عدوان الأمس والغد / محمود صالح عودة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عدوان الأمس والغد


بقلم:محمود صالح عودة

المتابع للتصريحات الإسرائيلية الأخيرة حول قطاع غزة يلاحظ تشابهًا بينها وبين التي سبقت العدوان نهاية عام 2008، الذي وقع في مثل هذه الأيام قبل عامين.

إذ لا يخلو يومًا إلا ونسمع فيه تهديدات بنبرات مختلفة من المسؤولين الإسرائيليين بشنّ عدوان جديد وواسع النطاق على قطاع غزة المحاصر، مع غارات إسرائيلية شبه يومية على القطاع لا يزول صوت انفجاراتها إلا بوقوع شهداء وجرحى جدد، قليلاً ما نسمع استنكارات مقتلهم وإصابتهم من قبل "الأمم المتحدة"، أو حتى سلطة عبّاس-فيّاض في المقاطعة.

توقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة بداية عام 2009 بسبب صمود أهلها أمام هذا العدوان ومقاومتهم حتى اللحظة الأخيرة له وعدم استسلامهم، وكانت نتيجته استشهاد 1500 إنسان ثلثهم من الأطفال، وجرح ما يقارب 5000، وتدمير البيوت والمساجد والمستشفيات ووكالات الغوث، باستخدام أسلحة مصنّفة ضمن أسلحة الدمار الشامل.

إنما التهديدات الإسرائيلية لم تتوقّف منذ ذلك الحين وذلك لسببين أساسيين؛ أولهما الحرب النفسية التي تهدف إلى ترهيب الغزّيين وحثّهم على رفض استمرار دعم المقاومة كونها ستكلّفهم ثمنًا باهظًا، وثانيهما تقاعس سلطة رام الله - مع جامعة الدول العربية كظهير لها - أمام تفعيل القرارات الدولية ضد إسرائيل، وتخاذلها بما يخصّ تقرير "غولدستون" الذي أحرج إسرائيل رغم افتقاره لسمات العدل المطلوبة ووضعه المعتدي والمعتدى عليه في خندق واحد.

فلقد تم تأجيل بحث تقرير غولدستون بطلب من السلطة الفلسطينية، إذ ادّعى حينها ممثّل السلطة في الأمم المتحدة رياض منصور بأن التأجيل كان من أجل الحصول على إجماع أكبر خلال الدورة المقبلة (عام 2010)، وهو ما نفاه بشدّة المتحدث باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان هيثم مناع، الذي أكد بدوره بأن 35 من أصل 47 بلدًا كانوا مستعدين للتصويت إيجابيًا على تبني تقرير غولدستون، كما أكّد منّاع وقتها بأن تصرّف السلطة الفلسطينية وجّه ضربة في الصميم للتقرير، مستبعدًا إعادة تفعيله بعد 6 شهور نظرًا لعدم إمكانية حشد المؤسسات الحقوقية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني مرة أخرى لتخدم القرار، وهو ما حدث بالفعل لاحقًا، فبعد أن قام المعنيون بوضع التقرير تحت الطاولة، قبروه هناك.

لم يقتصر تخاذل سلطة المقاطعة على تقرير غولدستون فحسب، فقد اعترف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي في أيار عام 2009 بوجود تعاون وثيق بين الجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عبّاس خلال الحرب على غزة، ذلك من خلال رسالة أوصلها لوزير القضاء والمستشار القضائي ووزير الخارجية الإسرائيليين، ذكر فيها: "إن السلطة الفلسطينية شاركت بالحرب على حماس، وشاركت بالقتال المشترك ضد العدو المشترك خلال عملية الرصاص المصبوب". وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام الإسرائيلية أول تصريح لرئيس أركان الجيش يؤكد فيه التعاون "كتفًا إلى كتف" بين الجيش الإسرائيلي وسلطة رام الله خلال الحرب.

كما ذكر أشكينازي أن التعاون كان أمنيًا بالدرجة الأولى وميدانيًا بالدرجة الثانية. وذكرت وثائق أخرى نشرها الإعلام الإسرائيلي آنذاك أن مسؤولين في سلطة رام الله طالبوا إسرائيل "بشدّة" إسقاط الحكومة في غزة، وهو ما أثار استغراب الإسرائيليين لاحقًا إزاء "نفاق" السلطة بعد أن كانت الأخيرة على استعداد لدعم التحقيقات الدولية بشأن الحرب، قبل تراجعها لاحقًا.

لذا بات مكشوفًا أن كل التصريحات الصادرة عن مسؤولي السلطة وتوسّلهم بالإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لـ"الضغط على إسرائيل" هي فارغة المضمون، فالغربي لن يفعل شيئًا ما دام الفلسطيني لم يفعل شيئًا، بل يشارك المعتدين في جرائمهم بحق شعبه.

لو وقعت الحرب على غزّة من جديد، ستكون سلطة المقاطعة المتهم الثاني بعد إسرائيل مباشرةً، وسيتّجه الغضب نحوها أكثر من أي جهة أخرى، فتعاون قيادتها وأتباعها مع الصهاينة ومشاركتهم بجرائمهم تعدّت كل الحدود، ولأن "الأقربون أولى بالمعروف".