كمال الدين السنانيري".. الداعية المجاهد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كمال الدين السنانيري".. الداعية المجاهد
(1336- 1402هـ = 1918– 1981م)


توطئة

لا يخلو عصر من العصور من قائم لله بحجة يدعو الناس إلى الحق، ويجلو لهم معالمه، ويأخذ بأيديهم إلى جادة الطريق، وينير لهم سبله، ويكشف لهم زيف الباطل، ويفند لهم مزاعمه، يتقدم الصفوف غير هياب ولا وجل، يستشعر أمانة المسئولية، وأنه على ثغرة من ثغور الإسلام، فلا يتركها إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة، يقف أمام الأعاصير العاتية صلبًا لا يلين، ثابتًا لا يهتز، لا ترهبه سطوة سلطان، ولا يغريه منصب أو مال، تمضي به الحياة وهو موصول الصلة بالله، يجد الأنس في اللجوء إليه والعزة في طاعته.

مثل هؤلاء نماذج قليلة تمر بالناس كالطيف الجميل، تُذكِّرهم بما كان عليه السلف الصالح من الثبات واليقين، كما أن ما تقصُّه علينا كتب التاريخ من أخلاقهم وأفعالهم..، إنما هي حقائق ثابتة لا أقاصيص متوهمة أو حكايات مخترعة.. وكان "السنانيري" واحدًا من هؤلاء، بقية من السلف الصالح، وترجمة حية لما نقرؤه عن النماذج البشرية الرفيعة التي حفل بها تاريخنا.

الشخصية في سطور

محمد كمال الدين السنانيري

- ولد في القاهرة سنة (1336هـ = 1918م).

- نشأ في أسرة ميسورة الحال، وتلقى تعليمه في المدارس المدنية.

- حصل على الثانوية العامة، ولم يكمل تعليمه العالي.

- التحق بجماعة الإخوان المسلمين، وصار من كبار رجالها.

- تعرض للاعتقال بعد حادث المنشية سنة 1954م.

- ظل في المعتقل عشرين عامًا حتى أفرج عنه في سنة1974م.

- تزوج في أثناء سجنه من "أمينة قطب" أخت الشهيد "سيد قطب".

- استأنف نشاطه الدعوي بعد خروجه من المعتقل، وكان له دور بارز في ميدان الجهاد بأفغانستان.

- تعرض للاعتقال بعد قراراتسبتمبر الشهيرة التي أصدرها الرئيس "السادات" سنة1981م.

- وفي السجن عُذّب شديدًا، حتى تُوفي من هول ما لقي من التعذيب في سنة1981م.

المولد والنشأة

ولد "محمد كمال الدين بن محمد علي السنانيري" في القاهرة في (28 من جمادى الأولى 1336هـ = 11 من مارس 1918م)، ونشأ في أسرة ميسورة الحال، وتلقى تعليمه في المدارس المدنية، وحصل منها على الشهادتين الابتدائية والثانوية، ولم يستكمل تعليمه العالي في الجامعة، وفضَّل العمل في الحكومة، فالتحق بوزارة الصحة عقب حصوله على الشهادة الثانويةسنة(1353هـ=1934م).

وبعد أربع سنوات من العمل الحكومي قدم استقالته من وظيفته، وأعد نفسه للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الصيدلة في إحدى جامعاتها للعمل بعد رجوعه في الصيدلية التي يملكها أبوه، غير أن أحد علماء الدِّين أقنعه بعدم السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فاستجاب له "السنانيري"، وعدل عن السفر بعد أن أعدَّ عدته، وهيَّأ نفسه لمغادرة البلاد.

التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين

في هذه الفترة كانت دعوة جماعة الإخوان المسلمين تلقى نجاحًا بين الناس، ويُقبل عليها كثير منهم، وامتد نشاطها إلى أماكن كثيرة في البلاد، وكان لطريقتها في الدعوة وتمسكها بالإسلام دينًا ودُنْيا، خُلقًا وسُلوكًا، علمًا وعملاً، حركة ونشاطًا، أبلغ الأثر في تعاطف الناس معها، وانضمام كثيرين إلى صفوفها، وكذلك لم يكن غريبًا أن يجد "السنانيري" ضالته في جماعة الإخوان المسلمين، فانضمَّ إليها سنة (1360 هـ= 1941م)، وعَمِل معها بكل طاقته؛ ولذلك تقدم الصفوف، وأُوكل إليه القيام بعدد من المهام الدعوية والتنظيمية, ولم تشغله أعماله الدعوية ومسئولياته عن متابعة أسرته، فقد توفي أبوه تاركًا ثلاثةً من الأشقاء وثلاثًا من الشقيقات، فقام على أسرته خير قيام؛ يسعى لها، ويحرث في حقول الدعوة وميادينها، ويغرس الغراس التي ستؤتي أكلها بعد ذلك.

مأساة سنة 1954م

اصطدمت حركة الجيش بجماعة الإخوان سنة (1374هـ= 1954م) بعد أن فشلت- أي حركة الجيش- في احتوائها أو اختراقها، ورغبتها في حكم البلاد حكمًا منفردًا، دون اعتبار بشرع أو دين أو احترام لقانون أو دستور؛ لذلك قامت بحل جماعة الإخوان، واعتقال كثير من أبنائها، غير أن ما حدث أدى إلى موجة عارمة من السخط الشعبي على رجال حركة الجيش، وقامت مظاهرةٌ عارمةٌ أشرفت عليها جماعة الإخوان المسلمين، واتجهت إلى قصر عابدين، وكان يقود هذه المظاهرة "عبد القادر عودة"، وكان "السنانيري" واحدًا ممن يشرفون على تنظيم المظاهرة العارمة، التي أجبرت الحكومة على الإفراج عن المعتقلين، غير أن ما حدث جعل رجال الجيش يعيدون الكرة للإطاحة بجماعة الإخوان، ودبَّروا حادث المنشية المعروف؛ للتنكيل بجماعة الإخوان ورجالها، واعتُقِل "السنانيري" مع من اعتقل في سنة (1374هـ= 1954م)، وقُدِّم لمحاكمة صورية حكَمت عليه بالسجن، فأمضى في السجن عشرين عامًا، حتى خرج سنة (1394هـ= 1974م).

حياته في السجن

وفي أثناء محاكمته تعرَّض- مثل غيره من الإخوان- لتعذيب وحشيٍّ فاق كل خيال، حتى إن والدته لم تتعرف عليه في أثناء حضورها الجلسة الأولى للمحاكمة؛ لشدة ما وقع عليه من عذاب، فقد نحل جسمه، وكسر فكه؛ حتى تغيرت طريقة كلامه، وبلغ من شدة تعذيبه أن شقيق زوجته الأولى- وكان معتقلاً معه- أصيب بالذهول من هول المآسي التي نزلت على "السنانيري"، ولم تتحمل أعصابه المرهفة آثار العذاب الوحشية البادية على الجسد الواهن، ففقد عقله، ونُقل إلى مستشفى الأمراض العصبيَّة، وظل في السجن لا يلبس إلا الثياب الخشنة، ورفض ارتداء الثياب الداخلية التي كان لكل سجين حق شرائها من مقصف السجن، وعاش سجنه متجردًا من كل ما يعتبره ضابط السجن منحة توهب للسجين ترغيبًا أو يحرم منها ترهيبًا، آثر أن يتجرد من كل ما يمكن أن يحرم منه؛ ليملك من نفسه ما يعجز الآخر أن يملكه منه.

وهذا السلوك يجلي نفس "السنانيري" التي ملكها، وجعلها طوع بنانه، وأخلى قلبه من التطلع إلى الدنيا بعد أن ملأه زهدًا وصلاحًا؛ يصوم النهار، ويقوم الليل، ويأخذ نفسه بالشدة؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن يرفض ما يطلبه منه ضباط السجن من تأييد نظام "عبد الناصر"؛ طلبًا للسلامة، وطريقًا للخروج من جحيم السجن. وفي فترة سجنه طلق زوجته الأولى بعد أن ضغط رجال المباحث على أهلها لتطلب الطلاق، وكان قد خيَّرها من قبل بين البقاء زوجة له أو الطلاق، ولكنها آثرت أن تظل زوجة له، لكن أهلها أجبَروها على الطلاق منه.. ثم مُنَّ عليه وهو في السجن بأن عقد قرانه على "أمينة قطب" أخت الشهيد "سيد قطب"، وبنى بها بعد خروجه من السجن، ولم يرزق منها بأطفال.

نشاطه بعد الإفراج عنه

وبعد خروجه من السجن عاود نشاطه الدعوي، ولم يركن إلى الدعة والراحة بعد المعاناة الطويلة التي تحمَّلها في صبر وثبات، فالدعاة والمصلحون لا يتخلَّون عن رسالتهم مهما عانوا من تبعاتها، وكان من أبرز نشاطاته دوره في ميدان الجهاد في أفغانستان، التي تعرضت للغزو الروسي، ووقعت في قبضته، وقد بذل "السنانيري" وقته وجهده في دعم المجاهدين الأفغان، ورأب الصدع بينهم، وإصلاح ذات البين بين قادته الذين أحبوه جميعًا، وعرفوا قدر إخلاصه وحرصه على وحدتهم، ودانوا له بالطاعة والاحترام، فلا يكادون يخالفون له أمرًا في أثناء وجوده معهم.

اعتقاله واغتياله في المعتقل

وبعد عودته من أفغانستان تعرض للاعتقال مع غيره من أبناء الحركة الإسلامية وقادة العمل الوطني في مصر، وكان الرئيس "السادات" قد أصدر- في (ذي القعدة 1401هـ= سبتمبر1981 م)- قرارات التحفظ الشهيرة على معارضي سياسته، وألقى بهم في المعتقلات، بعد أن اشتدت المعارضة لاتفاقيات الصلح مع العدو الصهيوني، وتعرّض "السنانيري" في أثناء اعتقاله لتعذيب رهيب؛ أملاً في معرفة معلومات عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ووقعت عليه أهوال من العذاب بعد أن تجاوز الستين من عمره، ولم يتحمل جسده هذه الأهوال التي تفنن زبانية التعذيب في إلحاقها به.. ولم يكن لمن في سِنِّه أن يتحمل هذه الأهوال، ففاضت روحه الطاهرة في (10 من المحرم 1402هـ= 8 من نوفمبر 1981م)، ولم يكتف هؤلاء الجلادون بقتله، بل حاولوا اغتياله معنويًّا، فأشاعوا أنه قد انتحر بأن ربط عنقه بفوطة، ثم ربطها بكوع الحوض الموجود بالزنزانة، وصار يجذب نفسه حتى مات، وفي الصباح اكتشف السجَّان الجثة، وجاء الطبيب الشرعي، وعاينها وأثبت سبب الوفاة.

لم يصدق أحد هذه القصة الملفقة، التي لا يمكن أن يقبلها عقل طفل صغير… فتاريخ السجون المصرية في عهد الثورة مليء بمثل هذه المآسي، وخبرة رجالها في اغتيال المعتقلين العُزَّل أمر يعرفه الناس جميعًا، وتلفيق التهم الكاذبة عن ادعاء هروبهم بعد القيام بقتلهم معروف بين الكافة، ولا يمكن لمن صمد عشرين عامًا ثابت النفس، راسخ الإيمان أن يجزع لاعتقاله فترة قليلة من الزمن، فيُقدِم على مثل هذا العمل.

مراثي زوجته

عرف الأدب العربي مراثي الأزواج لزوجاتهم، وهي تفيض ألمًا وحزنًا على فراق أحبتهم، ومن الشعراء من خصص ديوانًا كاملاً لرثاء زوجاتهم، مثل: "عزيز أباظة"، و"عبد الرحمن صدقي"، و"محمد رجب البيومي".. غير أن رثاء الزوجات لأزواجهن نادر في الشعر العربي، وقد رثت "السنانيري" زوجته "أمينة قطب" في أكثر من قصيدة، وكان لها في ذكرى استشهاده من كل عام قصيدة حزينة مؤثرة، ولو جمعت هذه القصائد في ديوان لكان حدثًا كبيرًا في دنيا الشعر العربي المعاصر.

ومن تلك القصائد- وهي أول ما رثت به زوجها الشهيد- قولها:

ما عدت أنتظر الرجوع ولا مواعيد المساء

ما عدت أحفل بالقطار يعود موفور الرجاء

ما عاد كلب الحي يزعجني بصوت أو عواء

وأخاف أن يلقاك مهتاجًا يزمجر في غباء

ما عدت أنتظر المجيء أو الحديث ولا اللقاء

ما عدت أرقب وقع خطوك مقبلاً بعد انتهاء

وأضيء نور السلم المشتاق يسعد بارتقاء

ما عدت أهرع حين تقبل باسمًا رغم العناء

مصادر الشخصية

محمد الصايم- شهداء الدعوة الإسلامية في القرن العشرين- دار الفضيلة- القاهرة (1992م).

عبد الله العقيل- من أعلام الحركة والدعوة الإسلامية المعاصرة- مكتبة المنار الإسلامية- الكويت (1422هـ= 2001م).

محمد خيري رمضان– تتمة الأعلام للزركلي- دار ابن حزم- بيروت (1418هـ= 1998م).

أحمد رائف- سراديب الشيطان، صفحات من تاريخ الإخوان المسلمين- الزهراء للإعلام العربي- القاهرة (1410هـ= 1990م).

المصدر