي على محمود سعد]] – [[محمد فائق مصطفى هاشم]] – [[محمود دسوقي]] – [[عبد المنعم فولى طه]] – [[السيد مجاهد]] – [[عبد الرءوف أبو الحسن]] – [[عمر عبد الآخر]] – [[محمد طلعت قابيل]] – [[محمد محيى الدين نصرت]] – [[محمد منير إبراهيم]] – [[أحمد السيد رفعت أبو حسين]] – [[محمد عبد الغنى محمود]] – [[أسامة محمود رفعت]] – [[حسن حسنى سليم]] – [[محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى]] – [[محمد عبد الرحمن الهوارى]] – [[على العريان]] – [[حسن محمد إسماعيل]] – [[حامد عبد الحميد السنباؤى]] – [[أسامة أمين أحمد]] – [[محمد متولي]] – [[محمد الجمل]] – [[عاطف محمد عبيد]] – [[على عبد المجيد]] – [[شوقي حسين عبد الله]] – [[حسن فهمي السيد إمام]] – [[عبده سعيد]] – [[إبراهيم محمد السباعي]] – [[محمد شوقي عطا الله]] – [[على محمود]] – [[حلمي محمود نمر]] – [[عبد القادر إبراهيم حلمي]] – [[توفيق بلبع]] – [[علاء الدين نصر]] – [[صلاح الدين صدقي]] – [[على محمد عبد الحافظ السلمي]] – [[متولي بدوى على عامر]] – [[أحمد عبد الرحمن]] – [[محمد بدوى]] – [[محمد كمال جعفر]] – [[حامد طاهر حسنين]] – [[عبد الحكيم حسان الإمام]] – [[محمود محمد قاسم]] – [[تمام حسان]] – [[عمر السعيد محمد]] – [[محمد رفاعي]] – [[محمد عزت خيري]] – [[عبد القادر السيد منصور]] – [[عبد المجيد عبد الوهاب]] – [[إجلال حفني محمد شرف خاطر – [[محمد عبد الفتاح القصاص]] – [[ماهر إبراهيم الدسوقي]] – [[جابر بركات]] – [[محمد عبد المقصود النادي]] – [[معتزة عبد الرحمن سليمان]] – [[أحمد فتحي حسين]] – [[فوزي أمين فوزي]] – [[حامد متولي]] – [[محمد لطفي عبد الخالق]] – [[محمد عبد الواحد محمد]] – [[فوزي حسين عبد الودود يحيى]] – [[مفيد محمود شهاب]] – [[أكثم أمين الخولى]] – [[عاطف سرور]] – [[عائشة راتب  عبد الرحمن]] – [[مأمون محمد سلامة]] – [[حامد نصر أبو زيد]] – [[محمد نجيب حسنى]] – [[جميل متولي الشرقاوي]] – [[عبد المنعم السعيد البدراوى]] – [[كمال الدين صدقي]] – [[محمود نصر]] – [[محمد كمال سليم]] – [[محمد على]] – [[محمد فتح الله عبد العال]] – [[فتحي النواوى]] – [[عصام الجندي]] – [[سهير يوسف صالح]] – [[على الدين هلال]] – [[إسماعيل مسام الخطيب]].  
ومن كليات جامعات [[القاهرة]] وعين شمس و[[الإسكندرية]] على سبيل المثال: [[عبد الجليل مصطفى بسيونى]] – [[السيد جمال الدين مجاهد]] – [[أبو شادي الروبى]] – [[نبيل يوسف خطار]] – [[يوسف محمد عبد الرحمن]] – [[على الجارم]] – [[حيدر أحمد سامح همام]] – [[كميل أدهم]] -  [[منير عجيب زخارى]] – [[إبراهيم جميل بدران]] – [[أحمد عادل على]] – [[إبراهيم جاد]] – [[محمود عبد القادر]] – [[محمد توفيق الرخاوى]] – [[عبد المنعم على]] - [[عباس غالب]] – [[أحمد عبد المنعم فرجر]] – [[محمد صفوت حسين]] – [[محمد عبد الوهاب غندو]] – [[عبد الملك عودة]] – [[أحمد محمود محمد بدر]] – [[محمد فتح الله الخطيب]] – [[محمد زكى شافعي]] – [[محمد حسب الله]] – [[السيد أحمد نور]] – [[يحيى حامد هويدى]] – [[عبد اللطيف أحمد على]] – [[السيد محمد رجب]] – [[عمرو أمين محيى الدينر – [[أحمد جعرة]] – [[سعيد شاهين]] – [[عبد المعطى أحمد شعراوي حراز]] – [[يوسف عبد المجيد فايدر]] – [[العمان عبد المتعال]] – [[على القاضي]] – [[سامية أحمد]] – [[على أحمد إسماعيل]] – [[أحمد على مرسى أحمد]] – [[محمد مهران رشوان]] – [[محمد صبحي سليمان]] – [[محمد أمين البنهاوي]] – [[أحمد كراوية]] – [[محمد شريف عادل]] – [[يحيى مصطفى عبد الحكيم]] – [[حلمي محمد أبو الفتوح]] – [[شفيق إبراهيم بلبع]] – [[محمد سعد الدين]] – [[محمد محمود غراب]] – [[صبحي على محمود سعد]] – [[محمد فائق مصطفى هاشم]] – [[محمود دسوقي]] – [[عبد المنعم فولى طه]] – [[السيد مجاهد]] – [[عبد الرءوف أبو الحسن]] – [[عمر عبد الآخر]] – [[محمد طلعت قابيل]] – [[محمد محيى الدين نصرت]] – [[محمد منير إبراهيم]] – [[أحمد السيد رفعت أبو حسين]] – [[محمد عبد الغنى محمود]] – [[أسامة محمود رفعت]] – [[حسن حسنى سليم]] – [[محمد عز الدين إبراهيم سرور الخولى]] – [[محمد عبد الرحمن الهوارى]] – [[على العريان]] – [[حسن محمد إسماعيل]] – [[حامد عبد الحميد السنباؤى]] – [[أسامة أمين أحمد]] – [[محمد متولي]] – [[محمد الجمل]] – [[عاطف محمد عبيد]] – [[على عبد المجيد]] – [[شوقي حسين عبد الله]] – [[حسن فهمي السيد إمام]] – [[عبده سعيد]] – [[إبراهيم محمد السباعي]] – [[محمد شوقي عطا الله]] – [[على محمود]] – [[حلمي محمود نمر]] – [[عبد القادر إبراهيم حلمي]] – [[توفيق بلبع]] – [[علاء الدين نصر]] – [[صلاح الدين صدقي]] – [[على محمد عبد الحافظ السلمي]] – [[متولي بدوى على عامر]] – [[أحمد عبد الرحمن]] – [[محمد بدوى]] – [[محمد كمال جعفر]] – [[حامد طاهر حسنين]] – [[عبد الحكيم حسان الإمام]] – [[محمود محمد قاسم]] – [[تمام حسان]] – [[عمر السعيد محمد]] – [[محمد رفاعي]] – [[محمد عزت خيري]] – [[عبد القادر السيد منصور]] – [[عبد المجيد عبد الوهاب]] – [[إجلال حفني محمد شرف خاطر]] – [[محمد عبد الفتاح القصاص]] – [[ماهر إبراهيم الدسوقي]] – [[جابر بركات]] – [[محمد عبد المقصود النادي]] – [[معتزة عبد الرحمن سليمان]] – [[أحمد فتحي حسين]] – [[فوزي أمين فوزي]] – [[حامد متولي]] – [[محمد لطفي عبد الخالق]] – [[محمد عبد الواحد محمد]] – [[فوزي حسين عبد الودود يحيى]] – [[مفيد محمود شهاب]] – [[أكثم أمين الخولى]] – [[عاطف سرور]] – [[عائشة راتب  عبد الرحمن]] – [[مأمون محمد سلامة]] – [[حامد نصر أبو زيد]] – [[محمد نجيب حسنى]] – [[جميل متولي الشرقاوي]] – [[عبد المنعم السعيد البدراوى]] – [[كمال الدين صدقي]] – [[محمود نصر]] – [[محمد كمال سليم]] – [[محمد على]] – [[محمد فتح الله عبد العال]] – [[فتحي النواوى]] – [[عصام الجندي]] – [[سهير يوسف صالح]] – [[على الدين هلال]] – [[إسماعيل مسام الخطيب]].  


وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم [[عبد الغفار شكر]]- [[كمال القشيشى]] – [[نور الدين فهمي]] – [[محمود سعيد]] – [[إبراهيم الخولى]] – [[محمود عاشور]] - [[صلاح الشرنوبى]] – [[السيد الزيات]] – [[عزت عبد النبي]] – [[أحمد عبد الغفار المغازى]] – [[أحمد عمر]] – [[على الطحان]] – [[محمد هاشم العشيرى]] – [[هاشم حمود]] – [[رفعت السباعي]] – [[شلبي عرفة الشابورى]] – [[حمدي الطاهر]] – [[عباس ندراوى]] . وقد تم ضم هؤلاء إلى [[التنظيم الطليعي]].  
وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم [[عبد الغفار شكر]]- [[كمال القشيشى]] – [[نور الدين فهمي]] – [[محمود سعيد]] – [[إبراهيم الخولى]] – [[محمود عاشور]] - [[صلاح الشرنوبى]] – [[السيد الزيات]] – [[عزت عبد النبي]] – [[أحمد عبد الغفار المغازى]] – [[أحمد عمر]] – [[على الطحان]] – [[محمد هاشم العشيرى]] – [[هاشم حمود]] – [[رفعت السباعي]] – [[شلبي عرفة الشابورى]] – [[حمدي الطاهر]] – [[عباس ندراوى]] . وقد تم ضم هؤلاء إلى [[التنظيم الطليعي]].  

مراجعة ١٠:٣٦، ٢٦ فبراير ٢٠١٢

عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971


بقلم: د. حمادة حسنى

تقديم : د. هشام السلامونى

الناشر : مكتبة بيروت


تقديم

يخطئ من يظن أن هذا الكتاب – بين يديك أيها القارئ – يهتم بقراءة فترة من الماضي تنتمي إلى الستينات، وبداية السبعينات في القرن العشرين – المنصرم ، ذلك لأن الكتاب، بالرغم من أن كاتبه – الدكتور حمادة حسنى – متخصص في التاريخ ويعمل أستاذا له في جامعة قناة السويس، وبالرغم من كونه – الكتاب – بحثا تاريخيا يعتمد على دراسة وتحليل وثائق وموازنات مدققة بين شهادات لأفراد معاصرين لوقائع تلك الفترة، واستشهاد بالصحف المنتمية إلى وقت أحداث مضت عليها أربعون سنة، واستعانة بكتب صدرت في أوقات لاحقة، أبدعت عن أمور تتعلق بقضاياه ومضامينه ، بالرغم من كل ذلك فإن هذا الكتاب – حقا – يرسم واقعنا المعاش اليوم ، والسيرورة التي قادتنا إلى هذا الواقع الأليم.

إن الحقيقة – التي لا يستطيع أن يمارى فيها منصف – تؤكد أن لعبة الاستبداد، والفساد، والفشل الادارى بداية من مستوياته العليا، وضياع حقوق الإنسان في بلادنا ، بدأت مباشرة بعد قيام ثورة يوليو 1952، وتأكدت وأحكمت حصارها حول شعبنا وقواه الخلاقة ، وقيمه ،بدستور 1956، أبى الدساتير المؤقتة والدائمة ، التي وضعت – بقبول سلطوي – منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا .

في الفترة بين أغسطس 1952 – يونيو 1956 ( الوقت الذي أعلنت فيه القيادة الناصرية انتهاء الفترة الانتقالية، وحل مجلس قيادة الثورة ، وتم الاستفتاء على الدستور الثوري ) كانت الثورة قد أجهزت تماما على قوى المجتمع المدني ( أحزاب / نقابات / جماعات ضغط ... ) وأحكمت الرقابة على الصحف ، وكونت محاكمها الخاصة والعسكرية بعيدا عن القاضي الطبيعي، وبدأت تنظيمات الثورة السياسية المستفردة بالعمل السياسي اسما، والتي هي تنظيمات للحشد التعبوي ( هيئة التحرير)، ثم كانت الطامة الكبرى التي هي تماهت بها السلطة التنفيذية مع مجلس قيادة الثورة، ومن ثم مع رئيس مجلس قيادة الثورة، وبالتالي أصبح رئيس الجمهورية، الذي هو رئيس مجلس قيادة الثورة ، هو الكل في الكل (حتى قبل أن يحل مجلس قيادة الثورة بالفعل)، وقد جاء دستور 1956 ليشرعن كل هذه الخطوات، ويضيف إليها شرعنة سيطرة تنظيم الثورة ( الاتحاد القومي ورئيسه رئيس الجمهورية) على الترشيح لمجلس الأمة (أول برلمان للثورة بعد ست سنوات من قيامها )، وهكذا سيطرت على السلطة التشريعية دون الحاجة إلى قرارات جمهورية، ووضعت قبعة الرئيس العسكرية على السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتودع حتى إشعار آخر أي محاولة للفصل بيت السلطات( لا تقوم الديمقراطية بدونها)، وبهذا- أيضا- تم شخصنة نظام الدولة في شخص واحد هو رئيس الجمهورية. ولا يعنى هذا أن ما كان قبل الثورة نظام لا يأتيه الباطل من وراء أو أمام، فقول ذلك يخالف الحقائق التاريخية الثابتة، التي تحاول الردة الجديدة أن تتجاهلا، وتتناسها، ومن ثم تجهل الناس بها، وتنسيهم إياها، لكن ما كان قبل الثورة – وما تؤكده الدراسات التاريخية المدققة – هو نضال المصريين المتواصل لتحقيق خطوات إلى الأمام في وجه الاحتلال، والقصر الملكي، وأحزاب الأقلية المتعاونة مع هذا أو ذاك، وهى فترة بدأت منذ قيام الأحزاب المصرية بدءا من العام 1907 والجمعية التشريعية في العام 1914، وحقق النضال الشعبي فيها خطوات – أو لنقل قفزات – في ثورة 1919 وما بعدها ، تحت قيادة حزب الوفد ( الذي لم يحكم إلا ما يقرب من الست سنوات منذ 1924 إلى 1952)، في طريق الحفاظ على دستور 1923، وتقوية السلطة التنفيذية، ومجلسي السلطة التشريعية( البرلمان ومجلس الشيوخ)، واستكمال شروط استقلال القضاء، على حساب استبداد المحتل والملك.

ولا يعنى ما استعرضناه- أيضا- أن الحقبة الناصرية كانت كلها شرا خالصا، فلا أحد يستطيع التقليل من شأن إنجازاتها في مواجهة الثالوث المدمر، الفقر والجهل والمرض، والثالوث الذي فشلت قوى الديمقراطي الليبرالي قبل الثورة في التقليل من إماراته وآثاره،والذين يتبجحون بهذه الأقوال – للنيل من ثورة يوليو- يعتمدون على النتائج التي أدت إلى حالنا اليوم، أو – بالأصح – أودت بحالنا اليوم، في التقليل من شأن، أو محاولة إلغاء الانجازات الناصرية، والمغرضون بينهم يحاولون بهذا الأمر أن يغطوا على جرائر المجرمين الحقيقيين في التردي والردى، الذين يعانى منهم شعبنا وآماله، ومستقبل أبنائنا .

ولا يعنى ما استعرضناه – ثالثا- أن الكثيرين لم يكونوا راضين عن خطوات عبد الناصر، الذي كان يحقق أحلاما للنضال المصري وثوابته ( فيما عدا الديمقراطية ) منذ ثلاثمائة سنة ( قبل وصول الحملة الفرنسة بمائة عام كاملة ) تلك الثوابت التي كانت تتغير أسماؤها حسب العصر ، هي الديمقراطية ( حق الناس في إدارة شئونهم / الشورى / مصر للمصريين ) ، والعدل الاجتماعي ( رفع المظالم عن الناس ) ، والتحرر الوطني ( مصر للمصريين / الاستقلال التام ) ، والدائرة الأكبر التي تحقق الأمن الوطني ( الخلافة العادلة / الجامعة الإسلامية / الشرق / القومية العربية ).

ولا يعنى ما استعرضناه – رابعا – أن عبد الناصر لم يكن يواجه معارضة من مؤيديه داخل وخارج تنظيمات الثورة ( غير المعارضة الشهيرة للإخوان ، وسائر اليمين لمحافظ والرجعى، الذين كانوا واقعيا أعداء للثورة ) لقد كانت لمعارضة ضمن التأييد موجودة، وكان الهدف الواضح وراءها هو تنقية الثورة من شوائب وأخطاء، هي التي أدت بها وبنا في نكسة 1967 ( لاحظ في نشرات التنظيم الطليعي، التي أورد الكتاب- بين أيدينا- بعضها، مهاجمة تلك النشرات لمن يطالبون بالتعدد الحزبي ولو داخل التنظيم الواحد ولمن طالبوا بأن يتم الاستفتاء على بيان 30 مارس بندا بندا، بدلا من عرضه كشروة واحدة، و .. ).

والحقيقة كان في الحقبة الناصرية خير كبير ، لكن خطيئة عبد الناصر، الشبيهة بخطايا غيره في دول التحرر الوطني والثورة، والتي لا تغتفر، جاءت عندما أجهز على المجتمع المدني القديم، ولم يحل محله مجتمعا مدنيا، ذا فعالية حقيقية- من أصحاب المصلحة الماسة في التغيير، والتنمية الشاملة، والعدالة الاجتماعية، والأمن الوطني بمفاهيمه الأوسع الضرورية )( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقومية)، وقد كانت الأسباب الرئيسة وراء تلك الخطيئة تكمن في تنظيمات الثورة السياسية، منذ أولها هيئة التحرير إلى آخر عنقودها التنظيم الطليعي، أو تنظيم طليعة الاشتراكيين.

لقد ترك جمال عبد الناصر أصحاب المصلحة في عهده، ولمن جاءوا بعده، دون أسلحة فعالة( تنظيمات شعبية حقيقية تكون مجتمعا مدنيا قويا) تواجه قوى الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي والتبعية الاستسلامية، وهكذا نفخ السادات في التنظيم الطليعي- المدافع عن الثورة ومبادئها؛؛ نفخة واحدة، في مايو 1971، فطار بكل مستوياته التنظيمية، وتبدد كدخان في الهواء، ونفخ نفخة واحدة فحصل من الانتهازيين من أعضائه – على جنود تخدم عصره بحماس شديد، والجمهورية الساداتية الثانية، التي جاءت بعد أيامه، ولو طال العمر- تلك العناصر الانتهازية- ستكون على أهبة الاستعداد لخدمة أي جمهورية ساداتية، إذا نجحت – لا قدر الله – في السيطرة على مستقبل الأيام لكننا قلنا في البداية إن الكتاب – بين يدي القارئ – يقرأ واقعنا ويقرر الآتي ، وهى حقيقة يتأكد منها من يتابع الوقائع بدقة، فها نحن أولاء في 2008 والمناضلون المصريون ( في كفاية : وأحزاب المعارضة، والقوى السياسية الأخرى وسط الشخصيات العامة المستقلة ) يحاولون استعادة ما تم فقده في السنوات من 1952 إلى 1955 ، وتمت شرعنته في دستور 1956 ، ذلك أن سلطة يجيء لا تريد التضحية بسهولة بما حصلت عليه بالدستور المشئوم من شرعية دستورية مسمومة تعطى لرئيس الجمهورية كل السلطة ، وتحرم الشعب من اى وسيلة لمحاسبته ، المناضلون المصريون يحاولون الآن القضاء على شخصنة الدولة في سبيل إيجاد مؤسسات حقيقية وفعالة ويحاولون فصل السلطات بما يتيح رقابة شعبية ناجزة على عمل السلطة التنفيذية ويحاولون نفخ الحياة في المجتمع المدني المهدر دمه وتنظيماته وجماعاته المختلفة وتحقيق استقلال القضاء ، وإنهاء كارثة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية . ومن هنا تأتى الأهمية القصوى لهذا الكتاب ، ولكتب تتلوه تسعى إلى تحليل دقيق للطريقة ، التي كانت ، وما تزال تدار بها الدولة المصرية ، عن طريق حزب سلطوي مصنوع ومصطنع ، وغير طبيعي.

كون جمال عبد الناصر تنظيماته السياسية الأربعة لهدف واحد ، وبطريقة واحدة من أعلى ، وبالاختيار والاستبعاد ، وعلى شاكلة تنظيمات أظهرت نجاحها في بلدان أخرى .

وقد وقر في ظن المحللين والدارسين والمحققين أن التنظيمات التي أنشأها جمال عبد الناصر قد فشلت في أداء الدور المنوط بها ، لكنني لا أظن أن جمال عبد الناصر قد تصور للحظة أن تنظيماته قد فشلت ، على العكس من ذلك ، أظن أنه كان يرى أن التنظيمات قد حققت ما أنشئت من أجله، والدليل على ذلك استمراره في تكوينها على نفس المنوال في أربع مراحل فيها أن يكون له تنظيم شعبي خاص (بكل ما تحمل كلمة خاص من معان)، وقد لفت انتباهي في الجزء الأول من مذكرات السيد صلاح نصر، فقرة قال فيها إنه كان مع عبد الناصر في سيارته، وانتقد بشدة أداء هيئة التحرير، باكورة تنظيمات الثورة، وأن عبد الناصر قد غضب، وقضم الكلام مبينا أن هيئة التحرير نجحت فيما قامت من أجله.

والحقيقة-في ظني- أن عبد الناصر لم يرد في أي مرحلة أن ينشىء تنظيما حقيقيا ، أو طبيعيا، بل كان يريد – في كل مرة – تجميعا يحشد أعدادا كبيرة تتم تعبئتها ، من أجل الحفاظ على الثورة ، أو السلطة الثورية ، ومثلما تماهت سلطات الدولة جميعا في شخصه ، تماهت تنظيمات عبد الناصر في السلطة الثورية ، التي لم تكن شيئا آخر غير شخص الزعيم.

والكتاب الذي بين أيدينا يلفتنا إلى واقعة شديدة الأهمية، وهى الاجتماع الأول لإنشاء التنظيم الطليعي، آخر العنقود، حين أبدى السيد أحمد فؤاد لعبد الناصر ملحوظة عن تباين أفكار المجتمعين الأربعة معه، الأستاذ هيكل ، والسيد على صبري، وسكرتير عبد الناصر الشخصي السيد سامي شرف، وأحمد فؤاد ( الماركسي ) نفسه، فكان رد جمال عبد الناصر، أن هيكل وعلى صبري من أشد المتحمسين لأفكاره ، وأنهما بمرحلة تحول فكرى سيؤدى بهما إلى الاقتناع التام بأفكاره، وفى الرد كانت تكمن إشارة إلى أنه على السيد أحمد فؤاد أن يحذو حذوهما.

وفى الكتاب الذي بين أيدينا واقعة ثانية ملفتة ، هي ما ذكره الأستاذ المرحوم سيد قطب في اعترافاته ، من أن السيد زكريا محيى الدين قد عرض على أفراد من "الإخوان المسلمين" - المسجونين وقتها – الانضمام إلى التنظيم الطليعي، والواقعة تؤكد لنا أنه تم التخطيط لأنه يضم التنظيم الماركسي و الإخوان المسلمين ، والناصريين ، والاشتراكيين والمتحولين إلى أفكار ( وليس فكر ) عبد الناصر، ومن لديهم استعداد للتحول.

أما الواقعتان الدالتان والشارحتان فقد وردتا في الكتاب الذي حرره عبد الله إمام عن حوار تم بينه وبين السيد سامي شرف ، فى الأولى كان قد سأله عن عزل نقيب الأطباء الدكتور رشوان فهمي ، في الستينات ، وتحديد إقامته في بيته ، عندما طالب بأن يراعى في إنشاء السد العالي ، موضوع مكافحة البلهارسيا ، التي ينتظر أن تزايد أعداد المصابين بها بعد تحول الري الموسمي إلى ري مستديم ، كان رد السيد سامي شرف يستغرب كيف ينتقد نقيب الأطباء مشروعا للثورة وهو عضو بالاتحاد الاشتراكي ، وفى الثانية كان قد سأله عن السبب راء القبض على الشيوعيين في العام 1959 ، وكان رد السيد سامي أن الشيوعيين كانوا يحرضون العمال على المطالبة بما لم يحن حينه بعد ، ويتسببون في " بلبلة " لا يريدها النظام .

وبغض النظر عن مدى فهم السيد سامي شرف للأسباب الحقيقية وراء قرارات الاستبعاد وتحديد الإقامة والاعتقال في الواقعتين اللتين أوردنا رأيه فيهما ، فإن رأيه يوحى بما كان يتفهمه واحد من القيادات العليا في تنظيم عبد الناصر الطليعي .

ونحن نستطيع من الوقائع السابقة نستطيع أن نؤكد أن تفكير جمال عبد الناصر وراء إنشاء تنظيماته السلطوية ، كان الحشد التعبوي لأكبر عدد ممكن، وتهيئتهم للدفاع عن السلطة الناصرية ، وإلزامهم بتبرير قراراتها .

وقد فعلت تنظيمات عبد الناصر السياسية ما أريد منها ، وتم فيها احتواء المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري ، بقيادة جمال عبد الناصر المعارضين لبعض خطوات السلطة ممن يؤيدون التحول الثوري، بقيادة جمال عبد الناصر ، وينتقدونها داخل التنظيم ، واستبعاد وترويع من يعارضون علنا ، حتى وإن كانوا من المخلصين ، الذين أرادوا أن يأخذوها جدا.

وهكذا نخلص إلى أن عبد الناصر لم يكن يرى أن تنظيماته قد فشلت ن ونخلص إلى النقطة الأهم ن وهى أن تنظيمات عبد الناصر لمت كن حقيقية أو طبيعية .

لكن ما لا يجب أن يفوتنا ونحن نتكلم عن التنظيم الطليعي ، خاتمة تنظيمات عبد الناصر، والذي ورد ذكره مع الاتحاد الاشتراكي العربي في الميثاق الوطني، أن كان تنظيما قد خطط له وعبد الناصر يعنى أزمة حكم شديدة ، تلت الانفصال عن سوريا ، وخلاف عبد الناصر المهدد لسلطته مع المشير عبد الحكيم عامر، ومن ثم مع القوات المسلحة التي كانت في يد المشير، وعبد الناصرالذى قاد انقلابا تحول – فيما بعد- إلى ثورة ، بأقل من مائة ضابط فعال ، لابد كان ينظر بتخوف شديد – له ما يبرره – من كون المشير يتحكم في أضعاف أضعاف هذا الرقم من الضباط الموالين له، والمتورطين مثله في كارثة الانفصال، ولقد أراد عبد الناصر – في ظني – أن يحقق أكبر حشد في الاتحاد الاشتراكي، وفى التنظيم الطليعي ، وفى منظمة الشباب لمواجهة القوة الفعلية في يد المشير بالإضافة إلى ذلك كانت أزمة الحكم التي عاناها عبد الناصر في ذلك التوقيت وراء سرية تنظيمه لأخير طليعة الاشتراكيين أو ما عرف باسم التنظيم الطليعي .

ويؤكد هذا الأمر أن الحاجة إلى التنظيم تنامت بعد ازدياد أزمة الحم التي يعانيها النظام إثر نكسة 1967 ، وأن الطلاب الذين لم يكونوا يدخلون التنظيم الطليعي ، عمد نظام عبد الناصر إلى تجنيد عناصر منهم فيه بعد اندلاع مظاهراتهم في فبراير 1968 ، ومناداتهم بالتغيير ، وعصرنه الدولة ، والديمقراطية ، والقضاء على دولة المباحث وحتى يتم من خلالهم وبهم السيطرة على الحركة الطلابية.

كان عبد الناصر هو السلطة بقضها وقضيضها ، ولقد عبر عبد الناصر خير تعبير عن هذا المر – كما لفتنا الكتاب الذي بين أيدينا – حين قال " السلطة التنفيذية هي الثورة التي قامت في يوليو 1952 "

والآن نراجع معا دلالات ما قاله جمال عبد الناصر في الاجتماعين الأول والثاني للتجهيز لتنظيمه الطليعي ( راجع كتابي " الجيل الذي واجه عبد الناصر والسادات " دار قباء، القاهرة 1999 ، ص 225 وما بعدها ) قال إنه يحب أن يضع أمام المجتمعين ( ورد ذكرهم قبلا ) عدة نقاط (..) أولها تقديره الكامل لصعوبة تكوين حزب من قمة السلطة أو بواسطتها لما يترتب على ذلك من مصاعب ، ومشاكل ، من بينها محاولات تسلل العناصر الانتهازية إلى تنظيمات السلطة (؛؛) ثانيهما : الإصرار على السرية ثالثهما : العمل بقدر الإمكان ( خل بالك من قدر الإمكان هذه ) على مراعاة الطبيعة البشرية ، ونوعية العناصر التي تساهم في هذا العمل ، وأن الشروط الواجب توافرها في العضو، منها ، من الوضع في الاعتبار العوامل الإنسانية والعوامل البشرية ( مرة أخرى ) أن المرشح لابد وأن يكون مؤمنا بثورة 23 يوليو وقوانينها عن قناعة ( مع أن القوانين تتغير ..) مؤمنا بالنظام الاشتراكي ( هل كان هيكل وسيد مرعى وعبد العزيز حجازي وسامي شرف مثلا ، مؤمنين بهذا ؟ .. ثم خل بالك من موضوع الإيمان بـ " النظام الاشتراكي " وليس الفكر الاشتراكي ) وقادرا على الالتزام بالسرية، وأن يكون عنصرا حركيا يستطيع أن يناقش ويقنع الجماهير ، يقبل النقد ( من رؤسائه في التنظيم طبعا ) ويمارس النقد الذاتي، وأن تتوافر فيه الطهارة الثورية ، مع الوضع في الاعتبار العنصر البشرى ( مرة ثالثة ) وأن يكون جماهيريا ، خصوصا في المرحلة الأولى ( لماذا في المرحلة الأولى ، هل قصد إلى أن يتم للتنظيم السيطرة على الأمور ؟ ) وأن يتعمد عليه في الدعوة والفكر (المطلوب هو الدعوة والفكر ) وفى الاجتماع التمهيدي الثاني قال جمال عبد الناصر، إنه من الضروري التعرف على الوسائل الايجابية، التي تمكن من التوصل إلى العمل السياسي بحيث يكون التنظيم موصلا جيدا بين القيادة والقاعد ( لاحظ أن اتجاه التوصيل من فوق لتحت ) وإن الناس يريدون معرفة ماذا تم بالنسبة لأهدافنا بتحقيق المجتمع الاشتراكي ( وماذا كان يفعل الإعلام صباحا وليلا ، وماذا كان يقول جمال عبد الناصر في كل خطبه التاريخية غير هذا ؟ ) وإنه – ثالثا- يرى أن أمامهم عمليتين أساسيتين عملية التفسير ( لاحظ ) وتنشيط العمل السياسي القائم ، وعملية التنظيم الداخلي.

الدلالات شديدة لوضوح الآن، العضو يمارس الدعوة والفكر ( أفكار الزعيم في الميثاق الوطني ) ويجيد التوصيل بين القيادة والقاعدة ، ويقدر على الإقناع ، ويعرف الناس بما تم إنجازه ، ويدافع عن ثورة يوليو 1952، وأن يكون على قدر من الطهارة يراعى فيها الطبيعة البشرية ، التي وردت كثيرا في كلمات جمال عبد الناصر محيرة، فقد كانت الباب الذي قبل به الانتهازيون في تنظيماته والانتهازيون معروفة ديتهم ، عكس هؤلاء الذين يأخذونها جدا من الشرفاء ).

والمدقق يستشعر أنه لم يرد جديد في كلمات عبد الناصر عن تنظيمه الجديد فلقد كن الاتحاد الاشتراكي العربي يمارس الدور نفسه ، فلماذا تنظيم جديد ؟ ولماذا السرية ؟ الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو ألا تعرف الجماهير ، وأعداء النظام أن من يتكلم بينها ، ويدافع عن النظام ، ينتمي إلى تنظيمات جمال عبد الناصر ، فيتكلمون بتحفظ أقل ، ويقتنعون ظانين أن المدافع ليس من أصحاب المصلحة ، وأن يعرف من الخبايا ما يمكن إخفاءه على أعضاء الاتحاد الاشتراكي المعروفين، أي أن تزيد أجهزة المعلومات ( الاستخباراتية ) العديدة في المخابرات بنوعيها ( العامة والعسكرية ) والمباحثية ، ومكاتب المعلومات في رئاسة الجمهوري ، جهازا جديدا في ثوب تنظيم سياسي ( لاحظ أننا قلنا أكثر من مرة أن تنظيمات جمال عبد الناصر لم تكن حقيقية ولا طبيعية ) .

نأتي الآن إلى كتابة التقارير , وكانت مهمة رئيسة للعضو في تنظيمان عبد الناصر بما فيها منظمة الشباب الاشتراكي ، وكان من المفترض لدى العضو أنها أداة يتم للنظام بها التعرف على آراء الناس ، وعلى مشاكلهم ، وعلى تحركات الثورة المضادة ودعاياتها ( كانت تضم النكت ، والإشاعات ، وآراء الناس ، ومشاكلهم ، واقتراحات العضو .. ).

كان هذا هو المفترض ( بالرغم من أنني كنت عضوا بمنظمة الشباب ، ومسئولا عن التثقيف ، وعضوا بلجنة العشرين في الاتحاد الاشتراكي بمدرستي الإبراهيمية الثانوية ، ولم أكتب إلا تقرير رأى عام واحد ، طلب منى بعده ألا أكررها لتعمدي كتابة كل التقارير ضد السيد على صبري ) لكن الواقع كان غير ها المفترض. فالواقع كان يؤكد كما قلنا أن تنظيمات جمال عبد الناصر لم تكن طبيعية ، وإن كنا تحت الدعاية المكثفة ، وربما لصغر السن ، لم نفهم الأمر في حينه ، لكن سرعان وما اكتشفنا أن المنظمة تتخلص من عناصر ممتازة في اللجنة المركزية ، ثم تعمد – المنظمة – إلى ترويع المعارضين لبعض الخطوات ، المؤيدين للاتجاه العام ، بأنهم أنصار لهؤلاء وأولئك، الأمر الذي أدى إلى أن يمسك الكثيرون أيديهم عن كتابة التقارير ، لكن من لم يمسكوا أيديهم كانوا هم المشكلة ، فعدد لا يستهان بهم من هؤلاء كانوا من الانتهازيين، الذين زعموا أنهم أنصار التجربة إلى أن استطاعوا أكلها وأكل مخلصيها في عهد السادات ( كثير من أعضاء التنظيم الطليعي أيدوا أنور السادات في ضربه ، وعملوا تحت قيادته ، ومنهم بعض من حاكموا أعضاء التنظيم في قضية 15 مايو الشهيرة).

وها نحن ذا قد رأينا جمال عبد الناصر في الاجتماع الأول للتحضير لإنشاء التنظيم الطليعي ، ينتبه لأن مخاوف حقيقية تنتج عن بناء تنظيم من فوق ، ممن في السلطة ، لأن ذلك سوف يمكن الانتهازيين من التسلل إليه بغية التقرب من الحكام ، والكتاب يلفتنا إلى أن شعراوي جمعة قد اقر – بعد الهنا بسنة – بخطأ بناء التنظيم من فوق ، وأن السيد على صبري أشار على الانتهازيين كانوا أكثر المتحمسين ( بالطبع ظاهريا ) وما أكده الثلاثة هو عين المصيبة ، وهو ما جعل تنظيمات عبد الناصر غير طبيعية ، فالتنظيمات تنشأ في النضال، وتقوى به، ولا تبدأ النضال بعد إنشائها، مستقوية بمراكز السلطة ، التي أنشأتها ، والتا تزاملها في التشكيلات المكونة للتنظيم هكذا تسلل الانتهازيون إلى التنظيم , ولكي يخفوا أغراضهم الحقيقية كانوا الأعلى صوتا فيه ، وكانوا المبادرين بالتحريض على من يستطيعون كشفهم ، وكانوا من ثم أصحاب التقارير المسمومة ، واذكر أنني قد قلت في الفصل لزملاء لي أننا باستعمال قنابل الضغط المحرمة في اليمن ( قنابل يؤدى انفجارها إلى خلخلة الضغط وانفجار الأوعية الدموية في الأجسام ) سنسيء إلى علاقتنا المستقبلية بالشعب اليمنى، وقبائله الموالية الآن للسعودية، وكلاما آخر في نفس السياق، ومر يومان كنت نسيت فيهما ما قلته ، وإذا بمدرس التاريخ يدخل إلى الفصل ، ويطلبني ، ويقول لي أنهم يريدونني في أمانة القاهرة للاتحاد الاشتراكي بعابدين ، وأنه سيصحبنى إلى هناك ، كنت صغير السن ، وأعترف بأنني فرحت جدا وقتها ، فقد تصورت أنني سيتم تصعيدي إلى أمانة العاصمة ( كنت مسئولا للتثقيف في قسم قصر النيل ) انتفخت في الطريق وتزايد زهوي بنفسي ، وهناك ما أن نطق الأستاذ باسمي لسكرتارية مكتب أمين العاصمة ، حتى قفزت السكرتيرة من مكانها ، وقالت إن السيد الأمين في انتظاري ، هكذا تأكدت ظنوني في أن التصعيد جاهز لأتسلمه وأتنسمه ، وما أن دخلت على السيد الأمين حتى انتتر واقفا يسلم على ، وبعد أن سألني عما أريده من مشروبات ، ووصلت دقات قلبي إلى الذروة في انتظار الخبر السعيد ، فأجابني بسؤاله إياي : " إيه ياسى هشام إللى قلته في الفصل أول امبارح ؟ .. والحقيقة إنني صدمت ، فظن السيد الأمين أنني لا أذكر ما قلته ، وأردف : " حكاية قنابل الضغط في اليمن .. "، وقلت للسيد الأمين أن ألمر لم يكن يستدعى استقدامي من المدرسة إلى أمانة العاصمة ن وكان من الممكن إرسالي إلى باب اللوق مباشرة ( مقر المباحث العامة ، وكنت قد أخذت إليها مرتين من قبل ) وخرجت غاضبا أسائل نفسي ، هل أنا في أمانة التنظيم أم في المباحث العامة ؟ كنت ساذجا بعض الشيء ، غذ سألت نفسي هذا السؤال، فأمين القاهرة الذي قابلته كان السيد عبد المجيد فريد ، وكان مسئولا عن أحد مكاتب الرئيس للمعلومات ، وهو منصب استخباراتي في رئاسة الجمهورية ، فهل كان هناك فرق بين الاثنين ؟ ( تسلم السيد شعرواى جمعة بعدها وزارة الداخلية ، الأمانتين العامتين للاتحاد الاشتراكي العربي والتنظيم الطليعي ) والحقيقة أنني استقصيت عن الكيفية التي وصل بها كلامي إلى أمين العاصمة ، وعلمت أن والدة من يجلس إلى جواري في الفصل تعمل في أمانة العاصمة كمتفرغ سيأسى ( المتفرغ السياسي كان يحصل على مرتب يفوق مرتبه من عمله الأصلي وربما مكافآت أيضا ) .

لكن ما لم أعلمه هل حكى زميلي لأمه ببراءة ما كان ، أن أنه خدمها بمدها بمعلومات تصلح لملء تقرير يرفع من شأنها هناك ، حين يبدو به أمين العاصمة أمامنا ، وكأنه يعلم بكل شيء.

ولنضف الآن إلى المتسللين نوعا آخر منهم كانوا هم الطامعون في وظائف ومواقع محترمة فمما زاد الطين بلة أن الترشيح للوظائف العليا كان يشترط عضوية المرشح لتنظيمات الثورة ، مثله مثل الجمعيات التعاونية ، ووظائف العمد والمشايخ وعضوية المجالس المحلية ن ومجالس إدارات النقابات العمالية والمهنية , .. وهو ما جعل عضوية تنظيمات الثورة أداة ناجحة للتسلق للأعالي ، وجعل من الضروري لتأكيد إمكانية هذا التسلق أن تبدو و:انك أكبر المؤيدين ، الأمر الزى لا يبين إلا بالتقارير المتتابعة والملفقة ، بينما أعمالك تضرب في الأعمدة التي تبقى التنظيم قائما وقويا وفاعلا في تحقيق أماني أصحاب المصلحة في التغيير.

والقول بأن السرية كانت لضمان ألا يستغل العضو وضعه التنظيمي في تحقيق مكاسب شخصية مردود عليه بأن العضوية السرية نفسها كانت في حد ذاتها اقترابا من الحكام الذين يستطيعون خدمة من يريد الانتفاع بوضعه التنظيمي .

ولمن ينتقدون جمال عبد الناصر لصالح من خلفوه ، نقول إن الأغرب أن الرئيس السادات الذي انتقد التنظيم الطليعي ، لغياب الديمقراطية فيه ، وبعد ذلك غيب هو الديمقراطية في البلاد ، بأنيابها المسنونة على الدوام لمعارضيه ، جعل من حزب مصر المبنى كسابقيه من فوق – صورة بالكربون من الاتحاد الاشتراكي ، وخلط ميزانيته – كجمال عبد الناصر – بميزانية الحكومة أو الدولة ، وجعله وأجهزة الدولة سواء بسواء ، وأصر على تماهى السلطات الثلاث في شخصية ( شخص رب العائلة المصرية ) ووضع قبعته العسكرية على الثلاث منها ، وزور الانتخابات وعندما زادت المعارضة ضده في الحزب لم يحتمل الأمر ، وأسرع بتكوين الحزب الوطني فهرع المنافقون والانتهازيون وحدهم إلى حزبه الجديد ، الذي أفسد الحياة السياسية تماما ، لقد أراد جمال عبد الناصر أن يقود الثورة بدون ثوريين ، وأراد أن يبنى الاشتراكية بغير اشتراكيين وأراد السادات أن يصنع تعددية تلتهم قواها القوانين المقيدة للعمل الحزبي ، وإرهاب أجهزة الأمن لأعضائها ، لصالح حزب الرئيس ، المستفرد بالأمة وثرواتها ومقدراتها ومستقبل الأيام حتى إشعار آخر ، أي أنه أراد أن يوهمنا بأنه يبنى الديمقراطية بالمعادين للديمقراطية.

ألم نقل إن الكتاب – بين يدا القارئ – ليس كتابا يقرأ التاريخ ، بل هو كتاب يقرأ واقعنا المعيش – الذي يناضل المصريون فيه لاستعادة ما سلب وتمت شرعنته بدستور 1956 ، واستمسك بما جاء فيه من حكمونا في جمهورية السادات.

د. هشام السلامونى

مقدمة

يعتبر التنظيم الطليعي أو التنظيم السري أو طليعة الاشتراكيين تنظيما مستقلا عن الاتحاد الاشتراكي حاول عبد الناصر فيه الجمع بين العناصر الأكثر يسارية وبين كافة من كان يضمهم الاتحاد الاشتراكي من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ولم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو"بالزعيم"على وجه التحديد .

وكان الهدف – كما أعلن وقتئذ – من إنشاء التنظيم هو " تجنيد العناصر الصالحة للقيادة وتنظيم جهودها ويطور الحوافر الثورية للجماهير " وكما حدث في تكوين الاتحاد الاشتراكي وإنما قام على أكتاف من اختارهم عبد الناصر من الحريصين على البقاء في السلطة والاستفادة من مزاياها دون أن يعرف عن أحد منهم أي إيمان بالمبادئ الاشتراكية وهم كل من : الكاتب محمد حسنين هيكل وعلى صبري وهو من ضباط الصف الثاني الذي اعتمد عليهم عبد الناصر في التخلص من زملائه السابقين من أعضاء مجلس قيادة الثورة فعينه رئيسا للوزارة في 1962 ثم أمينا للاتحاد الاشتاركى أكتوبر 1965 وسامي شرف الذي جعله عبد الناصر بعد قيام الثورة بفترة قصيرة سكرتيرا للمعلومات لمكتبه بعد أن أبلغ عن شقيقيه ( طارق وعز الدين ) أنهما من الإخوان المسلمين وشعراوي جمعة الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية وأمينا للتنظيم الطليعي.

وكانت فكرة عبد الناصر إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من تكتل القوى ضدهم أولا وثانيا حتى لا يستغل أحد موقعه في التنظيم الطليعي للاستفادة في مكان عمله.

وهو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن عبد الناصر ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى عبد الناصر عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك الإتحاد الإشتاركي وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا لتنظيم 1962 ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الطليعي سريا لذلك لم يكن غريبا – في إطار هذه السرية – أن ت كون كتابة التقارير السرية هي أهم نشاط أعضاء التنظيم الطليعي فلائحة التنظيم نصت على ذلك صراحة فعلى العضو " أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم ".

فأصبحت مهمة هذا التنظيم الذي وصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو كانت كتابة التقارير وجمع المعلومات تقارير تكتب عن أي شخص مهما كانت قامته ومعلومات تجمع عن أي شيء مهما كانت قيمته وحتى عن المصريين خارج مصر مرورا بكم هائل من المواضيع مثل الخلافات والشجارات التي تنشأ والقضاة وطلبة الجامعة وما ينبغي تجنيده وغيرها من المواضيع التي لا يمكن أن تتخيل أن يتم جمع معلومات عنها لكن هذا ما حدث وهذا ما تم قبل هزيمة 1967 حيث انشغل عنده وهو الأمر الذي لم يحدث حيث انشغلوا بكتابة التقارير الأخرى عن الفئات الأكثر تأثيرا وعن القضاة وكيف أنهم كانوا يظهرون غير ما يعلنون ومن من الناس فرح بالكنيسة ؟ ومن منهم لم يفرح وهكذا وجد الـ30 ألف تقريرجى لأنفسهم مجالا آخر لكتابة تقاريرهم المضللة والتي تصيبك بكريزة ضحك أثناء قراءة بعضها من فرط سذاجته وبنوبة من الغثيان أثناء قراءة البعض الآخر .

ومن بين يدينا كم هائل من الوثائق أقوى مما تتخيل وأكبر مما تتوقع كتبها أشخاص بعضهم كانوا في مراكز السلطة وقتها وبعضهم ثم تصعيده في مرحلة ما بعد عبد الناصر وبعضهم مفكرون كنا نعتقد أنهم فوق ذلك ومبدعون كنا نعلق صورهم في غرف نومنا ونضع كتاباتهم على هوامش أوراقنا ودفاتر دراستنا وكشاكيلنا الجامعية تعظيما وتبجيلا .

عموما فقد كانت هناك ثلاث مجموعات كبيرة داخل التنظيم الطليعي هم من أنشط كتاب التقارير المجموعة الأولى وهم الماركسيون الذين تم الإفراج عنهم في أواخر عام 1964 وعلى رأسهم محمود أمين العالم ،المجموعة الثانية وهم ما عرفوا باسم القوميين العرب وكان يقودهم سمير حمزة ، والمجموعة الثالثة هم الرواد الذين تم تكليفهم ببناء منظمة الشباب عام 1965 وانضموا بعد ذلك للتنظيم الطليعي وعلى رأسهم عبد الغفار شكر والأخير كان على رأس وفود الشباب الذاهب للاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية وقبرص لتدريبهم على التصدي للقوى المناوئ للثورة.

والشيء المريب أن بعض كبار قيادات التنظيم الطليعي يتنصلون اليوم من موضوع كتابة التقارير – غسيل سمعة – فيقول أحمد حمروش أن " كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما بل لعله كان مطلوبا أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت إلى المقربين".

والغريب أن بعضهم يفاخر بهذه البراعة بمهنته القديمة معتقدا أنها مهنة مصرية صميمة كبناء الأهرامات ترجع لأيام الفراعنة ويدللون على هذه المهنة كان لها احترامها في مصر القديمة وإلا لما خلد المصريون الكاتب المصري .

فعبد الغفار شكر يستحل لنفسه ولزملائه كتابة التقارير ويبرر ذلك قائلا إنه حاليا ممكن لأي شخص ينتمي لأي حزب أو تنظيم سياسي يكتب تقارير لقادته بهذا الحزب أو ذاك التنظيم لكنه نسى أو تناسى أنه هناك فرق كبير وشاسع – إذا أقررنا فعلا بما يقول بين من يكتب لرئيس حزبه وبين من يكتب لشعراوي جمعة وزير الداخلية كما أن الكتابة لرئيس الحزب لا يترتب عليها ضرر لأي شخص أو قوى مضادة لهذا الحزب هذا بالإضافة إلى أن هذه الأحزاب تمارس عملها بطريقة علنية وبصورة طبيعية وليس من خلال تنظيم سرى نشأ بصورة غير طبيعية فهذا التنظيم الطليعي كان من إفرازاته أو مخلفاته معظم قيادات اليسار الآن – أغلب قيادات حزب التجمع منه – مارسوا العمل السياسي بنفس الأسلوب وبطريقة الموظفين وعبد الغفار شكر ليس النموذج الوحيد.

عموما فهذه المهنة كانت تنفرد بها مصر الناصرية عن سائر بلدان العالم المتحضر وهى في مصر وسيلة وهذا عجيب حيث إن في الدول المتحضرة يكون الترقي أحيانا بتجسس الشخص لبلاده وليس بتجسسه في بلاده وعلى زملائه فمع هؤلاء عرف المصريون أن " الحيطة لها ودان " وأن " الجري نصف الجدعنة " و"أنا من بعدى الطوفان" "إن كنت في بلد بتعبد العجل حش وارميله " فالشاعر أمل دنقل يقول " أبانا الذي في المباحث لك الجبروت ولمن تحرسه الرهبوت " فالتنظيم الطليعي كان يشبه الجستابو حيث فرض الخوف والقلق على الناس وأعدموا الثقة بين الأب وابنه والرجل وزوجته والأخ وشقيقه والموظف ورئيسه وأوجدوا أجواء متوترة كانت في تقديرنا هي سببا من أسباب النكسة.

فتقارير هؤلاء ترفع إلى أمين التنظيم الطليعي شعراوي جمعة وهو في نفس الوقت الداخلية الذي يرفعها إلى جمال عبد الناصر مباشرة الزى كان يوقع عليها بأحد العبارات الآتية – يعتقل ويفصل – يوضع تحت الحراسة – تصادر أمواله – فترجع مرة أخرى لشعراوي الذي يقوم بالتنفيذ، ولم تكن كتابة التقارير هي الوسيلة الوحيدة للتجسس وجمع المعلومات وإنما كانت هناك وسيلة أخطر وهى تسجل الأحاديث التليفونية والتصنت وكان المسئول عن ذلك بأوامر من عبد الناصر كل من سامي شرف وشعراوي جمعة خاصة بعد هزيمة 1967 وكانت تفريغات تسجيلات التصنت وتقارير المراقبة يتم حفظها في مكتب تابع لسامي شرف كل ذلك يتم وبدون الرجوع إلى أية جهة قضائية وكانت هذه السلطة المطلقة التي يتمتع به كل من سامي وشعراوي عرضة بالطبع كي تستغل لأغراض شخصية وقد اتضح بالفعل من أمورا شخصية بحتة أو يختص بعلاقات نسائية ومنها ما كان يتعلق ببعض الممثلات ولراقصات المعروفات، ولا يمكن بالطبع الاقتناع بما كره شعراوي وسامي في التحقيق من أن التصنت والتسجيل والمراقبة كانت لمصلحة الأمن والنظام " أمثال حسين الشافعي وسيد مرعى وعلى صبري وعزيز صدقي ولبيب شقير وضياء داود وأمين هويدى بل واتضح بعد ذلك أن كل منهما كان يسجل للآخر بل ووصل الأمر إلى أن الرئيس السادات – بعد أن تولى الحكم مباشرة – لم يسلم بيته في الجيزة من وضع أجهزة التصنت به ، وكان شعراوي جمعة وسامي شرف أدرى الناس بالطبع بخطورة وبشاعة ما تضمنه التسجيلات التليفونية وتسجيلات التصنت على البيوت والمكاتب ومدى مخالفتها للشريعة والشرف والدستور والقانون وبعد أن علم كل منهما أن الرئيس السادات سيتخلص منهما بذل كل منهما محاولاته لوضع يده عليها أو على الأقل حرقها أو إعدامها لإزالة آثار تلك الجريمة النكراء التي ارتكبت في حق الشعب المصري ولكن أيدي رجال الرئيس الجديد كانت أسبق، وكانت هذه التسجيلات في الواقع هي دليل الإدانة الأساسي الذي اعتمد عليه السادات لتقديمهما إلى المحاكمة وقد تمت كل هذه التسجيلات كما ذكرنا بناء على أوامر سامي شرف وهكذا وجد أعضاء الجماعة – ما عرفوا باسم مراكز القوى – أنفسهم يدفعون ثمن حماقة زميلهم الذي ألقى بنفسه وبهم إلى الهلاك ، وقد علق الرئيس السادات على هذا النوع الدنيء من شرائط التسجيل الذي ضبط منه عدد وفير فقال في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب في 20 مايو 1071 ما يلي " فيه مسائل في أشرطة التسجيل ستهدم بيوت في هذا البلد هل هذه أخلاق ؟ ... نمسك ذلة ونذل الناس ونقول أنا ماسك لك وطلع المتآمرون كل واحد فيهم ماسك ذلة على الثاني إيه ده"

فنظام عبد الناصر لم يكفه أجهزة الأمن المتعددة التي أقامها أمن الرئاسة والمباحث الجنائية العسكرية والمباحث العامة التي نجحت في تجنيد عشرات الألوف من المواطنين من خلال شبكة مراقبة واسعة ترصد كل أنشطة المواطنين في القرى والنجوع والمدن فضلا عن إنشاء مكاتب الأمن فما مختلف الوزارات والمصالح وجهاز الرقابة الإدارية وكان عبد الناصر يشجع التنافس بين هذه الأجهزة بل وأدى هذا الأمر إلى قيام أجهزة بالتعدي على اختصاصات أجهزة أخرى – عموما فإن اهتمامات هذه الأجهزة لم تتجه إلا إلى المواطن المصري ولا تتسع إلا لقمعه وإذلاله رغم مئات الملايين التي استهلكت هل هذه الأجهزة فقد كان مردودها في النهاية صفرا وكان فشلها ذريعا في تتبع ورصد الأعداء الحقيقيين لمصر والمتربصين بها وراء حدودنا الشرقية وكانت خيبتها أشد عندما وقعت هزيمة 1967 فلم تكن الهزيمة منفصلة مطلقا عن هذا الوضع فقد كانت هزيمة 1967 أما إسرائيل زلزالا هائلا هز مصر والأمة العربية كلها كما لم يحدث لعقود طويلة قبلها فكانت من العمق والشمول والقوة إلى درجة أنها ظلت ماثلة في أذهان الجميع – قيادة وجماهير – حتى اليوم فهزيمة 1967 كانت تجسيدا صاعقا وقاسيا لكل خطايا ومثالب نظام عبد الناصر وكان عبد الناصر يود لو أن الكارثة أقل لتخفى معالمها كلها أو بعضها ولكن شاءت الأقدار أن تأتى الهزيمة بهذا الشكل المستعصي على إخفاء أو تمويه لتكون أقسى وأهم الدروس لأكثر من جيل بأكمله ، والشيء الغريب أن كتبة التقارير يتصورون أنه طالما أن عبد الناصر قد اعترف في رأيهم في خطاب الهزيمة في حرب يونيه 1967 بأنه يتحمل تبعة ما حدث فإن على المؤرخين أن يكتفوا بهذا الاعتراف ويغلقوا باب التحقيق في هزيمة [[يونيه] كما لو كانت حادث مصرع جاموسه على الطريق الزراعي بعد القبض على الفاعل واعترافه .

فخطاب عبد الناصر يوم 9 يونيه المشئوم كان مناورة ماهرة قصد بها استمرار عبد الناصر في الحكم وليس الاستقالة منه وكما وصفه البعض بحق – خطاب – " استجداء ثقة " ولم يكن خطاب استعفاء.

وواصل الأتباع والدراويش نفس ( طريقة الاستهبال ) وعملوا على تزوير حرب أكتوبر وحرب يونيه 1968 بنسبة انتصارات أكتوبر إلى عبد الناصر وأن الخطة التي انتصر بها جيش أكتوبر وضعت في عهد عبد الناصر وفى الوقت نفسه عمدوا إلى تشويه سياسة السادات في حرب أكتوبر مع تبرير سياسة عبد الناصر في حرب يونيه مما كان نتيجته أن أصبح بطل نصر أكتوبر 1973 خائنا وقائد هزيمة يونيه 1967 بطلا ولكن هذه أمانة الكلمة عند كتبة التقارير الذين يتاجرون بقميص عبد الناصر الذين لم يتصوروا أو يتخيلوا أن يتم ضبطهم متلبسين ومن هؤلاء تصدر كل البذاءات التي تلوث حياتنا الحالية وهم معذورون في ذلك لأن تجربتهم في ظلام الدكتاتورية الناصرية لم تعلمهم أدب الحوار أو أخلاقيات الخلاف في الرأي أو احترام العلم فما زالوا يهتدون بمبادئ مدرسة حمزة البسيونى في الحوار مع الخصوم – خصوصا إذا كان هؤلاء الخصوم من الأساتذة الجامعيين.

وفى النهاية يمكن القول أن الجهد الذي تبذله القوى الفعالة الآن في مصر لاستكمال وإنجاز التحول الديمقراطي إنما يتجه في جانب أساسي منه فصلاح أخطاء جسيمة في الإرث الناصري عموما سنتناول هذه الدراسة – التي سيتبعها جزء ثان وثائقي – نشأة هذا التنظيم وأبرز أعضاءه وقيادته ومدى تغلغلهم في كافة المرافق ( وسائل الإعلام والقضاة والمصالح الحكومية والشركات والجماعات والنقابات ) ودور التنظيم الطليعي في أحداث مايو 971 .

وفى النهاية نتوجه بخالص الشكر والتقدير للمستشار يحيى الرفاعى على منحى الكثير من الوثائق وخاصة بالجزء المتعلق بالتنظيم الطليعي بالقضاء والواقع أن كلمات الثناء والشكر لا تفي بحقه .

يبقى أن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للدكتور هشام السلامونى على تفضله بكتابة تقديم لهذه الدراسة بصدر رحب وأبوه كريمه.

الفصل الأول

تنظيمات الثورة السياسية

هيئة التحرير- الاتحاد القومي - الاتحاد الاشتراكي :

قامت ثورة 23 يوليو 1952 لتنتقل بها مصر ونظمها وسياستها إلى أوضاع جديدة تختلف كثيرا عما سبق ، فكان الوضع السابق من الناحية السياسية قوى ثلاث لا تستطيع إحداهما أن تنفى الآخرين ، القوة الأولى : هي الملك وما يمسك بع من أعنة السلطة وما يرتبط به من أجهزة الدولة ، والقوة الثانية: هي الانجليز وما تقوى به كلمتهم من وجود جيش الاحتلال البريطاني أو السفير البريطاني مشاركا في السلطة بمصر والقوة الثالثة : هي قوة الأمة ويمثلها الوفد ومن الناحية التنظيمية للمجتمع والدولة ، ألغت الثورة دستور 1923 الذي كان يرسم نظام الحكم على أساس من توزيع السلطة على ثلاث هيئات ، الملك والحكومة يشخصان السلطة التنفيذية ، والبرلمان بمجلسيه يشخص السلطة التشريعية ، والمحاكم تشخص السلطة القضائية ، ودمجت الثورة سلطتي التنفيذ والتشريع في جهاز واحد من بدء نشوئها حتى صدر دستور 1956 ، ثم أخضعت المجلس النيابي للسيطرة التامة للسلطة التنفيذية ، وصار هذا المجلس يكون بين أن يوجد تابعا للسلطة التنفيذية وبين ألا يكون أصلا على مدى سنين عديدة ، وتصدر القوانين بقرارات من رئيس الجمهورية ، أو تصدر من المجلس النيابي إن وجد بما يحقق المشيئة الكاملة لرئاسة الجمهورية.

فلما جاءت ثورة 23 يوليو خلعت الملك فاروق وما لبث أن ألغت النظام الملكي فحلت قوة جهاز الثورة ورجالها محل قوة الملك ، وتمثل ذلك في مجلس قيادة الثورة حتى صدر دستور 1956 ، ثم تمثل في رئاسة الجمهورية وأجهزتها وقيادتها . ثم أنها منذ قيامها عزلت جهاز الدولة عن النفوذ الانجليزي ثم أبرمت مع بريطانيا اتفاقية الجلاء عن مصر في أكتوبر 1954 ثم تحقق الجلاء فعلا في يونيه من سنة 1956، وزالت القوة السياسية للانجليز . ثم هي أيضا نظمت الأحزاب ثم ألغتها بعد أشهر قليلة من قيام الثورة ، كما زالت القوة السياسية للوفد عند قيام الثورة ، وحلت هي محله في حراسة الاستقلال الوطني فورثت وظيفته الوطنية ، هذا من الناحية السياسية.

وبعد أن فرضت السلطة الناصرية حظرا على تعدد الأحزاب دون مبرر ديمقراطي وأقامت تنظيما حزبيا واحدا ( هيئة التحرير 1953- 1961م) و( الاتحاد القومي 1957- 1962م) ثم الاتحاد الاشتراكي ( منذ 1962-1976م) فلم تكن هيئة التحرير سوى أداة من أدوات النظام الجديد لاكتساب شرعية جماهيرية في مواجهة القوى الحزبية المعادية له ، وكانت أداة التعبئة أكثر من كونها قناة للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار.

أما الاتحاد القومي فكان أقرب إلى الجهاز السلطوي منه إلى التنظيم الحزبي الديمقراطي ، فكما خلصت إحدى الدراسات فإن أيا من الاتحاد القومي أو الاتحاد الاشتراكي العربي لم يكن لهما استقلال عن السلطة السياسية ، حيث كانا خاضعين لسيطرة لعسكريين ورقابتهم مما أضعف من درجة استقلالهما كمؤسسات سياسية وهل هذا فإنه يستخلص من تجربة الاتحاد القومي مثلا أن هذا التنظيم لم يقم بدور سياسي مستقل عن أجهزة الدولة ، ولم يكن له أثره أو نفوذه على سلطات الحكم. وكان الاتحاد بمثابة أداة يمكن عن طريقها لرئاسة الدولة أن تتخذ ما تراه من الإجراءات السياسية مثل حق الاعتراض على المرشحين أو نقل ملكية الصحافة إلى الاتحاد القومي باعتباره سلطة شعبية ، وبذلك تتجنب السلطة السياسية اتهامها بالسيطرة على وسائل توجيه الرأي العام ، كما أن الاتحاد الاشتراكي بدوره لم يكن في أي وقت من ألأوقات مؤسسة مستقلة.

وابتداء ومن الناحية الشكلية عكست أرقام العضوية العاملة في الاتحاد الاشتراكي ما يبدو وكأنه إقبال جماهيري كبير على المشاركة السياسية ، فعندما أقيم الاتحاد الاشتراكي في عام 1962 م بلغت الرغبة في توسيع نطاق عضويته إلى حد المطابقة بين الحاصلين على العضوية وبين " قوة العمل " على مستوى الجمهورية . وفى ديسمبر 1962م – عند الإعداد لقيام الاتحاد الاشتراكي – أعلن حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية وعضو مجلس الرياسة عقب اجتماع الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي برياسته بأنه " تقرر طبع سبعة ملايين طلب لعضوية الاتحاد " وقد أعلن عبد الناصر فتح باب الاشتراك في عضوية الاتحاد الاشتراكي ابتداء من أول يناير 1963 م ولمدة عشرين يوما.

ومنذ ذلك الحين بدأ نشر الأخبار والإحصائيات عن الإقبال الجماهيري الساحق على التقدم لطلبات العضوية وفى 23 يناير ألعن أن عدد الذين تقدموا بطلبات عضوية الاتحاد بلغ 4348414 مواطن.

ولم يختلف الوضع كثيرا لدى " إعادة الاتحاد الاشتراكي " من القمة إلى القاعدة في 1968م حيث قدر حجم العضوية بحوالي خمسة ملايين عضو ، وعندما أجريت الانتخابات لاختيار لجان الاتحاد الاشتراكي ( عشرة أعضاء بكل لجنة نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ) عدا وحدات الكليات والمعاهد العليا في 7584 وحدة أساسية بلغ عدد المرشحين المتنافسين 239180 مرشحا .

هذا الإقبال الكبير والأرقام الكبيرة لم يعن على الإطلاق أن أيا من تلك التنظيمات أتاحت بالفعل درجة عالية من المشاركة السياسية للمواطنين ، سواء فيما يتعلق باتخاذ القرارات وصنع السياسات ، أو باختيار القيادات السياسية. ومع أن مجرد " تسجيل " العضوية في حد ذاته يمكن أن يكون مؤشرا على المشاركة إلا أنه يحد من دلالة هذا المؤشر أمران : أولهما فقد الاهتمام أو الالتزام بين قطاعات واسعة من الأعضاء ، وأحد الدلائل على ذلك ما يتعلق بـ" اشتراكات العضوية " ففي حين أم معدل دفع الاشتراكات في المصالح الحكومية في القاهرة والذي كان يتم عن طريق الخصم الروتيني الدوري بلغ 75% تقريبا فإن هذا المعدل لم يتجاوز 15% في الوحدات السكنية ، لذلك فقد اعتمد الاتحاد على الحكومة في الجانب الأكبر من تمويل ميزانيته التي بلغت حوالي 6 مليون جنيه سنويا ، وكل ذلك يوضح الطابع البيروقراطي الذي تميز به الاتحاد الاشتراكي ومن ناحية ثانية فلا شك أن العديد من المواطنين رأوا في عضوية الاتحاد الاشتراكي – وقد قام على أيد السلطة السياسية القائمة – إما مسألة روتينية أو إجبارية أكثر منها مسألة اختيارية ، فحركهم الخوف أو الحذر للالتحاق بالتنظيم ، أو رأوا فيها شرطا للحصول على مغنم أو على الأقل لعدم حرمانهم من مغنم ، فحركهم تملق السلطة للالتحاق بالتنظيم.

لقد صارت عضوية الاتحاد الاشتراكي شرطا فيمن يرشح لعضوية مجلس الأمة ( القانون 158 لسنة 1963 م معدل بالقانون رقم 47 لسنة 1964م ) ، كما صارت شرطا لعضوية مجلس إدارة الجمعية التعاونية ، وذلك بقرار وزير الزراعة رقم 165 لسنة 1961 م ، فلما اعترض مجلس الدولة على أن يضاف هذا الشرط ومضيفا إليه حكما بقرار وزاري صدر القانون 87 لسنة 1964م متضمنا هذا الشرط ومضيفا إليه حكما يسقط عضوية مجلس الإدارة عمن فقد أيا من شروط الترشيح ومنها عضوية الاتحاد الاشتراكي وصارت عضوية الاتحاد شرطا لعضوية مجالس إدارة النقابات العمالية المهنية ، كما أن قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960م والمعدل رقم 151 لسنة 1961 م وبرقم 54 لسنة 1963م كان يشترط عضوية الاتحاد القومي فيمن يشكلون العنصر المنتخب في المجالس المحلية بالمحافظات والمدن والقرى ، واستبدل بهذه العضوية عضوية الاتحاد الاشتراكي بالقانون 65 لسنة 1964م ، وكان ذلك على طريقة أن فقد عضوية الاتحاد تفيد إسقاط العضوية في ا لمجالس المحلية / وكذلك نظام العمد والمشايخ عدل بالقانون 59 لسنة 1964م وأسقط شرط النصاب المالي فيمن يعيد عمدة أو شيخا ، ولكن القانون شرط في المعين أن يكون عضوا عاملا بالاتحاد الاشتراكي مع فصله من منصبه إن فقد هذا الشرط ، كما أجاز لوزير الداخلية إلغاء منصب العمودية أصلا وإعادته من جديد .

وقد جرى أيضا الربط بين التنظيم النقابي وبين الاتحاد الاشتراكي فقد أصدر وزير العمل – أنور سلامة – القرار رقم 35 لسنة 1964 م يستلزم عضوية الاتحاد الاشتراكي فيمن يرشح لمجلس إدارة من التشكيلات النقابية .

وبهذا تحولت عضوية الاتحاد الاشتراكي من قوة سياسة مؤازرة إلى " شرط صلاحية قانونية " وصار الاتحاد تنظيما قابضا ينبغي كسب عضويته كشرط قانوني لممارسة المواطنين حقوق المواطنة ، ومن أهم هذه الحقوق حق الترشيح في المجالس والمناصب المنتخبة ، أي استوعب الاتحاد الاشتراكي قسما هاما من الحقوق السياسية التي ترتبت على ا لجنسية أصلا .

وأصبح الاتحاد بموجب نظامه الأساسي يجعل الفصل من العضوية العاملة أمرا يختص به التنظيم السياسي وهو صاحب الولاية العامة فيه وفق ما يضعه من ضوابط وبالتالي فإنه ليس ثمة ضمانات لمراجعة هذه السلطة التي منتح للتنظيم باعتبار أنه صاحب ولاية كاملة ، ولم يتضمن قانون الاتحاد أي نص يمكن للقاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ، بل لم يتضمن القانون أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، كما لم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها.

ومع ذلك فقد ظلت السلطة الحقيقية في الاتحاد الاشتراكي مركزة دائما في عدد محدود من الشخصيات التي تنتقل بين الاتحاد الاشتراكي وبين الحكومة ، وإن كل الاتجاه من الحكومة إلى الاتحاد أكثر شيوعا من الاتحاد العكسي. ولقد أظهرت البيانات التي أوردها الباحث الأمريكي " ديكمجيان " عن 131 وزيرا مصريا شكلوا ( نخبة القوة ) بين 1952 و 1968م أن ثلاثة فقط من الوزراء شغلوا مناصب في التنظيم السياسي قبل أن يصبحوا وزراء ن أي بنسبة حوالي 2% فقط ، في حين أن 83 على الأقل أي بنسبة 63% تقريبا شغلوا مناصب حزبية ، سواء أثناء أو بعد تعيينهم كوزراء ، أي أن لتنظيم السياسي لم يكن مصدرا لتجنيد القيادات السياسية ، وإنما كان " مؤخرة " ينسحبون إليها.

وقد كانت المعايير البيروقراطية هي المعايير الأساسية وراء اختيار الأفراد للعمل بالاتحاد الاشتراكي نتيجة لأهميتهم الإدارية أو الفنية وليس لوعيهم السياسي أو وضوح التزامهم أو تأكيد ولائهم ، كذلك كان الأسلوب البيروقراطي يحكم عمليات الانتداب وصرف المرتبات والبدلات . ويمكن القول أن عددا كبيرا ممن التحقوا بوظائف الاتحاد الاشتراكي قد اتجهوا إليها بدافع زيادة الدخل أو مضاعفة النفوذ أو الحصول على مغنم أو عدم حرمانهم من مغنم ، وليس نتيجة التزام أيديولوفى أو إحساس بالرغبة في الخدمة العامة ، وكثيرا ما كان القادة المنتدبون إلى الاتحاد الاشتراكي من القوات المسلحة أو الحكومة يصطحبون معهم مساعديهم الإداريين " الطاقم" وكأنهم قد انتقلوا إلى إدارة حكومية أخرى وليس إلى حزب سياسي أو تنظيم جماهيري.

إلى جانب ذلك كان عضو الاتحاد الاشتراكي يعطى وقته لعمله الأساسي المهني أو الوظيفي ، وما تبقى منه وقت بعد ذلك فإنه يقضى معظمه في قضاء مصالحه الخاصة والعائلية . أما العمل الشعبي والسياسي فله الجزء القليل الباقي من الوقت إذا كان هناك جهد متبق بعد هذا العناء ، وإلا فإن راحته أو ساعات الترفيه عنده أفضل من عمل يستوي فيه من يعمل ومن لا يعمل ، حيث لا تتحدد المسئوليات ولا تتم المتابعة لأداء الواجبات ، تلك ظاهرة تكشفت في الواقع الملموس خلال فترة الممارسة الأولى لعمل الاتحاد الاشتراكي .

أضف إلى كل ذلك أنه لم يكن في المقر الرئيسي للاتحاد الاشتراكي ثمة ما يعطيك الإحساس بأنك في حزب سياسي ، بل كل ما يوحى إليك بأنك في إدارة حكومة عريقة التقسيمات الإدارية المعقدة والأعداد الكبيرة من الموظفين والروتين والبطء والرسمية وسيادة نظم الأقدمية والاعتبارات الشكلية ، بل وانتشار السعاة الحاملين للقهوة ولكوكاكولا لوفود لا تنتهي من الزوار، فقد أدت كل هذه الاعتبارات وغيرها إلى تدعيم الطابع البيروقراطي للاتحاد . وكان الجانب الأكبر من نشاط الاتحاد كان " إداريا " و" فنيا " في طابعه الأساسي، بحيث ظل الاتحاد الاشتراكي دائما مفتقرا إلى الاتصال الثنائي المتبادل بين القاعدة والقمة ، كما ظل مفتقدا الكوادر ذات الوعي السياسي والاستعداد للالتزام والنضال والتضحية.

ويقودنا هذا إلى الحاجة لبحث حجم وأبعاد ما يمكن أن يعتبر أزمة مشاركة عقب ثورة يوليو والقطاعات والقوى الاجتماعية التي عانت أكثر من غيرها من تلك الأزمة ويصعب بالتأكيد – كما يخرج عن نطاق دراستنا تلك – الفصل في القضية .

النقطة الثانية : إنه كانت هناك ، فضلا عن الرغبة في أبغاد تأثيرات النخبة القديمة بل وكذلك النخب المنافسة ، دوافع لإنشاء التنظيمات السياسية ليس بغرض تحقيق المشاركة الحقيقية والكاملة في النظام السياسي ، وإنما بغرض تحقيق صورة – يمكن اعتبارها صورة دنيا – من صور المشاركة أي : التعبئة السياسية خلف النظام.

هذه الزاوية يضحى الاتحاد الاشتراكي وكأنه أقرب إلى نموذج الحزب الواحد التعبوي أو الحزب الواحد الثوري المركزي التعبوي في مقابل الحزب الواحد التوفيقي البراجماتى التعدد ، الذي يسعى إلى تعبئة الموارد السياسية لتحقيق الأهداف القومية في التنمية ويفرض التلقين الأيديولوجي أو المذاهب الإيديولوجية كأساس للتضامن السياسي . وتنبع الحاجة لهذا الجهد التعبوي من " ضرورة عدم استنزاف الموارد اللازمة للتنمية بعيدة الأجل ، في إشباع حاجات شعبية عاجلة.

وبالمثل ، لم يتصور عبد الناصر أي انفصال بين السلطة الحاكمة والشعب في ظل حكمه . وفى رده على استفسار لأحد أعضاء المؤتمر الوطني للقوى الشعبية في يوليه 1962م حول مشاركة أعضاء السلطات العامة للدولة في الاتحاد الاشتراكي " هل التنفيذيين من غير أفراد الشعب ؟ " ما احنا السلطة التنفيذية .. مش معتبرنا من الشعب والا معتبرنا أيه ؟ ده مفهوم قديم وممكن النهاردة نشيل هذا المفهوم من راسنا .

إذا فضلنا نقول السلطة التنفيذية والاتحاد الاشتراكي والشعب .. طيب عايزنى أسلم الاتحاد الاشتراكي لمين ؟ أسلمه للرجعية ؟ واللا أجيب واحد من الشارع وأقول له اتفضل استلم الاتحاد الاشتراكي ؟ ما احنا السلطة التنفيذية ، احنا ثورة هذه السلطة التنفيذية هي الثورة اللي قامت يوم 23 يوليو 1952 "

لقد نظر عبد الناصر ورفاقه إلى أنفسهم باعتبارهم مجددين وحماة للمصلحة الوطنية والنظام في المجتمع ، واعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة القادرة على تحقيق الإصلاحات اللازمة التي سوف تحقق الكرامة و القوة والعدالة للمصريين ، ومن ثم فإن أية معارضة منظمة للنظام وسياساته لا يكون من المتصور السماح به.

وثانيهما الاعتقاد بأن التعدد السياسي يؤدى إلى الضعف وعدم الوحدة . لقد أنكرت النخبة الحاكمة وبشدة أن التعدد السياسي يؤدى إلى إطلاق مبادرات الجماهير السياسية الخلاقة.

على العكس من ذلك فإن النخبة الحاكمة سعت إلى الوحدة والتماثل ، وبدلا من الاعتراف بوجود الصراع في المجتمع ومشكلة توزيع الموارد النادرة بين الطبقات والجماعات والفئات المختلفة ألحت على التنظيم السياسي الواحد كأداة لخلق التضامن وكتعبير عن التكامل .

لقد كانت التنظيمات السياسية والتشريعية بل وكثير من التنظيمات الإدارية مجرد ديكور حسن الصنع أو " هياكل بديلة " توحي بوجود العمل السياسي دون أن تسمح السلطة بأي تواجد فعلى لأي نشاط سياسي جاد أيا كان وحتى ولو كانت أهدافه متفقة مع أهداف النظام.

والأمثلة كثيرة لتجمعات " بريئة غاية البراءة " من شبان لا بدون أي اتجاه سياسي بادروا بحملات لتنظيف قراهم أو أحيائهم أو بادروا بنشاط لمحو الأمية لا لشيء إلا أنهم يحبون هذا البلد وهذا الشعب أو ربما صدقوا ما سمعوا من شعارات عن الخدمة الجماهيرية والنشاط السياسي ثم ما لبثوا أن صدموا بأجهزة الأمن ترصد تفرقهم وإن لم يكن بالحسنى فبغيرها وكم من شباب حسن النية بادر بمثل هذا النشاط " البريء" فتم الزج بهم في المعتقلات.

وهكذا أرادوا تناقض خطير فالحكم بحاجة إلى التنظيم السياسي استكمالا للشكل لكنهم كانوا لا يريدون لهذا التنظيم أن يتواجد في صورة مستقلة أو متميزة أو أن يتمتع بأية قوة يستمدها من اى مصدر غيرهم. وهكذا أرادوا التنظيم السياسي ليس " أداة الحكم " وإنما " أداة طيعة في يد الحكم " ، ذلك أن قيام أي تنظيم سياسي جاد كفيل بأن يحول علامات الاستفهام التي تموج بها القاعدة إلى استجوابات .. وهو أيضا كفيل بأن يحول قوى القاعدة المنظمة والواعية إلى أداة للضغط على القيادة ، وهو فوق ذلك كفيل بإقرار أشياء غريبة على تصورهم لأسلوب الحكم مثل مبدأ التصويت ، والنقد الذاتي، وخضوع الأقلية للأغلبية بديلا عن خضوع الجميع للقاعدة ، وهذه كلها أشياء كفيلة لو استقرت – ليس على الورق وإنما في الواقع العلمي – بأن تقلل من نفوذ الحكام الفردي وتقلل من قدرته على التحكم وعلى الانفراد بإصدار القرار .

وهكذا فإنه إذا جاز لنا أن نصوغ في هذا الصدد فإن المبدأ الأول هو أنه كلما زادت فعالية ونفوذ وجماهيرية التنظيم السياسي كلما قل نفوذ الحاكم ، وقلت قدرته على الانفراد بإصدار القرار ، وقدرته على الانفراد بالحكم حتى في مصائر هذا التنظيم ذاته.

ولذلك فإن أحدا من صناع مثل هذه التنظيمات لم يكن ليرحب مطلقا بقوتها أو بنفوذها .. أليس هذا غريبا ؟ كذلك فإننا نشهد على مسار علاقة الثورة بتنظيمها السياسي أشياء غريبة، وبرغم غرابتها ، وربما بسبب غرابتها استسلم لها الناس ويلموا بها .

مثلا هناك " قرار" الحاكم – منفرد- بتسريح كل التنظيمات السياسي ، فقد كون " هيئة التحرير " ثم أصدر قرارا بتيسير حجمها عندما أراد ، وربما كان تسريحها شيئا جيدا بذاته لكن الملفت النظر هو أن أحدا لم يستشر هذا الجيش الضخم من السياسيين الذين احتشدوا وانتظموا ووضعوا لوائح وقواعد أوامر. أدمجوا فى الدور حتى صدقوا وتخيلوا ما شاءوا لأنفسهم من حقوق وواجبات. ثم فجأة ودون أن يستشيرهم أحد صدر قرار بتسريحهم أن أحدا لم يستشرهم لأنهم أبدا لم تكن لهم أية قيمة في نظر صاحب القرار على الأقل .

كذلك وبنفس الأسلوب سرح " الاتحاد القومي " ثم الاتحاد الاشتراكي ( الأول ) ذلك الصرح الضخم من التنظيمات العلوية والوسطى والقاعدية .. والألوف المؤلفة من الأعضاء والكوادر والمتفرغين ، والمعاهد والدورات التثقيفية والأوامر والقرارات وأجهزة الاتصال .. تلك الهيبة والصولجان والخطب الرنانة والمناقشات والندوات والمسارات .. كل ذلك انتهى بعبارة واحدة نطق بها عبد الناصر .. " أن علينا أن نعيد بناء الاتحاد الاشتراكي".

إن أحدا لم يسأل لماذا ؟ إن أحدا لم يحتج ؟ إن أحدا لم يسأل كيف ؟ إن أحدا لم يقاوم .. وكأن هذا التنظيم بكل قواه كان " لقيطا " بغير أهل .. ولربما كان حل هذا الاتحاد الاشتراكي عملا جيدا بذاته ، لكن الغريب في الأمر هي قدرة " الناصرية " الخارقة وبفضل ممارساتها بالترغيب تارة ، وبالعنف الشديد تارة – على تحويل كل مشتغل بالسياسة في صفوفها ، إلى "أداة سياسية " تطلق " الصفارة " فينتظم في الصف ، ثم تطلق صفارة أخرى فيتفرق .. كذلك كان الأمر مع منظمة الشباب ، فقد جمعوا ألوفا من الشبان والشابات بلع عددهم في بعض الأحيان 235 ألف شباب وشابة .. حشدوهم صفوفا متراصة ، وشحنوهم بشحنات سياسية بالغة الحماس ، ودربوهم في دورات تثقيفية ومعسكرات تدريب ثم أطلقوهم .

ولكن تصور الشباب لمهمتهم القومية لم يكن فيما يبدو مطابقا لتصور كثير من المشاركين في حكم البلاد فبينما كان الشاب يمتلئ حماسا وصدقا وإخلاصا ورغبة في العطاء كانت بعض القيادات مشغولة بمحاولة استخدام ذلك السلاح الجيد الفعال في صراعاتها الصغيرة داخل هيكل الحكم مثل محاوله كل من المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية داخل هيكل الحكم احتواءه واستخدامه كله كأداة في الصراع كما أن كثير من الشباب وجدوا أن ممارستهم للعمل السياسي الجاد وسط الجماهير قد دفعتهم إلى تناقضات حادة مع ألأجهزة خاصة وأن الفكر الذي وجد سبيله إلى عقول هؤلاء الشباب في هذه المرحلة كان يحمل من الفكر الماركسي جرعة أكبر من الجرعة التي تعلنها الدولة فبدء هؤلاء يشعرون تقارير عن الأفراد والقوى المناوئة للثورة وبدأ ذلك في ظل المناخ السائد خلال تلك الفترة وتعاظم دور أجهزة الأمن والأخبار فيه كما لو كان عملا بوليسيا يتستر بأقنعته سياسية.

عموما فبعد أن تغلب عبد الناصر على خصمه عبد الحكيم عامر شعر أن التنظيم أوشك أن يفلت من الخيط الذي يتعين أن يظل مقيدا به وكان قرار حل المنظمة ثم قرار تشكيلها من جديد ثم حلها مرة أخرى .. وهكذا.

أليس ذلك كله تعبيرا عن إصرارهم على أن يكون التنظيم السياسي بكل ما فيه وبكل من فيه تابعا للحاكم .. أليس في ذلك وحده الكفاية كل الكفاية لتفسير سر فشل هذه التنظيمات وعجزها عن الجماهير ؟ أي تنظيم سياسة هذا ؟ هل يستطيع مثل هذا التنظيم أن يكسب ثقة أحد ؟ أو احترام أحد ؟ .. أو أن يقود أحد ؟ أن النتائج تغنى عن الخوض في المقدمات ، ولقد كانت نتيجة ممارسة العمل السياسي في إطار الاتحاد الاشتراكي كسنوات عديدة فشلا وعجزا بحاجة إلى تبيان.

كانت الانتخابات تزيف، وكان الجميع يعلمون أنها تزيف ، ولقد أصبح التزييف شريعة بل وشرعا، بحجة تنفيذ تعليمات " القيادة السياسية " وكان التزييف لا يجرى فقط لمجرد الرغبة في استبعاد أشخاص معينين ، وإنما رغبة في استعباد " الفائزين " بتجريدهم دوما من أي إحساس بالاستقلالية عن النظام ، أو بالحب والاحترام الحقيقي من جانب الجماهير ومن ثم بالولاء لهذه الجماهير ، ذلك أن الولاء يجب أن يتجه في مسار واحد ، فقط إلى أعلى نحو " القيادة " ومن هنا فقد كانت هناك خطة مرسومة تستهدف إقناع جميع الكوادر بأنها مدينة بمنصبها في التنظيم ومن ثم بموقعها في " حواشي " السلطة أو بالقرب منها ، ليس للجماهير ، ولا للناخبين / وإنما لمن أتوا بها إلى هذا المنصب رغم أنف الجماهير .. هكذا كانوا يضمنون ولاء الكوادر وطاعتها وخضوعها بتجريدها من أي التصاق فعلى بالجماهير .. من السهل أن تكسب " سيدا " واحدا في يده كل شيء من أن تسعى لكسب الألوف من الناس العاديين الذين لا يملكون شيئا .

وهكذا تحول " التدخل في الانتخابات إلى شريعة من شرائع الحكم ووسيلة من وسائله الثابتة ".

وكان طبيعيا أن تشعر الجماهير بالتقزز من كل ما يجرى وأن تتواجد هوة سحيقة بين التنظيم والجماهير.

ولقد افتقد التنظيم أبسط قواعد المركزية الديمقراطية – وافتقد القنوات بين القيادة والقاعدة ، ولقد ظلت القيادات الوسطى للاتحاد الاشتراكي – دوما – في حالة تمزق بن مطالبات الجماهير وأعراض القيادة .

ولم يتضمن قانون الاتحاد الاشتراكي أي نص يمكن القاعدة من مساءلة القيادة ومحاسبتها ولم يتضمن القانون أية نصوص تكفل للقاعدة حق الحصول على إجابات على تساؤلاتها ، ولم ينظم حقوق القاعدة في نشر رأيها والتعبير عنه .. وعلى أية حال فإنه لا مبرر على الإطلاق لإخضاع قانون الاتحاد الاشتراكي لأية دراسة أو أي نقد ذلك أنه بالرغم من قصورهم الشديد لم يوضع مطلقا موضوع التطبيق العملي.

كذلك فقد كان تركيب القيادات العليا للتنظيم يخضع هو أيضا لفكرة " عسكرة النظام " لكنها إذ تصبح في الجهاز الإداري والحكومي خطأ أو خطرا فإنها تصبح في الجهاز السياسي عائقا خطيرا.

ولنأخذ اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في الفترة 1962-1964 لنجد أنها كانت تضم 18 شخصا منهم 12 ضابطا سابقا . وفى 28 نوفمبر 1966 خفض عدد أعضاء اللجنة التنفيذية العليا إلى سبعة أعضاء كانوا جميعا ضباطا سابقين.

أما الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي فقد كانت تضم في ديسمبر 1964 ، 25 عضوا منهم 16 ضابطا سابقا.

ولقد كانت وظيفة السكرتير الأول أو الأمين العام دوما من نصيب العسكريين ولم يتغير هذا الوضع إلا بعد 15 مايو 1971.

والخطر يكمن في التكوين الفكري " غير السياسي وغير الجماهيري " لجماعات الضباط الذين تربوا – وليس هذا ذنبهم – على مبدأ الطاعة التامة للقائد وعلى مبدأ الانصياع المطلق من القاعدة ( أليست هذه هي نظريتهم بالفعل في التطبيق العملي ) ، وبرغم نجاح البعض في تخطى هذا الحاجز فإن الكثيرين ظلوا دوما يمارسون عملهم السياسي بعقلية " العسكر" ولقد ساعد على ذلك بغير شك أنهم كانوا دوما الغالبية وأنهم كانوا دوما أصحاب السيطرة فلم تتح للعناصر الأخرى الفرصة للتأثير فيهم ولا في أساليب عملهم.

أما هذه العناصر الأخرى من قيادات الاتحاد الاشتراكي فقد كانت تابعة لجزء من السلطة الحاكمة ، وتم تجنيدها من قلب بيروقراطية الدولة على أساس مهني وظيفي وليس على أساس أي انتماء سياسي مستقل له ( أي انتماء حزبي أو أيديولوفى ) وانعكس معيار "الولاء" و "الأمن" على تجنيد هذه العناصر ، وقد ترتب على ذلك في الأغلب تفضيل العناصر اللاسياسية ، أي التي لم تكن ترتبط بأي ميول أو اتجاهات سياسية محددة ، بل ربما تلك التي لم تكن ذات أي اهتمام عام على الإطلاق وبعبارات ديكمجيان كان افتقاد أي لون سياسي أيديولوفى مطلبا معتادا لمن يرغب في تلوى منصب قيادي وقد ارتبط ذلك في جانب منه بما عرف بالمفاضلة بين من يسمون بـ" أهل الثقة" و"أهل الخبرة".

على أن ما ينبغي التركيز عليه هنا هو أن الحرص على اختيار أشخاص " محايدين " أو باهتين ، بلا لون سياسي أو أيديولوجي لا يعنى أن عملية الاختيار ذاتها أو معيار الاختيار ذاته معيار" لا سياسي " ولكن – على العكس تماما – فإن هذا الاختيار يظل سياسيا تماما وهو سياسي بمعنى أن معياره الأول هو ضمان الولاء للنظام السياسي القائم أو بعبارة أكثر تحديدا ضمان بقاء الاحتكار السياسي للقيادة الحاكمة وعدم منازعتها أو تهديدها في هذا الاحتكار ومن هذه الزاوية يضحى تفضيل " أهل الثقة " على " أهل الخبرة " هو تفضيل سياسي بكل معنى الكلمة وبأسوأ مضامينها أيضا لأنه يعنى التضحية بالخبرة والكفاية من أجل ضمان أمن النظام واحتكاره للسياسة ونموذج بقاء واستمرار المشير عبد الحكيم عامر في قمة السلطة وعلى رأس القوات المسلحة ، ربما كان أبرز الأمثلة ولكنه بالقطع ليس المثال الوحيد أو النادر وهذه الحقيقة تفسر أيضا بعض السمات التي طبعت تجنيد كثير من عناصر النخبة الإستراتيجية مثل اختيار أشخاص معينين لتحقيق أهداف لا تتسق مع أصولهم الاجتماعية أو توجهاتهم السياسي الحقيقية ( مثل محاولة تطبيق الاشتراكية من خلال قيادات تنفيذية أو سياسية لا اشتراكية ) أو الجمع بين عناصر مختلفة بل ومتنافرة بمهام أو أعمال مشتركة ( التنظيم الطليعي ) كما يفسر ذلك حقيقة أن معظم الضباط الذين اختيروا لتولى المناصب العليا كانوا من ضباط المخابرات العامة أو الحربية ، كما ينطبق المعيار نفسه على المدنيين الذين تعاونوا مع المخابرات. وبحكم طبيعة الأشياء فإن هؤلاء لم يحتكروا فقط مناصبهم ولكنهم حرصوا بداهة على محاربة كل من كان يمكن أن يزاحمهم أو ينافسهم أيا كانت كفايته وقدراته . ولقد وقعت حرب 1967م وعلى رأس المؤسسة العسكرية عبد الحكيم عامر وعدد من الأجهزة الرقابية والتنفيذية عناصر من هذه النوعية ، ففشلوا فشلا ذريعا.

الخلاصة أن نخبة يوليو هم الذين احتكروا العمل السياسي ، وعملوا – كما سبق الذكر – على إبعاد الجماعات والقوى التي سبق أن شاركت النخبة الجديدة إدانتها للنظام القديم ، والتي حملت آمال وتوجهات مشتركة إزاء المستقبل خاصة الإخوان والشيوعيين ، فجعلت تلك الجماعات والقوى تحظى بأكبر قدر من الإدانة والملاحقة . والأكثر نفسه ينطبق بدرجة معينة على حزب الوفد الذي كان – برغم سيطرة كبار الملاك عليه – هو الحزب الأكثر تمثيلا لشرائح عديدة من الطبقة الوسطى ، خاصة في مستوياته دون العليا.

وأحكمت نخبة يوليو أيضا سيطرتها شبه المطلقة على كافة مؤسسات المجتمع المدني ، بدءا من النقابات والجمعيات وحتى الأندية والاتحادات الرياضية واقتصاديا بالتأميمات الواسعة وتقليص القطاع الخاص لمصلحة القطاع العام . ويبدو أن القليلين فقط من مفكري مصر واقتصاديتها هم الين أدركوا في ذلك الوقت مدى فداحة الخسارة المترتبة على التضحية بالفنيين والخبراء وأصحاب المشروعات باسم القضاء على الاحتكار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم .

وهكذا حرمت مصر من النخبة السياسية ومن النخبة الاقتصادية معا ، لتدخل عقد السبعينات بمجموعة من ( الموظفين ) السياسيين والاقتصاديين ، وبدلا من أن يكون مناط النفوذ السياسي هو امتلاك القوة الاقتصادية كما كان الوضع قبل الثورة أصبح النفوذ السياسي هو المنفذ إلى القوة الاقتصادية . وفوق ذلك فإن النخبة الجديدة كانت – بحكم طبيعتها - عقيما غير قادرة على توليد قيادات وكوادر جديدة ، وانتقل النفوذ من أيدي " الثوار" إلى مديري مكاتبهم فموظفيهم ، فكانوا قيادات إما بيروقراطية عاجزة – وربما قليلة – وغير قادرة بالتالي على التطوير والإدارة الاقتصادية السليمة ، أو قيادات اهتمت بتكوين ثرواتها الشخصية على حساب القطاع العام والدولة لتصبح أحد وأهم روافد " الانفتاح " الذي حدث بعد ذلك.

يبقى بعد ذلك كلمة شخص " الزعيم " الذي حقق نجاحات بقرارات " علوية " صادرة منه هو فتزايد حجم زعامته محليا وقوميا إلى الحد الذي تضاءلت إلى جواره أدوار الآخرين ، فلم يشعر أحد منهم بكيانه رغم أنه كانت فيهم عناصر ذات كفاءة عالية ، وحتى لو استشعر أحدهم لنفسه كيانا متميزا فإن " الزعيم " الشديد الحذر ، السريع الشك ، الراغب دوما في الإمساك بجميع الخيوط ، الرافض دوما لأية زعامات أخرى ولو " ثانوية " ولو " مساعدة " كان قادرا باستمرار على البطش به ودفعه إلى زوايا النسيان .. أو إجباره على "تصغير" حجمه.

هكذا لعبت شخصية الفرد دورا هاما في تكوين هذه الصورة . ولقد كانت لشخصية عبد الناصر جوانب إيجابية ، لكنه كان يرغب ويصمم دوم على الانفراد وحده ودون أي شريك آخر بالسلطة كاملة .

عبد الناصر – رفض ، وبشكل حاسم لا شك فيه ، نمط الديمقراطية التي سادت مصر قبل 1952 ، باعتبارها خديعة كبرى وديمقراطية مزيفة ، وقعت فيها مصر بعد ثورة 1919 فهل استطاع أن يقيم ديمقراطية حقيقية بديلة ؟ وهل كان زعيما ديمقراطيا إن حجر الزاوية للإجابة عن هذا السؤال ، تتمثل في الحقيقة التي حكمت موقف عبد الناصر من كافة القضايا الكبرى في حكم مصر، وخياراته بشأنه ، وهى أنه كان يعرف جيدا ، بل ويؤمن إيمانا عميقا بالهدف أو المقصد النبيل المطلوب تحقيقه ، أما كيفية إنجازه والوصول إليه فكانت دائما قضية أخرى.

الواقع أن الذين يحبون عبد الناصر ، يكرهون إطلاق صفة ( الديكتاتور)عليه، وفى الحوار القديم الذي أجراه فؤاد مطرمع محمد حسين هيكل في سبتمبر 1974 ، ونشر في 1975 رفض هيكل وصف عبد الناصر بأنه ديكتاتور ، على أساس أن الديكتاتور رجل يحكم بإرادته غير أنه أخذ في الاعتبار رغبة الجماهير ومصالحها ، أما جمال عبد الناصر " فكانت لديه القدرة على تحسس الإدارة الشعبية " وكان " يعبر عن رغبة شعبية دفينة " وأن عبد الناصر لم يكن يستهدف تدعيم سلطته أو حماية مصالحه ، لأنه كان حريصا على ألا يملك شيئا ، وتلك هي وجهة النظر الشائعة للدفاع عن " ديمقراطية " عبد الناصر، ونفى ديكتاتوريته ، ولكن الواقع هو أن الديكتاتور عادة ما يتحدث باسم الجماهير، بل ويؤمن وعلن أنه يعبر عنها فتكون روما وبيروت زعماء أيدتهم شعوبهم وصفقت لهم بجنون، بمن في ذلك هتلر وموسولينى وفرانكو وأغلبهم أيضا لم تكن له ثروات هائلة ، أو مطامع خاصة ، بل إن كثيرا من القادة الديكتاتوريين يضرب بهم المثل في التقشف والنزاهة الشخصية والحياة الصارمة البعيدة عن محاباة الأقارب أو الأصدقاء.

ذلك كله شيء ، والديمقراطية شيء آخر تماما ، ووصف قائد أو زعيم بأنه " ديمقراطي " لمجرد أنه يحس بشعبه ، ويشعر بآماله وآلامه ، ويعزف عن المطامع المالية والمادية ، ويستشير رجاله . يشبه وصف شخص ما بأنه " مسلم " لمجرد أنه طيب الخلق ، حي الضمير ، مستقيم السلوك ، ولكن لا يعرف الشهادة ، ولا الصلاة ولا الصوم ولا الزكاة ولا الحج حتى لو استطاع إليه سبيلا ، إن الديمقراطية مثل أي " مذهب " و " نظام سياسي " ترتبط وجودا وعدما بمجموعة من التشريعات والمؤسسات ، ومجموعة من الآليات ولإجراءات والممارسات التي يلتزم بها الحاكمون والمحكومون معا ، وبهذا يستحيل بدونها أن يتحقق – فعليا وبشكل مستقر دائما – حكم الشعب لنفسه وبهذا المعنى ، يستحيل وصف حكم عبد الناصر بأنه كان حكما ديمقراطيا.

كما أنه لم يكن هناك في نشأة عبد الناصر ولا في ثقافته أو تجربته الشخصية أو البيئية المحلية أو الخارجية التي شب فيها ما يمكنه أو يدفعه للإيمان بـ" الديمقراطية " الليبرالية أو الحماس لها ، فأسرته البسيطة من أصول صعيدية ، ما كان يمكن أن تغرس فيه ثقافة وقيم الديمقراطية.

وفى نفس الوقت ليس هناك ما يدعونا إلى أن نتصور أن الثقافة المحدودة لعبد الناصر الشاب كان يمكن أن تجعله يستوعب مدلول التغيرات الداخلية والخارجية ، وأنه لم يقدر له أن يسافر للعالم الخارجي ، ولا أن تتاح له فرصة كافية لتثقيف سياسي عميق ، أما الثقافة العسكرية بالكلية الحربية نفلا شك أنه كان من شأنها إعلاء قيمة الانضباط والانجاز على أية قيم أخرى ديمقراطية أو ليبرالية.

وأخيرا ، وكما أثبتت ذلك كافة المصادر فإن الفقهاء القانونيين والدستوريينالسنهوري ، فتحي رضوان ، سليمان حافظ – الذين أحاطوا بثوار يوليو بعد نجاحهم يكونوا أبدا – للأسف – حريصين على الديمقراطية بمقدار حرصهم على التقرب من الحكام الجدد وتفصيل القرارات والقوانين التى تدعم سلطتهم .


الفصل الثاني

التنظيم الطليعي السري

على الرغم من أن تنظيم طليعة الاشتراكيين أو التنظيم السري أو الجهاز السياسي يمكن أن يعد أحد المعايير تنظيما مستقلا عن الإتحاد الإشتاركي ، إلا أن التعرض له يبقى ضرورة لفهم تجربة هذا التنظيم فقد عكس في جوهره محاولة للربط بين التنظيم السياسي الرسمي – الاتحاد الاشتراكي – والعناصر الأكثر " يسارية " وفى بوتقة هذا التنظيم السري حاول جمال عبد الناصر الجمع بين تلك العناصر الأخيرة وبين كافة من كان يضمهم الاتحاد الاشتراكي من عناصر متنافرة أيديولوجيا وفكريا ، لم يكن يجمعها سوى الارتباط بالنظام أو " بالزعيم " على وجه التحديد.

ومع أن الطابع السري لتشكيل هذا التنظيم والظروف التي أحاطت بالقضاء عليه في بداية حك الرئيس السادات أسهمت في تضييق إمكانيات الوصول إلى المعلومات التفصيلية حوله ، إلا أننا اعتمادا على ما أتيح من كتابات عنه وعلى بعض الاتصالات الشخصية التي أتاحت لنا الحصول على كم هائل من الوثائق سوف نسعى إلى التعرف على بعض سماته العامة لنلقى بذلك مزيدا من الضوء على الاتحاد الاشتراكي ككل.

ويمكن للباحث أن يعثر على الخيط الأول للتنظيم الطليعي في الميثاق الوطني عندما أشار في بابه الخامس عن الديمقراطية السليمة إلى " أن الحاجة ماسة إلى خلق جهاز سياسي جديد في ظل إطار الاتحاد الاشتراكي العربي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويطور الحوافز الثورية للجماهير ويحسن احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات . ويلاحظ أن الميثاق لم ينص على أن يكون هذا الجهاز سريا.

وفى خلال مباحثات الوحدة مع سوريا والعراق عام 1963 م وفى مواجهة الحديث الذي أثير في أثنائها عن ضرورة وجود الأحزاب والتعدد الحزبي ذكر عبد الناصر في جلسة 19 مارس 1963م " الجهاز السياسي الذي يفترض تكوينه في داخل الاتحاد الاشتراكي يتكون من الكوادر أي الناس ذوو الفعاليات السياسية والقدرة على تحريك التفاعل الثوري".

لذلك لم يكن غريبا أن عقد اجتماع لتكوين التنظيم الطليعي طبقا لما أورده كل من أحمد حمروش وسامي شرف في يونيو 1963م بعد أسابيع قليلة من جلسات مباحثات الوحدة حضره على صبري ومحمد حسنين هيكل وأحمد فؤاد وسامي شرف.

وكان من الطبيعي وجمال عبد الناصر بصدد إنشاء الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي وباعتباره كان رئيسا للاتحاد الاشتراكي أن يدعو حسين الشافعي أمين الاتحاد الاشتراكي إلى حضور هذا الاجتماع ، إلا أن ذلك لم يحدث ، حيث لم يحضر هو ولا غيره من أعضاء مجلس قيادة الثورة قديم.

ويذكر أحمد فؤاد رواية بخصوص إنشاء الجهاز السياسي، أنه ف صيف 1963 " استدعاني عبد الناصر وقال إنه ينوى بناء تنظيم حديدي مثل اللي عندكم ويقصد بهذا التنظيمات الشيوعية وطلب أسماء مرشحين .. " فقد كان عبد الناصر إذن يريد العناصر التي لديها خبرة في التنظيم والتجنيد الحزبي وكان أحمد فؤاد هو الشخص المناسب ولكي يضمن عبد الناصر أن يتم هذا التنظيم والتجنيد من خلال السلطة وتحت رقابتها فقد استدعى في الاجتماع رجل المخابرات ومدير مكتبه للمعلومات سامي شرف.

وعلى هذا فقد ضم الاجتماع:

1- جمال عبد الناصر رئيس الدولة ورئيس الاتحاد الاشتراكي .

2- محمد حسنين هيكل مستشار الرئيس وصديقه وعينه التي ترى ما هو خارج السلطة وخارج التنظيم السياسي ( الاتحاد الاشتراكي )

3- على صبري رئيس الوزراء والرجل المنظم والمرشح في المستقبل لتولى ما هو خارج مسئولية في التنظيم السياسي .

4- أحمد فؤاد الماركسي صاحب الخبرة والتجربة في التنظيم والتجنيد وصاحب العلاقات والصداقات مع مجموعات اليسار المصري.

5- سامي شرف رجل المخابرات وعين عبد الناصر.

ومن الملاحظ أن هذه المجموعة التي اجتمع بها عبد الناصر كانت ذات ميول متباينة حيث استفسر أحمد فؤاد من جمال عبد الناصر عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة فقال عبد الناصر إن على صبري وهيكل هما أكثر الناس تأثرا بفكري وإنهما برغم أن أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا أنهما يعبرن مرحلة من مراحل التحول الفكر إلى الاقتناع بها وكان الاجتماع الأول في منزل الرئيس جمال عبد الناصر وعرض عبد الناصر فكرته وشرح ما ورد في الميثاق الخاص بتكوين الحزب " .. الحل هو أن يكون لدينا كادرا أو حزب في داخل الاتحاد الاشتراكي يتكون من ناس حركيون مؤمنين مخلصين يقودون الاتحاد الذي يمثل الجماهير فعلا ، وهذا لأنه لا يمكن أ نعتبر الستة ملايين عضو بالاتحاد الاشتراكي كلهم حركيون ، حقيقة أنه يجب أن ننشط الاتحاد ، ولكن يجب أن يوجد داخل الاتحاد الحزب الاشتراكي المرتبط .. " وفكرة الجهاز السياسي داخل الاتحاد الاشتراكي تتشابه مع تنظيم رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل الاتحاد الاشتراكي في يوغسلافيا ، كما أرسل صلاح الدسوقي ( أحد الضباط الأحرار ومحافظ القاهرة فيما بعد ) لدراسة تلك التنظيمات ، ووضع أمام المجتمعين عددا من النقاط الأساسية.

منها الإصرار على السرية سواء في الاتصال بالكوادر أو في الاجتماعات أو في تداول المناقشات التي تتم بين الأعضاء وعدم مفاتحة أي شخص في الانضمام للتنظيم إلا بعد وضعه تحت الاختبار فترة كافية تسمح للقيادة السياسية بدراسة موقفه . وكان هذا يعنى أن هذه الأسماء سوف تفرز بواسطة أجهزة أمن خاصة ، وقد اشترط عبد الناصر في العضو أن يكون مؤمنا بثورة 23 يوليو وقادرا على الالتزام بالسيرة ، وأن يكون عنصرا حركيا له تواجد بين الجماهير.

وانتقل عبد الناصر إلى سؤال حول اسم التنظيم ما هم الاسم ؟ وما هو الشعار ؟ وقد اقترح الحاضرون أكثر من اسم : طرح اسم " الاشتراكية " ثم طرح اسم " الطليعة الاشتراكية " ثم اسم الطليعة الناصرية " وطرحت فكرة رابعة باسم " الطلائع " ودارت مناقشات طويلة ، ثم اتفق على تسميته باسم " طليعة الاشتراكيين " وتمت الموافقة على أن يكون الاسم هو " طليعة الاشتراكيين " وأن يكون الشعار هو " حرية .. اشتراكية .. وحدة".

وبعد ذلك حدد عبد الناصر بعض النقاط بصفة مبدئية:

- أن يعتبر المجتمعون في هذا اللقاء هم اللجنة العليا للتنظيم.

- يكلف كل من على صبري وعباس رضوان بالبدء في ترشيح عناصر للانضمام للتنظيم وعرضها على الرئيس في اجتماع مقبل سيتفق على تحديد موعده .

- يكلف باقي الأعضاء الحاضرين باقتراح أسماء تطرح للمناقشة في الاجتماع القادة.

- يتقدم كل عضو في الاجتماع القادم بورقة عمل تشمل اقتراحات أكثر تحديدا تشمل إستراتيجية العمل التنظيمي وأسلوب منهج العمل.

وأسلوب التدريب وشكل وحجم العضوية في الأشهر الستة الأولى القادمة ترسل الاقتراحات ومشاريع أوراق العمل لسامي شرف قبل الاجتماع بوقت كاف حتى يمكن دراستها وتحديد جدول أعمال الاجتماع التالي .

وبدأت تصل الترشيحات ومشاريع أوراق لمكتب سامي شرف ، وكان قد أعد بعد اللقاء السابق هيئة سكرتارية برئاسة محمد المصري ومعه عدد من أعضاء سكرتارية المعلومات وتم إعداد مشروع جدول الأعمال الذي أقره الرئيس عبد الناصر وأرسل باليد للأعضاء بواسطة محمد المصري ومع مشروع جدول الأعمال ساعة وتاريخ انعقاد الاجتماع الثاني.

وفى الاجتماع الثاني تحدث عبد الناصر عن كيفية بناء التنظيم والثوابت التي يقوم عليها العمل التنظيمي ، وكان يرى ضرورة جمع القوى الاشتراكية، فلن توجد فعالية سياسية قوية للاتحاد الاشتراكي بدون تنظيم القوى الاشتراكية حتى يكون هناك سياسة صمام أمان داخل الاتحاد الاشتراكي على حد تعبيره ، ثم انتقل إلى موضوع الوحدة الفكرية قائلا : " يجب أن نبسط الأمور للناس ولا نقول كلام لا يفهمه الناس".

وبدأ اعتبارا من هذه الجلسة بناء أولى خلايا التنظيم على أساس مبسط فكلف على صبري وعباس رضوان بأن يشكل كل منهما خلية من عشرة أعضاء وأن يكلف كل عضو من الأعضاء العشرة في خليتي على صبري وعباس رضوان بترشيح عشرة أعضاء ليشكل كل منهما خلاياه ، وهكذا بدأت العملية منضبط وفى ظل مركزية من ناحية العضوية.

وبدأ العمل بالفعل بقيام كل عضو من الحاضرين بتشكيل خلية خاصة به على أن يقوم أعضاء الخلايا بتشكيل خلايا من خلال ضم أعضاء جدد وهكذا بتطبيق نظرية العشرات أي أن كل شخص يستطيع أن يجند أو يصادق أو يؤثر في أو على عشرة أشخاص على الأقل وكل واحد من هؤلاء العشرة يستطيع بدوره أن يجند عشرة أشخاص فيصبحوا مائة والمائة لو جند كل واحد منهم عشرة أشخاص سيصبحوا ألفا وهكذا تتوالى لتصبح مائة والمائة لتصبح ألفا والألف تصبح عشرة آلاف وهكذا وكانت عضوية التنظيم الطليعي تمثل جواز مرور لتولى المناصب الهامة سواء في الوزارة أو في المحافظات وكانت عوامل الاختيار والاختيار للأعضاء تتم على أسس ومعايير مزاجية.

ولقد بدأ ( على صبري ) بتشكيل خليته التي كانت تضم كلا من – عبد المنعم القسيونى – [[عبد القادر حاتم – عبد المحسن أبو النورمحمد النبوي المهندسأحمد توفيق البكريعبد العزيز السيدإبراهيم الشربينىأحمد بهاء الدين – أحمد فهيم]] – سامي شرف ، ثم سمح لعلى صبري بعد ذلك بتشكيل خلية أخرى تضم كلا من – كمال رمزي استينوسامي شرفمحمد فائقعبد المجيد فريد – [[عبد المجيد شديد – [[محمد أبو نار – [[عبد المعبود الجبيلى – [[عبد اللطيف بلطيه – على السيدمحمد على بشيرلبيب شقيرأحمد الخواجة - حسنى الحديدي.

وقام عباس رضوان بتشكيل خلية من كل من – شعراوي جمعةأحمد كمال أبو الفتوحكمال الدين الحناوىعبد العزيز كاملمحمود الجيارأحمد عبده الشرباصىالشيخ عبد الحليم محمود ( شيخ الجامع الأزهر فيما بعد – حلمي السعيدسعد زايد وشكل محمد حسنين هيكل خلية من محمد الخفيفلطفي الخولىعبد الرزاق حسنإبراهيم سعد الديننوال المحلاوي.

وكانت خلية أحمد فؤاد تضم أحمد حمروشأحمد رفاعيزكى مرادفؤاد حبشي وفيما بعد فؤاد مرسىعبد المعبود الجبليأحمد الرفاعى – وكان أغلب هؤلاء المرشحين من تنظيم حدتو والحزب الشيوعي المصري وقد تأجل في المرحلة الأولى البت في هذه الترشيحات إلى أن تم حل الحزب الشيوعي المصري وباقي المنظمات الشيوعية وإن كان قد بدأ بعضهم يعمل وتم ضمه قبل حل الحزب مثل محمود أمين العالم.

وقام سامي شرف بتشكيل مجموعة كانت تضم ( محمد المصريمنير حافظأحمد شهيبشوقي عبد الناصرأحمد إبراهيم ( أمين الاتحاد الاشتراكي بمصر الجديدة – عبد العاطى نافع ( أمين المطرية ) مصطفى المستكاوى (أمين الزيتون ) أحمد كمال الحديد ( أمين الوايلى ) جمال هديت ( مدير نادي الشمس ) درويش محمد درويشنبيل نجدأحمد حمادة وقد شكل خالد محيى الدين خليته في جريدة الأخبار من رفعت السعيدجمال بدوىأمير العطارالسيد الجبرتيمصطفى طيبهأحمد طه.

وتلاحظ أن كل هؤلاء من الماركسيين باستثناء جمال بدوى ( إخوان مسلمين ) وكانت هذه المجموعات تكتب تقارير عن كل شيء وأي شيء فيكتب مثلا أحمد طه عن وجود تحركات إخوانية ويكتب جمال بدوى إن وجود تحركات شيوعية وكل منها أن يعرف ما يكتمه الآخر وهكذا غلبت عليهم انتماءاتهم القديمة أما عن الأمانة العامة للتنظيم الطليعي فقد كان أو تشكيل لمكتبة يضم كلا من شعراوي جمعةأحمد كاملمحمد المصريأحمد حمروشمحمد عروقيوسف عوض غزولى ويعاونهم كل من أسعد خليل وعادل الأشواح وكانت عضوية الأمانة العامة بعد تعديل الهيكل التنظيمي للتنظيم ليكون جغرافيا كالآتي:

شعراوي جمعةسامي شرفعبد المجيد شديدحسين كامل بهاء الدينأمين عز الدينمحمد فائقمحمد المصريأحمد كامل أحمد شهيبعبد المعبود الجبيلىمحمد عروقأمين هويدىعبد المجيد فريدأحمد حمروشمحمود أمين العالمحلمي السعيديوسف عوض غزولىعلى السيد على – ويعاون في أعمال الأمانة أسعد خليل وعادل الشواح .

كانت لجنة التنظيم المسئولة عن محافظة القاهرة تضم على صبريأحمد فؤادشعراوي جمعةعزت سلامةلبيب شقيرمحمد فائقسامي شرفسعد زايدحلمي السعيدعبد المجيد فريدإبراهيم الشربينىأحمد شهيبأحمد فهيمفتحي فودهأمين عز الدينأحمد بهاء الدينمحمد النبوي المهندس.

وكانت لجنة التنظيم الطليعي في وزارة الخارجية مشكلة من حسين بلبلسميح أنواريحيى عبد القادرمراد غلبعبد المنعم النجارأحمد عصمت عبد المجيدحمدي أبو زيدمصطفى مختارأحمد لطفي متوليمحمد فتحي الريبأمين حامد هويدىجمال شعيرأسامة البازعمرو موسىمحمد وفاء حجازيأنور السكريرمحمد عز الدين شرفأحمد صدقيأحمد بهي الدينإبراهيم يسرى عبد الرحمنفخري أحمد عثمانأحمد مختار الجمالبهجت إبراهيم الدسوقيمصطفى الفقىأمين يسرىأحمد يسرىمختار الحمزاوىمحب السمرةمصطفى كامل مرتجىمحمد التابعيإبراهيم ساما جاد على خشبةمحمود فوزي كاملفتح الله الضلعيحسن عبد الحق جاد الحقمحمد أو الغيطفوزي محبوبعادل مأمونشرف الدينمحسن أمين خليفةمحمد عوض القونيحسين كامل بهاء الدينعبد المنعم عبد العزيز سعوديخالد محمد الكومىمحمد زين العابدين الغبارىعبد الله محمود عبد اللهمخلص قطب عيسى .

وبهذه المناسبة فقد كان هناك مجموعات من أعضاء التنظيم الطليعي من الذين تقتضى ظروف عملهم أو يتم تجنيدهم في الخارج كانت هذه المجموعات بالإضافة إلى مجموعات السفارات المصرية في الخارج يطلق عليها ( تنظيم الخارج ) وكان يتولى سامي شرف قيادة ومسئولية هذه المجموعات وعندما يعود أحد أعضائها إلى مصر فقد كان يسكن في ما يتبعها جغرافيا.

ومن أهم وأنشط هذه المجموعات على مدى سنوات تقارب من السبعة كانت تلك التي نظمت في باريس ولندن – وموسكو وواشنطن وكان أبرز عناصر هذه المجموعات – عبد المنعم النجار وأسامة الباز وحسام عيسىوعلى السمانوجمال شعيرومصطفى الفقىومراد غالبوأسامة الخولى ووفاء حجازي وغيرهم.

أما أعضاء التنظيم الطليعي في جهاز الشرطة فكان يمثلهم:

( حسن طلعت - ممدوح سالمزكى علاجأنور الأعصرعبد الوهاب نوفلعز الدين عثمانفاروق عبد الوهابأحمد سليممحمد عبد الجودمحمد حسنين مديمحمد محمود عبد الكريمأحمد صالح داودمحمد نبوي إسماعيلمحمد مهدي البندريحسين عوف – محمد سيف الدين خليفةأحمد رشديسعد الشربينىفؤاد علامحسن أبو باشافاروق الحسنىأمير واصفمصطفى صادقألبير تادرسحسن كامل ( محافظ البحر الأحمر ) – محمد رشاد حسن.

ولجنة التنظيم الطليعي في مجلس الأمة شكلت من سيد مرعىخالد محيى الدينحمدي عبيدكمال الدين الحناوىأحمد فهيمأحمد شهيبإبراهيم شكرينزيه أحمد أمينأحمد فؤادضياء الدين داودلبيب شقير ( شعراوي جمعة ) بصفته أمينا للتنظيم .

كما شكلت في منتصف عام 1965 مجموعة خاصة جدا وبتكليف من عبد الناصر شخصيا سميت ( مجموعة المعلومات ) كنت أتولى مسئوليتها وكانت محاضر اجتماعاتها ترفع لعبد الناصر شخصيا ويخطر شعراوي جمعة باعتباره أمينا للتنظيم بمضمونها للعلم وكانت هذه المجموعة مكونة من ( سامي شرفشوقي عبد الناصرمنير حافظأحمد كاملمصطفى المستكاوىسنية الخولىنوال عامرعايدة حمدي - فوقية حين محمودعزيز أحمد خطابأحمد حمادةنبيل نجمأحمد إبراهيمدرويش محمد درويشجمال هديتعلى زين العابدين صالححسين حسن على - حاتم صادقمحمد شهيب ) وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من توفيق عبد العزيز أحمد وعبد الحميد عوني.

هذه المجموعة كانت تناقش أهم وأدق الأحداث الداخلية والخارجية وتدرس ما تكلف به من مشاكل وموضوعات إما بشكل مباشر أو بتكليف بعض أعضائها بالاستعانة بعناصر متخصصة من خارج المجموعة والاستفادة من آرائهم حول موضوع التكليف ليعرض على المجموعة بعد ذلك ، كما شكلت لجنة برئاسة الجمهورية من أسعد خليل مسئول اتصال المستوى الأعلى ( الصلة بين جمال عبد الناصر من خلال سامي شرف والتنظيم بقيادة على صبري ومن ثم شعراوي جمعة ) والسفير جمال شعير فؤاد كمال حسنين ( أمين عام مساعد مجلس الوزراء ) عبد المجيد فريد ( أمين عام رئاسة الجمهورية ) حسنى الحديدي ( سكرتير صحافي لرئاسة الجمهورية ) وكان شعراوي جمعة مسئولا عن تلك المجموعة.

ومن أعضاء التنظيم الطليعي أيضا [[حسنين محمود – نوال عامرفهيم صلاح غريبعايدة حمديأحمد فؤاد حجرسنية الخولىفوقية أحمد علىمحمد أحمد غانممحمد أسعد راجحمحمد البدوي فؤادعبد الحليم منتصرعبد الوهاب البرلسىعلى سيد حمدي الحكيمطلبة عبد العزيز مصطفىمحمد خلف الله أحمدحسين خلافرفعت المحجوبمصطفى كمال حلميعبد الجابر علاممحمود أبو عافيةحسن ناجىأحمد محمد كامل صديقمحمد فؤاد حسن همامفتحي فوده تادرس – [[صلاح زكى – عواطف الصحفيعبد الحميد غازيأحمد فؤاد محمودحسين فهماطلعت عزيزفؤاد محي الدينفردوس أحمد سعدنعيم أبو طالبكمال الشاذليسميرة الكيلانىهمت مصطفىعبد اللطيف بلطيهأحمد فتحي سرورمصطفى كمالإسماعيل الدفتارالشيخ عبد الحليم محمودحسن مأمونعاطف صدقيأحمد الشيخ علامأحمد عز الدين هلالفؤاد أبو زغلةمحمود شريفعزيز حلميعبد الهادي قنديلحمدي حرزاعبد الجابر علامصلاح حافظعبد العزيز حجازيمشهور أحمد مشهوريوسف إدريسإبراهيم صقرعلى صدقيناصف عبد الغفار خلافإسماعيل صبري عبد اللهعلى السمانصلاح الدين حافظ ( الأهرام ) – عبد الهادي معوضمحمد البلتاجيوجيه أبو بكرمحمود يونسحلمي سلامفنحى غانممحمد أمين حمادجلال عبد الحميدعلى نور الدينمحمد أبو نصيرأحمد الخواجةصلاح جاهينأباظةعمر الشريفصدقي سليمانحكمت أبو زيدحمدي السيدعبد الوهاب البشرىصلاح هديتحسين ذو الفقار صبريمحمد أمينحلمي كاملكمال هنرى أباديرعلى زين العابدينمحمد عزت سلامةمحمود عبد السلاممحمد صفى الدين أبو العزصالح محمدحلمي مرادأحمد مصطفى أحمدحسين أحمد مصطفىمحمد بكر أحمدمحمد محمود الإمامحسب الله الكفراويمحمود أمين عبد الحافظمحمد حمدي عاشورحافظ بدوىعبده سلامحامد محمودأمين السعدكامل زهيرمحمد راغب دويدار - أحمد أحمد العماوىفريد محمودفليب جلابنجاح عمرحسن معاذ رميحفؤاد عز الدينمحمد عودةمحمود المراغىحسن محمود شهابحسين كاملكامل مراد - عبد المولى عطيةمحمد عزت عادلمحيى الدين أبو شاديمفيد مصطفى بهاء الدينأحمد سلامةيسرى مصطفىميلاد حناأمينة شفيقفاروق العشريعبد الوهاب الحباك.

ومن كليات جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية على سبيل المثال: عبد الجليل مصطفى بسيونىالسيد جمال الدين مجاهدأبو شادي الروبىنبيل يوسف خطاريوسف محمد عبد الرحمنعلى الجارمحيدر أحمد سامح همامكميل أدهم - منير عجيب زخارىإبراهيم جميل بدرانأحمد عادل علىإبراهيم جادمحمود عبد القادرمحمد توفيق الرخاوىعبد المنعم على - عباس غالبأحمد عبد المنعم فرجرمحمد صفوت حسينمحمد عبد الوهاب غندوعبد الملك عودةأحمد محمود محمد بدرمحمد فتح الله الخطيبمحمد زكى شافعيمحمد حسب اللهالسيد أحمد نوريحيى حامد هويدىعبد اللطيف أحمد علىالسيد محمد رجب – [[عمرو أمين محيى الدينر – أحمد جعرةسعيد شاهينعبد المعطى أحمد شعراوي حرازيوسف عبد المجيد فايدرالعمان عبد المتعالعلى القاضيسامية أحمدعلى أحمد إسماعيلأحمد على مرسى أحمدمحمد مهران رشوانمحمد صبحي سليمانمحمد أمين البنهاويأحمد كراويةمحمد شريف عادليحيى مصطفى عبد الحكيمحلمي محمد أبو الفتوحشفيق إبراهيم بلبعمحمد سعد الدينمحمد محمود غرابصبحي على محمود سعدمحمد فائق مصطفى هاشممحمود دسوقيعبد المنعم فولى طهالسيد مجاهدعبد الرءوف أبو الحسنعمر عبد الآخرمحمد طلعت قابيلمحمد محيى الدين نصرتمحمد منير إبراهيمأحمد السيد رفعت أبو حسينمحمد عبد الغنى محمودأسامة محمود رفعتحسن حسنى سليممحمد عز الدين إبراهيم سرور الخولىمحمد عبد الرحمن الهوارىعلى العريانحسن محمد إسماعيلحامد عبد الحميد السنباؤىأسامة أمين أحمدمحمد متوليمحمد الجملعاطف محمد عبيدعلى عبد المجيدشوقي حسين عبد اللهحسن فهمي السيد إمامعبده سعيدإبراهيم محمد السباعيمحمد شوقي عطا اللهعلى محمودحلمي محمود نمرعبد القادر إبراهيم حلميتوفيق بلبععلاء الدين نصرصلاح الدين صدقيعلى محمد عبد الحافظ السلميمتولي بدوى على عامرأحمد عبد الرحمنمحمد بدوىمحمد كمال جعفرحامد طاهر حسنينعبد الحكيم حسان الإماممحمود محمد قاسمتمام حسانعمر السعيد محمدمحمد رفاعيمحمد عزت خيريعبد القادر السيد منصورعبد المجيد عبد الوهابإجلال حفني محمد شرف خاطرمحمد عبد الفتاح القصاصماهر إبراهيم الدسوقيجابر بركاتمحمد عبد المقصود الناديمعتزة عبد الرحمن سليمانأحمد فتحي حسينفوزي أمين فوزيحامد متوليمحمد لطفي عبد الخالقمحمد عبد الواحد محمدفوزي حسين عبد الودود يحيىمفيد محمود شهابأكثم أمين الخولىعاطف سرورعائشة راتب عبد الرحمنمأمون محمد سلامةحامد نصر أبو زيدمحمد نجيب حسنىجميل متولي الشرقاويعبد المنعم السعيد البدراوىكمال الدين صدقيمحمود نصرمحمد كمال سليممحمد علىمحمد فتح الله عبد العالفتحي النواوىعصام الجنديسهير يوسف صالحعلى الدين هلالإسماعيل مسام الخطيب.

وكان الرواد العشرون الذين بدأ بهم العمل في بناء منظمة الشباب الاشتاركى تتراوح أعمارهم بين 24 و 30 سنة من المتخرجين حديثا من الجامعات والمعاهد العليا وهم عبد الغفار شكر- كمال القشيشىنور الدين فهميمحمود سعيدإبراهيم الخولىمحمود عاشور - صلاح الشرنوبىالسيد الزياتعزت عبد النبيأحمد عبد الغفار المغازىأحمد عمرعلى الطحانمحمد هاشم العشيرىهاشم حمودرفعت السباعيشلبي عرفة الشابورىحمدي الطاهرعباس ندراوى . وقد تم ضم هؤلاء إلى التنظيم الطليعي.

وهؤلاء الرواد من أنشط العناصر في كتابة التقارير وقد اطلع الباحث على تقارير كتبها أعضاء وقادة منظمة الشباب ضد الآخرين وضد بعضهم البعض مثل ( ما كتبه العشيرى ضد على الدين هلال وما كتبه عبد النبو ضد حسين كامل بهاء الدين وما كتبه عبد الغفار شكر ضد عائلات معادية في الأرياف وعن آخرين من كبار الملاك وغيرهم وقد أطلق هؤلاء البصاصون أو المخبرون على زميلهم عبد الغفار شكر اسم الدبور نظرا لنشاطه البارز في كتابة التقارير وقد تكاثر هؤلاء فيما بعد بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وبالإضافة إلى ذلك نشأ تكتل داخل التنظيم الطليعي ضم من عرفوا باسم القوميين العرب بقيادة سمير حمزة وكل من أحمد توفيقصالح السمرةعثمان عزام .. وغيرهم.

وبالاطلاع على التقارير التي كتبها أعضاء التنظيم الطليعي نجد أن هناك مجموعات داخل التنظيم الطليعي كانت هي تقريبا التي تكتب تقارير شخصية وضد اتجاهات معارض للنظام الناصري وهم الماركسيون الذين أفرج عنهم في أواخر 1964 ومجموعة منظمة الشباب ومجموعة القوميين العرب.

وكان هناك بعض الوزراء أعضاء في التنظيم ويشرفون على نشاطه وتحركه داخل وزاراتهم ومن أمثلة ذلك محمد فائق في وزارة الإعلام بينما كانت هناك وزارات أخرى يتولى العمل التنظيمي فيها شخص آخر بخلاف الوزير وقد أدى ذلك الوضع في بعض الأحيان إلى استياء بعض الوزارات وطالبوا في اجتماعات تدخل عبد الناصر وعمل على الفصل بين المتهمين.

وقد تم تقسيم القاهرة إلى خمس مناطق:

- سعد زايد وعلى صبري مسئولان عن منطقة شمال القاهرة.

- سامي شرف مسئول عن منطقة شرق القاهرة.

- حلمي السعيد مسئول عن منطقة جنوب القاهرة.

- محمد فائق مسئول عن منطقة غرب القاهرة.

- النبوي إسماعيل ومن بعده كمال الحناوى – مسئول عن منطقة وسط القاهرة ، وفى المحافظات كان المسئول عنها كل من:

- محمد أحمد البلتاجي مسئول طليعة الاشتراكيين في الجيزة.

- وجيه أباظة مسئول طليعة الاشتراكيين في البحيرة.

- عبد الحميد خيرت مسئول طليعة الاشتراكيين في سوهاج.

- فؤاد محيى الدين مسئول طليعة الاشتراكيين في القليوبية.

- محمد المصري مسئول طليعة الاشتراكي في الدقهلية.

- حمدي عاشور ثم ضياء داود مسئول طليعة الاشتراكيين في دمياط .

- محمد حسنى رشدي مسئول طليعة الاشتراكيين في بورسعيد.

- مشهور أحمد مشهور مسئول طليعة الاشتراكيين في الإسماعيلية.

- مصطفى الجندي مسئول طليعة الاشتراكيين في الغربية.

- كمال الشاذلي مسئول طليعة الاشتراكيين في المنوفية.

- محمد رشدي دكرورى مسئول طليعة الاشتراكيين في المنيا.

- محمد زكى علام مسئول طليعة الاشتراكيين في قنا.

- محمد إسماعيل معاذ مسئول طليعة الاشتراكيين في الوادي الجديد.

- عواد خليل حسنين مسئول طليعة الاشتراكيين في سيناء.

- شعبان محمد العتال مسئول طليعة الاشتراكيين في مطروح.

- حسن ضياء سليمان مسئول طليعة الاشتراكيين في البحر الأحمر.

وكانت هناك محافظات ومواقع كان فيها مسئول طليعة الاشتراكيين هو نفسه أمين الإتحاد الإشتاركي وكان لأمناء التنظيم الطليعي في المحافظات الصلاحية لإصدار أمر بالقبض على أي مواطن إلى مدير أمن المحافظات وتشكلت مجموعات مهنية ونوعية فكان هناك .

- حسين كامل بهاء الدين مسئول عن الجامعات.

- محمد فائق مسئول عن الإعلام.

- أحمد الخواجة مسئول عن المحامين.

- د. حمدي السيد مسئول عن الأطباء.

- حلمي السعيد مسئول عن المهندسين.

وقد علم المشير عبد الحكيم عامر بخطوات التنظيم الطليعي من عبد الناصر ، فأمر شمس بدران بتكوين الجهاز السري داخل القوات المسلحة .

وقد تفاوتت الشهادات المتداولة سواء في كتب أو حوارات صحافية أو تلك التي أجراها الباحث حول وجود أو عدم وجود طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، وربما يرجع ذلك إلى السرية المطلقة التي كان يجرى بها العمل في القوات المسلحة . أو لعدم معرفة تلك العلاقات من قبل مستوى أمانة طليعة الاشتراكيين ، ولا حتى مكتبها التنظيمي ، إنما كانت العلاقة ما بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر عن طريق شمس بدران .

وإن كنا نرجح وجود حركة تجنيد لطليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة المصرية تحت مفهوم أمن الثورة داخل الجيش ، ويبدو من سياق الشهادات والأحداث وتكوين طليعة الاشتراكيين أن ذلك كان من بين احد الأسباب الرئيسية خلف نشأة التنظيم.

ولعل تضارب الشهادات ناتج عن رغبة البعض في عدم تحميل التنظيم أخطاء شمس بدران وعبد الحكيم عامر في هزيمة 1967م وما حدث من صراع على السلطة في أعقابها.

فيذكر حمروش " إذا كان قانون الاتحاد الاشتراكي لم ينفذ بإدخال القوات المسلحة والشرطة والقضاء إلى تنظيمه ، فإنه قد بدأ فيما يتصل بتنظيم طليعة الاشتراكيين فقد كانت سرية التنظيم والأفضلية النسبية الناتجة من اختيار الأفراد عاملا مشجعا على تكوين تنظيم لطليعة الاشتراكيين داخل الجيش " .

وكان المسئول عن هذا التنظيم الصاغ شمس الدين بدران الذي كان يستمد قوته ونفوذه الواسع في الجيش وخارجه من عاملين : أولهما تلك الثقة المطلقة وغير المحدودة التي منحه إياها كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم ، وثانيهما منصبه كمدير لمكتب القائد العام لشئون الميزانية والأفراد الذي أتاح له السيطرة على كل شيء في القوات المسلحة وسهل له وضع العناصر المرتبطة به شخصيا في المراكز القيادية الحساسة حتى أصبحت تشكل قوة رئيسية خاصة ومؤثرة داخل القوات المسلحة.

ولذل لم يكن تشكيل طليعة الاشتراكيين داخل القوات المسلحة عملية عسيرة أو معقدة ، بل نفذت دون مصاعب ، وظلت سرا مجهولا على الكثيرين ، ولو أنه عرف فيما بعد أنها كانت تسير طبقا لما تكونت به طليعة الاشتراكيين خارج الجيش ، فقد ضمت القيادة مثل الفريق محمد فوزي القائد العام للقوت المسلحة بعد يونيو 1967م ثم وزير الحربية بعد أمين هويدى ، والفريق محمود أحمد صادق رئيس أركان الحرب ثم وزير الحربية بعد مايو 1971 م .

وفى رواية أدلى بها حامد محمود للباحث يذكر " اعتقد أن شمس كان مكلفا بعمل تنظيم طليعي من جمال عبد الناصر في الجيش وكان أغلبهم من دفعته ، وأعقد أنهم كانوا تحت قيادة جمال عبد الناصر مباشرة " ،لكن سامي شرف يعلم بشكل واضح أن المشير عبد الحكيم عامر كان يعرف أن هناك تنظيما طليعيا ، ولكنه لا يعرف تفصيلاته فلم يكن عضوا بع ، لكنه في موضع آخر وفى إجابة عن سؤال مباشر : هل كان لشمس بدران تنظيم داخل القوات المسلحة ؟ نعم كان له تنظيم ومن غير المنطقي أن يكون لشمس تنظيم داخل القوات المسلحة دون معرفة للأجهزة ، إذا كان هذا التنظيم تابع وحتى موال لشمس بدران، فلابد من توفر غطاء شرعي أمام أجهزة الدولة المتعددة ، ونحن نعتقد أن الغطاء كان طليعة الاشتراكيين .

وفى إجابة لشعراوي جمعة عن سؤال : هل كان للتنظيم نشاط داخل الشرطة والقوات المسلحة ؟ قال : " لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة أما الشرطة فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها وكان لطليعة الاشتراكيين فرع داخلها ، وكان ذلك متسقا مع النظام السياسي للثورة " وهذه الإجابة تعنى أولا أنه كان هناك تفكير في تأسيس طليعة الاشتراكيين في القوات المسلحة ، لأن ذلك كان يتفق مع النظام السياسي للثورة وحيث إن الجيش يشكل أحد قوى التحالف ( عمال ، فلاحون ،مثقفون ، رأسمالية وطنية ، جنود ) ، ويعنى ثانيا أن تعبير" لم نكن قد بدأنا النشاط داخل القوات المسلحة " أن هناك احتمالات بخطوات تمهيدية أي تم تجنيد عدد قليل من المقربين والمخلصين ، بالذات عندما يقول عن طليعة الاشتراكيين في الشرطة " فقد قطعنا خطوات نحو تأسيسها ".

وأيا كان الأمر فقد أوكل لشمس بدران مسئولية قيادة التنظيم الطليعي داخل الجيش ، وكان يهدف مراقبة ضباط القوات المسلحة في الوحدات والتشكيلات والتعرف على أدائهم ونواياهم ونشاطهم من خلال تجنيد عدد من الضباط الموثوق في ولائهم لضمان أمن وسلامة القوات المسلحة وولائها للمشير عامر ، وتدل التقارير على أن التنظيم قد بدأ نشاطه منذ شهر أكتوبر 1964م بتعيين ضابط أو أكثر في كل سلاح يبلغ عن كل ما يدور منه بالتفصيل . وكانت تقارير هذا التنظيم تعرض على المشير عامر فقط ، ولم يعلم بها غيره أحد سوى شمس بدران ، فازدادت بذلك قبضة المشير عامر على الجيش.

وفد ظل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بعيدين عن الاشتراك في هذا التنظيم ، فعلاقة الجماعة مع النظام ظلت مقطوعة منذ أحداث 1954م ، على الرغم من أن بعض الأجهزة الأمنية كثفت جهودها للنفاذ إلى الإخوان واستقطابهم ، وتمت زيارات لسجن المحاريق ، قام بها عدد من رجال المخابرات والمباحث ، وكانوا يهدفون بلقاءاتهم مع الإخوان المسلمين الحصول على تأييده للحكومة والنظام ، ولم تسفر هذه الزيارات عن شيء ، وقد ظل موقف القيادات ثابتا لم يتغير .

ويذكر سيد قطب في اعترافاته أنه بلغه داخل السجن أن زكريا محيى الدين تكلم مع بعض الإخوان في دخول الاتحاد الاشتراكي وتنظيماته للوقوف في وجه التيار الشيوعي ، كما يذكر أنه بلغه أن زكريا محيى الدين أيضا زار المرشد العام حسن الهضيبى ليتحدث معه في هذا الأمر.

وقد نجحت بعض الأجهزة بعد ذلك بأن تأتى لعبد الناصر بعبد العزيز كامل من السجن ، وقد كان عضوا بمكتب الإرشاد، وقد تخلى عن الجماعة ، وتم تعيينه فى قسم الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي العربي ، وقد أصبح عبد العزيز كامل فيما بعد وزيرا للأوقاف . وقد جربت محاولة مشابهة مع زينب الغزالي داخل السجن ولكنها رفضت الانضمام للاتحاد الاشتراكي تحت ضغط شديد .

وعملت الثورة على الإفادة من ممثلي الإسلام السياسي من خارج الجماعة فخالد محمد خالد يذكر " جاء مجدي حسنين يفاتحني في أمر ، إن جمال عبد الناصر طلب منه أن يضمني لهذا التنظيم فاعتذرت له ".

أما الشيوعيون فقد حلوا تنظيماتهم فكافأهم عبد الناصر بإلحاقهم بهذا التنظيم وذلك عقب زيارة خرشوف لمصر في مايو 1964 ولكن ظلت القيادة باستمرار في يد أهل الثقة ممن يعتمد عبد الناصر عليهم في الحكم في حين ظل الشيوعيون الجانب الضعيف في التحالف واقتصرت مهمتهم على كتابة التقارير ... وظهرت قوة قبضة النظام الناصري عليهم حين تم اعتقال ثلاثة من أبرزهم وأنشطهم في العمل السياسي وهم لطفي الخولى رئيس تحير الطليعة ، وأمين عز الدين المسئول التنظيمي بطليعة الاشتراكيين ،والدكتور إبراهيم سعد الدين عضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي بتهمة الاتصال بعدد من الشباب الذين اعتقلوا لارتباطهم بتنظيم القوميين العرب وقام بالتحقيق معهم زملائهم بالتنظيم الطليعي شعراوي جمعة وسامي شرف وكان في الوسع استدعاؤهم ولكن النظام آثر اعتقالا بوليسيا وذلك رمزا لضآلة حجمهم ودورهم في النظام الاشتراكي الجديد ولم تكن للتنظيم فروع عربية ، وإن كانت له فروع بين المصريين العاملين أو الدارسين بالخارج ، وكان سامي شرف يتسلم عدد 30 نسخة من نشرة طليعة الاشتراكيين لأنه مسئول التنظيم بالخارج.

غير أن الصلة المنتظمة كانت قائمة بين طليعة الاشتراكيين والطليعة العربية ، التنظيم الذي كان يتحرك في الساحة العربية خارج مصر من خلال أمانة الشئون العربية بالاتحاد الاشتراكي.

ويمكن القول أن تنظيم العربية كان أحد أجنحة طليعة الاشتراكيين وكان الربط والتنسيق قائما باستمرار وكان التنسيق يتم في النشرات والتحليلات والتقارير والاستفادة من خبرات التنظيم ألأم في القاهرة.

كان الربط بين التنظيمين منطقيا فالرئيس عبد الناصر هو قائد طليعة الاشتراكيين وقائد الطليعة العربية أيضا ، وكان كل أعضاء أمانة الطليعة العربية أعضاء في طليعة الاشتراكيين ، كان فتحي الديب مسئول الطليعة العربية يعمل في طليعة الاشتراكيين وكان محمود عروق مسئول التثقيف في الطليعة العربية ينشط في نفس المجال في إطار " طليعة الاشتراكيين " .وأوضح عبد الناصر في مؤتمر المبعوثين الذي عقد بالإسكندرية في أغسطس 1066 م أن السرية كانت لسببين: أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والإساءة إلى سمعتها ، وثانيهم : الحيلولة دون انضمام الانتهازيين للتنظيم ومنع استغلال المنضمين إليه.

ودور التنظيم الطليعي يأتي باعتباره جزء لا يتجزأ من أمن الثورة فإن ما يلفت النظر هو التشدد في المحافظة على سرية التنظيم أو الانتساب إليه . فقد كانت فكرة عبد الناصر إيجاد تنظيم منضبط مثل التنظيمات الشيوعية وقد أراده أن يكون سريا لما أبداه من رغبته في حماية أعضاء التنظيم من أنفسهم – كأنهم أطفال – وحتى لا يستغنى أحد عن موقعه في الجهاز السياسي للاستفادة في مكان عمله هو تفكير غريب من رئيس الدولة فوق أنه غريب بالنسبة لتنظيم شعبي يستهدف تعبئة الجماهير لمساندة الحكم وليس للانقضاض على الحكم فالغريب أيضا أن هذه السرية التي أحاطت بالتنظيم كانت قاصرة على الجماهير الشعبية لأن عبد الناصر ضم إليه عناصر كثيرة من جهاز الدولة ولم يفهم أحد لماذا يخفى عبد الناصر عن الجماهير تنظيما سياسيا يستهدف تحريك الاتحاد الاشتراكي وقيادته صحيح أن الميثاق أشار إلى تكوين هذا التنظيم ولكن لم ينص الميثاق على أن يكون هذا الجهاز السياسي سريا لذلك لم يكن غريبا في إطار السرية أن تكون كتابة التقارير السرية عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط لأعضاء هذا التنظيم الطليعة فضلا عن التقارير التي تقدم لعبد الناصر بالمعلومات والأخبار فقد كانت لانتماء غالبية العسكريين – الذين عهدت إليهم المناصب القيادية بشكل مباشر وكما يؤكد أحمد حمروش كانت كتابة التقارير لمراكز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة ولم يكن مهما – بل لعلة مطلوبا – أن تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى لو أساءت إلى المقربين.

وقد انعكست هذه الحالة داخل كل من الإتحاد الإشتاركي وطليعة الاشتراكيين وكادت تصبح كتابة التقارير هي أهم نشاط للأعضاء كان أعضاء التنظيم الطليعي يرفعون تقاريرهم إلى شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم الطليعي وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات وقد تكاثر هؤلاء الأعضاء بحيث لم يعد بالإمكان حصرهم وأصبحت هذه المهنة كتابة التقارير مشاعا لكل من يرغب في طرق الأبواب الذهبية لتملق النظام ولو فوق البشر فقد كان النظام يعتبر أن هذه الكتابة واجبا لا يتم الولاء بدونه فلا ينبغي عن الكتابة إخلاص أو إتقان أو كفاءة فاللائحة الخاصة بطليعة الاشتراكيين كانت تنص صراحة على" أن يتقدم عضو التنظيم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه وإلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم" وعلى هذا النحو لم يزد التنظيم الطليعي في الجيش وخارجه عن أن يكون تكتلا سلطويا لأصحاب المصالح في نظام عبد الناصر دون أن يمارس أي تأثير ذي قيمة في مواقع الانتهاج أو دفع حركة الجماهير ولم تكن الجماهير في حاجة إلى مثل هذه التنظيمات فقد كانت مسحورة بشخصية عبد الناصر التي أحاطتها وسائل الإعلام بهالة من المجد والبريق الذي لا يخبو أبدا رغم الكبوات القومية والعسكرية وأيا كان الأمر فقد خلصت الدراسة إلى الدور الذي نجحت فيه التنظيمات السياسية للنظام في القيام به هو دورها في استبعاد أو احتواء المعارضة القائمة والمحتملة وذلك من خلال ثلاثة أساليب الأسلوب الأول هو التلاعب يعنى حفزها وتوجيهها في اللحظات الحاسمة لتأييد النظام ومحاصرة خصومه والأسلوب الثاني هو استخدام التنظيم الحزبي كمصفاة لغربلة عضوية وقيادة المؤسسات الأخرى وأحكام السيطرة عليها وخاصة مجلس الأمة والنقابات والمؤسسات الصحفية أما الأسلوب الثالث فقد تمثل في القيام ببعض المهام الأمنية المشابهة لنشاط أجهزة الأمن الرسمية وبالتعاون معها في أغلب الأحيان ولم يكن ذلك منذ البداية شيئا غريبا حيث كثيرا ما جمعت بعض لقيادات بين مهامها الأمنية أو البوليسية وموقعها في التنظيم الحزبي وهو ما بدا أواضح صورة عندما تولى شعراوي جمعة وزارة الداخلية في الوقت الذي كان فيه أمينا للتنظيم في الإتحاد الإشتاركي وأمينا لأمانة التنظيم الطليعي ولم يؤد التزاوج الذي تم بتشكيل واضح بين أمانة التنظيم السياسي ووزارة الداخلية إلى" تسييس" الشرطة بقدر ما أدى إلى المزيد من إضفاء الطابع الأمني البيروقراطي على التنظيم السياسي وظل الاشتراكيون واليساريون في هذا التنظيم ( سواء الاتحاد الاشتراكي أو التنظيم الطليعي ) يعاملون من جانب زملائهم بالداخلية بمقتضى قانون مكافحة الشيوعية الذي وضع إبان حكم إسماعيل صدقي.

وبدا التنظيم السري " نوعيا " بمعنى أنه كان ينقسم إلى قطاعات مختلفة كالصناعة والزراعة والصحافة والخدمات .. وهكذا . وبعد ستة شهور رأى عبد الناصر أن ذلك سيتعارض مع طريقة عمل الاتحاد الاشتراكي وقد يكشف طبيعة عمل التنظيم فطلب دراسة أسلوب عمل التنظيم وتحويله إلى نوعى وجغرافي معا ، أي بحسب طبيعة العمل أو بحسب طبيعة الموقع الذي يشغله العضو.

وكان التنظيم في الصحافة هو استثناء الوحيد ، فقط ظل نوعيا لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحفية ، كذلك التنظيم داخل القضاء والإذاعة والتليفزيون.

وكان شعراوي جمعة هو الحالة الوحيدة الشاذة ، فقد بدأ تنظيمه مبكرا عندما كان محافظا للسويس ، وهناك أنشأ المعهد الاشتاركى وكان يدعو الصحفيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال ، وتطلب الوضع بعد ذلك أن استعان شعراوي جمعة بالرجل الثاني في إذاعة صوت العرب وهو محمد عروق واختار عددا من الشباب المتحمس في إذاعة والتلفزيون كما اختار عددا من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة وكان محمد عروق قد أصبح مديرا لصوت العرب ومديرا في الوقت نفسه لمكاتب شعرواى جمعة عندما أصبح وزيرا وصار الرجل القوى في الإذاعة والتليفزيون كذلك استعان بعبد الهادي ناصف وفاروق متولي.

وخلال الفترة التي صاحبت تكوين التنظيم الطليعي حدثت تغيرات في مراكز القيادة السياسية إذ تولى على صبري أمانة الإتحاد الإشتاركي بعد حسين الشافعي ، وأصبح زكريا محيى الدين رئيسا ووزيرا للداخلية ن وشعراوي جمعة وزير دولة (1/10/1965م ) ولم تستمر هذه الوزارة طويلا ، فقد تم استبعاد زكريا محيى الدين وخلفه صدقي سليمان كرئيس للوزارة ، وأصبح شعراوي جمعة وزيرا للداخلية ومحمد فائق للإعلام وأمين هويدى وزيرا للدولة.

وقد أصبح التنظيم الطليعي جغرافيا ن وأنشئت أمانة عامة للتنظيم بعد هذا التطوير وتولاها شعراوي جمعة وزير الداخلية ولم يكن هناك مسئول عن أمانة التنظيم قبل شعراوي جمعة ، إذا يمكن أن نعتبر عام 1965 م هو التاريخ الذي تم فيه بناء التنظيم على أسس وطرق تجنيد ولائحة ومكاتب فنية وتقسيم جغرافي ونوعى وتعيين أمين تنظيم وتسلسل هرمي ولائحة كما سنرى.

وعلى عكس ما يوحى به تشكيل الأمانة العامة للتنظيم الطليعي في أي من مراحل تكوينه من زيادة أعداد المدنيين بالقياس إلى التشكيلات العليا الأخرى للتنظيم السياسي ككل ن فإن فحص مجمل الأسماء التي توالت على عضوية الأمانة العامة يكشف استمرار غلبة العنصر العسكري ، فمن الأسماء الـ 21 الواردة في الجدول رقم (1) هناك 13 عسكريا بنسبة 63% وثمانية مدنيين فقد بنسبة 37%.

كما يلاحظ من ناحية أخرى أن غالبية الأسماء تنتمي إلى القيادة العليا أو الوسطى بالتنظيم الأمني وذات الطابع اليساري الواضح سواء من المدنيين أو العسكريين مثل أحمد حمروش ، أمين عز الدين ، عبد المعبود الجبيلى ، محمود أمين العالم ، فقد وازنها في نفس اللحظة وجود العناصر " الأمينة " المتصلة مباشرة بالرئيس جمال عبد الناصر من أمثال عبد المجيد فريد ، شعراوي جمعة ، أمين هويدى ، بل إن أحد هؤلاء الأفراد (سام شرف ) ظهر لأول مرة في تنظيم سياسي من تنظيمات الثورة.

وهذا كله يلقى الضوء في الواقع على الحدود الصارمة التي وضعت لحركة تلك العناصر اليسارية التي تداخلت مع قيادة التنظيم ، ولم يكن غريبا في ظل تلك الشروط أن اصطدمت الاقتراحات بدخول التنظيمات الشيوعية إلى التنظيم الطليعي ، فضلا عن ذلك فقد دأب هؤلاء وسط مئات العناصر التحى حكمت دخولها للتنظيم الطليعي نفس المعايير الأمنية التي حكمت اختيار وتكوين قيادة التنظيم ككل ، كذلك نلاحظ في تشكيل هذه القيادة أنها لم تخضع لنسبة 50% عمال وفلاحين.

جدول رقم (1)

الأسماء التي تولت عضوية الأمانة العامة للتنظيم الطليعي

وأخذت تلك الأمانة على عاتقها إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على أساس جغرافي ونوعى، وكانت تجتمع في فيلا رقم 68 بشارع الخليفة المأمون ، ثم انتقلت إلى سراي الأمير سعيد طوسون بالزمالك ( مقر منظمة الشباب فيما بعد ) ثم في مبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة . وانضم للأمانة عدد من المتفرغين مثل : أنور أبو المجد ( ضابط شرطة متقاعد ) وصلاح عبد المعطى ، وشوقي عبد الناصر ( مدرس بالإسكندرية ) وحسنى أمين، وسلامة عثمان من المخابرات العامة ، ومحمود عبد الرحيم وعادل عبد الفتاح ، ومحمد الدجوى .

وفى أول اجتماع عقدته بعد تولى شعراوي جمعة للأمانة ناقشت خطة تحويل التنظيم من الشكل القائم على الحلقات الناتجة عن لتجنيد والعمل بالعلاقات الشخصية إلى تنظيم جغرافي ، واستلمت الأمانة الجديدة في هذا الاجتماع من سامي شرف – الذي كان مسئولا عن التنظيم في المرحلة السابقة – ملفا به أوراق توضح عضوية التنظيم في شكله الحلقي بهدف معرفة بيانات كل عضو وتحديد الموقع الجغرافي الذي ينتمي إليه فيما بعد ، وتحديد موعد يتم إنهاء كافة الاتصالات التنظيمية القائمة على الشكل الحلقي ، واستلمت الأمانة الجديدة أيضا مجموعة من استمارات العضوية التي بها بيانات الأعضاء الحقيقيين ، وتم تقسيم العمل داخل هيئة مكتب التنظيم على الوجه الآتي:

مكتب الاتصال التنظيمي:

يقوم بكافة النواحي التنظيمية للعضوية وشبكة الاتصال والتعرف على المواقع الإستراتيجية التي يجب زرع مجموعات طليعية فيها ومتابعة نشاط العضوية في مراحل التجنيد والتصعيد إلى مواقع أعلى ومتابعة النشاط وتكليفات هابطة صاعدة وصاعدة هابطة ، وكلف يوسف عوض غزولى بمسئولية المكتب ، وكان يعاونه أنور أبو المجد وحسنى أمين ، وتم تدعيمه فيما بعد بعناصر معاونة فنية ضمت للتنظيم مثل : حامد شاكر حجاب وسالم حليمة من جهاز التنظيم والإدارة ، وعبد المنعم حمادة ومحمد رشوان وفاروق أبو زهرة ومحمد عبد الغنى وعادل الأشوح.

مكتب المعلومات:

وكانت مهمته تفريغ التقارير واستخلاص المعلومات التي تتعلق بنشاط المجموعات في المجالات المختلفة ومنا متابعة التجارب الرائدة في العمل الشعبي مثل خفض الاستهلاك وتقديم ساعة عمل تطوعي وتقارير الرأي العام والشائعات وترشيحات عضوية لتسليمها لمكتب التنظيم ، وكان مسئول المكتب شوقي عبد الناصر ، وانضم إليه فيما بعد سلامة عثمان _( ضابط مخابرات سابق ) ومحمود عبد المجيد ( من هيئة استعلامات ) وعادل حسين .

مكتب العمل السياسي:

وكانت مهمته متابعة المجموعات في تنفيذ التكليفات السياسية والتي كانت تنصب على التحرك وسط الجماهير من خلال لجنة الاتحاد الاشتراكي والجنة النقابية أو مجلس إدارة الوحدات الإنتاجية في مهام تتعلق بإيضاح مواقف القيادة السياسية من جانب أو في تكليفات خاصة بدعم مرشحين لمواقع في هذه التنظيمات أو الرد على بعض الشائعات المثارة والإبلاغ عن التجمعات المناهضة للثورة مثلما حدث من طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية عندما أبلغت عن تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، وكان يشرف على هذا المكتب أحمد كامل ومحمد المصري.

ولم يكن في هذه المرحلة تحديدا مسئولا للتثقيف ، وكان يقوم مهامه في الأغلب محمد عروق ، وذلك بإعداد الجانب التثقيفي في النشرة . وفى أوائل عام 1966 م كلف محمود أمين عالم بتلك المسئولية ولم يكن مفرغا.

وهكذا تمت إعادة هيكلة التنظيم النوعي إلى تنظيم جغرافي ، كما تم تنقية العضوية القديمة وتجنيد عضوية جديدة ، وتشكلت بالتالي أمانات ولجان المحافظات المختلفة مع الحفاظ أيضا على بعض التشكيلات النوعية التي كان لها ضرورة.

وكانت لجنة القاهرة الرئيسية لطليعة الاشتراكيين بقيادة على صبري وعضوية الضباط السابقين: أحمد كامل ، وحلمي السعيد ، وشعراوي جمعة ، وسعد زايد ، ومحمد فائق ، وسامي شرف ، والدكتور عزت سلامة ، والدكتور لبيب شقير ، والدكتور إبراهيم الشربينى ، ثم أحمد بهاء الدين ، وممثلي العمال : أحمد فهيم وفتحي فودة.

ومع إعادة تنظيم طليعة الاشتراكيين على الأساس الجغرافي كان لابد من أن تصدر لائحة توضح مستويات التنظيم وشروط العضوية وواجبات العضو والمبادئ والأحكام الأساسية التي يجرى العمل على أساسها ، وقد سبق إصدار اللائحة أن جرت مناقشات حولها في اجتماعات الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي، وقدمت اقتراحات مختلفة حول هذا الأمر . ولكن يبدو أنها تبلورت بعد ذلك في هذه اللائحة التي سوف نستعرضها لاحقا ، وقبل استعراض ما تضمنته اللائحة نود أن نشير إلى أنها كانت سرية " فالتنظيم ما زال غير معلن " وكانت توزع على الأعضاء فقط برقم سرى على غرار نشرات طليعة الاشتراكيين.

وتبدأ اللائحة بمقدمة توضح الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، كما أنها تشير إلى سمات أساسية يجب أن تتوافر في الأعضاء ، وقد ورد في الافتتاحية " بأن المهمة الأساسية لهذا التنظيم هي أن يتولى التعبئة المنظمة لقوى الشعب العامل بحيث تضمن هذه التعبئة بقاء سلطة الدولة باستمرار في أيدي التحالف الشعبي الاشتراكي القائد".

وكان البناء التنظيمي يتكون من مستويات تنظيمية متدرجة ، تبدأ هذه المستويات بالمجموعة ، وتنتهي باللجنة المركزية ، وتصدر قرارات تشكيل المستويات من اللجنة المركزية.

وتتكون قواعد التنظيم من مجموعات ، ويكون تكوينها على أساس وحدات العمل أو السكن ، على أن يكون الحد الأدنى لعدد أعضائها ثلاثة، ولا يتجاوز العدد عشرة أعضاء ، ويكون لكل مجموعة مقرر هو في هذه المرحلة المسئول عن اتصال المجموعة بالمستوى الأعلى ، وفى حالة تعدد المجموعات في مجال العمل أو السكن يتم تكوين لجنة لقيادة هذه المجموعات من بين مسئوليها.

لجنة المركز أو القسم:

وكانت تتكون من عدد من مسئولي المجموعات القاعدية ، ترشحهم لجنة المنطقة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة المجموعات القاعدية داخل المركز أو القسم، أما لجنة المنطقة فهي تتكون من عدد من مسئولي لجان الأقسام أو المراكز، ترشحهم لجنة المحافظة ، وتقوم هذه اللجان بقيادة لجان الأقسام أو المراكز.

لجنة المحافظة :

وتشكل بقرار من اللجنة المركزية ، وتتولى مسئولية قيادة لجان المناطق داخل المحافظة ، ويكون لها مسئولية تكوين لجان تنفيذية من بين أعضائها ، أو إنشاء مكاتب فنية تبعا لاحتياجات العمل داخلها ، كما يكون لها حق تشكيل مكاتب تنفيذية داخل المستويات الأدنى حسب احتياجات العمل .

اللجنة المركزية:

وهى المستوى الأعلى في بناء التنظيم ، وهى التي تقود نشاطه ، وتختار من أعضائها أمانة تكون مهمتها قيادة العمل اليومي للتنظيم في غير فترات انعقاد اللجنة المركزية ، ولللجنة المركزية أيضا أن تنشى العدد اللازم من المكاتب المساعدة ، وتختار أعضائها من المستويات المختلفة تبعا لاحتياجات العمل ، وتقرر اللجنة تفرغ عدد من ألأعضاء لضمان استمرار نشاطه وفاعليته في مختلف مستويات التنظيم حسب احتياجات العمل.

العضوية:

فيشترط فيمن يمنح عضوية التنظيم أن يكون عاملا في الاتحاد الاشتراكي وأن يكون اشتراكيا مؤمنا بالاشتراكية وملتزما ببرنامج التنظيم ولائحته ، بالإضافة إلى أن يكون مؤمنا بالقومية العربية كحقيقة واقعة ، وكلها صفات تقديرية .

ويتم الترشيح للعضوية بتزكية من أحد الأعضاء وموافقة لجنة التنظيم العاملة في المجال الذي يتبعه وبتصديق من اللجنة العليا ، ويمر المرشح بفترة اختبار لمدة لا تقل عن ثلاثة شهور يكلف فيها بعمل ميداني داخل إطار لجان الإتحاد الإشتاركي في مجال عمله أو سكنه دون أن يخطر أنه يمر بفترة اختبار ، وعندما تثبت صلاحية العضو بعد انتهاء مدة الاختبار تقر اللجنة المركزية انتقال العضو إلى فترة الترشيح ، ويتم مفاتحته في الانضمام ومدة الترشيح لا تقل عن سنة ، ويجوز لللجنة المركزية أن تمنح عضوية التنظيم مباشرة دون التقيد بفترة الترشيح أو الاختيار إلى أشخاص أدوا خدمات ، كما أن لها أن تستثنى بعض الذين طبق عليهم قوانين العزل والحراسة.

وعن واجبات الأعضاء فقد نصت اللائحة على 12 واجبا للعضو المنظم للطليعة في مقابل حقين اثنين فقط . فمن واجباته : " أن يحافظ على الاستقلال الوطني ، وأن يتصدى بكل قواه للعملاء والخونة المرتبطين بدول أجنبية أو العاملين بتوجهات منها " .

ونلاحظ أن هذه المهام لا تقوم بها سوى أجهزة المخابرات أو المباحث التي تقوم بدور التحقيق الجنائي الذي يستطيع أن يؤكد بالأدلة من هم العملاء والفرق بينهم وبين الخونة.

كما أن تعبير " العاملين بتوجيهات منها " يفتح الباب واسعا لتحويل عناصر التنظيم إلى رجال أم يتشككون في تصرفات المواطنين ويفسرون الوقائع والأقوال والسلوك بطريقة أمنية ، فمن الذي يمتلك حق تفسير جملة " العاملين بتوجيهات منها " ؟ وما هي تلك التوجيهات ؟ وكيف تحدد ؟ فنحن أمام تعبير محمل برؤية أمنية لدور عضو التنظيم لذا كان طبيعيا أن يتم الدمج بين موقع وزير الداخلية وموقع أمين التنظيم ، فهو الوحيد الذي يملك تلك الرؤية الأمنية في بنية التنظيم ، وهو الوحيد القادر على التوظيف الأمثل لطاقات وكفاءات التنظيم في إطار السياق حتى لا تتحول إلى سياق قيادي للمجتمع ككل .

كما تنص اللائحة في ا لواجبات على كشف الرجعية وإعلاء الاشتراكية وعناصر الفساد والانتهازيين في مجال العمل أو السكن . إذن لو تصورنا أن مواطنا قد فسر قرارا ما بطريقة لم تكن مؤيدة لتصور الطليعة لصار من الطبيعي ألا يكون رجعيا وعدوا للاشتراكية فأعضاء التنظيم إذن يلقى على عاتقهم مهمة تعبئة المجتمع لأصلح رؤية واحدة بل وطريقة واحدة للتفكير.

وكان على العضو أن يؤدى اشتراكا ماليا منتظما، ويحافظ على وحدة التنظيم، وأن يعمل على تجنيد أفضل العناصر المتصلة به، سواء في مجال عمله، أو في المجالات الأخرى طبقا لشروط الترشيح.

أما عن حقوق الأعضاء فعليه أن يتقدم بالتقارير في مختلف المسائل إلى مستواه إلى الهيئات الأعلى بما فيها اللجنة المركزية خلال مستويات التنظيم .

وكان أسلوب العمل في المقر الرئيسي لطليعة الاشتراكيين يقوم على الاتصال الدائم والمستمر بين القاهرة ومختلف المحافظات ، وكذلك من مستوى المحافظات إلى المستوى القاعدي ، وكان مقر قيادة طليعة الاشتراكيين يعمل معظم ساعات اليوم بحيث يتواجد أفراد دائما في المقر، وكانت الاتصالات التليفونية مستمرة وكان هناك نشاط علمي وثقافي من خلال المعاهد الاشتراكية.

أما عن مستوى المجموعات فكانت تجتمع أسبوعيا ، ويتم الاجتماع في بيوت الأعضاء بالتبادل ، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ، ويسلم إلى من يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسئول الأعلى ، ويتسلم منه النشرة أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء المجموعة ، وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى ، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الأعضاء ، وكانت نشرة التنظيم السري المسماة طليعة الاشتراكيين تصل لأعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى.

ومن يراجع نشرات طليعة الاشتراكيين والتقارير المقدمة من الأعضاء والمجموعات يلحظ أن يد الدولة كانت تصل إلى كل مكان في بعض لقضايا الداخلية والخارجية والقضايا العلنية والأمنية وقضايا الشعب اليومية والرسمية . كان كل هذا يتم في الغالب بطلب من القيادة إلى أعضاء التنظيمات صراحة بضرورة " تقديم تقرير عن الحالة والتبليغ عن الأخبار".عموما يبدو أن فترة البداية كانت فترة نشاط شديدة لعمل الأمانة والتنظيم بصفة عامة ، وكانت الأمانة العامة للتنظيم تقوم بتخليص التقارير الواردة من المجموعات عبر الهيكل التنظيمي وترسلها مع التقرير العام إلى مكتب الرئيس مباشرة ، وكان الرئيس كثيرا ما يطلب الاطلاع على التقارير كلها ، وكانت تعود للأمانة وعليها تأشيرة الرئيس.

وكان يحدث كثيرا أن يطلب الرئيس الاجتماع مع مقدمي التقارير ، خاصة إذا تعلق الأمر بالموضوعات الأمنية والاقتصادية.

وأحيانا كان يوافق على ما يرفع من تقارير أعضاء الاشتراكيين ويوقع عليها بالحراسة أو الاعتقال أو الفصل دون مساءلة.

وكانت هناك أيضا اجتماعات الرئيس مع أعضاء التنظيم من خلال لقاءاته مع المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتاركى بالمحافظات ولقاءاته مع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي التي كان معظم أعضائها أعضاء بالتنظيم الطليعي .

ولم يكن هناك جدول أعمال محدد لاجتماعات أمانة طليعة الاشتراكيين، رغم انضباط اجتماعاتها الأسبوعية وانتظامها ، وبالتالي لم يكن بوسعها اتخاذ قرارات ملزمة، فلم تكن تملك سلطة إصدار القرار الذي كان من حق عبد الناصر وحده، واعتاد الضباط الذين عهدت إليهم مسئولية العمل السياسي على ذلك ، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط طليعة الاشتراكيين ، وفى شهادة أحمد كامل أحد المسئولين ورفعها إلى سامي شرف "عن بعض المعلومات التي تصل إلى علمي ، وكان التنظيم يعمل بتوجيهات تأتى من لى، ولم نناقش شيئا مناقشة جادة " . وقد وزع قادة التنظيم الطليعي على المحافظات " دون تكوين تكتل داخل التنظيم فهذه مسألة لم تكن واردة في العمل السياسي عندنا ومن أهم الأدوار التى قام بها التنظيم الطليعي هو الكشف عن محاولة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م ، فقد ذكر الرئيس عبد الناصر أمام مؤتمر المبعوثين في أغسطس 1966م".. أول ناس اتكلموا على مؤامرة الإخوان المسلمين كانوا أفراد من الجهاز السياسي لمحافظة الدقهلية .. " كما أكدت على ذلك نشرة طليعة الاشتراكية " .. أقامت مجموعات التنظيم من تقديم معلومات كان لها أكبر الأثر في التنظيم وقدرته على التصدي للقوى المعادية".

فعلى الجانب الآخر فإن مجمل التراث الإخوانى يشير إلى عدة حقائق حول إنشاء تنظيم سرى للإخوان بزعامة سيد قطب ، وتطور نشاطه السياسي والديني ( أوائل الستينات ) فقبل أن يخرج سيد قطب من السجن خرجت أفكاره الغاضبة التي صاغها في كتاباته سرا من وراء الأسوار إلى الإخوان الذين ظلوا بعيدا عن قبضة النظام .

ولقد عاد الإخوان إلى تنظيم أنفسهم مرة أخرى ونمت قوتهم ، وكانت كتابات سيد قطب مصدر القوة الروحية الذي أعاد إليهم لياقتهم التي أنهكتها الظروف الصعبة .

وكانت البداية تشكيل مجموعة خاصة من الإخوان خارج السجون لمساعدة اسر وعائلات الإخوان المسجونين أو المعتقلين ، وكانت تلك المجموعة الخاصة تجمع التبرعات وتوزع المساعدات وترعى الذين لا عائل لهم . ورغم أن الهدف كان إنسانيا بحتا فإن الاتصالات المستمرة لم تلبث أن طورت الهدف الانسانى وجعلته هدفا تنظيميا يسعى إلى إعادة الجماعة التي سبق حلها عام 1954م .

كانت السيدة زينب الغزال رئيسة جمعية الأخوات المسلمات حلقة الوصل بين المنتمين للإخوان والمتعاطفين معهم ، فكان لها الفضل الأكبر في إعادة التنظيم للوجود فعادت له بعض فاعليته.

وفى نفس الوقت بدأت تقارير أعضاء التنظيم الطليعي تشير إلى وجود تحركات إخوانية وخاصة في الدقهلية والقاهرة ، وخلال الفترة من 12/10/1964م إلى 28/10/1965م تركزت معظم هذه التقارير – النشاط الأساسي للأعضاء – حول إلقاء الضوء على هذا النشاط .

ومن خلال تقارير أعضاء التنظيم الطليعي المتتابعة وفى ظل حملة إعلامية مكثفة استطاع النظام بأجهزته الأمنية المتعددة – المباحث العسكرية الجنائية تحديدا – توجيه ضربة عنيفة للإخوان كأفراد وجماعة في منتصف عام 1965م

وكان من المفترض نظريا أن التنظيم يعلو في حركته ومعلوماته على الأجهزة الحكومية الأخرى باعتباره يقود الاتحاد الاشتراكي وينظم حركة الجماهير لكن هذا الفرض النظري لم يتحقق.

وفى ذلك يقول حسنى أمين في شهادته للباحث أن اكتشاف تنظيم الإخوان المسلمين في أواخر عام 1965م جاء من تقارير مجموعات طليعة الاشتراكيين في محافظة الدقهلية ، وكان أمينها محمد المصري ، وقد تم تناول هذه المعلومة أمنيا فقط ، حيث لم تكن أمانة تنظيم طليعة الاشتراكيين على بينة أو دراية بذلك إلا بعد القبض على أفراد التنظيم ، ونوقشت هذه القضية في إحدى اجتماعات أمانة التنظيم بهدف التعرف على العلاقة الصحية بين التنظيم ووزارة الداخلية لتحديد من يكون له القرارالنهائى والحاسم .

وإذا كانت تقارير الجهاز السياسي تتخذها المباحث العامة كمساعد لها في ضبط الأمن واعتقال بعض الأفراد ، فهذا يعنى أنه يتم توظيف أعضاء الطليعة وحركتهم لخدمة أجهزة الأمن ، وهذا خطأ كبير لا يمكن قبوله وقد أبدى هذا الرأي كل من أمين عز الدين ، محمد عروق ، عبد المعبود الجبلي ، حسنى أمين ، وإن ذكر شعراوى في رده " لا تنسوا أن أمن البلد له الأولوية ولا تنسوا أنى وزير الداخلية ".

وكانت للتنظيم نشرة باسم طليعة الاشتراكيين ، تلك النشرة التي كانت تخلع على من يحصل عليها أهمية خاصة ، لأنها كانت سرية ، بل وأصبحت بعد ذلك مرقمة بالتخريم ، ولكل عضو رقم ولكل محافظة كود ، بحيث إذا ما تسربت نسخة عرف صاحبها فورا وعوقب بالفصل من التنظيم.

وقد صدر من هذه النشرة 110 عدد ، العدد الأول صدر في 21 أكتوبر 1963م ، والأخير بتاريخ 16 أبريل 1971م ، ولم تكن منتظمة في الصدور ، وكانت تصدر أعداد خاصة في المناسبات القومية والدولية أو ألأحداث المحلية ، وتصل إلى ألأعضاء كل أسبوعين تقريبا إلا في بعض الحالات الاستثنائية ، وكان كل عضو يوقع باستلام النشرة على كشف يسلم إلى المسئول الأعلى .

وكان العدد الأول الصادر بتاريخ 21 أكتوبر 1963م يدور حول " العدوان المغربي على الجزائر وموقفنا منه ".

وعن العلاقات بحزب البعث العراقي وموقف النظام أصدر التنظيم ثلاث نشرات : الأولى بتاريخ 10/11/1963م بعنوان تاريخ البعث ، تناول الظروف التي أدت إلى ظهور حزب البعث ودور ميشيل عفلق وموقف الحزب من ثورة يوليو ، وقد تعمدت النشرة تشويه سمعته ونضال القيادة في المراحل الأولى حتى ألأخيرة ، كما وصفت ميشيل عفلق " بالانتهازي المتأرجح بين الشيوعية والقومية العربية " وهو " البرجوازي " وهو الطامح للزعامة المتغرب المنفصل عن العمال والفلاحين ، كما استخدمت الرؤية أوصافا للبيطار من قبيل " القناع الصالح والغبي".

الدروس والعبر والعمل على رسم مشروع مترابط بين البلدين والتنظيمين :

وجاءت النشرة رقم (7) بتاريخ 5 ديسمبر 1963م تحت عنوان " حرب الشائعات التي يوجهها الاستعمار وأعوانه ضد الجمهورية العربية المتحدة " وفيها تناول بعض الإشاعات التي تم ترديدها في تلك الفترة ، والتي كانت تستهدف إبراز خسائر الجمهورية العربية المتحدة في حرب اليمن ومساندة ثوار الجزائر ، وتقوم النشرة بتحليل تلك الشائعات وكشف الهدف منها وتصل إلى توجيه نصه الآتي:

1- على أعضاء التنظيم الاهتمام بما ورد بالنشرة رقم (7) المرفقة والعمل فورا على التبصير بأن هذه الشائعات تشكل جانبا من الحرب التي يشنها الاستعمار على الجمهورية العربية المتحدة ، يقصد منها التقليل من الانتصارات التي أحرزتها في المنطقة العربية ، وخاصة بعد ثورة اليمن وانتصار الجزائر في موقفها مع المغرب بمعاونة الجمهورية العربية المتحدة ، وانهيار حكم البعث المستند للاستعمار في العراق وبوادر البعث السوري.

2- على كل عضو في التنظيم أن يقدم في ظرف أسبوع من تاريخه لضابط اتصال الحلقة المنضم إليها تقريرا مفصلا عما أتمه من إنجازات في تنفيذ هذا التعميم محددا المجالات التي نشط فيها والمواعيد التي أتم فيها إنجازاته وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع له وعلى كل أمين حلقة أن يرفع هذه التقارير للحلقة العليا التابع لها.

والفرق بين طليعة صاحب قرار تتحاور وتسمع رؤى متعددة حتى تصل إليه وطليعة تشرف على تنفيذه ، حيث يتحول إلى تكليفات وتفصيل وأجندة عمل . التنظيم في الحالة الأولى هو تنظيم حيوي ومؤمن عن قناعة وصاحب رؤية ، وبالتالي مدافع عناه ، أما التنظيم في الحالة الثانية هو تنظيم الحشد والتعبئة وسماع التكليفات.

وفى نشرة طليعة الاشتراكيين رقم (20) تحت عنوان " نشرة توجيهية " بتاريخ 30/4/1964م جاء فيها " رأت رئاسة التنظيم أن توافى الأعضاء بخطاب الرئيس جمال عبد الناصر في افتتاح مجلس الأمة 26 مارس 1964 م . وكذلك خطاب على صبري رئيس الوزراء المتضمن برنامج الحكومة أمام مجلس الأمة يوم 6 أبريل 1964 م. والمطلوب من جميع الحلقات دراسة هذين الخطابين دراسة وافية وتقديم نتيجة الدراسة إلى رئاسة التنظيم مشفوعة بأي ملاحظات أو اقتراحات.

ويتبين من ذلك أن التوجيه المقصود بالدراسة هو تقديم الاقتراحات والملاحظات ولم يكن الغرض أن يكون هناك حوار شامل حول الخطاب ومدى صلاحيتها للمرحلة أي تقديم رؤية شاملة من قبل أعضاء الطليعة ، وليست المسألة تعد تفاصيل أو وضع ملاحظات عليها اقتراحات لأعمالها أو حتى تحسينها . وهكذا كان تصميم تنظيم طليعة الاشتراكيين أن يكون بمثابة إطار للحشد والتعبئة وقياس الرأي العام والكشف عن بعض السلبيات في الواقع المعاش.

وإذا رجعنا إلى استعراض باقي النشرات فإننا سوف نلاحظ أن مسلسل الأعداد وتواريخها غير منتظم ، فالنشرة رقم (26) صدرت في 20 يناير 1965م، ثم توقف الصدور حتى 2 أبريل ، حيث صدر العدد (27) ، ثم أصدر التنظيم ثلاث نشرات في يوم واحد (28، 29، 30) في أبريل 1965م، ثم العدد (31) في 2 مايو ، ثم العدد (32) في 9 مايو .

وجاءت النشرة رقم (26) بعنوان " أضواء على موقفنا من الولايات المتحدة الأمريكية ومعونتها " قال الرئيس عبد الناصر في خطابه في عبد الناصر : أنا بقول اللي مش عاجبه موقفنا يشرب من البحر ، واللي ما يكفيهوش البحر الأبيض بنديله البحر الأحمر يشربه كمان .. إحنا مش ممكن نبيع استقلالنا علشان 30 مليون ولا 40 مليون ولا 50 مليون . وإحنا مش مستعدين نقبل من واحد كلمة واللي يكلمنا كلمة ينقطع لسانه"

وبعد هذه المقدمة ، ومقدمة طويلة تشرح الدور الاستعماري للولايات المتحدة الأمريكية تقول " ومرة أخرى نحن نواجه التحدي عندما تلوح أمريكا بإيقاف اتفاقياتها التموينية معنا ، فيكون ردنا عليها – كما هو دائما – أننا لا نقبل الضغط ولا التهديد ولا نبيع كرامتنا بأي ثمن ، وأن لهم أن يأخذوا محاصيلهم إلى البحر إذا شاءوا . ولقد قال عضو صهيوني بمجلس الشيوخ الأمريكي : إن على عبد الناصر أن يذكر أن كل رغيف يأكله مصري نصفه من القمح الأمريكي ، ونحن نصحح له معلوماته أن كل رغيف نأكله ربعه من القمح الأمريكي ، وكل مصري يستطيع أن يستغنى عن هذا الربع الأمريكي ، ولا نسمع مثل هذا القول .. نحن لا نقبل الضغط ، فلسنا كشاه إيران تستعبدنا المساعدة " . ورغم أهمية تلك النشرة ، حيث تناولت قضية خطيرة وهى العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية إحدى القوتين العظميين ، إلا أن قيادة التنظيم أسرعت بتلك النشرة حتى تعمل للتعبئة اللازمة ، فالغرض هو الوعي بجوانب العلاقة والالتزام بتلك الرؤية التي نزلت للقواعد من المستوى القيادي لطليعة الاشتراكيين ، ولم تفكر تلك القيادة في فتح حوار وسماع رؤى ووجهات نظر بشأن تلك العلاقة حتى تتم عملية التوعية عبر الحوار والرأي الآخر وبالتالي يتم الالتزام عبر الاقتناع وليس الإلزام.

وفى عدد آخر من الطليعة الاشتراكية " واجبات العضو في المرحلة القادمة " : " المرحلة القادمة تضعنا في موقف المسئولية لمجابهة مرحلة تختلف عن كل المراحل السابقة ، مرحلة ذات طبيعة خاصة تستكمل فيها عملية البناء الاشتراكي بكل ما في ذلك من مواجهة للتحديات وتحمل للتضحيات والقوى المضادة للاشتراكية تريد أن توقفنا عند الحد الذي وصلنا إليه مستخدمة في ذلك كل الوسائل .. لكننا سنواصل مسيرتنا كي نرسى أساسا متينا لبناء الاشتراكية ".

ثم سؤال عن السبب في عدم لعب الاتحاد الاشتراكي دوره كاملا ، والإجابة " أنه كتنظيم جماهيري يضم 6 مليون عضو ينقصه وجود طليعة اشتراكية منظمة تقود نضاله . والمشكلة أيضا أن بعض العناصر المضادة للاشتراكية موجودة داخل الاتحاد الاشتراكي ، وأنها تتحرك وفى مقابل ذلك لا يوجد ترابط بين الاشتراكيين في الاتحاد الاشتراكي . وهذا هو دور التنظيم السياسي الذي يشكله الطليعة الاشتراكية الواعية المخلصة التي تستطيع بنشاطها أن تحرك جماهير الاتحاد الاشتراكي تحركا واعيا .. الاتحاد الاشتراكي تنقصه الطليعة السياسية المنظمة في كل المستويات ".

ثم نأتي إلى ظاهرة غريبة : ثلاث نشرات في يوم واحد ، النشرات 28و 29و 30 و صدرت جميعا في يوم 24 أبريل 1965م.

وفى العدد 28 تتحدث النشرة عن النداء الذي وجهه عبد الناصر إلى الشعب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية وتقول " أن هذا النداء يعطى توجيها واضحا بإطلاق قوى الرقابة الشعبية وتعزيز الديمقراطية ، وعقد صلات حية ومتجددة بين القاعدة والقيادة ، تأكيدا بأن القيادة هي معرفة مشاكل الجماهير ، وتقديم أفضل الحلول لها . ومشاكل الجماهير تتغير تبعا لظروف التقدم والتطور ، وتبعا لتغير قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع . أساس التغيير في المرحلة القادمة هو الدراسة الواقعية والعميقة للنظم التي تعرقل التقدم ، ومحاولة تغييرها إلى نظم ثورية تساير اندفاع ثورتنا في طريق بناء الاشتراكية".

أما العدد (29) فقد خصص للاحتفال بعيد أول مايو " بعد أيام نحتفل بعيد العمال .. أول هذه المناسبة التي تعتبر رمزا للنضال العالمي ضد رأس المال المستغل وضد أجهزة الدولة الرأسمالية . وبعد أن تروى النشرة قصة أول مايو .. وكيف أصبح أول مايو عيدا عالميا للعمال تقول " واحتفالات أول مايو تختلف عن احتفالات الأعياد الأخر ى، أنها في الدول الرأسمالية تجمع العمال حول انتصاراتهم وخططهم لمواصلة النضال من أجل حقوقهم التى يغتصبها الاحتكاريون وأصحاب رؤوس الأموال . وإذا كان هذا هو طابع الاحتفال في الدول الرأسمالية ، فإن طابعها في الدول الاشتراكية يختلف تماما ، حيث الطبقات العاملة قد تحررت نهائيا من سيطرة رأس المال المستغل وأخذت حقها الكامل في ثمار العمل ، واختفى التناقض بين جهد العامل ، وما يحققه هذا الجهد من ربح ، وأصبح العمال يجنون حصاد عملهم ، في الدول الاشتراكية يحتفل العمال في أول مايو بمنجزات العمل الاشتراكي".

أما العدد (30) والصادر في ذات اليوم فيعالج مشكلة الإسكان ويناقش مشكلة الإسكان في المجتمع النامي " وهو يجتاز مراحل الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية".

وفى يوم 2 مايو لا يلبث أن يصدر عدد جديد يناقش تصريحات بورقيبة في ضوء الموقف السياسي العربي ، ونقرأ فيه " في مصر حققت ثورة 23 يوليو مهام للثورة الوطنية وانطلقت إلى إقامة الثورة الاشتراكية ، عاملة على إرساء الدعائم الصلبة لبناء المجتمع الاشتراكي ، مؤكدة أن مصر سوف تناضل لتصفى كل أثر من آثار الاستعمار والاستغلال والصهيونية والتخلف ، وستساند قضايا التحرر الوطني والاشتراكية والسلام والعدل في كل مكان " . وجاءت النشرة رقم (37) بعنوان " مع التنظيم " وتتضمن هذه النشرة عرضا سريعا وموجزا لأهم التجارب الايجابية التي قامت بها مجموعات التنظيم ، كما تضمنت النشرة أيضا مجموعة من التعليمات التنظيمية للعمل بها في الفترة القادمة مع بداية الإجازات الصيفية منها " مراعاة السيرة التامة في كل ما يتعلق بالتنظيم واجتماعاته ونشراته وأعضائه وتبليغ قيادة التنظيم فورا عن أي تسرب في سرية التنظيم ومصدره وسببه " وقد أشارت إلى أنه قد تم فصل عدد من أعضائه لأنهم " أفشلوا السرية من التنظيم " وتجميد باقي أفراد مجموعاتهم حفاظا على سرية التنظيم " كما جاء بالنشرة أن التنظيم قرر فتح باب الترشيح لعضوية الجهاز ، وعلى كل عضو أن يبدأ في ممارسة حقه في الترشيح ، ويجب أن يتضمن الترشيح بيانات خاصة بالتعريف بالمرشح منها : ذكر الاسم ثلاثيا والسن والديانة ومحل الإقامة والمؤهلات والوظيفة والنشاط الاجتماعي والسياسي السابق والحالي " ويبين العضو الذي يقوم بالترشيح نوع العلاقة التي تربطه بالمرشح وفى النشرة رقم (39) حددت الشروط الواجب توافرها في المرشح .

وبدءا من العدد رقم (42) من النشرة الذي حمل عنوان " تنظيم واحد للثورة الاشتراكية " صدر العدد الأول من النشرة الداخلية بأعضاء المكاتب التنفيذية للاتحاد الاشتراكي منوها بأنه ستصدر بصفة دورية كل أسبوعين في نفس الموعد الذي تصدر فيه نشرة " طليعة الاشتراكيين " وكانت هذه النشرة تغطى المسائل السياسية والفكرية ، فأصبحت نشرة طليعة الاشتراكيين تغطى المسائل التنظيمية بالدرجة الأولى والموضوعات ذات الطابع السري الخاص.

وقد هاجت النشرة ما جاء في أحد محاضر المجموعات التنظيمية من آراء حول المشاكل العامة التي تعرقل طريق التقديم وأسبابه والسبيل إلى إزالته ، فقد طرحت هذه الآراء " أن احد الأسباب التي تعوق التقدم في بلادنا هي وحدة التنظيم السياسي " وذلك أنها " تمنع التنافس في البرامج السياسية والاقتصادية وتمنع نشأة مدارس فكرية يمكن أن يؤدى وجودها إلى الوصول إلى أحسن النتائج " فهاجمت النشرة هذه الآراء وتساءلت " ماذا يعنى أن تتعدد المنابر التنظيمية والفكرية والسياسية في بلادنا ؟ فأجابت " معناه أن يحتدم الصراع الطبقي .. وإذا تعددت التنظيمات فإنها تتعدد بتعدد المصالح الاقتصادية والطبقية " ويستفيد من ذلك القوى الرجعية ، وإن مفهوم الديمقراطية الليبرالية لفظته الثورة واستبدلت به الديمقراطية الاشتراكية.

وجاءت النشرة رقم (66) بعنوان 5 نقاط حول الأبعاد الخاصة والعامة لقضية الدكتور الشرقاوي " فكان الدكتور عبد المنعم الشرقاوي – شقيق الكاتب المعروف عبد الرحمن الشرقاوي – قد تم القبض عليه في 14 يوليو 1966 مع آخرين ، ووجهت إليهم تهمة الاتصال بجماعة الإخوان المسلمين الهاربين خارج البلاد وفى 22 سبتمبر 1967 مقدمت عائلته مذكرة تتضرر فيها من اعتقاله وتذكر أن تعذيبا وقع عليه أثناء وجوده في المخابرات العامة ، فاستندت النشرة إلى حديث الرئيس جمال عبد الناصر أنه أمر بإحالة المسئولين عن التعذيب إلى المحكمة ولكن نلاحظ خلال هذه الفترة أن الرئيس أيضا كان قد قرر فعلا التخلص من صلاح نصر.

وبمناسبة صدور بيان 30 مارس نشرة خاصة بتاريخ 31/3/1968م حول نفس الموضوع ، وهى بعنوان " أسئلة حول بيان 30 مارس " هاجمت النشرة الذين يتساءلون عن لماذا يتم الاستفتاء على البيان ككل أي كوحدة متكاملة ولا يستفتى عن بنوده بندا بندا ؟ وطالبت النشرة الأعضاء " أن يبرزوا الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع ويسلحوا بها الوعي الجماهيري .." هاجمت أيضا من يتساءلون " هل بيان 30 مارس 1968م بديل الميثاق الوطني " وذكرت " أن وراء ذلك عناصر الثورة المضادة لإشاعة البلبلة " وأكدت على " أن بيان 30 مارس هو امتداد للميثاق وليس بديلا له على الإطلاق".

كما أصدر التنظيم نشرة خاصة عن " المظاهرات التي خرجت كرد فعل لأحكام قضية الطيران " وأرجعت قيام هذه المظاهرات إلى " عناصر غريبة معادية " لم تحددها ، وعناصر أخرى ذات صلة بالإخوان المسلمين ، وطلبت من الأعضاء " أن تقدم للجماهير الحقائق التي دعت إلى إصدار قرار منع التظاهر".

كان التنظيم الطليعي – كما رأينا – يضم تقريبا كل قيادات الاتحاد الاشتراكي والمحافظين والصحفيين والفنانين وعدد من أساتذة الجامعات ، وبداهة كان يضم أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا وعدد كبير من شبابا منظمة الشباب وأمناء وأعضاء اللجان القيادية والمكاتب التنفيذية.

وبعد هزيمة 1967م تفرغ عبد الناصر تقريبا لإعادة بناء الجيش ، وترك الشئون الداخلية أغلبها لمجموعة على صبري ، وكانت تضمن شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمد فائق وضياء الدين داود ولبيب شقير وعبد المجيد فريد.

واندلعت المظاهرات التي قادتها عناصر مرتبطة بالنظام ، في فبراير 1968م . وقد طالبت بمحاسبة جدية للمسئولين عن الهزيمة ، وطرحت ضرورة مراجعة النظام لتوجهاته . وقد استجاب عبد الناصر لنداء الحركة ، وأصدر بيان 30 مارس 1968م في محاولة للمراجعة وتصحيح الأوضاع والتوجهات والأنظمة.

وهكذا عجزت تنظيمات الثورة ويسارها الخاص المتمثل في التنظيم الطليعي ومنظمة الشباب على بث الحياة في التنظيم الأم كقوة سياسية مؤثرة ، مما أذن بضرورة مراجعة التجربة كلها وتصحيحها ليس على ضوء ما حدث للتنظيم السياسي الوحيد وإنما على ضوء ما حدث للوطن كله من هزيمة عسكرية وانتكاسة وطنية.

أما ما احتواه البيان من جديد ، فيأتي في مقدمته وضع التنظيم السياسي فأبقى على الاتحاد الاشتراكي العربي باعتباره أكثر الصيغ ملائمة لحشد القوى الشعبية وأفاد بأن المشاكل التي عاناها الاتحاد لا ترجع إلى قصور أو عيوب في صيغته العامة وإنما ترجع إلى التطبيق . وارجع ذلك إلى أن إقامته لم تبن على الانتخاب.

واختفى الحديث عن الجهاز السياسي السري – التنظيم الطليعي – المفترض أنه الذي كان يقود الاتحاد الذي انتهى دوره تاريخيا مع بدء الانتخابات الجديدة واستكمال بناء الاتحاد الاشتراكي.

الفصل الثالث

التنظيم الطليعي وأحداث مايو 1971

وبعد وفاة عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م صدرت نشرات التنظيم ، وهى التي أعطت تعليمات ملزمة للأعضاء بأن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء ، وأن يشدوا الناس ليقولوا لأنور السادات نعم على طريق عبد الناصر . وكانت المجموعة التي تحيط بعبد الناصر في أواخر أيامه أكثر حماسة لترشيح أنور السادات وقد اختلفت الآراء كذلك حول أسباب حماس هذه المجموعة لترشيح أنور السادات.

ودعا التنظيم كله للاجتماع ليطرح سؤالا واحدا : من يكون رئيس الجمهورية القادم ؟ وأعربت أغلب المجموعات عن رأيها في أن تبقى القيادة جماعية إلى أن تزول آثار العدوان ، وذكرت إحدى المجموعات أن على صبري هو الرئيس القادم ، بينما أعربت مجموعات أخرى حول ضرورة أن يطرح الأمر كله على الشعب ، ولكنهم لم يتوصلوا إلى شيء ، واجتمعوا مرة أخرى بتوجيه شفوي مسبق من قيادة التنظيم للموافقة على أن يتولى أنور السادات رئاسة الجمهورية ، ويكون الحاكم من خلال قيادة جماعية على طريق عبد الناصر ، وكانت تلك رغبة على صبري ، ورفضت الكثير من المجموعات هذا التوجيه.

ويذكر أحد قادة التنظيم أنه بعد وفاة عبد الناصر كان لابد من "اتخاذ خطوات عملية للاستقرار وضمان استمرار الثورة وسرعة اختيار خليفة لعبد الناصر ، وبإيجاز شديد توالت اجتماعات اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ، كذلك اجتماع مجلس الأمة ، وكان ترشيح أنور السادات للجمهورية والتحرك الشعبي والتنظيمي لمساندته استمرارا لمسيرة يوليو 1952م".

من تلك " الشهادات " يتبين لنا أن جماعات الثقل في النظام الناصري لم تكن أبدا على نغمة واحدة ، وكانت صراعاتها وتناقضاتها مع بعضها البعض ربما تقوم إلى اختلاف الرؤى والأوزان واختلاف مساحات الاقتراب من الزعيم جمال عبد الناصر واختلاف المواقع واختلاف مصالح الجماعات المحيطة ببعض مواقع التأثير.

ولذلك عندما حانت لحظة الفراق كان لابد أن يبحث الفرقاء عن نقطة التقاء مؤقتة لالتقاط الأنفاس ، وتم الاتفاق على السادات . ونظر السادات أيضا للموضوع على انه وقت لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب القوة ، ومن خلال تلك الرؤية تحركت طليعة الاشتراكيين على مستوى القيادة لكي تعطى تعليماتها للقواعد لتأييد السادات.

وكان الإعداد للحرب والاستعداد للحظتها هو الذريعة المناسبة للجميع ، إلى أن يحين وقت الانقلاب ، لكن الطليعيين نسوا أن السادات صاحب خبرة من قبل الثورة كما دخل الغرور إليهم بسبب أدوات القوة المتحكمين فيها ( جيش ، بوليس ، إعلام ، مخابرات ، تنظيم سياسي وطليعي ) لكنهم نسوا أن أدوات القوة تلك هي في يد الدولة المصرية العتيدة وليس في يدهم ، وإنما هي تحت أمر صاحب الشرعية الوحيد – كما جرت العادة – وهو رئيس الجمهورية ، لذا كان طبيعيا أن يكسب السادات الجولة بقليل من الترتيبات .

وما أن تولى السادات حتى بدأ يعد المسرح السياسي الداخلي والخارجي لأحداث مايو ، والتي وصلت ذروتها بإقالة على صبري في 2 مايو ، فبدأت قيادات التنظيم الطليعي – والتي هي نفسها معظم قيادات الدولة التي بجانب السادات – تتحرك للعمل ضد السادات من خلال التنظيم الطليعي ، ولكنها قد تحركت متأخرة جدا ، وعلى وجه التحديد في يوم 12 مايو 1971م.

فقد كانت هذه المجموعة على موعد يوم الأربعاء 12مايو ، الذي كان من أهم اللحظات الفاصلة فيه اجتماع الأمانة العامة للتنظيم الطليعي مرتين : مرة في الصباح وأخرى في المساء ، وكانت الاجتماعات تجرى في مكتب شعراوي جمعة في مقر الحكومة المركزية في مصر الجديدة حيث لم تجتمع الأمانة منذ وفاة عبد الناصر سوى مرتين ، وكان هذا الاجتماع هو الثالث ، وكانت النقطة المعروضة للمناقشة هي كيفية مواجهة السادات ، وكان مقررا أن شعراوي سيلتقي به في اليوم التالي 12 مايو ، وكان على المجتمعين أن يفكروا في كيف تكون المواجهة وفى أساليبها.

حضر الاجتماع شعراوي جمعة أمين التنظيم ووزير الداخلية ، وسامي شرف عضو الأمانة ومسئول جنوب القاهرة عن التنظيم الطليعي ، وسعد زايد مسئول شمال القاهرة ومحمد فائق غرب القاهرة ، وحلمي السعيد عضو الأمانة ومسئول شرق القاهرة ، وأحمد كامل رئيس المخابرات ، ومحمود أمين العالم عضو الأمانة ، ويوسف غازولى عضو الأمانة ، ومحمد عروق مدير صوت العرب ومسئول الإدارة اليومية للأمانة ، وأحمد شهيب نائب رئيس شرق القاهرة.

وجرت دعوة الجميع عن طريق مدير مكتب شعراوي جمعة الذي طلب منهم تقليل عدد السيارات تأمينا للاجتماع. وشرح شعراوي للحاضرين في بداية الاجتماع ما حدث بينه وبين أنور السادات في هذا اللقاء ، وذكر شعراوي أنه فسر للسادات موقفه من اللجنة المركزية وعدم اعتراضه على حديث على صبري كما كان يرجو السادات ، وذلك حتى لا يحدث فرقعة في اللجنة المركزية تنعكس على الجماهير ، وذكر أنه اعترض على توقيت إقالة على صبري قبل حضور روجرز ، وقال شعراوي إنه فوجئ رغم هذا ووعد السادات له بالتفكير في الموضع بصدور قرار الإقالة في الخامسة من مساء اليوم نفسه ، وأبلغ شعراوي المجتمعين برغبة السادات في حل الاتحاد الاشتراكي ، لأنه يعتبر الموجودين أنصارا لعلى صبري ، وأكد شعراوي على عدم موافقته على حل الاتحاد في الظروف الحالية ، وأنه يمكن التخلص من العناصر الغير مرغوب فيها باستعمال لائحة التنظيم الداخلية وأضاف بأن السادات سوف يقابله غدا ويتحدث معه في هذا الأمر.

وصارح شعراوي جمعة أعضاء الأمانة بأنه يطرح كل ذلك ، لأنه يريد تحديد خطة التحرك السياسي ، وأكد على اعتراضه على حل الاتحاد الاشتراكي وإدانته لسياسة التقارب مع أمريكا ، لأنها لن تؤدى إلى سلام عادل وشامل في المنطقة.

وبعد ما اطلع الحاضرون في اجتماع أمانة التنظيم الطليعي على ما دار ن حوار بين السادات وسيسكو اتفق الجميع على أن السادات لا يعطل قرار خوض المعركة فقد ، ولكنه بدأ يمضى في طريقه اللاوطنى .

وفى هذا الاجتماع أيضا تساءل سعد زايد عن موقف الجيش ، فأجاب أحمد كامل بأن الجيش لا اهتمام له بهذا الموضوع ، بل إن سامي شرف تدخل قائلا : " إذا كان الكلام حيكون بالشكل ده بلاش تتكلم ولازم نفكر ونفهم إن الجيش بيكرهنا " وقد اتفق الحاضرون على وضع خطة لمواجهة ما يفعله السادات ، وهى أن يتصدوا جماهيريا لخط السادات ، وخاصة في نقطتين : الأولى هي تعطيله لقرار المعركة ، والثانية هي محاولته من أجل إلغاء أي دور للمؤسسات ، وأنه يجب تنشط الاتحاد الاشتراكي وتحريكه مساندا لهذا الرأي.

وطالب محمود أمين العالم بضرورة فرز ألأعضاء القادرين على المشاركة في هذه الخطة من بين أعضاء تنظيم طليعة الاشتراكيين في المحافظات وفى جميع لمواقع وضرورة استبعاد أولئك الذين ظهر انحيازهم لخط أنور السادات الجديد.

وقرر شعراوي جمعة تشكيل لجنة فرعية للقيام بهذه المهمة ، تتكون من محمود أمين العالم ، محمد عروق ، يوسف غازولى ، عبد الهادي ناصف ، وأسند لمحمود العالم إعداد نشرة تنظيمية تنقد خطاب السادات أمام الهيئة البرلمانية وخطاب محمود رياض عن نتائج زيارة روجرز لمصر .

وانتهى الاجتماع على أن تنعقد اللجنة مساء نفس اليوم الأربعاء مساء في نفس المكان ، وانصرف المجتمعون وبقى بعضهم في مكتب شعراوي جمعة ، مثل سامي شرف ومحمد فائق.

وهكذا تذكر خصوم السادات – أخيرا- ضرورة إشراك الجماهير في الصراع الذي أرادوه مكتوما عند قمة السلطة ، ولكن الوقت قد تأخر وتحت وطأة الإحساس بأن الوقت كان قد تأخر ، دعا شعراوي جمعة لاجتماع آخر في مساء اليوم نفسه الأربعاء 12 مايو ، وقد انضم إلى لاجتماع عادل الأشوح مدير مكتب شعراوي جمعة . وتم في هذا الاجتماع تقييم أعضاء مجلس الأمة واللجنة المركزية في القاهرة وعدد 42 عضوا بمجلس الأمة بما فيهم الوزراء من أعضاء المجلس ، واعتبرت اللجنة كل أعضاء اللجنة المركزية ومجلس الأمة عن القاهرة ملتزمين فيما عدا ذوى الاتجاه اليميني مثل الدكتور حسن خليفة.

وعكف بعد ذلك الحاضرون على تقييم الموقف ، وكان السؤال الذي يسيطر على مناقشتهم هو ما هي الخطوات التي ينوى أنور السادات اتخاذها ؟ وما هي الخطوات التي يجب أن نتخذها نحن على لجانب الآخر ؟وكان هذا الاجتماع قد تم في سرية ، وأن بعض الحاضرين اتفقوا ألا يستخدموا سائقين لسياراتهم ، واتفقوا أيضا على أن يستقل كل ثلاثة أو أربعة سيرة ، حتى لا يلفتوا إليهم الأنظار.

ولكن هذه الاجتماعات لم تأتى بالفائدة المرجوة منها ، لأنه في 13 مايو أقال السادات شعراوي جمعة ، وحل محله ممدوح سالم محافظ الإسكندرية حينئذ ومسئول التنظيم الطليعي بها ، وتم القبض على معظم رجال الدولة .

وظل اسم التنظيم الطليعي سلاحا لتهديد من بقى حرا من أعضائه على الرغم من العناصر التي وقفت بجانب السادات كانت غالبيتها من عناصر التنظيم الطليعي فقد كان عزيز صدقي وسيد مرعى وجميع الأعضاء الذين تحدثوا في جلسة مجلس الأمة التي عزلت رئيس المجلس وبعض أعضائه كانوا أيضا في التنظيم الطليعي ، وكان في الطليعي أيضا محمد عبد السلام الزيات الذي تولى وزارة الإعلام ليلة 14 مايو بدلا من محمد فائق عضوا بالتنظيم الطليعي.

بل إن المحكمة التي حاكمت " مراكز القوى " كان بها اثنان من أعضاء هذا التنظيم وهما حافظ بدوى رئيس المحكمة وبدوى حمودة عضو المحكمة والقاضي الوحيد بها ورئيس المحكمة الدستورية العليا ويهم هنا أن نوضح ما تبين من خلال سياق الأحداث ودور الأفراد فيها.

إن ما حدث منذ رحيل عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970م وترشيح السادات لرئاسة الجمهورية من قبل اللجنة التنفيذية العليا وطلية الاشتراكيين وكافة مؤسسات الدولة بكل موازين القوى فيها وبكافة أشكال الصراع المثارة حولها لم يكن فقط رغبة في تسيير نقل السلطة بشكل دستوري مطمئن ، وإنما كان ذلك تعبيرا عن مرحلة انتقالية رأت فيها كافة أطراف الصراع داخل السلطة في مصر أنه فترة واجبة لالتقاط الأنفاس وترتيب أوراق القوة حتى تحين ساعة الحسم ، كما رأت تلك الأطراف – طليعة الاشتراكيين والاتحاد الاشتراكي العربي ومنظمة الشباب وكثير من مواقع الدولة المهمة مثل الشرطة والجيش وعلى ا لجانب الآخر السادات وبعض رجال المال وكافة الاتجاهات التي أرادت أن تنتقم من عبد الناصر وخطه وتحالفهم في الخارج – أن السادات هو أصلح رمز لهذه المرحلة الانتقالية ، حيث تصور كل طرف أنه من الممكن أن يركبه كحصان سباق لتحقيق أهدافه في تلك المرحلة . ذلك هو ما كان مخفيا في خطاب الصراع الذي تم ترويجه من الطرفين حيث استخدم طرف رجال دولة عبد الناصر الذين عرفوا من قبل أجهزة الإعلام مجموعة 15 مايو ومجموعة مراكز القوى خطاب القيادة الجماعية ورفض الخروج عليها من قبل السادات في إعلان المبادرة وفى عدم تحديده موعدا دقيقا للعبور في قضية الاتحاد المصري السوري الليبي السوداني ، بل وصل الأمر بهم إلى وضع خطط لحشد وتعبئة المواقع التابعة للتنظيم ، أما الطرف الآخر فقد استخدم خطاب الديمقراطية وحتمية مواجهة مراكز القوى .

إن هناك أدورا قد لعبت في هذا الصراع داخل الطرفين لصالح السادات البعض منها كانت تحت بند الحفاظ على الموقع ، والبعض منها دفاع عن مصالح / لذا كان من الطبيعي أن ينحاز سيد مرعى لصالح السادات ، وكان من الطبيعي أن يتصور حسنين هيكل أنه يفضل أن يكون مع السادات حتى يحافظ على وضعه وتأثيره.

ليس من الحقيقة في شيء أن تدعى مجموعة مايو حسبما شاع في الصحافة أنها لم تنتظر عمل انقلاب وإنما السادات هو الذي تدبر ونفذ الانقلاب. الحقيقة الظاهرة من خلال سياق الروايات ومحاضر ونشرات طليعة الاشتراكيين أنه كان هناك ترتيب من الطرفين وأن سبب فشل مجموعة مايو يعود لعدم توفر الإدارة الواحدة لديهم أمام السادات ، وهذا ما جعل السادات يفتح ثغرات واسعة في جبهتهم ، كما أن بعضهم كان يعمل بروح احتمالية الفوز بفرصة أفضل في نظام السادات كما كانت الصراعات بينهم كبيرة .

وأخيرا تأكد أن السادات ومساعدوه في هذا الصراع قد استطاع أن يلعب بورقة الديمقراطية ، ووجد صدى لها عند الجماهير العادية ولعل ذلك يؤكد أن قضية الديمقراطية في التنظيم وبين التنظيم والجماهير كانت شبه معدومة لذا نجح السادات في التلامس مع وتر مهم في الحياة السياسية وتفاعلت معه قوى سياسية محرومة من العمل السياسي مثل الإخوان المسلمين ولليبراليين ، ويكفى أن نعطى عن ذلك دليلا واحدا هو دور الشيوعيين ( بعض رموزهم ) في انقلاب مايو والتشكيلات التي أتت بعده من أحزاب وتنظمات ووزارات.

وبعد أحداث مايو 1971م وتخلص الرئيس السادات من كل رجال عبد الناصر تم تقديمهم إلى المحكمة وإثناء محاكمة رجال عبد الناصر بعد أحداث مايو 1971م جرى سباق جنوني بين بعض المتهمين لتقديمهم كل ما تصوروا أنه يرضى الرئيس أنور السادات ويمكنه من رقاب باقي زملائهم بتجسيم الخطأ في جانبهم وتوسيع الهوة تحت أقدامهم وقد أدى هذا السباق الخسيس إلى إفلات البعض من المحاكمة على حساب الإساءة إلى ألآخرين وهى صورة يندر ظهورها في القضايا السياسية التي يجمع بين المتهمين فيها وحدة الفكر أو الرأي أو العقيدة ولقد كشف هذا السباق عن صور شائنة للأنانية والجبن وعبادة النفس وعن قدرات كبيرة في النفاق والتزلف وسرعة التلون وقد تبين أن جميع التسجيلات المضبوطة قد قام بعض المتهمين من رجال عبد الناصر وقادة التنظيم بتسجيلاتها خلسة أثناء مكالمات تليفونية جرت بين زملائهم أو جرت بينهم أنفسهم وبين باقي المتهمين وقد احتفظوا بهذه التسجيلات إلى أن جاء اليوم الذي قدمها السادات كأدلة إدانة ضدهم جميعا فليس من الغريب أو المستغرب على قوم احترفوا كتابة التقارير السرية ضد أهلهم وعشيرتهم وتقديمها إلى قيادتهم بالتنظيم الطليعي السري ليطيحوا بأبرياء آمنين ليس بمستغرب على هؤلاء أن يخر الكثير منهم متهاونين متخاذلين عند الشدة ويتسابقون للتقرب للحاكم والتذلل إليه ضاربين عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمعاني السامية.

فقدموا أبشع صور الخسة والنفاق على حساب الآخرين تخليا عنهم وغدرا بهم بغض النظر عما كان بينهم من أواصر الزمالة أو الصداقة أو حتى القرابة وقد تميز معظم ما قدموه وشاية وغدر بالكذب والاختلاق الظاهر وهناك أمثلة من عشرات الأمثلة الشائنة التي تبعث على السخرية كما تبعث على الحزب والأسى:

أولا : الكتاب الذي أرسله أحمد عبد اللطيف شهيب أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة وقائد بارز بالتنظيم الطليعي ( والمتهم رقم 49) للرئيس أنور السادات وسلمه لمدير المباحث العامة السيد فهمي في 9/6/1971م وجاء فيه سيادة الرئيس محمد أنور السادات رئيس الجمهورية تحية إجلال واحترام ووفاء وولاء وبعد كنت قد كتبت لسيادتكم منذ فترة عن بعض المعلومات التي رأيت أنه من الواجب الولاء والوفاء إن أرفعها لسيادتكم واليوم يا سيادة الرئيس أكتب لكم مرة أخرى استمرارا لوفائي لسيادتكم في بعض الأمور التي لم يسألني فيها المحقق بالتفصيل ولم تكن لظروفي النفسية في ذلك الوقت واردة على ذاكرتي سيادة الرئيس سأذكركم بالصدق والأمانة والحق وبدافع وفائي وولائي وحبي لكم ملخص صادق عن الاجتماعات التي تمت في يوم 12/5/1971م.

وذكر أحمد شهيب تفاصيل الاجتماعات التي تمت في قصر الحكومة المركزية بمصر الجديدة صباح الأربعاء يوم 12/5/1971م ومساء نفس اليوم أيضا والتي ضمت شعراوي جمعة وسامي شرف وسعد زايد محمد فائق وحلمي السعيد وأحمد كاملمحمود أمين العالم – ويوسف غزولى ومحمد عروقوأحمد شهيب وعادل الأشوح وذكر أحاديث زملائه من موقع الولاء والوفاء لمصر ولشخصكم الكريم ارفع هذا التقرير داعيا الله سبحانه أن يحفظكم ويسدد على طريق الحق خطاكم ربنا وتقبل الدعاء المخلص دائما – أحمد شهيب.

ثانيا : وكان سامي شرف في الفترة الأولى من اعتقاله والتحقيق معه من أكثر المتهمين تهاويا وانهيار .. وكان من أكثرهم استعداد لأن يفدى نفسه وحريته بكل المتهمين جميعا ويؤكد ذلك كل ما ورد على لسانه من أقوال وما سطره بخطه من إقرارات في صورة خطابات للنائب العام أو خطاب التودد ولاستعطاف الذي وجهه للسادات .

فقد استهل سامي شرف أقواله في المحضر المحرر يوم 10/6/1971م أمام الأستاذ محمود حلمي راغب رئيس النيابة بمبنى مجلس قيادة الثورة بالجزيرة بالآتي:

س: ما قولك فيما هو منسوب إليك وما دورك ومعلوماتك من الأحداث الأخيرة ؟

ج: تبدأ الأحداث منذ 28 سبتمبر 1970 بوفاة المرحوم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وفى نفس هذا اليوم عقد اجتماع في قصر القبة مشترك بين اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي ومجلس الوزراء وبدأت من الاجتماع محاولات مريبة لفتت نظرنا تتلخص في الآتي : محاولة عدم تمكين السيد الرئيس محمد أنور السادات من تولى رئاسة الجمهورية وحصلت مناقشات وتم تسجيلها وبعلم الرئيس محمد أنور السادات لأنها تمت في حضوره وأنا موقفي كان واضحا وما زال وهو التزامي بقيادة الرئيس محمد أنور السادات خلفا للرئيس جمال عبد الناصر عن اقتناع كامل وعن إيمان وأشير في هذا الخصوص أنى عملت عن قرب من السيد الرئيس أنور السادات وبتوجيه من الرئيس جمال عبد الناصر خلال الفترة من سبتمبر سنة 1969 حتى سبتمبر 1970 وهذا قربني أكثر إلى السيد الرئيس أنور السادات وفى يوم وفاة الرئيس جمال عبد الناصر أنا كنت شخصيا في حالة لا يمكن أن توصف وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أستطيع أن استمر في العمل ولكن ما رايته في مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية خوفني على مستقبل البلد وقلت في نفسي أنى كفرد يمكن أقدر أساهم في الأمور لا تتطور إلى أسوأ أن أبقى إلى جوار الرئيس أنور السادات إذا تفضل ورأى ذلك وفى اليوم التالي اتصل بى أحد زملائي وأبلغني أنه تم معه اتصال من إحدى الشخصيات لتزكية هذه الشخصية لمنصب رئاسة الجمهورية وعلى أن أتعاون مع هذه الشخصية وأنا احتقرت هذا الكلام وأبلغته للسيد الرئيس أنور السادات تفصيلا وبالأسماء والسيد الرئيس أنور السادات يعلم التفاصيل وواقعة أخرى حدثت في هذا الوقت أيضا فقد كنت أنا وزميلي شعراوي جمعة وأمين هويدى في زيارة الرئيس النميرى في فندق الهيلتون وأبلغنا أن إحدى الوزراء المصريين السابقين حضر لزيارته مزكيا السيد زكريا محيى الدين لتولى منصب رئاسة الجمهورية وفورا توجهنا إلى السيد الرئيس أنور السادات حيث أبلغنا سيادته بالواقعة وهناك من ألأمثلة أمثلة كثيرة جعلتني أخشى وأتخوف حقيقة على مستقبل البلد .. وقررت أن أخوض معركة رئاسة الرئيس أنور السادات بصفة مكشوفة وواضحة لا لبس فيها ولا غموض والسيد الرئيس يعلم أنى سبيت ضابط في مكتبي كانوا يحاولون أن يتشككوا في معركة الرئاسة وكان إيماني واقتناعي وحديثي دائما وما زلت حتى هذه اللحظة هو أن السيد الرئيس جمال عبد الناصر هو الذي اختار بنفسه الرئيس أنور السادات امتداد طبيعي ومنطقي لخط جمال عبد الناصر ... واستطرد سامي شرف في حديه إلى أن قال:

وبدت بعد ذلك مظاهر الخلاف بين السيد أنور السادات والسيد على صبري على ما ذكر في أحد اجتماعات مجلس الدفاع الوطني في حوالي شهر يناير سنة 1971 وهو متعلق بالمعركة من الناحية السياسية وكان الحديث حول وقف إطلاق النار وفتح قناة السويس واقدر أقول أنه لم يكن هناك تطابقا بين وحتى النظر وأنا شعرت أن هناك نوع من التباعد بين السيد الرئيس أنور السادات والسيد على صبري وصل إلى حد عدم الاتصال بعضهما ببعض مدة طويلة .. ووصل علمي أن السيد على صبري علق على موضوع المبادرة بأنه رجل عسكري وأنه لا يفهم هذه المبادرة وابتدأ منذ هذا التباعد يزداد بين لرئيس وبين السيد على صبري وأنا علمت فيما علمت وأبلغت السيد الرئيس على صبري بيسب في السيد الرئيس في التليفونات وفى المجالس الخاصة وبدأ يهاجم السيد الرئيس وكانت بعض الألفاظ التي يرددها السيد على صبري في الهجوم على السيد الرئيس عبارات سب غير لائقة واستمر هذا الوضع إلى أن جاء موضوع الاتحاد الثلاثي:

وواصل سامي شرف حديثه إلى أن قال : ولكن أريد أن أؤكد أن هذه العلاقة الوثيقة بيني وبين شعراوي جمعة لم تكن مظهرا للشيلية وأما لم أكن أسمح إطلاقا بقيام شلة معينة أو أكون فردا في شلة معينة لأنها لم تكن تعاليم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لي لأنه كان يضرب الشلل وكان يكلفني أن أحصر الشلل كما أنى أؤكد أيضا أن علاقتي الوثيقة بشعراوي جمعة لم يكن لها أنى تأثير في العمل بالنسبة لي وبالنسبة له وأنا شخصيا وفى عملي لم أكن التزم إلا بأوامر الرئيس وبمبادئ الأخلاق وحتى لو تعارض هذا الموضوع معي أنا شخصيا وعلى سبيل المثال في هذا الموضوع ورغم وجودي في هذا المكان من العمل فقد أبلغت أنا بنفسي عن شقيقين لي أحدهما كان ضابط في الشرطة وكان ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين فقلت عنه في الاجتماع المحدد لبحث مراكز ضابط الشرطة أنه إخواني خطير ونقل إلى المحافظات والثاني ضابط بالقوات المسلحة وأبلغت الرئيس شخصيا عنه وأنه بيعمل اتصالات مع ضباط اعتبرها ضارة لأمن وسلامة البلاد وقبض عليه فعلا وظل مقبوضا عليه فترة إلى أن أمر الرئيس جمال عبد الناصر بالإفراج عنه بدون علمي وذلك بتكليفه الأخ محمد أحمد بالإفراج عنه بالاتفاق مه شمس بدران في هذا الوقت وإلحاقه بعمل وعندما علمت بذلك اعترضت فقال لي السيد محمد أحمد ليس لك أن تعترض لأن دى أوامر السيد الرئيس جمال عبد الناصر وأنا عاوز أقول من هذا أنه رغم علاقتي الوثيقة بالسيد شعراوي جمعة فلو شعرت لثانية واحدة أنه ضد النظام أو يقف فيه مساس بسلامة البلاد لن أتردد دون تفكير في اتخاذ موقف حاسم منه مراقبة الاتصالات التليفونية بأمر جمال عبد الناصر والسادات .

وبسؤالي: ما هو أساس مصدر القيام بتسجيل هذه الاتصالات التليفونية ؟

أجاب : إما بأمر رئيس الجمهورية أو حسب تقدير رئيس جهاز المخابرات أو رئيس جهاز المباحث العامة وبالنسبة لكبرا المسئولين والوزراء فكان يتم تسجيل اتصالاتهم التليفونية بأمر من السيد رئيس الجمهورية وفى نهاية سنة 1970 المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر أعطى أمر لشعراوي جمعة ولأمين هويدى ولى أنا شخصيا بأننا مسئولين عن الأمن نحن الثلاثة ونشرك معنا بطريق مباشر الفريق محمد أحمد صادق فيما يتعلق بأمن القوات المسلحة مع أخطار الفريق فوزي بمسائل أمن القوات المسلحة وكان أمر الرئيس جمال عبد الناصر واضحا وصريحا ولا يقبل اللبس أن مسئوليتنا نحن الثلاثة كاملة في اتخاذ الوسائل للتأمين بما فيها كبارا المسئولين واستنادا إلى هذا الأمر من المرحوم الرئيس عبد الناصر وأنا استشهد في هذه النقطة بالسيدة هدى عبد الناصر وكانت تعمل في الفترة الأخيرة كسكرتيرة للسيد الرئيس وتطلع على جميع الأوراق بما فيها المراقبات التليفونية لكبار المسئولين في الدولة وزراء وأكثر من وزراء.

س: وما الذي حدث في هذا الشأن بعد وفاة المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر ؟

ج: بعد وفاة الرئيس عرضت أمر الرقابة عموما على السيد الرئيس أنور السادات وكان حديثا بيني وبينه شخصيا وقال لي (استمر على نفس الأسلوب ) واستأذنت سيادته وقلت له أن هذا الموضوع حساس وأنه لا يصح أن تتداوله أيدي كثيرة خصوصا أن هذا الموضوع كلن بيني وبين الرئيس جمال عبد الناصر شخصيا فأمن السيد الرئيس على كلامي وقال لى " ابقي فكرة عن الهام من هذه المكالمات " ومشيت فعلا على هذا الأسلوب وفى بعض الأحيان كنت أروح بنفسي وأعرض على سيادته وأقرأ لسيادته وبسؤال سامي شرف.

س: وما الذي تقوم به عندما يتبين من هذه المعلومات أمر خطير أو ماسا بسلامة السيد رئيس الجمهورية أو الدولة ؟

أجاب : كنت أبلغه شفويا وكان هذا هو النظام المتبع وفق أوامر السيد الرئيس وأنا أذكر طوال الشهر الأخير كنت أبلغ أنور السادات أن السيد على صبري بيسب ويهلوس.

وبسؤاله س: وهل كان تليفون عبد الكريم مراقبا ؟

أجاب : أيوة.

س: وما الذي وضع هذا التليفون بالذات تحت المراقبة ؟

ج: تليفون فريد عبد الكريم مراقب منذ أكثر من سنة ونصف بأمر المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر للسيد شعراوي جمعة باعتباره أمينا للتنظيم ووزيرا للداخلية في نفس الوقت أن يتابع فريد عبد الكريم لأن الرئيس جمال كان له رأى خاص في فريد عبد الكريم وهذا الرأي الخاص يطابق تماما شعراوي جمعة ورأيي شخصيا في فريد عبد الكريم وهو أنه عنصر لا يمثل واجهة لهذا النظام وراقب فعلا فريد عبد الكريم وفى إطار تنفيذ أمر السيد جمال عبد الناصر في متابعة فريد عبد الكريم دفع السيد شعراوي جمعة بمحمود السعدنى ليستدرجه ويكون مصدر معلومات لشعراوي جمعة عن فريد عبد الكريم واستمرت هذه العملية قائمة حتى آخر لحظة وأذكر بهذه المناسبة أن السيد الرئيس أنور السادات كان له نفس الرأي في فريد عبد الكريم .

س: وما هو آخر تسجيل للاتصالات التليفونية الخاصة بفريد عبد الكريم أبلغت به إدارة المباحث العامة ؟ أجاب سامي شرف : بالنسبة لآخر تسجيل عن مراقبة تليفون فريد عبد الكريم فإني أقرر بأمانة وصدق أنى لم أطلع هذا التسجيل رغم أنه لابد أن يكون قد وصل المكتب عندي وأنا شرحت الظروف التي كنت أمر بها في الفترة الأخيرة من حيث قلة الاطلاع بسبب الضغط فوق العادي للعمل والتكليفات فضلا عن أن فريد عبد الكريم وتفريغات تسجيله تتضمن كثيرا من المسائل التافهة في صفحات كثيرة لا طائل من تضييع الوقت في قراءتها وكانت ترد إلى منذ أكثر من سنة هذه التفريغات وعندما طلبني السيد الرئيس أنور السادات في منزله يوم 13/5/1971 وذكر لي واقعي التسجيلات الخاصة بفريد عبد الكريم وما جاء بها كنت وبأمانة أول مرة أطلع أو اسمع إلى ما جاء بها .

س: وكيف يتفق ذلك وقد شعرت وأحسست بحكم اتصال المعلومات بك بما يعتمل ودور من اتصالات وانفعالات على نحو ما قررت بسبب الأحداث التي كانت تجرى في هذه الفترة ؟

ج: فريد عبد الكريم ليس بالشخصية القيادية الهامة أو المؤثرة في الأحداث بحيث أنه يؤخذ في أفضلية معينة أو أهمية خاصة فوق المعتاد حتى أراجع كل كلمة يقولها وفى تقديري أنه ليست هناك أي عجلة كبيرة في أن أرجئ قراءة تسجيلات تليفونية يوم أو يومين .

ثالثا : على الرغم من دفاع شعراوي جمعة المستميت عن اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة ، واعتراف شعراوي عبر ستة عشر صفحة في التحقيق بتحمله المسئولية كاملة عن كل ما نسب لحسن طلعت من اتهامات فأفلت بذلك من أن يقدم للمحاكمة إلا أن الأخير كان له موقفا مغايرا تماما موقفا مؤسفا أثناء الإدلاء بشهادة في المحكمة فقد قرر شعراوي جمعة أنه استلم المعتقلات من وزير الداخلية الأسبق زكريا محيى الدين وبها ما لا يقل عن 18000 ثمانية عشر ألف معتقل وأنه عندما أقيل من منصبه.

لم يكن بالمعتقلات سوى حوالي 2000 ألفى معتقل تقريبا معظمهم من الخطرين جنائيا من تجار المخدرات والنشالين واللصوص وانتهز شعراوي جمعة فرصة حضور اللواء حسن طلعت أمام المحكمة كشاهد وطلب من أن محاميه سأله سؤالا عن هذا الموضوع خصوصا وأن المحكمة سبق ورفضت الاستعلام عن هذا من وزارة الداخلية وبسؤال المحامى لحسن طلعت:

س: ما هو عدد المعتقلين الذين كانوا في المعتقلات عند تولى شعراوي جمعة وزارة الداخلية في أواخر سنة 1966 وعددهم عندما أقيل في 13 مايو سنة 1971؟

أجاب : يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية

س: أذكر معلوماتك الشخصية عن هذا الموضوع والعدد التقريبي للمعتقلين ؟ أجاب في إصرار وتبرم من السؤال:

يستعلم عن ذلك من وزارة الداخلية أو من المباحث العامة وأمام هذا الإصرار من الشاهد على عدم التورط هز شعراوي رأسه في حسرة وأسى للدفاع بالكف عن توجيه أسئلة لحسن طلعت.

وهكذا وبعد أن انتهت جهود مجموعة مايو 1971م بالإخفاق التام انتهت معها من الناحية الفعلية طليعة الاشتراكيين . وقد أشار الرئيس السادات في يوليو في برنامج العمل الوطني الذي قدمه إلى المؤتمر القومي العام للاتحاد الاشتراكي العربي في 22 يوليو 1971م إلى قيام " قيام تنظيم أثناء العمل بين الجماهير من أجل تنفيذ مهام البرنامج في إخلاص وتفان وإنكار الذات بغير تطلع إلى جاه أو منصب فتثق به الجماهير وتلتف حوله " وقد احتوى برنامج العمل الوطني تغيرا هاما بصدد طريقة تكوين مثل هذا الجهاز حيث أشار إلى أنه " يجب أن يكون جهازا علنيا لأن الاشتراكية لا تبنى سرا والحرية لا تتحقق من وراء ستار".

وفى ورقة أغسطس 1974م التي طرحها الرئيس السادات لتطوير الاتحاد الاشتراكي وصفت التنظيم الطليعي " بأنه ذا السمعة السيئة ، وانتقدت تكوينه سرا وفى الظلام بعيدا عن رقابة الجماهير ،وبدلا من أن يكون أعضاؤه قيادات اكتسبت ثقة الجماهير واحترامها كانوا يختارون على أسس شخصية ، وفى ضوء تقارير أجهزة الأمن ثم يفرضون كقيادات للاتحاد الاشتراكي ، وانعدمت الديمقراطية تماما داخل ذلك التنظيم وأن قيادته كانت تفرض على الأعضاء أحيانا أمورا غير مقبولة مثل كتابة التقارير الشهيرة.

ثم تقترح الورقة "أن الجهاز السياسي للاتحاد الاشتراكي لا يخلق من العدم ولا يتكون بقرار ، ومن ثم فلابد من تأجيل قضية الجهاز السياسي إلى مرحلة مقبلة ، حيث يكون الاتحاد الاشتراكي قد نشط نشاطا واضحا وتصدى لمهام محددة وسجل فيها إنجازات ملموسة ، وبرز من خلال لك كله تلك العناصر التي تتحلى بنضالية عالية وتتفانى في خدمة الجماهير ، فهذه العناصر هي التي يجب أن تشكل بطبيعة الحال الطليعة داخل الاتحاد الاشتراكي ، وتكون عندئذ طليعة علنية جاءت بثقة الجماهير وتعمل في وضح النهار وتحت رقابة الناس".

غير أنه لم تعرف بعد أية تفصيلات عن أية محاولات جرت لتنفيذ القصور السابق ذكرها أو تعديله حتى كتبت نهاية الإتحاد الإشتاركي العربي ذاته نهاية التكهنات بهذا الشأن.

وهكذا لم يتعد العمر الزمني لطليعة الاشتراكيين 6 سنوات وانتهت ، وإن ظلت كثير من التشكيلات التي انبثقت عنها ، بل الشعارات التي رفعتها باقية ، فضلا عن أنها قدمت للتنظيمات والأحزاب التي تلتها العديد من الكوادر – فمثلا الموطن الأصلي لحزب التجمع منظمة الشباب والتنظيم الطليعي – بل وأساليب العمل أيضا.

ولقد تباينت الآراء حول تقييم الدور السياسي لطليعة الاشتراكيين ، فيرى عبد العزيز حجازي عضو التنظيم الطليعي ورئيس الوزراء الأسبق أن " التنظيم كان الهدف منه كبيرا جدا ، لأن حلقات هذا التنظيم كانت عبارة عن حلقات تستوعب الجميع ، بحيث لا تترك الفرصة لليمين أو اليسار لللعب في الخفاء ، ولكن للأسف اشتغل هذا التنظيم في التجسس على بعض الناس وكتابة التقارير عنهم ، وبالتالي فقد أهميته وضرب في نهاية الأمر وانتهى ، بينما لو استمر نظيفا لكان أصبح لدينا حزب سياسي قوى ". على أن تقويم مسار طليعة الاشتراكيين والتأثير الفعلي الذي مارسته يختلف بشدة بين الذين رأوا لها آثار إيجابية لا تنكر وبين الرافضين لها الذين رأوا أنه سرعان ما تبين أنه ليس لطليعة الاشتراكيين أي تأثير على سير الأحداث ، أو نقل رغبات المحكومين إلى الحكام فانفرط عقدها وانتهت عمليا كتنظيم سياسي ، ورأى العديد من المثقفين والليبراليين في هذه التجربة تضييعا للوقت والمال وافتعالا لتنظيم أبعد ما يكون عن الجماهير ، وكانت حجة كل أولئك أن الجماهير لم تكن هي التي تقودها أو تحركها أو تسهم في تكوين عناصر نشاطها.

ونجد عند الذين مارسوا التجربة وقادوها أجوبة لأسباب ذلك ، فيذكر شعراوي جمعة أمين التنظيم " أن نشوء التنظيم في أحضان السلطة كان أكبر الأخطاء التي وقعت " ويقف على صبري في ذلك فيقول " ليس كل أعضاء التنظيم كانوا على مستوى الصلابة في المبادئ ، وهناك كثيرون ليسوا في المستوى دخلوا التنظيم الطليعي ، ونحن نبنيه من موقع السلطة ، فإن العناصر السيئة لا تكون ظاهرة ، بل بالعكس هؤلاء كانوا أكثر الناس حماسا للتنظيم الطليعي ، فقد تبين جزء من هؤلاء على حقيقته عندما تغيرت الأمور".

لم يكن التنظيم يضم أحيانا الاشتراكيين الحقيقيين وقيادته تمثل البيروقراطية من القيادات الإدارية والتنفيذية ، وهؤلاء كانوا يقودون العمل الطليعي ، في حين أن القواعد ذات المصلحة الحقيقية كانوا محجوبين ، فقد كانت أمانة التنظيم الطليعي في بعض المحافظات توكل إلى ا لمحافظ الذي كان غريبا عن الإقليم ولا يعرف قيادات ويحيط نفسه بهالة من السكرتارية ورؤساء المدن والمصالح ، وبالإضافة إلى أن بناء التنظيم كان يتم من موقع السلطة ، ولم يتعرض لمواقف نضالية للفرز ، وكان الصوت العالي أحيانا هو جواز المرور للعضوية في بعض القطاعات ، كما لا يراعى الانتماء الطبقي بالدرجة الكافية في العضوية.

إن السرية ذاتها قد خلقت أمراضا أخرى لم تجد مجهودا لعلاجها وهى أن كثيرا من الأعضاء اكتفى بمجرد حضور الاجتماعات ، وأن كثيرا من القيادات كانوا ينسبون تصرفاتهم وقراراتهم الخاطئة إلى توجيهات هذا التنظيم التي هي بطبيعتها سرية ، ولم يكن ذلك صحيحا أحيانا.

إن إحساس عضو التنظيم الطليعي بأن مسلكه وتصرفاته تحت النظر والتقييم تأكيدا لمبدأ " الطهارة الثورية" دفع الكثير من ألأعضاء إلى الانكماش تجنبا لمزالق غير محسوبة فاقدين بذلك أهم مقومات التنظيم وهو ارتباطه بالجماهير.

إن بناء التنظيم بمجموعة تم اختيارها منذ البداية ، وكانت لهم مناصبهم الهامة والمؤثرة ، فقد صعب عليهم وعلى غيرهم التفرقة بين الشخص وبين منصبه ، ولربما كان المنصب هو البارز في الأمر أكثر من الشخص ، ويصنع هذا الوضع العديد من الحواجز بين القيادات والقواعد اختفت فيها مبادئ الديمقراطية داخل التنظيم .

إن أمين التنظيم كان يجمع بين واجبه كأمين للتنظيم ومنصبه كوزير للداخلية تسبب ذلك في الكثير من الخلط بين الواجب والمنصب ن مما افقد التنظيم حرية الحركة وحق المبادرة الذاتية ، واتسمت قيادة التنظيم بطابع إداري بيروقراطي.

إن مثل هذه الملاحظات أدت إلى شيوع بعض المفاهيم الخاطئة لدى قيادات التنظيم ، حيث كان في تصورهم أن انتقاد المسئولين في السلطة قد يعطى القوى الرجعية سلاحه تستخدمه للتشهير بالثورة ، فوقعوا في خطيئة التستر على الأخطاء وربما تبريرها.

إن اهتمام قيادات التنظيم بقواعدهم لم يكن يتم إلا في المناسبات وبتعليمات صادرة من فوق وعند الحاجة ، فلم تكن بين القواعد والقيادات صلة ثابتة وفعالة في تحقيق الإتباع المطلوب في هذا التنظيم الذي أريد له أن يكون بمثابة عصب المجتمع وعموده الفقري.

إن كثير من القواعد لم تكن تجد لها واجبا محددا ، فلم تكن تجد في اجتماعاتها إلا الثرثرة والإحساس بشكلية التكليفات.

في مقابل وجهات النظر تلك ، فإن المؤيدين لتجربة طليعة الاشتراكيين وعلى الأقل الأكثر تفهما لإيجابياتها ، طرحوا العديد من ألأفكار التي تدور في الأساس حول الدور الذي لعبته في دفع المساهمة في زيادة الإنتاج في المصنع والحقل ، فقد نجحت بعض مجموعات القاعدية في تقليل العوادم في مصانع النسيج بحلوان ، فيما نجحت مجموعات أخرى في زيادة محصول الذرة في البحيرة ، كما أن التنظيم ساعد على حل مشاكل الجماهير ومراقبة الجهاز التنفيذي وحل الأزمات التموينية وتنشيط التعاونيات والعمل على تصحيح أخطائها.

وكان لأعضاء التنظيم السبق في كشف إعادة تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965م وهو في لمهد ، وبعد عام 1967م لعب التنظيم الطليعي أدوارا مهمة في الدفاع المدني ، وفى تكوين كتائب الجبهة من بين طلبة الجامعات ، والتي كانت تزود الجبهة وتعايش العمل العسكري.

هكذا يتكشف لنا من خلال المولد والمسار والمصير لطليعة الاشتراكيين ، من خلال الوثائق والنشرات والمواقف والأحداث والمستويات والرجال . إن هذا التنظيم كان بغرض الأمن السياسي لمشروع عبد الناصر ، وكان في نفس الوقت تنظيم يقوم على إصدار التعليمات والتوجيهات ، ويتلقى التقارير والمعلومات ، كما كان هذا التنظيم به كثير من السلبيات التي كان بعضها جزءا رئيسيا في مكوناته الأولى من قبيل الولاء لقائد الثورة هو نفس الولاء للثورة وللدولة ولرجالها من المسئولين والقادة.

لذلك كان طبيعيا أن يكون بداخله المؤمنين بالثورة ، وإلى جانبهم من ينتظر لحظة الخلاص من كل ذلك.

الفصل الرابع

التنظيم الطليعي والقضاء

عبد الناصر والقضاء:

وبعد قيام الثورة سلكت مع القضاء وأجهزته وسلطته ما يمكن أن نسميه بأسلوب الإحاطة والاقتطاع دون أسلوب السيطرة المباشرة والإلحاق الصريح ، وذلك على الوجه التالي:

أولا: أبقت الثورة تقريبا على ذات درجة الاستقلالية القانونية للقضاء والنظام القضائي فلم تنتقص من ذلك في التشريعات التي أصدرتها منظمة للقضاء . وأبقت الأحكام القانونية الخاصة بعدم قابلية القضاة للعزل وان يكونوا هم يديرون شئون أنفسهم.

بل لعل بعض القوانين في الصدر الأول من أيام الثورة قد زادت من الضمانات القانونية للاستقلال وإدارة الشئون الذاتية ، كما حدث بالنسبة لمجلس الدولة في السنتين الأوليين للثورة . وذلك كله باستثناء حركة تطهير محدودة جرت في القضاء والمجلس في سنتي 1954، 1955 وخرج بها عدد محدود من القضاة.

ثانيا: استطاعت الثورة بسيطرتها على أجهزة التنفيذ والتشريع عددا من التشريعات تقيد به من مجال التقاضي ، وقد منعت التقاضي في المجالات التي رأت فيها لنفسها صالحا سياسيا . فمنعت التقاضي مثلا في شأن الطلبة حتى تتمكن من التعامل مع مظاهراتهم المضادة لها بغير رقابة قضائية ، كما منعت التقاضي في مسائل الجيش وغير ذلك من المجالات .. وكانت سيطرتها على سلطة التشريع مما مكنها من سهولة إصدار هذه القوانين.

ثالثا: أنشئت محاكم خاصة لمحاكمة الخصوم السياسيين سواء كانوا أحزابا سابقة مثل قيادات الوفد السابقة والأحزاب الأخرى ، أو جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين وذلك بما سمى في السنوات الأولى ، محكمة الغدر ، ثم محكمة الثورة ، ثم محكمة الشعب . ثم صار ذلك عرفا ودينا فيما تلا ذلك من سنوات ، إذ تنشأ محكمة عسكرية لمحاكمة من ترى قيادة الدولة أنه خصيم أو مناوئ سواء كان هؤلاء أحزابا أو تنظيمات سرية أو أفرادا عسكريين أو مدنيين.

وركزت قيادة الدولة في هذا الشأن على النيابة العامة بحسبان أن لها وجه ارتباط واتصال بالسلطة التنفيذية وذات خبرة مهنية في التحقيقات – التي جمعت بينها وبين سلطة الادعاء – جنبا إلى جنب مع ألأجهزة العسكرية والأمنية التي ظهرت مشاركة للنيابة العامة في هذا الشأن.

كان أسلوب نظام 23 يوليو إذا هو الإحاطة بالقضاء وإبعاده عن التأثير فيما ترى الدولة أنه يمس سياستها ، وجرى هذا الإبعاد عن طريق المنع من التقاضي بالنسبة للمسائل التي ترى الدولة أن لها أهمية سياسية لها ، وكذلك إنشاء المحاكم الخاصة بالنسبة للقضايا التي ترى أن لها أهمية سياسية خاصة لها ، سواء من حيث أشخاصها أو من حيث نوع النشاط الذي ترى منعه أو من حيث موضوع الفعل الذي ترى منعه أو تأثيمه والعقاب عليه.

ولكنها في هذا الإطار المحدود أبقت القضاة على حالهما تقريبا ، ولم تعمل أساليب الإلحاق والاستتباع والغواية فيهما، بمعنى أنها أبعدت القضاء والقضاة عن مجال الاحتكاك بها وتركتهم يمارسون عملهم فيما لا يشكل أهمية سياسية لها، وبقى القضاة في غالبيتهم بفكرهم وبعادات عملهم وبقيمتهم كما كانوا من قبل ، حتى التقنيات الأساسية التي يطبقونها ، والتي تصوغ فكرهم وأصول مبادئهم القانونية والقضائية بقيت كما هي وكما كانت من قبل.

ويستثنى من ذلك ما سبقت الإشارة إليه بالنسبة للنيابة العامة، ثم ما يتعلق بمجلس الدولة وتخصصه الرئيسي هي الرقابة القضائية على نشاط أجهزة الدولة ، وهو جهاز ابتدع فيما ابتدع من وسائل هذه الرقابة، ابتدع حق المحاكم في مراقبة دستورية القوانين الأمر الذي لم يكن معروفا من قبل، وكان ذلك بحكم أصدره في 10 فبراير سنة 1948م، ثم طفق يوسع اختصاصاته ويخضع لرقابته حتى أنشطة الدولة في حالة فرض أحكام الطوارئ وكان عبد الرازق السنهوري على رأس المجلس عندما قامت الثورة ، وساندها أولا، وهو شخصية عامة ذات سطوة ويجمع بين الدور السياسي السابق له وبين الدور القضائي المدني الجديد الذي أشرف سنين طويلة على وضعه وإقراره بصياغته الحالية.

لذلك فقد جرت مواجهة حادة وعنيفة بين قيادة الثورة وبين مجلس الدولة في المدى الزمانى بين عامي 1954،1955، ودبرت مظاهرة مأجورة من فئة العمال اقتحمت مجلس الدولة ومكتب رئيس المجلس ، وضرب السنهوري في مكتبه، ثم صدر قانون يمنعه من تولى الوظائف العامة بحسبانه كان وزيرا حزبيا في الأربعينات ، ثم في 1955 صدرت قوانين تشكيل مجلس الدولة وأسقطت حصانة أعضائه، وأخرجت نحو خمسة عشر عضوا منه، وأعيد تنظيم المجلس على صورة تدعم السيطرة الفردية القانونية لرئيس المجلس الجديد الذي تولى منصبه بالأقدمية المطلقة بعد إخراج السنهوري. وخلال الفترة التالية ظهر نوع من أنواع الاتصال والتداخل بين المجلس وبين أجهزة الإدارة في الوزارات والمصالح تحت مظلة الندب والفتوى.

وقد صيغت أوضاع مجلس الدولة بما يكفل عدم تكرا هذا الاحتكاك، وبالنسبة لمجلس الدولة جرى الأمر على أساس ابتعاد المجلس عن المساس بالقوانين التي تمنع التقاضي مع "الإفساح" للسلطة التقديرية في إصدار القرارات الإدارية وتفهم تقديرات الأجهزة الإدارية في هذا الشأن.

كما جرى الأمر أيضا بانتداب عدد محدود من أكثر الشباب ذكاء وخبرة ومن هم في أواسط العمر، ينتدبون للإفتاء القانوني لا في داخل مجلس الدولة – وفيه قسم للفتوى – ولكن في أجهزة مركزية محدودة، هي رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ووزارة الحربية ونحو ذلك. وما لبث هذا المسعى أن اتسع اتساعا كبيرا عبر السنوات التالية للثورة وما بعدها في السبعينات والثمانينات حتى الآن.

وبالنسبة للنيابة العامة وبخاصة نيابة أمن الدولة، فقد كان منصب النائب العام دائما على اتصال وثيق بالدولة وبأجهزتها الثابتة، وكان هذا الاتصال يتراوح في درجة الوثوق، ولكنه كان قائما على كل حال، من بدايات القرن العشرين، ومحمد لبيب عطية باشا وعبد الرحمن الطويل باشا في الأربعينات، وعلى نور الدين في الستينات وغيرهم قبلهم وخلالهم وبعدهم، وقد كان أصل تنظيم الإجراءات الجنائية يفرق بين سلطة الاتهام التي تقوم بها النيابة العامة وسلطة التحقيق المستقلة التي يقوم بها قضاة التحقيق، ثم في خواتيم القرن التاسع عشر نيطت سلطة التحقيق كلها بحال النيابة العامة، وبقى الوضع كذلك حتى صدر قانون الإجراءات الجنائية في 1951 فميز سلطة التحقيق وحدها ووضعها في أيدي القضاة المستقلين بعيدا عن التبعية التدريجية السائدة في النيابة العامة، ثم لما قامت الثورة انتدبت في هذا الشأن وخاصة في ا لدعاوى ذات الطابع السياسي، ثم توسع هذا الاختصاص فعاد إلى سابق عهده ، تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام وتتبع في ذلك النائب العام ووزارة العدل تبعية صارت ساحقة لإدارة المرؤوسين.

بقى الوضع على هذا التكوين حتى كانت هزيمة 1967، وبدا بعدها أن الدولة صارت أضعف سياسيا من أن تشكل محاكم خاصة – محاكم غير قضائية – للنظر في الدعاوى ذات الصبغة السياسية التي تقيمها الدولة ضد خصومها ومعارضيها، كما صارت أضعف سياسيا من أن يسوغ فيها بقاء قوانين منع التقاضي أو إصدار قوانين جديدة بمنع التقاضي إذا لزم الأمر.

لقد كانت الدولة تضع ذلك وتتقوى سياسيا على تسويغه للرأي العام، مستندة إلى رصيد مما كانت أنجزت من مكاسب وطنية تتعلق باتباع سياسة تحرير مستقلة، تناوئ بها المستعمرين وتواجه بها الصهاينة وتبنى بها اقتصادا مستقلا ، ولكن هزيمة 1967 أضعفت هذا الرصيد.

إن هزيمة 1967 كسرت المشروع السياسي الذي كانت ثورة يوليو اعتمدته ومارست تنفيذه وبناؤه ورغم الاستجابة السريعة والجادة للنظام السياسي في إعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه ن إلا أن النظام السياسي وأبنيته بقيت قائمة على ذات الأسس التي بنيت عليها هياكله، وظهرت ملامح التشقق في علاقته بقوى الرأي العام، وملامح تفكك في أبنيته السياسية، وحدثت إضرابات الطلبة في فبراير 1968بما لم يكن مثله مسبوقا منذ 1954 واهتزت الشرعية السياسية للنظام.

وفى هذا الإطار بدأت الوظيفة الكامنة للقضاء تحاول من خلال نشاطها القضائي اليومي في فض الخصومات بين الأفراد، بدأت توسع من ولايتها القضائية المنتقصة من خلال أحكام حاولت أن تناقش من بعدي مدى دستورية عدد من الإجراءات التي كانت أقرتها الثورة من النواحي السياسية والاجتماعية وبدأت تمد نشاطها إلى خارج النطاق الذي كان مضروبا عليها من حيث منع التقاضي وإقرار النظم القضائية الخاصة.

ومن هنا تبدو الملاحظة التي حرصت على ذكرها في بدايات هذا الحديث عن مسلك ثورة 23 يوليو مع القضاء ذلك أنها وإن كانت ضيقت من نطاقه وناشات محاكم خاصة، وقيدت مجلس الدولة وهيمنت على النيابة العامة ذات الصلة التقليدية بالسلطة التنفيذية، إلا أنها تركت القضاء ورجاله على حالهم تقريبا في النطاق الضيق المضروب عليهم فكانوا كما لو أنهم في "بيات شتوي" ما إن ذاب الجليد من حولهم وتشققت بعض الجدران حتى بدأ يتمدد مستشرفا حيزه الذي بلغه في الأربعينات والذي تحميه المبادئ الدستورية والقانونية التي بقى القانونيون يتثقفون بها.

وبدا لنظام الحكم أن ترك الأمر على هذه الصورة لا تؤمن نتائجه ويستدعى القلق، من حيث بدء الحركات الشعبية ومن حيث تشقق جدار الشرعية القائمة، وهو في ضعفه الذي صار إليه لديه الاحتياج للتكوينات المؤسسية إلى مشاركة تتم من خلال القضاء وتشارك في إسناد شرعية الدولة وقراراتها، بدأ النظام القضائي – على عكس المطلوب منه – يتحرك حركة ذاتية وفقا لأصل تكوينه القانوني والثقافي، ويميز نفسه باستقلالية تتراءى ويمكن أن يتفطن إلى ملامحها من كان له خبرة في قيادة الدولة وقتها ومن كان في حذره وتوجسه.

لذلك ظهرت في الأفق محاولات لما سمى بمشروعات الإصلاح القضائي، وكانت تحاول أن تجذب الجهاز القضائي إلى جوار التشكيل السياسي للدولة ، حتى يمكن إيجاد الوسائل للتأثير المنتظم على القضاة،وجرى ذلك على أساس فكرتين ظهر الترويج لهما :

أولهما: بدأت – أو بعبارة أدق قويت– الدعوة إلى إدخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم السياسي الوحيد الذي أقامه النظام وقتها والذي صيغت فكرته السياسية على أنه يمثل تحالف قوى الشعب العاملة التي تمثلها الثورة. وقيل وقتها إن انضمام القضاة للاتحاد الاشتراكي لا يعتبر اشتغالا بسياسة حزبية، لأن السياسة الحزبية تفيد تعددا لأحزاب تقوم بينها خصومات سياسية من واجب القضاة أن ينأوا بأنفسهم وبحيدتهم الواجبة عنها،أم التنظيم الوحيد القائم الذي يمثل الشعب ، فهو بعيد عن ذلك وكان القصد فيما يظهر أن يندمج القضاة في الهرمية التنظيمية السياسية ، بما لا ينضج فقط على فكرهم ، ولكنه يؤثر فلا قراراتهم وأحكامهم من بعد.

وثانيهما: ظهرت فكرة "القضاء الشعبي" أي أن يكون من بين من تشملهم المحاكم ويجلسون مع القضاة في نظر الدعوى سواء الجنائية أو المدنية أو الإدارية ، أناس يمثلون الشعب من غير القضاة وقد يكونون من غير رجال القانون ، لأنهم يمثلون الفكر السياسي والاجتماعي الذي يعبر عن مصالح الشعب وعن المرامي السياسية والاجتماعية التي تستهدفها الثورة والنظام السياسي . ولم يتحدد وقتها كيف تختار هذه العناصر غير القضائية وغير القانونية التي تضاف إلى القضاة المحترفين في محاكمهم وتشاركهم نظرهم الدعاوى والحكم فيها، ولكن الفكرة كانت تتداول لتجد ما يؤيدها من بعد، ثم ينظر في التفاصيل التنظيمية لها.

المهم أن فكرة إدخال القضاة في الاتحاد الاشتراكي ، وفكرة إدخال غير القضاة في أعمال القضاة ، كلتا الفكرتين واجهتا مقاومة شديدة من القضاة، صدا وعزوفا وتمسكا بما صيغ به القضاء المصري من قبل 23 يوليه من أصول ومبادئ ووجه تثقيف ، وتمسكا بما كان عليه الفكر القانوني وإجراءات المحاكم ومبادئ الاستقلال والحياد المستقر في تكوينهم المعنوي. فقامت المواجهة بين نظام الحكم وبين القضاء ، فلم تعد الصيغة السابقة صالحة ، وهى ترك القضاء على حاله مع الاقتطاع منه للمجال الذي يثير الاحتكاك ، ولم يكن القضاء صالحا ولا مهيأ لأن يقوم بدور تمليه عليه سياسة الحكم ولا كان بثوابته والغالب من أفراده مطوعا فيما يتعلق بمبدأي الاستقلال والحياد الذين تربوا عليهما . فماذا حدث فذلك الذي سنجيب عليه عبر الصفحات التالية.

وكان التنظيم الطليعي السري في ذلك الوقت قد انتشر في كافة الوزارات والمصالح والهيئات ، بل وامتد في الجيش والشرطة ، فعمل النظام على إدخال القضاة في لجان التنظيم الطليعي منذ أواخر عام 1966م. وقد سبق ذلك دخول بعض القضاة في لجان متفرقة للتنظيم عندما كان التنظيم نوعيا ، منهم على سبيل المثال القاضي عبد الحميد الجندي الذي التحق بالتنظيم منذ 15/9/1965م في مجموعة شرق القاهرة برئاسة سامي شرف وأحمد شهيب.

وحينما أصبح التنظيم جغرافيا عملية قيادته على إنشاء لجان تضم القضاة فقط ، وقد تم تكليف محمد أبو نصير عضو الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي من قبل على صبري وشعراوي جمعة للقيام بذلك الأمر ( يلاحظ أن محمد أبو نصير كان هو عين النظام على السنهوري في المرحلة التي انتهت بضربه وعزله هو وآخرين فيما يسمى بمذبحة مجلس الدولة لعام 1955م) .

وقد بدأ محمد أبو نصير بالاتصال ببعض المستشارين والقضاة ، منهم المستشار ممتاز وعادل يونس رئيس محكمة النقض والمستشار محمد الصادق مهدي ، عارضا عليهم إنشاء اتحاد للقانونيين يضم رجال القضاء وغيرهم من رجال القانون ، ليكون شعبة تابعة للاتحاد الاشتاركى ، ولكنهم رفضوا الفكرة ، وإن كان يبدوا أن نصير نجح في تجنيد المستشار محمد الصادق مهدي.

وقد تمت مقابلة بعد ذلك بين المستشار ممتاز نصار وعادل يونس ووزير العدل عصام حسونة الذي استنكر بدوره تلك المحاولات من محمد أبو نصير ، بل نقل الوزير غضبه وغضب زملائه إلى الرئيس عبد الناصر في مقابلة معه ، ولكن الرئيس فاجأه بقوله " إن شعراوي جمعة قد شكل تنظيما سريا من ضباط الشرطة المؤمنين بالثورة ، وكذلك فعل شمس بدران في القوات المسلحة ، فلماذا لا تفعل في القضاء ؟ ولكن هذا الوزير رفض الفكرة.

ولكن يبدو أن أثر التنظيم داخل القضاء كان قد بدأ بالفعل ، وانهالت التقارير بعد ذلك على الوزير عصام حسونة حتى تم استبعاده في 20 مارس 1968م ، وعين بدلا منه محمد أبو نصير الذي أخذ بدوره يعمل على تنشيط التنظيم داخل القضاء ، وأخذت جهات وشخصيات متعددة ترشح مستشارين للانضمام إلى التنظيم ، وقد أصبح للتنظيم داخل القضاة قيادة عليا ضمت محمد أبو نصير مقرر المجموعة ، ومن القضاة المستشار محمد الصادق مهدي والمستشار على شنب والمستشار عمر الشريف ورئيس المحكمة عبد الحميد الجندي ، ومن النيابة على نور الدين ، ومن قضايا الحكومة إبراهيم هويدى وعبد الحميد يونس ، وقد انضم بعد فترة المستشار على كامل مستشار الاتحاد الاشتراكي وآخرين.

وكان التنظيم على اتصال دائم بشعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم الذي أمر محمد عروق بإمداد هذه القيادة باللائحة الخاصة بالتنظيم الطليعي وكتب العمل السياسي ونشرات طليعة الاشتراكيين وفى بعض الأحيان كان يتصل التنظيم بسامي شرف فيما يرى عرضه على جمال عبد الناصر وقد سميت هذه المجموعة بالجماعة القيادية للهيئات القضائية وذلك بتأشيرة أمين التنظيم الذي استعمل مصطلح الهيئات القضائية لأول مرة في غير الموضع القضائي المصطلح عليه والذي يفترض فيمن يطلق عليه أن يكون الفصل في الخصومات القضائية وهو كل ولايتها وقد عملت هذه الجماعة على تكوين خلايا أخرى داخل القضاء ، ونجحت بالفعل في تكوين مجموعات أطلق عليها لجنة الطليعة الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء ومجموعات الأصدقاء.

وكانت المجموعة الأولى تجتمع فى منزل الوزير محمد أبو نصير باعتباره مقرر المجموعة ، ثم بعد أن ترك الوزارة صدرت الأوامر من عبد الناصر باعتبار على نور الدين مقررا للتنظيم الطليعي في الهيئات القضائية وكانت المجموعة تجتمع وترفع محاضر اجتماعاتها لشعراوي جمعة أمين التنظيم ،وترسل صورة منها إلى مكتب جمال عبد الناصر وكان هذا التنظيم الطليعي يرشح للمناصب الوزارية في وزارة العدل أو يعترض على بعض الأسماء ، وكان أيضا يعطى صورة عما يجرى في الهيئات القضائية من أحداث ومن بين الجهات التحى تخطر بمعلومات ومواقف عن رجال القضاء مكتب الرئيس والمخابرات والمباحث العامة.

وكان الوحيد ضمن المجموعة السابقة الزى يكتب تقارير بصفة دائمة ومستمرة – تكاد تكون يومية – القاضي عبد الحميد الجندي ، ثم لحق به عبد الحميد يونس ، وعبد الحميد الجندي كان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية ، وكان يتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة جمال عبد الناصر.

صاحب ذلك نشاط علني قام به محمد أبو نصير وزير العدل في مؤتمرات واجتماعات نادي القضاة يهدف إلى اختراق القضاء والقضاة ويمكن تلخيص ما طلب به في الآتي:

أولا: فصل النيابة العامة عن القضاء وضمها إلى رئاسة الجمهورية لتكون جهازا تابعا مباشرة لرئيس الجمهورية ومجردة من حصانة القضاة .

ثانيا: ضم القضاة لتنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي وتكون عضوية القاضي في الاتحاد واستمرار هذه العضوية شرطا أساسيا لازما استمراره في منصبه ، فإذا رأت لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي إسقاط العضوية عنه اعتبر مفصولا من القضاء.

ثالثا: تشكيل المحاكم من قاض وعضوين من عامة الشعب من أعضاء الاتحاد الاشتراكي وتكون الأحكام في القضايا بالأغلبية.

وقام وزير العدل بالدعاية اللازمة لهذه القرارات في الصحف ، مدعيا أن هذا في مصلحة العدالة ، وأن القاضي لابد أن يكون متفاعلا مع المجتمع ولا يعيش في برج عالي منعزلا عن المجتمع ، وأن القضاء لا يجب أن يكون سلطة مستقلة وقام محمد أبو نصير بعمل اجتماعات مع القضاة طالبا منهم عدم المعارضة في هذه التعديلات المقترحة واعدا إياهم في حالة عدم معارضته هذا المشروع بالعديد من المزايا المادية يأمر بها الرئيس جمال عبد الناصر.

مثل صرف بدل طبيعة عمل وبدل مكتبة واشتراك مجاني في النوادي وركوب القطارات وسيارة حكومية بسائق وفى إحدى هذه الاجتماعات في نادي القضاة لم يصفق للوزير أبو نصير أحد وتصدى له المستشار محمد إبراهيم أبو لعم قائلا " سيدي الوزير .. جئت إلينا تخاطب أحط الغرائز فينا جئت ترشونا بمنافع مادية رخيصة وزائلة.. نحن قضاة لا نفرط في مبادئنا لحطة واحدة ولا نتخلى عن رسالتنا واستقلالنا وشرفنا وكرامتنا لحظة واحد’ .., نحن حراس الشرعية وحراس شعب مصر وسنظل بإذن الله كذلك حتى نلقى الله إننا نرفض الرشوة ولو كانت الحكومة مصدرها ونرفض التمتع بأي استثناء نتمير به عن باقي أفراد الشعب ، ونطالب بإلغاء الامتيازات الممنوحة لفئات أخرى .. تطبيقا لمبدأ المساواة " وكانت عاصفة من التصفيق لكلمات هذا البطل في عهد عبد الناصر وكانت صفعة لوزير العدل بل صفعة لعبد الناصر سنة .1968م.

وفى هذا الاتجاه – اتجاه أبو نصير – أيضا كتب على صبري الأمين العام للاتحاد الاشتراكي سلسلة من المقالات نشرت في جريدة الجمهورية في الفترة من 18 إلى 26 مارس 1967م.

وفى هذه المقالات – التي كانت تفكيرا رسميا من أكبر مسئول في الاتحاد الاشتراكي أمر له دلالته – أوضح على صبري أن رجال العدالة لن يتمكنوا من القيام بدورهم الأساسي الهام في المجتمع الاشتاركى إذا وقفوا بعيدين عن التنظيمات السياسية منعزلين عن العمل السياسي متباعدين عن نضال قوى الشعب العاملة.

ففي مقاله الأول يوم 18/3/1967 انتقد مبدأ الفصل بين السلطات ثم انتقد رجال القضاء في أدائهم لأنهم ينظرون في تطبيق القانون والعدالة بمفهوم الطبقة التي ينتمون إليها وأنهى مقاله بالتساؤل " لمن تكون العدالة ولمصلحة من يكون حكم العدل والقانون في المجتمع.

وفى مقاله الثاني يوم 19/3/1967 يعيب على القانون ومواده ويعيب على القضاة كيفية تفسيرها وفهم تفسيرها كما يجب وكما يريد الشعب أم ذهن المفسر فيه من المفاهيم السياسية والاجتماعية المختلفة عن المفاهيم والاتجاهات السياسية والاجتماعية لدى الشعب وخصوصا وأنهم معزولون عنه ولا يشاركون في العمل السياسي.

وفى مقاله الثالث يوم 20/3/1967 قال أن القانون يضعه للمشرع ليعبر عن إرادة الشعب وأن بعض القضاة حدثوه عن انفصال رجال القضاء سياسيا عن المجتمع وأن بعض القوانين تطبق عكس إرادة الجماهير ولغير مصلحتها.

وفى مقاله الرابع في 21/3/1967 قال متهما القضاة بأنهم يميلون إلى الفئات المستغلة وأنهم يضعون حيثيات أحكامهم بحيث تتلاءم مع مصالح تلك الفئات ولغير مصلحة الجماهير . ثم قال بضرورة التحام رجال القضاء بالجماهير وبحركة النضال.

وفى مقاله الخامس يوم 22/3/1967 قال أن القضاء يحظى بتقدير الجماهير وكان أحد العوامل المساعدة في تخفيف العذاب والاستغلال الذي كان مسلطا على الشعب وقال بضرورة إنهاء مبدأ الفصل بين السلطات وضرورة مشاركة القضاء في العمل السياسي وندد ببعض الأحكام .

وفى مقاله السادس في 23/3/1967 ندد بالأحكام التي تصدر وتعتبر إهدار لثورة الشعب وتبديد لجهوده وتعويقا لنضاله لأنها تستند إلى قوانين شكلية وتفسيرات حرفيه وأبدى استغرابه من أحكام تصدر بالبراءة لأن تفتيش المتهم كان باطلا . وأنه لو كان هناك التحام بين القضاة وجماهير الشعب لاختلفت الأحكام. وفى مقاله السابع 24/3/1967 دعا إلى تفاعل رجال القضاء والقانون مع نضال الجماهير وآمالهم وحملهم مسئولية تطوير القوانين .

وفى مقاله الثامن 25/3/1967 أصر على ضرورة مشاركة القضاة في العمل السياسي وأن في ابتعادهم عن نضال الشعب ضرر بالعدالة ، وأن رجال القضاء منهم من طالب بأن يكون لهم شرف المشاركة في العمل السياسي. وفى مقاله التاسع يوم 26/3/1967 قال بضرورة إشراك القضاة في التنظيمات الشعبية وأنه سيفكر في أسلوب المشاركة.

وكان لهذه المقولات الساذجة أثرها في إثارة نفوس رجال القضاء أجمعين وغالبية العاملين في حقل العدالة والقانون وبدأت أجهزة الحكم تفصح عن مكنون لديها.

وذلك للأسباب الآتية :

1- أن هذه المقالات نشرت في مطلع عام 1967 أي في السنة التي وصلت فيها الفئة المسيطرة على مقدرات مصر والتي استغلت ثورة 23 يوليو لمصالحها ، وصلت فيه تلك إلى درجة الظن أن كل شيء دان لها وقال أنها طغت واستكبرت واعتقدوا أنهم قمة العلم والفم . حتى أن أحدهم " سعد زايد " قالها بغير خجل نهارا " أن الحكومة أعطت القانون أجازة " 2- أن هذه المقالات تنم عن أن كاتبها لا يعرف قيم القضاء وتقاليده سواء في مصر أو في أي دولة تقر لشعبها بحقه في العيش الانسانى وأنه لا يعرف معنى حيدة القاضي وما ينص عليه قانون السلطة القضائية وقانون الإجراءات الجنائية من ضمانات حيوية للنظام العام.

3- أنه لا يعرف معنى الحكم بالعدل طبقا للقانون ، وتقطع مقالاته على أنه وأمثاله أو من كان يدفعهم من الخارج قصدوا أن يعصفوا بمفاهيم هذا الشعب وتراثه وقيمه ومعتقداته.

4- أنه عبر عن فكر ورغبة السلطة في ذلك الوقت أن يطوع الكافة لمآربهم وجعل القضاء بوقا من أبواقهم لا أمناء العدل والحقوق والقانون .

وواضح الهدف من جر رجال العدالة إلى الاتحاد – وهو باعتراف أمينه العام يعد عملا سياسيا- لم يكن هو مجرد إشراك هؤلاء الرجال في بعض القضايا التي يناقشها هذا التنظيم السياسي ، وإنما إملاء الأحكام التي يجب أن تصدر ضد الذين يرى هذا التنظيم أنهم يعملون ضد مصالح المجتمع بصرف النظر عن القواعد والأدلة القانونية التي تتطلبها إدانة أي منهم في مثل هذه التهمة.

كان بعض القضاة قد أصدروا أحكاما بالبراءة في قضايا سبق وأن تحدث رئيس الدولة في خطبة عن المتهمين فيها وأدانهم أمام الشعب وأشهر هذه القضايا قضية مديرية التحرير بعد أن فاحت رائحة ما حدث في مشروع مديرية التحرير – المسئول عنها الضابط مجدي حسنين – أحد الضباط الأحرار – رؤى أن يقدم الدكتور أحمد السمنى كضحية فقال جمال عبد الناصر " وجبنا أستاذ في كلية الزراعة ليدير المشروع ولكنه برئاسة المستشار رياض لوقا وعضوية عبد الخالق فريد – أبن الزعيم محمد فريد – والمستشار جمال المرصفاوى ببراءة الدكتور السمنى فكان هذا في نظر عبد الناصر خروجا عن الخط السياسي وتفسيرا للقانون بمفاهيم غير صحيحة.

ومن هذه القضايا أيضا قضية السفير أمين سوكة الذي اتهم بالتجسس – لأنه أذاع خطاب يارنج – وحكم ببراءته في مارس 1969 أمام دائرة يرأسها المستشار سعيد كامل وقضية المستشار محمود عبد اللطيف – وهو الذي كان مشرفا على تربية عبد الناصر في صغره – واتهم فيها بمحاولة قلب نظم الحكم وثبت للمحكمة كذب شاهد الإثبات لعجزه عن حمل الآلة الطابعة التي زعم أنه كان يحملها فحكمت المحكمة برئاسة المستشار حلمي قنديل والمستشار فؤاد الرشيدي ببراءة المتهمين وبعدها وعلى قصاصة صغيرة من مطبوعات مكتب رئيس الجمهورية ضبطت ورقة كتبها عبد الناصر بخط يده بها العبارات الآتية:

1- قضاة أمين سوكة (بره)

2- قضاة محمود عبد اللطيف (بره)

وقد تم عزل جميع هؤلاء القضاة في مذبحة القضاء ... عدا أحدهم كان محل رضاء السلطة ومن العجيب أن عبد الناصر استخدم سلطته كحاكم عسكري وأشر بإلغاء الحكم ببراءة المستشار محمود عبد اللطيف ومن معه بالإلغاء وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى وأعيدت المحاكمة أمام دائرة أخرى برياسة المستشار عبد العزيز أبو خطوة وطلب المحامون ومنهم عبد العزيز الشوربجى تأجيل القضية ولكن رئيس المحكمة حكم بالبراءة فورا مما أذهل المحامين والجمهور وصاح عبد العزيز الشوربجى نقيب المحامين في قاعة الجلسة بأعلى صوته " مبروك .. ليس للمتهمين – مبروك لمصر وقضاة مصر وقضائها الشامخ العظيم الذين لا يعرفون الخوف – ولا يخشون في الحق لومة لائم " والعجيب أن المستشار عبد العزيز أبو خطوة رئيس الدائرة بعد صدور الحكم أسرع مغادرا المحكمة في تاكسي – وذهب إلى وزير العدل وقدم استقالة مكتوبة قائلا " بيدي لا بأيدكم .. فلن أمكنكم من إرهاب القضاة من جديد بعزلي " .. وترك القضاء شامخا موفور العزة والكرامة .

واستشاط عبد الناصر غضبا ، وطلب ملف القضية وقرأ الحكم بنفسه .. وفى عصبية شديدة طاغية حاقدة أشر على الحكم بخط يده بالعبارة التالية : " يبقى محمود عبد اللطيف في السجن حتى الموت "

ولم يقل عبد الناصر موت من ؟؟ ..

وبالفعل بقى المستشار محمود عبد اللطيف بالسجن حتى موت عبد الناصر في 28/9/1970 – وتم الإفراج عنه بعد ذلك تنفيذا لحكم القضاء السابق بالبراءة – وقد كان محمود عبد اللطيف صاحب فضل كبير على عبد الناصر في صغره وهذا مثل من أمثلة غدر عبد الناصر بأصحاب الفضل عليه أما السفير أمين سوكة فقد نفذ حكم البراءة بقضاء سنتين فقط في السجن . وذهب على صبري إلى ابعد من ذلك حينما قام بتجاوز الأعراف القضائية ، وعمل على تعيين ثمانية من شباب المحامين من التنظيم الطليعي في النيابة العامة ، واستصدر لهم قرارات جمهورية بذلك ، وعمل على إدراج وظائف لهم في الموازنة، وذلك دون التقيد بترتيب التخرج أو السمعة الشخصية وفاته أن أحدهم لم يكن من خريجي الحقوق أصلا ، وقد برر السادات هذا العمل بقوله أنهم " هم الذين سيتصدون بكل قوة لقوى الثورة المضادة وفلول الرجعية والإقطاع والأحزاب السابقة والإخوان ، ورأى القضاة دفعا لهذه الأقوال والأفعال أن يثيروا الأمر بمناسبة انعقاد جمعيتهم بيانا تحدث عن وجوب سيادة القانون ، ليأمن جميع المواطنين على حرياتهم وحرماتهم وعن وجوب استقلال السلطة القضائية والبعد بالقضاء عن كافة التنظيمات السياسية ، كما تحدث البيان عن النيابة العامة ، وأنها جزء لا يتجزأ من القضاء ، وانتهى البيان إلى تسجيل رأى القضاة في استنكار التوسع الصهيوني .. والإيمان بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وتأكيد مبدأ الشرعية وسيادة القانون باعتبارهما من عوامل صلابة الجبهة الداخلية.

وطبع رجال القضاء البيان ، ووزع بطريقة سرية على جميع النقابات والمفكرين والمثقفين ، بعد أن رفضت الصحف نشره ، ووزع على نطاق واسع حتى أن الإذاعات الأجنبية أذاعته وعلقت عليه ، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات ، فاعتبرت البيان تحديا لها ، وعلى الرغم من أن البيان رفع في نهايته ( من القضاة إلى رئيس الجمهورية ) اعتزازا منهم بتقديره لرسالتهم ولكن النظام اعتبر ما قام به القضاة إن هو إلا عمل سياسي أريد به المساس بالنظام.

وعلى الجانب الآخر كان معظم القضاة عند موقفهم متمسكين بموقف نادي القضاة من عدم الانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي حتى وصل الأمر إلى قمته بمناسبة إجراء انتخابات نادي القضاة في 21مارس 1969م، توافد رجال القضاء والنيابة على دار النادي لحضور هذه الانتخابات منذ الصباح الباكر لهذا اليوم بإقبال منقطع النظير حتى أن كل المراقبين يومها قالوا بأن القضاة وأعضاء النيابة يريدون إقرار البيان مرة ثانية وقد بلغ عدد الحاضرين يومها قرابة 1400 عضو وهو رقم لم يصل إليه الحضور في أية اجتماعات سابقة على ذلك التاريخ.

وكان وزير العدل محمد أبو نصير قد حشد لها كل ما يستطيع لإنجاح مجموعة أطلق عليه " مرشحو السلطة " وهم من أعضاء التنظيم الطليعي ، وكانت تضم 15 عضوا تقابلها قائمة أخرى بقيادة ممتاز نصار ، وعندما تم فرز الأصوات وأعلنت النتيجة النهائية وفازت قائمة ممتاز نصار بجميع المقاعد في المجلس وسقطت قائمة الرسميين في وزارة العدل والنيابة العامة سقوطا ذريعا وسقط بالتالي الأعضاء الستة الذين كان قد استقطبهم وزير العدل من أعضاء المجلس القديم والذين كانوا ضمن قائمة الرسميين ، ولم يكن من هؤلاء الـ 15 الذين نجحوا اسم واحد ينتمي إلى مرشحي السلطة والناجحون هم " المستشارون ممتاز نصار وشبل عبد المقصود وعبد الوهاب أبو سريع وعبد العليم الدهشان ومفتاح السعدي – رؤساء المحاكم والقضاة يحيى الرفاعى وجمال خفاجي وحسن غلاب وسليم عبد الله ومحمود بهي الدين عبد الله – أعضاء النيابة مقبل شاكر و[[كمال زعزوع وأحمد فؤاد عامر ومصطفى قرطام وحسن عابد.

وبدأ تحريك التنظيم الطليعي في الهيئات القضائية لمواجهة نادي القضاة وذلك للتحضير لما عرف باسم إعادة تشكيل الهيئات القضائية " مذبحة القضاة".

سبق ذلك عدة اجتماعات سرية ( للجنة القيادية للهيئات القضائية ) وقد عقدت هذه اللجنة في الفترة من 17 مارس 1969 م إلى 9 يوليو 1969 م عشر اجتماعات سرية.

فعمل النظام بعد ذلك على اتخاذ إجراء حاسما مهتديا في ذلك بما كان قد قررته الجماعة القيادية لرجال القضاء السابق ذكرها و قد شكلت لجنة من التنظيم الطليعي لهذا الغرض بتعليمات من الرئيس عبد الناصر، وكان يشرف عليها أنور السادات وبرئاسة على نور الدين النائب العام ، وعضوية كل من المستشار عمر الشريف وعلى كامل وكانت تجتمع بمكتب سامي شرف يوميا في الفترة السابقة على صدور قانون إعادة تشكيل الهيئات القضائية والتي استكمل أبو نصير كل تفاصيلها تدبيرا وإعدادا وإخراجا فصدر قرار بإقالته من الوزارة ، وكان الهدف من ذلك إخراج العملية في صورة بعيدة عن الشكوك التي كانت تحيط بأبي نصير.

ويذكر سيد مرعى أن بداية الأزمة نشأت عندما نوقشت في مجلس الوزراء تقارير فحواها أن بعض القضاة يوجهون انتقادات أساسية لنظام الحكم ولجمال عبد الناصر شخصيا داخل نادي القضاة . وطلب عبد الناصر من محمد أبو نصير وزير العدل أن يبحث ذلك وأن يوافى مجلس الوزراء في اجتماعه التالي بتقرير عن هذا الموضوع . وفى الاجتماع التالي تلا أبو نصير تقريرا أشار فيه إلى وجود نشاط معاد لنظام الحكم يجرى في نادي القضاة ، وأنه أخفق في التفاهم مع متزعمي هذا النشاط وانتهى تقريره بطلب فصلهم من القضاء بالإضافة إلى حل مجلس إدارة نادي القضاة وقد أيد شعراوي جمعة وزير الداخلية حينذاك المعلومات التي وردت في بيان وزير العدل محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه يهدد بعواقب جسيمة ، وزاعما أن أولئك القضاة يحاولن إشاعة التذمر في السلك القضائي كله ضد نظام الحكم وضد عبد الناصر وضد القوانين الاشتراكية . وعقب عبد الناصر بأنه لابد من إجراءات سريعة لنقل هؤلاء القضاة إلى وظائف أخرى خارج السلك القضائي .

ويقول سيد مرعى إنه كان واضحا أن عبد الناصر يصدق تماما بيانات أبو نصير وشعراوي جمعة . وأنه قرر فعلا اتخاذ إجراء ضد هؤلاء القضاة ويروى أيضا أن جمال عبد الناصر كلف محمد حسنين هيكل بالتعرف على وجهة نظره وقد عبر سيد مرعى عن رأيه بقوله أنا استمعت لوجهة نظر محمد أبو نصير أمس .. ولكنني أعرف أيضا وجهة النظر الأخرى ضده وأرى أنها أكثر إقناعا .. ومبدأ فصل القضاة الذي طرحه محمد أبو نصير أمس هو مبدأ خطير أرجو ألا يتم الانسياق إليه بتأثير البيانات الخاطئة التي قدمها وزير العدل وأيده فيها وزير الداخلية وقد أبلغ هيكل جمال عبد الناصر وجهة نظر سيد مرعى كاملة ولكن عبد الناصر أصر على تنفيذ المذبحة.

قوانين المذبحة :

وفى 31 أغسطس 1969م صدرت القرارات الجمهورية بالقوانين 81،82،83،84 لسنة 1969م، وهى لقوانين التي سميت بقوانين إصلاح القضاء وحاصلها حل الهيئة القضائية وإعادة تشكيلها بعد استبعاد 189 من رجال القضاء من بينهم جميع أعضاء مجلس إدارة النادي المنتخب في 21 مارس 1969م.

بتاريخ 31 أغسطس 1969 أصدرت الحكومة – ونشرت ونفذت – مجموعة من القرارات الجمهورية تحت شعار " الإصلاح القضائي " وقضى القرار الأول منها بإصدار القانون رقم 81 بإنشاء محكمة عليا بهدف حددته المذكرة الإيضاحية لهذا القرار وهو استقرار العلاقات القانونية وعدم وقوع تناقض بين الأحكام وتمكين القضاة من المشاركة لحمل أمانة حماية الثورة ومبادئ المجتمع في إطار من الشرعية باعتباره الميزان الذي يحقق العدل ويعطى لكل ذي حق حقه ويرد أي اعتداء على الحقوق والحريات.

وقضى القرار الثاني بإصدار القانون رقم 82 بإنشاء مجلس أعلى للهيئات القضائية يتولى الإشراف على هذه الهيئات والتنسيق فيما بينها وإبداء الرأي في المسائل المتعلقة بها ودراسة واقتراع التشريعات الخاصة بتطوير النظم القضائية واعتبر القرار هذه الهيئات هي النيابة الإدارية وإدارة قضايا الحكومة والقضاء والنيابة العامة والمحكمة العليا.

وقضى القرار الثالث بإصدار القانون 83 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وفيه أبحاث الحكومة لنفسها سلطة إصدار قرارات بإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم أو في وظائف أخرى للحكومة أو القطاع العام ، واعتبرت المادة الثالثة من هذا القرار من لا تشملهم قرارات إعادة التعين محالين إلى المعاش بحكم القانون وقضت بتسوية معاشاتهم أو مكافآتهم على أساس آخر مرتب وقالت المذكرة الإيضاحية في تبرير ذلك:

" اقتضى إنشاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية على نحو يكفل الإصلاح القضائي أن يحقق أهدافه نحو وحدة التطبيق القانون وتجانس أحكام القضاء ، وضمان حقوق الدولة والمواطنين في مرحبة التحول الاشتراكي التي تتطلب من القضاء أن يكون أداة دافعة لهذا التحول بما يمارسه من مبادئ وفق أحكام الميثاق والدستور".

وقضى القرار الرابع بإصدار القانون رقم 84 بشأن نادي القضاة وتشكيل مجلس إدارة بحكم الوظيفة من بين رجال القضاء الباقين وذلك كعقوبة على قيام النادي بإصدار البيان الذي أصدره في 28 مارس 1969 وأخذ بعض أفراد المجلس المعين بإيحاء من بعض رموز السلطة في البحث عن أية مخلفات مالية وإدارية يمكن محاسبة المجلس المنتخب عليها ولكن ذهبت جهودهم هباء ونصت ديباجة كل قرار بقانون من هذه القرارات – كما نصت بعض المذكرات الإيضاحية لها – على أن الحكومة إنما تصدره وفقا لأحكام قانون التفويض التشريعية رقم 15 لسنة 1967م.

وقضى القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة 1969 بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة في وظائفهم مغفلا تعيين مائة وسبعة وعشرين رجلا منهم كما قضى القرار الجمهوري رقم 1605 لسنة 1969 بتعيين ستة وثلاثين من هؤلاء المعزولين ،في وظائف حكومية معادلة لدرجات وظائفهم وبتاريخ 13/9/1969 أصدر وزير العدل قرارا وزاريا برقم 927 لسنة 1969 قضى بإنهاء خدمة الواحد وتسعين رجلا الذين لم يشملهم القراران الجمهوريان رقما 1603 و 1605 لسنة 1969 وبإحالتهم إلى المعاش اعتبارا من 31/8/1969 وذلك 0 على ما أفصحت عنه ديباجة هذا القرار الوزارة – " تنفيذا لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 ، التي قضت باعتبار من لم تشملهم قرارات إعادة التعيين محالين على المعاش بحكم القانون".

وحيث أنه بالرجوع إلى القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 يبين أنه صدر بناء على القانون رقم 15 لسنة 1967 الذي نص في المادة الأولى منه على أن " يفوض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون خلال الظروف الاستثنائية القائمة في جميع الموضوعات التي تصل بأمن الدولة وسلامتها وتعبئة كل إمكانيتها البشرية والمادية ودعم المجهود الحربي والاقتصاد الوطني وبصفة عامة في كل ما يراه ضروريا لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية ومؤدى هذا النص أن التفويض يقتصر على الموضوعات المحددة به والضرورية لمواجهة الظروف الاستثنائية التي كانت قائمة في ذلك الوقت وأعقبتها هزيمة يونيو سنة 1967 وصدر هذا التفويض بناء على ما هو مخول بمجلس الأمة بمقتضى المادة 120 من دستور 1964 الذي كان معمولا به ، وإذ كان القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارات إعادة التعيين في وظائفهم أو النقل إلى وظائف أخرى بحكم القانون قد صدر في موضوع يخرج من النطاق المحدد بقانون التفويض ويخالف مؤدى نصه ومقتضاه مما يجعله مجردا من قوة القانون ، وكان القرار وكذلك يمس حقوق القضاة وضمانتهم مما يتصل باستقلال القضاء وهو ما لا يجوز تنظيمه إلا بقانون صادر من السلطة التشريعية – ذلك أن النص في المادة 152 من الدستور المشار إليه على أن "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون " وفى المادة 156 على أن يبين القانون شروط تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم " يدل على أن عزل القضاة من وظائفهم هو أن الأمور التي لا يجوز تنظيمها بأداة تشريعية أدنى مرتبة من القانون 0 فإن القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 فيما تضمنه من اعتبار رجال القضاء الذين لا تشملهم قرارا ت التعيين أو النقل محالين إلى المعاش بحكم القانون يكون غير قائم على أساس من الشرعية ومشوبا بعيب جسيم يجعله عديم الأثر ( حكم محكمة النقض في 2/12/1972 في الطعن المرفوع من المستشار يحيى الرفاعى على قرارات العزل المشار إليها ) .

ومن الجدير بالذكر أن مجلس نقابة المحامين التزم موقف الصمت تجاه هذا التطوير السلبي في النظام القضائي بالرغم م أن مجلس النقابة برئاسة أحمد الخواجة عضو التنظيم الطليعي في الجيزة عقد أربعة اجتماعات في شهر سبتمبر 1969 أيام 12،13،18،29 سبتمبر 1969م.

وهكذا حدثت القارعة في يوم 31 أغسطس سنة 1969 وفصل من القضاة بغير الطريق التأديبي 129 قاضيا و58 من أعضاء الهيئات القضائية الأخرى وفى ذات اليوم مساء ومنذ الرابعة بعد الظهر انطلق عدد وفير من راكبي الموتوسيكلات إلى منازل هؤلاء القضاة يحملون إليهم ورقة مطبوعة بنموذج متماثل حوي الأخبار بصدر القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 والقرارات المنفذة له بإنهاء خدمة هؤلاء القضاة وكان التوقيع على هذا النموذج بختم وزير العدل الجديد مصطفى كامل إسماعيل الذي لم يكن قد حلف اليمين بعد .

وأيا كانت المبررات السياسية لقرارات فصل رجال القضاء، وهو ما تأكد في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض في 21/12/1972م . كما سلف البيان .

هذه مذبحة القضاء جرت في 1969 ، وكانت تجربتها الأولى ها ما جرى في مجلس الدولة في 1955 لم يذكر كثيرون ما حدث في 1955 عندما يتكلمون عن حدث 1969، وذلك لسببين يبدوا أن لي ، أحدهما أن مجلس الدولة مع أهمية رقابته القضائية على أعمال الحكومة فإن صغر حجمه النسبي وحداثة العهد به وقتها لم يكونا ليجعلاه ممثلا للقضاء بعامة ، سيما وأن القضاء المصري بهيئات محاكمة ونادي قضاته لم يحرك ساكن بالنسبة لهذه الضربة . والسبب الآخر أن إنجازات 23 يوليو فيما تلا ذلك من أعوام من النواحي السياسية الوطنية والاجتماعية غطت على لحادث وطواه النسيان المتعمد أما حادث 1969 فقد أصاب الجسم الرئيسي للقضاء وفروعه كما أنه جاء في ظل موجة انكسار سياسي فلم تفلح في تغطيته بقايا الشرعية السياسية المهتزة وقد كان هذا الإجراء من أشد ما عانت منه سمعة ثورة 23 يوليو ونظامها السياسي من بعد.

ومن العجيب أيضا أن نقابة المحامين في ذلك الوقت فشل بعض أعضائها في استصدار قرار رفض قيد هؤلاء الرجال من خيرة رجال القضاء .. بناء على توجيهات محددة من شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم في الاتحاد الاشتراكي في ذلك الوقت . إمعانا في التنكيل بهم وإغلاق كل أبواب العمل الشريف أمامهم – حتى أن بعضهم حصل على عقود عمل خارج الجمهورية ولكنهم منعوا من السفر بواسطة أجهزة وزارة الداخلية نذكر منهم على سبيل المثال المستشار يحيى الرفاعى ، الذي أنزلته الشرطة من الطائرة قبل قيامها وألغى سفره نكاية وظلما . والغريب أن بعض المقربين من السادات تكلم معه بشأن التصريح لهم بالسفر للعمل بالخارج – وكذلك التصريح للمستشار على محسن مصطفى رئيس مجلس الدولة ، والمستشار مدحت طاهر نور ولكن شعراوي جمعة رفض ذلك مرتين – مرة السادات نائب رئيس الجمهورية ومرة أخرى وهو رئيس جمهورية قبل ثورة التصحيح في 14 مايو ، وأخبر السادات بهذا التحدي ولم يحرك ساكن .

وهدد المستشار يحيى الرفاعى في غضب ( في حديث له مع النائب العام على نور الدين في ذلك الوقت ) بأنه سيضر إلى أن يعمل سائق لسيارته الخاصة تشهير بالمذبحة وآثارها ومنها التضييق على معيشته . وعمل كمال عبد العزيز في مكتبه الحالي للمحاماة بعد أن اشتراه من أحمد الحضري المحامى المتقاعد آنذاك وكذلك عمل المستشار على عبد الرحيم في مكتب محامى أرمني يسمى ألبير جريش الذى وافق وتعرض للمخاطر من السلطات .. ليعمل عنده هذا القاضي الفصول " وبعد أن رفض الجميع من المحامين أن يعمل عندهم أو معهم أي رجل من رجال القضاء المفصولين خوفا من السلطة الباغية أيام عبد الناصر كما رفضت نقابة المحامين قيدهم في أول الأمر .

وماذا كان يعمل هؤلاء وقد كان معاشهم الشهري في حدود خمسة وثلاثين جنيها مصريا ودارت الأيام وعاد رجال القضاء في عهد السادات للخدمة واحتسبت لهم أقدمياتهم واستقال كمال عبد العزيز وعلة عبد الرحيم من الحكومة وأصبحا الآن من ألمع وأكبر المحامين في مصر والعالم العربي .. وهذا من فضل الله عليهم وعلى زملائهم .. فقد أرادها عبد الناصر إذلالا وفقرا وأراد الله عز وجل لهم العز والكرامة وسعة الرزق وشموخ المهنة. وأصبح ممتاز نصار بعد ذلك عضوا لامعا في مجلس الشعب وزعيما للمعارضة الوفدية ومحاميا قديرا من ألمع المحامين وأشرفهم – وكانت له جولاته البرلمانية المتألقة في مجلس الشعب ، ومواقف تاريخية أثرت الحياة البرلمانية في كثير من القضايا القومية.

أما يحيى الرفاعى فقد وصل إلى منصب رئيس الدائرة المدنية الأولى بمحكمة النقض – ثم عمل بالمحاماة وكان محاميا وطنيا لامعا متألقا في قضايا الرأي متطوعا للدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية وتولى رئاسة نادي القضاة فحمل له رسالة سامية – حتى بويع بإجماع آراء أعضاء الجمعية العمومية رئيسا شرفيا لنادي القضاة مدى الحياة . وقد كانت حياته في القضاء والمحاماة نبراسا طيبا . ومثلا عظيما للجهاد والتضحية في سبيل قضايا الحرية والديمقراطية واستقلال القضاء – وكان شامخا في كل موقف مضحيا بوقته وماله وصحته في سبيل الوطن – جزاه الله عن الجميع خير الجزاء .

وهذا ما حدث بالضبط مع جميع رجال القضاء المعزولين الذين مثل عبد القادر حلمي وبكر شافع ومأمون الهضيبى وكمال عبد العزيز ، وعادل عيد وعلى عبد الرحيم وسليم عبد الله وجميل الزينى وحلمي قنديل وممتاز نصار وغيرهم من خيرة رجال القضاء في مصر علما وخلقا ووطنية .

وبعد التخلص من نادي القضاة وأغلب القضاة كان النظام ما زال مصرا على دخول القضاة الإتحاد الإشتاركي .

ففي الاجتماع الأول لللجنة العامة للمواطنين من أجل المعركة في 11/4/1970 تحدث المستشار محمد السيد الرفاعى عضو التنظيم الطليعي وعضو اللجنة قائلا : إنه يتحدث نيابة عن رجال القضاء والنيابة ليبلغ الرئيس رغبتهم الشديدة والملحة في الانضمام للاتحاد الاشتراكي لأنه ليس عملا سياسيا ولكنه عمل قومي .

فيجيب الرئيس عبد الناصر:" ما هو ده اللي أنا بدى أقوله .. إن ده عمل قومي مش عمل سياسي وهو القانون الجديد اتعمل في وقت عصام حسونة آخر قانون يمنع رجال القضاء من الشغل بالعمل السياسي بس باعتبار إن دى فقرة كانت بتتحط في كل القوانين وأنا في الحقيقة ما بقرأش القوانين .. حقيقة إحنا لم نتدخل في القضاء منذ سنة 1952 حتى الآن ، وكانت عندنا قاعدة إن إحنا إذا تدخلنا في القضاء وحاولنا نقول للقضاء احكم بكذا وده أرقيه وده أعملك أو أقرب ده أو أبعد ده أبقى فعلا هدمت عمل أساسي للبلد واستقر الرأي على أنه إذا كان فيه قضية سياسية بنعمل إحنا قضية سياسية ونعمل حتى إحنا أنفسنا فقضاة وبنحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم ولا نتدخل في القضاء ، وبدأ هذا الموضوع بمحكمة الشعب ، وكان أعضاء مجلس قيادة الثورة هم اللي بيحاكموا وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء .. ولكن الحقيقة أخيرا ظهر العكس إحنا ما تدخلناش ولكن أراد البعض أن يتدخلوا من القضاة سنة 1967 بعد الأزمة اللي إحنا فيها وكتبت مقالات وقيل كلام وانتم طبعا أدرى بهذا وكان يجب أن نتدخل لنبعد هذه العناصر وحتى كان يمكن أن تدخل بطريق ثاني برضه كان ممكن أن أجيب قضاة وأقربهم وأعمل مجموعة وأعمل حزب في وسط القضاة وأضرب دول بدول ودي عمليات كانت بتحصل أيام صبري أبو علم .. ,أنا ما بقولوش الاتحاد الاشتراكي حزب ، لأنه لا يمثل طبقة أو فئة أو مصلحة هو تحالف قوى الشعب كلها".

ثم يعقب بدوى حمودة فيقول " إن النص ورد في قانون السلطة القضائية انتقل إليه من القوانين التي وضعت أثناء قيام الأحزاب السياسية السابقة ، وعند تفسير هذا النص وأنا رئيس لمجلس الدولة كنت أول من انضم للاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي وما زالت حتى الآن ، وسأظل دائما ولآخر لحظة في حياتي عضوا في الاتحاد الاشتراكي لأني عرفت فيه أنه يمثل جميع فئات الشعب وليس حزبا بالمعنى أو الشكل الذى عرفناه وعهدناه في عهد ما قبل الثورة ، ولا يمكن أن نتحول عنه لأنه يمثل الشعب كله إلا إذا كنت أريد أن أتجرد من هذا الشعب ومن غير المعقول أن نجرد رجال القضاء من الشعب إلى ينتمون إليه.

فيجيب عبد الناصر :"هو على كل حال هذا الموضوع أو رأس الموضوع كان موضوع لمعركة وهمية كانت موجودة في نادي القضاة واستمرت من أول سنة 1968م لغاية منتصف 1969م وأنا كنت متتبع ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد كنت شايف العملية دى يعنى هو المؤلم فيها أنها جت في هذه الأوقات اللي إحنا كنا بنمر فيها والحقيقة اللي حصل بعد كده وهو رأس المعركة أنه كانت عملية مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع ولكن بنحل هذا الموضوع ".

وبعد عرض هذا المقتطفات يمكن أن نستخلص من أقوال الرئيس وما جاء بالجلسة السابقة ما يلي :

أولا: أن أمر التدخل في القضاء بمعنى أن يطلب من قاض أن يحكم على نحو معين أو أن تقرب السلطة بعض القضاة منها أو ترقيتهم دون البعض كان مطروحا منذ قيام الثورة وقبل تشكيل أول محكمة استثنائية سنة 1952م، وكان موضوع جدل وقلق من مجلس قيادة الثورة بدليل عبارة الرئيس " وأستقر الرأي ".

ثانيا: أن السلطة الحاكمة رأت حرصا على القضاء الطبيعي أن تنأى بالقضايا السياسية عنه إذ كان لها فيها رأى يستخلص ذلك من قول الرئيس " بتحكم زى ما إحنا عاوزين ونبعد القضاة عنهم .. وكان ده بيدى المعنى للناس بأن هذه القضية سياسية ولنا فيها رأى فنبعدها عن القضاء".

ثالثا: أن إصدار القضاة لمجلة تتضمن مقالات عن استقلال السلطة القضائية كان يعد في نظر النظام تدخلا في السياسة .

رابعا: أن الرئيس اعتبر رفض الأغلبية الساحقة للقضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي رغم أنه ليس حزبا في رأيه هو قمة التدخل في السياسة وأن وجود النادي هو الذى كان يمثل العقبة الرئيسية في تحقيق هذا الهدف ، وبعد أن عصف به فلم تعد مشكلة وسيتم ضم القضاء في أقرب وقت للاتحاد الاشتراكي .

خامسا: أن الرئيس لم يكن يجد في تشكيل محاكم خاصة تحكم كما يريد أو في تحصين القرارات الإدارية من رقابة القضاء أو في وضع قيود على حق التقاضي .. لم يكن يجد في شيء من ذلك عدوانا على القضاء أو تدخلا في شئونه.

سادسا: أن من القضاة من انضم إلى الاتحاد القومي منذ الخمسينات ثم إلى الاتحاد الاشتراكي في مطلع الستينات من كان عضوا بالتنظيم الطليعي ولجنة قيادية خاصة بالهيئات القضائية كما سبق الذكر ، وكان بعضهم مجندا للتجسس على الباقين وتقديم التقارير يوميا إلى مكتب الرئيس بحيث " يتتبع من خلالهم كل ما يحدث وكل كلمة بيقولها كل واحد وكنت شايف العملية"، وكانوا بالطبع أصحاب المراكز المؤثرة في شئون القضاء والقضاة ويتولون الترشيح للمناصب القيادية ويستطلع رأيهم في ذلك ، ولكن الرئيس لم يعتبر هذا تدخلا وأنهم لا يصدق عليهم قوله: " ده أقربه وأبعده وده أرقيه ".

والآن نتساءل هل كان سبب ما حدث في 31/8/1969م هو رفض القضاة الانضمام للاتحاد الاشتراكي كما يبدو من ظاهر أقوال عبد الناصر أم هناك أسباب أخرى لم يصرح لها.

سواء اعتبرنا الاتحاد الاشتراكي حزبا أو كما قال عبد الناصر أنه ليس بحزب فلم يخف عليه أن نصوص قانون السلطة القضائية تمنع القضاة من الانضمام إليه وما أسهل أن يعدل النصوص لتعطى الاتجاه الواجب الذى ينشده ، فلماذا لم يقدم على ذلك وهو يعلم يقينا أن هذه النصوص لم تمنع عدد من القضاة أن تنضم إلى الاتحاد الاشتراكي ومن قبله الاتحاد القومي بل إلى التنظيم الطليعي السري ولجان المواطنين من أجل المعركة.

لقد وصف عبد الناصر الاتحاد الاشتراكي في ذات الجلسة بأنه كيان مهلهل يتصف بالميوعة والترهل لا يمكن الاعتماد عليه, فلماذا حرص على أن ينضم القضاة إليه؟ وإذا كان ظاهر قول الرئيس أر رفض القضاة للانضمام للاتحاد الاشتراكي هو أهم أسباب ما حدث فما معنى ما ورد في نفس الحديث أن هذه المعركة كانت مفتعلة لأهداف غير رأس الموضوع من الذى افتعل هذه المعركة وما هي الأهداف التي تتوارى تحت رأس الموضوع والتي لم يكشف عنها الرئيس .

عموما وأيا كان الأمر فقد ظل القضاة على موقفهم الرافض لدخول الاتحاد الاشتراكي ، ولكن ظلت مجموعة " القيادة الجماعية لرجال القضاء " داخل التنظيم الطليعي تمارس عملها واجتماعاتها ، وبرئاسة المستشار على نور الدين النائب العام حتى أبريل 1970م.

وبعد أحداث مايو 1971م وانتصار الرئيس على خصومه تمت مطاردة قيادات أعضاء التنظيم الطليعي إعلاميا وأمنيا ، وتم تقديم أبرز رموز العصر السابق إلى المحاكمة ، وأقيمت دعوى تأديبية على رجال القضاء المنضمين إلى هذا التنظيم.

وفى تحقيقات الجناية رقم 351 لسنة 71 أمن دولة عليا قد ثبت في أقوال الوزيرين شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين التنظيم في الإتحاد الإشتاركي والوزير سامي شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر بأن الإدارة هي التي أنشأت وأدارت التنظيم السري في القضاء . وكان يرأس مجموعة رياسة الجمهورية في البداية المستشار عبد الحميد الجندي ويكتب تقاريره وتجسسه بغزارة على زملائه رجال القضاء ويرفعها دوريا إلى سامي شرف ويتقاضى عن ذلك مرتبات شهرية من المصاريف السرية بخزينة عبد الناصر.

كما أن قرارات العزل تمت بتحضير وتدبير لجنة ثلاثية من المستشار على نور الدين والمستشار على كامل والمستشار عمر الشريف وأن هذه اللجنة باشرت أعمالها سرا بالرئاسة طوال الأيام الخمسة السابقة على صدور هذه القرارات واستند فيها على تلك التقارير وما بني عليها من تقارير المباحث العامة والمخابرات العامة. وأثناء تحقيق تلك الجناية تم ضبط ثمانية ملفات تحوى مجموعة هائلة من تقارير بعض هؤلاء الجواسيس وأعلن رئيس الجمهورية- أنور السادات – استنكاره لهذا النوع من التجسس وأصدر أمره على الفور بإحالة كل ما شارك فيه من رجال القضاء إلى المجلس الأعلى للهيئات القضائية فأصدر هذا المجلس قراره باتخاذ الإجراءات لمحاكمتهم تأديبيا ورفعت الوزارة الدعوتين التأديبيتين رقمي – 76 لسنة 1971 وبعد ذلك قدم المستشار عبد الحميد الجندي للمحاكمة وكانت عريضة الدعوى التأديبية رقم 6 لسنة 1971 ذكر بها الآتي:

ثبت من ألأوراق والتحقيقات التي أجريت مع المستشار المذكور أنه في خلال الفترة من 25/9/1965 حتى 32/5/1971 ارتكب الأمور الآتية :

أولا : استغل صلته الشخصية بسامي شرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر وأحد المتهمين في الجناية رقم 351 لسنة 1971 أمن دولة عليا والتي بدأت منذ عام 1958 وتوثقت بانضمامه عضوا في خلية رئيسية في تنظيم سرى بتاريخ 24/7/1965 فبدأ في تحرير تقارير دورية وسرية ثم ألح في تكوين تنظيمات سرية من بعض رجال الهيئات القضائية ورشح لها بعض أعوانه المخلصين وقد تم ذلك بتشكيل ثلاث تنظيمات وهى كالآتي :

1- القيادة الجماعية لرجال القضاء .

2- لجنة الطليعة الاشتراكية الناصرية لرجال القضاء .

3- مجموعات الأصدقاء.

ثم مارس نشاطه في هذه التنظيمات في اجتماعات سرية اتخذت فيها بعض القرارات بقصد الإضرار برجال الهيئة القضائية . وتعمد التعريض ببعض الوزراء وبعض رجال القضاء بما أسنده إليهم ظلما من أمور تمس ذمتهم وأعراضهم واستولى على بعض الأوراق من ملفاتهم السرية وسلمها إلى سامي شرف وتصوريها وإعادتها وكذلك مرافقة بعض رجال القضاء وكتابة تقارير سرية عنهم بواسطة أعضاء التنظيم.

وانتهت المحاكمة باستقالة المتهم المستشار على الحميد الجندي أثناء تلاوة الحكم بإدانته . وهكذا تحقق الاتهام لعبد الناصر بأنه( سفح دم العدالة في مذبحة القضاء).

وفى الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة 1971 حكم مجلس التأديب بعزل المستشار محمد الصادق مهدي رئيس محكمة استئناف بني سويف لما ثبت من أنه " سلك سلوكا نأى به عن التقاليد وأحط من هيبة القضاء وكرامته بأن اشترك في تشكيل جماعة في الخفاء عملت على تشويه صورة القضاء ورجاله بهدف إقصاء بعضهم عن مناصبهم وعن غير الطريق الذى رسمه قانون السلطة القضائية فبحث شئونهم وتسقطت أخبارهم وسطرتها في محاضر اجتماعات اتخذت فيها قرارات رفعتها إلى جهات غير تلك التي نصر عليها قانون السلطة القضائية ، ومست ذلك الضمانات التي كفلها الدستور والقانون لرجال القضاء، وكل ذلك يفقده الصلاحية لولاية القضاء ......"

وأضاف المجلس أنه " لا يفوته أن ينوه بأسفه إذ يرى بعض رجال القضاء يسيرون وراء مراكز القوى مع ما في ذلك من هدم لاستقلال القضاء الذى كفله الدستور ليظل على الدوام ملاذا للأفراد وحصانة للحريات، وأن المجلس يحدوه الأمل في ألا يفلت من الجزاء كل من يثبت اشتراكه في مثل هذه الأعمال من رجال الهيئات القضائية".

فقد جاء حكم مجلس تأديب القضاء المنصوص عليه في المادة 108 من قانون السلطة القضائية الصادر بجلسة 19 يناير 1972 في الدعوى التأديبية رقم 7 لسنة 1971 المقامة على المستشارين محمد الصادق مهدي رئيس محكمة استئناف بني سويف ومحمد أحمد لطفي المستشار بمحكمة استئناف بني سويف وزهير أحمد دمرداش المستشار بمحكمة استئناف بني سويف بعزل الأول وتوجيه اللوم إلى الثاني وببراءة الثالث.

وكان المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد قرر بتاريخ 20/12/1971م أن الانضمام للتنظيم السري لا يتفق وكرامة القضاء ومن ثم تخطى في الترقية كل من انضم لهذا لتنظيم وحلف اليمين التي تبينت من التحقيقات لما تضمنته هذه اليمين من عهد يدخل في معنى التجسس والفتنة " . وناط بالوزارة أن تفحص حالة كل من انضم لهذه التنظيم أو أبلغ أو قدم التقارير والمعلومات المشار إليها فحصا موضوعيا توطئة لاتخاذ الإجراءات التأديبية نحو من يثبت ضده ارتكاب هذه الأفعال " كما قرر المجلس بعد ذلك عدم إسناد الوظائف القيادية لأي منهم ،لكن توصيات المجلس لم تنفذ فأسدل على هذه الأفعال.

وعلى الجانب الآخر وفى 19 أكتوبر سنة 1971م صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 85 لسنة 1971م بجوار إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ونص في المادة ألأولى منه على أنه يجوز بقرار من سيادته بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخلال ستة شهور من تاريخ العمل بهذا القانون إعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 1969- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية- الذين اعتبروا محالين إلى المعاش أو عينوا في وظائف بالحكومة أو بالقطاع العام تطبيقا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 1969- بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية – في وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية ما لم يكونوا بلغوا سن التقاعد في تاريخ العمل بهذا القانون وقضى في مادته الثانية بأن تسحب المدة من تاريخ انطباق القانون رقم 83 لسنة 1969 المشار إليه حتى تاريخ الإعادة مدة خدمة في الهيئات القضائية كما تحسب في تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق علاوة المعاش بافتراض عدم تركهم الخدمة ويحدد قرار الإعادة الوظيفية والأقدمية فيه. وبمقتضى ما سبق تم إعادة مستشارين بمحكمة الاستئناف ومن في درجتهم و8 من رؤساء المحاكم ورؤساء النيابة العامة و22 من إدارة قضايا الحكومة و9 النيابة الإدارية.

وبذلك لم يشمل إعادة تعيين 46 بين مستشار بمحكمة النقض والاستئناف ورؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء النيابة و10 من أعضاء مجلس الدولة و18 من إدارة قضايا الحكومة و11 من أعضاء النيابة الإدارية ومما يذكر أن المستشار عبد الوهاب أبو سريع كان من ضمن رجال القضاء الذى أعاد السادات تعيينهم أولا .. ولكنه أرسل خطابا تاريخيا إلى وزير العدل بتاريخ 19/12/1971 يرفض فيه تنفيذ القرار الجمهوري بإعادة تعيينه ما دامت إعادة التعيين قد اقتصرت على عدد محدود من القضاة . وهو موقف نبيل من مستشار شامخ المقام في مواجهة تكريس عزل البعض وبقاء السابقة تلوث مبدأ عدم جواز عزل القضاة بهذا الطريق.

وفى ذلك الموقف كان ما زال الطعن المقدم من القاضي يحيى الرفاعى( الطلب رقم 21 لسنة 39 قضائية "رجال قضاء") منظور أمام محكمة النقض برئاسة المستشار حافظ هريدى ، والتي حكمت في 21/12/1972م بإلغاء القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969م والقرار الجمهوري رقم 603 لسنة 1969م، وقرار وزير العدل رقم 927 لسنة 1969م فيما تضمنه من إحالة الطالب إلى المعاش واعتبارها عديمة الأثر.

وبعد أن حكمت محكمة النقض بإعادة القاضي يحيى الرفاعى إلى الخدمة وذهب لتنفيذ الحكم أمر وزير العدل في ذلك الوقت وهو محمد سلامة بناء على طلب السادات بعدم تسليمه صورة الحكم فذهب المستشار يحيى الرفاعى إلأى المستشار جمال المرصفاوى رئيس محكمة النقض حتى استطاع بعد عناء أن يأخذ صورة الحكم العرفية وذهب بها إلى وزير العدل وقال له إنه ذاهب إلى الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية باكر لإعطائهم صورة الحكم التي معي لأتسلم عملي – ومن الأكرم أن تحضر بنفسك لترأس الجمعية وتعلن عودتي باسم السادات وقرب عودة جميع رجال القضاء الذين شملتهم المذبحة. وذهب المستشار يحيى الرفاعى إلى جريدة الأخبار وطلب من موسى صبري أن يكتب بالصفحة الأولى: أن الرئيس السادات وافق على عودة جميع رجال القضاء المفصولين كما أوفد المستشار يحيى الرفاعى المستشار فتحي نجيب إلى جريدة الجمهورية وكان والده مدير التحرير بها وطلب أن يكتب في الصفحة الأولى في جريدة الجمهورية هذا الخبر . وكذلك ذهب المستشار كمال المتينى للأهرام لتحقيق الغرض ذاته وكان يشغل وظيفة رئيس نيابة حتى أنه دخل في حوار مع الرقيب وبعض الصحفيين وأراهم الطبعة ألأولى من الجمهورية فنشر الخبر في الأهرام في الصفحة الأولى. ولم يكن هذا الخبر صحيحا.

وبتاريخ 28/12/1972م اجتمعت الجمعية العمومية بحضور وزير العدل وقررت تسليم المستشار يحيى الرفاعى عمله واضطر السادات إلى إصدار القرار الجمهوري بإعادة الباقين بعد ذلك، فصدر القانون رقم 43 لسنة 1973 قاضيا بأن كافة ( المفصولين الذين اعتبروا محالين إلى المعاش ، أو نقلوا إلى وظائف أخرى بالحكومة ، أو القطاع العام تطبيقا لأحكام القرار رقم 83 لسنة 1969م، ولم يعادوا إلى وظائفهم السابقة تطبيقا لأحكام القانون رقم 85 لسنة 1971م، وتنفيذا لأحكام قضائية) يعادون إلى وظائفهم السابقة في الهيئات القضائية.

عموما يمكن القول أن "مذبحة القضاء" التي جرت في 1969 زادت من تقويض الشرعية السياسية لنظام الحكم ، وضربت معول هدم في بنيان كان المصريون قد نجحوا فعلا على مدار ما يشارف القرن في بنائه على دعائم وطيدة. ولكن الساسة الذين حكموا مصر بعد الرئيس جمال عبد الناصر منذ 1970م لم يكونوا أحرص على استقلال القضاء ولا على حيدته، كما سلف البيان عاد القضاة المفصولون بعد تباطؤ وتلكؤ، عاد البعض دون الآخرين بقانون صدر ، ثم مورست ضغوط تحرك الرأي العام ورفعت الدعاوى وحكمت محكمة النقض للمستبعدين ، فصدر قانون آخر بإعادة الجميع، كما صدر قانون السلطة القضائية برقم 46 لسنة 1972م وقانون مجلس الدولة برقم 47 لسنة 1972، وأبقيا على هيمنة وزارة العدل على الهيئات القضائية وأبقيا على دور وزارة العدل في أوجه إشراف فعالة ومؤثرة على القضاة والمحاكم ، بالمخالفة الصارخة لمبدأ استقلال القضاء والقضاة المنصوص عليه في كافة الدساتير المصرية والمقارنة مما كان له أثره في ضياع ضمانات هذا الاستقلال كما سيجيء البيان.

كان ما فعله الرئيس أنور السادات في السبعينات من إعادة وإلغاء قوانين منع التقاضي والإفراج عن المعتقلين السياسيين ورد أموال من خضعوا للحراسة وغير ذلك، كلن كل ذلك فيما يبدو نوعا من اتباع نصيحة أبى جعفر حين قال لابنه ما معناه " لقد كنت استصفيت أموالا للناس ، وجعلت في خزانتي ثبتا بما استصفيت ، فإذا توليت الخلافة فأعد للناس حبوسهم ، حتى يبدو أنهم في عهد جديد" وأن أي حاكم يلجأ في بداية حكمه إلى هذا الأسلوب ليبدو للناس أنهم في عهد جديد وإذا استقرانا قوانيننا نلحظ أن أكثرها استقامة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم هو ما صدر منها في بدايات عهود الحكام.

ومن جهة أخرى، وبالنظر السياسي والتاريخي العام ، وفى مجال المقارنة بين العمل السياسي قبل 1970 وبعدها، نلحظ أن الرئيس عبد الناصر كان كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته يقفز إلى الأمام متحديا، وإن الذى بعده كلما ضيقت عليه الخناق وحاصرته قفز إلى الخلف متراجعا. وكانت سياسات ما قبل 1970 تميل إلى المواجه والدخول في المعارك المفتوحة والجهر بالفعل الممارس ، وكانت تميل مع الخصوم إلى الضرب – عزلا أو اعتقالا0 الخ ، لا إلى الإفساد ، وإلى تجميع السلطات جهارا على خلاف سياسات ما بعد 1970 التي ترسم مؤسسات صورية وتجمع السلطة مع الالتفاف على المعاني وإفراغ ألفاظها من محتواها الحقيقي.

ويبدو أن أسلوب المواجهة والمكافحة الصريحة، يجعل الأفراد يتجمعون ويجعل الجماعة أكثر تماسكا ويجعلها أقدر على الصمود والمقاومة، حتى لو كانت المواجهة قهرا وعدوانا ، بينما أن أسلوب الإفساد والغواية يفرق الجماعات ويجعل المعارك فردية ويجعل ميدانها لا خارج النفس ولكن في داخل الجوانح والجوارح ، وهو يحيل المعارك العامة ذاتية نفسية ، ويحيل الجهير إلى خفي، أي يجعل صراع الإنسان لا مع شيء خارج جوارحه ولكنه يكون مع جوارحه نفسها.

لذلك وبالنظر إلأى نظام الدولة كله وعلاقات مؤسساتها بعضها ببعض ، فإن الفارق المهم بين نظام حكم 23 يوليه والنظام الذى تلاه بعد 1970م، هو فارق لا في طبيعة السلطة في اتخاذ القرار ن ولا في شخصية القيادة أي اندماج الوظيفة القيادية في شخص القائم بها ، ولكن الفارق يكمن في ضمان أحادية السلطة واندماجها رغم الشكل التعددى الذى تظهر به ، وضمان استبقاء فردية القرار رغم المظهر التعددى الذى يتخذه ، وضمان أن تصدر الإدارة الجماعية لأي مجلس أو هيئة معبرة عن المشيئة الفردية للجالس في صدر المجلس أو المتوسد رئاسة الهيئة ، وضمان هذا الالتحاد الوثيق بين الشخص ووظيفته بحيث إنه لم يعد يميز الصالح الذاتي له عن الصالح الموضوعي الذى يتعين أن يبتغيه العمل المؤدى.

فمثلا كان نظام جمال عبد الناصر لا يقر شرعية وجود أحزاب متعددة ، هكذا صراحة ولكن النظام الذى تلاه يقر التعددية الحزبية ويعترف بها نظاما قانونيا مشروعا، ولكنه توسل إلى إفراغ الأحزاب الموجودة من فاعليتها السياسية بقدر الإمكان، وصارت البضعة عشر حزبا القائمة علنا ، مجرد لافتا على مقار دون فاعلية، وبعضها ملحق بالدولة ضيق عليه الخناق ، وحرم من الوجود الشرعي. والنظام في حقيقته هو نظام حزب واحد من الناحية الفعلية.

ومثلا ، كان المجلس القائم على السلطة التشريعية، في عهد عبد الناصر يوجد أحيانا ولا يوجد أحيانا أخرى، افتقد وجوده تسع سنوات من ثماني عشرة سنة ، وعندما وجد لم يلحظ له أثر في رسم السياسات أو إقرارها ، مقارنا ذلك بما يصدر عن رئاسة الجمهورية . أما في العهد الذى بعده، فقد وجد المجلس على لدوام على مدى ثلاثين سنة تلت، ولكن كانت عشرة سنة منها من عام 1984 إلى عام 2000 حكمت المحكمة الدستورية ببطلان تشكيل مجالس الشعب الأربعة التي شكلت خلالها، ولم تطق المحكمة في أي منها معارضة لا تزيد على بضعة عشر أو بضعة وعشرين عضوا مما يجاوز أربعمائة من الأعضاء ، ولا طاقت الحكومة أن تصل المعارضة في عام 1987 إلى نحو 22% من الأعضاء وقرارات المجلس دائما معدة من قيادة الدولة التنفيذية ، والحزب ذو الثبات والدوام فيه لثلاثين سنة هو حزب الحكومة بأغلبية لم تقل عن 90% إلا مرة واحدة قلت إلى 78% وتصنع في انتخاباته ما صار مجال طعون انتخابية تصل إلى المئات في كل مرة ولا يطيق من أحكام القضاء وقراراته بشأنه إلا حالات فردية رآها حزب الحكومة محققة لصالح رجاله- كما حدث مع نائب الإخوان جمال حشمت في أحد دوائر البحيرة.

فالمطلوب دائما هو كيفية الإبقاء على الهياكل والمباني مع الاستيعاب للوظائف والمعنى ، وكيفية الإبقاء على الأشكال مع تفريغ المحتوى ، وكان لهذه الأساليب ولما استخدم فيها من أدوات مساس بالسلوك الفردي والجماعي، مما أصاب التكوين الؤسسى بأنواع من الوهن وفقدان المناعة، والاعتياد على مجافاة القول للفعل وتآكل المعاني وتسمية الأمور بغير أسمائها وإطلاق الأسماء على غير مسمياتها.