محكمــة عجيبـة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

فهرس الكتاب

كانت المحكمة التى عقدت برئاسة جمال سالم وعضوية حسين الشافعى وأنور السادات أعجوبة الأعاجيب فى دنيا المحاكم لم تكن محاكمة لأن الأحكام كانت مقررة ومعروفة قبل صدورها . ولم تكن مناقشات واستيضاحات ولكن مساخر وإهانات فقد طلب من الأخ يوسف طلعت رحمه الله أن يقرأ الفاتحة بالمقلوب . بربك هل سمعت بمثل هذه ا لمساخر المضحكية المبكية . وكان أى متهم ينكر ما ذكر على لسانه لأنه صدر تحت إكراه التعذيب يرفع المرحوم جمال سالم الجلسة ويحيل المتهم الى رجال السجن الحربى ليروا رأيهم فيه فيعودون به بعد قليل عادلا عن إنكاره معترفا بما جاء فى أوراق التحقيق . ذلك لأن المتهم المسكين ظن أنه أمام محكمة حقيقية وأنه ليس امام محكمة هزلية مأساوية فإذا به والمحكمة نفسها تعيده الى الزبانية الذين يعودون به معترفا بكل ما لم تجترمه يداه . وكان جمال سالم يسأل عن بض الآيات فى سورة " العمران " وهو يقصد " آل عمران " ظنا منه بأن " آل " هنا أداة تعريف !.

هؤلاء هم الذين كانوا يحكمون علينا لا يحاكموننا . وقد نالنى أثناء المحاكمة شىء من سخريات السيد جمال سالم إذ طلبت طلبا من المحكمة فقال لى " نعم يا سى عمر " وخشيت أن يتمادى فى مداعباته الظريفة الخفيفة على سبيل تسمية الأشياء بضدها كما تقول للأحمر يا أصفر أو للأسود يا أبيض فأسرعت بالتنازل عن الطلب وكفى الله المتهمين الطلبات . كل هؤلاء كانوا يظنون أن الله غافل عنهم ولكنه يمهل ولا يهمل .

ولو علمتكيف مات جمال سالم وأخوه صلاح سالم وحمزة البسيونى وعبد اللطيف رشدى وسلومة وآخرون لأيقنت تماما أن الظلم مرتعه وخيم ولن يفلت ظالم من بين قبضات القدر مهما ظن أن حصونه مانعته من الله .

لقد أقر فضيلة المرشد " حسن الهضيبى " هذا الإنقلاب أو التغيير لأن الاخوة الذين كانو على صلة بجمال عبد الناصركانوا يتصلون بعلم فضيلته وإشاراته وتوجيهه والدليل على ذلك أن جمال عبد الناصر لما طلب من فضيلته ترشيح عدد من الإخوان ليدخلوا الوزارة رشح الشهيد عبد القادر عودة فقالوا إنهم لا ينسجمون معه فرشح لهم الأستاذ منير دلة فقالوا إنه لم يصل بعد الى درجةمستشار فرشح لهم المرحوم الأستاذ العشماوى فقالوا إنه صغير السن فترك لهمحرية الاختيار فاختاروا الأستاذ الباقورى فقبل دون أن يستأذن المرشد أو مكتب الارشاد . وبعدان استنفذوا غرضهم من تعيينه قالوا فيه ما قالوا مما علمه العام والخاص فى مصر وغير مصر ورغم ذلك ظل يمدح عبد الناصر حتى سماه فى إحدى مقالاته " بمانح الخير ومجريه " .وهو يعلم بحكم دراسته الأزهرية ـ على الأقل ـ من الذى يمنح الخير ويجريه . أهو الخالق أم المخلوق ؟ ! ولكن ما ذا أقول ولا تزال لى معه بعض الذكريات . غفر الله لنا وله .

وبدأ عبد الناصر بحل الأحزاب بعد أن طلب تطهير صفوفها وللأسف الشديد أن الأحزاب ابتلعت الطعم ففصلت بعض أعضائها وكان تصرفا أحمق لأنها أثبتت أن صفوفها تستلزم التطهير وظن الاخوان أن هذا بدء لتطبيق الشريعة ففرحوا لذلك ولكن فضيلة الأستاذ الهضيبى بحكم فراسته ونظرته الثاقبة وبصيرته المجلوة قال للإخوان : لآ تفرحوا فإن الدور آت إليكم قريبا أو بعيدا وحدث ما توقع تماما . وكانت مهارة من جمال عبد الناصر إذ ألغى الاحزاب وأوقف الإخوان موقف الحيرة بهذاالتصرف وهو موقف لم تنسهالأحزاب للإخوان . فلما خلا الجو من الاحزاب وانفرد عبد الناصر بالاخوان فلم يجدوا من بأس لما حل بهم . ولكن عبد الناصرأرسل خطابا فى إبريل ( نيسان ) 1954 يقول فيه إن الوزارة قررت عودة الإخوان ومباشرتهم لنشاطهم وكنت فىالمركز العام فاستلمته وأطلعت عليه الدكتور خميس حميدة باعتباره نائبا للمرشد . وبقى ذلك القرار عندى حتى فتشوا منزلى فأخذوه من بين الأوراق التى اسنتولوا عليها كلها .

ولا تنس ان عهد جمال عبد الناصر كان يتميز بالايذاء والقضاء على الحريات ولم يرع ذلك العهد حرمة لأحد حتى رئيس مجلس الدولة الدكتور السنهورى سلطوا عليه الرعاع فاعتدوا عليه بالضرب فى المجلس لسبب واحد هو إبداء رأى يخالف رأى عبد الناصر فى الحرية كما سلطوا رعاعهم على نقابة المحامين وهتفت تلك الببغاوات الجاهلة " فليسقط المحامون الجهلاء " إى وربى .. المحامون جهلاء ..ورعاع ذلك الحكم هم العلماء ! وكان عبد الناصر يعلم بذلك كله إذ كانت تنقل اليه الأحداث مسموعة ومرئية يستمتع بمشاهداته فى غرفة استقباله بقصر القبة الذى جعله مقره الدائم بعدأن استتب له الأمر . ونسىما كان يهاجمه من الاسراف والفيلات وتبعه خليفته السادات فكان يزهو كالطاووس ويستحضر الورود والأزاهير من فرنسا بالطائرة يوميا والظاهرة العجيبة فى حكم عبد الناصر والسادات أنهما حرصا كل الحرص على إزالة تاريخ زعماء مصر وكأنه لم يكن لمصر تاريخ إلا ابتداء من يوليو ( تموز ) 1952 وليست هناك وصمة أسوأ من أن تكون مصر بلا تاريخ وهى المذكورة فى القرآن أكثر من مرة . وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على تفاهة التفكير والشعور بالنقص وإخفاء التاريخ عن الشباب حتى لا يعرفوا غيرهما فلا يكون هناك مجال للمقارنة التى قد تكون نتائجها فى غير صالحهما . ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يثبت للعالم كله فساد هذاالتصرف وأضراره فألهم رئيس الجمهورية الحالى السيد " محمد حسنى مبارك " أن يعدل عن هذا الأسلوب الرخيص فأذن أن يعرض تاريخ الزعماء ليعرفه الشباب والطلاب وليس لنا على هذا سوى مأخذ واحد وهو إخفاء تاريخ الامام الشهيد حسن البنا والأستاذ المرشد حسن الهضيبى مع أن بصمتيهما على تاريخ مصر أوضح وأبين من أن تخفيها أية محاولة لطمس معالم تاريخهما المشرق الوضاء .

علمونا أن زهرة البنفسج تميل الى التوارى ولكن عبق أريجها يدل عليها . وكذلك كان المرشدان عليهما الرحمة والرضوان . والظاهرة العجيبة فى تاريخ وزراء وزارة التربية والتعليم أنهم لا يذكرون تاريخ الرجلين مع إشادتهم واحتفالاتهم بغيرهما . فى حين أن تاريخ الرجلين أجدر بالاشادة والتاريخ من غيرهما لأن ما قدماه لم يكن مقصورا على مصر وحدها ولكنه اثر علىالعالم الاسلامى كله حتى فى ماليزيا وأندونسيا والفلبين . وحسب حسن ا لبنا أنه أيقظ الوعى الاسلامى وحسب الهضيبى قولته المشهورة " أقيموا دولة القرآن فى قلوبكم تقم على أرضكم " ويالها من عبارة جمعت فأوعت .


فهرس الكتاب