محمد الدسوقي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد الدسوقي بقنينه طراز خاص في دعوة الإخوان


إخوان ويكي


مقدمة

الأستاذ-محمد-الدسوقي-بقنينة (1).jpg

ما كان الله تعالى ليأذن بهلاك قرية أو أمة عمها الظلم وانتشر فيها التخريب وأهلها يمارسون دورهم في إصلاحها. فالمصلحون هم الذين يبحثون عن مصلحة البلاد قبل مصالحهم، ولا يرتضون بما يوجد من منكرات وأخطاء في المجتمع، بل يسعون جاهدين لإزالتها وتخفيفها،


ويعملون على تقليل ومنع الشرور والأذى.فبقية الخير الذي نشاهده ونلمسه في واقعنا، ما هو إلا بفضل الله -عز وجل- ثم بفضل البقية الباقية من المصلحين، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} "117".


حياته

في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة ولد الأستاذ محمد الدسوقي بقنينه في نهاية القرن التاسع عشر، (تقريبا 1895م) حيث لم نعثر على تاريخ محدد لمولده. لم يحصل على التعليم الجامعي حيث تخرج وعمل قارئا للعدادات في مجلس مدينة دمنهور.


بين صفوف الإخوان

دخلت الدعوة محافظة البحيرة من رافدين رافد المحمودية مع الأستاذ أحمد السكري ورافد شبراخيت مع الشيخ حامد عسكرية، ثم كان الأستاذ أحمد عبدالحميد في كفر الدوار وذلك عام 1930م.


اهتم الاخوان بالدعوة في البحيرة وزاره الإمام البنا كثيرا حتى انتشرت الدعوة في الكثير من مراكز المحافظة وخاصة دمنهور حيث تعرف الأستاذ محمد الدسوقي بقنينه على الإمام البنا ودعوة الإخوان في وقت مبكر جدا في منتصف الثلاثينيات حتى أنه كان أحد المشاركين في أول معسكر للإخوان أقيم في الدخيلة بمحافظة الإسكندرية في الفترة من 25 يوليو 1938م حتى 25 أغسطس 1938م، وأصبح واحد من كبار الإخوان حتى أنه انضم إلى النظام الخاص للإخوان في فترة الإمام البنا، كما كان مسئولا عن شعبة الإخوان في دمنهور.


وحينما حلت الجماعة وخرجوا من السجون شارك إخوانه في إعادة الجماعة إلى مسيرتها واختيار مرشدا جديدا هو المستشار حسن الهضيبي. وبعدما واجهت الدعوة ورجالاتها المحن في عهد عبدالناصر حيث ظلت في صدور الرجال طيلة سنوات حكمه حتى تولى السادات وأفسح المجال لعمل الإخوان نوعا ما، كان الأستاذ محمد الدسوقي بقنينه أحد الذين صالوا وجالوا لنشر الدعوة وإعادة انتشارها بين الناس عامة والطلبة خاصة، وكان أحد الرجالات الذين تربوا على يدي الإمام البنا.


كان وعدد من الرعيل الأول ممن حمل الدعوة وانتشر بها مع الأستاذ المرشد عمر التلمساني فترة السبعينيات حتى أنه كان ضمن تشكيلة مكتب الإرشاد الأولى أو المجموعة التي قادت العمل الدعوي من بعد خروجهم من السجن حتى عام 1982م حينما رحل. ظل يجوب ويقوم على خدمة إخوانه في كل مكان، دون كلل أو ملل، حتى كان يظنه البعض من جم تواضعه أنه خادم لشعبة الإخوان وليس رئيسها حتى توفاه الله.


اعتقاله

كان لنشاط ودور الأستاذ بقنينه أن لفت له الأنظار حتى أنه تم اعتقاله ضمن أحداث 1948م وظل في المعتقل حتى أفرج عنه مع إخوانه. وحينما قامت ثورة 23 يوليو بمعاونة الإخوان للضباط الأحرار، ثم انقلاب بعض الضباط على الإخوان واعتقالهم وحل جماعتهم في يناير 1954م كان ذلك بداية اضطهاد طويل دخلت فيه الجماعة بعد أحداث المنشية في أكتوبر 1954م.


لم يعتقل فى بدء الأمر سنة 1954 ظناً من البوليس السياسي أنه عامل يخدم الشعبة، لكن حينما تكشفت حقيقته اعتقل ضمن من اعتقل وزج به في المحاكمات والتي قضت بحبسه لمدة 25 عاما قضى منها ما يزيد عن 20 عاما حتى أفرج عنه عام 1974م، تنقل خلالها لسجون كثيرة سواء في دمنهور أو السجن الحربي بالقاهرة أو الواحات وسط الصحراء الغربية ثم المحاريق قبل أن ينتقل لقنا ليعود قبل خروجه لطره. تعرض خلها إلى صنوف من التعذيب ما يشيب له الولدان، والعجيب أنه لم يتحدث مطلقاً عن هذه الفترة وما لاقاه فيها بل كان يتهرب من الإجابة إذا سُئل عنها.


مواقف من حياته

سطر الأستاذ محمد الدسوقي بقنينه الكثير من المعاني والمواقف التربوية التي شهد لها القاصي والداني وكل من اقترب منه.


فالأستاذ الدسوقى بقنينه كثير من الإخوان لا يعرفون ذلك الرجل المغمور الذى عاش فى سفينة الدعوة بين الزيت والسولار لا يراه الكثيرين وسط القادة، ولا يعرفه الكثير كونه شخصية مؤثرة. لكنه كان فى الأزمات تجده يظهر على سطح السفينة ليكون أول المضحين من أجلها.


مواقف بين السجون

يقول أحد قيادات الإخوان فى دمنهور:


فى أغسطس 1954 اعتقل الأستاذ الدسوقى وكان معه فى سجن دمنهور الأخ عبد المنعم التراس والذى طلب حلاقه الخاص ليحلق له فى السجن وعندما سأله الإخوان عن الدسوقى قال : لا يوجد فى جسده جزء لا يؤلمه ولم استطع أن أحلق له فقد كان شعر رأسه مختلطاً بدمائه ولحمة.


ويحكى عنه أحد الإخوان الذين عايشوه فى السجن بقوله:


"كان الطغاة يأخذونه من بيننا ويقومون بتعذيبه تعذيبا شديدا ليجبروه على الاعتراف .. لكنه لم يعطى كلمة واحدة يريدها معتقلوه .. وما دمعت عيناه .. كان قوى .. صلب. بل كان يأمر إخوانه بأن يلقوا بكل المسئولية عليه حتى يعفيهم من التعذيب وينجي أخرين، حتى يذكر الأستاذ محمد الفار (أحد الرعيل الأول للإخوان في محافظة البحيرة) قوله: لقد جعلنى مسئولاً عن مدارس الجمعة للأشبال وعندما سئل عنى فى التحقيقات قال أننى لست من الإخوان وأخبرنى بذلك فى السجن الحربى فى الستينات.


بل أرسل لإخوانه فى السجن رسالة معناها أن من ضاقت به السبل فى التحقيقات فليلقى بحمله وليعترف بأن الدسوقى هو الذى قال أو هو الذى فعل او هو الذى كتب أو .. أو ....فرفع الحرج والألم عن الكثير من إخوانه وحمل عنهم الأذى ومن هؤلاء الحاج مبروك هنيدى والأستاذ محمد الفار وغيرهم الكثير والكثير.

ولقد اشتهر بقنيه بعبارة "كله في حبك يهون يارب".


ويحكي أخ آخر عنه أنه كان يقوم على خدمتهم فى السجن فيخيط ثيابهم ويصلح أحذيتهم.


ويقول الاستاذ البحيرى:


قابلته فى سجن طره بعدما مضى علي في السجن 4 سنوات فقط عندما قدم إلينا الأستاذ الدسوقى من سجن قنا كان قد أمضى 15 عاما مسجونا . فسألته .. يا أستاذ محمد أريد النصيحة ؟ ماذا تفعلون كى تثبتوا على طريق الدعوة ؟ – كنت أريد روشتة – فرد علىَّ بصوت فيه شدة ولكن شدة تشعرك بالأبوة .. يا محمد يا بنى هذه ستارة نازلة ونحن نختفى وراءها ولو انكشفت حنضيع جميعا .. رحمه الله لم ينسب شيئاً لنفسه بل أرجع كل شئ لله.


وعن نشاطه داخل السجن يتذكر المهندس محمد الصروي ذلك بقوله:


كان يقوم على النشاط الإداري الأخ علي نويتو للكانتين، وأحياناً محمد شاكر خليل أو دسوقي بقنينة. حتى أن الأخ أحمد حسانين والأخ دسوقي بقنينة قاما بعمل عشرين صنفاً من الطورشي الفاخر ترفيهاً عن الإخوان (جزر، لفت، لارنج، قشر برتقال، ليمون بالعصفر، ليمون بحبة البركة، قشر الليمون، بصل، فلفل، شطة) وكنت أساعدهما في ذلك العمل وتعلمت منهما الكثير.. واخترت أن أكون مساعداً (لعم) دسوقي بقنينة ، ولقد كنت أحبه حباً جماً..


فلازمته كظله حتى سماني الإخوان صبي عم دسوقي.. فيقولون عم دسوقي وحبيبه، ومما زاد تلك العاطفة أن له ابناً خارج السجن في مثل سني تماماً ويعمل مهندساً أيضاً، فكلما اشتاق لولده (محمد سمير) أمطرني بعواطفه – رحمه الله رحمة واسعة. وحينما نقلنا لقنا تولى ورشة النجارة الأخ محمد العدوي، والحاج محمد الدسوقي بقنينة وغيرهما.


ويقول القباني:


أثناء حفلة لتكريم أحد الإخوان الأطباء والذى أتم حفظ القرآن الكريم وحضر الحفل لفيف من الإخوان .. و كان مقدم الحفل الحاج عبد الفتاح شريف – أحد القيادات التاريخية للاخوان في محافظة البحيرة - والذي لم يبدأ الحفل حتى وصل الأستاذ الدسوقى .. وأثناء تقديم الحفل .. قال الحاج عبد الفتاح : طبعاً أنا أكبر من الدسوقى بــ 10 سنوات ولكنه هو المسئول لأنه من أهل البلاء ونحن نقدم أهل البلاء .


وفى موقف آخر ضمهما معاً قال الحاج عبد الفتاح لمن حوله من الإخوان الشباب :


انتو عارفين الأستاذ محمد ده جات عليه أيام لا يجد مياه ليشربها فشرب من بوله وقام الطغاة بتعليقه من رجليه ومن أماكن حساسة والحمد لله خرج وتزوج وانجب .. وكان الأستاذ محمد يحاول اسكاته قائلاً ليه كده ياشريف ليه كده.


ويسأله المربى الفاضل المهندس حسام الدين حميدة - رحمه الله – أحد تربوي الجماعة العظام :


يا أستاذ محمد حضرتك أمضيت فى السجن عشرين عاماً .. إيه أصعب شئ قابلته فى السجن ؟ ويستكمل المهندس حسام أنه أمسك بيدى وضغط عليها قائلاً أصعب شئ قابلنى فى السجن هو "أن يبكى الرجل الرجل" ويعلق المهندس حسام قائلاً أنا لم أفهم هذه الإجابة وقتها ولم أفهمها إلا بعد 25 عاماً – مع أحداث العراق و فلسطين – عندما شعرنا بمعنى قهر الرجال.


بين أشبال الجمعة

ومن المواقف التي يذكرها الأستاذ محمد البحيرى بقوله:


كنت شبلاً فى مدارس الجمعة وكنا نذهب إلى الشعبة فى الساعة العاشرة صباحا لتلقى الدرس الأسبوعى والذى يعطيه لنا أحد الأخوة وبعد الانتهاء من الدرس نتوضأ ونذهب إلى المسجد فى طابور منتظم لصلاة الجمعة وكان الأستاذ المعلم دائماً يأمرنا بالجلوس فى آخر الصفوف


حتى لا نزعج المصلين وبعد الصلاة نخرج من المسجد بعدما يخرج المصلين حتى لا نزاحمهم ونتحرك فى صفين منتظمين إلى الشعبة فى ميدان الساعة – حضانة ناصر حاليا - فنجد فى انتظارنا الأستاذ محمد الدسوقى وكان وقتها نائباً للشعبة وأذكر أنه كان يستقبلنا أمام الشعبة فنعطيه التحية فيقوم بالمرور علينا جميعاً مرحباً شبلاً شبلاً موزعاً علينا قطع الحلوى ونحن أشبال صغار.


صحبة التلمساني

يقول الأستاذ فتحي رخا:


كان الموكل بالتفاوض مع الأمن وإحضار تصاريح المؤتمرات الكبيرة بميادين دمنهور والندوات التي تعقد في المساجد. فبدأ هذا الأمر عندما قرر الإخوان عقد أول مؤتمر وحفل جماهيري كبير حضرة الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله وإمام مسجد السيدة زينب بالقاهرة في ميدان الساعة بدمنهور واختارني الإخوان للتعامل مع الأمن كوني تاجر ومن الممكن أن أتحمل تكاليف إقامة هذا السرادق.


وكانت الاحتفالية بمناسبة الإسراء والمعراج وقمنا ببناء سرادق كبير وطلبنا من أصحاب محلات الفراشة 1000 كرسي وكنت أجلس أنا والأستاذ محمد الدسوقي بقنينة ننظر إلى حجم السرادق وندعو الله أن يسترنا اليوم ولا يفضحنا وكانت إجابة الدعاء فكان للحفل نجاحا لم يكن متوقعا وامتلأ السرادق ولم يكفى الألف كرسي وأكتظ الميدان بالناس فكان نجاح لم يسبق له مثيل.


كتب الأستاذ حسين القباني يقول:


فى السبعينات حينما بدأ العمل وانتشرت الدعوة فى أوساط الطلاب والعمال وبدأ اسم الإخوان يعود إلى الشارع من جديد شرع الإخوان فى عمل كارنيهات وبطاقات عضوية كنوع من إظهار الشرعية والقانونية فى الشارع ..


فذهب الدسوقى ومعه بعض إخوانه الشباب الذين ظنوا أنهم يعرفونه جيداً إلى المركز العام لمقابلة فضيلة المرشد الأستاذ عمر التلمساني ليوقع له على بطاقة العضوية فقال له الأستاذ عمر " إيه ده يا دسوقى ؟؟ " فيرد الدسوقى باستحياء وتواضع " سيادتك الكرنيهات يافندم عشان النظام " فابتسم الأستاذ عمر قائلاً " جه اليوم اللى أنا أوقع لك يادسوقى !! دا إنتَ اللى توقع لنا "!!


وأضاف موقفا أخر حينما حضر التلمساني (المرشد العام) حفلاً كبيراً فى مسجد التوبة بدمنهور ، واكتظ المسجد بالحضور وامتلأت الشوارع حول المسجد بآلاف الناس الذين كانوا فى شوق لسماع ورؤية مرشد الإخوان المسلمين .. وتدافعت جموع الحاضرين بعد الحفل على الأستاذ عمر كى يقبلوه ويسلموا عليه ..


فأخذه بعض الأخوة وخرجوا به من الباب الخلفي للمسجد حافى القدمين وذهبوا به إلى إحدى المحلات خلف المسجد – وذهب إليه الأستاذ الدسوقى من المسجد إلى المحل حاملاً معه حذاءه .. فقال الأستاذ عمر " إنت يا محمد اللي شايل حذائى " فرد عليه بأدب جم " ومالو يا فضيلة المرشد " فرد عليه فضيلته موجهاً كلامه للإخوان " اللي شايل حذائي ده كان مسئولى فى السجن "!!!


بين بستان الدعوة

انطلق بعد خروجه من السجن وقد أمضى فيه زهرة شبابه باحثاً عن أنصار، يطوف بالمساجد .. ويجلس بعد الصلاة ينظر فى وجوه الشباب يبحث عن بغيته لعله يجدها فى شاب تقى نقى يقترب منه ويتعرف عليه ويعرض عليه بضاعته .


وما كان الله الكريم ليضيع جهد ذلك الرجل المخلص – نحسبه كذلك – فكان له ما أراد وإذا به يعثر على بغيته في مسجد الجزيرى ويتعرف على بعض الشباب من أنصار السنة .. وجد فيهم الشباب والإخلاص ، والدماء الحارة والاهتمام بالإسلام والعمل له ، ووجدوا فيه الخبرة والحنان والتربية فتمسك بهم وتمسكوا به فإذا بهم بعد فترة من الزمان


قد صدق فيهم حدسه ، من قادة العمل الإسلامي في المحافظة وأذكر منهم محمد سويدان مسئول الإخوان في البحيرة الآن وم.محسن القويعي (عليه رحمة الله) أحدى القيادات السياسية في الجماعة. يقول القويعي عن اللقاءات الأولى مع قنينه: (استطاع أن يقنعني بفكرة الإخوان في مكتبه، حينما رأيت فيه الرجولة، فرغم الأزمة، خرج ليستمر في الدعوة، وهذه هي الرجولة الحقة).


اقتنع الشاب القويعي بفكرة الإخوان، حينما رآها أمام عينيه، دون كلام أو خطب، فلم يكن الأستاذ الدسوقي رجل كلام؛ بل كان يمارس التوجيه، هكذا كان دائمًا يردد القويعي، ولذا لم يترك مكانًا إلا وكان معه فيه، وعلى ذلك فقد شهد بدايات العمل الدعوي بكل أنحاء البحيرة، يحدثك دائمًا عن الذي فتح الله على يديه العمل في إيتاي البارود أو كوم حمادة أو أبو حمص أو حوش عيسى أو كفر الدوار أو العشرة آلاف أو المحمودية أو غيرها


وكان يعلِّم هذه الخطوات للشباب كما كان الصحابة يعلمون الأجيال الغزوات، خاصة حينما تولى مسئولية الشباب (الثانوي والجامعة) بالبحيرة لفترة طويلة، تحت قيادة القائد الدسوقي قنينه، الذي كان يصفه وهو معه يمارس المسئولية: (بأنه لا يهدأ ولا ينام ويحمل هم الدعوة ليل نهار).


ولم يقتصر سعيه الحثيث وبحثه المتواصل عمن يورثه هذه الدعوة على المساجد ، بل كان يستغل كل تجمع ليحدث الناس عن الدعوة


فهذا أحد الإخوان يتذكر أول مقابلة له مع الدسوقى فيقول :


" كان خالي عبد السلام القباني ترزياً من الإخوان القدامى ، وكان محله يقع خلف مركز الإعلام بدمنهور حالياً وكان قد أعد فى المحل مكاناً لاستقبال الضيوف .. وفى عام 1974 وعقب خروجى من الجيش كنت أذهب وأجلس عنده وكان يستقبل في محله بعض الزبائن والأصدقاء وكانت تدور مناقشات فى أحوال البلاد ، وفى يوم قابلت عنده رجل وجرت بيننا مناقشات في أمور الدين


وحينما وصلنا إلى كيف الإصلاح قال : نحن الذين يهمنا الأمر وبيدنا الإصلاح .. فقلت كيف ذلك ؟؟ " فبدأ يشرح لى سنة الله فى العمل الجماعي وأن الرسول بدأ دعوته وحده ، واتفقنا على أن نتقابل مرة أخرى حتى انتظمت معه فى عمل الإخوان – وعرفت بعد ذلك من خالي أن هذا كان أسلوب الدسوقى يجلس عنده لينتقى الأفراد ويناقشهم بأسلوبه المقنع في الكلام والذي ينقلب في الحال إلى واقع عملي .


وكان رحمه الله صاحب رسالة يجمع الناس حولها ويربطهم بمبادئها ، ويجندهم فكريا وسلوكياً لخدمتها كان ذكاؤه مدهشاً ، وذاكرته حديدية ، وقدرته على تأليف القلوب عجيبة ، كان من يجلس معه يخرج من لقائه وهو عاشق للإسلام غيور على تعاليمه راغب فى الدفاع عنه والموت في سبيله.


كان الدسوقى – رحمه الله - يصبر على تنفيذ ما يريد بحكمة وتأن للوصول إلى غايته المرجوة.. كان يعلم أن الطريق طويلة وشاقة وأن العقبات أمامه كؤود ، ولكنه كان يحمل مشروعه كاملاً فى ذهنه .. عاد بعد سنين طويلة إلى نقطة البداية فى الثلاثينات "مطبعة الفتوح" عاد إليها فى السبعينات لتكون نقطة انطلاق


وجمع شتات الإخوان فى محافظ البحيرة من جديد فكوَّن ما يشبه المنتدى الثقافي داخل المطبعة بعد صلاة المغرب ويمتد إلى الحادية عشر مساء وبرنامج هذا المنتدى أحاديث عامة ثم طرح لموقف الأمة الإسلامية ثم فتح حوار ويتجاذب الحاضرون أطراف الحديث والدسوقى بينهم صامتاً عن غير جهل.. يتابع الحوار ويتصفح وجوه الشباب .. ثم ينتقى من يصلح ..


ثم تأتى مرحلة أخرى عندما انتقل رحمه الله بالإخوان إلى الشارع مذكرين الناس بشعائر دينهم فكانت الحفلات العامة التي يأتيها الإخوان من كل مكان على مستوى الجمهورية فهذا حفل فى مسجد ضحوة يتحدث فيه الشيخ محمود عيد وآخر فى الساحة الرياضية فى كوم حمادة يتحدث فيه الدكتور عيسى عبده والأستاذ عبد المتعال الجبري وآخر بميدان الساعة يتحدث فيه المرشد العام الأستاذ عمر التلمساني والدكتور القرضاوى بمسجد الحناوى ، وحديث الثلاثاء بمسجد الهداية "الشيخ العريان"


وتأتى مرحلة ثالثة حينما اشترى عم محمد الحداد - رحمه الله - قطعة أرض بجوار ورشة صب الحديد التى يمتلكها وبدأ فى بناء منزله وقبل أن يكتمل البناء يذهب إليه أحد الإخوان يطلب مكاناً يأكل فيه الإخوان الصائمون بعد ما تعذر إفطارهم فى مسجد الشوربجى بمنطقة القلعة بسبب ضغوط الأمن ويرحب الرجل لكن السلم لم يكتمل بعد


ويذهب الأخ ويعد سقالات خشبية لصعود الإخوان ويأتى الإخوان بعد صلاة المغرب لتناول الإفطار على سطح البناء وكان بينهم الأستاذ الدسوقى الذى لم يترك الفرصة وطلب من الأستاذ محمد الحداد الدور الأول علوى ليكون مقرا لعمل الإخوان وكان عم محمد الحداد كريما وقام الإخوان ببعض التجهيزات البسيطة لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل انتشار دعوة الإخوان وهى مرحلة بيت الحداد والتى كانت فتحاً كبيراً على الإخوان فى البحيرة.


يذكر أحد الإخوة بعض المواقف بقوله:


كان الإخوان قد أعدوا لرحلة كبيرة وتجمعوا أمام مسجد الشوربجى وكان ضمن الرحلة الشيخ الفاضل عبد اللطيف محبوب – رحمه الله – وعندما ظهرت السيارات تسابق الإخوان للركوب ولم يبق سوى الشيخ محبوب وأحد الإخوان واضطروا إلى الركوب فى خلفية إحدى السيارات ..


ومرت الرحلة وبعد أسبوع من الرحلة وأثناء الحديث عن التربية مع مجموعة من الشباب والتى أعدت الرحلة يفاجئهم الدسوقى بقوله : أظن أنه ليس من التربية المحترمة أن الأخ الكبير يركب فى الخلف ولا يجلسه أحد من الشباب مكانه .. فأعطى الدرس فى أهمية احترام الكبير وأهل السبق.


كانت كثيرا ما تقام الإفطارات الكبيرة فى بيت الحداد ويحضرها الإخوان من جميع مراكز المحافظة وكان الأستاذ محمد يشارك بالإعداد فيها ويشرف بنفسه على إعداد هذه الكميات الضخمة من الطعام ، وكان يؤكد على عدد معين من الشباب للحضور فى توقيت مبكر صباح يوم الإفطار ، وكنا نذهب فى الموعد المحدد فنجده وقد استعد بزي خاص لمثل هذه الأعمال مشمراً عن ساعديه فيقوم ويوزع علينا الأعمال والأدوار ويتم إنجاز العمل على أكمل وجه وفى إحدى هذه الإفطارات.


كلف الأستاذ محمد أحد الإخوان - بمسئولية الإعداد لهذا الإفطار فإذا به ينبه على الأخوة بالحضور للمشاركة فى الإعداد بالميكروفون دون تحديد لأشخاص بعينها .. ويقول الأخ .. وذهبت فى اليوم التالى متأخراً عن الموعد فإذا بى أجد الأستاذ محمد الدسوقى وحده وعلى نفس الهيئة السابقة فخجلت من نفسي عندما سألنى عن سبب التأخير وقلت لم يكلفنى أحد ..


فقال كان التكليف عاماً وعندما تجمع بعض الشباب .. أخذ يحكى لنا قصة الملك الذى طلب من شعبه أن يضع كل واحد منهم نقطة عسل فى برميل فظن كل واحد فى الشعب أنه لو وضع نقطة ماء فلن تظهر فى برميل العسل ، وفى النهاية وجد الإناء وقد امتلأ بالماء – فالجميع اعتمد كل منهم على الآخر .. وتعلمنا الدرس.


أثناء إحدى الجلسات فى بيت الحداد وكان المتحدث فيها المهندس حسام حميدة – رحمه الله - وقد ملك قلوبنا وعقولنا وانتقل بنا إلى عالم الصحابة بطيب حديثه.. وفى هذه الأثناء إذا بالأستاذ محمد الدسوقى - وكان يحب حسام كثيراً بل


ويقول أكثركم شبها بالإمام البنا هو حسام - ينظر للمهندس حسام وهو يحرك السبابة فى حركة مثل حركة بندول الساعة ذهاباً وإياباً قائلا فاهم ده معناه إيه ياحسام قال له .. فاهم يا أستاذ محمد وقد كان رحمة الله عليه يريد أن يقول لحسام رحمه الله أنه كلما ازداد فهمك و تكاثرت الأضواء حولك كلما اقترب منك حبل المشنقة.. " إنه يوضح له صعوبة الطريق من البداية "


فى بداية ظهور مجلة الدعوة فى السبعينات سنة 1976 ذكر أحد الإخوان - وكان وقتها طالباً فى الثانوى - قال لى الأستاذ محمد أنا عايزك تعمل حاجة بس إياك أن تخجل منها .. فقلت له حاضر يا أستاذ محمد .. فقال عايزك تأخذ مجلة الدعوة وبعض كتب الإخوان وتقف بها أمام مسجد الحناوى – مسجد معروف فى دمنهور – لبيعها بعد صلاة الجمعة ، وعلى فكرة قد لا تبيع شيئاً منها ولكن الذى أريدك أن تفعله أن تعلن وبأعلى صوتك وتنادى " مجلة الدعوة .. صوت الحق والقوة والحرية " فقط أريدك أن تعلن اسم الإخوان مدوياً.


يقول أحد تلامذته كنا صغاراً وكان دائما يستشيرنا فقد تقرر أن يزورنا الداعية الكبير عبد البديع صقر ليلقى محاضرة فى إحدى الحفلات .. فيسألنى الأستاذ الدسوقى .. إيه رأيك لو يأتى عندكم فى شبرا ونقيم الحفل فى مسجد الإفلاقى – ولا تسألنى عن إحساسي فى هذه اللحظة.. هذا الرجل بهذا السن وهذا التاريخ وتلكم الخبرة عندما يطلب رأينا نحن الصغار فهو ينفض عنا الإحساس بالدونية والصغر ، فيعطينا الشعور بأننا كبار ورجال ولنا رأى يُؤخذ به ..


ويكلفنى بالإشراف على هذا الحفل .. ويأتى اليوم .. ويمتلئ المسجد والشوارع المحيطة به بالجماهير المسلمة .. ويطول الوقت ولا يحضر الشيخ عبد البديع صقر والوقت يمر التاسعة ثم العاشرة وظهرت عليَّ علامات القلق والارتباك .. وأنظر للأستاذ محمد الدسوقى فإذا به لا يكترث ولا يهتم ، وأذهب إليه والدماء تكاد تنفجر من وجهى ..


فيقول ببساطة أى حد من إخوانك يقول كلمة .. ويبدو أن الناس كانوا فرحين ولم يشعروا بما أشعر به – ثم جاء الأستاذ عبد البديع وبرؤيته هدأت نفسي واسترحت وأكملنا الحفل حتى نهايته وكان تعقيب الأستاذ الدسوقى فى جملتين فقط " ليه هو عبد البديع صقر هو اللى حيمشى الدعوة .. الكلمة الصادقة فقط هى التى تمشي بها الدعوة "!!! كل المشكلة أنى كنت خايف أحسن يكون الشيخ عبد البديع نام فى القطار واستمر فيه إلى الإسكندرية ولم ينزل دمنهور.


وبعد أن أنهى الأستاذ عبد البديع صقر مهمته الدعوية فى دمنهور حيث ألقى محاضرة عامة فى منطقة شبرا ، ذهب لتناول العشاء والمبيت مع بعض الشباب وأثناء إعداد الطعام حضر الأستاذ الدسوقى للاطمئنان على ضيفه – فقال الشيخ عبد البديع لحظة دخوله للشباب " انتو عارفين ياأولاد الأستاذ الدسوقى ده عامل زى هتلر فانتبه الأستاذ الدسوقى قائلاً يا أخى حرام عليك .. وتابع الشيخ عبد البديع قائلاً" هتلر كان لا يعمل شيئاً بيده ولكن عندما يكون هناك عمل يختار له الشخص المناسب (وبالتعبير الشعبى .. لما يكون فيه شغلانه يجيب لها المعلم بتاعها).


وقد كان من أسلوبه رحمه الله فى الدعوة أنه يكلف إخوانه دون أن يتحدث فى التفاصيل ولكن يتابعهم جيداً حتى إذا ما أخطأ أحدهم يتلقفه وينتشله من الخطأ وكان شعاره " أرسل لبيباً ولا توصه".


يقول أحد أبنائه :


فى إحدى اللقاءات فى بيت الحداد فوجئت عمن يسأل عنى وكنت شاباً صغيراً وبدأ يسألني في بعض الأمور الفقهية والدعوية فضحكت وقلت له اذهب إلى هذا الرجل و أشرت له على الأستاذ محمد الدسوقى .. فإذا به يقول لي " هو اللى أرسلني إليك".


وأذكر أنه فى ذات يوم جاء للأستاذ محمد أحد إخوة الأقاليم يطلب داعية للحديث فى لقاء كبير فاستقبل الرجل ووعده بأنه سيرسل إليه من يؤدى المهمة وأمرني أن أذهب لأقوم بهذا الدور وكنت مستصغرا نفسي على هذا العمل .. المهم ذهبت .. ولما عدت قلت له .. إن هناك بعض الشباب يحتاج لقراءة كتاب كذا وكتاب كذا ..فنظر إليَّ وقال: أعطهم ما تشاء " وكأنه يقول لي من خلال الموقفين تحمل المسئولية".


كان رحمه الله من عادته أن يجمعنا نحن الشباب ليلة الجمعة ويقسمنا مجموعات ، كل مجموعة عبارة عن اثنين من الأخوة ويقوم بتوزيعنا على مساجد المراكز المجاورة ، حيث يكون قد اتفق مسبقاً مع إخوان المراكز .. فكنا نجلس سوياً نراجع ماذا سنقول في خطبة الجمعة ..


حتى كان البعض منا يقوم فيخطب فينا على سبيل التجربة للتدريب والتقييم وكان يقوم بنفس العمل فى العشر الأواخر من رمضان حيث كان يرسلنا إلى المراكز للاعتكاف والتحدث إلى الناس .. وكان يؤكد علينا دائما أن نعود إليه بعد إتمام العمل فى مكتب الشوربجى .. كلٍ منَّا يحكى له ماذا فعل .. كيف استقبله الناس ؟ وفيم تحدث ؟


وطبعا الأمر لا يخلو من بعض التأخيرات فكان لا يترك المكان حتى يأتي الجميع ويتذكر أحد هؤلاء الشباب أنه ذات مرة أنهى الخطبة واتجه إلى منزله وتناول الغذاء وصلى العصر ثم ذهب للمكتب فإذا به يجد الأستاذ محمد ينتظره وقد أعد له الغذاء - ويقول الاخ لم أنس هذا الموقف طوال حياتي.


"كنا نجلس كثيراً فى مكتب الحداد نتدارس فى الجلسات فقه الطهارة .. فجاءنا يوماً قائلاً " انتو حتقعدوا تدرسوا فقه دورة المياه ده لحد امتى " قوموا كل واحد يحضَّر خطبة جمعة وينطلق إلى القرى .. فكنا نحضر الخطبة ونجلس فى بيت الحداد


ونحفظها كل اثنين مع بعض وكان يشدِّد علينا بعدم قبول عزائم عند أحد والرجوع بعد الخطبة مباشرة حيث يتلقفنا فى مسجد الشوربجى متابعاً ومقيماً وموجهاً كان - يرحمه الله – يقدم القدوة من نفسه لإخوانه فى كل شئ – فى حبه للدعوة وحرصه عليها – فى حبه لإخوانه وعطفه عليهم وخدمتهم والقيام على شئونهم فى بذله وعطائه من راحته ووقته وتضحياته.


كان من عادته - الأستاذ محمد - أن يذهب بعد صلاة الجمعة إلى مكتب الشوربجى يجلس مع من يأتى من الإخوان كبار أو صغار .. فذهبت مرة إلى المكتب فإذا بى أجد الأستاذ محمد مع بعض الإخوان كل منهم يمسك بقطعة من القماش ويقوم بتنظيف المكتب فذهبت إليه لأقوم بهذا العمل بدلاً منه ووافقنى بعد إلحاح ولكنه طلب منى أن أحضر له بعضاً من قش الأرز من أعلى سطح العمارة


فذهبت وأحضرت له ما طلب فأخذه ودخل دورة المياه وإذا به يقوم بتنظيف مكان قضاء الحاجة فى دورة المياه فذهبت إليه ثانية لأطلب منه أن أقوم بهذا العمل فقال لى "بلاش حتى لا يصيبك أذى (وكنت فى منزلنا لا أحمل حتى سلة الزبالة) وأخذت منه القش وقمت بتنظيف المكان ."


وفى موقف آخر قال لى :


أريد ان أكلفك بشئ بس لا تخجل منه .. فقلت له أمرك يا أستاذ محمد فقال ألقى سلة الزبالة في المكان المخصص لها بالشارع ولاحظت أنه يختار وقتاً لا يوجد فيه أحد بالشارع فقد كنا حديثي عهد بالدعوة لذلك يريد أن يعلمنا أشياء دون أن يسبب لنا حرجاً فكنا نحبه لأنه يكلفنا بأشياء يقوم هو بها قبل أن يكلفنا بها ..


كان رحمه الله يحافظ على مشاعر الصغير والكبير ، وأذكر أنه كنا نشارك فى إعداد إحدى الحفلات وكنت وأخ لى يحمل كل منا صاج فرن به بعض الطعام فإذا بالأخ يقع ومعه الصاج فضحكت فإذا بالأستاذ محمد يمسك بيدى بشدة قائلاً حافظ على مشاعر أخيك ولا تحرجه.


مواقف الرجال

يحكى أحد الإخوان عن موقف له مع الدسوقى فيقول :


ذهبت إلى دار الدعوة بدمنهور – بيت الحداد – لأحضر لقاء هناك وكان الوقت وقت امتحانات فأخبرني الأخ النوبتجى أن اللقاء في المكتب الصغير خلف مسجد الشوربجى وأنا فى طريقى إلى هناك قابلت أحد الإخوان والذى سألنى عن وجهتي .. فأخبرته .. فإذا به يغضب غضباً شديداً مُخبراً إياي أن هذا اللقاء كبير عليك ولا يناسبك ..


واشتد علىَّ فى الحديث .. وعندما وصلت الى المكتب قابلني الأستاذ محمد الدسوقى استقبالاً طيباً ولكنى لاحظت أن اللقاء خاص وليس لى أن أحضر فعلاً وانتظرت فرصة وانصرفت على الفور .. وأخبرت مسئولى بكل ما حدث ..


وعلم الأستاذ محمد بما حدث قبل ذهابى لمكتب الشوربجى .. وبعد فترة يبلغنى مسئولى بأن الأستاذ محمد منتظرنى بالمكتب الساعة 3 عصرا وقت الراحة بالمكتب .. وذهبت إليه فإذا به يستقبلنى وقد أعد لى الشاى واعتذر لى أنا الأخ الصغير قائلاً يا بنى أنا مش عارف أبدأ معاك إزاى ..


يابنى ليس فى دعوتنا كبير و صغير وليس عندنا ما نخفيه وأخوك أخطأ فى حقك – وظل الأستاذ محمد يعتذر ويعتذر ويشرح لى ويتكلم عن الدعوة ويسترشد بالآيات والأحاديث وفى النهاية يرجونى – أنا الشاب الصغير – ألا يكون فى نفسي شئ من الأخ المسئول الذى اشتد علىَّ فى الحديث .


انظروا ياإخوان كيف كان يحافظ على شعور إخوانه .. وهاكم هذا الموقف ويتذكر آخر قائلاً كنا أعددنا إفطاراً فى مكتب الدعوة بمنطقة القلعة لمعالجة بعض المشاكل بيننا وكان الدسوقى موجوداً بالمكتب وسأل الأخ المسئول عن نوعية الإفطار فقال "الفول" فى نفس الوقت كان بائع السمك ينادى على بضاعته فى الشارع فأقسم على الأخ المسئول أن يشترى لنا سمكاً لتكون وجبة الإفطار قائلاً كيف تطعمهم "فول" والرجل فى الشارع ينادى على "السمك" .. وكنا نسمع هذا الحوار ونشعر تجاهه بعاطفة جياشة .. عاطفة الابن تجاه والده !!!


يحكى أحد المحاضرين فى لقاءات دار الدعوة فيقول فى بداية الدعوة فى السبعينات كانت اللقاءات بسيطة وتضم البسطاء من الناس من العاملين والسائقين وغيرهم وكنت ألقى بعض الدروس فى هذه اللقاءات وبعد أن ازداد عدد الطلبة والمثقفين فى اللقاء لاحظت أن أحد العاملين البسطاء يعمل فى شركة أتوبيس غرب الدلتا (الأخ محمود الجعفراوي رحمه الله) لا يحضر اللقاء واعتزلنا ما يقرب من شهرين ..


وإذا بى أراه قدراً فى بيت الدعوة فسألته عن هذه الفترة التى اعتزلنا فيها فقال الرجل .. " ياعم انتو ناس كبار علىَّ" – أنا وجدت رجل بسيط على قدى بيقعد معايا على باب الشقة – فى دار الدعوة – بجواركم يشرح لى تجويد هو يخطئ شوية وأنا أخطئ شوية .. فقلت له أين هذا الرجل ؟؟ .. فأشار إلى الأستاذ محمد الدسوقى كيف وهو المسئول الكبير عن الدعوة ليس فى المحافظة وفقط ولكن فى وجه بحرى كله يجد من الوقت والمجال ما يسمح له بمتابعة هذا العامل البسيط والحفاظ عليه .. ولكنه بحق رجل دعوة.


موقفه من العنف

جاءه أحد طلاب الإخوان يحكى له – فى فخر – ما فعله الطلاب الإسلاميون فى الجامعة مع خصومهم من التيارات الأخرى ومع إدارة الجامعة – وكيف أن الدكتور محمود داود – واجه الإسلاميين مواجهة شرسة – وبعدما أنهى الطالب حديثه سأله الأستاذ محمد عن رأيه الشخصي فيما حدث – فيجيب .. ما حدث كان شيئاً جيداً حتى لا تتطاول يد على أعمال الإسلاميين بعد ذلك ..


وهنا غضب الأستاذ محمد غضباً شديداً وقال له المستعجل يمشي .. اللى عايز يضرب ويتعامل بعنف مش معانا .. ثم وجه حديثه للطالب قائلاً .. يا أستاذ الدكتور اللى حاربكم ده غداً سيكون وزيراً - وقد كان فقط بعد شهرين من هذا الموقف - وأنتم أخرتم الدعوة .. اللى مش فى قدرة العمل يروح بيته ..فقد كان - رحمه الله – يعلم أن الدعوة تنتصر وتتقدم بالرفق والحب مع الناس وتتأخر بالعنف والشدة.


وفاته

لم يبق الأستاذ بقنينه كثيرا بعد خروجه من المعتقل حيث ظل يصول ويجول يحيى ركب الصف الدعوي مرة أخرى حتى توفاه الله يوم 16 أكتوير 1982م. وظلت زوجته حتى توفاها الله في مايو عام 2011م بعدما رأت نجاح ثورة يناير.


المصادر

  1. جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الرابع، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  2. محمد حامد أبو النصر: حقيقة الخلاف بين "الاخوان المسلمون" وعبد الناصر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1987م.
  3. حسين القباني: كله في حبك يهون يارب !! .. (أ/ محمد الدسوقي) إخوان ويكي