كيف ننتفع برمضان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٢:٠٣، ١٤ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كيف ننتفع برمضان

بقلم : علاء محمد عبدالنبى

رمضان والقرأن.jpg

ها هو رمضان أتى علينا بروحانياته الطيبة فكيف ننتفع به؟سؤال أجاب علية فضيلةالامام البنا عليه رحمة الله في جريدة الإخوان المسلمين العدد35السنة الثانية27رمضان1353هجرية الموافق3يناير1935 فماذا قال"

ما أعذبها ساعة تلك التي يخلوا فيها الإنسان إلى نفسه بعد متاعب اليوم وعناء العمل، وأحلاها فتره حين يتخلص المرء من جلبة الحياة وضوضائها، ثم يسمو بروحه في هذه الخلوة إلى فضاء من الاخليه اللذيذة والخواطر العذبة.

ألا إن رمضان في شهور العام هو تلك الساعة الحلوة في ساعات اليوم فهو سهر خلوة نفسيه يتجرد فيها الإنسان معظم وقته عن مطالب المادة ولوازم الشهوات وتسبح نفسه في عالم كله جمال وروعه وانس وبهحه.

وان الفواصل في كل شيء أمر لابد منه لتجديد النشاط وتوليد القوه وإعادة السرور واللذة، تلك سنه الله التي جبل الله عليها نواميس الخليقة جميعا، أفلست ترى الليل فاصله بين النهارين والنهار فاصلة بين الليلين؟

وتصور كيف تكون الحال إذا فقدت هذه الفواصل والست تشعر بالنوم فاصله بين اليقظتين واليقظة فاصلة بين النوميين، وما بالك إذا استبدت بك اليقظة أو دام النوم عليك سرمدا ؟

وأحلى ما تكون هذه الفواصل عذوبة إذا كان ما قبلها من ا لأعمال فيه شدة وفيه عنف وأحب ما تكون هذه الفواصل إلى النفس إذا طالت عليها مدة المزاولة وغابت عنها الفترة الفاصلة.

وبعد، فشهر رمضان هو فاصله العام يدرك النفس الانسانيه وقد غرقت في المادة إلى أذقانها وزاولت عملا شاقا في مكافحة ما يحيط بها من ظروف الحياة ومطالبها حتى إذا ما جاء رمضان سما بها إلى عالمها وجردها من كل ما يحيط بها وطاف بها في عالم طالما استروحت إليه وحنت إلى رياضه ومعانيه ولهذا كان رمضان شهرا فاصلا ممتازا له فضله وقدسيته وآثره وميزته.

كان رمضان في الجاهلية فاضلا ممتازا جعلته العرب لتعبدها وخلوتها وتجنسها وعزلتها يتخلص فيه المتألهون من قبائلهم فيعبدون الله أيامه وللياليه، حتى إذا انتهت أوقاته المباركة طافوا بالبيت ورجعوا إلى ما كانوا فيه من مزاولة إعمال ومخالطة أقوام وتلك هي السبيل التي سلكها المصطفى ص حين أراد الله تبارك وتعالى آن يشرف الدنيا برسالته وان يبعثه رحمة للعالمين.


من أحداث رمضان

وكانت أول الآيات نزولا إلى الأرض في شهر رمضان (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) البقرة 185 وأنت جد عليم بان القران الكريم هو صقال النفوس وطب القلوب ودواء الأرواح، ولأمر كان رسول الله ص يدارس جبريل القران في رمضان.

وكانت غزوة بدر – هي الغزوة التي أيد الله فيها نبيه واظهر دينه في أول عهد المسلمين بالدعوة العملين – في رمضان كذلك (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وكانت غزوة الفتح في رمضان كذلك وبها نبع انتشار الدعوة في الجزيرة العربية بين مداه وانتهت الموقع بين الايمانوالشرك باستيلاء الإيمانعلى قلب الجزيرة وذروة سنام مدنها وفخر أبنائها ومعقل عزتها وقدسيتها " مكة المكرمة " مستقر بيت الله العتيق (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (2) 3وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً) وفى رمضان ليلة القدرالتي خير من ألف شهر والتي تعمر فيهاالاكوان بالملائكة المقربين وتشرف بالروح الأمين.


الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان

ورمضان شهر معمور النهار بالصيام ومعمور الليل بالقيام، وهو إذا كان شهر الخلوة، فقد ميزه الله باستحباب الاعتكاف في المساجد، والابتعاد عن ضوضاء الاختلاط، وجلبة التقلب في شئون الدنيا استكمالا لخلوة الروح، وحرصا على العبادة من فيوضات الحق في هذا الشهر على القلوب الصادقة التوجه إليه، القوية الصلة به.

ولقد علم السلف الصالحون ذلك من لدن رسول الله ينتهز فرصة هذا الشهر، فيعمره بعدة صنوف من صنوف البر: يحسن صوم نهاره، وتلك فريضة الله التي فرضها على عباده.. ويفيض جودا وندى بالصدقات، وهو صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان.. ويعمر ليله بالقيام تهجدا ونافلة، فإذا صلى بالقوم تجوز في صلاته حتى إذا انصرف إلى رحله أطال ثم أطال يقطع الليل تسبيحا وقرانا.. ويدارس جبريل عليه السلام كتاب الله بما إن رمضان شهر القران وبما إن أولى ما ينصرف إليه هذا النشاط الروحي والذكاء النفسي الذي يشع على الفؤاد من أنوار الصيام والقيام، ففهم كتابه، وتدبر آياته ومعانيه ويعتكف العشر الأواخر، يشمر ويوقظ أهله ويشد المئزر.

كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك اخذ بسنته أصحابه الاكرمون –رضوان الله عليهم وتبعهم على ذلك صالحوا الامه بإحسان، فكان منهم من إذا اقبل رمضان ودع أصحابه إلى العيد، ثم انصرف بكليتيه وجزئيتيه إلى الطاعة، وفر بجسمه وروحه وقلبه إلى الله .


رمضان عند بعض المعاصرين

ثم خلف لهم بعد ذلك خلاف أضاعت الصلاة واتبعت الشهوات، وأضاعت حكمة الفرصة، ونسيت أسرار الطاعات، وهدرت كرامة الشهر الفاضل، وتجاهلت قدسية الفريضة المحكمة فكان منها قوم استحكمت على قلوبهم الغفلة وران عليها ما كانوا يكسبون، فأفطرت والناس صيام وجاهرت ويؤسفك ويؤسفنى ويؤسف كل مسلم إن تفشو هذه الفاشية السوء بين سرا للامه وكبارها، حتى كادت تحق فيهم الايه الكريمة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)

هذا فلان باشا يتناول غداءه في " كلوب " –لا أدرى ما اسمه – في نهار رمضان وهذا فلان بك يحتسى الخمر في بار أعوذ بالله أن اذكره وهذا الوجيه فلان يأكل الأكلات الثلاث، ولا يستحى من البواب والسفرجى والخادم، وكلهم والحمد لله صيام .

ولست أنسى ذلك السفرجى الصالح الذي جاءني ذات يوم يلتاع أسى وحزنا، وينتفض غيرة وألما ويستشفى في شأنه مع مخدومة العظيم الذي يلزمه إن يقدم له الطعام صباحا وظهرا نهار رمضان

هذا السفرجى يخاف الله –تبارك وتعالى – ويخشى سطوته ويتحرج من مساعدته مقطر على إفطاره، وان كان ذلك بحكم عمله في مورد رزقه، وهذا السيد العظيم في عرف الناس، وفى طبقات المجتمع يحارب الله –تبارك وتعالى – ويجاهر بعصيانه، ويستخف بشعور كل أولئك الذين يخشون الله ويخافونه.

أيها الرجل الغافل، خير لك إن تعود إلى الطاعة، وان تمتثل أمر الله، فان أبيت إلا ما أنت فيه من عصيان، فاعلم إن الله غنى عنك وعن صومك وعبادتك، وسوف يحاسبك حسابا عسيرا، فكن أنت كيف شئت، ولكن لا تستعجل غضب الله عليك باستخفافك بشعور هؤلاء المستضعفين الصالحين من عباد الله، واحذر إن تصيبك دعوة احدهم، " فرب أشعث اغبر ذي طمرين لو اقسم على الله لأبره ".

وكان منها قوم آخرون صاموا كما يصوم الناس، وقد يقومون، ولكنهم ابعد ما يكون عن إدراك حكمة الصوم والانتفاع بفضيلة الشهر، فهم إما نائمون وإما عاصون بكلمه نابية أو غيبه قاسيه أو نظرة جانيه أو جافيه، وفى ليلهم متقلبون بين مجالس اللهو والعيس، بل المعصية والرفث وفي طعامهم جشعون نهمون يجمعون الأصناف ويملئون البطون، ورمضان عندهم شهرا لمأكل الطيبة، والمشارب السائغة، والملاهي والسهرات، والتقلب بين أصناف المسليات .

ولقد كان عهدنا في ما مضى بليالي رمضان أنها ساعات معمورة بالقران الكريم، مأهولة بالعبادة مشغولة بالأوراد، أفضل التسلية فيها زيارة إخوان ومجلس قرأن، وتكاثر فيها الآثام، وتصبح أوقاتها مشغولة بالمنكرات بعد إن كانت مأهولة بالطاعات .

أيها المسلمون، هكذا يكون الانتفاع بشهر رمضان الذي أوشك أن يزيلكم إلي حيث لا تعلمون من سيستقبله بعد ذلك، ومن سيلحقه في طيات الزمن، ولا بد مما ليس منه بد، فاغتنموا أوقات رمضان في تجديد أنفسكم وتطهير أرواحكم، والإقبال على ما يرضي عنكم ربكم، ويضاعف لكم حسناتكم .

والله ولي توفيقكم إلى ما يحبه ويرضاه.