محمد تقي الدين الهلالي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ العلاّمة محمد تقي الدين الهلالي (أبو شكيب) (1311 - 1407هـ = 1893 - 1987م)


بقلم/ المستشار عبدالله العقيل

مولده ونشأته

الشـيخ محمد تقي الدين الهلالي

هو العالم المغربي والعلاّمة اللغوي الشيخ الدكتور محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي، وكنيته (أبو شكيب)، فقد سمى أول ولد له على اسم صديقه الأمير شكيب أرسلان، تيمّنًا به، ولعلّه يكون مثله.

وُلد الهلالي في قرية (الفرخ) من بادية سجلماسة في المغرب عام 1311ه، التي هاجر إليها أجداده من (القيروان) في تونس في القرن التاسع الهجري، وكانت الأسرة أسرة علم، إذ كان والده وجده من العلماء الفقهاء المعروفين.

وقد قرأ على والده، وحفظ القرآن الكريم وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ثم سافر إلى الجزائر لطلب الرزق عام 1333ه/ 1914م، فقصد الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي وبقي يتعلم في مدرسته سبع سنين، إلى أن توفي شيخه الشنقيطي عام 1338ه، وكان من أفضل العلماء في الزهد والتقوى ومكارم الأخلاق.

وفي عام 1340ه/ 1921م عاد الهلالي إلى المغرب وتلقَّى بعض الدروس على العلماء في مدينة (فاس)، وكان من شيوخه الذين تلقى العلم على أيديهم الشيخ الفاطمي الشراوي، والشيخ محمد العربي العلوي، والشيخ أحمد سوكيرج، كما حصل على شهادة من جامع القرويين.

وبعد ذلك سافر الهلالي إلى القاهرة، والتقى الإمام السلفي المصلح المجدد السيد محمد رشيد رضا وبعض العلماء السلفيين، أمثال: الشيخ محمد الرمالي، والشيخ عبد العزيز الخولي، والشيخ عبد الظاهر أبو السمح، والشيخ محمد عبد الرزّاق، والشيخ محمد أبو زيد، وغيرهم من العلماء بمصر، كما حضر دروس القسم العالي بالأزهر.

ومن مصر توجه إلى الحج، ثم إلى الهند، وفيها اجتمع بعلماء أهل الحديث وأخذ العلم عن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، وهو أفضل علماء الهند في ذلك الزمان صاحب كتاب (تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي)، وأقام الهلالي في الهند ثلاث سنوات.

ومن الهند توجه إلى «الزبير» في العراق 1342ه/ 1923م، والتقى العالم الموريتاني الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - مؤسس مدرسة النجاة الأهلية بالزبير، وتزوج ابنته وأقام ثلاث سنوات، ومن الزبير سافر إلى مصر، ثم إلى المملكة العربية السعودية، وقد أعطاه السيد محمد رشيد رضا توصية وتعريفًا إلى الملك عبد العزيز آل سعود قال فيها: «إن محمد تقي الدين الهلالي المغربي أفضل من جاءكم من علماء الآفاق، فأرجو أن تستفيدوا من علمه».

في ضيافة الملك عبد العزيز

أقام الهلالي في ضيافة الملك عبد العزيز آل سعود بضعة أشهر، ثم عُين مراقبًا للتدريس في المسجد النبوي، وبعد سنتين نُقل إلى المسجد الحرام والمعهد السعودي بمكة المكرمة لمدة سنة، ثم جاءته رسائل منإندونيسيا ومن الهند، وكلها تطلبه للتدريس في مدارسها، فاستجاب لدعوة السيد سليمان الندوي بالهند عام 1930م، وصار رئيس أساتذة الأدب العربي في كلية ندوة العلماء في مدينة لكنو بالهند، حيث بقي ثلاث سنوات تعلم فيها الإنجليزية، وأصدر باقتراح من الشيخ سليمان الندوي وبمساعدة الطلاب: مسعود عالم الندوي، وأبي الحسن الندوي، ومحمد ناظم الندوي، وهم تلامذته، مجلة (الضياء) عام 1932م، ثم عاد إلى الزبير وعمل مدرسًا بمدرسة النجاة الأهلية التي أسسها الشيخ الشنقيطي والد زوجته.

وبعد ثلاث سنوات سافر إلى مدينة جنيف في سويسرا، ونزل عند الأمير شكيب أرسلان الذي كتب له توصية إلى أحد أصدقائه في وزارة الخارجية الألمانية في برلين قال فيها:

«عندي شاب مغربي أديب ما دخل ألمانيا مثله، وهو يريد أن يدرس في إحدى الجامعات، فعسى أن تجدوا له مكانًا لتدريس الأدب العربي براتب يستعين به على الدراسة».

والهلالي غني عن التعريف، فقد احتل مكانة عظيمة لدى العلماء في الهند وغيرها، وقال عنه أبو الحسن الندوي في كتابه (في مسيرة الحياة):

«إن قدوم الهلالي إلى الهند من أهم الأحداث التي صنعت تاريخًا مجيدًا، فهو من أساتذة اللغة العربية الذين يُحتج برأيهم، وقد كان الحكم بين رشيد رضا والأمير شكيب أرسلان في قضايا اللغة العربية وتعبيراتها، كما جاء في كتاب شكيب أرسلان (السيد رشيد رضا وإخاء أربعين عامًا)» انتهى.

وسرعان ما جاء الجواب بالقبول من وزارة الخارجية الألمانية، وسافر الهلالي إلى ألمانيا وعُيّن محاضرًا في جامعة (بون) وشرع يتعلّم اللغة الألمانية، وحصل على دبلومها بعد عام، ثم صار طالبًا بالجامعة مع كونه محاضرًا فيها، وفي تلك الفترة ترجم الكثير من الألمانية وإليها، وبعد ثلاث سنوات في بون انتقل إلى جامعة برلين طالبًا ومحاضرًا ومشرفًا على الإذاعة العربية 1939م، وفي 1940م قدَّم رسالة الدكتوراه، التي فنَّد فيها مزاعم المستشرقين أمثال: مارتن هارثمن، وكارل بروكلمان، وكان موضوع رسالة الدكتوراه (ترجمة مقدمة كتاب الجماهر من الجواهر مع تعليقات عليها)، وكان مجلس الامتحان والمناقشة من عشرة من العلماء، وقد وافقوا بالإجماع على منحه شهادة الدكتوراه.

مراسل صحفي

وفي أثناء الحرب العالمية الثانية سافر إلى المغرب بتكليف من سماحة الحاج محمد أمين الحسيني في مهمة سياسية، وقد زوّده السفير المغربي عبد الخالق الطريسي بجواز سفر على أنه من أهالي (تطوان) التي تقع تحت الحماية الإسبانية، حيث أقام خمس سنوات.

ويروي الأستاذ محمد المجذوب في كتابه القيم (علماء ومفكرون عرفتهم) على لسان الدكتور الهلالي أنه تلقى في فترة إقامته بتطوان خطابًا من الإمام الشهيد حسن البنا - المرشد العام للإخوان المسلمين - يقول فيه:

«لنا مكاتبون ومراسلون من جميع أنحاء العالم الإسلامي إلا المغرب، فأرجو منك أن تبحث لنا عن مراسل، وتخبرنا بقدر المكافأة التي يتطلبها عن كل مقال يرسله إلى صحيفة الإخوان المسلمين، وإن قدرتَ أنتَ أن تقوم بهذا الأمر فهو أحبُّ إلينا...».

يقول د. الهلالي: «فقبلتُ الطلب، وبدأتُ أراسل صحيفة الإخوان المسلمين سرًا بواسطة البريد الإنجليزي في تطوان، ولكن الإسبانيين كانوا قد اتفقوا مع أحد الموظفين المغاربة في البريد الإنجليزي أنه متى رأى رسالة أو مقالاً لا يذكرهم بخير، ينسخ لهم نسخة منه، ويعطونه مكافأة عظيمة على كل رسالة أو مقال، فأطلعهم هذا الموظف على جميع المقالات التي أرسلتها إلى صحيفة الإخوان المسلمين، فقبضوا عليَّ وزجوني في السجن، ولم يوجهوا إليَّ أي اتهام، وبقيت ثلاثة أيام، فاحتج أهل المدينة وأذاعت محطة لندن باللهجة المغربية هذه الحادثة والاحتجاج، فأطلقوا سراحي» انتهى.

وفي 1947م سافر الشيخ الهلالي إلى العراق، وقام بالتدريس بالجامعة في كلية الملكة عالية ببغداد أستاذًا مساعدًا ثم أستاذًا، وبقي إلى 1958م حين قام الانقلاب العسكري في العراق، فغادرها عام 1959م إلى المغرب وعمل أستاذًا في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس، وفي 1968م تلقى دعوة من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - للعمل أستاذًا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منتدبًا من المغرب، وبقي يعمل إلى عام 1394ه/ 1974م، فقد ترك الجامعة وتفرغ للدعوة بالمغرب.

بداية معرفتي به

كانت بداية معرفتي بأستاذنا الجليل محمد تقي الدين الهلالي من خلال ما كنت أسمعه عنه من العم محمد السليمان العقيل الذي كان من أعز أصدقائه، ثم قرأتُ له في مجلة الإخوان المسلمون) عام 1946م قصيدة عصماء يندد فيها بالاستعمار الفرنسي، ولا يحضرني منها الآن سوى مطلعها:

أعادي فرنسا ما حييتُ وإن أمت
فأوصي أحبائي يعادونها بعدي

فازداد حبي له، وتشوَّقتُ للاتصال به، فراسلته في (تطوان) على عنوان مجلة (لسان الدين) التي كان يصدرها بالتعاون مع الشيخ عبد الله كنون - كبير علماء المغرب، وكانت أعدادها تصل إلى مكتب العم محمد العقيل، وقد سُمِّيت المجلة بهذا الاسم تيمنًا باسم لسان الدين بن الخطيب الأندلسي، ومن ذلك الوقت توثقت صلتي بالشيخ الهلالي، فلما قَدِمَ إلى العراق واستقر بها سنة 1947م وصار يلقي دروسه في الحديث الشريف والتفسير، في جامع ملاّ خطاب في الأعظمية، بتكليف من الشيخ الصواف، ما بين المغرب والعشاء من يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وكان شباب الإخوان يحضرون دروسه، وذاع صيته في العراق، ووصل إلينا في (الزبير) - بادرت للتعرف إليه، وزرته في بيته ببغداد أكثر من مرة، واستفدت من علمه، وقد حدثني عن صلته بالإخوان المسلمين، وأثنى عليهم خيرًا، كما حدثني عن الإمام الشهيد حسن البنا وأبدى إعجابه به وبطريقته في الدعوة وعلّق عليه الآمال الكبار، وفي سنة 1949م جاءتني رسالة منه في بغداد يوصيني بالشيخ مسعود عالم الندوي ورفيقه محمد عاصم الحداد اللذين سوف يزوران العراق بتكليف من السيد أبي الأعلى المودودي - أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، وقد سعدنا بهما في البصرة والزبير، وقد بذلت مع إخواني: عبدالله الرابح، وعبد العزيز الربيعة، وعمر الدايل، وعبد الهادي الباحسين، وعبد الصمد الرديني، وعبد الواحد أمان ما نستطيع من جهد لمساعدتهما في مهمتهما، ومن خلالهما اطلعنا على مؤلفات المودودي وعرفنا الكثير عن الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان.

يحدّثنا العم محمد السليمان العقيل عن صديقه الهلالي فيقول:

«كانت صلتي بالهلالي قديمة منذ قَدِمَ إلى الزبير، وكانت لنا معه لقاءات يشارك في بعضها الشيخ ناصر الأحمد والشيخ عذبي الصباح والشيخ جاسم العقرب، والهلالي عالم فاضل متمكّن من علمه وأديب شاعر فحل».

ويروي لنا الهلالي عن صديقه محمد العقيل فيقول:

«كان أبو قاسم مبتدئًا بالعمل التجاري، فوعدني أنه إذا فتح الله عليه واتسعت تجارته فلن يتخلى عني، وكان ذلك أوائل الثلاثينيات الميلادية، ولما عدت إلى العراق سنة 1947م بعد غربة طويلة، ذكَّرته بوعده، وطلبت منه المساعدة لشراء بيت لسكناي ببغداد وكان ذلك من خلال قصيدة نظمتها وأرسلتها له، فكانت استجابته سريعة ووفى بوعده جزاه الله خيرًا».

وأنا لا يحضرني من قصيدة الهلالي سوى مطلعها:

أبا قاسم قد جئتُ أستنجز الذي
وعدت به قدمًا وأنت كريمُ

أعيذك بالرحمن من شرّ ماردٍ

يزين لك الإخلافَ وهو ذميمُ

ويحدثنا بعض الطلبة الذين درسوا على يده في مدرسة النجاة الأهلية في الزبير أنه رجل عالم، ومدرس فاهم، ومربٍ حازم، غزير الإنتاج، وافر العطاء، شديد الملاحظة للأخطاء اللغوية، فلا يتساهل فيها، كما يروون شدته وحزمه مع الطلاب ومحاسبته لهم، إذا ما قصّروا في أداء الواجبات، حتى إن بعض الطلاب الكسالى كانوا يتربصون به في الطريق ويقذفون عليه الحجارة ثم يهربون ولا يعرفهم أحد، فضاق بهم ذرعًا وكتب مقالاً يهاجمهم وأولياء أمورهم في جريدة (السجل) لصاحبها طه الفياض ومجلة (الفتح) لصاحبها محب الدين الخطيب، وعنوان المقال (أعيلان أم غيلان؟)، وقد أحدث هذا المقال ضجة حملت أولياء الأمور على مراقبة أبنائهم وتأديبهم وإلزامهم الانتظام في الدراسة واحترام المدرسين، وخاصة بعد أن وصف الهلالي الأبناء ب(الغيلان)، وهم أبناء الشياطين؟!

أفكاره

إن الشيخ الهلالي كان صوفيًا حين كان في المغرب أول نشأته، ثم التزم المنهج السلفي وصار من دعاته النشيطين، ولكنه كان متفتحًا غير متزمت ومجتهدًا غير مقلد، وقد أكسبته الأسفار الكثيرة إلى البلاد العربية والهند وسويسرا وألمانيا، ولقاؤه العلماء في العالم العربي والإسلامي، صفات العالم العامل والداعية الواعي، والمصلح الحكيم والمجاهد الصادق، وكان منهجه في التعليم والتربية الحرص على غرس التوحيد، والالتزام بالأركان والعمل بالأصول، والبعد عن مواطن الخلاف في الفروع، والاستفادة مما لدى الغرب من تقدم علمي، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها.

وفي فترة وجوده بالمدينة المنورة أستاذًا بالجامعة الإسلامية كنت أزوره حين حضوري لاجتماعات المجلس الأعلى الاستشاري للجامعة وكنت عضوًا فيه، وكنا نغترف من فيض علمه ومعارفه ونتدارس معه أوضاع المسلمين في كل مكان، وسبل النهوض بهم، ومهمة الدعاة إلى الله وضرورة صبرهم وثباتهم على ما يلقونه من ظلم الطغاة، لأن المهمة شاقة والطريق طويل، وقد حُفَّت الجنة بالمكاره وحُفَّتِ النار بالشهوات.

كما أنه شرّفني في بيتي بالكويت حين زارها أواخر السبعينيات الميلادية من القرن العشرين، وتناولت أحاديثه ذكرياته في الزبير والهند وألمانيا والمغرب.

وشاعر أيضًا:

والدكتور الهلالي له قصائد كثيرة في مناسبات عدة ولكنها تحتاج إلى جمع وتوثيق للزمان والمكان والمناسبة التي قيلت فيها ونرجو أن يضطلع بذلك ابنه الأخ شكيب الهلالي وتلامذته وأحبابه في المغرب، أمثال الأخ الدكتور عبد السلام الهراس وإخوانه.

ـ وله قصيدة في تحية الزعيم المغربي عبد الخالق الطريسي سنة 1356هـ نقتطف منها هذه الأبيات:

سنا الحرية الغراء لاحا
فصيَّر حندس الظلما صباحا

وأحيا ميّت الآمال لمَّا

أهاب بنا إلى العليا وصاحا

سلاح الحق لا يخشى فلولاً

ويلقى من يصول به النجاحا

تحارب باغيًا وتميتُ جهلاً

ونور العلم تجعله السلاحا

فيصبح قومك الأموات أحيا

وتنشرح الصدور لك انشراحا

وتنهض بالبلاد إلى المعالي

وتفتتح الطريق لها افتتاحا

تبدّل ضيمها عزًا وفخرًا

وتملؤها ابتهاجًا وارتياحا

وقال في قصيدة يُحيي الزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني أذيعت في محطة برلين سنة 1941م :

يا مقبلاً من غزوة متأهبًا

للقاء أخرى ليس بالمتواني

تهديك وثبتك العظيمة إنها

فجر الجهاد وأول الفرقانِ

لك في قلوب العرب حب صادقٌ

ومكانة جلَّت عن التبيانِ

وبكل أرض رفعة وجلالةٌ

في الناء من أرجائها والداني

الفضل فيك سجية موروثةٌ

عن جدك المختار من عدنانِ

ومن قصيدة نظمها في انتقاد أخلاق بعض الموظفين الكسالى وترفعهم عن الناس وتأخير معاملاتهم نقتطف منها:

بلدة أصبح الموظف فيها

جالسًا في السماء فوق السحابِ

حالة تضحك العدو وتبكي

بدماءٍ معاشر الأحبابِ

أبهذي الأخلاق يرجع مجدٌ

ضاع منكم في غابر الأحقابِ؟

فإلى الله نشتكي من زمانٍ

فاسدٍ جاءنا بكل عجابِ

وحين سأل الأستاذ المجذوب الشيخ الهلالي عن أحب العلوم إليه أجاب: «أحبها إليَّ علوم الحديث وعلوم القرآن لأني أحب اتباع الكتاب والسُّنَّة وأكره مخالفتهما، ثم علم النحو وسائر علوم الأدب، ثم علم اللغات».

مؤلفاته

وللشيخ الهلالي مؤلفات كثيرة ما بين صغير وكبير، ومن أهمها: الزند الواري والبدر الساري في شرح صحيح البخاري (المجلد الأول فقط)، الإلهام والإنعام في سورة الأنعام، الإسفار عن الحق في مسألة السفور والحجاب، القاضي العدل في حكم البناء على القبور، الأنوار المتبعة في تحقيق سُنَّة الجمعة، قبسة من أنوار الوحي، الصبح السافر في حكم صلاة المسافر، العلم المأثور والعلم المشهور واللواء المنشور في بدع القبور، آل البيت ما لهم وما عليهم، أحكام الخُلع في الإسلام، حاشية على كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، مختصر هدي الخليل في العقائد وعبادة الجليل، حاشية على كشف الشبهات لمحمد بن عبد الوهاب، أهل الحديث، الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق، دليل الحاج إلى مناسك الحج، العقود الدرية في منع تحديد الذرية، دواء الشاكين وقامع المشككين في الرد على الملحدين، البراهين الإنجيلية على أن عيسى داخل في العبودية وبريء من الألوهية، فكاك الأسير العاني المكبول بالكبل التيجاني، سب القاديانيين للإسلام والرد عليهم، الرجعية والتقدم، تقويم اللسانين، رحلة من الزبير إلى جنيف، رحلة إلى درعة بالمغرب، من يرافقني إلى برلين؟، الهاديات، حواشي شتى على إنجيل متّى، الصديقات الثلاث (قصة)، تاريخ اللغة السامية، رحلة إلى ألمانيا، الطبقات عند العرب، تمثيليات طيف الخيال لمحمد بن دانيال، الجماهر في الجواهر (رسالة الدكتوراه)، مدنية العرب في الأندلس (مترجم عن الإنجليزية)، كتاب البلدان لمحمد بن الفقيه البغدادي (مترجم إلى الألمانية بالاشتراك)، لسان الدين (المجلد الأول) المجلة التي كان يصدرها بتطوان، فضل الكبير المتعالي (ديوان شعر محمد تقي الدين الهلالي)، وغيرها من الكتب والبحوث والمقالات، فقد كان الهلالي من المواظبين على الكتابة في مجلة (الفتح) لمحب الدين الخطيب، ومجلة (المنار) لمحمد رشيد رضا، ومجلة (الإخوان المسلمون)، ومجلة (الضياء) وغيرها.

كما أن له محاضرات ودروسًا وندوات وأحاديث لا يمكن الإحاطة بها في هذه العجالة، لأنها في موضوعات عدة، وبلدان متفرقة، وأزمان مختلفة.

حدثني الأخوان عمر الدايل وعبد العزيز الناصر عن الشيخ الهلالي - حين زاراه في بيته بالمدينة المنورة - عن موقف من مواقفه، قال الشيخ الهلالي: كنت إمام المسجد الذي بناه الحاج مصطفى الإبراهيم في منطقة الدورة بالبصرة، وفي مرة تأخر الحاج مصطفى عن موعد الصلاة، فأقيمت وصليت بالناس دون انتظاره، وبعد الصلاة عاتبني كيف تقام الصلاة قبل حضوره، فأجبته: إن وقت المغرب قصير، ولا يصح التأخير، فقال الحاج مصطفى الإبراهيم: ألا تعلم يا شيخ تقي الدين أنني أملك نصف منطقة الدورة؟ فأجبته: وأنا أملك النصف الآخر، وأنا إمام المسجد!! وتأزّم الموقف وغادرت المنطقة ولم أعد.

ومن الجدير بالذكر أن مصطفى الإبراهيم كان في الهند وزار إحدى المكتبات وكان يقلب ديوان المتنبي فاستشكل عليه، فسأل صاحب المكتبة عن المعنى فأشار عليه بسؤال الهلالي الذي كان بالمكتبة، وقال: لا ينبئك مثل خبير (يعني الهلالي)، ومن هنا جاء التعارف بين مصطفى الإبراهيم والهلالي، ودعاه للإمامة والتدريس بالبصرة بمنطقة الدورة، فوافق الهلالي وسافر.

يقول الإمام الشهيد حسن البنا في رسالة (بين الأمس واليوم): «أحب أن أصارحكم، إن دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها، ستلقى منهم خصومة شديدة، وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات، وسيعترضكم كثير من العقبات، وفي هذا الوقت وحده، تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام، وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم.

وسيتذرع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم ومعتدين بأموالهم ونفوذهم». انتهى.

إن أستاذنا الشيخ الهلالي علم من أعلام الإسلام، ومجاهد من المجاهدين العظام، كانت له آثار في كل مكان زاره أو استقر فيه، وله من الطلاب والمحبين آلاف مؤلفة في أنحاء العالم الإسلامي، ولقد تزوج حين كان في ألمانيا بمسلمة ألمانية وله منها ولد، كما تزوج في المغرب من مغربية وله منها أولاد، كما تزوج بالمدينة المنورة وله منها بنت، بالإضافة لزوجته الأولى عائشة أم شكيب بنت العلاّمة الشيخ الشنقيطي، التي لها منه ولد هو شكيب وبنت هي خولة، وقد تزوجها في الزبير.

وقد وافته المنيّة في منزله بالدار البيضاء بالمغرب يوم الاثنين 25 من شوال 1407ه، الموافق 22 من يونيو 1987م، وشيع جنازته جمهور كبير من العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين.

نسأل الله أن يتغمده برحمته ورضوانه، وأن يدخلنا وإياه في جنته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.