في ذكرى النكبة 5 يونيو عام 67 هل استوعبت الأمة الدرس؟‍!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
في ذكرى النكبة 5 يونيو عام 67 هل استوعبت الأمة الدرس؟‍!
رسالة من الاستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

رسائل.gif

في ذكرى النكبة 5 يونيو عام 67 هل استوعبت الأمة الدرس؟‍!

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمسلمين، سيدنا محمد، المبعوثِ رحمةً للعالمين، وبعد‍..

فتمر بنا هذه الأيام ذكرى حدث النكبة الكبرى، نكبة 5 يونيو عام 1967م؛ حيث أصيبت الأمة في مقتل، وذلك بهزيمتها على يد الكيان الصهيوني، والذي لا شكَّ فيه أن خبرَ الهزيمة وقع على الشباب والرجال والنساء كالصاعقة، إذ لم يكن يتصور أحد- ولو في الخيال- أن تحدُث هذه الكارثة بهذا الشكل المأساوي المَهين..!!

لقد كانت هزيمةً قاسيةً بكل المقاييس، ومأساةً داميةً بكل المعايير، تمخَّض عنها احتلال أرض العروبة و الإسلام (سيناء و فلسطين والجولان)، وراح ضحيتَها عشراتُ الألوف من الأرواح، ومع كل ذلك الإحساسُ بالذِّلَّة والهوان، والشعورُ بالخيبة والعجز والفشل والعار.. لقد عاش الناس (قبل هزيمة 5 يونيو) في وهم كاذب، وسراب خادع طيلةَ خمسة عشر عامًا ظنوا فيها- من خلال الإعلام الزائف وأبواق الكذب، التي كانت تُطلُّ عليهم بالليل والنهار- أنهم ملكوا الدنيا بأسرها، وأنهم قادرون في غمضة عين على القضاء على الدولة التي صنَعَها الصهاينة على أرض فلسطين ، وأن المسألةَ لا تعدو أن تكون نزهةً خلويةً في ليلة صيف، وحين وقع المحظور أصيب أكثر الناس بالذهول والحيرة والضياع، وعدم الفهم لما جرى، وكيف ولماذا جرى؟! ومرت على الأمة أيامٌ عجافٌ وليالٍ نَحِسَاتٌ، وأدركت الشعوب- ولكن بعد فوات الأوان- أنها دفعت ثمن الطغيان والاستبداد والجرائم التي ارتُكِبت في حقها على يدِ حكامها من ناحية، وعن خذلانها وصمتها وسكوتها عن هذه الجرائم من ناحية أخرى.

مقدمات النكبة

إن هناك مؤشرات ومقدمات أدت إلى نكبة 5 يونيو عام 1967م، وتكاد تكون هي هي نفس المقدمات التي تسبق النكبات عادة.. فالطغيان، والديكتاتورية، والاستبداد، وحكم الفرد، وضياع الحريات، وامتهان كرامة الإنسان.. أصل كل فساد وسبَبُ كلِّ تخلُّف ووراء كل مصيبة وكارثةٌ تحل بالأوطان، وكل هذه المعاني أو بعضها يَزرع في الشعوب الخوفَ والنِّفاق، ويؤدي إلى ظهور حمَلة المباخر وسدَنة المعابد- وما أكثرهم- الذين يأكلون على كل الموائد ويتلوَّنون بكل ألوان الطيف.. هذه الطُّغم الفاسدة تنجح عادة في الالتفاف حول الحكَّام الطغاة، كما يلتفُّ السوار بالمعصم، وتقوم بعزلهم تمامًا عما يجري وعما يجب في حق الشعوب، بل إنها تحاول إخافتهم، وإيغار صدورهم عليها، وإيهامهم بأنها تتآمر عليهم، وتستعد لقلب أنظمتهم بالقوة، وهو ما يستدعي وأْد الحريات ومزيدًا من الاستبداد، وضرورة إحاطة الحكَّام بألوف من الجند المدرَّبين على عمليات القمع والبطش، وتوجيه الضربات الإجهاضية لكل من تُسوِّل له نفسه أن يجهر برأيٍ أو يعترض على قرار.

وتلعب هذه الفئات السيئة دورًا في تأليه الحكام الطغاة، من خلال إضفاء صفات الزعامة والعبقرية والإلهام عليها، فتزداد طغيانًا على طغيان، فالرأي رأيُها، والقانون قانونها، والدولة دولتها (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر:29)، كما تسعى أيضًا- بما أتيح تحت أيديها من أدوات وأجهزة ووسائل- إلى تخويف الشعوب وإثارة الفزع والهلع في نفوسها، وذلك عن طريق البطش بالأفراد والهيئات وقيادات الجماعات، وتلفيق التُّهَم لهم ظلمًا وعدوانًا، وإلقائهم في غياهب السجون والمعتقلات، وإهدار آدميتهم، والاعتداء على كرامتهم سنين طويلة.

ولا يفكر الحكام الطغاة إلا في المحافظة على سلطانهم، والاستمرار في حكم الشعوب أبد الدهر- إن استطاعوا- حتى ولو أدى ذلك إلى استباحة الأعراض والأنفس والأموال، ولا يفيقون عادةً من غيِّهم وضلالهم إلا بعد وقوع البلاد في قبضة الاحتلال، ويلعب صمت الشعوب الدور الأكبر في إذكاء الديكتاتورية لدى الحكَّام الطغاة؛ ولذا لا ينبغي أن تُعفَى من اللوم فهي الجاني مثلما هي المجني عليها؛ وذلك لتفريطها في حقِّ نفسها، وتهاونها في الدفاع عن حريتها وكرامتها وعزَّتها، وقد قيل: "كما تكونون يولَّ عليكم".

وقوع الكارثة

لقد أدت الديكتاتورية، والاستبداد، وسحق كرامة المواطنين، وتغييب الأحرار في السجون والمعتقلات، والخوف من الصدع بكلمة الحق في وجه الطغيان.. إلى ضياع الأخلاق، وفساد الذمم، وخراب الضمائر، وفتح الباب على مصراعيه أمام الشيوعية، وهو ما انعكس على التخلُّف والتقهقر في شتَّى الميادين العلمية والتقنية والعسكرية والاقتصادية والزراعية.. إلخ، وكان تخلفًا حضاريًّا بالمفهوم الشامل لهذه الكلمة، وبهذه المقدمات كانت مصر مهيأةً كفريسة سهلة أمام عدوان 5 يونيو 1967م، إذ خلال ستِّ ساعات فقط ضُرِبت مدارجُ المطارات والطائرات وهي رابضةٌ في مواقعها، وعاد الجيش المسكين- الذي لم يحارب معركة- منسحبًا من سيناءٍٍ التي تم احتلالها عن آخرها، وأصبحت أجواء مصر مكشوفةً تمامًا أمام مقاتلات العدو الصهيوني حتى الجولان، تلك الهضبة ذات التضاريس الصعبة تم الاستيلاء عليها في دقائق، وانهار كل شيءٍ، وانكشف المستور، وفاحت رائحة الخيانة، خيانة شعب بأسره، شعب اعتُدي على شرفه وعزَّته وسيادته، وأفاقت مصر على هول الكارثة.. لقد كنا في الواقع نعيش هزيمةً قبل الهزيمة، هزيمةً للقيم والحرية، والإرادة، والإنسان.. الإنسان الذي اعتُدي على كرامته وامتُهِنَت آدميته.

ولم تكن هذه نكبةً على مصر وحدها، وإنما كانت نكبةً كبرى على مستوى العالم العربي والإسلامي، فقد تأخَّرت مصر حضاريًّا عشرات السنين، وفقدت بذلك دورها المنتظر في القيادة والريادة، وأصبح معظم الدول العربية كالأيتام على موائد اللئام، وانتشرت جراثيم الوهن في العالم العربي.. الأمر الذي أضعف حيوية الأمة العربية وقدرتها على النهوض والتوحُّد والدفاع عن نفسها ووجودها وحقوقها.

كان من الممكن أن تكون مصر هي القاطرة التي تشد العالم العربي والإسلامي نحو الرقيِّ والتقدم، وكان من الممكن أن تكون مصر هي الركيزة الأساسية في تكتُّلٍ عربي واحد من النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية والحضارية، وكان من الممكن إنقاذ فلسطين من الكوارث التي ألمَّت بها، وكان من الممكن ألا تكون هناك حروب في الخليج، أو إقامة قواعد عسكرية أجنبية بها، أو استيلاء على ثروات الأمة، وكان من الممكن ألا يكون هناك احتلال للعراق، وكان وكان.. لكن هكذا كانت نتيجة الطغيان والاستبداد، وكانت حرب الاستنزاف.. ثم الاستعداد والإعداد الفذُّ لحرب العاشر من رمضان عام 1973م، والتي بدأت تباشيرها برفع راية العِلم والإيمان، وإعطاء الشعب حقه في الحرية والإحساس بالأمن والأمان، وأُعيد للجيش المصري انضباطُه، وشعوره بالثقة، والقدرة على تحقيق النصر، واستعادة الأرض والكرامة.

واليوم..

واليوم يعيش العالم العربي والإسلامي- بشكل عام- تراجعًا حادًّا على المستوى العلمي والتقني والاقتصادي والعسكري والحضاري، كما أنه يعاني من تردٍّ واضح في الحريات العامة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وغياب الديمقراطية، وتزييف إرادة الشعوب، وفي ظل التحديات الخطيرة التي تواجهها أمتنا لم يعُد مقبولاً ولا معقولاً أن تُعامَل الشعوب على أنها قاصرةٌ لم تبلغْ سنَّ الرشد بعدُ، وأن الديمقراطية يمكن أن تفسدها إذا حصلت عليها جرعةً واحدةً.

إن الديكتاتورية والاستبداد وحكم الفرد سوف يقودنا لا محالةَ إلى ما لا تُحمد عقباه، واقرأوا التاريخ وخذوا منه الدرس والعبرة، إن الإدارة الأمريكية- تحت زعم التبشير بالديمقراطية وحماية حقوق الإنسان- تريد أن تتدخل في شئوننا، وتفرض الوصاية علينا، وهو أمرٌ جدُّ خطير لابد أن نستيقظَ قبل فوات الأوان، وأن تحدث هناك مُصالحةٌ حقيقية وجادَّة مع الشعوب، فهي الوحيدة القادرة على مواجهة التحديات، والوقوف بصلابة في وجه من يريد تركيعنا، والنيل من سيادتنا.. نريد أن نبدأ بالإصلاح السياسي؛ فهو المدخل الحقيقي لكافة أنواع الإصلاح، ويوم أن تشعر الشعوب بهذه الرغبة الصادقة فسوف تعطي ثقتها ونصرتها وولاءَها لحكامِها، وسوف تقف معهم صفًّا واحدًا، وسندًا قويًّا في مواجهة أعداء الأمة، وعلى الشعوب من ناحية أخرى ألا تتراخى أو تتوانى في المطالبة بحقوقها السياسية والدستورية، وأن تُصِرَّ- وبالوسائل السلمية- على استرداد مكانتها ومشاركتها في صنع الحياة وتقرير المصير.. إن الشعوب الحيَّةَ هي القادرة على إحداث النهضة المنشودة والتقدم المطلوب، وهي القادرة أيضًا على التصدِّي لكل قوى البطش والعدوان.

المقاومة

وبرغم ما تعانيه الأمة من تخلُّف على كافة الأصعدة إلا أن هناك بشائر نصر تلوح في الأفق، ف المقاومة ضد المحتل الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين ، وكذلك ضد قوات الاحتلال في العراق تقوم بدورها كحق مشروع فرضه الإسلام وكفلته كافة الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، ولا شكَّ أن هذه المقاومة تمثِّل خط الدفاع عن كرامة الأمة وشرفها، ومن ثمَّ لابدَّ من دعمها بكافة أنواع الدعم والمساندة، والوقوف إلى جوارها وتأييدها، وما نراه الآن من غلَيَان وغضَب واحتجاج على مستوى الشارع العربي والإسلامي يدل على حيوية الأمة، وأنها لن تستكين، ولن تلين أمام الغاصبين.. (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40).

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

القاهرة

في: 15 من ربيع الآخر 1425هـ

3 من يونـــيو 2004م