محمد تقي المدرسي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد تقي المدرسي

الحركة الإسلامية

منتدى اقرأ الثقافي

آفاق الحركة الإسلامية

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. وأفضل صلواته على سيد الأنبياء محمد بن عبد الله . وعلى آله المعصومين وأصحابه المنتخبين وعلى عباد الله الصالحين.

وبعد:

حين لا تكون الإستراتيجية واضحة، فإن كثيرا من الطاقات تذهب سدى.

والله أمرنا بأن نطلب منه الهداية إلى " الصراط المستقيم " ولعل هذه الكلمة أفضل تعبير عن الإستراتيجية السليمة ..

والحركات الإسلامية التى من المفروض أن تكون الأنهر التى تستقبل تيار المد الإسلامي المتعالي . لابد أن تفكر مليا فى موضع الإستراتيجية السليمة، والأحاديث التى بين أيديكم نقاط فوق حروف الإستراتيجية الصالحة للحركات الإسلامية .

ونسأل الله أن ينفع بها من يشاء من عباده الصالحين، إنه سميع الدعاء.

محمد تقي المدرسي
8 شعبان 1405 هـ

تمهيد

يصدر هذا الكتاب فى برهة زمنية حاسمة – وهى سر أهميته – تظهر فيها معادلتان متناقضتان قد تحددان مسير الحضارة مستقبلا..

الأولى: تجدد روح الاستقلال والحرية وفى الأمة، والثورة ضد التبعية والطغيان بعد سنين من التخبط والضياع. فها هى تتطلع لمزيد من الوعي والبصيرة الإسلامية، وتبحث عما يسد الهوة الكبيرة فى حياتها.

والثانية : تحرك القوى الاستعمارية والعميلة – اليوم – ضمن إستراتيجية شاملة لضرب الصحوة الإسلامية المتصاعدة، وتكريس حالة التبعية فى الأمة.

فى هذا الوقت يصدر الكتاب ليلقى ضوءا على مختلف القضايا الحساسة العائمة فى بحر العالم الإسلامي، ويهتم بضرورة تركيز الثقافة الحقة فى المجتمعات الإسلامية..

أولا: فضح المؤامرات والمكائد الاستعمارية الحديثة وإبرازها بوضوح على السطح ، وتبديد شعوذتها ، وبالتالي طرح الواجب المتوخى قبالها.

وقد أجمل الكتاب الوسائل الاستعمارية الفتاكة فى عدة مباحث – تناولها بإسهاب موضوعي – تتمحور حول ما يلي:

1- تجبير رجال باسم التجديد- يتبجحون بشعار التجديد فى الفكر الإسلامي – لتمرير المذاهب الاستعمارية الوضعية كالبهائية والقاديانية ، لتكون بديلا فى قبال الرسالة السماوية الغراء.

2- تسليط الأنظمة الفاشية، والإرهابية، والديكتاتورية على المسلمين ومحاولة محو وسحق الحضارة الإسلامية بواسطتها.

3- تفتيت الحركات الإسلامية وبالتالي الأمة الإسلامية وبث الخلاف فيما بينها، لتكون فى أقدامهم يتقاذفونها يمنة ويسرة ، وإن شاؤا قضوا عليها .

ثانيا : اعتبار الحركات الإسلامية أسلوبا بناءا لتوطيد معالم الرسالة فى ربوع العالم الإسلامي، ومن ثم التركيز على ضرورة الوحدة مع بعضها.

ويحاول دراسة الحركات من جوانبها الثلاثة:

أ – شروط الحركة الإسلامية – كالإيمان بالله والتوكل عليه، فاعليتها للأحداث وليس الانفعال بها – البصيرة وما شابه- والتفريق بينها وبين الحركات السياسية الأخرى.

ب- واجب الحركات الإسلامية تجاه بعضها كالوحدة والتعاون .

جـ - واجب الحركات الإسلامية ككتلة متراصة تجاه الأعداء.

ثالثا: الأمة الإسلامية ووجوب التمحور حول الرسالة ورفض المناهج الأجنبية الدخيلة، وبالتالي ضرورة الثورة الجماهيرية والنهوض ضد الانحراف.

الفصل الأول

كيف نبنى حركة رسالية
الثورة الإسلامية ضرورة حياتية

إن رؤساء الأنظمة الحاكمة فى البلاد الإسلامية يتخذون الغرور والخداع الذاتي وسيلة لبقائهم فى الوقت الذى هلاكهم قريب.

فكلما يقال لهم إن الزمن قد تبدل ، الثورة الإسلامية منتصرة، والشعوب وعت لما يحاك ضدها، وارتفعت ثقافتها، ولا مجال للمستكبرين فإنهم يلوذون بدول الاستكبار العالمي ويحاولون تزوير الحقائق.

فترى أحدهم يدعى بأن ما يجرى فى مصر إنما هو فتنة طائفية، أو تدخل روسى فى الشئون الداخلية، لأن رجلين من ( 1500) معتقل ينتمون إلى الشيوعية الروسية.

ثم يقول : أن هناك من يحاول إقامة حكومة الإمام الخميني فى مصر وفى نهاية المطاف يرى أن كلامه لا يجدي فيستخدم العنف ضد من يهدد الأمن فى مصر.

غير أن كل ذلك لن يجديهم نفعا، فالثورة ستنتصر فى العالم الإسلامي وذلك للأسباب التالية:

أولا: من أكواخ المستضعفين تنطلق:

إن الحضارات تبدأ بفكرة قادرة على احتواء مشاكل البشرية ، وعلى إعطاء الإنسان قدرة كافية لمواجهة هذه المشاكل وقيمة أعظم وأكبر من المادة، ومن المكاسب المعنوية إلى المظاهر المادية.

وهكذا ... تتحول شيئا فشيئا حتى تكبر وتبدو ظاهرة للعيان.

أما البسطاء والسذج من الناس، فإنهم يرون الحضارة وهى من فوق الجبل، ولا يعلمون أن هذه الحضارة التى وصلت إلى قمة الجبل قد وصلت منهوكة ، منهارة ومتآكلة.

ولقد جاء دور هبوطها من السفح الآخر ، ثم انهيارها..

هذه الفكرة صادقة على كل حضارة للبشرية عبر التاريخ، وهى صادقة أيضا على الحضارة المادية الغربية، التى هى سليلة الحضارة الهيلينية فى التاريخ.

إن من يتعمق فى واقع الشرق والغرب، يكتشف حقيقة:

إن الثقافة فى العالم الغربي، وفى الحضارة المادية، قد توقف توجهها وأفل ضوءها ، وبدأت تتآكل.

آباء الثورة الفرنسية ، كانوا يحلمون ببناء عالم حر عادل، تسوده المساواة ، ولكن بماذا يحلم الفرنسيون اليوم؟

إنهم يحلمون بأشهى الأكل، والمزيد من الراحة كما يبحثون عن دور امبريالي جديد فى بعض المناطق من قارة آسيا وأفريقيا.

وإن آباء القانون الذى وضعه الأمريكيون ، وسمى ( بالدستور) وذلك قبل ( 150 ) عام ، والذي يحتوى :

1- عدم التدخل فى شئون الآخرين.

2- ضرورة حمل مشعل الحرية للعالم.

3- دعم الثورات التحررية.

4- مقاومة الاستعمار.

ولقد تلخص هذا الدستور فى مبادئ " مونروا " .

أما اليوم فماذا يحلم الأمريكيون بعد الهزة العنيفة التى أصيبوا لها فى فيتنام، والتي أصبحوا على أثرها كالكلاب المسعورة المريضة الموضوعة على قارعة الطريق تبحث عن الطعام بأي حيلة؟

كل هذا نتيجة توقف مسيرة الثقافة والحضارة..

ولأن الحضارة كانت مادية ، فإنه اتجهت إلى الصراع ، والصراع جزء داخلي فى البناء الحضاري الأوربي، ثم الأمريكي والروسي، هو الذى خلق الأسلحة والجيوش، وهو الذى جعل الأوربيين فى يوم من الأيام يفترس بعضهم بعضا.

وذكريات الحرب العالمية الثانية، لا تزال تقلق مضاجع الإنسان الأوربي، فلقد قتل فى هذه الحرب ( 60 ) مليون إنسان، أي أنه قد ثكلت ( 60) مليون أم وترملت ( 60 ) مليون زوجة.

وفى تلك الأيام لم تكن الأسلحة مدمرة كالأسلحة التى صنعتها الجالية الغربية اليوم..

والعامل الذى كان وراء الحرب العالمية الثانية، لا يزال موجودا.

فالميكروب الذى خلق هذه العوارض المرضية موجود فى الجاهلية المادية ، وهو : عامل التنافس من أجل المادة.

وميزانيات التسلح فى العالم شاهدة على ما نقول.

فمنذ الحرب العالمية الثانية، وميزانية التسلح فى تزايد مستمر. واليوم قد بلغت ميزانيات التسلح حدا ابتلعت من جرائه كل الجهود البشرية وكل التقدم البشرى.

والتضخم فى العالم، سواء العالم الرأسمالي أو الاشتراكي ، والذي ينتقل عبر القوانين الجائرة إلى البلاد النامية والذي يولد بدوره البطالة وتقليل فرص العمل، كما يولد المجاعات، وبالتالي يولد الصراع ويؤدى إلى نشوب الحرب.. وهذا كله موجود اليوم..

كما تذكر إحدى المجلات ، بأن حجم البطالة فى مصر قد بلغ ( 12 ) مليون إنسان.

أما فى السودان فلابد أن تبحث عن أرقام ضئيلة تعكس حجم العمالة والعمل، أما البطالة فحدث ولا حرج.

فماذا يعنى ذلك؟

يعنى أن البطالة والتضخم، والأمراض الاقتصادية التى استوردت من الغرب والشرق، بسبب القوانين الجائرة، والتي اختمرت فى بلادنا وأصبحت كجرثومة انتقلت من بلد إلى بلد، وتأثرت وبدأت عوارض المرض تظهر اليوم.

فماذا يفعل الإنسان؟

يستطيع الإنسان التحدي، لأن الله قد خلق روح الإنسان بطريقة تستطيع أن تعرف المرض، وتتحداه، فلو لم يكن الإنسان بهذا المستوى من الخلاقية والإبداع لانتهت البشرية منذ فترة طويلة.

هناك صعوبات كثيرة واجهت البشرية فى تاريخها الطويل. فكافحت البشرية تلك الصعوبات وتغلبت عليها..

واليوم .. هناك أزمة خانقة تواجهها البشرية وهى أزمة الحضارة الغربية، أزمة المادية العمياء، أزمة الحروب النووية، أزمة ميزانية التسلح العالية ، أزمة البطالة المتفاقمة، أزمة التضخم المتصاعد.

فهل يكون للبشر قدرة على التفوق وتحدى هذه الأزمات أو لا .. ؟

إنه ريب أن لدى البشر القدرة وبدليل تاريخهم الطويل ..

فإذا من هم البشر القادرون على تجاوز هذه الأزمات؟

من أين تنطلق الثورة العالمية؟

إن هناك من يقول إن الثورة الثالثة ستنطلق من أمريكا، والبعض يقول من أوربا، والبعض الآخر يقول من الاتحاد السوفيتي.

أما نحن نقول : كلا .. لأن الثورة لا تزرع فى أرض غنية ، كما الحضارة لا تنمو فى أرض غنية.

فليس هناك حضارة نمت فى أرض غنية وفى ظروف مرفهة.

هل يمكن أن يثور الفرنسي؟

كلا ...

لأنه اليوم يبتز الشعب المسلم فى العراق وفى الجزيرة العربية، والخليج وأفريقيا.

وهل يمكن أن يثور الأمريكي ؟

كلا ..

فهو اليوم يسرق العالم، بل يلتهمه التهاما، وكذا الروسي...

فمن المحتمل أن تثور البروليتاريا الروسية، ولكن لا يمكن أن تثور الماركسية المستكبرة.

إذا فمن الذى يثور؟

إنهم حفاة الأقدام..

وأين يثورون ؟ ؟

فى إفريقيا...

وفى أي بلد يثورون؟ ؟

فى مصر .. التى هى بوابة أفريقيا، وناقلة ا لحضارة الإسلامية فى أفريقيا، والدولة العربية الكبرى، ومركز الإشعاع الروحي للعالم الإسلامي فى فترة طويلة، وفى سائر البلاد الإسلامية التى لا تزال تعانى الاستغلال والحرمان الاقتصادي.

ثانيا: المسلمون عادوا لقرآنهم:

لقد انتظر المسلمون بدورهم طويلا، فبهرت بعضهم حضارة الغرب فتغرب، واستهوت بعضهم بطولات بعض الثائرين فى الشرق فتشرق.

ولكن اليوم قد سقطت الأقنعة، لأن المسلمين عادوا إلى قرآنهم ، ورأوا فيه ينبوعا لا ينضب وحضارة لا تنتهي، فاتجهوا إلى الإسلام.

سإن المسلمين ، لم يتجهوا إلى الإسلام بسبب أن السادات فى مصر عمل معاهدة ( كامب ديفيد) ولم يتجه المسلمون العراقيون بسبب أن صداما قد عارض إيران كلا ..

بل إن الشعب العراقي يتجه إلى الإسلام لا لينقذ نفسه من صدام فقط وإنما ليبدأ مسيرة طويلة وشاقة وهى مسيرته الحضارية.. وكذلك الشعب فى مصر واندونيسيا ونيجريا .. والفلبين..

ولن يقف أمام هذه العودة الاعتقالات أو الإرهاب.

ثالثا: تضامن الشعوب:

بعد انتصار الثورة الإسلامية فى إيران بدأت الإمبريالية العالمية تبذل المستحيل من أجل تشويه سمعة هذه الثورة، فحاولت دس عملائها فى أجهزة الثورة فى إيران ليربطوا خطوطهم الاستعمارية من جديد، وحاولت دعم الحركات الانفصالية ، وقامت بحصار اقتصادي وبعدها أشعلوا حربا عدوانية ضد إيران.

وكانت سياستهم التضليل عبر شبكاتهم التضليلية فى العالم، ولكن ما الذى حدث بعد مرور ثلاث سنوات من انتصار الثورة الإسلامية ؟وما الذى فعله الأسياد فى مصر؟

إنه يتبجح فيصرح للصحفيين بأن شباب مصر يريدون إقامة حكومة الإمام الخميني.

إنه يعترف بذل لأنه يعرف أن الشعب المصري يبحث عن خمينى فى مصر.

وحينما قالت إحدى شبكات التليفزيون الأمريكية ، بأن السادات يواجه مصير الشاه المقبور، أعلن للتليفزيون بقوله:

( إنني لن أواجه مصير الشاه ولن يحكم مصر خمينى).

ونفى الطغاة دليل على ثبوت الحقيقة..

فلماذا لا يصبح مصير السادات كمصير الشاه، وهو يمثل سياسة الشاه المقبور، ونجد اليوم ولسوء الإدارة ارتفاع نسبة البطالة فى مصر.

ولقد عمل السادات على تخفيف أزمة البطالة المحتدة، عبر تصدير العمال إلى العراق.

إننا فى العراق نرحب بالإخوة المصريين، لأننا نعلم أن هؤلاء سيضعون صوتهم إلى صوت الثورة الإسلامية – إلا قليلا منهم – لأن قيم الإسلام تربط بين أبنائه ، والدليل على هذا هو ما نراه اليوم فى دول الخليج حي كان الاستعمار فى الخليج يراهن على ضرب الفلسطينيين بالإيرانيين ، وإيجاد الخلاف بين هذين الشعبين.

فما الذى حدث؟

لقد وقفت الجاليات الإيرانية والفلسطينية فى الخليج إلى جانب الشعب الخليجي ، لينصروا القضية الواحدة، وهى قضية الإسلام.

وهكذا فإن الشعب المصري يأكل التراب، ويفترش الأرض ، ويلتحف بالسماء، ليستمر فى مقاومته للطغاة، وكذلك الشعب السوداني، وشعوب المنطقة.

هذه الأسباب الثلاثة تدعونا إلى الإيمان الراسخ بأن الأحداث الأخيرة، التى حدثت فى المغرب والجزائر، تونس والسودان ومصر .

كلها تنبئ بأن انتصارات الثورة الإسلامية قريبة وأقرب مما يتصوره الطغاة.

ولكن وحسب الظاهرة أن كمبيوترات المستكبرين فى العالم لم تقرأ التاريخ ولم تحفظ أحداثه وأنها لا تستوعب التاريخ لأن الكمبيوتر معادلة رياضية، والمعادلة الرياضية لا تستطيع أن تدرس المعنويات أبدا.

ولذلك فإن هؤلاء الذين فقدوا عقولهم، وأعطوها للكمبيوتر وجعلوه مرجعهم، لا يمكنهم أن يفهموا بأن التاريخ سلسلة متكررة من الأحداث، وأن ما حدث قبل ( 6000 ) سنة أو أكثر فى مصر أو فى العراق، حيث تحدى الشعبان ضغوط الجفاف يمكن أن تتكرر نفس الحادثة التاريخية ولكن بأسلوب آخر اليوم.

الإخلاص عنوان الحركة الرسالية

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، وكان الله سميعا بصيرا . يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى إن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا . يا أيها الذين آمنوا، آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل، ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا".

( 134 – 136 ) النساء

تسود العالم الإسلامي اليوم موجة رائعة من الوعي الإسلامي واليقظة الإسلامية ، وعلينا أن نكون حذرين حتى لا تكون هذه الموجة قائمة على أساس غثاء السيل، وإنما يجب أن ت كون على أساس ما ينفع الناس وأن لا تتأثر بسلبيات تاريخ المسلمين الذى هو مزيج من القيم الإلهية والنزعات البشرية، باعتبار أن تاريخ المسلمين إنما هو من صنع المسلمين وهم بشر.

" وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى"

( 53 – يوسف)

وما داموا بشرا، فإن الإثارة السلبية سوف تتفاعل مع نفوسهم، وبالتالي مع تاريخهم، ولا يمكن أن نقدس التاريخ ونعتبر أن كلما فعله الأولون هو الحق، لأن هذه نظرة بدائية وجاهلية، فالجاهليون كانوا يزعمون أن آباءهم كانوا على أمة وإنهم على آثارهم لمقتدون.

ولكننا نقول إن كتاب الله ، وسنة رسول الله ، ونصوص أهل بيته التى استوحوها من كتاب الله ومن حديث الرسول هى المعصومة عن الخطأ فقط، وهى ا لقيمة والمقياس، والفرقان، أما ما جرى فى التاريخ ، فهو يحتمل الصدق والكذب، والصحة والخطأ ، والاستقامة والانحراف، فلكي لا تنحرف هذه الموجة الإسلامية عن أصولها السليمة ، لابد أن نعيد النظر فى كثير من الأمور، ولابد أن نعرف كيف نستوحي من القرآن تعاليم التحرك السياسي، وأساليب العمل النضالي، ويجب أن نتمعن جيدا لنعرف هل فى القرآن أساليب للعسكرية الإسلامية وتوجيهات للأمن الداخلي والخارجي وللتنمية الاقتصادية ولتنظيم العلاقات بين مختلف قطاعات الحركة الرسالية ولمختلف المشاكل التى تعانيها الأمة، وتعانيها طلائع الأمة المجاهدة لذلك لابد للإنسان أن يستنبط منهاج حياته من القرآن، ويرسم مستقبله فى هذه الدنيا عبر التعاليم الشرعية، فليس هناك فاصل بين الدنيا ، ولا بين التعاليم الإسلامية الإلهية ومفردات التحرك الفردي أو الاجتماعي، أو السياسي أو الاقتصادي أو فى سائر الحقول، فالإسلام لكل مناح الحياة، وكلها موجودة فى تعاليم القرآن ، ومن هنا نستوحي من الآيات التى تليت آنفا بعض التعاليم التى جاءت فى القرآن الحكيم، فى هذا المجال.

ولابد أن نعرف أولا أن هناك فرقا كبيرا بين ما اصطلح عليه من الحركة السياسية والحركة الرسالية، فالحركة السياسية حركة تهدف الوصول إلى السلطة، وعلى هذا الأساس ترسم طريقها وخريطة عملها..

وعادة ما تضطر هذه الحركة لأن تخوض حربا شديدة وصراعا حادا مع سائر الفرق المنافسة لها، بغية الوصول إلى السلطة ، فالسلطة محور صراعات البشر، والوصول إليها ليس سهلا، بل هو بحاجة إلى خوض صراع الأطراف الأخرى، وخلال هذا الصراع تشعر الحركة السياسية بضعف، ولذلك تبرر بعض مواقفها، بقولها بأن ( الغاية تبرر الوسيلة) ولذلك ترى أن كثيرا من الحركات السياسية بدأت نظيفة وطاهرة ونقية ولأهداف إنسانية، ولكنها تلوثت فى خلال المسير بكثير من السلبيات، فبعضها ارتمت فى أحضان المستعمر وبعضها تحولت من حركة سياسية مستقلة إلى مجموعة مرتزقة، وشراذم وجواسيس للدول الكبرى، لماذا ؟ لأن حتميات التحرك السياسي، والظروف الصعبة التى تمر بها الحركة السياسية، توجب انحرافها عن مسيرتها، وتورطها فى الجرائم ، وفى مختلف أشكال الالتواء والنفاق، والمكر والخداع.

إن الحركات القومية والوطنية ومجاميع حركات الضباط فى الجيوش العربية، كانت تستهدف إنقاذ فلسطين وإبادة اليهود، وإعطاء الحرية للجماهير ، و – إذا وصلت إلى الحكم – تعميم الرفاه الاجتماعي، ولكنها حين وصلت إلى الحكم، وصلت منهكة مثقلة بالسلبيات وبالضغائن والأحقاد تجاه بعضها، فوضعت السيف فى رقاب العباد، وكانت أسوء من السابقين ، وصدق قول الشاعر:

رب يوم بكيت منه فلما

صرت فى غيره بكيت عليه

إن الشعوب الإسلامية والعربية كانت تبكى من أنظمتها فلما حدث الانقلاب العسكري، بدأوا يبكون على تلك الأنظمة ويفتشون عنها، لماذا ؟ ، إننا لا نستطيع أن نقول أن هذه الحركات كانت عملية للأجنبي، وإنما لأن طبيعة الظروف الصعبة التى مرت بها، ولعدم وجود عاصم يعصم أبناءها من الارتماء فى أحضان العمالة الأجنبية أو الخضوع للعقد النفسية هو الذى سبب هذه النهاية البئيسة لهذه الحركات، فالرجل الذى عاش عشرين عاما فى السجون أو الذى أهين فى السجون ، ولم يملك الإيمان الكافي، أصبح كتلة من العقد، لذلك حينما أراد الاستعمار، شراء مثل هذا الرجل اشتراه بأبخس الأثمان وهذا ما حدث تماما لأنور السادات حيث باع القضية العربية والفلسطينية بأبخس الأثمان، لماذا؟

لأن فى داخله كتلة أحقاد، ولذلك اضطر إلى أن يبيع نفسه خلال نزعاته الذاتية الداخلية، فأمثال هؤلاء يعانون من هذه العقد، ولذلك كان يصفى بعضهم بعضا وينقسمون على أنفسهم، ويتقاتلون فى مخيماتهم ، ووتراكم المشاكل عليهم ويعد لما يصل إلى تحرير شبر واحد من أراضيهم.

هذه هى الحركة السياسية بالمفهوم الضيق للكلمة الذى اصطلح عليه حاليا، وفى مقابلها الحركة الرسالية، التى تستوحي قيمها من الإسلام، وتعمل لله، ولا ننسى أن أمامها هدفا مقدسا وساميا وعظيما، لابد أن تحققه، وهو ابتغاء رضوان الله سبحانه وتعالى.

إن هذه الحركة لا تريد السلطة لذاتها، ولا تتحول السلطة فى عينها إلى هدف مهما كانت الظروف، وإنما السلطة بالنسبة لها وسيلة. إن هذه الحركة بالرغم من أنها تخوض صراعا سياسيا حادا وتفتتن بتلك الضغوط التى افتتنت بها سائر الحركات السياسية، وبالرغم من ملاحقة أجهزة الأمن إلا أن أبناءها يعتصمون بحبل الله ، ولا ينسون أنهم أصحاب رسالة، وليسوا أصحاب سياسة فهم لا يفتشون عن مكاسب، ومغانم. إن أبناء هذه الحركة يذكرون الله قبل كل عمل، ليبلوروا نيتهم، ويعتصموا بالله مع كل عمل، ويشكروه بعده، فهم يروا بأن السفر فى سبيل الله عمل رسالى، الدخول فى السجن فى سبيل الله عمل رسالى، وكل ما يجرى عليهم وما يصدر منهم هو فى سبيل الله ..

فالسجن حينها اقتداء بالنبي يوسف الصديق، وبسائر الأنبياء والأئمة الذين اعتقلوا وسجنوا وعلى رأسهم رسول الله محمد بن عبد الله ( ص ) الذى بقى فى شعب أبى طالب ثلاث سنين مسجونا مع الإمام على وخديجة وأبى طالب وآخرين من بن هاشم، وبالإمام الكاظم ( ع ) لذلك فإن هذه الرجل – الذى يدخل السجن وعلى شفاهه نية العمل الصالح ونية التقرب لله بعمله، وعند ممارسة الجلادين ألوان التعذيب على جسده يلهج بذكر الله ويعتصم به وعند خروجه من السجن يستمر فى ذلك، لا تتراكم العقد فى نفسه، وكثيرا ما يعفو ويسمح، فكم آذى أهل مكة النبي ( ص) وألقوا فى طريق الشوك، والقذرات، وهو فى حالة الصلاة، وأدموا جسمه، وقاطعوه وجوعوه، وأهانوه،مع كل ذلك حينما رآهم خاضعين لسلطته، بعد فتح مكة قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء فهو لم يكن يحمل عقدة نفسية لأن عمله فى سبيل الله ، إن المؤمن كلما رفع رجله ووضعها، وكلما أوذى فى سبيل الله ، وكلما هاجر فى سبيل الله وأخرج من بلده يعلم بأن كل ذلك محسوب عند الله .

" فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى"

( طه آية 52 )

لذلك لا تتراكم العقد فى ذاته، فالمؤمن لا يخشى . وإن كثيرا من الأعمال الخاطئة ، يقوم بها الإنسان بسبب ضعفه النفسي، وخوفه من المستقبل وخشيته من الفشل، أما المؤمن فإنه لا يخشى الفشل ولا يرى ضرورة لسلوك الطرق الملتوية ، ولا يرى ضرورة للكيد والحيلة ، وإنما يتحرك باستقامة، لأنه يتوكل على الله.

" ومن يتوكل على الله فهو حسبه"

( الطلاق آية 3 )

إن الشيطان يوسوس للإنسان بسلك السبل الملتوية المتعرجة، ولكن القرآن يقول بأن الطريق الواسع هو الطريق الصحيح والمحجة البيضاء، يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام إن سبل السلام هى عند الله سبحانه.

" ومن يتق الله يجعل له مخرجا . ويرزقه من حيث لا يحتسب "

( الطلاق 2 – 3)

إن تقوى الله هى التى تعطى الإنسان طريقة الخروج من مشاكله، وهذه مفارقة مهمة جدا فى حياة الحركة الرسالية، فهي تعتمد الطرق المشروعة التى استطاعت إلى ذلك سبيلا، وتتجاوز الطرق الغير المشروعة. " وقل ربى أدخلني مدخل صدق ، وأخرجني مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا"

( الإسراء آية 8 )

ولكن ما هى العلاقة بين قوله سبحانه وتعالى:

" وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق "

والذي يعنى اللهم اجعل عملي عملا صادقا، أدخله بجد واجتهاد وإيمان واستقامة ومسئولية، وأخرج منه بعد أن أؤدي العمل كاملا ، وبين قوله تعالى": " واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا"

والذي يعنى فى بعض الروايات السيف أى القوة أو يعنى أن أكون حاكما ، أو تحت ظل حكومة عادلة ؟ فالعلاقة هى أن من يدخل مدخل صدق ويخرج مخرج صدق بإذن الله هو الذى يعطيه الله سلطانا نصيرا، وهذه سمة الحركة الرسالية وهناك عدة أمثلة هى خلاصة تجارب الشعوب ، فالمثل الياباني يقول:

( إذا كنت مستعجلا فلا تختار الطريق الأقرب). فالذي يكون مستعجلا يختار الطريق الذى فيه المزالق والمهاوى والخطورة وعادة لا يصل إلى نتائج، والمثل العراقي يقول: ( امش شهر ولا تعبر نهر)

أى اختر الطريق الذى يطول شهرا من المسير ولا تقفز فوق النهر ، لأنه قد يكون فيه هلاكك ، وكثيرا ما يختار الإنسان فى مسيرة حياته الطرق الملتوية لكلا يصل إلى النتائج بسرعة ويطوى المراحل ولكنه ينتهي ويفنى.

إن الحركة الرسالية لا تستعجل النتائج، ولذلك لا تتورط فى مجموعة مشاكل نفسية ، فالإمام الصادق ( ع )حينما يمدح عمار ابن ياسر يقول:

( وما خير بين أمرين كلاهما فى الله إلا اختار أشقهما على نفسه).

والرواية التى تقول:

( خير الأعمال أحزمها).

أي أكثرها شدة، تريد أن تربى فينا روحية عدم الفرار من الصعوبة، فالذي يفر من الصعوبات ومن الأعمال الشاقة يتورط فى المزالق، فالمؤمن يتربى على اقتحام المصاعب.. ولكن ما هى حقيقة الإيمان، إن ظاهر الإيمان هو الصلاة والصوم، والذهاب إلى المسجد، ولكن حقيقة الإيمان المستقر هو الخروج من الذات ، حيث يعيش الإنسان مع الحق لا مع النفس ورغباتها وشهواتها، وإنما يعمل لله سبحانه .. والآيات السابقة توحي بهذه الحقيقة:

" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط" .

الفرق بين القسط والعدل، أن القسط هو العدالة الواقعية، وليست ظاهرية.

" كونوا قوامين بالقسط"

لتكن حياتكم قائمة على أساس التحرك السريع والمستمر من أجل العدالة.

" قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" .

إن هذا هو الخروج من الذات، فكم هى قيمة أن يشهد الإنسان لله، وأن يكون شهيدا فى الله وهو حى، إن الإنسان بحاجة إلى أن يزكى نفسه حتى يصل إلى هذه الحقيقة الصعبة.

" ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما".

إن القرآن يأمرنا بأن تكون شهادتنا لله وليست على حساب الحق والحقيقة، ولا يصح أبدا أن نشهد لأبناء طبقتنا ، فلكوننا فقراء نشهد للفقراء أو لكوننا أغنياء نشهد للأغنياء .. إن هذه الشهادة خاطئة، سواءا كانت بمفهومها الطبقي أو الرأسمالي، فالآية تشمل كلا المفهومين والخطأ فى كلا النظامين، وعلينا أن نقول الحق أنى وجد.

" إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبع الهوى".

على الإنسان ألا ينظر إلى مصلحته فيتبعها وإنما عليه أن يتبع الحق.

" وأن تعدلوا "

أي إن الذى يتبع لا يعدل.

" وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله بما تعملون خبيرا".

إن الإعراض هو عدم تقبل القرآن نهائيا، والمعرضون مصيرهم واضح وبين للجميع وهو نار جهنم، أما البعض فإنه لا يعرض عن القرآن وإنما يؤله ويحاول أن يبحث عن تفسير تأويل يبعده عن القرآن وأحكامه.

" فإن الله كان بما تعملون خبيرا".

إن الموجة الإسلامية العارمة استطاعت بحركاتها الرسالية أنتوجه ضربات قاصمة للاستكبار العالمي فى المنطقة، وأن تحقق كثيرا من الانتصارات ،والتي من ضنها الانسحاب الإسرائيلي من بعض مناطق جنوب لبنان، وإن هذه الانتصارات تجعل من بعض الحكومات العربية تدعى بأنها هى التى حققتها، فالهزيمة يتيمة بينما الانتصار ألف أب يدعيه، ولكن الحقيقة التى قد تظهر فى بعض الصحف الأجنبية غير ما ادعوه أولئك، فالحقيقة أن هؤلاء الفتية الذين أمنوا بربهم وزادهم الله هدى والذين لم يبحثوا لا عن اسم أو شعار، هؤلاء وضعوا أرواحهم على أكفهم وقهروا العنجهية الإسرائيلية ، ولأول مرة فى تاريخها، وأصبحوا مثلا لكل إنسان واع فى العالم الإسلامي، والواعون فى العالم الإسلامي الذين يريدون أن ينقلوا أمتهم عرفوا الآن بأن الطريق هو الانتماء إلى الحركة الرسالية، التى تأخذ شرعيتها من القرآن الحكيم، ومن جهاد المؤمنين الصادقين فى التاريخ، ومن استشهاد أبى عبد الله الحسين (ع) ، ومن واقعة كربلاء ويجب أن نقف عند هذا الانتصار طويلا لأن الانتصار فى عصر الهزائم عظيم فلقد علمتنا الهزائم المتلاحقة كيف نهرب، والآن جاء دور الرساليين لكى يلقنوا المستعمر درسا لن ينساه، وليخرجوه ذليلا خاسئا من أراضيهم، وليعطوا للعالم أجمع درسا فى النضال والتضحية ففى منطقة حساسة وضد عدو قاهر يخشاه الناس، ويضرب به المثل، نرى مجموعة من الشباب الذين لا يملكون إلا إيمانهم وجهدهم ينتصرون على المارينز الأمريكي، وإلى الآن لا يعرف الأمريكيون كيف يروا هزيمتهم والعالم يضحك عليهم، ومجموعة أخرى من الشباب أيضا يهزمون إسرائيل إلى سنين لا يعرف الإسرائيليون كيف حصلت الهزيمة لهم، هذا معنى أن يكون الإنسان مع ربه، وألا يفكر فى مكاسب الدنيا، وأن يلغى الدنيا إلغاءا فى ذاته، يلغى من حسابه البهارج ، والإغراءات والضغوط والإرهاب وأن يتوكل على الله فى طريق الجهاد حينها يكون الواحد أمة.

سمات الحركة الرسالية

بسم الله الرحمن الرحيم

" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد اله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون. أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"

( 48 – 50 المائدة)

تتميز الحركة الرسالية عن الحركات السياسية بميزات عديدة من ضمنها ما يلي:

أولا: الاقتداء بحياة الأنبياء والأئمة (ع):

فهي التى تتبع نهج الأنبياء والأئمة الصادقين وتحمل رسالة السماء هدفا، وشرائع الله منهاجا، بعكس الحركات السياسية التى قد تهدف بعض الغايات النبيلة وليست كلها، وقد تتبع مناهج سليمة تشوبها بمناهج شيطانية خاطئة.

ونحن الذين نصبوا إلى الانضواء تحت مظلة الرسالات السماوية، والعمل فى سبيل تحكيم شرائع الله وأحكامه، لابد أن نكون حذرين وواعين وعارفين ما يميزنا من سائر التوجهات ، فلا نفتتن من توجهات الآخرين ولا نقع فى أخطائهم، ولا نقود بردود أفعال نفتتن من توجهات الآخرين ولا نقع فى أخطائهم ، ولا نقوم بردود أفعال تجاه تصرفاتهم، ولا ننسى رسالتنا ورساليتنا أثناء تموجات صراعنا المرير مع أعداء الرسالة، ولا ننسى ربنا ورضوانه وجنانه خلال ابتلائنا بامتحان عسير فى سبيله ، ولا ننهزم عند حلول منتصف الطريق، ولا نفقد صبرنا ومعه استقامتنا .

من أجل كل ذلك ، لابد أن نكون كذلك، ونتساءل المرة بعد الأخرى ما هى ميزات الحركة الرسالية؟ وما هى سمات الأنبياء والأئمة ؟ وكيف عاشوا؟ وكيف تحركوا؟ وكيف واجهوا المشاكل والصعاب؟.

حياة الأئمة هى أكثر أهمية وأعظم شأنا من أقوالهم، لأن الأقوال قد يشترك فى بعضها الآخرون، وكثير أولئك الذين يصعدون المنابر ويتشدقون بقول ( يا عباد الله اتقوا الله ) .. الخ ولكن القليل منهم يثبت فى المواقف الصعبة.

ونستشف من ذلك أن حياة الأئمة أكثر أهمية من أقواله، ولا سيما إذا عرفنا حياتهم بصورة عامة، وجعلناها فى إطار عام كمثال يحتذي، ومنبع ينبض بالحيوية والفاعلية، فمرة تسمع قصة عن شخص والقصة ( كما هو معروف) مشتقة من القص أي القطعة الصغيرة، وتستوحي منها عبرة، قد تقبلها أو لا تقبلها لأن ( الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها) ولكن فى بعض الأحيان تدرس سيرة رجل، وتعتبره قدوة وإماما معصوما مطاعا متبعا، وتسخر نفسك له شيعيا تابعا مقلدا، فشتان بين ذا وذاك، فالقصة قطعة صغيرة من حياة شخص بينما السيرة هى كل حياته ولك الحق أن تتبع القصة أو لا تتبعها، ولكن ليس لك الحق فى ترك سيرة نبيك وأئمتك.

والسيرة ينبغي أن تضعها جميعا- من ألفها إلى باءها- فى خلدك، ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أنك تدرس حياة الرسول الأكرم محمد ( ص ) بحيث تتجسد لك صورته فى كل لحظة وعند كل موقف ومع كل استفهام، كالإمام على (ع ) الذى كان يتبع رسول الله ويصف اتباعه ذلك كاتباع الفصيل لأمه، والفصيل حين يتبع أمه يضع رجله فى موقع رجلها، ويقتفى أثرها خطوة فخطوة، والإمام على (ع) وضع سيرة رسول الله( ص ) الوضاءة مثالا لحركاته، ويتبعها خطوة فخطوة، شبرا فشبرا، وفى كل منعطف وصراع، وسواء فى الحرب أو السلم، فى الليل أو النهار. هناك منهجان إزاء سيرة النبي والأئمة.

الأول: قراءة ضحلة عن سيرتهم والذي سيؤدى بدوره إلى معرفة صورة متناثرة وباهتة عن حياتهم وهذا لا يجدي شيئا.

الثاني: وضع سيرة النبي والأئمة فى قطب الرحى، ليس ذلك – فقد- وإنما حفظهما والتمعن فيها، بحيث تتحول سيرة الرسول إلى تمثال أمام عينه وفى هذه الحالة بصورة آلية وشبه أوتوماتيكية يتبع سيرة الرسول، وبلا تكلف، فمثلا فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة، حجة الله على خلقه، المعصومة عن الزلل والمفطومة عن الخطل التى قال عنها رسول الله ( ص).

" فاطمة بضعة منى وهى نور عيني وثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها".

" إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها".

ماذا تعرف عنها وعن سيرتها، وماذا تعي من مواقفها وأقوالها ومن خطبتها بعد حياة الرسول لنساء الأنصار .

ما يميز الحركة الرسالية فى البدء، أن الفرد يتقولب فيها بقالب الصديقين والأئمة والنبيين، وتصاغ شخصيته من جديد، فإذا مشى نظرت إلى مشيته التى تحكى لك مشية رسول الله والأئمة، وإذا حكي فكلماته تحكى لكل عن كلمات الأئمة فهو يحكى نورا ويقذف من فيه دستور الحياة، وإذا اتخذ موقفا عكس موقفه موقف النبيين والصديقين وهذه هى القضية الجذرية حيت لا يسمى الإنسان شيعيا أو من حزب الأئمة حينما يمدح النبي والأئمة، وإنما حين يشايع والمشايعة هى التى تعنى الإتباع خطوة فخطوة.

ثانيا: جذرية انطلاق الحركة الرسالية:

فالتغيير الظاهري لا يجنى إلا فائدة ظاهرية، والتغيير الجذري يصنع فائدة جذرية، أما الاكتفاء بتغيير الظاهر لكسب الفائدة الحقيقية فليس أسلوبا ناجحا.

الإنسان الرسالى- دائما- يطرح أمام نفسه هذا السؤال هل تغير عمقي فعلا؟ أم لا زالت سلوكياتي تراودني؟ بإمكان الإنسان إطالة لحيته، ووضع العمامة على رأسه، وارتداء جبة فضفاضة نظيفة، ولكن تغيير القلب ليس عملا بسيطا . لننظر إلى هذه الآية.

" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"

( الفرقان آية 63 )

هل تريد أن تطبق هذه الآية ؟ هل تستطيع أن تمشى دون أن تحس بقرقعة خطواتك عليها، أى تمشى كالسارق فى الليل دون أن تكن ثقيلا على الآخرين بعكس الناس الذين يمشون على الأرض ويحملون الآخرين الثقل، وكأنهم الجبل فيأتي إلى البيت ويصرخ أين طعامي وفراشي؟ لماذا لم تنظفوا وترتبو سريري؟ فيصبح ثقيلا حتى على زوجته، ويحاول فرض نفسه على أولاده فرضا وكأنه طاغوتهم، كل ذلك لإثبات وجوده، ووضعه فى المكان المناسب ، وأشباه هذا يكونوا ثقلا على الأرض، بعكس عباد الرحمن يتسمون بالخفة.

ومن صفات المؤمن فى آخر الزمان أنه نؤمة وإذا دخل فى مجلس لا يفكر أين يجلس ، ومن قام احتراما له ومن لم يحترمه.

" من دخل فى المجلس وأخذ ينظر هنا وهناك من تحت عينيه من قام له، ومن لم يقم فليتبوأ مقعده من النار".

والمؤمن لا يفتش عن الحقوق وإنما يجرى من أجل الواجبات الملقاة على كاهله.

" يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"

يجيب لوم الجاهلين عليه، وسبهم وهجرانهم بالسلام.

" والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما"

( 64 – الفرقان)

حينما أصبحت رجلا رساليا هل فكرت أن تبيت لربك ولو ليلة واحدة ساجدا وقائما، هل حدثت نفسك بذلك؟

إن هناك بونا شاسعا بين التمنيات والتطلعات الحقيقة، لأن التمني حلم والتطلع عمل وسعى وإصرار وعناد لتحقيق الهدف، وتغيير الذات ليس تمنيا ، إنما هو هدف عظيم، لذلك فإن الجذر يجب أن يتغير ، وليس القشور.

ثالثا: اعتماد قوة المنطق:

هناك منطقان ، قوة المنطق ومنطق القوة. وإن على الرساليين اعتماد قوة المنطق، فى علاقاتهم الاجتماعية.

نحن نقول للفلك الغربي وإسرائيل.. إن علاقتكم بالمحرومين علاقة شاذة، لأنكم تريدون فرض منطق القوة، ونقول لروسيا كذلك، بالنسبة إلى شعب أفغانستان ؟ ولكننا فى بيوتنا أحيانا نفرض منطق القوة على أزواجنا وأولادنا.

الفئة التى تمارس منطق القوة مع الأضعف منها لا تستطيع أن تنتصر ، ولهذا السبب فشلت الدول العربية فى صراعها مع إسرائيل لأن هذه الدول تمارس منطق القوة مع شعوبها المستضعفة.

المؤمن يتجه إزاء تطبيق الحق ودرء منطق القوة، ووفق ذلك فإنك تراه إذا تسنم منصبا وزاريا فإنه يعتبره أكبر امتحانا له، والحديث يقول:

" الولايات مضامير الرجال"

ولا يتجبر ولا يتكبر بل ينشد إلى الحق.

" كونوا قوامين لله شهداء ولو على أنفسكم"

ويشهد ولو على نفسه ، ويكون علاقاته – على ضوء منطق الحق- مع كل الطبقات الاجتماعية، وكذلك علاقة المجتمعات مع بعضها، أما إذا استندت العلاقات على مبدأ القوة فإن أمريكا تأكلنا جميعا لأنها هى الأقوى.

القرآن الحكيم يقول:

" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق، لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات"

أي أن الله بإمكانه أن يجعل جميع البشر فى مستوى واحد مثلما جعل الطيور والأسماك ولكن الإنسان خلق متفاوتا من أجل التنافس فى الخير.

أنا استوحى من هذه الآية ما يخالف المقولة الشائعة فى العلم العسكري التى تقول( الهجوم أفضل وسيلة للدفاع) فالدفاع أفضل وسيلة للهجوم ، والبناء أفضل وسيلة للهدم لأنه أساسا لماذا نهدم؟

القرآن الحكيم يقول:

" ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين ".

(56–الأعراف)

" إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب"

( 88 – هود)

أما المنطق القائم على إزالة الطرف الآخر والمستند على أساس التنافس فى أمور الهدم علينا أن نوسع قلوبنا لكي تسع الجميع حتى الأعداء . كما كان رسول الله (ص) الذى كان يستغفر لقومه، ويدعو الله له بالهداية : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" .

وكذا الإمام على ( ع) فى صفين يبكى على أعدائه ، والإمام الحسين فى كربلاء. أما نحن فقلوبنا لا تسع حتى للمؤمنين، هذا إذا لم نحسدهم ونحقد عليهم.

علينا أن نصفى قلوبنا من أضغانها وسلبياتها ورذائلها حتى لا يتلوث المجتمع بالمردودات السلبية للصفات الخاطئة كالغيبة والتهمة والنميمة.. لأن أشباه هذه الصفات لن توصلنا غلى أهدافنا السامية، وإنما سوف تكرس روح التنازع وإشاعة الفاحشة والسلبيات فى المجتمع ، وأساس ذلك نابع من الأمراض التى ابتلت بها قلوبنا، أما بالنسبة للتعبير عن الرأى فكل له رأيه، ويستطيع أن يعمل به كل صراحة ولكن لا يسمح بضرب الآخرين وهتكهم بعنوان التعبير عن الرأي . إذ أن ذلك يخالف مبدءا أساسيا نسعى إليه، وهو ضرورة تحقيق الوحدة.

ولكن هذه الوحدة ليست بسيطة وظاهرية، أو مؤامرات أو جلسات أو تحالفات وإنما هى فى القلب كأن تقوم فى منتصف الليل وتقول اللهم ارحم فلانا وفلانا أربعين مؤمنا ممن يخالفك فى أفكارك ويحسب على غير خطك.. هذه معنى الوحدة، وهذا ما يعلمنا إياه القرآن الكريم:

" ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم"

( 10 – الحشر)

أى أن تدعو الله بأن لا يجعل فى قلبك غلا – ولو بسيطا – إلا وانتزعه من قلبك حتى تصبح من المؤهلين للحالة القادمة ( إخوانا على سرر متقابلين) .

حضارة الجنة فى الدنيا يجب أن نجعلها فى الدنيا، لأن من يكون فى الدنيا بحالة – إذا أراد الله – يصبح فى الآخرة كذلك أما أن أكون فى الدنيا ملطخا بالغل والحقد، وأريد الفوز بالجنة فإن ذلك لا يكون. " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات"

أي استبقوا البناء أما توزيع المنشورات ضد الآخرين فإنه يكشف ضيق الأفق لأمثال هذه الفئات.

" إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"

فالإنسان قد يستطيع إخفاء عيوبه عن الآخرين عبر التغطية والأساليب الخاصة، ولكن هل تخفى هذه العيوب عن الله.

" فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"

إن الحركات التى تتبع الشرق والغرب فى طريقتهم دون تمحيص وتمييز سوف تقع فى شراك التغريب وبالتالي تظهر نتائجها السلبية فى المستقبل، لأن الشرق والغرب يملكون أساليب غير مشروعة للسيطرة على بعضهم، وهذا لا يتوافق وديننا الحنيف.

" فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون".

الإيمان منطلق الحركة الرسالية

بسم الله الرحمن الرحيم

" كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود . وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد . أفعيينا بالخلق الأول بل هم فى لبس من خلق جديد. ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد . إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد . وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. ونفخ فى الصور ذلك يوم الوعيد. وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد. لقد كنت فى غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد . وقال قرينه هذا ما لدى عتيد . ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد . مناع للخير معتد مريب. الذى جعل مع الله إلها آخر فألقياه فى العذاب الشديد"

( سورة ق آية 12 – 26)

إن الحركة الرسالية قائمة على أساس الإيمان بالغيب، ليس لأنها لن تنتصر من دون الإيمان به، بل لأن المعاد والبعث حقيقة قائمة إن لم نؤمن بها ولم نعتقد بها اعتقادا حقيقا، فسوف نصطدم بها دون أن نكون قد تسلحنا بسلاح يكفينا شرور المبعث وبلاياه.

الرسول الأعظم محمد ( ص ) أول من بلغ بالرسالة ، جاء ووقف على جبل الصفا ونادى بأعلى صوته: ( واصحاباه) .. وكان هذا النداء ينادى به كلما داهم القوم خطر عظيم، فاجتمع حوله أهل مكة من كل حدب وصوب، فلما ملأوا ما بين الجبلين، واعتقدوا أن الرسول ( ص) جاءهم بخبر عدو يريد أن يقتحمهم ، أو بخبر وبال ينتشر قريبا منهم، وإذا بالرسول ( ص) يعتلى الجبل ويهتف بهم أمنتم مصدقي لو أخبرتكم أن وراء الجبل خيلا تريد أن تغير عليكم؟ قالوا بلى إنك أنت الصادق الأمين .. قال : إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فأخذ القوم يتلاومون وبعضهم يتحدث ضد الرسول، ثم تفرقوا.

لماذا نصدق ذلك الإنسان الذى يدخل علينا من هذا الباب ويعلن بأن هناك قنبلة موقوتة مثلا أو لغما مزروعا خارج القاعة التى نجلس فيها تصديقا عفويا، ولا نصدق القرآن الكريم – وهو كتاب الله الذى إليه مرجعنا ومعادنا- وهو يحذرنا من عذاب الآخرة؟

أو نعتقد بأن القنبلة خارج القاعة أقوى واشد عذابا من نار جهنم؟ لقد جاء فى الحديث الشريف أن نار جهنم قد غسلت سبعين مرة حتى صارت هذه النار التى نشاهدها فى الدنيا، ولم يكن هذا الحديث مفهوما لنا نحن البشر.

ماذا يعنى أن النار غسلوها سبعين مرة؟ وماذا يعنى الحديث الآخر الذى يقول ، لو أن حلقة واحدة من نيران جهنم يؤتى بها إلى الدنيا، لذابت جبال الأرض منها؟

حينما اكتشف البشر اليوم عمل القنبلة الهيدروجينية – التى تستطيع أن تحول مدنا كاملة بما فيها من عمارات ومنشآت وسكان فى مدى لا تتجاوز 1/16 من الثانية غلى مجرد سحابة من الدخان- بدأ يصدق هذه الأحاديث التى قيلت منذ حوالي أربعة عشر قرنا، وقبل أن يتطور العلم إلى هذا المقدار. ونار جهنم أشد حرا من القنابل الهيدروجينية والنووية.

هذه القنابل حينما تتفجر فى مكان ما ينعدم الناس الموجودون فى لحظات وينتهي أمرهم ، أما جهنم فهم مخلدون كما يقول تعالى:

" ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون"

( الزخرف آية 77)

لا يمكن لأحد أن يتنبأ بأهل النار أو الجنة، فالله سبحانه وتعالى يقول:

" ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس"

( الأعراف آية 179 )

وإنما : علينا نحن البشر أن نضع هذا الاحتمال دائما نصب أعيننا ، فنكون بين الرجاء والخوف.

الإمام على (ع) مع فضله يقول – معلما إيانا درجة خوف المؤمن ورجائه : ( لو علمت أن الناس جميعا يدخلون الجنة إلا واحدا لشيت أن أكون ذاك.. ولو علمت أنهم يدخلون النار إلا واحدا لرجوت أن أكون ذلك الواحد).

هكذا ينبغي أن نخاف الله ونرجوه، لا نخافه خوفا يقطع أملنا فى رحمته ولا نرجوه رجاءا يؤدى بنا إلى الأمن من عقابه وناره التى يحذرنا الله تعالى منها:

" يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة"

( التحريم آية 6)

• المؤمنون والمحن:

اننى أعلم بأن إخواننا فى العراق والخليج والسودان، ومصر وفى سائر البلدان الإسلامية الأخرى يعيشون الآن تحت التعذيب الشديد، ويوضعون فى زنزانات ضيقة، لكنني أقول لهم جميعا: صبرا يا إخوتي فإن الدنيا قنطرة الآخرة، وإن الحياة الدنيا مهما كانت طويلة فإنها منتهية لا محالة، والشيء الذى ينتهي ليس طويلا، الطويل هو الذى ليس له نهاية .. هو الآخرة.

نحن إذا انتصرنا – وسننتصر بإذن الله تعالى برغم الطغاة – فقد اكتسبنا حسنيين ، الأولى – وهو الأهم- رضا الله سبحانه وتعالى، والثانية نصر ورفاء ورحمة فى الدنيا. وإذا تأخر انتصارنا – لا سمح الله – وجاء أجلنا المحدد أو الشهادة، فإننا سنحظى برحمة الله ورضوانه فى الجنة.

من الخطأ الفظيع أن نتصور الدنيا نهاية المطاف بالنسبة إلى الإنسان، فالإنسان قبل الدنيا كان يعيش فى عالم الأصلاب حيث كان ينتقل من صلب إلى آخر، كما تقرر ذلك الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة. وقد اكتشف العلم الحديث أن هذا الإنسان الطويل العريض الذى قد يبلغ طوله 175 سم ، ويزن ثمانين كيلو جراما – كان فى يوم من الأيام جينة صغيرة ، لا تستطيع العين المجردة أن تراها إلا عبر المجاهر ( الميكروسكوبات ) القوية.

وقبل أن يكون جينة كان فى عالم الذر ، وقبل ذلك فى عالم الأرواح هذا من جهة الماضي أما من جهة المستقبل، فإنه سيعيش طويلا فى القبر، وهو إما روضة من رياض الجنان أو حفرة من حفر النيران. وعندما يخرج من القبر سيقف خمسين ألف سنة للحساب فى المحكمة الإلهية، وبعدها يصل إلى المنزل الأخير والمستقر النهائي:

" وإن الدار الآخرة لهى الحيان"

( العنكبوت 64)

حيث يعيش هناك خالدا فى الجنان لا يرى فيها مكروها ولا يحس بألم، يجتمع فيها بصورة مستمرة مع الشهداء والصديقين والذين أنعم الله عليهم، إن كان صالحا، والعكس إن كان فاسقا. ولذلك فإن الإنسان يعيش فى الدنيا سعيدا حتى لو سجن وعذب وأحرق جسده وقطعت أعضاؤه..

لأن هذه الشدائد التى مر بها ستتحول غلى نعيم.

• الإعداد الجاد للقاء الله :

نحن نعتقد اعتقادا راسخا بهذه الآية الكريمة التى تقول:

" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"

( الحجر آية 9).

اله الذى أنزل هذا القرآن هو الذى يحفظه، أما نحن بدورنا فينبغي أن نعمل من أجل الآخرة، من أجل أن تنتهي حياتنا بشرف الشهادة. وإن لم تنته حياتنا بهذا الشرف الرفيع، لا أقل نكون ممن قال الله سبحانه وتعالى فى حقهم:

" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "

فتختم عاقبتنا بخير، ولا نكون ممن قال فيهم ربنا سبحانه حين يأتيهم الموت:

" وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"

الله أعلم – ماذا كان عند ( رضا بهلوى) حين حضرته الوفاة، بأي وجه كان يريد أن يقابل ربه، هذا الإنسان الذى لم يصل فى حياته ركعة ولم يصم يوما، ولم يؤد لله لا لعباده حقا، بل قتل الناس وحرم الشعب وعذب المجاهدين ، فكيف سيقابل ربه بعد الفناء الحتمي الذى لا مفر منه.

ولو كان أحد يمكنه أن يتجنب الموت ، لكان النبي سليمان (ع) أولى من غيره بذلك، كان نبيا وملكا، وسخرت له الطير والرياح والجبال والجن وأخضعت لع الطبيعة إخضاعا، وعلم منطق الطير وأوتى من كل شيء لكنه لم يستطع أن يدفع الموت عن نفسه عندما جاءه، فمات وهو متكئ على عصاه.

لدى الإنسان ثلاث لحظات صعبة يمر بها .. لحظة الولادة وقد تجاوزناها ولله الحمد، لأنه كما يقرر العلماء والأطباء أن الطفل فى أية لحظة يمكن أن يموت، أو يولد مشوها..

واللحظة الثانية، هى لحظة الموت.. واللحظة الثالثة هى لحظة الخروج من القبر- يوم القيامة- حيث لا يدرى الإنسان حينئذ أين يذهب ، فهل يتوجه إلى الجنة أو يساق إلى النار.

" ونفخ فى الصور ذلك يوم الوعيد . وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد".

كل نفس تأتى يكون وراءها ملك، وأمامها آخر يقتادان الإنسان أحدهما يسوقه والآخر يشهد عليه.

" لقد كنت فى غفلة من هذا "

لقد ذكرناك فى القرآن وأنذرك الرسل والأنبياء، ولكنك – أيها الإنسان – كنت غافلا وأغمضت عينك عن الحق

" فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد"

أما الآن فقد رفعنا عنك جميع الحجب، سواء الطبيعية منها أو التى راكمتها على بصرك وبصيرتك بذنوبك ومعاصيك وأعمالك السيئة فأصبح بصرك اليوم قويا مثل الحديد ترى الحقائق كلها مجسدة أمامك بوضوح ولا سبيل لك لإنكارها.

" وقال قرينه هذا ما لدى عتيد"

يأتي إليه قرينه ويشهد عليه من طريق الكتاب الذى سجل فيه أعماله.

" ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذى جعل مع الله إلها آخر فألقياه فى العذاب الشديد"

هذه كانت رسالتي، رسالة المواساة، رسالة التبصر ، رسالة المشاطرة فى الآلام..

أيها العراقيون الذين هجروا من بلادهم فى الشتاء القارص، ومن قبل فى حر ا لصيف الشديد، بعد أن جردوهم من كل ممتلكاتهم وأطلقوهم فى المناطق الجبلية الوعرة معرضين لنيران القذائف من الجانبين المتقابلين.

أقول لهؤلاء ، ولكل العاملين فى الساحة، احتسبوا أعمالكم ومعاناتكم وكل خطوة تخطونها فى هذا السبيل عند الله سبحانه وتعال فأنه يكتب ويسجل كل شيء، وهو لن يترك هؤلاء المجرمين يتحكمون بشعوبكم وبلدانكم إلى الأبد، ولابد أن يأخذهم يوما أخذ عزيز مقتدر.

البصيرة الرسالية وانتصار الثورة

قال الله العزيز المجيد فى كتابه الكريم:

" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"

( 92 – الأنبياء)

نماذج كثيرة فى التاريخ تخبر بأن بعض الحركات الثورية فى التاريخ قد انهزمت بالرغم من عطائها الكثير ، وعملها الدائب، وتضحياتها الكبيرة، بينما حالف النجاح حركات أخرى أقل من تلك عطايا، وأقل منها تضحية ، لذلك يطرح السؤال التالي.. لماذا فشلت تلك الحركات رغم بطولاتها وتضحياتها الجسام، بينما انتصرت ما دونها بالرغم من ضآلة حجمها الكفاحي؟

فى الواقع مفهوما النصر والهزيمة يرتكزان إلى أسس معينة لا تستطيع أن تؤدى دورها المطلوب منفردا بل يجب أن تجتمع جميع العوامل فى وقت واحد وتعمل بتناسق وفق خطة مدروسة لتبلغ فى النتيجة الهدف المطلوب، مثل الطائرة لا تستطيع أن تحلق فى الجو إلا إذا عملت جميع أجهزتها فى آن واحد، وفق نظام مخصوص ، أما لو كان هناك بعض الأجهزة عاطلا عن العمل والبعض الآخر سليما، فإنها من المستحيل أن تضمن سلامة طيرانها أو التحليق فى الجو أصلا.

إذا فلو كانت الحركة المناضلة تقدم التضحيات فى مرحلة زمنية، ثم تقوم فى مرحلة أخرى بالشروع لإتمام وإكمال سائر محفزات تحقيق النصر، فإن الحالة هذه لا يمكن أن تساهم فى بلوغ مقاصد تلك الحركة.

ومن العوامل الأساسية فى هذا الصدد هو عامل البصيرة، الذى يعنى أن تكون الممارسات الجهادية، أو الفعاليات المختلفة تتم حسب عقلية دقيقة ومنضبطة ، فحركة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، التى لم يعرف التاريخ لها مثيلا فى الدقة والإتقان وخاصة إذا تتبعنا بداياتها من اعتماد السرية لمدة ثلاث سنوات من أجل أن ينمو الوليد المبارك ويأخذ سيره التصاعدي فى الشعب والاتساع فى سبيل تكوين بداية صحيحة وسليمة قادرة على أن تكون عامل ضغط وقوة فى المستقبل، وهذا ما حصل بالفعل مما أتاح لتلك الطاقات العملاقة لأن تؤدى دورها الفعال- بعدئذ- بدلا من أن تتعرض للموت فى بداية نشر الدعوة، مع كثافة قوة العدو. لقد كان للتخطيط الذكي الحاذق، وإلى دقة دوره الريادي فى تحقيق أهداف الرسالة الكبرى الدور الفاعل فى مجاوزة كل حركات التاريخ قوة واتساعا وأصالة ، وبديهي أن مبررات هذا التفوق الباهر لحركة الرسول الكريم، وتجاوزها الظرف المكاني والزمان حتى قيام الساعة ترجع إلى أنها كانت على بصيرة ثاقبة فى التحرك، فقد كانت أفعال الرسول تتم وفق خطة عملاقة وبعد نظر متكامل، فحينما كان يأمر أصحابه بقول كلمة ( لا إله إلا الله) كان هدفه الاساسى أن يكون شعارا خالدا، وشعار التحرك، فشهادة ( لا إله إلا الله ، محمدا رسول الله ) كلمات رمزية لهدفية الثورة على الواقع الجاهلي، وأهدافه الأخرى هى إقامة الصلاة والزكاة والصيام والجهاد و.. . إلى غير ذلك من أسس تقويم الشخصية الإنسانية على الفضيلة والكمال ولبناء الحضارة الإسلامية.

هذا هو التدرج فى الرسالة ، وهذا مستمد من تدرج الله سبحانه وتعالى فى رسالته، حيث كان ينزل تشريعاته المختلفة كل سنة، حتى اكتملت تشريعات الإسلام فى ثلاث وعشرين عاما. وحينما نستهدف دوافع الانطلاق فى تحديد مسار واقعنا مع حاضرنا المستقبلي على أمانة الرسالة، نكون قد أوضحنا سبل تجاوز التأخر الفاضح فى التقصير والقصور نحو دفع عجلة الإسلام إلى الأمام، ولعل ما حدث فى إيران شاهد حي على ذلك.

لقد استفاد زعيم الثورة الإمام الخميني ( حفظه الله) وأقرانه من العلماء العاملين من أساليب حركة الرسول الكريم، تجربة ساعدت فى انتصار الثورة الإسلامية، كما حدث حينما اضرب عمال النفط أبان الأحداث المتأزمة فى أواخر حكم الشاه المقبور عام 1978 كان بوسع قادة الثورة يشعلوا الثورة فى ذلك اليوم ويمنعوا تصدير النفط، ولكنهم لم يفعلوا ، ولو فعلوا ما كانت الثورة تنجح، لقد انتظر الإمام حتى نضجت ظروف ومستلزمات الثورة فى كل قطاعات الشعب وعلى مختلف الأصعدة، واقتحمت الروح النضالية التمردية كل بيت ومدرسة، ومن بين البيوت، مساكن عمال النفط فى خوزستان جنوب البلاد، وهؤلاء كانوا أبعد الناس عن أجواء حركة التمرد الجماهيري ضد السلطات آنذاك.إن التخطيط الناجح والتصعيد الجماهيري لأساليب المقاومة الصلبة، واندفاع علماء الدين بحماس منقطع النظير ومحاولاتهم الموفقة فى إضفاء الصفة الإسلامية على تحركات الشعب أدى بعد مرور فترة قصيرة أن يحسم الموقف لصالح الأمة، وتغير الكثير من المقاييس لدى المضربين فى كافة الدوائر والمؤسسات، وكذا لدى فئات الشعب التى كانت تتخذ موقف اللامبالاة من الأحداث الجارية فى البداية، بعد توفير هذه الظروف، عند ذلك تم قطع شريان النفط عن الغرب.

لقد كانت تكمن فى مطاوي بيانات الإمام وعلماء الإسلام أبان الثورة، بصيرة سياسية كاملة تقريبا لأوضاع الساحة والظروف السياسية المحيطة بها، وبعد الانتصار الساحق لم يكن الإمام يطرح كل برامجه المستندة إلى تعاليم الدين ورسالته إلا فى الوقت المناسب، فقد قال للشعب : أيها الناس قولوا ( نعم للجمهورية الإسلامية .. لا شرقية ولا غربية ) وعندها توجه غلى صناديق الاقتراع ( 22,000,000 ) مليون إنسان إيراني ليعطوا موافقتهم للجمهورية الإسلامية. وعندما كانت بعض النساء فى الدوائر الرسمية وغيرها فى الأزقة والشوارع غير محجبات باللباس الإسلامي الشرعي، لم يتعرض المسئولون فى أوائل الثورة بجدية إلزامية لهذه المسألة ، لكن بعد أن أوضحوا مفاسد هذه الرذيلة الجاهلية، أمروا النساء بارتداء الحجاب الإسلامي.

ما تقدم آنفا دليل يؤكد أهمية عامل النضوج والوعي السياسي أو البصيرة ، وأنه مقوم أساسي لنجاح أية حركة تتطلع للنصر، وحتى إذا ما وصلت إلى قيادة الجماهير، تكون كفوءة وقادرة بالفعل على مناورة أللاعيب السياسية الدولية خاصة ونحن فى وقت أشهر القوى سيفه على الضعيف . ولهذا العنصر الحيوي مزايا عديدة منها:

- المعرفة الكاملة بالظروف الموضوعية ، والتعامل معها بإلمام تام بكل الجزئيات لما يخدم القضية.

• إلهاب الحماس الجماهيري وتفجير الطاقات الكامنة وتوظيفها لمسيرة الجهاد .

• تنسيق الواجبات المعهودة إلى الطلائع، لاختزال مسيرة الشقاء والآلام نحو النصر وبهذه المناسبة نود التطرق إلى جانب قيم يخص الثورة الإسلامية فى العراق، فالشعب قدم ويقدم التضحيات السخية، من خيرة شبابه وأبناءه، لكن لم يحصد – لحد الآن- ثمار اتعابه وشهدائه، بل العكس كما هو ظاهر ، يشهد انحسارا نوعيا فى أساليب النضال، وتكيفا ملموسا مع الوضع الشاذ، بينما من الجانب الآخر، جانب الطاغوت والحاكم، تشتد أعمال القتل والتعذيب، والنهب الحكومي والاعتداء على المقدسات والأعراض، وذبح الكرامة فى بلد الإباء، فلماذا لم يشهد الواقع لحد الآن ردة الفعل الجماهيري؟

نحن بحاجة ماسة إلى العودة إلى الوراء والتذكير ببعض الحوادث للعبرة والاقتداء ليس إلا . التاريخ يذكر أن الإمام على بن أبى طالب عليه السلام فى حرب صفين سنة 37 للهجرة التى خاضها ضد عدو الله ورسوله بن أبى سفيان، حينما يفقد عمار بن ياسر ذلك الصحابي الجليل الذى شارك فى قتله أبو العادية الفزازى وابن جون السكسكى ، يبكى الثكلى بولدها، ويتمنى الموت بعده..

هذه الواقعة تشير غلى معان كبيرة منها، تشير إلى أنه حينما يفقد الإنسان إخوانه، وتفقد الأمة أبطالها، فإنه لا تساوى شيئا، أما إذا انتهى دور الفصائل الرائدة، وانعدم الأبطال الأكفاء، ستكون الجماهير مسلوبة الإرادة، لا تستطيع أن تعمل لنفسها خيرا، ولأجيل ذلك حرى بالشعب العراقى أن أخذ الدروس والعبر، ويتعظ بتجارب السلف الصالح، وأن يوظفها لما يخدم جهاده الطويل وأن يكون لديه الرؤية العلمية الثورية للمحيط القائم ووقائعه، وأن لا ينطلق فى ممارساته قبل أن تكتمل الرؤية، وتنضج الظروف، يجب أن ينتهز كل منال وكل فرصة لإنضاج الفكر الرسالى المجاهد ، لقد أضاع مع الأسف، عدة فرص، فهو لم ينتهز واقع انتصار الثورة الإسلامية فى إيران، لأخذ المبادرة والنهوض فى إسقاط حكم البعث الكافر، إذ تقاعس قادته، وانتابهم خوف التجرد من المصالح والتوافه الدنيوية، بينما من الطرف الآخر، كشرت السلطة الحاكمة عن أنيابها وتوغلت فى الإجرام وإذلال أبناء الرافدين. وأيضا مرة أخرى ، حينما نشبت الحرب العراقية الإيرانية، كان بإمكان الشعب أن يستثمر المناخ العام لصالحه، وأن يستغل نقاط الضعف لدى السلطة من أن يثور، إن نجاح الثورة إبان الحرب كانت قادرة على أن تغير خارطة العراق السياسية والمنطقة لما يخدم الإسلام ومبادئه.. لكن لم يكن شيئا من هذا القبيل.. إن هذه الفرص وغيرها إنما هى رحمة من الخالق العظيم جل وعلا:

" إن الله سبحانه وتعالى له فى خلقه نفحات، فتعرضوا لها"

الفصل الثاني

استراتيجيات الحركة الرسالية
دور الجماهير فى استقلال حركات التحرر

بسم الله الرحمن الرحيم

" إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا لله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن اله من ينصره إن الله لقوى عزيز . الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور"

( 41- 38 الحج)

حوادث الزمن تتدافع كالنهر يدفع بعضه بعضا، ولا يمكننا أن نقف عند لحظة زمنية معينة ونتصور أن الأحداث قد اتخذت شكلها النهائي، ولن تأتى وراءها متغيرات جديدة.

إن الحوادث تتسلسل، والزمن يجرى، والإنسان هو الإنسان. وقد تكون هناك ظاهرة سياسية أو عسكرية أو غير ذلك ذات أثر كبير فى المستقبل إلا أن ذلك لا يلغى أبدا دور الإنسان فى إمكانية الاستفادة من العوامل التى تساعد فى صنع ظاهرة جديدة تخلق واقعا مختلفا كليا عما سبقه.

ولو أن ظاهرة كبرى ألغت دور الإنسان فى التاريخ لكانت هى حادثة الطوفان الشهيرة، وانتهاء الإنسان الكافر من فوق البسيطة، ولكان ينبغي أن يظل الناس بعد الطوفان مؤمنين حتى الآن، لأن الله سبحانه فى تلك الحادثة أغرق كل ذي نفس كان فوق البسيطة ولم يبق إلا المؤمنين الذين أنجاهم بالسفينة مع نبيه نوح (ع) ولكن الحياة من بعد الطوفان – كما كانت قبله- ظلت تدور حول ذات السنن الإلهية وأبرزها سنة الابتلاء والاختبار للبشر فى جو من الحرية والقدرة على الاختيار.

وفى العصر الحديث الأمر يتكرر فالاحتلال الإسرائيلي الغاشم للبنان والمحاولات الجادة لتغيير معالم هذا البلد وفرض حكومة صليبية صهيونية على شعبه، وخنق هذه البؤرة الحضارية المتطورة فى الشرق الأوسط.. إنما هو من كبريات الظواهر التاريخية فى عصرنا الراهن، ولكنه ليس بالضرورة الظاهرة النهائية، إذ أنه لن يستطيع أن يسلب المسلم فى لبنان وسائر البلاد الإسلامية إرادته وحريته وقدرته على صنع واقع جديد انطلاقا من قول الله سبحانه وتعالى:

" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى"

( النجم 39- 40)

وقوله سبحانه وتعالى :

" إن الله سبحانه وتعالى:

" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

(11 – الرعد)

ويستطيع الإنسان أن يقف فى لحظة تاريخية أمام حوادث الزمن وتغير مجراها، ما دام قائما على أمره وعازما على أن يصنع شيئا فإنه يستطيع حتما، لأن الله سبحانه وتعالى وهب له المشيئة.

" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"

( 30- الإنسان)

ثم جعل الحياة مسخرة لهذه المشيئة ، ألم يأت الحديث الشريف ليقول:

" خلق الله المشيئة قبل الأشياء، ثم خلق الأشياء بالمشيئة"

أولم يسخر الله سبحانه وتعالى للإنسان بالإضافة إلى الأرض التى يعيش عليها.. كل ما فى السماء من أجرام:

" وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره"

(12 - النحل)

لقد أودع الله فيك أيها الإنسان جوهرة، هى ألأعظم فى الكون، هى جوهرة المشيئة، أى الإرادة وحرية الاختيار وجعل العقل مسيطرا عليها وموجها لها.

" وما تشاءون إلا أن يشاء الله "

إرادة المشيئة :

إنك أيها الإنسان تستطيع أن تصنع ما تشاء إذا كانت مشيئتك حقيقية وجادة. إن الذين يجلسون ويقولون لقد انتهى لبنان وانتهت الثورة الفلسطينية ، وانتهى كل شيء إنما هم المنتهون.

إن الحياة طازجة أبدا لمن أراد أن يعيشها.. لقد ظل اليهود طوال أربعة آلاف عام ينتحبون ويرثون أنفسهم ويقولون انتهينا، فقد ظلمنا وقتلنا وشردنا واضطهدنا، ثم جاء ( هرتزل) وقال : من الآن نبدأ لنصنع دولة فقيل له : لقد مر علينا أربعة آلاف عام ولم نستطع أن نبنى لأنفسنا كيانا، قال : إن هناك آية فى قرآن محمد (ص) تقول :

" إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم"

إن هذه الآية تعلمنا بأننا لو أردنا لاستطعنا. وفعلا أرادوا واستطاعوا والقرآن قرآننا .. والآية نزلت علينا بالرغم من أنها نزلت فيهم – أي فى اليهود- ولذلك فنحن كمسلمين لا يجوز لنا أن نقول انتهى كل شيء ، إن من يقول انتهى يكون هو الذى انتهى فقط، أما الحياة فهي جارية كالنهر. ولكن لا يعنى ذلك أننا نستطيع أن نستعيد لبنان بنفس الجهد الذى كنا نستطيع به أن نحافظ عليه، ولا يعنى أننا نستطيع أن ندعم الثورة الفلسطينية بذات القوة، فقد تأخرنا كثيرا بعد أن حطموا جانبا من قدرتنا وأخروا مسيرتنا ووضعوا عقبات جديدة فى طريقنا، ولكن كل ذلك لا يعنى أنهم أنهونا، أو أنهم سلبوا إرادتنا ، كما أن ذلك لا يعنى أننا نستطيع أن نحرر لبنان من الصليبية الحاقدة ممثلة فى ( أمين الجميل) المدعوم من قبل أمريكا وإسرائيل، عن طريق الأحلام والتمنيات.

وهذه هى المرة الثانية التى تأتى فيها القوات الأمريكية إلى لبنان بعدما كاد شعب لبنان أن يحرر أرضه من الحقد الصليبي الموروث من بقايا الحملات الصليبية، ففي سنة 1958 أبان عهد ( كميل شمعون) جاءت القوات الأمريكية على ظهر الأسطول السادس لتنقذ رأس النظام اللبناني الفاسد، واليوم نجد هذه القوات قد جاءت أيضا ولكن تحت علم آخر، ) تعددت الأعلام والجيش واحد) ، إن العلم الفرنسي أو العلم الأمريكي لا يختلفان فى شيء لأن العقلية الإمبريالية التى تبعث هذه القوات والجيوش هى نفسها سواء فى باريس أو واشنطن أو ما أشبههما. وهذه العقلية كانت تترقب الفرص لتبعث بآلتها العسكرية الجهنمية إلى لبنان لتفرض على شعبه حكومة صليبية جائرة..

نحن نعلم أن ( لميتران) و ( ريغان) دورا أساسيا فى هذه العملية . إن علاقات الصليبيين اللبنانيين من الأحرار والكتائب، بالتيار الحاكم فى فرنسا هى علاقات تاريخية وثيقة، وأساسا فالمستعمرون الفرنسيون كانوا وما زالوا يعتبرون المجموعة المسيحية المارونية المستوطنة فى لبنان بنتا لهم وأداة بأيديهم. لماذا جاؤا إلى لبنان ؟

القوات الإسرائيلية جاءت وطردت القوات الفلسطينية ، والمبعوث الأمريكي ( فيليب حبيب) هو الذى أجرى الصلح، وكان دلال الهزيمة.

إنهم يريدون لهذه المليشيات التى تشكل مجموعة صليبية موتورة حاقدة، ذات عقلية توسعية، وذات خوف أبدى من المسلمين، هى التى ستحكم لبنان بدعم من الجيش الصهيوني، وعندها يستطيع أى إنسان أن يتصور كيف سيحكمون لبنان، وكيف سيزرعون كل شبر من أرضه الخضراء بدماء القتلى من المسلمين الذين اغتصبت حقوقهم.

ولكن ذلك لا يعنى أن القضية انتهت، بل يعنى أن المسيرة أصبحت أكثر صعوبة وهذا ينبغي أن يكون لنا درسا وعبرة، فلو أننا قاومنا الغزوة الصهيونية على مشارف ( صور ) و(النبطية) لكانت صيدا اليوم هى المدينة المحررة البطلة ولو أوقفنا الحركة العسكرية الإسرائيلية الطائشة فى ( الدامور) لكانت ( بيروت) الآن منطقة حرة. ولو حطمنا الأسطورة الإسرائيلية قبل أن يخترق الجيش الصهيوني الثغور اللبنانية لكانت ميليشيات ( سعد حداد) و ( الكتائب) و( الأحرار) و ( حراس الأرز) قد انتهت.. وأمن الشعب اللبناني من بطشها وانتهاكها لكرامته واستقلاله.

إذا لنعتبر من هذا الدرس ومن هذه القضية الواضحة، فلو أوقفنا الزحف الإسرائيلي إلى الخليج، والتسلل الإسرائيلي غلى أفريقيا عبر مصر والسودان، لأنقذنا أنفسنا من ويلات ومآس كثيرة.

الخليج .. مسرح إسرائيل

إن الخليج ، هى المنطقة التى رشحها الأمريكيون لتكون مسرحا للإسرائيليين ، وإن هؤلاء حتما قادمون إلى المنطقة وهم الآن قد أبعدوا عن طريقهم صخرة قوية كان ينبغي أن تبقى وهى صخرة الثورة الفلسطينية، والثورة الإسلامية اللبنانية وأمامهم بعض العقبات الصغيرة الأخرى، إنهم اليوم يخططون وبسرعة فإذا انتهت فإن القوة العسكرية العربية تكون قد انتهت بأكملها. وبعد اليوم يكفى ( لشارون) أن يتحدث إلى بعض القادة العرب هاتفيا ويملى عليهم أوامره وتعليماته .. كالسيد المطاع .

دعونا أيها المسلمون أن لا نستسلم للهزيمة.. حيث الاستسلام مصيبة أكبر من هزيمة ذاتها . أعمق أثرا دعونا نصمد ، ونعتبر من هذه المأساة، إنها ليست مأساة بسيطة، ليس بسيطا أن يهجر شعب مرتين أو ثلاث مرات لا لشيء إلا أنه يريد أن يعيش حرا، يريد أن يعيش موحدا لله سبحانه وتعالى..

" الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله "

ولكن السؤال كيف نوقف ازحف الإسرائيلي الصليبي الأمريكي عن بلادنا؟

أولا: تحمل المسئولية الاجتماعية :

يقول ربنا سبحانه وتعالى:

" لولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا".

لن ينزل الله ملائكة حتى يحاربوا عنكم، إنما الواجب أن تحاربوا عن أنفسكم، عندها يدفع عنكم الإسرائيليين ومكرهم وكيدهم، ولكن بأيديكم.

إن المعابد ومراكز التوجيه الديني سوف تتهدم إن لم يدافع عنها المؤمنون:

" ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز".

هذا هو الشرط الأول، وهو أن نستعد للعمل ولا نعتمد على غيرنا، البدء من النفس والكلام موجه لكل واحد منا، إذا أردنا أن نعيش أحرارا، لابد أن نبدأ من أنفسنا، كل يبدأ مسيرة الثورة من حيث هو ولا ينتظر أحدا أو شيئا خارجيا.

ثانيا: تفاعل الحركة الثورية مع الجمهور:

يجب أن تخرج من وصاية الأنظمة وتعود إلى بحر الجماهير، ولكن هذه ليست مسئولية الحركة فقط، أن تعود إلى الجماهير ، إنها أيضا مسئولية الجماهير أن تحتضن هذه الحركة. لا أن تجلس وتقول: لماذا خرج الفلسطينيون من لبنان؟ عاتبوا الذين لم يساعدوهم فهم المذنبون الحقيقيون فى هذه الحادثة الأليمة.

إن كل من أراد فى بلادنا أن يعمل عملا فإن كل اللوم والعتاب والإشكالات والتهم تنهال عليه، فلماذا تعاتبون الذى يعمل فيخطى أو الذى يعمل ثم يعتب ؟ عاتبا الذى لا يعمل ولولا كسل الكسالى، وتقاعس المتقاعسون، لما خرجت الثورة الفلسطينية من لبنان، لقد كانت لبنان محاصرة، والأنظمة العربية يلفها صمت المؤامرة، والشعوب العربية يلفها صمت الغياب عن الساحة، والحركات الإسلامية تنتظر، والحركات الثورية تعمل مؤتمرات، والإسرائيليون ومعهم الطائرات والدبابات والأسلحة الأمريكية والدعم الأوربي يحطمون لبنان تحطيما كاملا.

لا تقولوا للشعب اللبناني لماذا لا تصمد.. لا تقولوا للشعب الفلسطيني لماذا خرجت؟ فولوا للجماهير الإسلامية أين أنتم؟ وللأنظمة العربية لماذا سكتم؟ وللحركات الإسلامية والحركات الثورية أين دورك؟ وأين موقعكم وأين مواقفكم؟ إن لم تكن إسرائيل عدوا، فمن هو العدو إذن؟

وإذا كنا غير مكلفين شرعا بجهاد إسرائيل، فبماذا نحن مأمورون؟ لمن قال الله سبحانه وتعالى:

" قاتلوا الذين يلونكم من الكفار"

( 13-التوبة)

من هم الذين يلوننا من الكفار؟ هل هم فى الصين أم فى هونغ كونغ؟ أم فى أفريقيا.. أم فى أمريكا اللاتينية ؟ هذا هو العدو أمامكم.. فأين موقف الحركات الإسلامية، أين موقف الحركات الرسالية، أين موقف الحركات الثورية، أين هى الحركات التقدمية وأين هى الجماهير، واين الأنظمة؟

أن يجلس الإنسان ويحمل شخصا أو حزبا أو مجموعة أو جبهة أو شعبا واحدا كل مسئوليات الأحداث وكل تخلف التاريخ فهذا خطأ فاحش.. إن الجماهير مكلفة بأن تحتضن الحركات الإسلامية التحررية..

ثالثا: دعم استقلال العاملين:

على جماهير الأمة الإسلامية أن تحتضن الحركات الإسلامية والحركات التحررية كافة حتى تبتعد عن الخطأ، وتمدها بالنصيحة والتأييد العملي، والمادي فإنه:

" من لا معاش له لا معاد له"

ومن فقد استقلاله المادي، والاقتصادي، يفقد استقلاله السياسي:

" احتج إلى من شئت تكن أسيره"

حينما تركنا الحركات التحررية فى بلادنا، تواجه مشاكلها وتواجه الصعوبات والآلام والمصاعب المالية كانت النتيجة المأساوية ، حيث اضطرت إلى أن تمد يدها نحو الأنظمة، ونحو بعض القوى الكبرى التى تآمرت فى لحظة الحسم ضدها. لماذا ى تدعم الجماهير الحركات الإسلامية والحركات التحررية بالمال،حتى تستقل اقتصادي ؟ إن علينا اليوم، وعلى كل واحد من أبناء الأمة الإسلامية أن يدعم بطريقة ما مسيرة الحركات الثورية من الناحية الاقتصادية، بأي شيء ممكن حتى تكون مستقلة وقادرة..

إن الحركات الإسلامية التحررية درعكم أيتها الجماهير، فحافظوا عليه، وإننا نهيب بالذين يستطيعون من أبناء الأمة الإسلامية أن يبدأوا يشرعوا فى عمل مرض لله سبحانه وتعالى وذلك هو الوقف.. أوقفوا "ضيعة" أو " بستانا" أو " محلا تجاريا" أو " بيتا" .. من أجل أن يكون ريع هذا الوقف لنشر الثقافة الرسالية لتربية العناصر، ورجال العلم والدين، لدعم الحركات التحررية والحركات الرسالية.

" وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله"

(110-البقرة)

إن الذى تبغيه وراءك أيها الإنسان لا يصل إليك، فحاول أن تبحث أمامك وتمهد لحياتك الآخرة. وكل إنسان له حق لا أقل فى ثلث أمواله ولا يكفى أن يوصى به، بل عليه أن يبادر فى حياته ليعمل به مشاريع خيرية تنفع الإسلام والمسلمين. وقد جاء فى الحديث:

" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به .. وولد صالح يدعو له.. وصدقة جارية..".

الورثة يقتسمون الأموال، ثم لا يبقى لذلك المسكين الذى يعانى مسألة منكر ونكير فى القبر، إلا الحساب.

نقول لأولئك الأخوة الذين لا يملكون شيئا كثيرا.. ابدءوا بطريقة جديدة، اليوم يوجد فى العالم تعاونيات وشركات مساهمة، اعملوا أنهم شركة مساهمة فى سبيل الله . اجتمعوا إلى بعضكم واجمعوا أموالكم كل حسب قدرته.. مائة دينار، مائتا دينار حتى يتوفر عندكم بضعة آلاف، تقيموا بها مشروعا خيريا تشرفون عليه، وتجعلون ريعه للأعمال الإسلامية .. لا ريب أن أهم الأعمال اليوم هو نشر العلم الصحيح ودعم المستضعفين المسلمين.

وأقول لأولئك الذين لا يملكون حتى ذلك المقدار من المال الذى يساهمون فيه فى إنشاء شركة خيرية: اعملوا مشروعا خيريا تعملون فيه، يوما فى الأسبوع ، كل شهر يومين، كل منكم يقدم جهده لنفسه. اعملوا وابعثوا ربحكم غلى الحركات التى تقاتل من أجل الله . إن الجهاد اليوم واجب على الجميع. من كان يستطيع فعليه أن يدافع عن الأمة بحمل السلاح، ولكن الذى لا يستطيع ذلك فعليه أن يدعم الجبهة بأية طريقة أخرى، والجبهة ليست فقط تلك الجبهة التى تتساقط فيها القنابل والصواريخ، فكل أرض إسلامية اليوم هى جبهة، وكل حركة إسلامية تحمل السلاح، أو حتى تحمل القلم كسلاح لمقاومة الطغاة فهي حركة للمجاهدين الصادقين ، وعلينا أن ندعمهم، إما بالانتماء إليهم مباشرة، وإما – لا أقل- أن ندعمهم بالقدر الذى نستطيع. إذا استطعنا أن نضمن استقلال الحركات الرسالية والحركات التحررية، وضمنا استقامتها فإننا سنضمن ليس فقط عدم تكرار مأساة لبنان ، وإنما بإذن الله ، وبالتوكل عليه، استعادة لبنان من ايدى الصليبية الصهيونية، واستعادة فلسطين كاملة من الغزاة الصهاينة إن شاء الله.

وإلى ذلك اليوم الذى تتردد فى جنبات المسجد الأقصى هتافات التكبير المليونية فى العالم الإسلامي.

الحركة الإسلامية والمبادرات الرسالية

بسم الله الرحمن الرحيم

" ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون . وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون. وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبكم فلو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم"

(59- 63 الأنفال)

الفئة المؤمنة، والحركة الإسلامية تتوكل على الله وتعتمد عليه اعتمادا مطلقا، وترى بأن الهيمنة الحقيقية على هذا الكون وعلى ما فيه من سنن ومظاهر هى لربها رب العرش العظيم، رب السموات والأرض ، ولذلك فهي التى تطرح المبادرات وهى التى تمسك أزمة الأمور بأيديها، فإذا أرادت فهي التى تتجه إلى البناء ، وإذا أرادت فهى التى تتجه إلى التوسعة والانتشار والامتداد.

فالحركة الإسلامية ، هى الفاعلة للأحداث وليست المنفعلة بها، فهي لا تنتظر الأنظمة حتى تبادرها بالإفناء أو الطغاة لكي يحاربوها وإنها هى التى تبدأ بالحرب على الكفر.

موسى ( عليه الصلاة والسلام) يؤمر من قبل الله أن يتجه غلى قصر فرعون، وأن ينابذه العداء والتبرؤ من عمله، بعد أن ينصحه، والأنبياء جميعا هكذا، كانوا يأتون إلى قومهم ويتبرأون من أعمالهم بصراحة وبتحد.

وهكذا نوع ( عليه الصلاة والسلام) حينما يأمره الله ( سبحانه وتعالى) بأن يعظ قومه، ويبلغهم رسالات ربه، يهبط إليهم يسفه أحلامهم ويقول لهم بكل صراحة أن هذه الآلهة التى تعبد من دون الله حصب جهنم.

أما إبراهيم فإنه يأخذ المعول ويحطم الأصنام، صنما بعد صنم ، إلا كبيرا لهم يحمله مسئولية تحطيم الأصنام.

وكذلك شأن شعيب وهود وصالح وغيرهم من الأنبياء العظام ( صلوات الله عليهم) ..

وأما نبينها ورسولنا وقائد مسيرتنا محمد (ص) فإنه يصعد على الصفا ويقول واصحاباه، فيتجمع عليه قومه فينذرهم اعتمادا على قوله سبحانه وتعالى:

" وأنذر عشيرتك الأقربين"

( الشعراء آية 214).

بكل صراحة كان يسفه أحلامهم ويبين أن هذه الآلهة التى تعبد من دون الله ضلالة وفساد وانحراف وأنها حصب جهنم..

" إنكن وما تعبدون من دون الله حصب جهنم"

( الأنبياء آية 98).

هكذا يبدأ التحدي، والأنبياء هم الذين يبادرون ، ولا ينتظرون الأنظمة والمجتمعات الفاسدة حتى تبادر بالعمل ، فالمبادرة بيد الحركة الإسلامية ، وكم من حركة كانت تزعم بأنها إسلامية جلست تنتظر الصراع من قبل الأعداء وتعتقد بأنها إن لم تخض الصراع فإن الأعداء سيتركونها تنتشر وتعد العدة ليوم المواجهة والصراع، ولكن الأعداء بادروها وقضوا عليها فانتهت. لماذا ننتظر فى حين أننا نحن الذين نريد إصلاحهم؟

نحن الذين سنعتقد بأن هذه الأنظمة مسئولة عن تخلفنا وعن استعبادنا وعن سحق كرامة شعوبنا، ونعتقد بأن هذه الأفكار المستوردة من الغرب حينا ومن الشرق حينا آخر أفكارا تحطم تقاليدنا وتمزق أمتنا وتسبب الويل والدمار لنا.

الحركة الإسلامية هى التى تقرر، لأن من بيده القوة والمنعة يستطيع أن يقرر السلام اليوم ويقرر الحرب غدا، ولكن السلام فى هذه الحركة يأتي من منطق القوة لا من منطق الضعف، ويستحيل على قيادة الحركة الإسلامية أن ترضى بسلام مهين، يكون قوامه الذل والضعف .. نحن لا نرضى بهذا السلام حتى لو بقى منا عرق واحد ينبض ، فإلى آخر قطرة دم، وآخر إنسان يتنفس يجب أن نحارب حتى نصنع السلام المشرق الذى يعطى حقوق المحرومين والمستضعفين ويطبق القيم الرسالية السماوية.

انطلاقة الإنسان المسلم

أجل إنما نقول هذه الكلمة حينما تتطاير حمامات السلام هنا وهناك، ولسنا نعرف هل هى صقور قد لبست آهاب الحمام، أم حمامات مدجنة فى حضن الاستعمار.

والقرآن الكريم يحدد فى الآيات الكريمة القواعد الأساسية لانطلاقة المسلم فى الحياة . يقول الله تعالى:

" ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا أنهم لا يعجزون"

صحيح أن الحركة الإسلامية حركة ناشئة والثورة الإسلامية ثورة جديدة، والنظام الإسلامية لا يزال نظاما حديث التأسيس، صحيح كل ذلك.. وصحيح أنهم سبقونا ، أسسوا أنظمتهم نشروا شبكات تجسسهم وجندوا جيوشهم واستعدوا لمحاربتنا، ولكن لا يدل ذلك أبدا على أنهم يستطيعون أن يعجزونا ، وأن يسلبوا منا قدرتنا، فنحن بإيماننا وبوحدتنا وبعملنا المتواصل وبإرادتنا الصلبة، أقوى منهم ومن استعداداتهم ومن جيوشهم، وبالشروط التالية التى يحددها القرآن الحكيم:

1- إعداد القوة الذاتية:

" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"

نحن نريد أن نعتمد فقط على ثقتنا بربنا، بالرغم من أننا نعتقد بأن الثقة بالله هى العامل الاساسى لنصرة المؤمنين ، ولكن مع ذلك فإن علينا مسئولية ، ولربنا سبحانه وتعالى حكمة، مسئوليتنا أن نسعى ونبذل قصارى جهدنا فى سبيل الحصول على القوة بأي نوع يكون ، ترى بأن ربنا فى هذه الآية لا يحدد نوع القوة بل يؤكد على ضرورة الحصول على كل أنواع القوة، وبكل قدر منها، يقول:

" ما استطعتم من قوة"

فالتعبير واضح، لابد أن تتسلحوا بقوة التدريب، فالتدريب العسكري واجب اليوم لأن أعدائنا يدربون مرتزقتهم على خوض المعارك فى بلادنا.

ما داموا يدربون مرتزقتهم للهجوم فلا أقل أن ندرب شبابنا للدفاع، فالسلاح زينة الرجال ولو لم نكن مسلحين ومدربين فإن الأعداء يستحقون كرامتنا.

فالثورة الإسلامية يجب أن تكون مسلحة بكل أنواع الأسلحة الحديدية والإلكترونية فالحرب القادمة ليست حرب الحديد بقدر ما هى حرب العلم والمعرفة، والإلكترون فلماذا الضعف ولماذا التخلف؟

رسول الله 0ص) يرقى إليه نبأ بأن سلاحا جديدا قد أنشىء فى اليمن فيختار اثنين من شباب المهاجرين والأنصار لكي يذهبا ويتعلما هذا السلاح الجديد، ثم يصنعانه فى بلدهما. ولذلك حرام علينا أن ندع الغرب والشرق يسبقونا بأنواع أسلحتهم، وواجب على كل واحد منا أن يسعى إن لم يكن بصورة منظمة فلا أقل بصورة انفرادية من أحجل أن تحصل الأمة الإسلامية على أفضل أنواع السلاح، وتحصل أيضا على قوة المعرفة والخبرة وقوة التخطيط وعلى سائر أنواع القوة.

إن القوة هى بعد الإيمان والتوكل على الله مرتكز المبادرة والمبادهة لدى الحركة الإسلامية ، فما دامت الحركة الإسلامية قوية، فإن بيدها المبادرة، والقوة هى عنوان المبادهة.

2- استعراض القوة الرادعة:

" ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم"

القوة الرادعة، قد لا تستخدم القوة ولكن وجودها عندك يقذف الرعب فى قلوب الأعداء فلا يتقدمون إليك.

لماذا تضم إسرائيل الجولان، لو لم يعرف الإرهابي بغينن بأنه قادر على مغالبة العرب جميعا بأسلحته وبجيوشه وبتدريباته، ولماذا بقينا طوال خمسين عاما تكلم كثيران ولكن حين المواجهة نكتشف أننا إلى الفرار أقرب منا إلى الهجوم، وإلى التبرير أقرب منا إلى تحمل مسئوليتنا .

" عدو الله وعدوكم وآخرين من دوهم لا تعلمونهم الله يعلمهم "

قد يكون هناك عدو ظاهر يحاربنا على جبهة، بينما وراءه أعداء حاقدون لا نعلمهم يمدونه بالسلاح والتشجيع والمال وبكافة أنواع الدعم وهم ينتظرون ساعة تضعف الفريسة فى زعمهم ، فينهالون عليها. إن هؤلاء إن يرهبوا قوتكم أيها المسلمون، يكفوا عن أعمالهم الجبانة الخبيثة.

" وما تنفقوا من شيء فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" .

لا تعتقدوا بأن المال الذى تصرفونه من أجل دعم قوتكم يذهب هباء ، وعبثا ، كلا.. فإنه ينفعكم وأن الله يرد هذا المال إليكم كاملا فى الدنيا والآخرة، دون أن تظلموا منه شيئا، بعد أن تعتمدوا على قوتكم المرعبة، بعدئذ يقول ربنا:

" وإن جنحوا للسلم فاجنح لها "

نحن لا نريد الحرب للحرب، والصراع للصراع، ولا نريد إراقة الدماء إنما نريد القيم، وإذا قلنا بالرعب فمن أجل المستضعفين ، أو بالصراع فمن أجل الرسالة، لا من أجل شهواتنا وأهوائنا فى إراقة الدماء كما هم كذلك.

نحن نقول إن على الشعوب أن تقرر مصيرها بأيديها ولا يتحكم فيها شرذمة قليلة من الحاقدين، ونقول إن ثروات هذه الشعوب يجب أن تعود إليها، وأن نضمن استقلالنا عن الغرب والشرق، ونعيش بسلام ولا تكون المنطقة مهرجانا للسفن الأجنبية، نحن هذا كلامنا ومن أجل هذا نريد الحرب، فإن جنحوا للسلم على هذا الأساس فنحن كذلك. " وتوكل على الله إنه هو السميع العليم"

بالرغم من أنه قد يعتقد بأنهم فى أيام السلام يستعدون لحرب أخرى، لكننا بدورنا نتوكل على الله ونستعد للدفاع عن أنفسنا مرة أخرى أن هم أرادوا الحرب.

3- الوحدة الإيمانية الجماهيرية:

" وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين . وألف بين قلوبهم ، لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم".

إنك فى ساعة المواجهة، وفى لحظة الصراع، بحاجة غلى ركن شديد تعتمد عليهن فإما أن تبحث عن هذه الركن الشديد فى الغرب أو فى الشرق، عند هذا النظام أو ذاك الحاكم، وإما أن تبحث عنه عند المؤمنين الصادقين من إخوانك.

يقول ربنا إذا أردت أن لا تخدع ولا تهزم وأن تكون المبادرة بيدك دائما فعد إلى إخوانك وتآلف وتعاون واعمل وحدة معهم.

وإذا أردت أن تختلف مع إخوتك فإن الزمن والظروف ستضطرك إلى أن تتنازل لأعدائك . فما من حركة إسلامية انهزمت إلا بعد أن فقدت هذه البصيرة القرآنية.

البصيرة القرآنية هى الوحدة الإيمانية فى مواجهة الضلالة والكفر، وفى لحظات الصراع يقول ربنا:

" وهو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين "

لا تبحثوا عن الدعم هنا وهناك، فالكفار هم فئة واحدة، يقول ربنا فى هذه السورة بالذات وهى سورة الأنفال:

" إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض"

( الأنفال آية 72)

" والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير"

( الأنفال آية 73)

هذه هى الوحدة الإيمانية فى مقابل الكفر الواحد، فالكفر ملة واحدة، لا تركعوا أمام أعتاب السلاطين والأنظمة الفاسدة، فما دامت كافرة وطاغية ولا تحكم بأمر الله ، ولا تسعى من اجل تطبيق القرآن والرسالة فهي قد سجلت اسمها فى خانة الأعداء، إن لم يكن اليوم فغدا.

إن القوة الحقيقية فى الجماهير المؤمنة، وفى الحركة الإسلامية العريضة فى الوطن الإسلامي الكبير، وفى الوحدة بين أبناء الأمة، فإنه لا فرق بين عربها وعجمها وتركها وسائر شعوبها، إنها الوحدة الواحدة وقوتنا الحقيقية هنا كما أن عدونا الحقيقي هناك شئنا أم أبينا.

لقد كشف التاريخ مرارا عن أن أولئك الذين اعتزوا بغير الله والمؤمنين قد ذلوا ، وأنهم أخطأوا الطريق، أقول هذا لأولئك العاملين فى سبيل الله الذين يخطئون الطريق، فيستعينون بهذا النظام ضد ذاك..

لنعد إلى أنفسنا لننبذ الخلافات والصراعات ولنعتمد على القوة دون أن نحتجب عن أنفسنا بحجب اللغة أو اللون، أو الوطن أو الإقليم أو الدم، إننا أمة واحدة هكذا خلقنا الله وهكذا سنبقى ولا يمكن لسكاكين الغرب ولثقافات الشرق ولأهواء الطفيليين أن تقطع هذا الجسد الواحد..

" وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "

إننا الآن نجد انتفاضة جماهيرية فى العالم الإسلامي كله، ولكن هذه الانتفاضة إنباؤها مقتولة بسبب التضليل الإعلامي الجاهلي فى العالم.

أنهم يضخمون لنا نبأ عن مقتل شخص بسبب اصطدام سيارة فى أحد الشوارع الفرعية فى أمريكا ولكنهم يحجبون عنا نبأ اعتقال (700) إنسان من خيرة الشباب الجامعين فى المغرب، وعن اعتقال ( 1000) إنسان فى تونس وعن اعتقال ما لا يقل عن (10000) عشر آلاف شاب مسلم فى مصر وعن اعتقالات عديدة فى السودان.

إنهم يحجبون عنا نبأ المساجد التى تكتظ اليوم بالمصلين فى كل العالم الإسلامي، وتهافت الناس على الكتب والمجلات الإسلامية فى كل قطر من أقطار العالم الإسلامي ويحجبون عنا النبأ الذى يقول إن الناشئين الأشبال لم يعودوا يجدون إلا طريقا واحدا هو طريق الإسلام، فإذا كان فى شبابنا قديما من اتجه شرقا أو غربا أو ركن إلى اللامبالاة فإن شبابنا الجدد – والحمد لله – يتجهون إلى الإسلام.

لقد فشلت الثقافة الشرقية والغربية ولقد عرف الإنسان بفطرته وبالتجربة التى دفع ثمنها دماء ودموعا وويلات، إن الطريق الوحيد هو الإسلام، والإسلام وحده.

وهذا يعنى أنه كلما تقدمنا مع الزمن فإننا نقترب إلى النصر لأن هؤلاء الشباب الذين يتجهون اليوم إلى الإسلام فى كافة أنحاء العالم الإسلامي إنما هم شاهد بسيط على أنهم عندما يكبرون غدا ويصبحون رجالا فإنهم سيحكمون البلاد باسم الإسلام.

فلماذا نستعجل ولماذا نريد أن نشترى راحتنا بثمن ترويض شعوبنا لماذا لا نثق بأنفسنا؟ نحن أقوياء وقبل ذلك وبعد ذلك يجب أن نتجه إلى الله إن كنا مؤمنين بالله فنستمر فى مواجهتنا للطغاة ولا نبيع شعوبنا على موائد المفاوضات، فالشعوب لا تشترى ولا تباع.

صحوة الشعوب الإسلامية

إن الشعوب قد عرفت اليوم مسيرتها، وأدركت قيمها واكتشفت الوسيلة التى يجب أن نتبعها لتطبيق القيم ولقد تأكدت أن النصر لا يأتى ولا يعطى بلا ثمن، إن ثمن النصر هو الدم والسعي، وهو الجهاد، وبذل كل ما فى وسعها من أجل الانتصار.

إن شعبنا فى العراق اليوم يستعد للانقضاض على الطاغوت الحاكم ببغداد وإطلاق رصاصة على رأسه الفاسد وإنقاذ العراق من الذل والهزيمة، وتخليصه من التبعية وانتشاله من التخلف الحضاري وإلى الأبد إن شاء الله .

وكل شعوبنا تستعد لذلك، وشعوبنا لا ترحم أولئك الذين يتركونها فى لحظة المواجهة، الذين اعتقلوا الآن فى الخليج.. فى البحرين .. وفى غيرها هم طليعة هذا الشعب والشعب يعرفهم.

وسواء أيدنا هؤلاء الشباب ، أم لم نؤيدهم فهم الذين عرفوا أن المصير يجب أن يستعيدوه بقوة السلاح.. والدماء.. والسعي.. والوحدة .

وإذا ولينا أظهرنا عنهم، فنحن الخاسرون وليسوا هم لأنهم سوف يستمرون فى طريقهم، وإذا فعلنا فإن هذا الشعب سوف لن يرحمنا غدا ولن يسمع منا تبريرا.

كما لم يقبل الشعب الإيراني المسلم البطل من هو ( هوا كو فينج) الرئيس الصيني عندما زار إيران أيام الثورة ومشى على أجساد الشهداء فى طهران ورحب بالطاغوت المقبور فى إيران. نعم .. لحركات الاصطدام

لا .. لحركات الاستسلام

" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

(11-الرعد)

المشكلة التى تعيشها الأمة الإسلامية اليوم هى : افتقارها للرؤى السياسية والاجتماعية للعمل الرسالى.

فهناك أسئلة كثيرة. كيف؟ من ؟ مع من ؟ وأين الطريق؟ تحوم حول نقطة واحدة وهى :

خريطة العمل السياسي والاجتماعي..

ولو درست الأمة الإسلامية قرآنها وسيرة الأئمة والهداة من قادتها ، لتمكنت من معرفة كل سؤال أو فكرة تراودها ، ولتوصلت إلى أهدافها بوسائل سهلة وطرق قصيرة ومكاسب كبيرة.

وآية التغيير التى توجنا بها الموضوع بصيرة قرآنية تحدد مسيرة الإنسان وتنير طريقه.

ولهذه الآية أبعاد كثيرة سنسلط الضوء على بعد واحد هام من الضروري تنبيه أبناء الأمة الإسلامية إليه، خصوصا فى هذا الوقت المصيري من تاريخهم..

ذلك البعد هو طبيعة التجمعات الإسلامية التى تشكل هنا وهناك..

التجمع وعلاقته بالأمة..

إن طبيعة هذه التجمعات الإسلامية وعلاقتها بالأمة اجتماعيا وسياسيا ، تكمن فى السؤال التالي:

ما هى حدود واجبات التجمع الرسالى سواء سميناه حزبا أو منظمة أو جماعة أو تجمعا أو جبهة.. أو غيرها من الأسماء التى قد تكثر ولكنها تشير إلى حقيقة واحدة هى : التجمع الرسالى فى الأمة الإسلامية الداعي إلى تحقيق أهدافها فى سيادة الحق والحرية وإقامة حكم الله فى الأرض.

والقرآن حينما يقول:

" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسه "

فإنه يشير غلى أن تخلف الأمة وتشتتها وسلبياتها الثقافية هى ا لسبب فيما يلحق بالأمة من أضرار، فتحكم الجبابرة على رقاب الشعوب لاستغلالهم، والمذابح التى تجرى فى سائر بلاد العالم إنما هو نتيجة السلبيات المتكرسة فى الأمة.

وإذا أردنا القضاء على هذه الأخطار والكوارث، علينا أن نفكر فى القضاء على ت لك السلبيات.. وإلا فإننا نساهم فى تكريس تلك المصائب وبالتالي نساهم فى تعجيل فناء الأمة كالدكتور الذى يعطى المزيد من المسكنات دون أن يقضى على جرثومة المرض وفيروسه.

وإعطاء المسكنات بزيادة كبيرة سبب فى إضعاف الجسد ونشر الميكروب حينها يقضى الفيروس على الجسد بسرعة أكبر.

وهنا يبرز الفرق بين نوعين من التجمعات الرسالية.

الأول : التجمع المفرغ:

هناك تجمعات تحافظ على سلبيات الأمة وتكون ممثلا لهذه الأمة بسلبياتها وإيجابياتها : منها:

1- التحزب الطائفي..

فحينما تعيش الأمة مأساة الطائفية والتفرقة المذهبية، عندئذ يصبح التجمع تجمعا طائفيا لأنه يمثل الأمة بسلبياتها وإيجابياتها.. ( فى الوقت الذى يحارب الأعداء الأمة الإسلامية عن طريق إشعال الفتنة الطائفية).

فلو أخذنا العراق مثلا.. لوجدنا أن مختلف الطوائف الإسلامية تتواجد فيه ( شيعة ، شافعية، حنابلة، حنفية ، مالكية) ولكن المؤسف أن الأحزاب الإسلامية كل يمثل طائفة معينة، فحزب يمثل التيار الإسلامي الشيعي وآخر يمثل التيار الإسلامي الحنبلي وهكذا ولا تجد منهم واحدا يمثل جميع الطوائف.

والغريب أن الحزب الشيوعي يمثل جميع الطوائف وكذلك القوميون والوطنيون .

وبديهي أن وضعا كهذا يساهم فى تكريس سلبيات الأمة، بل يخدم المخطط الاستعماري الرامي لضرب الأمة بعضها ببعض ولا يطور الحركة الإسلامية العاملة.

2- الديكتاتورية..

إن المشكلة التى تعيشها الأمة اليوم هى : مشكلة الديكتاتورية التى تنخر فى أعماق أبناء الأمة.. فلا ترابط بين قلوبهم ، ولا وحدة فى إستراتيجيتهم، ولا تحكمهم القيادة الواحدة حكما حقيقيا، ولا يتنازل كل فرد عن ذاتيته وعن أفكاره للقيادة الواحدة.

فإذا كان وجود التجمع كوجود المسجد للصلاة فمبدئيا إن جدران المسجد لن تكون سببا فى تفاعل أبناء الأمة المتواجدين داخل المسجد وتعاونهم وتوحيد مخططهم وإستراتجيتهم فمثلهم كمثل أعواد الكبريت فى العلبة الواحدة لا تفاعل بينها..

عندئذ لا فائدة من وجودهم ولا من تسميتهم باسم واحد إن كانوا كذلك. فتسميتهم باسم واحد أشبه غلى حد بعيد بتسمية الأمة الإسلامية باسم المسلمين، مع أنها تحتوى على كافة الاتجاهات.

سألنا رجلا فى لبنان كان يعمل فى مؤسسة إسلامية وهو من أصل كاثوليكي .. سألناه عن دينه؟

فأجاب : أنا مسلم كاثوليكي.

3- التحريف والفهم الجزئي..

إن أبواق الاستعمار تحاول أن تبث فكرة خبيثة من الأفكار المتخلفة القشرية مفادها: إن الكفر كفا، كفر عملي وكفر نظري.

العملي هو : عدم الالتزام بالواجبات الإسلامية وممارسة الظلم والسرقة.

أما الكفر النظري فهو: نكران الدين والعقيدة كما الأحزاب الشيوعية.

لذلك نجد بعض أدعياء الدين ومرتزقة الأنظمة الطاغوتية فى العالم الإسلامي يتشدقون بالفكرة القائلة بمحاربة الكفر النظري والنهى عن محاربة الكفر العملي لعدم وجود دليل شرعي يجوز محاربته.

فلا يجوز – حسب هذه النظرية – محاربة الحكام الظلمة لأنهم محاطون بسياج إسلامي حتى ولو كانت أعمالهم تدلل عل كفرهم.

ولكن لماذا لا يكون ( بريجنيف ) مسلما؟

لأن توجه هؤلاء يتركز ضد الشيوعية.

فإذا كان شيوعيو روسيا، مثل بعض الشيوعيين فى العالم الإسلامي الذين كانوا يبدأون اجتماعاتهم الحزبية بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وآية قرآنية، فهؤلاء أيضا لا يمكن محاربتهم حسب – تلك النظرية.

إن هذه الفكرة تنشر على نطاق واسع للتغرير بشبابنا وتجميدهم وسلب الثورة الإسلامية المتغلغلة فى نفوسهم..

إننا حين ننظر إلى التاريخ الإسلامي فى عهد الأئمة (ع) نرى أن حكام ذلك العصر كانوا يبثون ذات الفكرة ويحاولون إخماد روح الثورة الإسلامية فى الشباب.

كما أن اليوم بعض شبابنا فى أوربا بدأوا ينظرون إلى الثورة الإسلامية عن طريق هذه الفكرة الخبيثة التى يبثها أدعياء الدين.

بينما فى القرآن الكريم أكثر منم (30) آية قرآنية تشير وتؤكد على أن الذى يقوم بعمل باطل فهو كافر.

الذى لا يحج فهو كافر..

" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين"

(97-آل عمران)

والذي لا يصلى فهو كافر..

" ما سلككم فى سقر، قالوا لم نك من المصلين "

(42- 43 المدثر)

والذي لا يطعم المسكين فهو كافر..

" ولم نك نطعم المسكين "

( 44- المدثر)

وقد أشار العلامة الطباطبائى فى كتاب الميزان إلى هذه الفكرة يقول : إن القرآن الحكيم لا يطلق كلمة الكاف والكفر على الذين يطبقون أحكام الله.

أي أن هذه الكلمة ليست للذين لا يؤمنون بالله، ذلك لأن الله تعالى لا يحدث البشر الذين لا يؤمنون بالله لأن هؤلاء ليسوا بشرا.

وإنما يحدث الإنسان الذى يؤمن بالله ولكن لا يقوم عمليا بتطبيق مناهج الله سبحانه وتعالى.

ولو نظرنا إلى كتاب البحار للعلامة المجلسى لرأينا جزئين يضمان حوالي ( 700) صفحة يبحثان فى قضية الكفر والإيمان، ويقرر حسب الأحاديث المؤكدة الكثيرة والبحوث المكثفة أن العمل بغير أحكام الله يسبب الكفر، وأن الكفر العملي قرين الكفر النظري.

نشوء الأفكار والقيم الفاسدة..

إن الإسلام فى آيات كثيرة يأمرنا بالسعي وبالسير وبالعمل ..

" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم"

(105 – التوبة)

" وقل سيروا فى الأرض "

( 42 – الروم)

" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" (39 – النجم)

ولكننا نرى أن أبناء الأمة الإسلامية اليوم يعتبون الجمود والتقاعس قيمة أساسية.

وبعضهم حينما يريد أن يعرف إنسانا عظيما يقول : إن هذا الإنسان طيب جدا وليس عنده شغل بالناس؟

فكأن هذه نجمة توضع فوق كتف هذا الإنسان بينما الإسلام يقول:

" من أصبح من أمتي وهمته غير الله فليس من الله ، ومن لم يهتم بأمور المؤمنين فليس منهم ومن أقر بالذل طائعا فليس منا أهل البيت"

فالإسلام يرى أن المقياس هو العمل الصالح ويقيم الناس على أساسه. فليس العلم وحده قيمة أساسية فى الإسلام ولا المال والجاه ولا النسب.. ولكن العمل الصلح هو القيمة والمرتكز ولذلك نجد القرآن يقرن فى آيات كثيرة الإيمان بالعمل الصالح.

وكما قال الرضا (ع) :

( علم بلا عمل، كشجر بلا ثمر )

وتقييمنا للتجمعات الرسالية كل حسب هذا المعيار.

إن أردنا إنشاء تجمع إيماني فى منطقة ما ، وحاولنا استقطاب هذه المجموعة البشرية وفى المقابل لم نحاول مقاومة الأمراض الاجتماعية كالطائفية والجمود وما شابه.. فسوف يصبح هذا التجمع جزئا من سلبياتها، بل سيساهم فى تحطيم الأمة الإسلامية جمعاء، وهذا هو النوع الأول.

النوع الثاني: الطلائع الرسالية:

التجمع الرسالى الحق هو الذى يحارب سلبيات الأمة ويستبدلها بإيجابيات، لينشأ ذلك التجمع النظيف كالتجمع المحيط برسول الله (ص) والإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء.

فهذا التجمع هو التجمع الرسالى، وطليعة المسلمين وإمامهم الذى تكون يد الله معه، ولينطبق عليه الحديث المعروف:

" يد الله مع الجماعة"

وهكذا يجب أن تكون نظرتنا، فلا يكفى لإنقاذ الأمة أن يجتمع مجموعة رجال جامدين، سلبيين، حاقدين على الآخرين.

فدعونا نصلح أنفسنا ولا نفكر فى زيادة الإعصار، بل نفكر فى إصلاحهم، لا يقول أحدنا من معي؟ بل يقول ما نوعية الرجال؟ .. فإن يكون الإنسان واحدا من قطيع الأسود خير له من أن يكون رئيسا على قطيع الفئران. إن قضيتنا الرئيسية هى قضية إنقاذ الأمة.

والأمة لا تنقذ بالشعارات، وإنما بعمل مثابر جدي ليل نهار. وهذا ما يسميه القرآن بالجهاد.

الجهاد لا يعنى العمل بصفة عامة، وإنما يعنى التعب وبذل الجهد ، فكل ما تستطيع أن تعمله فاعمله.

الجهاد يجب أن يتوجه نحو سلبيات أنفسنا ، فإذا شيدنا أما رسالية من 500 إنسان طليعي، فإن باستطاعتهم مقاومة عشرات الملايين من الناس، لأنهم الجماعة المتفاعلة الحية والمتوحدة فى إستراتيجيتها وفى أهدافها، فطالوت حينما وصل بجنوده إلى النهر منعهم من شرب الماء إلا من اغترف غرفة بيده، ولما كان الجيش ظمآنا والماء سائغا لذيذا، أوغل الجيش فى الماء شربا فشربوا منه إلا قليلا .

وحينما محص طالوت جيشه، أي أصلح نفوسهم وكون تلك النفوس القليلة ، قال القرآن :

" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين"

(249 – البقرة)

كان فى بعض البلدان الإسلامية بعض الأحزاب التى يقدر المنتمين إليها بحوالي ستة ملايين إنسان. وفى تلك المدينة حدث انقلاب عسكري، ولم يكن عدد صناع الانقلاب إلا مائتين.

وكانت النتيجة أن العسكريين " الأقلية" حكموا البلاد وأنهوا تأثير تلك الملايين فى البلاد.

فليس مهما ست ملايين إنسان كانوا يذهبون إلى المساجد ويصفون الحلقات الثقافية فيه، ويصنعون حشدا من صلاة الجمعة بقدر ما هو مهم جودة الإفراد وصلاحيتهم للعمل. فالتجمع يعنى : التفاعل، كما كان فى أصحاب الرسول والأئمة .

يأتي رجلا بالإمام الباقر (ع) مخبرا إياه عن كثرة الأتباع .. يسأل عن نوعيتهم وهل أن أحدهم يدخل يده فى جيب أخيه، فلا يسأل الأول ولا ينظر إلى ما أ خذ .. وعندما يجيب ذلك الرجل بالنفي يجيبه: فكيف يزعم هؤلاء أنهم شيعة؟

أي أنهم لا يشكلون ذلك التجمع الرسالى، ولا يمثلون قول الله سبحانه:

" إنما المؤمنون أخوة"

(10- الحجرات)

هذه هى الأخوة الحقة التى نحتاجها وننشدها لإحياء الأمة الإسلامية وبناءها بناءا إيمانيا.

عوامل الاستمرار فى الثورة الإسلامية

كل نظام أو مؤسسة فى الحياة يعتمد على عدة أركان، من دونها لا يستطيع هذا النظام أو تلك المؤسسة الاستمرار فى البقاء.

والثورة كذلك تحتاج إلى عدة أركان منها الدعم المالي، والثقافة الثورية ، والطلائع المستجيبة، والجماهير المؤيدة.

ونتحدث عن الركنين الأول والثاني..

الركن الأول: الدعم المالي..

المال يقوم بدور حاسم فى قيام الثورات وفى استمرارها، وانتصارها، وصدق القول المأثور:

" لولا سيف على ومال خديجة لما قام الإسلام"

وحيث يعيش العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، حالة من الغليان ضد الطغاة وعملاء الغرب والشرق، فتندلع ثورة فى أفغانستان تمرغ أنف الإمبريالية الروسية فى التراب، وتنتصر ثورة فى إيران تقلب معادلات الإمبريالية الأمريكية وتتناهض ثورة فى مصر تتحدى فكر الصهيونية العالمية وتنمو ثورة إسلامية واسعة النطاق ومسلحة فى جنوب شرق آسيا، وثورات فى أفريقيا وفى جميع أنحاء العالم الإسلامي.

هذه لحالة الثورية تتحول غلى ثورة حقيقية ومنتصرة بتحقيق المقومات الأساسية لها ومن أبرزها الدعم المادي.

لو لم يقم أصحاب المال بدورهم فى تمويل الثورة الإسلامية فى البلاد التى يعيشون فيها، فإما أن تنتصر الثورة أو يستمر الطغاة.. فإذا انتصرت الثورة فسوف تكون نهاية رجال المال وخيمة لأنهم قد خانوا الثورة وإذا انتصر الطغاة فسوف تكون نهايتهم أشد سوءا لماذا ؟ لأنه فى الحالة الثانية سوف يمتص الطغاة كل ما لديهم من ثروة دون أن يؤجروا ، كما وقع بين الإمام الحسين (ع) وأهل المدينة، حيث تحرك الإمام الحسين من المدينة وأعلن الثورة ضد طغاة زمانه، وبالرغم من أن أهل المدينة عرفوا نية الإمام (ع) وأمرهم بأن يلتحقوا به ولكنهم لم يفعلوا فذهب الإمام إلى كربلاء واستشهد، ولكن لم يمر على واقعة كربلاء عام واحد بعث يزيد بن معاوية الذى قتل الإمام الحسين (ع) جيش إلى المدينة، فاستحلوا حرمة المدينة وقتلوا عشرة آلاف إنسان لماذا؟

الإمام زين العابدين (ع) بين سبب هذه المجزرة الرهيبة التى تعرض لها أهل المدينة ويقول إن أهل المدينة لو انتصروا لأبى الحسين (ع) وقاموا معه وقاتلوا لكانوا ينتصرن دون أن تقع فيهم هذه المجزرة الرهيبة، ولكنهم توانوا فسلط الله عليهم الظالمين فقتلوا وهتكت حرماتهم دون أن يؤجروا على ذلك.

ولذلك أصحاب المال فى العالم الإسلامي لو مسكوا أيديهم عن العلماء والثورات ولو زعموا بأن عطاءهم الرشوة لأصحاب السلطة سيغنيهم وسينفعهم فى المستقبل فإن الطغاة سيقومون بتصفية هؤلاء ، تصفية أموالهم وأجسادهم ثم لا ينصرهم أحد.

الركن الثاني: الثقافة والإعلام الثوري..

قبل كل شيء يجب أن نعرف بأن الثقافة الثورية والإعلام الثوري والدعوة إلى الثورة وإلى الانتفاض، ليست من مسئولية فئة خاصة من فئات المجتمع، إنما كل إنسان يعتقد الإسلام ويشعر بمسئوليته كإنسان فى هذا العالم يجب عليه أن يقوم بدوره فى صنع الثقافة الثورية، لو لم يقل الرسول (ص) :

" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"

السؤال المطروح: كيف يمكن أن ننشر الثقافة الثورية والإعلام الثوري فى العالم، علما بأن أجهزة الإعلام يملكها العدو، الإذاعات وأجهزة التلفاز والصحف الكبرى ووكالات الأنباء والصحفيون الكبار هم من تربية العدو وفى خدمته وبيده.

شرف الكلمة لا وجود له، شرف الصحافة لا وجود له، تفتح الإذاعة فتسمع كلاما ضد سيرة الشعوب ومصلحة الجماهير ، وتفتح الجريدة فتقرأ فيها مثل ذلك الذى تسمعه فى الإذاعة، وتذهب إلى التلكس فإذا بوكالات الأنباء تنقل إليك الأنباء الكاذبة وتنقل الأنباء الصادقة بتفاسير كاذبة وباطلة، فى هذا الجو كيف يمكن للجماهير أن يوصلوا صوتهم إلى العالم هل بإمكاننا أن ننشى إذاعة هنا وهناك؟ هل بإمكاننا أن صدر صحيفة ؟

فى العالم الإسلامي اليوم وبالذات فى العالم العربي يحارب الإعلام الثوري كما تحارب المخدرات، وكما يحارب السلاح، يخشون من الورقة الثورية أكثر مما يخشون من المسدس والرشاش، كم أعدموا رجالا بتهمة واحدة هى أنهم كانوا ينشرون الأفكار الثورية، كم حطموا الإخوان وكم حطموا الأقلام الثورية.

إذن فى هذا الجو الموجود والمكهرب كيف يمكن للشعوب أن ترفع ظليمتها أمام الناس، وكيف يمكنها أن تثقف نفسها بالثقافة الثورية الأصيلة؟

للإجابة على هذا السؤال لابد من ذكر عدة نقاط:

صناعة الثقافة الثورية..

الثقافة الثورية لابد أن تصنع صناعة، كل فكرة أو خبر، أو حادثة، وكل ظاهرة بإمكانها أن تتحول إلى فكرة ثورية ولكن بعد تصنيعها وذلك عن طريق إعطاء الرؤية السليمة للأخبار، الأخبار المنشورة عادة سواء عبر الإذاعات أو وكالات الأنباء أو صحف الأنباء عادة ما تكون صحيحة أو فيها نسبة من الصحة، ولكن أكثر ما تمتد إليه أيدي الخيانة فإنما هو تفسير النبأ ووضعه فى إطار كاذب، فيضللون الناس بذلك التفسير الكاذب.

فعلينا أن نسمع الخبر ولكن دون أن نستمع إلى التفسير أو نصدق بالإطار الذى يوضع خلال الخبر، وإنما نعطى للخبر تفسيرا ثوريا ورؤية ثورية صحيحة. مثلا ينشر فى ا لأخبار أن هناك اضطرابات فى ولاية ما، وهذا ينقل فى إذاعة أخرى بالإضافة إلى أن الحرس الوطني والشرطة قمعوا هذه الاضطرابات وانتهى كل شيء.. الخبر صحيح ويدل على أن هناك ظروفا معينة وحالات استثنائية فى هذه الولاية ولكن كيف ينقل الخبر، هل هذه اضطرابات أم انتفاضة جماهيرية ، الذين فرق بيت أن أقول اضطرابات أو تقول انتفاضة الجماهير، الذين اغتصبوا حرموا من أبسط حقوقهم الإنسانية.. هؤلاء بدأوا يتنفسون ويرفعون أصواتهم ويطالبون بحقوقهم فإذا ليست هناك اضطرابات.

فاضطرابات يطلع على عمل الطفل أو المجنون أو المجرم، وإنها تدل على الأعمال غير القانونية.

- إذا فتلك ثورة وليست اضطرابات ، هذا أولا.

- ثانيا الثورة إرادة الجماهير المحرومة، لذلك لن تخمد .

فإذا النبأ قد يكون بذاته صحيحا ولكن صناعة النبأ ، وطريقة إلقائه وتفسيره خاطئة، فالجماهير تستطيع أن تأخذ النبأ وتغير فيه وتعطى له تفسيرا إسلاميا وبصيرة إنسانية متكاملة.

وكذلك الظواهر الأخرى، كتزييف استشهاد رجل فى السجن بأنه مخالف للنظام .. وقتل.

أما نحن فيجب أن ننقل النبأ بطريقة أخرى.

- أولا أنه ليس قتل وإنما هو استشهاد وكرامة.

- ثانيا أنه استشهد، ولكن من دم هذا الرجل سوف ينبت ألف شهيد وبشهادة هذا الإنسان جرت دماء الشعوب الإسلامية ثورة وغضبا وأن تلك الدماء هى التى سوف تنتصر لهذا الدم.

من هنا أن علينا أن نتخذ مواقف غير مواقف الأجهزة الحاكمة، التى تقتل رجلا لتقتل من ورائه إرادة الأمة، ولكن بصيرة الإسلام ورؤية الثورة تقول لو قدمنا شهيدا إلى المعركة فإن دم هذا الشهيد سوف يجدد عزيمتنا على المسيرة فى طريقه.. فهل ذهب دم الحسين (ع) هدرا؟

كلا.. فعشرات بل مئات الثورات قامت بعد واقعة كربلاء تنادى يالثارات الحسين، إذا .ز الظاهرة يجب أن نفسرها تفسيرا ثوريا ونتخذ أمامها موقفا ثوريا.. مثلا الجمعة السوداء التى حدثت فى إيران التى قتل خلالها الطاغوت أربعة آلاف إنسان كان بينهم مجموعة كبيرة من الأطفال.

بعد تلك المعركة أشاع بعض اليائسة من العناصر المتخاذلة العميلة المرتبطة بأجهزة العدو، أشاعت فى الناس هذه الأسئلة ..

إلى متى العمل؟ إلى متى الثورة؟ إلى متى تهدر دماؤنا؟

ولكن قائد الثورة بعث من النجف الأشرف رسالة غلى الشعب الإيرانى وقال لهم قتلاكم لم يصلوا حتى الآن بمقدار قتلى المسلمين فى معركة صفين.

هذا هو الدرب، درب الثائر، درب المنتصرين، درب المؤمنين فى الحياة الذين يقدمون التضحيات ولا يبالون.

وفعلا، كانت كلمة الإمام بمثابة روح جديدة بعثت فى الأمة الإسلامية فى إيران.

يجب أن يكون تفسير النبأ ملهما من الآيات الكريمة والأحاديث، لنعد إلى قرآننا.. لنعد إلى كلام ربنا حتى نفهم محتواه.

حينما تحدق بالمسلمين المصائب، والأعداء من كل جانب، ويشتد الصراع.. علينا بقراءة آية النصر التى تقول:

" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله . ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز . الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور".

( الحج – 39- 41)

نقرأ هذه الآيات لنستلهم منها الفكرة الثورية، الإسلامية ، نستلهمها من القرآن فنصنع هذه الرؤية حول مختلف لأخبار التى تصلنا.

إذن .. كل واحد منا يستطيع أن لا يفسر الأنباء حسب ما تفسرها أجهزة الإعلام وأقلام الصحفيين الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم. وإنما نفسرها حسب رؤية الإسلام ونصوص القرآن.

نشر الثقافة الثورية..

بعد أن نصنع الخبر الثوري أو الفكرة الثورية، يأتي لينشر هذا النبأ ، أين أنشرها وأى صحيفة تقبلها.

لكي لا تعتمد على الصحيفة تستطيع أن تكتبها على ورقة وتلصقها على الجدار أو تكتبها بخطك على الجدار، وأن تقولها لأصدقائك عبر جهاز الهاتف، وتقولها لأقربائك.. وهكذا ينتشر الخبر فى الساحة كما ينتشر الماء تحت الأرض.

ولا يعنى ذلك أن تكتشف نفسك، بل اكتم نفسك واعمل بالتقية كما يقول الإمام الصادق (ع):

( التقية ديني ودين آبائي).

ولكن لا يعنى ذلك أن لا تفعل شيئا أو تسكت ، إذ أن :

" الساكت عن الحق شيطان أخرس"

ومن يسكت عن الحق فى الدنيا سيلجم بلجام من نار، فى يوم القيامة كما جاء فى الأحاديث.

قل الحق ولكن بكتمان وخطة دقيقة، فبالأجهزة البدائية قامت الثورات فى ا لعالم، ولم يكن الثوار يمتلكون الأموال الطائلة، فغاندي لم يملك أوراقا يكتب عليها فكان يكتب على أوراق السجائر، وبعضهم كان يكتب على ا لحيطان، فكتابات الحيطان مؤثرة ومفيدة حيث كتابه ( الله أكبر) أو ( يسقط الطاغوت) تسقط هيبة الحاكم حيث الحكام يعيشون على الهيبة وزرع الخوف بين الناس. إذا .. فمن هذه الكلمات والرسائل يتكون المد الثوري فيجرف الأعداء. فعلينا أن لا نستصغر جور أحد فى نشر الثقافة الثورية.

قبل فترة سجن بعض اليهود فى الاتحاد السوفيتي، ثم زار برجنيف فنلندا زيارة سياسية فكتب اليهود المتواجدون هناك رسائل شخصية إلى برجنيف يطالبون بالإراج عن أبناء طائفتهم فى الاتحاد السوفييت. حتى بلغ عدد الرسائل 10 آلاف رسالة – وكان عدد اليهود القادرين على الكتابة فى فنلندا 10 آلاف أيضا .

لقد وصل عدد المهجرين الذين أخرجوا من العراق بغير حق حوالي 40 ألف أو يزيدون فلو كان كل واحد منهم يقوم بدوره الإعلامي ضد من ظلمه لتحقق شيء هام.

قد لا يستطيع إنسان ما أن يصنع فكرة ثورية فعليه أن يقوم بدور الوسيط بأخذ الأفكار الجاهزة الموجودة من هذا وذاك وينشرها فى المجتمع.

فهذا الكاسيت البسيط الذى لا نعتني به – والذي كان جنديا مجهولا خدم الثورة الإسلامية فى إيران – يمكن أن يساهم فى انتصار الثورة الإسلامية فى المناطق الأخرى. إذا .. الثقافة دورها حاسم وهى ركن أساسي من أركان الثورة فى كل مكان.

لذلك يجب على كل واحد منا أن يتحمل دوره فى نشر الفكرة أو حتى فى صناعتها.

الفصل الثالث

مسئوليتنا تجاه الحركة الرسالية
الوحدة الإسلامية ومسئولية العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم

" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين. إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون. وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون . أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير. هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون . لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين "

( آل عمران 159- 164)

الوحدة المبدئية سبيل البركة..

إذا بارك ربنا أمرا نما، وإذا خذل أحدا محق.ز وبركة الله تكون بتفاعل مجموعة فى ذلك الأمر.. فالعمل الصالح يرفعه الله، والكلمة الطيبة تصعد إليه، والإخلاص فى العمل لوجهه ينمو، وكذلك الصدقات أما الربا فيمحقه.

ومن أبرز ما تتجلى فيه بركة الله سبحانه وتعالى الوحدة، فالوحدة ليست حقيقة مجردة واحدة، وإنما هى تجلى مجموعة حقائق تصطبغ بها حركة الإنسان فإذا اجتمعت وتفاعلت هذه الحقائق تسمى بالوحدة.

والله تعالى يجعل بركته فى الوحدة أى يجعل الوحدة طريقا إلى نصره ووسيلة إلى تأييده وسببا لتوكل المؤمنين عليه. لأن الوحدة ترمز إلى الإخلاص والتفاني والتضحية وإلى مجموعة من الخصال الحميدة التى من دونها لا يمكن أن تتحقق، وهى أيضا ترمز إلى صدق العمل وصلاح الخطة وسلامة القيادة والمسيرة، وترمز بالتالي إلى انتخاب القيادة الرسالية.

والله تعالى حين يحدثنا عن نبينا الأكرم محمد (ص) فى سورة آل عمران – التى تتحدث عن الوحدة الرسالية وطريقة تناميها – يقول : " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم"

فتلك البعثة إنما هى نعمة كبيرة ككل نعم الله ، ولكن الرسالة أعظم ، لأنها طاقات الأمة، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحقيقة فى هذه السورة أيضا فقال:

" فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"

كما يقول :

فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"

إن هذه القيادة الإلهية هى قيادة الرحمة، وتجميع الطاقات وليس دفعها بعيدا عن محور الرسالة.

" فبما رحمة من الله لنت لهم"

ذلك اللين الذى يحوى فى داخله حزما عظيما يتجلى فى الاستغفار ويتجلى فى المشورة ولكنه ينطوي على حرم لأن الله تعالى يقول إكمالا للآية:

" وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله"

إن لين الرسالة لا يتجاوز حدود أوامر الله وقيمه، بل هو من أجل أوامر الله وتضحية بالمظهر من أجل الجوهر، وبالأسلوب من أجل المحتوى.

" فإذا عزمت"

يبقى العزم والقرار بيد الرسول، فالقيادة الرسالية نعمة عظيمة من دونها كل النعم تبقى ناقصة.

" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس"

( المائدة آية67)

الولاية الإلهية تعنى الخضوع للقيادة والخضوع لهذه النعمة هى أسمى وأعلى درجات نعم الله.

" لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ”

فإذا كانت النعمة العظمى هل الرسالة وشخص الرسول فإن الالتفاف حول الرسالة سيصبح الواجب الأكبر والفريضة الأهم.

التوكل يعنى اتباع القيادة..

إذا .. الوحدة التى تتجلى فى القيادة وفى سائر الصفات الحميدة هى التى تهيئ الظروف لرحمة الله سبحانه وتعالى لأنه يقول فى ضمن هذا السياق أيضا:

" إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون"

التوكل لا يعنى لقلقة لسان بـ ( توكلت على الله) وإنما يعنى تطبيق منهاج الله وبرمجة الأعمال حسب ما أراد الله واتباع القيادة الرسالية والمفاهيم الصحيحة للعمل.

وفى السياق القرآني تطرح الآية: العفو، والاستغفار عن المؤمنين والمشورة وهو معنى التوكل حيث يقول الله تعالى فى نهاية الآية:

" فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"

الوحدة.. عمل لا شعار..

الوحدة لا يمكن أن تتحقق برفع شعاراتها، بينما تجد خلفها تكريس الخلافات والتحزبات والطائفيات والقوميات والعنصريات والمحوريات الشخصية . الوحدة حقيقة لابد أن توجد ، فهي بذرة تنبت فى قلب المؤمن ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تصبح دوحة وارفة الظلال عظيمة الثمار.

وتبدأ الوحدة من حسن الظن بالإخوان ، فالذي يسيء الظن بإخوانه لا يمكن أن يتحد معهم، وهى تعنى أن ت حب لإخوانك ما تحب لنفسك أما إذا أحببت لهم ما تحبه لأعداءك فلا يمكن أن تتحد معهم، وتعنى أيضا أن تقول الكلمة الطيبة، فالرجل الفظ الغليظ الذى اعتاد على الكلمات البذيئة، وعلى إسقاط هيبة الآخرين فى نفسه وعند الآخرين، لا يمكن أن يتحد معهم، لذلك يقول الله تعالى:

" وقل لعبادي يقولوا التى هى أحسن"

( الإسراء آية 53 )

" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "

( المائدة آية 5)

أما حينما تكف يدك عن إخوانك وتنطوي على نفسك فى زاوية لتعمل أحاديا، وتريد أن تقرأ وتدرس وتطالع وتعمل فى الساحة فرديا فلا ترتجى وحدة منك، لأن نتيجة ذلك تكريس الفردية والانطواء والابتعاد عن الساحة وتقبل الأفكار الصوفية.

والوحدة تعنى أن تجتمع حتى فى عبادتك وفى علاقتك مع الله سبحانه وتعالى وتصلى فى المسجد:

" لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد"

وتعنى وضوح الهدف، فليس هدفنا أن نتجمهر فى شوارع المدينة الكذائية حتى يكون أحدنا أكبر من الثاني فيها، وأن يكون اسمنا قبل أسماء الآخرين فى حفلة، وأن يبرز صاحبنا على صاحبهم، إنما هدفنا إسقاط الطغاة. وإذا كنا كذلك فعلينا أن نفخر بكل عمل ونؤيد كل من يسير فى هذا الطريق، ونرفع ذكرى شهدائنا ، ونهتم بعاملينا وعلمائنا وبمفكرينا جميعا.

دعنا نتنافس على العمل لا على الشعارات الخاوية، ونفتخر بمقدار الإنتاج وليس بأسلوبه. فالله تعالى خلق العالم لكل الناس، وموارده الطبيعية تسعهم جميعا، فلا يمكن لشخصين يتصارعان على مقدار الأوكسجين الذى يتنفسانه لأنه لعامة الناس ، كذلك ساحة لعمل واسعة.. فلماذا نتنافس بمثل هذه الصورة؟

هناك من يزعم بأن تضعيف الحركات الإسلامية وتقزيمها ينفع الإسلام ....؟

إن هذا خطأ فظيع جدا، لأن هذه الحركات التى أنتجت تيارا إسلاميا ضخما ، والتي هى هدف الدعايات المفروضة من قبل أعداء الإسلام ، والتي أعطت حتى الآن مئات الآلاف من الشهداء لأجل ا لإسلام ، وربت المؤمنين على القيم والتعاليم الغراء لا يحق لنا تقزيمها لمصالح عدوانية.

والبعض الآخر يزعم أن تشخيص الشخصيات الإسلامية والمحاور الدينية سيكون فى مصلحة الأمة؟

وهذا أيضا خطأ ، فكل شخصية إسلامية تعمل اليوم فى الساحة هى ملك الأمة جميعا وسوف تكون طريقا لتربيتها والتعجيل بالثورة الإسلامية.

" وقل لعبادي يقولوا التى هى أحسن "

( الإسراء آية 53)

هنا يقول ربنا لرسوله (ص) قل لعبادي المؤمنين لماذا تختلفون مع بعضكم، ولماذا يتهم بعضكم بعضا، فالوحدة ليست كلمة أو شعارات بل عمل وتضحية وسعى وخضوع لبرامج الله. ههذ هى أسباب الوحدة.. وهذه هى النقطة الأولى.

العلماء محور الوحدة..

ثانيا.. الإنسان بطبعه ليس موحدا.. فإذا ترك الإنسان لطبعه نحى نحو التفرقة . كما أن طبائع الناس وأذواقهم وآراءهم متنوعة كل له مصلحة ولديه فكرة . ثم إن الأهواء بذاتها مختلفة عن بعضها . ولكن الدين والرسالة هى التى توحد الناس إذا تجلت فى أشخاص وبالذات فى علماء الدين، لأنهم مراكز تجلى بركة الله سبحانه وتعالى، وتجسيد الرسالة الإلهية.

عالم الدين فى المجتمع يكون محورا للوحدة وحبلا للاعتصام، أما إذا كان عالم الدين وسيلة للتفرقة وسببا للخلاف ومثيرا للفتن، فإن ذلك خلل فيه وليس خللا فى الدين، بل يتضح أن الرسالة السماوية لم تترسخ فى نفسه بصورة كاملة.

الحوزات العلمية عبر التاريخ كانت توحد الجماهير، وكان يدرس فيها الأسود والأبيض والأسمر ومن مختلف اللهجات، وكانوا يسكنون فى غرف واحدة فى المدارس، ولذلك كان عالم الدين فوق الاتجاهات والعنصريات والعصبيات والمحوريات. وكان يعيش للجميع من دون أن يطلب أجرا ولا شكرا.

علماء الدين فى المستقبل لابد أن يكونوا قادة الأمم لأن الرسول (ص ) قال :

" العلماء ورثة الأنبياء"

" علماء أمتي كأنبياء بنى إسرائيل"

إذا أردت أن تقوم بدور أنبياء بنى إسرائيل فلابد أن تربى نفسك على صفاتهم ومن أبرزها تلك التى جاءت فى سورة آل عمران ( فاعف عنهم واستغفر لهم) فقلب العالم يجب أن يكون قلبا كبيرا يتسع جميع الناس.

إن الأمة اليوم مليئة بالمشاكل، فألف مليون مسلم مستضعف وفقير وبائس ومعتدى عليه، أفغانستان خير شاهد على ذلك، فهذه هى القوى الكبرى العسكرية تعتدي عليه وتستخدم أعتى ألوان الفتك والدمار ضده، فيقال بأن أكبر كمية من الأسلحة الكيماوية التى استخدمت فى العالم كانت فى أفغانستان.

ولا يكتفون بالرجال والنساء، فها هى البعثات التبشيرية تسرق الأطفال وتبيعهم فى سوق النخاسين فى العالم، وهناك إحصائية تقول أن مائة ألف طفل أفغاني سرقوا من قبل الاتحاد السوفيتي ليربوهم على الإلحاد.

لقد أعطى الشعب الأفغاني خمسة ملايين لاجئ- بقدر نفوس الخليج- بينما أموال البترول تذهب إلى جيب المستكبرين فى وقت يفكر حكام الخليج فى القضاء على الإسلام والشعوب الإسلامية نائمة.

ماذا تصنع الشعوب الإسلامية ومن الذى ينقذها ، ويوحد طاقاتها. جريمة – ما أكبرها من جريمة- أن ينشغل العلماء والمتعلمون بالخلافات ، والأمة الإسلامية تذبح وتهتك حرماتها.

من المسئول عن ههذ المذابح؟ هل هم البعثيون؟ أم الروس؟ أم الأمريكيون ؟ أم نحن أيضا مسئولون؟

إذا وقفنا يوم القيامة أمام محكمة العدل الإلهي وقال سبحانه وتعالى:" ( وقفوهم إنهم مسئولون ) فبماذا نجيب ربنا؟ .. هل نجيبه بأننا كنا مشغولين بالخلافات والنزاعات على حطام الدنيا . . أم ماذا ؟

إذن لابد أن ننمى فى أنفسنا روح الوحدة، فكل الأمة مسئولة أمام الله يوم يغفر للجاهل سبعين ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنبا واحدا.

الصراع مع الجاهلية

مسئوليتكم الأولى..

إذا وجه الإنسان صراعه الحقيقي مع الباطل الذى تمثله الجاهلية متجسدة فى الطاغوت وفى نظامه وفكره وإرادته، فإنه فى كل سكنة أو خطوة يخطوها يجعل حسابه عند الله حسنة تمحى من سيئاته. وهذه ه الشفاعة بالمعنى الحقيقي للكلمة وبالمعنى الصحيح والمقبول لها.

فهي تعنى:

أن تكون مسيرتك متجهة إلى الله سبحانه وتعالى وإلى التكامل فى ذاته والإصلاح فى مجتمعك، ويكون صراعك الحقيقي مع الباطل والشيطان وبالتالي مع الطاغوت.

ولكن إذا كان الإنسان ضعيفا أمام الصراع وانهزم نفسيا أمام مشكلات وصعوبات المجابهة مع الباطل ولم يشأ أن يقدم التضحيات الكافية من شخصيته أو من نفسه أو من ماله أو مما يتعلق به، فإن سنة الله فى الحياة تقضى بأن يصارع الحق فيصرع. الصراع طبيعة الحياة:

والصراع مع الجاهلية صراع ممتد مع الزمن، وإن اختلفت صوره وأشكاله فلا تختلف طبيعته وجوهره، وإن اختلف الأشخاص والشعارات ، إلا أن على الإنسان أن يستخدم كل ما أوتى من العقل، وأن يفكر تفكيرا جديا بعيدا من الهوى والمصلحة والغرور ثم يقيم الأوضاع حتى يعرف الحق من الباطل.

وقد يعجز الإنسان فى هذا المجال، أو يخيل إليه بأن غيوم الشبهات وحجب الضلالة داكنة غلى حد يرى بأن فكره وعقله لا يستطيعان أن يثقباها، آنئذ عليه أن يتوسل متضرعا إلى الله تعالى حتى يؤيده ويسدده للتفكير الجدي ولاستخدام كل ما أوتى من عقل حتى يفهم الحق:

( اللهم أرني الحق حقا فأتبعه، والباطل باطلا فأجتنبه)

وإذا لم يجتهد الإنسان ليعرف الحقيقة، ولم يتحمل مسئولية الصراع مع الباطل، فسوف يندفع بطريقة أو بأخرى إلى مصارعة الحق لأجل الباطل، وهذه حقيقة لا ريب فيها. لماذا ندافع عن الحق؟

ما الذى يدفعنا ويشجعنا غلى تحمل تبعات الحق ومسئولياته ؟ ما الذى يدفعنا للوقوف صامدين مدافعين عما نعتقد بأنه حق؟

يدفعنا لذلك أمور ثلاثة هى:

أولا: الباطل المتجسد فى الأقلية

إن الذين يؤيدون الباطل فى هذا الكون هم ( الأقلية) عددا وعدة، ولكن الذين يجعلهم يستولون على الحياة ويتسلطون على رقاب الناس إنما هو سكوت أهل الحق.

فمن الذى يتحكم فى رقاب الملايين من البشر؟ أليس كبار الرأسماليين والمستغلين المفسدين من الصحفيين والعلماء المأجورين فى المعسكر الغربي؟ وأما فى المعسكر الشرقي فهم كبار الحزبيين والمنتفعين من وراء الحزب.

ولكن أين موقع سائر الناس فى الولايات المتحدة وروسيا وأفريقيا وآسيا من الحياة ؟ أين موقع المحروم، والمستضعف، والبائس، والمسكين ، الذى لا يملك شيئا؟

وحينما ننصر الحق سنفهم من الذى يقف معنا ومن الذى يقف ضدنا، وسنرى أن الذى يقف ضدنا هم أولئك الذين يسميهم المنطق الحديث بـ ( الإمبريالية الشرقية والغربية وتوابعها من الطواغيت فى بلادنا وأجهزتهم)

أما من سيقف معنا فالجماهير الهادرة ذات الطاقات الأوسع من البحر والقدرات الأكبر من خزائن الأرض.

إننا لا نخشى الصراع مع الجاهلية ، بل هى التى تخشى، لأننا نعلم بأنهم لا يشكلون الأكثرية، وإنهم قد خدعوا الناس، ولذلك سنفضحهم على طبيعتهم.

ونحن حينما نقول الجاهلية لا نقصد نظاما حاكما فى الجزيرة العربية، أو أقزاما حاكمين فى الخليج أو شيطانا حاكما فى العراق. وإنما نقصد بها أسياد هؤلاء.

والآن يوجد تململ كبير فى أوربا الغربية – التى تعتبر قلعة من قلاع الرأسمالية والاستغلال فى العالم – فالشباب الأوربي غير راض عما يجرى ولكنه يفقد البديل، ولو كشف له البديل لانتفض وتحرك.

الحركة الرسالية:

إن أحد المفكرين الشيوعيين وهو ( روجيه غارودى) الذى كان يعتبر بالأمس القريب فى مصاف ( ماركس وانجلز ولينين وماوتسى تونغ) بدا يتراجع ويقول ويكتب أنه قد اكتشف بعد الثورة الإسلامي فى إيران بأن الدافع الذى يحرك التاريخ ليس الاقتصاد وحده وإنما الدين أيضا – هذا على المستوى الأعلى-

وأن أساتذة جامعة ( السوربون) فى فرنسا يفتشون الآن عن كراس حول الإسلام ليقرؤوه ولقد أسلك خلال ا لأعوام الثلاثة (12) ألف إنسان فى فرنسا جميعهم من الطبقات المثقفة الواعية.

فالانتفاضة مرتقبة فى أوربا الغربية. وأما فى أوربا الشرقية فبولونيا هى الوجه الظاهر من جبل الثلج، وإن الاضطرابات فى يوغسلافيا ليست جديدة، والوجه الديني فى ألبانيا ليس جديدا أيضا.

إننا إذا انتفضنا وقمنا قياما حقيقا من أجل الحق الذى لا يشوبه شيء، فسوف ننتصر بإذن الله على الجاهلية وأسيادها.

ثانيا: التوكل على الله : يجب التوكل فى كافة الأحوال والتقلبات على الل، فهو الذى خلق السموات والأرض، وهو الذى يخرج الحي من الميت والميت من الحي ويكور الليل والنهار ويولج بعضها فى بعض، ويخرج الحبة الصغيرة من باطن الأرض وينميها فلماذا نخشى غيره وهو أقرب إلينا من حبل الوريد؟

حينما تزداد علاقتنا متانة بالله آنئذ نشعر بأننا نستطيع مقاومة كل الطغاة والجلادين، بل نتمنى أن نموت على يد جلاد . إذن .ز إيماننا بالله يجعلنا نختار الطريق الأصعب وننتفض ونقاوم الجاهلية بكل شجاعة.

ثالثا: التمسك بالحق ولو كان شائكا:

إن الصراع موجود داخل الإنسان والسبب أنه خلق هكذا بين قطبي هداية الله .. وغواية الشيطان.

فالإنسان يجب أن يتخذ موقفا ما فى هذه الدنيا أما مع الحق أو مع الباطل ، فسكوت الإنسان عن ضياع الحق وجموده فى المعركة الدائرة بين الحق والباطل يحسب ضده، أى أنه سيعتبر مع الباطل.

فإذا رأيت اثنين يقتل أحدهما الثاني فلم تدافع عن المقتول فإن الشرع الإسلامي يحكم بقلع عينيك، لأن سكوتك وجمودك عم دعم الحق ومحاربة الباطل سجل عليك كذنب.

إن الكثير فى العالم فضلوا العيش الرغيد بعيدا عن المشاكل، لذلك حينما جاءهم أهل الحق وطلبوا منهم النصرة لم يدفعوا شيئا . ولكن دوران الحياة أجبرهم بأن يقفوا بجانب الباطل- وهكذا حكم الله على الإنسان-

فأهل الكوفة فى يوم عاشوراء رفضوا الوقوف مع مسلم بن عقيل، وأخذ الأخ أخاه وهو يقول:

( ما لنا والدخول بين السلاطين)

وكذلك أخذت الأم ابنتها والأخت أخاها.. وهكذا .. إلى أن تفرقوا عن مسلم بن عقيل.

والنتيجة : أنهم جاؤوا بأنفسهم إلى قتال الحسين (ع) لأن بن زياد أعلن بعد ما سيطر على الكوفة أن من لا يخرج غلى قتال الحسين (ع) سيضرب عنقه.

حتى أن المؤرخين يذكرون بأن أعرابيا كان يطلب دينا من رجل من أهل الكوفة ، فدخل الكوفة فلم ير فى شوارعها أحدا، ورأوه جلاورة ابن زياد فجلبوه .

وعندما سألوه: من هو ومن أين أتى؟

قال : أنا أعرابي جئت لأقبض مالا من رجل كوفي.

قالوا: إذن لم تذهب إلى قتال الحسين (ع) ؟

قال : ومن هو الحسين ؟ وما هى قضيته؟

قال ابن زياد لأحد الجلادين: أظنه صادقا، ولكن اضرب عنقه.

ونتيجة لتصريح ابن زياد بقتال الحسين (ع) وأصحابه قتل منهم مقتلة عظيمة ، حيث أدخلوا فى كل بيت من بيوت الكوفة العزاء وبعد مقتل الإمام الحسين (ع) استمرت المجازر الرهيبة التى لحقت بهم الويل والدمار.

المخطط الكبير

إننا الآن نتحمل مسئولية كبيرة كما يتحملها المؤمنون الذين يتواجدون فى أقطار العالم الاسلامى ويحملون ذات المبدأ وذات الأهداف. فالهجمة شرسة والمخطط الإمبريالي الذى يوحى من الشيطان مخطط جهنمي.

إن القضية ليست قضية تسلط الأنظمة على جزء من أرضنا، أو أجزاء من بلادنا، وإنما هى أوسع من كل ذلك، فهم يريدون إبادة شخصيتنا، إنهم بعد الحرب لعالمية الثانية حاولوا تغييرها بطرق عديدة، ففى البداية حاولوا ضرب المفكرين الإسلاميين وإعدامهم، ثم نشروا الكتب والصحف المفسدة ووجهوا الإذاعات المضللة وحاولوا إفساد شبابنا وضمائرنا، ونشروا شبكات مترامية من الأحزاب العميلة فى بلادنا هنا وهناك وتحت أسماء قومية أو شعارات وطنية. إلا أنهم رغم كل ذلك فوجئوا بثورة إسلامية عملاقة تتفجر فى إيران بقيادة رجل يصفه الكتاب بأنه واحد من أصحاب الرسول (ص) قفز 14 قرنا.

لأن هذا الرجل نبع من التراب الأصيل، ومن الواقع الإسلامي الحقيقي فكانت ثورته منتصرة. بالرغم من أن أبواق الشاه وعملائه والسنة المضللين الذين كانوا يشكلون طابورا خامسا للعدو، هؤلاء جميعا حاولوا تشويه الثورة فتارة ينسبونها إلى الشيوعية ومرة أخرى نسبوها إلى بريطانيا ، فقد نشر رجل من أصحاب الشاه المقبور منشورا قال فيه:

( اكتشفت بأن ثورة الإمام إنما كانت بوحي من بريطانيا لأن أمريكا جاءت إلى المنطقة واستطاعت أن ...بريطانيا منها فأرادت بريطانيا أن تأخذ بثأرها فجاءت بهذه الثورة)

ومرة ثالثة كتبت إحدى الصحف الإيرانية فى عهد الشاه بأن هذه الثورة تابعة لمعمر القذافى . ومن جملة ما نسبوه إليها أيضا ما كتبته مجلة ( الحوادث) : بأن هذه الثورة السى . آى . أيى ( وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ) التى قامت بها ضد الشاه عندما ابتعد عنها فى ا لفترة الأخيرة.

إن أغبياء العقول لم يفكروا فى أن ثورة بهذا الحجم والتي تمثل (40) مليون إنسان وفى دولة ضخمة مثل إيران لا تحتاج إلى ليبيا أو بريطانيا أو الاتحاد السوفيتي حتى تقوم بها. وقد نسبوا كل ههذ التهم إلى الثورة لأنهم أرادوا أن يقولوا للناس: يا أيها الناس إن الإسلام قد مات والذي ترونه فى إيران شيء آخر.

الصمود والتحدي فى مجابهة الباطل

الثورة انتصرت .. وحينها استقطبت اهتمام الإمبريالية ، فقامت بخطة جهنمية وعريضة جدا وعلى امتداد أفق العالم الإسلامي كله، بل على امتداد العالم حيث يوجد مستضعف.

فهم سوف لا يرضون منا هذه المرة أن نستسلم فقط وإنما يريدون أن يحطمونا حتى لا يبقوا لنا نافخ نار.. ولكننا سنقف هذه المجابهة، وعلى المسلمين بدورهم الوقوف ولكن بشرط المعرفة المسبقة بأن ههذ المجابهة ساخنة دامية تتضمن الصعاب.

والذي لا يستطيع أن يجابه أولا يحدث نفسه بذلك فإنه سيجد نفسه فى يوم من ألأيام شاء أم أبى فى صف الكفار.

فلابد من مهاجمة العدو ومقارعته بالأفكار الصحيحة، لأنهم قد يتلبسون بملابس عديدة فتارة يصبحون تقدميين جدا ويعتبرون المسلمين رجعيين والفكر الإسلامي فكرا رجعيا، ولكنا لن نتزلزل بل سنستقيم على طريق الحق مهما كانت التهم، فقد نسبوا هذه التهمة بالذات إلى الرسول (ص) صابئا، وهذا ما نجده اليوم من تهم تصب على رؤوس المسلمين.

إن الاستعمار يملك أساليب عديدة سيستخدمها جميعا، وقدرنا أن نواجهه فى هذا الصراع وإلا أبادنا وأنهى ديننا. ومن هنا يجب أن يكون تفكيرنا فى مستوى الصراع والمجابهة.

ولا يحق لنا بأي حال من الأحوال أن نفكر فى الجزئيات، فالاستعمار وأتباعه بدأوا يحدثون الناس فى البلاد الإسلامية عن طريقة الوضوء وكيفية وضع اليد فى حالة الصلاة، فالحذر من الوقوع فى شرك الشيطان الذى يريد أن يضرب الناس بعضهم ببعض.

ألم يقل الله سبحانه :

" ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب"

( البقرة آية 177)

إنهم يفتشون فى قضية بسيطة فى صفحة من صفحات القادة ويكبرونها وكأنها كل شيء، ولا ينظرون غلى أعمالهم العملاقة التى حطمت عرش الطاغوت وأرغمت أنف أمريكا وأبطلت أفكار لينين.

إننا نشاهد يوميا عشرات من هذه الأسئلة فى العالم الإسلامي كله. وإننا نستطيع بأن نسمى ونستدل.

ولكن هذه ليست طريقة عمل، بل إنها مصيدة الشيطان والإمبريالية وإنه شرك الطغاة الذى ينموه لنا. فلا نكن قشريين: فإن الذين قاوموا الأئمة الهداة كانوا يفتشون عن مثل هذه الأمور ويأخذونها عل الأئمة.

أولئك الذين كفروا بالقرآن وكتبوا كتبا ضده، كذلك فتشوا عن بعض الأمور وضربوا هذه الكلمة بالأخرى ورتبوا منها تناقضا وكتبوا ( تهافت القرآن).

ورحم الله بن نبي الكاتب المعروف الذى ركز على ذلك وقال: بأن هؤلاء يحاولون أن يجعلوا عقلية جزئية صغيرة تبحث فى أمور متواضعة.

وحسب تعبيره .. عقلية ذرية ( ذرة صغيرة) فهم لا يرون المسيرة الهائلة التى تحركت فى العالم، ولا يرون الإنجازات والمكاسب الكبيرة، والكتب العظيمة ذات الفكر القيم، وإنما يفتشون عن بعوضة طارت من هنا ورحلت هناك.

إننا نقول للعالم: إن هؤلاء الذين يحدثونكم عن هذه الأمور إنما لأجل تضليلكم ومحاولة سلب عقولكم وقدرتكم على التفكير، ليجعلوكم تبحثون عن قضايا جزئية وكأنها اكتشافات عظيمة.

وقد رأيت ذلك فى مجموعة أطباء وبعضهم طلاب فى قسم الطب والبعض الآخر أساتذة فى الجامعات فى أوربا، جاء أحدهم يسألني عن الوضوء والفرق بين وضوء الشيعة والسنة، وآخر عن كلمة واحدة فى كتاب الإمام ( الحكومة الإسلامية) حيث جاءني بالنص الفارسي المكتوب وطلب منى أن أفسر له هذه الكلمة. وسألني ثالث هل تقرأ الشيعة هذه الآية:

" وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم" أو أرجلكم" ( الأولى بكسر اللام والثانية بفتحها)

( المائدة آية 6)

فقلت له: أما تخجلون عليكم أن تفكروا فيما يجب أن نعمله لإنقاذ المستضعفين، وفى هذه الأساطيل التى تحتضن بلادنا من كل مكان. وفى الهدف الذى ينشده كارتر وريغان من تأسيس القوة السريعة الضاربة، ثم شرحت لهم بعض الأمور.

لقد استطاع الاستعمار أن يضرب بعضنا ببعض حينما انغمرنا فى الجزئيات وساعدناهم على استعمارنا واستغلال اقتصادنا، وخصوصا فى الهند حيث استطاعت بريطانيا أن تستعمرها بعد أن شغلتها بالجزئيات.

أحد علماء العراق عندما كان ذاهبا إلى الهند سألوه عن الحصان الذى كان يركبه العباس وما إذا كان ذكر أم أنثى.

قال : بدأت أقول لهم إن الحصان الذكر هو الذى يركب الأنثى، وإذا بأحد الأفراد فى حاشيتي سبقني وقال: إن الحصان كان خنثى. وأنهى المجلس وذهبنا . ثم قلت له لماذا سبقتني وبادرتني بالإجابة ؟ فقال: فى الواقع بين هؤلاء معركة كبيرة.

على المسلمين جميعا أن يحملوا أفكارهم عالية، لأنهم يحملون فكرا سليما. فالاستعمار يخاف منه ومن اللسان المسلم والقلم الصادق.

الفصل الرابع

الوحدة ركيزة العمل الرسالى
توحيد الأمة عبر توحيد الحركات

بسم الله الرحمن الرحيم

" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون . ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم"

(102 – 105 آل عمران)

لولا تجلى إرادة الله فى الشعب الإيراني المسلم لما كان للانتصار معنى. وإذا كانت إرادة الله قد قررت مصير فرعون فى يوم عظيم من أيام الله، فإن إرادة الله قد قررت نهاية الطغيان فى إيران وعلى رأسه الشاه الخائن، ولا ننسى أن الله سبحانه وتعالى قد أمر موسى (ع) بأن يذكر بنى إسرائيل بأيام الله .

" وذكرهم بأيام الله "

(5- إبراهيم)

اعتبر رب العزة سبحانه وتعالى يوم نجاة المستضعفين من بنى إسرائيل من نير المستكبرين يوم عيد من أيام الله المشهودة، وكذلك فأن اليوم الذى نصر الله فيه عباده فى إيران من نير فرعون الزمان ( الشاه المقبور) يوما من أيامه. لأنه فى هذا اليوم تجلت فيه إرادة الله كما تجلت هذه الإرادة فى ذلك اليوم.

إنه ليس عبثا أن يأمر الله نبيه موسى (ع) بأن يذكر بنى إسرائيل بأيام الله وليس عبثا أن نتخذ كل يوم مشهود عيدا.. إنما ذلك لحكمة وهى أن نذكر أنفسنا بعد ذلك اليوم، بالعوامل التى كانت سببا لتجلى إرادة الله فى هذا اليوم. وهى بدورها قد هيأت أرضية الانتصار ، ولكي نحافظ عليها ونحاول أن نتخذ منها مرة أخرى منطلقا جديدا لتوسيع رقعة الانتصار.

تقييم الثورة:

يحق لنا أن نتساءل: لماذا نصر الله عباده المستضعفين فى إيران، وما هى العوامل التى وقفت وراء هذا الانتصار، وكيف تخلق مثل هذه العوامل لكي نكرسها فى واقعنا؟

يؤسفنى أن أقول: بأن المسلمين فى أنحاء الأرض لم يستوعبوا هذه التجربة العظيمة، وما فيها من عبر ومناهج. ولا يزال قسم كبير منهم متأثرا بأفكار دخيلة حول تقييم هذه التجربة والكثير لا يقيم هذه التجربة من واقع المناهج التى انبعثت منها. لأن لكل تجربة منهاجا خاصا تقيم على أساسه.

وإذا كانت هذه التجربة إسلامية فعلينا أن نعود إلى المناهج الإسلامية فى تقييمها لا أن نقيمها عبر المناهج الغربية أو الشرقية.. ولو رجعنا إلى القرآن والسنة لاستطعنا أن نقيمها بشكل أوضح، وكذلك لو رجعنا غلى التاريخ النضالي للأمة الإسلامية.

أما الذين قيموا هذه الثورة بعيدا عن روحها، قيموها كل على حسب منهاجه، فبعض منهم قال : إن الثورة هى ثورة البازار ( سوق طهران) وبعضهم قال : إن هذه الثورة هى ثورة الصفيح، وبعض قال: بأن الطبقة المثقفة هى التى ثارت.

ومنهم من قال : إن عامل الثورة هى محاولة الشاه العجولة فى تصنيع إيران، ومنهم من قال: إن فلسفة الثورة استمدت من الاتحاد السوفيتي. وغير ذلك من الأقاويل.

ولا يزال الكثير متأثرا ببعض تلك الأقوال الخاطئة فى تقييم هذه الثورة ونحن لا نزال نجهل الكثير عن هذه التجربة ولا يزال الكثير فى العالم الإسلامي لا يعرفون إلا ظاهرا عن هذه الثورة الفريدة.

أما الدروس والعبر، ومعرفة العوامل الحقيقية لنشوئها وانتصارها فلا تزال مجهولة لدى الكثير. لذلك إنني أدعو جميع الكتاب والمفكرين والمثقفين وعلماء الدين أن يحاولوا دراسة هذه الثورة، وعقد الندوات حولها، وبحث جوانبها المختلفة، وأقول لهم : يجب عليكم أن تنقلوا هذه التجربة إلى مجتمعاتكم أدعو ذوى العقول أن يحاولوا فهم هذه التجربة، وأن يحاولوا أن يستنبطوا منها روحها وكذلك العوامل المحركة لها ولا يقتصروا على الظواهر الشكلية لكي تكون منهاجا مستقبليا لأمتنا .

بالطبع ليس معنى ذلك اننى أدعو للتقليد. إنما أدعو إلى إغناء تجاربهم بهذه التجربة والحديث الشريف يقول:

" أعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه"

الوحدة:

الوحدة هى من أعظم الدروس التى نستوحيها من هذه الثورة الإسلامية، فالوحدة وتناسى الخلافات وتعبئة الطاقات عبر تركيز القوة، والانضباط الثوري الذى أمر بها الإمام قبل خمس سنوات عشية انتصار الثورة هى أهم الدروس فيها.

فمن دون وحدة القيادة كيف يمكن توحيد الطاقات، ومن دون وحدة المنهاج كيف يمكن توحيد المسير، ومن دون ذوبان الفوارق كيف يمكن تركيز القوة وكيف تتلاحق الأفكار، كل هذه العوامل تعود إلى عامل واحد يسميه القرآن بالتقوى.

إذا وصلت الأمة فى تقواها إلى مرحلة تسود التقوى علاقاتها الاجتماعية ورؤيتها الحضارية، فبشر هذه الأمة بإمكان الوحدة وبشرها أيضا بالانتصار ، أما إذا كانت التقوى مجرد علاقات بين الإنسان وربه وفى مجال الصلاة والصيام دون أن تدخل فى مجال علاقاتك، فإن العلاقات سوف تنهار، لأن التقوى فى العلاقات أن لا تغتاب أخاك ولا تسبه ولا تتحداه، وعندما تشتد أزمة العلاقات تصير الوحدة أملا لا يحلم به الواقعيون، بل يحلم به الذين يعيشون تحت سماء الخيال.

متى نتوحد؟

إن الله سبحانه وتعالى لا يؤلف الشمل إلا بالإيمان ، ولنقرأ هذه الآيات لندرك عمق هذه الفكرة:

" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن"

(11- الحجرات)

" وزنوا بالقسطاس المستقيم"

( 5- الإسراء)

" وقولوا للناس حسنا"

( 83- البقرة)

" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هى أحسن"

(46- العنكبوت)

" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى أحسن"

(135- النحل)

إذا بلغت الأمة إلى تطبيق شرائع الله على نفسها فإنها تكون قد بلغت القمة فى التقوى.

" واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم"

هذا خطاب للمؤمنين فى غيران بأن يذكروا تلك الأيام السوداء التى مرت عليهم، ويتذكروا نعمة الله عليهم بالتقوى والتوحيد.

" فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون"

هذه هى العبرة التى يمكن أن نستوحيها فمن دون الوحدة لا انتصار ومن دون التقوى لا وحدة، ومن دون تطبيق شرائع الله تقوى.

إذن لندعو أمتنا إلى أن تستقبل إرادة الله.. فإرادته رحمة، ومن الخطأ جدا أن نغلق أبواب أنفسنا عن ههذ الإرادة ونظل عميا كالذي يعلق نوافذه عن الشمس ويلوم الشمس بأنها لا تطلع على بيته.

العالم الإسلامي لم يستطع بعد هذه التجربة الكبرى- مع الأسف الشديد- أن يفوز بدولة واحدة مثل إيران، وهذا تساؤل ينبغي أن نطرحه على علماء الدين والجماهير المسلمة والحركات الإسلامية فى كل مكان.

أشاهاتكم أقوى من شاه إيران.. أم أن شعوبكم أضعف من هذا الشعب، أم أن الله سبحانه وتعالى وعد بالنصر ولم يعدكم، أن سبب انتصار هؤلاء بسبب لغتهم أو لون أجسامهم؟

وأجيب عن هذا نيابة عن الجميع، وأقول: إن عامل الوحدة وقبله عامل التقوى لم يكونا موجودين. أما عامل الوحدة فمعروف.. فأين الوحدة؟

الوحدة قد تكون بين الأنظمة ، والتي نرفضها سلفا، لأن وحدة الطغاة لا تكون إلا على مائدة المستضعفين من أجل التكالب على ثرواتهم ، أما أن تكون الوحدة بين الجماهير بصورة مباشرة فهذه صعبة المنال بسبب وقوف الطغاة بثقلهم أمام تحقيق هذا المطلب و يمكن للأمة الإسلامية وجماهيرها، أن تنبعث مرة واحدة، وتتوحد ضمن فئات ، وتتحرك باتجاه القضية الواحدة.

كيف تتم الوحدة؟

الوحدة لا يمكن أن تتم إلا عبر المؤسسات الاجتماعية النظيفة ، ثم تنتقل هذه الوحدة إلى الجماهير، وبالتالي تتساقط الأنظمة كأوراق الخريف. لذلك أمرنا ربنا بالوحدة وقال:

" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".

لتكن فى الأمة الإسلامية قنوات نظيفة لتوحيد الطاقات، ولتعمل ههذ القنوات على توحيد الصف، ولتكن واسطة خير فى نشر رسالة السماء وهذه القنوات حسب مفهومنا الحديث هى الحركات الإسلامية التى عبر توحدها تتوحد الأمة، لأن هذه الوحدة هى مقدمة لوحدة الجماهير التى يستبعد أن تتحقق إلا عبرها، وهى بديلة عن وحدة الأنظمة التى تضر كثيرا ولا تنفع. وهنا نتساءل لماذا لم تتوحد الحركات الإسلامية حول محور واحد؟

إن ميثاق الله سبحانه وتعالى أخذ على كل من أوتى علما وبصيرة أن يبينه للناس ولا يكتمه فإذا رأوا قائدا منحرفا قاموا ضده، إذا رأوا قائدا إسلاميا تناسوا أنفسهم، وارتفعوا عن الحواجز والفوارق، وسارعوا فى توحيد الطاقات، القائد بينهم كالرسول أو خليفته. كيف لا والرسول يقول:

" العلماء ورثة الأنبياء"

إن مسئولية الحركات الإسلامية لم تكن فى يوم من الأيام لنشر الفصام والخلاف بين أبناء الأمة الواحدة، وتكون سببا للتفرقة العنصرية والطائفية والقومية كانت مسئوليتهم الكبرى أن يروا الأمة ويعلمونهم كيف يرفعون من مستوياتهم ويعطونهم الأمل والرؤية الواضحة وليس الهدف المرسوم لهذه الحركات أن تدعوا الناس إلى نفسها، بل تدعوا الناس إلى الله عبر توحيد الأمة. الرؤية الإستراتيجية:

الرؤية الإستراتيجية أحد أهم مظاهر التقوى. بشرط أن تكون قائمة على أساس تعاليم الله سبحانه.

وخلال خمسين عاما لا أقل كانت الحركات الإسلامية تجاهد من أجل إقامة حكومة إسلامية، وتصارع اليأس فى قلوب الملايين فبعد أن انتصرت الثورة الإسلامية (فى إيران) نشرت لواء الأمل فوق ربوع المسلمين جميعا. وبالطبع هذه الثورة كانت تمتلك رؤية إستراتيجية واضحة وإلا لما التف حولها المؤمنون ، وتفيوأ ظلالها، وتفاعلوا معها.

لماذا لم نحقق الأمل بصنع حكومة إسلامية؟

لم نحقق ذلك لأننا تصورنا بأننا أكثر فهما للإستراتيجية من الإسلام، وتصورنا بأن الإسلام لا يعطينا رؤية إستراتيجية وأن القرآن لا يعطينا خطط العمل، ولا أشك بأن الحركات الإسلامية لم تكن تحمل التقوى فى تعاملها الداخلي أو فى تعاملها مع الحياة كما لا أشك فى أيديولوجيتها، ولكن الخطأ الذى وقعت فيه الكثير من الحركات هو الإستراتيجية.

لا يزال الوقت فى صالحنا والفرصة لن تنته بعد فى أن نتوحد ونصحح إستراتيجيتنا على حسب ما يرسم لنا القرآن.

الحركة الإسلامية بين الشورى والتحزب

بسم الله الرحمن الرحيم

" والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل . إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم. ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور"

(38- 43 الشورى)

الضمانة الأكيدة:

إن تطبيق الإسلام وإنقاذ المحرومين والمستضعفين لا يكون إلا بالإسلام ذاته. فبتطبيق جانب من الناس الإسلام على أنفسهم، وتحولهم غلى شخصية مؤمنة بالإسلام ومستوعبة للرسالة حقا وصدقا، وانخراطهم فى تجمع إيماني صادق، انطلاقا من الإسلام ومن أجل الله ، وللأهداف التى رسمها الله، وبينها كتابه الكريم.. إن ذلك ضمانة أكيدة لانتشار الإسلام فى الأرض وتطبيق قوانينه.

إننا إذا وجدنا حالة التخلف والتقهقر والبؤس والحرمان فى بلادنا، فإن ذلك ليس إلا بسبب ما كسبت أيدينا.

" ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت ايدى الناس"

(41-الروم)

ولولا ما غيرناه من أنفسنا سابقا، بعد أن كنا ملتزمين بالإسلام واعين له، ثم تركناه جانبا، لما غير الله تلك النعمة التى أنعمها علينا بالإسلام.. نعمة الكرامة والرحمة والرفاه.

واستمرار هذه الحالة تعنى بالطبع استمرار الحالة التى نتجت منها حالة الحرمان والبؤس والتخلف والقهر، وبالتالي حالة سيطرة الأجنبي علينا، وأن الحل الوحيد لتغيير ذلك مرة أخرى فى الاتجاه المعاكس والصحيح هو تغيير ما فسد فى أنفسنا.

وربما تكون هذه الفكرة اليوم واضحة عند أكثر الواعين، والمهتمين بالحركة الإسلامية، لقد ارتفع كلام الله سبحانه وتعالى:

" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

(11- الرعد)

شعارا لأكثر الحركات الإسلامية اليوم إن لم تكن كلها، ولكن هناك إشكال كبير فى فهم هذه الحقيقة.

بما كثير منا يزعم بأن على الآخرين أن يبدأوا بأنفسهم فيغيروها، أما نحن فقد عمرنا بالإسلام، وانتهى دورنا، وقد أصبحنا أذكياء أنقياء طاهرين لا نحتاج إلى أي شيء، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية فى فهم الإسلام.

إن الإسلام ليس أداة للتبرير بل أداة للتفجير، وهو ليس أداة للخمول ، وإنما عامل مثير للنشاط، كما أنه ليس سببا نتكئ عليه، بلا لابد أن نحمل راية الإسلام.. وبالتالي فليس من الصحيح أن نتقاعس عن العمل من أجل الإسلام وذلك بالاعتماد على الآخرين أو أن نعتبر أنفسنا أذكياء وأن الخطأ الأكبر هو فى عدم تزكية الآخرين أنفسهم.

دعونا نطرح هذا التساؤل على أنفسنا.. هل نحن الآن بمستوى حمل شرف الدعوة؟ هل نحن قد غيرنا أنفسنا فى اتجاه التزكية حتى يغير الله سبحانه وتعالى ما بحياتنا إل الأفضل؟

إن التبرير عملية سهلة، ولكنه إلى أين ينتهي؟ ليس هناك أحد يقول لست إنسانا طيبا، فكل الناس يدعون أنهم طيبون، ولكن من هو الصادق فيهم؟ الصادق هو الذى يكيف نفسه مع القيم والمعايير السليمة.

العودة إلى القرآن:

وبالنسبة لنا نحن المسلمين فأمامنا هذا القرآن الشافع المشفع، والناحل المصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، كما جاء فى الحديث الشريف.

يأتي رجل إلى الإمام الصادق (ع) متسائلا: يا ابن رسول الله ، أنا لا أعرف إن كنت من أهل الجنة أم من أهل النار، فيقول له الإمام: ( اعرض نفسك على القرآن ، فإن وجدت أنك قد طبقت آياته وعملت بها فأنت من أهلها، وإلا فإنك من أهل النار) .

إن القرآن الكريم هو الحكم الفاصل بيننا وبين أهوائنا.. ، فلابد أن نعود إليه فنقرأه ونتمعن فى آياته، ثم نحاكم أنفسنا.

وهذا الأمر صحيح أيضا، على النطاق الاجتماعي، وفى مجال التجمعات المختلفة، فالتجمع بالتالي ليس إلا شخصية مستوحاة ومنبعثة من مجموعة الأفراد الذين يكونونه ، فليس التجمع صنما، أو صورة بعيدة عن الواقعية، إن التجمع سواء كان على شكل حزب أو منظمة أو غير ذلك، فإنه نتيجة وخلاصة لسلوكيات الأفراد، كل فرد ينتمي إلى هذا التجمع يتأثر ويعكس واقعه بنسبة معينة عليه. إذن فنحن لا نستطيع أن نبرر تخلينا عن المسئولية ونلقى بها على التجمع الذى ننتمي إليه، أو نواليه، وكما تكونون يولى عليكم. وكذلك فإن القوانين الحاكمة فى التجمعات ، والعلاقات التى تربط بين أبناء التجمع الواحد، أو تربط بين هذا التجمع وسائر التجمعات الأخرى، إن لم تكن مستوحاة من الإسلام، والقرآن ، فإن نجاح أي تجمع يكون مشكوكا فيه، وحتى لو انتصر هذا التجمع ونجح، فإن نجاحه قد لا يكون فى خط الإسلام، فليس كل انتصار انتصارا وهناك بعض الانتصارات أسوأ من الهزيمة ذاتها لأن الإنسان إذا انتصر فى الواقع المادي بعد أن انهزم فى الواقع القيمى والمعنوي ، وكانت هزيمته فى الجانب المعنوي ثمنا دفعه لانتصاره فى الجانب المادي، فإن هذا الانتصار هزيمة نكراء بالنسبة إليه.

إن أشجع الناس ليس الذى ينتصر على خصمه فى المعركة بقدر ما هو الذى ينتصر على نفسه، وبالتالي على عدوه الأخطر الذى يحمله بين جنبيه والذي قد يدخله غدا إلى سواء الجحيم، والذي يدفعه إلى أن يتحول من إنسان خلقه الله فى أحسن تقويم إلى إنسان يرده الله إلى أسفل سافلين.

والتجمعات الإسلامية إن لم تكن التعاليم الإلهية حاكمة على علاقاتها مع بعضها وفى علاقاتها الذاتية، وفى طريقة اختيارها للمناهج والأفعال، فإن هذه التجمعات لا تنتصر للإسلام، ولا تستطيع أن تطبقه لو انتصرت ماديا.

والسؤال المطروح الآن، ما هى بصيرة القرآن فى مجال التجمعات الإسلامية؟

إن التجمع الذى يريد أن يطبق الإسلام غدا، لابد أن يشكل اليوم الأمة الإسلامية المصغرة، وبالتالي فإنه يكون نموذجا لتلك الأطروحة التى يستهدف تطبيقها، لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه .

غدا نريد أن نبنى دولة إسلامية تكون تمهيدا – بإذن الله – لبناء أمة إسلامية، فكيف ينبغي أن تكون هذه الأمة، وما علاقة أبنائها ببعضهم؟

البرامج والتعاليم واضحة، ونحن نملك رصيدا من التجربة التاريخية، ودستورا مكتوبا وهو القرآن الحكيم، ولكن من الواجب أولا أن نطبق هذه التعاليم والبرامج لتى نريد أن ننشرها فى العالم على أنفسنا، ونحن قادرون على ذلك، أو أقل بالقدر الذى نستطيع.

" فاتقوا الله ما استطعتم"

(16- التغابن)

وما دمنا نستطيع أن نطبق تعاليم الإسلام فلماذا الانتظار، أو التقاعس والتباطؤ؟

إذا كنت ظمآنا وكان الماء قريبا منك، فلماذا تدع نفسك فى حالة الظمأ.. نحن عطاشى إلى الإسلام، فلماذا لا ننهل من عذب تعاليمه وتوجيهاته بالقدر الذى نستطيع؟

وإنني أعزو جانبا من عدم انتصار الحركات الإسلامية إلى أنه لم تستوعب الإسلام فى سلوكياتها بالقدر الكافي، وأعزو ذلك بدوره إلى أنهم لم يفهموه جيدا، وذلك بسبب التجافى بيننا وبين القرآن الحكيم، إن القرآن هو محور تحركنا، ولكي نجعله شعارنا الذى نتحسس به لحظة بلحظة، لابد أن نقرأه كتابا حيا ونطبق آياته يوما بيوم ، فى كل جوانب سلوكنا.

إنا لو اتخذنا القرآن قائدنا، وجعلناه أمامنا نستضيء بنوره، ونستثير عقولنا بمواعظه، ونزكى أنفسنا بتعاليمه لاستطعنا أن نصل إلى الهدف المنشود ، وهذا ليس فقط واجبا على القيادة ، جالسة فوق الهرم، بل واجب كل إنسان منا،فالقرآن جاء كتابا للناس جميعا والحديث الشريف يقول : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"

والإمام راع (ع) يقول:

( عليكم بأعمال الخير فتبادروها ، ولا يكن غيركم أحق بها منكم)

نعم .. فالناس ليسوا بأحق منك فى ذلك، وأنت من الناس والقرآن يقول:

" هذا بيان للناس"

( 138- آل عمران)

ولم يقصره على فئة معينة، دعونا نقرأ القرآن

" فاقرأوا ما تيسر منه"

(20 – المزمل)

نقرأه ونتدبر فى آياته:

" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها"

(24- محمد)

ثم نعمل بالقدر الذى نستطيع من آياته: " فاتقوا الله ما استطعتم"

شروط النصر:

والقرآن الحكيم يبين لنا شرائط الانتصار، انظروا فى الآية (38) من سورة الشورى، ترون أنها تحدد شروط النجاح فى العمل الإسلامي، ثم فى الآية التى بعدها مباشرة أية (39) يقول القرآن:

" والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"

كأن السياق القرآني يوحى إلينا بأن هذه شروط النصر، وإذا أردنا أن ننتصر فعلينا أن نطبق هذه الشروط بدقة.

1- الاستجابة لنداء الحق:

إن هناك مناهج متعددة فى الحياة وعلينا كمؤمنين أن نختار المنهج الصحيح سواء فى الحياة السياسية أو الاجتماعية أو العمل الرسالى وأن الله سبحانه وتعالى ينادينا عارضا علينا منهجه، داعيا إيانا لنستجيب لنهجه الذى يعطينا الحياة الكريمة والسعادة الأبدية.

" والذين استجابوا لربهم"

2- إقامة الصلاة:

إن إقامة الصلاة تختلف عن مجرد الصلاة، إقامة الصلاة أي أداء الصلاة بشروطها ، وفى آية أخرى فى سورة الروم يجدد ربنا سبحانه وتعالى معنى إقامة الصلاة فيقول:

" منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون"

( 31- 32 الروم)

فمن شروط إقامة الصلاة هى : الوحدة ، فالصلاة هى البوتقة التى تصهر الإنسان.

" إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"

(45-العنكبوت)

فتصوغ شخصيته الداخلية وشخصيته الاجتماعية .

انظروا مرة أخرى غلى الآية الكريمة:

" منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم " .

أى إقامتكم للصلاة ستعطيكم ضمانة للوحدة التى تبعدكم عن الشرك، والذي يتجلى ويتجسد فى الاختلاف فى الدين.

وإقامة الصلاة فى الآية موضوع بحثنا تشير غلى نفس المعنى وهو الوحدة، وتوجيه الجميع إلى هدف واحد. فإذن هناك فرق بين من يصلى وبين من يقيم الصلاة التى هى معراج المؤمن كما يقول رسول الله (ص) ، فهي التى تعرج بالمؤمن عن الماديات الضيقة والخلافات الجانبية، وعن الأهواء والشهوات والرذائل، وترفعه غلى مقام العبودية لله، حيث لا نجد فى ذلك المقام أي أثر للخلاف والشقاق .

إن من يركب الطائرة، يرى قبل أن تقلع به أن الأبنية والجدران تفصله عن مشاهدة المناطق الأخرى من المدينة، ولكن حينما تحلق الطائرة فى الجو، آنئذ يرى المدينة كلها بلا حواجز ولا فواصل، وكلما حلقت به أكثر كلما رأى المدينة أكثر وحدة وانسجاما، وهكذا كلما عرجت روح الإنسان فى سماء العبودية لله سبحانه وتعالى، كلما رأى الناس شيئا واحدا، تضاءلت الخلافات، وتهاوت الحواجز ، وأصبح الناس لديه أخوة وتتسع آفاقه حتى يصبح جميع الناس عنده أما أخ له فى الدين أو نظير له فى الخلق، كما يقول الحديث الشريف.

3- الشورى:

" وأمرهم شورى بينهم"

إذا أردت أن تعرف هل وصلت غلى هذا المستوى فاطرح على نفسك السؤال التالي.. إذا كان رأيك شيئا ورأى صديقك شيئا آخر فهل أنت مستعد لتتنازل عن رأيك من أجل المحافظة على الاتفاق بينكما أم لا ؟ هل تبحث عن الرأي السليم عند الآخرين أم لا ؟ هل تأخذك العزة بالإثم أم لا ؟

ولو كانت العلاقة داخل التجمعات الإسلامية علاقة الشورى لزالت الاختلافات والنزاعات، والشورى أن تبحث أنت عن آراء الآخرين، ولا تنتظرهم أن يأتوا بها فتأخذها أو لا تأخذها.

فى الديمقراطيات الغربية يقولون من حق كل مواطن أن يدلى برأيه ، بينما الإسلام يقول:

أولا: من واجب كل إنسان أن يقول رأيه إذا رأى أنه هو الصحيح، وهو الحق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.

وثانيا : من واجب الإنسان أن يرى ما عند الآخرين من آراء، ولا يجلس حتى يبادروا هم بطرحها عليه.

ويقول ربنا سبحانه فى آية أخرى:

" وشاروهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله"

(159- آل عمران)

وإن لم تكن حالة الشورى سائدة فى علاقاتنا فى الحركات الإسلامية، فلنعمل على خلقها من جديد، إن يد الله مع الجماعة ، اعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه، وأعقل الناس من جمع عقل الناس إلى عقله.

ويقول حديث شريف آخر: إن الله سبحانه وتعالى أجرى حكمته على ألسنة المؤمنين، فإذا أردت شيئا، ابحث عنه واسأل، فمن لم يصبر على ذل السؤال لحظة، بقى فى ذل الجهل دهرا، إن السؤال ليس عيبا.

" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر"

(43- النحل)

اسأل وخذ آراء الآخرين .. لماذا التكبر ولماذا الغرور؟

4- الإنفاق:

" ومما رزقناهم ينفقون"

إن كل فرد من المجتمع الإيماني، لا يعيش ذاته وأهواءه، لذلك فهو يفيض بالعطاء، كل يسعى لكي يعطى الآخرين ما يملك، وبعد هذه الآية تأتى الآية الكريمة التى تقول:

" والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"

المؤمنون هم الذين يكونون هذا التجمع الذى يسوده الاستجابة لله وإقامة الصلاة، والشورى والاتفاق، فيصبح كالبنيان المرصوص يقاوم كل معتد وباغ ولا يسكت حتى يحصل على النصر النهائي. حكومات المسلمين:

هل ما يجرى فى منطقتنا يتفق وينسجم مع هذا الآية؟

يأتي وزير الدفاع الأمريكي ويشكل لجنة عسكرية مشتركة من أمريكا والرجعية الحاكمة فى السعودية، فماذا تعنى هذه اللجنة العسكرية؟ وهل تتوقع الولايات المتحدة دعما عسكريا من السعودية يوما من الأيام؟

إنها فى الواقع لا تعنى أكثر من استعمار جديد، وهذا النبأ يضاف إليه نبأ آخر لمناورات عسكرية بريطانية ومغربية فى عمان ، فماذا يعنى ذلك؟

إن بريطانيا لا تأتى إلى عمان لتقدم الخدمات إليها، بل تأتى سيدة تأمر وتنهى.

إن هذه الحكومات العميلة المسيطرة على شعوبنا المسلمة تقف موقفا مناقضا للقرآن حينما تتعاون مع أولئك المستعمرين الذين يكيلون إلينا الضربات المتتالية، ثم يأتون إلى أرضنا وينهبون خيراتنا ويضحكون على ذقوننا ثم يذهبون ، إلى الآن ماذا عملت أمريكا لنا؟ ماذا عملت روسيا لنا؟ القرآن الحكيم يقول:

" والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون"

نحن أمام البغي وأمام الظلم الذى ينزل بنا، نجلس ونستريح ونستسلم إن هذا ليس من شيم الإسلام، ولكن أتعرفون السبب فى ذلك؟ أتعرفون لماذا لا يستطيع الحكام مقاومة أمريكا وروسيا وما شابههما ؟ لأنهم ظلموا أنفسهم، ولم يقيموا الصلاة ولم يكن أمرهم شورى بينهم، وبذلك انفصلوا عن شعوبهم.

ولو كانت شعوبهم تقف معهم، لما استطاعت تلك الدول الأجنبية أن ـأتى وتغصبنا حقوقنا ، فالمشكلة تكمن فى حكومات المسلمين الفاسدة.

" وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين".

إن العفو أمر جيد، ولكن ذلك لا يعنى أن نعفو عن الظالم، نحن نعفو عن المستضعف ، أما ذاك القوى المتمرد، فلا يجوز أن نعفو عنه، لأن ذلك تسليم لظلمه.

ثم يقول القرآن الحكيم:

" ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل"

دائما يطرح المستكبرون هذه القضية ، وفى أن الأمن مهدد، بمن مهدد؟ بالشعوب التى تطالب بحقوقها، أم بأولئك الذين يظلمونها؟

هم يظلمون ويقهرون ويسلبون ، ثم يلقون بمسئولية تهديد الأمن على الشعوب الثائرة من أجل حقوقها وكرامتها. إن الظلم هو أكبر تهديد للأمن واستمرار الظلم أكثر خطورة وتهديدا للأمن من الثورة عليه، ويقول ربنا سبحانه وتعالى:

" إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم"

إما يطالب بحقه ، فلا شيء عليه.

العمل المطلوب:

ولكن لا يعنى هذا أن تعمل بصورة عفوية، حينما تريد أ، تطالب بحقك فلابد أن تتسلح بالصبر والمغفرة تجاه قومك وإخوانك فى الدين، حتى تستطيع أن تقاوم الأعداء بشجاعة وثبات، وهذه فى الواقع خطة ناجحة على المدى الزمني الطويل.

أما من يكون أسدا على أصحابه وجماعته فسوف يصبح فى الحروب نعامة ، حينما يقف أمام شعبه المظلوم المقهور الذى يطالب بحقوقه وينادى بالإسلام، فإن مدفعيه ودبابته تعمل، أما حين يقف أمام العدو، فإنه يخور ويستسلم ، وسبب استسلامه للعدو هو ضربه لأصدقائه.. وهذه هى مشكلة الإنسان وربنا يقول:

" ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور"

نرجو أن تسود العلاقة الإيمانية بين أبناء الحركات الإسلامية داخل تجمعاتهم، وبينهم ويكونوا يدا واحدة على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وإذا اشتكى منهم عضو تداعى له الجميع بالسهر والحمى. إن دم المسلم محترم.. شرف المسلم وكرامته أشياء مقدسة فى أى أرض وفى أى مكان، ونحن لا نفرق بين أفغانستان وجنوب لبنان، وأي مكان آخر ما دامت للإسلام قضية هناك.

كما أننا لا نفرق بين الاتحاد السوفياتى وبين الولايات المتحدة، فالعدو هو العدو والذين كفروا بعضهم أولياء بعض..

" إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير"

(73- الأنفال)

نحن لا نستطيع أن نفرق بين طاغوت وطاغوت ومحاربة الطاغوت ليس فقط عندما يقع ظلمه مباشرة علينا، فيظلمنا ويسلب حقنا، فالكفر هو الكفر والضلالة هى الضلالة، هل تستطيع أن تسكت عن الحق باعتبار أن هذا الطاغوت صديقنا ولنا مصالح مشتركة معه؟

كلا ، بل يجب أن يكون عمل الإنسان لله، وإذا كان عملنا لله، فكل إنسان مظلوم يجب أن ننتصر له، كما أن كل إنسان ظالم يجب ان نقف فى وجهه.

إذا كانت الحركات الإسلامية هكذا، فحاربت الشرق الملحد، الغرب المشرك بنفس العنف، وناهضت كل الحركات المنحرفة مهما كانت أسماؤها كالحركات البعثية والشيوعية والقومية وغيرها، وكافحت الصهيونية العالمية، بكل ألوانها ومظاهرها، وكذلك قضايا الحق أينما كان، وهبت لنصرة الشعوب المظلومة أنى كانت ، آنئذ تكون قد استجابت لله، وكونت ذلك النموذج من الأمة الإسلامية الرسالية القادمة إن شاء الله.

أما إذا فكرنا فى مصالحنا ، وجزأنا الإسلام، وطبقنا جانبا من أوامر الله وتركنا جانبا، فإن ذلك نذير لنا بحرماننا من نصر الله ، وما لم ينزل علينا النصر من عند الله فإننا لن نحصل عليه وحتى لو حصلنا عليه فلن يكون فى صالحنا.

الحركة الإسلامية ..بين الصراع والتنافس

فى الحياة ظاهرتان:

ظاهرة الصراع.

وظاهرة التنافس.

فالصراع يتم بين الحق والباطل، بين الإسلام والجاهلية.

الإنسان فى الصراع يحاول أن يتقدم على عدوه عبر طريقين:

1- بناء ذاته.

2- وتحطيم الطرف الآخر.

ففي الصراع يمسك الإنسان بيد المحراث ليحيى الأرض، ويصنع الآلة فى المصنع ليعمر الحياة وباليد الأخرى يمسك السلاح ويقذف القنابل.

فاليد الأولى تبنى والثانية تهدم.

بينما فى التنافس الأمر مختلف ، فعند التنافس مع الآخرين والتسابق معهم فى الخيرات، لابد أن نعمل عملا واحدا فقط: وهو أن نبنى أنفسنا وذواتنا، ونبعد نقاط الضعف عن كياننا، حتى نصبح الأكثر تماسكا وقوة، وبالتالي سيحسب التنافس لصالحنا أو سيعمل غريمنا فى الطرف الآخر بنفس ما نقوم به من عمل فيتقدم المجتمع جميعا.

العد التنازلي لتقدم الحركات:

والحركات الإسلامية فى الساحة الواسعة قد ابتليت فى بعض المراحل برؤية شاذة من التنافس ، فحولت التنافس إلى صراع، وزعمت بأن ما تقوم به من أعمال وما تخترعه من أساليب بالنسبة إلى أعدائها الجاهليين، تصلح أن تكون أداة ووسيلة بالنسبة إلى المنافسين لها فى الساحة من أصدقائها الذين يتحركون فى خطها.

فلماذا تحولت بعض الحركات الإسلامية إلى هذه الحالة؟ لماذا لم تستطع أن تفرق بين أصدقائها الذين تتنافس معهم، وبين أعدائها الذين تتصارع معهم؟

للإجابة على هذا السؤال لابد أن ندرس تاريخ الحركات، ونتعمق فى نفسية الأمة الإسلامية وخصوصا فى بعض الحالات المتخلفة داخل الأمة، وكيف أن الحركات الإسلامية لم تستطع أن تتخلص من سلبيات الأمة، وكيف أنها وقعت فى فخ الدوائر الاستعمارية التى كانت ولا تزال تحاول تعميق الصراع أو تعميق التنافس بين بعض الحركات وبعضها الآخر من أجل تحويله إلى صراع حاد.

فهذه الأمور يجب أن تدرس، لنعرف لماذا تحولت الحركات فى علاقاتها مع بعضها من حالة التنافس إلى حالة الصراع؟

ونستطيع اليوم أن نتحدث عن العلاج لهذه الحالة، لعلمنا بأن القضية هذه من أهم القضايا التى لم تعالج بالنسبة للحركات الإسلامية – ومع الأسف- من القضايا التى لو عالجناها بحكم واتخذنا منها طريقا سليما آنئذ أن نوظف الكثير من طاقاتنا التى تستخدم الآن سلبيا فى اتجاه إيجابي. ما هو العلاج لهذه الحالة، وكيف؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال، لابد أن نبين حقيقة مهمة نؤمن بها إيمانا راسخا..

قوة البناء تتحدى:

تلك الحقيقة : إن بناء الكون والسنن التى أودعها الله فى هذا الكون، والتقادير ، والتدابير التى أحاط بها الله هذا الكون، تجعل من البناء قضية أسهل، وعملا أنمى من الهدم.

بعكس ما يقوله الشاعر العربي الذى ظن أنه كان يتحدث فى جو وبيئة متخلفين.

أرى ألف بان لا يقوم لهادم

فكيف ببان خلفه ألف هادم

بعكس ذلك تماما نقول: كلا..

لأن الباني الواحد يستطيع أن يواجه هدم ألف هادم..

فالبناء أقوى من الهدم.. فى تركيبة الكون وفى فطرة الحياة، والدليل:

أولا: الطبيعة تشترك فى البناء:

إن البناء هو الحق الذى ينمو، فحينما نزرع فإن الأرض تتقبل البذرة، والرياح تلقحها، والأمطار ترويها، وأشعة الشمس تغذيها وأملاح الأرض تغنيها فكل ذلك يعمل فى مسيرة البناء.

ولذلك نرى أن الحية الواحدة تتحول إلى (700) حبة وللقضاء على حبة واحدة تستطيع أن تحرقها بقطرة بنزين واحدة.

بمعنى أننا نحتاج إلى (700) قطرة بنزين لإبادة (700) حبة.

فمسيرة الكون مع الحق.. والحق مع البناء لذلك يقول الحديث:

" ما كان لله ينمو"

ثانيا: الحياة تتحدى الموت:

إن الذين درسوا علم الأحياء يعرفون أنه بالرغم من عدة مئات من ألوف الجراثيم التى اكتشفت حتى الآن بالنسبة للأحياء، إلا أن الحياة قاومت الجراثيم واستمرت ، وقد اكتشف حتى الآن (950) ألف نوع من الجراثيم ولكن الأحياء موجودة ، وبعضها منذ عدة ملايين من السنين ، بالرغم من كثرة الآفات والجراثيم ووجود الصراع داخل الأحياء، فإن الحياة بقيت متناسلة متنامية. لماذا ؟؟

لأن الحياة تتحدى الموت، وأن الإنسان الواحد إذا بقى فبإمكانه إنتاج عشرات الأولاد. وهذا يعنى أن الحياة تحدث الموت.

لقد كان أولاد رسول الله (ص) حينما توفى: فاطمة وأبناءها وزوجها .. ولكن حسب آخر الإحصاءات فإن مجموع السادة الآن أصبحوا حوالي( 50) مليون إنسان من كثرة من قتل منهم وشرد.. لماذا ؟؟

فما دام الإنسان هكذا ، حين يموت وحده بينما يبقى نسله.. فالحياة إذا تتحدى الموت.

انتهجوا طريق التكاثر:

إذا قتلت إنسانا فقد قتلت إنسانا واحدا.

أما إذا استعضت عن ذلك ببناء الناس وتكاثرهم فتضم إلى صفوفك إنسان سواء عن طريق تناسله، وانتمائه إليك، فإنه لا يضاف إلى عددك فقط، وإنما يضيف وجوده شيئا آخر إلى كيانك.

فإذا كان بيننا وبين شعب ما صراع لا تنافس فليس باستطاعتنا إلا أن نقتل منهم مقتلة عظيمة.

أما إذا كان بيننا وبينهم تنافس شريف فباستطاعتنا أن نتكاثر ضدهم. وعند اختيارنا طريق التكاثر فإننا نغلبهم، أما فى حالة قتلهم فيمكن أن نغلبهم أو يغلبوننا.

فمثلا: لقد قرر الشعب الفلسطيني بأن يزيد عدده وذلك عن طريق التناسل، لذلك يحتمل فى سنة 2000 م أن يصل عدد الفلسطينيين فى العالم إلى ( 10 ) ملايين إنسان.

وهناك تقرير إسرائيلي يتحدث عن خطر الفلسطينيين ويقول: لأن هؤلاء يزدادون فى التناسل ونحن لا نزداد، فسوف يغلبوننا على المدى البعيد شئنا أم أبينا، لأن العائلة الفلسطينية لديها (10) أولاد بينما العائلة الإسرائيلية لديها ولدان فقط .. لذلك سيصبح عدد الفلسطينيين داخل الحدود الإسرائيلية أضعاف عدد الإسرائيليين وبالتالي سيقضون عليهم.

وكذلك هناك تقرير فرنسي نشر أيام الاحتلال الفرنسي للزائر يقول : لابد للجزائريين أن يغلبونا ، لأنهم يؤمنون بزيادة النسل ( الشيء الوحيد الذى يمكن للفرنسيين أن يتعلموه من الجزائريين بسبب صراعهم معهم هو زيادة النسل) ، لذلك أمر ديغول بتشجيع النسل فى فرنسا، واليوم هناك قانون فرنسي يمن معونات حكومية للذين لديهم أطفال إضافيين سواء كانوا فرنسيين أو أجانب. وبهذا المفهوم فإن الحياة تتحدى الموت، وإن البناء أقوى أثرا من الهدم، لأن البناء ينمو بينما الهدم يبقى عند حده.

الصراع يعنى الانقراض:

لو وجه التنافس بين الحركات الإسلامية هذا التوجيه ، فكل حركة من هذه الحركات تفكر فى تقوية ذاتها عند تنافسها مع الحركات الأخرى، ومضاعفة عدد المنتمين إليها.. فإنه بعد عشر سنوات نرى أن جميع الحركات الإسلامية متقدمة، وقوية، وبالتالي إن الهدف المشترك لكل الحركات الإسلامية قد تحقق عمليا.

بينما إذا أرادت كل حركة أن تتوسع فى حدود الحركي الأخرى، أي أن جماعة هذه الحركة يفتشون عمن يذهب للأخرى ويخرجونه منها، لينتمي إليهم. فماذا ستكون النتيجة؟

طبيعيا فى مثل هذا الجو سوف تكون مجموعة بسيطة يتصارعون مع بعضهم فيختنقون وينقرضون.

إن العالم الإسلامي، عالم واسع، وعدد اللامنتمين بالنسبة إلى عدد المنتمين محدود جدا وهذا يعنى أنه لو توجهت الحركات الإسلامية إلى حالة التنافس الحر والبناء، لرأينا بأن هناك ملايين من البشر ينتمون إلى الحركات الإسلامية، وتبقى القلة لا منتمية، هذا بالنسبة إلى التزايد العددي. وهناك تزايد آخر هو التزايد الكيفي.. فالمجالات الإسلامية كبيرة، وواسعة، تستطيع الحركات الإسلامية أن تخترقها.

فالعالم الإسلامي بحاجة إلى كتاب ونحن بالنسبة إلى العالم صفر أو تحت الصفر بالنسبة إلى كتابنا ومؤلفينا.

فأين الكتاب؟

ولماذا لا تفكر الحركات الإسلامية بأن تبنى كتابا ومؤلفين؟ لقد بقيت حتى الآن تقتات على المؤلفين والمفكرين السابقين، الذين كتبوا لجيلهم وانتهى ذلك الجيل، وعلى كل جيل أن يتحمل مسئوليته.

فنحن جيل ولكن أين كتابنا؟

قبل عشرين عاما كان هناك المرحوم مالك بن نبي والمرحوم الشهيد سيد قطب والمرحوم الشيخ محمد جواد مغنية والكتاب الآخرون فى مصر والعراق ولبنان.

ولكنهم أصبحوا تحت التراب، فمن خلفهم؟ لماذا عقمت أيدي المسلمين عن الكتابة الجديدة.

هناك آلاف القضايا المطروحة وليس هناك من يكتب عنها شيئا.

أوليس هذا مجال جيد للتنافس.

وإن من الأفضل أن تدخل كل حركة هذا المجال، وتوجه جانبا من طاقتها إلى التنافس البناء، لا أن توجه صراعها ضد البعض الآخر.

فماذا نجيب ربنا غدا لو سألنا ماذا كنتم تعملون؟ ولماذا كنتم تتصارعون؟

فهل تريد الحركات الإسلامية أن تنتصر بالشعارات؟ كلا.. فالشعارات لا تكفى للانتصار فالدنيا مبنية على أسس متينة صنعها الله ولا حياد عنها، ولا يفكر أحد أن باستطاعته الانتصار فى هذه الدنيا من دون أن يوفر فى ذاته عوامل الانتصار جميعا، ومن عوامل الانتصار:

معرفة الحياة معرفة عميقة وشاملة واتخاذ القرار المناسب بالنسبة للحياة.

فالقرار يحتاج إلى دراسات ولكن أين الذين يقومون بهذه الدراسات فلماذا لا تقوم هذه الحركات أو تلك باختراق هذا المجال، ثم تدعو الحركات الأخرى له أو لغيره من المجالات؟

هناك بلاد واسعة فى العالم تحتاج إلى موجهين ، ولدينا طاقات، كتاب وخطباء لو نطقوا بالحق لاستطاعوا أن يقوموا بأعمال كبيرة، فلماذا نوظف هذه الطاقات فى بعض الأمور التافهة الجزئية التى لا تعنى شيئا.

لماذا لا نوجهها توجيها سليما لتلك البلاد وأولئك الناس الذين يحتاجون إلى مثل هذه الألسنة والأقلام.

فالحركة التى تستطيع أن تعطى الفكر الأفضل والخط الأوضح وتجرب نفسها فى السيطرة على مواقع جيدة: عسكريا واقتصاديا واجتماعيا، وسياسيا وفكريا، يجب أن تمجد من قبل كل الحركات حتى يعرف أبناء ههذ الحركات فى كل مكان بأن التنافس ليس بتكثيف التناقضات وبتكرار السلبيات وإشاعة الفواحش، وإنما بالعمل الصالح، فإذا جعلنا التنافس مقياس التقدم وهو العمل الصالح، فالكل يذهب غلى العمل الصالح، وبالتالي فإن الأمة تتقدم. أما إذا جعلنا المقياس هو تكثيف الصالح، وبالتالي فإن الأمة تتقدم. أما إذا جعلنا المقياس هو تكثيف السلبيات، حول الحركات الأخرى فهذه نهاية الجميع.

فلماذا نفكر فى إبادة الآخرين حتى نبقى أحياء؟

لماذا نفكر فى أن نوقف الآخرين عن الحركة؟

إذا كان الآخرون متقدمين فيجب أن نتقدم أكثر منهم.

أما أن نأتي إلى الطريق ونرى الآخرين يسبقوننا فنضع الحجارة فى طريقهم، لكي يقع الجميع ونصل نحن.

فهذه ليست طريقة سليمة، فالأفضل أن نسرع أكثر لكي يسرعوا هم أيضا فوضع العقبات فى طريق الآخرين إنما هو سلاح العاجزين .

وبديهيا أن هذا السلاح وهذه الطريقة لا تثمر بنجاح ولأننا إذا استطعنا إيقاف الآخرين ووضع العراقيل أمامهم ، فلا يعنى أننا نضمن الوصول.

لماذا ؟؟

لأن الاستباق للهدف يحتاج إلى نوعين من العوامل:

العامل الأول: عدم ووصل الآخرين إلى الهدف قبلك.

العامل الثاني: توفير شروط التحرك، وشروط تحقيق الهدف فى نفسك.

فنحن حينما نريد أن نقطع مسافة عشرين كيلو مترا ونصل المدينة قبل أن يصلها الآخرون، علينا أن نزيد من سرعة تحركنا وعجلة سيرنا، ولا يجوز أن نحقق هذا الهدف عن طريق وضع العقبات أمام سير الآخرين.. إذ قد يسبب ذلك فى إعاقتنا نحن أيضا عن المسير وبالتالي يسبب عدم وصول أي واحد منا إلى المدينة: الحرية .. والإرادة.. والصمود:

حرية الإنسان فى هذه الدنيا سنة من سنن الله فى الحياة.

ولا يستطيع إنسان أن يوقف إنسانا آخر عن أي طريق يريد أن يسلكه.

وكذلك حينما تريد حركة إسلامية تحقيق أهدافها.. فلا الحركات الإسلامية المنافسة، ولا الطغاة ، ولا العقبات الاجتماعية أو الطبيعة تستطيع الوقوف أمام هذه المسيرة..

وإلا لبطلت سنة الله فى الحياة وبطلت نعمة الاختيار ووظيفة الاختيار فى الدنيا.

إن على جميع الحركات الإسلامية أن لا تخضع، ولا تقوم بعمل قصاصي، إذا قام بعض المندسين فى سائر الحركات بزرع العراقيل أمامها، أو حولوا التنافس غلى صراع.

وعليها متابعة المسيرة ... يستطيع أحد إيقاف الإنسان الذى أراد وصمم على الوصول إلى الهدف.. فديننا مبنى على فلسفة الحرية، وإن الدنيا دار اختبار وابتلاء، ولا يتحقق الابتلاء إلا بالحرية.

" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

(11- الرعد)

فإن أرادت الحركات تحقيق أهدافها ورأت أن الآخرين يضعون أمامها العقبات فعليها الالتزام بالبرنامج التالي:

1- أن تتعلم الحركات كيف تتجاوز العقبات. فالعقبات ما هى إلا ابتلاءات يمكن أن نتعلم كيفية تجاوزها.

ففي التدريب العسكري يضعون عقبات أمام الأفراد، ويأمرونهم بالمرور من تحت النار، ويضعون أسلاكا شائكة ويأمرون بالقفز عليها، وفائدة كل ذلك راجعة للمتدرب.

أما هذه العقبات فهي نوع من العقبات الطبيعية التى خلقها الله ليمتحن بها إرادة الإنسان.

2- مقاومة المنافس والذي يضع العراقيل، ولكن فى حدود ضيقة ، فرب مظلون يصبح أشد ظلما من الظالم، فعلى الحركة التى سلك الرسالة ولا تخضع لمثل هؤلاء ، بل تحاول إبعادهم عن طريقها باعتبارهم حجر عثرة. ولكن بدون اتخاذ مواقف سلبية أكثر من مواقفهم، يكون الشيطان داعية فيها، أو بقدر مواقفهم ، بل فقط بحدود الحاجة ( حاجة مسيرتكم) إلى اتخاذ مواقف سلبية.

3- على الحركات الإسلامية تسجيل انتصارات إستراتيجية فى طريقها كلما ازداد عدد واضعي العراقيل لإيقاف المسيرة التصاعدية، والتفكير خير سبيل لذلك..

فكروا فى أن المنافس يريد أن يوقفكم، فكيف تستطيعون أن تتحركوا فى طريقكم ، وكيف تستطيعون أن تحرزوا وتكتسبوا مكاسب إستراتيجية كبيرة.

فالمنافس يأتي ويضع أمامك عقبة ، لكي تكتب كتابا ولكنك إذا انتصرت عليه فى هذه الحالة وكتبت كتابا، فإنك بعد سنتين ستكتب دراسة عميقة وشاملة وأفضل بعشر مرات من ذلك الكتاب.

والمنافس يحاول أن يسحب من جماعتك مجموعة، ففي هذه الحالة ماذا تعمل؟

أن تأتى ومائتين وبالتالي تكون قد أعطيته درسا، فى ضرورة البناء واجتناب الهدم.

كلما رأيتم انسحابا تكتيكيا فى ساحة العمل بسبب صراعكم مع الجاهلية أو منافستكم مع الحركات الإسلامية التى ابتليت بأزمة الخلق، فابحثوا عن طريقة لتكتسبوا الساحة استراتيجيا، وتعلموا سائر الحركات بأن العمل ممكن وأن المكاسب ممكنة الحصول ، وأن المجالات كبيرة ومفتوحة ولا داعي للصراع.

فهذا البرنامج ذو النقاط الثلاث لو طبق من قبل الحركات الإسلامية فى هذه المرحلة الحاسمة من حياتنا، لاستطاعت أن تقرب النصر، وأن الله سبحانه يرزق الناس على نياتهم وطيب نفوسهم وقلوبهم مع بعضهم، وأنه سبحانه أراد أن يعذب قوما، فقال لنبيه: إني سأعذب قومك. ثم رأى نبيه أن العذاب قد تأخر فقال : يا إلهي لماذا لم تعذبهم؟

قال الله : أعلم بأن هؤلاء تراحموا – رحم بعضهم بعضا- .

فالواحد منهم كان يملك قرصا وكان يأكل نصف ذلك القرص من الرغيف ويعطى النصف الآخر لجاره الجائع. ولذلك فأنا أرحم بهم منهم بأنفسهم، فأبعدت العذاب عنهم.

دعونا نطهر قلوبنا، ونصف نياتنا، ونخطط حططنا لله وأن نكون قائمين له، دعونا نضع الله أمام أعيننا فى كل إستراتيجية .. بل فى كل تكتيك ، بل فى كل خطوة ، حتى ينصرنا على عدونا.

نحن لا نريد أن ننتصر بأنفسنا بعواملنا الذاتية المادية.. لأننا ضعفاء ، ولأن هذه العوامل غير كافية للنصر..

أننا نريد أن ننتصر بالله ولا ينصرنا الله إلا إذا رأى أن قلوبنا صافية..

إذا على الحركات الإسلامية أن تحول الصراع الموجود بين بعضها إلى تنافس بناء، وذلك بأن تحاول كل حركة اختراق مجال بكر لم يخترقه الآخرون، وأن لا تتصارع مع بعضها فى سبيل مجالات ضيقة محدودة ، فعالم الله واسع وأرضه رحبة.

الفصل الخامس

الحركة الإسلامية والتحدي المضاد
الحركة الإسلامية الواحدة والمؤامرات المضادة

ما عانته أمتنا الإسلامية فى العصور الأخيرة من الدسائس الاستعمارية والمكائد والمؤامرات، كان أكثر بكثير مما عانته أمتنا من وسائل البطش الظاهرة كالجيوش، ووسائل تدميرها..

ذلك لأن – تلك الوسائل- كانت خفية، لذلك استغلت جهلنا وتخلفنا وتشتتنا، بالإضافة إلى العوامل الذاتية التى ساعدت المستعمرين فى توجيه الضربة إلينا.. بينما الوسائل الأخرى ( الظاهرة ) كانت معروفة لدينا وكنا نواجهها بوعي، وفى بعض الأوقات بإصرار، بينما المؤامرات التى استخدمها أجهزة الاستعمار الشيطانية، كانت تجرى عادة فى غفلة منا.

إن الأفكار المتلصصة، التى تسربت إلى عقول شبانا فى بداية هذا القرن، عبر المناهج التربوية الأجنبية، وعبر الذين كانوا يسمون بالمفكرين والمصلحين ، وعبر الصحفيين والقصصيين وكتاب المسارح وعبر الأفلام، كل ذلك كان مدخلا من مداخل الكيد الشيطاني للدوائر الاستعمارية، وكانت أفتك بنا من القنابل الذرية، والهيدروجينية ، ولا تزال آثارها باقية فى كثير من عقول أبنائنا، ففي إيران، تجسدت فى تركيبات غير متفاعلة بين الإسلام وبين الأفكار المادية الغربية حينا والأفكار المادية الشرقية حينا آخر.

الاستعمار ووسائله الفتاكة:

وسائل الاستعمار كثيرة ومتعددة وإليك أمثلة على ذلك:

الوسيلة الأولى:

وهو ما نراه فى السودان حيث يخرج للأمة رجل باسم التجديد، يردي أن يعيد ذكرى البهائية والقاديانية.. ويحاول أن يوهمها بأنه صاحب الرسالة الثانية، ويدعو إلى مساواة المرأة والرجل كما يدعو إلى إلغاء كثير من الأحكام الإسلامية، ويدعو إلى التجديد فى الفكر الإسلامي تلك النغمة الناشرة القديمة التى بدأت الدوائر الاستعمارية النفخ فيها ذلك لأن هذه الدوائر استرجعت خططها القديمة لتستخدمها اليوم فى ضرب الإسلام بعد أن فرض البعث الإسلامي الأصيل نفسه على الساحة. ولقد أقدم هذا الإنسان بهذه المحاولة اليائسة فى السودان، وشكل حزبا باسم ( الحزب الجمهوري) المدعوم من قبل السلطات السودانية، فى الوقت التى كانت فيه هذه السلطات السودانية، فى الوقت التى كانت فيه هذه السلطات تقوم:

- بدعم مباشر للمخطط الاستعماري فى المنطقة.

- بالدعوة لتمرير اتفاقية ( كامب ديفيد) وتبرير الموقف المتخاذل للنظام الساداتي فى القاهرة.

-فالنظام يدعم الحزب الجمهوري والرجل يبدأ بهجوم على الثورة الإسلامية فى إيران وبالذات عل قائد المسيرة الثورية فى العالم الإسلامي الإمام الخميني – أدام الله ظله-.

الوسيلة الثانية:

هى تسليط الأنظمة الفاشية، الإرهابية ، الديكتاتورية، على المسلمين ، ومحاولة محو وسحق الحضارة الإسلامية عن طريق هذه الأنظمة.

فقد عادت الدوائر الاستعمارية إلى طريقة كانت قد استخدمتها ونجحت نجاحا باهرا ؟ ألا وهى:

بث الخلافات داخل الحركة الإسلامية العالمية الواحدة، وقبل أن نبين أبعاد هذه المؤامرة الشرسة لا بأس أن نذكركم بطريقة الاستعمار ودوائره المختلفة فى تنفيذ هذه المؤامرة.

والمؤامرة تسمى " بكلمة رمزية" فى الدوائر الاستعمارية وهذه الكلمة هى كلمة ( المبادرة السياسية) وهذه الكلمة يعرفها بريجنسكى مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق " جيمى كارتر" ومدير اللجنة التى تضم من بين أفرادها كيسنجر، كما تضم كبار المفسدين فى الأرض. ويفصل برينسكى القول فى كتابه الذى خرجت العربية للأسواق فى المبادرة السياسية ، وبعد توضيح منا نستطيع أن نشرح لكم ما كتب:

يقول إن فى عالمنا اليوم مجموعة تناقضات وعوامل مضادة لبعضها وظروف معاكسة- فمثلا – فى بلد مثل إيران، حيث عاش شعبه الحرمان وعاشت الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية فيها وضعا شاذا فى السابق ثم بعد سنة من الاضطراب، والفوضى، وإذا بانتصار الثورة الإسلامية يتجلى فى سماء إيران، ثم وقبل أن ترتب الثورة أوراقها، وإذا بالفتن تشتعل وتقوم مخلفات العصر البائد بترتيب أوراقها والهجوم المضاد، وقبل أن تنتهي الثورة من تصفية هذه العناصر، تشن ضدها حربا عدوانية من قبل عميل الإمبريالية العالمية صدام حسين.

ففي هذه الظروف حيث تعيش تلك الأقليات وضعا خاصا لأن عوامل الحرمان السابقة تتفاعل فى ذواتهم، ورواسب العهد البائد تتصل بهذه العوامل وعصور التخلف . . وقلة الوعي تتفاعل مع تلك العوامل، ومع تلك الرواسب، والنتيجة تشكل وضعا استثنائيا وضمن هذا الوضع الاستثنائي يقوم عميل أجنبي مثل النائب السابق فى مجلس البرلمان الإيراني السابق المدعو بنى أحمد، بعملية المبادرة السياسية، وبوحي من أسياده، وبعد دراسة كل ما قلنا تتفجر ناحية من النواحي حين يقتل رجل دين كمسلم مجاهد يعتنق المذهب السني، ويستشهد فى بلوشستان وعلى أثره يقتل (30) من خيرة شباب بلوشستان ، ومن ناحية أخرى تقوم الضمائر الاستعمارية بالتضليل الإعلامي وتشيع فى المنطقة وعبر (33) إذاعة مضادة لإيران، بأن إيران إنما هى جمهورية شيعية، فهذه العملية تسمى المبادرة أى بمعنى الاستفادة من الوضع الشاذ..

والشعوب الضحية :

وإذا أردنا أن نعرف حقيقة هذا المعنى فلنرى ما يدور فى لبنان.

ففي لبنان توجد أقلية مارونية متحكمة فى أكثرية إسلامية بالإضافة إلى تواجد مجموعة من المشردين والثوار الفلسطينيين ، الذين نزحوا بعد أيلول السود ( العملية التى قام بها عميل الاستعمار فى المنطقة الملك حسين).

وتتطور الأحداث ، ويتفاعل الوضع، ويحيط ببيروت حزام من الفقر والحرمان، فالوضع فى توتر دائم.. والأحزاب المختلفة متواجدة هناك والثوار الفلسطينيين يقومون بمحاربة " إسرائيل" وإسرائيل تكثف هجماتها على جنوب لبنان، والوضع المأساوي فى مدينة بيرون لا يطاق ، وحزام الفقر يكاد يخنق بيروت.

وفى هذا الوضع الشاذ تخرج سيارة تحمل مجموعة من الفلسطينيين سواء كبارا أو صغارا، لتعبر منطقة الشياح إلى منطقة عين الرمانة، ويهجم مجموعة من المسلحين، ويقتلون من فى السيارة ويذبحونهم ذبحا.

فهذه هى المبادرة السياسية التى تتم بعد دراسة الأوضاع الشاذة والعوامل المضادة فى منطقة من المناطق، وأسباب التخلف والظروف الاستثنائية بعد دراستها، كلها عبر العقول الإلكترونية يفجرون ناحية من النواحي، وحينما يفجرون هذه الناحية تتفجر الأوضاع كلها فسياسة أمريكا وحلفائها، وسياسة روسيا فى كل بلاد المستضعفين وبالذات فى العالم الإسلامي تقوم على الاستفادة من المبادرة السياسية وهذا ( اسم جميل لعمل قبيح).

اضربوا الاستعمار بالوحدة:

فهذه سياسة الاستعمار الآن بالنسبة إلى الحركة الإسلامية الواحدة فإذا صبغت حركة ما بالإسلام فلن تستطيع أن تنفصل ولن تصبح متعددة ومتخلفة ما دامت الحركة إسلامية فهي تنشد قيام الدولة الإسلامية، وتحقيق الأمة الإسلامية.. والأمة الإسلامية هل هى واحدة أو متعددة؟

" وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"

( المؤمنون آية 52)

هى أمة واحدة فما دامت كذلك فالحركة التى تنشد إقامتها وإقامة حكم الله عليها، لابد أن تكون الحركة الإسلامية الواحدة عبر العالم الإسلامي كله، ولكن الاستعمار الذى يعرف مدى قوة ههذ الحركة وفاعليتها، يبدأ ببث الخلافات داخل هذه الحركة الإسلامية الواحدة.

وبريجنسكى يعترف، ويقول ( عن الثورة الإسلامية فى إيران) أنها ليست فقط فى إيران، أنه بعث إسلامي أصيل فى العالم كله، أنهم يعرفون أن هذا البعث الإسلامي الأصيل له قوته وقدرته الهائلة وإمكانياته الكبيرة جدا، وبالتالي فإن هذا البعث يستطيع أن يفجر العالم فى وجه المستكبرين والمستغلين الذين يخططون لعمل مضاد وهو السعي الدائب لتفتيت هذه الأمة الواحدة والحركة الإسلامية الواحدة وبالتالي السيطرة على هذا البعث الأصيل . وتبدأ المؤامرات وتبدأ الخطط ومراجعة الملفات القديمة فكل الخلافات التى كانت قائمة قبل ثلاثين عاما، حينما انطلق البعث الإسلامي الأول بعد الحرب العالمية الأولى تعاد من جديد والذي يدرس التاريخ يعرف أن التاريخ كيف يعيد نفسه ، إذ بدأت المؤامرة فى بداية انتصار الثورة الإسلامية بالضرب على وتر الطائفية، فإيران شيعية ونحن مسلمون وهذه تقال بكلمة عربية غليظة حتى يعبر- فعلا – أنه عربى رغم أن فكره فكر أمريكي أصيل ويقول بكل صراحة بأنا نحن مسلمون وإلى الأمس القريب كان هو وأسياده فى الجزيرة العربية يدعون إلى الوحدة الإسلامية ولقد كان فيصل يدعو للوحدة الإسلامية ، وهؤلاء بدورهم دعو إلى هذه الوحدة أتباعا لسيدهم فيصل وكان لابد بأن يتفق الشيعة والسنة، ولكن بعد ما انتصرت الثورة الإسلامية فى إيران أصبحت الثورة فقط شيعية.

لقد عادوا إلى النغم السابق، واختير صدام حتى يركز على هذه النغمة ويدعى بـن هذه الثورة الإسلامية ، فى إيران مجوسية أى أنها شيعية، ولقد كرر هذه الكلمة أسياده من قبله.

لا يصل الاستعمار إلا بالتضليل والتحريف:

وعلينا أن ندرس التاريخ ونتعظ به فمثلا إن عملية الخوارج فى الدولة الإسلامية ، والتي قام بها معاوية بتخطيط من عبده سرجون الذى كان روميا، وبدهاء ومعرفة من عمرو بن العاص فهذا كان يعرف طبيعة العناصر وذلك كان يحدد، ولقد ذهبوا إلى مجموعة من ذوى الثفنات الثخينة ولكنهم كانوا حاقدين لا يعرفون من الإسلام إلا الصلاة والصيام، ويسألون كل مار بطريقهم هل أنت من شيعة على أو من شيعة معاوية؟

فيقول: إنني مسيحي رغم أنه كان من أصحاب الرسول (ص) ، ولكن خوفه من القتل يجعله أن يجيب بتلك الإجابة.

وهؤلاء كانوا يقتلون المرأة المسلمة، فيبقرون بطنها ويخرجون حملها، ويقتلونها بعد كل ذلك، ثم يمر أحدهم، وإذا بتمرة مرمية فى الشارع فيأخذها ويضعها فى فمه ، ولكن الآخر يخرجها من فمه ويقول حرام أما تعلم . فقتل المرأة المسلمة والتشبيه بها ليس حرام، أما أكل تمرة من الشارع فهذا حرام؟

وهؤلاء يفتشون عن مثل هذه العناصر مثلما فتش معاوية عنها، وبثها فى الجيش الإسلامي الرسالى، حيث على (ع) وشتت الجيش وأصبحت فيما بعد الخوارج.

والآن .. تقوم بنفس الخطط، وبالذات فى قضية العراق، لأن قضية العراق قد أصبحت اليوم قضية أساسية. ولقد سألت أحد المفكرين : لماذا هذا التشرذم فى الساحة العراقية بينما الشعب العراقي أوعى شعب عربي حتى قيل فى حقهم فى يوم من الأيام، بأن الكتاب يكتب فى مصر، ويطبع فى بيروت، ويقرأ فى العراق؟

وفى هذا المجال يجب ان يكون الشعب العراقي هو الشعب المتفهم الواعي، الأقدم ثورة والأكثر شجاعة وبطولة؟

وقال لأن الاستعمار ومنذ القديم كان يعرف بأهمية هذا الشعب وأهمية مركزه وحيويته، وهى الجبهة الشرقية، الجبهة الشرقية هى إنهاء " إسرائيل" ومن جهة أخرى يطل على الخليج الإسلامي لذلك ركزوا اهتمامهم على العراق.

تجمع القوى لتكون النصرة:

واليوم تركز دوائر الاستعمار اهتمامها على العراق ليس فقط فى إعطاء ملياري دولار من أموال شعبنا فى الكويت وبالرغم من سخط المجلس الكويتي.

وليس الدعم الوحيد (4) مليارات من حكام الجزيرة، وليس الدعم الوحيد من قبل السادات حليف بيغن لنظام العراق.

والدعم الأهم من قبل الدوائر الاستعمارية حيث شغلت كل خطوطها وكل عقولها وكل الشياطين، المجتمعين فى دوائرها، وتشغيل هؤلاء جميعا لتفتيت الحركات الإسلامية فى العراق، وصنع البديل لها .

واليوم نرى أن مصانع البنتاغون، ومصانع (كى .جى. بى) تعمل لتصنع حركات جديدة فى العراق، فالحركات العراقية المجاهدة منذ زمن أصبحت اليم فى نظرهم، شرقية أو غربية أو ليبية، فالاتهامات تتكاثر بحقها، أما من الذى يفوز فى المعركة؟

يفوز فى المعركة تلك الحركات غير الإسلامية.. والقضية واضحة وضوح الشمس، وإذا لم نستطع أن نفهم ما يجرى حولنا فإننا سنبقى فى هذا التشرذم.

وإنكم تعلمون أنه حينما تصاعدت الحركة الإسلامية قبيل الانقلاب العسكري الذى قامت به الدوائر الاستعمارية على يد البعثيين فى العراق عام 1968 م كانت الحركة الإسلامية متصاعدة فى العراق بشكل رهيب، وقد كانت الشبيبة متجهة للإسلام، وفى هذا الوقت وبصورة فجائية رأينا اشتعال الخلافات على جبهتين:

الجبهة الأولى بين الحوزة العلمية فى كربلاء، والحوزة العلمية فى النجف، وصدرت الفتاوى والكلمات المضادة وكانت الدوائر الاستعمارية تغذى هذه الخلافات، وكانت تكتسب أسماء شرعية.

والجبهة الثانية: الخلاف بين السنة والشيعة، وهذه كانت معروفة وهى لصنع البديل، فالنظام العراقي آنئذ هو نظام عبد الرحمن عارف، وكان على وشك السقوط، ولقد كانت الدوائر الاستعمارية تفتش عن البديل، وخلال تلك الفترة كانت تحطم الحركة الإسلامية فى العراق وفعلا نجحت وصنعت البديل وهو ما نراه اليوم..

ونحن إذا لم نلتفت ، وإذا لم ندع خلافاتنا الجانبية ونوحد صفوفنا ونكشف تلك الخطوط الاستعمارية وأولئك الجهلاء المتعصبين أو العلماء الحاقدين الممتلئين عقدا نفسية، فإذا لم نكتشف هؤلاء ونتحرك بسرعة فإننا سنرى بأن البديل الثاني سيأتي.. وخلال خمسة عشرة سنة أخرى ، فإننا سنرى فى العراق جو الإرهاب والديكتاتورية، وضرب المتدينين وإزهاق أرواحهم،يعود إلى العراق .. وهذا بحاجة إلى وعى، والله منحنا السمع لنستمع..

" ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدى العمى ولو كانوا لا يبصرون . إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون".

( يونس 42- 44)

فالله لا يغفر لأحد من أبناء شعبنا فى العراق وفى هذه المرحلة بالذات ذنبه.. فلا يستمع أى شخص لكلام أى إنسان ضد هذا أو ذاك، لأنه قد يكون أداة للاستعمار من دون أن يشعر، فلا تتكلموا عن أحد بل ابحثوا عن الحقيقة لا سيما القاعدة الإسلامية العريضة . فالقاعدة تضحى لا من أجل أحد بل من أجل الإسلام ولقد قلنا أن جماهيرنا يجب أن تكون شاهدة على الوحدة.

فالوحدة هى: وحدة الجماهير ، والجماهير يجب أن تكون شاهدة عليها ومحافظة لها، وأى إنسان فى أي ثوب، بأي صفة ، يحاول أن يفتت الوحدة يجب أن نكون ضده.

وعلينا أن لا ندافع عن أي شخص ، فدفاعنا يجب أن يكون عن الرسالة والعمل، فكبار الناس وعظمائهم الأنبياء والأئمة (ع) ضحوا بأنفسهم فى سبيل العقيدة والدين، ونحن بدورنا يجب أن نضحي بها كرامتنا.. ما هى كرامتنا مقابل كرامة الإسلام، ألا ترى أن كرامة الإسلام تسحق فى العراق ، وهل تبقى لإنسان كرامة حينما تسحق كرامة دينه وقيمه وشعبه؟

اتركوا الأنانيات والحدود الضيقة، وانطلقوا فى رحاب هذه الأمة الواسعة، واعملوا وقوموا لله، واستشهدوا وقولوا لله، واحكموا لله.

نعود ونؤكد: بأن المؤامرة واسعة وشرسة، وهى تتركز فى العراق، ولكنها لا تنتهي فى العراق، لأنه هناك مؤامرة فى كل بعد وعلى كل ساحة.. وعلينا أن نفكر فى إفشال هذه المؤامرة عن طريق المزيد من الوعي، والمزيد من التجرد عن الأنانيات والمزيد من التلاحم الثوري داخل جماهيرنا الثائرة المؤمنة .

والله ينصرهم ويسدد خطاهم إنه نعم المولى ونعم النصير. وصلى الله على محمد وآل بيته الطاهرين.

النهضة الإسلامية والتحدي الجاهلي

بسم الله الرحمن الرحيم

" أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء فلا تذهب نفسك عليك حسرات إن الله عليم بما يصنعون. والله الذى أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور. من كان يريد العزة فالله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور".

(8- 10 فاطر)

إنها لحقيقة تشهد عليها حوادث التاريخ، بأن الإنسان صاحب الحق منصور على القوى الباطلة أيا كانت. ولكن هناك حقيقة أخرى تنبثق من هذه ولا تقل عنها فى الصدق والأهمية. هى أن ربنا سبحانه وتعالى أمهل الباطل مهلة ليبتلى أهله، ريثما ينهض أصحاب الحق بحقهم، وعندها تنتهي فرصة الباطل وتنقضي جولته وتبدأ دولة الحق من جديد. وبتعبير علمي أن نهاية الباطل هى الدمار والهلاك، وقد تكون هذه النهاية بسبب انقضاء فترة الباطل بشكل طبيعي، ولكن قد يكون السبب هو نهضة الحق وبشكل إداري وحضاري حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى:

" وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا"

(81- الإسراء)

فالباطل بطبيعته زهوق، وإنه سينتهى يوما ما، حيث له أجل معين وإذا جاء الحق فإن الباطل سيزهق بسرعة أكبر:

" إن الباطل كان زهوقا"

فالقسم الأول من الآية يؤكد على الأجل الذى وضعه الله سبحانه وتعالى للباطل، وذلك بصورة قد مقدور من قبل الله وعلق ذلك بإرادة أصحاب الحق .

" وقل جاء الحق وزهق الباطل"

أما القسم الثاني من الآية:

" إن الباطل كان زهوقا"

فإنه يدل على أن للباطل أجلا محتوما ينتهي عنده حتى ولو لم يقاومه الحق حيث يحمل الباري عز وجل أصحاب الحق مسئولية القضاء على الباطل، ولكن يا ترى متى يستطيع أصحاب ا لحق أن ينهوا أجل الباطل؟ وفى الجواب على ذلك نقول: يمكن ذلك فقط فى حالة أن يكون أصحاب الحق صادقين فى نيتهم وعملهم من دون شائبة فإذا ما كانوا بدورهم يتمسكون بخليط من الحق والباطل، فسيذهب حقهم بباطلهم، ولن يكونوا عندها أصحاب حق.

ولنتساءل ما هى برامج الحق؟ وكيف يمكن لأصحاب الحق تجسيد البرامج فى أنفسهم؟

دور المؤامرات العالمية فى دحض النهضة الإسلامية:

قبل أن ننطق إلى جوانب السؤال أعلاه، أود أن أذكر نقطة مهمة ألا وهى: أن الباطل اليوم قد جند جنوده، وجمع كيده مستعدا للانقضاض على الحق وبصورة كاسحة. إن الحق فى عصرنا هذا يتجسد فى العالم الإسلامي والنهضة الإسلامية التى أصبحت تشمل كافة الدول الإسلامية، وهى اليوم تتعرض لتحد واسع من قبل الباطل.

فمن ظواهر هذا التحدي، العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة فى لبنان وتنصيب الحكومة المارونية المرتبطة بالإمبريالية العالمية على رقاب شعبنا المظلوم والمستضعف فى لبنان، ولكن هذه العملية لم تكن سوى حلقة فى سلسلة طويلة من المؤامرات المخططة ضد الإسلام وأما الحلقة الأخرى من ذلك المخطط فهو الدعم اللامحدود وغير المشروط للنظام البعثى الحاقد فى بغداد.

وهنا يجدر أن ننقل خبرا عن هذا النظام: عندما زار صدام الجزيرة العربية فليعزى حكامها بوفاة خالد التقى بفهد، وجرى هناك الحوار التالي.

قال صدام لفهد: " إنني قد أفرغت جهدي وبذلت كل ما فى وسعى، والآن قد أوشكت على النهاية ، وإنني لا أستطيع الدوام على القتال كما كنت عليه فى الأشهر الأولى من الحرب، وعليه فإما الاستسلام أو الصلح، فأجابه محدثه " كلا ، إنك سنام العرب وأصلها، وبطل قادسيتها، وإذا ما تركت ساحة المعركة فإننا جميعا نكون خاسرين، فإذن عليك بالصمود، وها أنا أقدم إليك شيكا أبيضا وموقعا، تذهب إلى الأمير سلطان ثم إلى أبى الخيل ليوقعوا الشيك أيضا، حيث نحن الثلاثة نصادق لك بأن كل ما ودعناه فى البنوك الأمريكية والأوربية واليابان، هى رهن اختيارك بالإشارة".

وقد أعقب هذه الزيارة صفقة كبيرة لشراء الأسلحة، ركز فيها على سلاح الطيران والأسلحة الأوربية المتطورة وبالذات الدبابات الألمانية والصواريخ الفرنسية والطائرات العمودية من أسبانيا وغير ذلك، حتى أن صفقة واحدة أو مجموعة متكاملة من الصفقات ، احتوت على ألف طائرة عمودية، اشترتها البترودولارات وقدمتها لصدام من أجل حماية عرشه وبالتالي عروش سلاطين الخليج.

وأما الحلقة الثالثة من المخطط الاستعماري ضد المسلمين فتتمثل فى المحاولات الخبيثة الجادة لتجريد الإسلام لصالح الأفكار اليسارية واليمنية والدراسات العميقة فى هذا المجال، حيث إنك تجد أن مستشار الأمن القومي الأمريكي يجتمع بلفيف من المسلمين ويقول: إننا نهتم اليوم بعودة الإسلام إلى الحياة وأن هناك آية مكية فى القرآن تصرح بأن النصارى هم أقرب إلى المسلمين من المشركين ، ونحن نصارى ونؤمن بالله، فى حين أن الشيعة لا يؤمنون بالله، إذن نحن أقرب إليكم منهم ، كما أن الخطر الأكبر يأتيكم من جانب الشيوعية العالمية، إذن دعنا نتحد لمحاربة الشيوعية.

لننتبه إلى أهمية الإسلام وعظمته ودور القرآن ، وكيف أن الكفرة يريدون قلب الحقائق، هل نسى الكونجرس الأمريكي خطاب ( هيلا سيى لاسى ) وتصفيق الكونجرس له وذلك فى الخمسينيات حيث قال: " إنني أحارب الإسلام فى بلادي وسأحاربه فى المستقبل أيضا. فلابد أن تؤيدوني لأن المسلمين أعداؤكم" أم أنهم نسوا بأن الذين ذبحوا فى جنوب لبنان وفى بيروت على يد من يسمون أنفسهم نصارى كانوا مسلمين، ولكن المسيح عيسى بن مريم بريء منهم ومما يقولون.

وهناك تجريد آخر لصالح اليسار حيث حاولت الأقلام المأجورة أن تجعل الإسلام اشتراكيا مرة وشيوعيا مرة أخرى. كما أنهم حاولوا البحث فى القرآن الحكيم وفى رسالات الفقهاء ليحصلوا على ما يتراءى لهم بأنه يؤيد نظرياتهم، ولكنهم نسوا أنه فى الوقت الحاضر يرزح تحت نير الشيوعية ما لا يقل عن الستين مليون مسلم، علاوة على السبعة عشر مليون آخرين فى أفغانستان تصب عليهم حمما من جانب الكرملين، ولكنهم مع ذلك لم يتراجعوا عن دينهم ولا خطوة ، أم أنهم نسوا شبكاتهم التجسسية التى طالما خدمت الولايات المتحدة، ونسوا تحالفاتهم مع بعضهم ضد بلادنا.

هذه حلقات منم مؤامرات الكفرة ضد المسلمين عامة، أما أصحاب الحق فإنهم سوف يتحدون ويتحدون كل ذلك الكيد والمكر بإذن الله وبالتوكل عليه وبواسطة أسلحتهم الخاصة بهم. أما الأسلحة الخاصة هذه فما هى؟ فالواقع أن سلاحنا هو برنامجنا الذى لو طبقناه لحصلنا على نتائج عادلة فى مختلف المجالات وبالتالي فإن الباطل يزهق ويكون كما قال الله :

" إن الباطل كان زهوقا"

ما هو برنامج الحق؟

يشمل البرنامج هذه موارد ندرجها هنا على شكل نقاط:

النقطة الأولى: هو أن يجعل صاحب الحق فسه بديلا للواقع . وعليه ألا يخفى شيئا فى نفسه حيث إن الله تعالى سيظهر ذلك، علينا أن نوضح المفاسد والخيانات التى قامت بها زمرة فاسدة على الأرض. ونعهد إلى أنفسنا بأن نصلح، وهذا يعنى لزوم الثقة بالنفس والشجاعة فى طرح المشاريع الثورية الرسالية البديلة ، كما يعنى أيضا أمرا هاما آخرا أود التركيز عليه ألا وهو الدفاع عن الخط الفكري الصحيح الذى نؤمن به. حيث أنه اليوم عرضة للضغوط الواردة من قبل الدوائر الاستعمارية والمفسدين فى الأرض والمنافقين من جانب والبسطاء والسذج الذين يتأثرون بأعلام المنافقين والمفسدين أيضا من جانب آخر. وإنك أن تؤمن بهذا الخط وتؤمن أيضا بأنه يمثل البديل، فلابد أن تدافع عنه وبكل ثقة وقو ومن دون أن تخاف لومة لائم أو تتردد وتتلعثم يجب أن تقول فى نفسك: إنى أدافع عن إيماني ليس فى مقابل الخطوط المنافسة لهو إنما فى مقابل الدوائر الاستعمارية التى تحاول ضربه وأدافع عنه لا عن عصبية وإنما دفاعا عن القيم الإلهية.

إن الاستعمار لا يرد إلى بيوتنا ولا يتواجد فى الشوارع كتمثال أو مجسم فى قالب معين وسوف لا يأتينا بهيكل بشع، وإنما الذى يتحدانا اليوم هو الفكر الاستعماري الذى يطرق أذهاننا بشكل أو بآخر وعلينا نحن مقاومته والحد من تقدمه. ترى ما هو ذلك الفكر ؟

إن الفكر الاستعماري قد يحمله من يدعى الإسلام والإيمان ولكنه يحارب خط الجهاد الإسلامي حيث إنك ترى بأن الذين يؤمنون بضرورة محاربة الطاغوت يواجهون الزنزانات والإعدام فى بلد اسلامى كمصر فى حين يفسح المجال وبكل حرية لمن يحمل خطا فكريا يؤمن بالإسلام من دون جهاد، ذلك الإسلام المحرف الذى استطاع الطغاة أن يسلبوه مخالبه فأصبح إسلاما لا يؤمن بالقتال ولا بالجهاد.

وتشبه الأوضاع هذه ما هى عليه فى نظيراتها من الدول كالمغرب والجزائر وتونس والخليج والعراق، و...و... حتى فى بيتك ، حيث أنه امتداد لذلك الخط. فيقول الأب لابنه: انظر إلى فلان كيف يذهب ويجيء وعينيه بين قدميه لا يرفع رأسه ليرى ما حوله من أمور سياسية واجتماعية و ما شابه وبذلك تراه مرتاح البال وليس مثلك يا ولدى حيث أنك مهاجر بين بلد وآخر وليس لك وطن ولا عائلة ولا أولاد، أليس فلان مؤمنا؟

وهكذا يأتيك التلقين والوسوسة بعضه على أثر الخوف والبعض الآخر أثر الخطوط الفكرية المنحرفة.

وقد يجالسك شخص يمتدح فى حديثه إليك الخط الفكري الذى لا يؤمن بالجهاد بل يؤمن بأن يكون الإنسان المؤمن مؤدبا وأنيقا فى إسلامه، مكتفيا بنصيحة الناس لا يهمه أن لم ينصتوا له. فعليك هنا أن تكون نبيها ولا تقع فى فخه، إن الذى مهد الطريق إلى الإسرائيليين للدخول إلى بيروت لم تكن دباباتهم أو طائراتهم وإنما كانت جرائدهم ومجلاتهم، هى التى خلقت الأرضية لذلك الاحتلال البشع، حيث أن مجلة ( الحادث) كتبت فى كلمة عددها الصادر بعد الاحتلال الصهيوني للبنان: " إن اللبنانيين قد ارتاحوا الآن وبذلك انتهت مشاكلهم وإنهم سيعيشون مع بعضهم بسلام أن كاتب المقال هذا ما هو إلا إنسان أرعن حيث يدافع بلا رادع غن أبشع احتلال تاريخي جرى فى لبنان وهو الذى كان قد مهد الطريق للغاصبين. إن إنسانا كهذا يجب أن تقطع يده فهو أخطر من الجندي الإسرائيلي الذى دك غربى بيروت بصواريخه العملاقة وقنابله الانشطارية والعنقودية. فهو يسلبك إرادتك ويبرر لك أبشع عملية، كان علينا منذ البدء أن نحارب تلك المجلات العميلة ونقاطعها وإلا فنح نغزى الدار، وإنه لمن المؤسف أن نرى تلك المجلات تنتشر فى طول بلادنا وعرضها.

فعليك أنت أن تدافع عن خطك الفكري وعن كل خط رسالى صحيح آخر يؤمن بالإسلام كله أينما كان سواء فى أفريقيا أو فى أمريكا اللاتينية أو فى أقصى آسيا أو أى مكان آخر. فالمهم هو الدفاع عن الخط الصحيح، حيث أن الاستعمار اليوم يدافع عن الخط المحافظ والأليف.

النقطة الثانية: ما دام الإنسان يعيش ف هذا العالم فعليه التضحية حيث إن الإيمان بالحق دون التضحية من أجله يعنى عدم الإيمان الصادق، فالذين يدعون بأنهم يؤمنون بالحق كثيرون وتراهم صادقين ما دامت مصالحهم الذاتية قد ختم عليها بالنجاح.

( فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون)

إننا اليوم نطالب شباب المسلمين رجالا ونساء بأن يكون عطاءهم فى مستوى الظروف التى نعيشها ، فإن كانت الظروف غير ملائمة فيجب أن يكون العطاء فى ذلك المستوى، واليوم لا نستطيع الاكتفاء بالواجبات التقليدية.

فيجب مخالفة الهوى ومحاربة النفس الأمارة بالسوء، فإذا ما شعرت بأنك قد دفعت ثمنا وبذلت مهجتك وأنفقت مما تحب فستكون عندها فى عداد العاملين فى سبيل الله واتق الله حق تقاته.

النقطة الثالثة: وهى الالتزام الذى لا يخرج فى حد ذاته من دائرة مصالح الأمة، فالذي لا يلتزم بالواجبات سواء كانت صغيرة أو كبيرة ويزعم بأنه صاحب حق يجب أن يكشف أمره للأمة.

إنك اليوم طالب فى مدرس دينية أو علمية أو إنك مجاهد تعمل فى سبيل الله او كاتب أو مؤلف أو ما شابه، فإذا ما وضعت أمامك خارطة العالم الإسلامي وإل جانبها خارطة بقية دول العالم، ثم أمعنت التفكير فى حالات تلك المجموعتين من الدول فإنك ستحصل على النتيجة التالية: يعود السبب الأساس فى تأخرنا وتقدم أعدائنا علينا هو أننا لا نلتزم بالخطط الموضوعة لنا من قبل البارى عز وجل فى حين أن أعدائنا لا تلتزم بالخطط الموضوعة لنا من قبل الباري عز وجل فى حين أن أعدائنا يلتزمون وبكل دقة بالمخططات التى وضعوها ضدنا.

فأنت أيها الطالب دخلت المدرسة الدينية وكان من المقرر أن تكمل دراستك حلال سنتين ولكنك ترى نفسك وقد أمضيت خمسة سنوات ولم تنته دراستك بعد. ماذا يعنى هذا الأمر؟ فإن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على تقاعسك وعدم شعورك بالمسئولية الملقاة على عاتقك ، فتخادع نفسك وتؤجل عمل اليوم إلى غد، فى حين أن العامل ينتظرك على أحر من الجمر لتكون خريجا تنفع الأمة. مثلك كالطبيب والمستشفى. أرأيت مستشفى بلا طبيب؟ فالأمة تدعو تلميذ الطب ليدرس ولكنه يتقاعس وبذلك يكون التلميذ هذا خائنا حيث أن المستشفى بلا طبيب وطبيعي أن المريض سوف يشرف على الموت فى حالة عدم العلاج.. ( أتدرى ما معنى الموت؟) .

هناك مفهومان للموت، والعالم الإسلامي يعانى الاثنين. أحدهما موت الإنسان الذى يدفن بعدها تحت الأرض وهو ما يجرى للأبرياء فى لبنان.

وأما المعنى الثاني للموت فهو الانحراف والتكاسل والتقاعس، حيث أن ذئاب العالم اليوم يحاولون انتهاز الفرص لكي يفترسوا أبناء الأمة الإسلامية ويحطموا ثقافتها. فى حين أنك تستطيع المساهمة فى ان تحمى أفراد الأمة من الوقوع فريسة وذلك بالجد والنشاط وبأن لا تؤخر عمل ساعتك لساعة أخرى.

والنقطة الرابعة والأخيرة: هى أن لا يكون التزامك بالعمل جديا على حساب عمل آخر. إن الله سبحانه وتعال قد أودع فى الإنسان قوى لا تعد ولا تحصى، وعليك أنت أن تفجر هذه القوى المتوفرة فى نفسك فى مجالات شتى.

( العلم بغير العمل وبال، والعمل بغير العلم ضلال)

فالذي يريد أن يتعلم دون أن يعمل، فهذا إنسان مصاب بالأنانية ويريد تربية نفسه فقط. ولذلك جاء فى الحديث:

( زكاة العلم تعليم من لا يعلمه)

فإن قلت( بعد مرور عشرين عاما سأكون عالما كبيرا بعون الله وعندها سأخدم الإسلام وأهل) أقول لك بأنك تعيش اليم شبابك وعندها سأخدم الإسلام وأهله) أقول لك بأنك تعيش اليوم شبابك ولديك طاقة ممتازة يمكنك بذلها فى سبيل الله . فكيف تضمن أن تكون فى الغد البعيد فى خدمة الله، فى الوقت الذى لا تستطيع أن تضمن حياتك فى الغد القريب؟ ولا تنسى بأن العمل يحتاج إلى ممارسة وتمرين، وكل ذلك يحتاج إلى بذل طاقة هائلة ولا يمكنك الحصول عليها سوى فى فترة شبابك.

( العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه)

إننى اليوم أدعو الإخوان والأخوات فى كل مكان أن يخططوا لأنفسهم خطة تكاملية شاملة. ولا يكونوا كمن يعمل بجزء دون آخر فالعلم له حصنه من الوقت وللعمل حصته وبشرط أن يكون الإيمان قرين الاثنين.

إن الله سبحانه وتعالى يقول:

" من كان يريد العزة فالله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفع" .

فالكلم الطيب هو العلم ولكنه لا يكفى لرفه الإنسان إلى البارى عز وجل إلا إذا ما اقترن بالعمل الصالح . إن المفسرين قد اختلقوا هنا ولكن أبعاد تفسيراتهم كلها صحيحة فالعمل الصالح يرفعه الله إليه ويرفع المؤمنين به. والعمل الصالح يرفع الإنسان صحب العمل. فسواءا نقول بأن فاعل يرفعه هو لفظ الجلالة( الله) وأن الضمير يرجع إلى العمل الصالح أو صاحبه. أو أن نقول بأن فاعل يرفعه هو العمل الصالح والهاء تعود إلى صاحب العمل. فكلا التفسيرين صحيح فإذا ما كان الإنسان يقول الكلم الطيب ويعمل العمل الصالح فاعلم بأن الذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور.

وأخيرا: إن راية الإسلام اليوم تنتظر من يحملها، أعداء الإسلام فى العالم كله قد جندوا قواهم وجمعوا كيدهم وألبوا قوى النفاق والجهل ضدكم والآن نحن بحاجة إلى حركة سريعة مخلصة شاملة، كى نستطيع أن نتحدى هذه الحملة الشرسة بكل أبعادها. ويمكننا الوصول إلى ذلك بقوة القلم والعمل الصالح والتخطيط الشامل والالتزام الكامل وبالتالي بقوة هذا البرنامج الذى يجعلك وأنت صاحب الحق صاحبا حقيقيا للحق.

الحركة الإسلاميةأمام التحديات الحضارية

بسم الله الرحمن الرحيم

" أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن اله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز . الذين إن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور".

(– 39 الحج)

إن الفكرة التى تصنع الثورة هى ذاتها التى تصنع الواقع، أما الأفكار التى تبقى فى حدود الفرضيات وتدور حول القضايا الفرضية المطلقة ولا تتمكن من أن تفجر طاقات البشر أو تعبأها فى قنوات محددة فإنها لا تصنع ثورة ولا تسقط نظاما.

فمن هنا يتبقى على الثوار أنى كانوا أن يحددوا موقفهم الفكري الذى يحملونه على ضوء مقياس واحد هو مدى قدرة هذا الفكر على تفجير طاقاتهم، وتحويل إمكاناتهم الواقعية إلى حقائق عملية فى الساحة.

فعلى الحركات الرسالية أن تعلم بأن 70% من الحركات التاريخية قد فشلت حينما لم تستطع أن تصنع وسيلة للدفاع عن نفسها، وهذه الحركات فشلت لأنها لم تتمكن من تطوير أساليبها ولم تستوعب تغيرات الحياة ، والبعض الذى انتصر انتصارا ماديا ووصل إلى سدة الحكم إنما هو للسيطرة على مقاليد البلاد وعلى الجماهير ، ضمن هذا يتضح لنا مدى فشلها فهي لم توجد واقعا جديدا ولم تتمكن من تحويل شعاراتها إلى عمل وقيمها إلى سلوك، وأفكارها إلى أحداث واقعية تعيش فى الحياة ذاتها.. لذلك سقطت وتجاوزها الزمن وأحداث الحياة.

فإذا بقيت الحركات الإسلامية اليوم تردد الشعارات التى ترددها كل الأحزاب والمنظمات ولكن بلغة أخرى، فهي تردد شعار الحرية والعدالة والمبادئ ، بل حتى أن كثيرا منها تردد شعار الارتباط بالله. ولك إذا لم تحول هذه الشعارات إلى حقائق ملموسة فإنها ستسقط هى الأخرى كما سقطت تلك الحركات التاريخية فى هذه التجربة بالذات.

العلم: حاجة أساسية:

إن الحركة الإسلامية اليوم لا تواجه بعدا واحدا من أبعاد التحدي الحضاري أو قيما زائفة فى الحضارة الغربية، فهى إلى جانب هذه القيم الزائفة هناك تراكمات من العهود والأفكار.

وهذه التراكمات لها ثقل الواقع، فعشرات الألوف من أنواع الكتب تصدر كل عام فى العالم. فهي ليست فقط تدور حول تلك الجوانب المادية الحديثة، بل تدور حول العلوم فما هو المؤلف منها؟ وكيف يستثمر أصحاب الحركات الجوانب الإيجابية فيها؟

فالسلاح الجديد الذى صنعته الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وهو القنبلة النيترونية التى تصفها إحدى الصحف المبررة لأعمال الطغاة أبدا:

( إن من ميزات هذه القنبلة أنها تقتل الإنسان وتحافظ على الحضارة).

فالإنسان ليس له قيمة وإنما القيمة للحضارة للمباني والجدران الأسمنتية .

فما هو علاجنا ههذ البحوث؟

المبادرة فى صنع الواقع:

إن الحركات الإسلامية مهددة بالدمار إذا بقيت تعالج القضايا النظرية، وتعتقد بأن معالجة هذه القضايا وبيان زيف القيم الجاهلية المادية التى تقوم عليها الدول الكبرى فى العالم لأنها تعالج نصف الحقيقة.

ونصف الحقيقة فى العالم هى القيم، فالقيم هى أساس القاعدة، ولكن النصف الآخر للحقيقة وهو الدافع العملي الذى يبنى على قاعدة القيم.

إن الله سبحانه يقول:

" ولينصرن الله من ينصره"

فكيف تنصر الله تعالى؟

هل تنصره بمجرد أن تردد شعارات أو كلمات أو تنصر الله تعالى بعمل ؟ إن الله تعالى يطالبك بعمل.

والعمل هو صنع الواقع إنك إذا صنعت واقعا فسوف يؤيدك الله تعالى، أما إذا توجه حديثك فى صنع كلمات فى الفضاء فإن ذلك لا يدعو أحدا لأن ينصره.

هذه هى ا لتجربة الصعبة التى ينبغي على الحركات الرسالية أن تقيم عبرها فكرها وقدرتها الثقافية، وهناك تجربة أخرى وهى تحول القيم إلى سلوك وعدم الاكتفاء بتضخيم الأعمال قال رسول الله (ص): " هناك قوم قل فيهم العمل وكثر فيهم الجدل"

حينما يكون عملك قليل وكلامك كثير وشعاراتك عالية فإن ذلك يسبب الهلاك لك. قال الله تعالى :

" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم "

(105- التوبة)

إذا عملتم صنعتم واقعا وهو ما سيراه الله ورسوله والمؤمنون.

أما إذا لم تعملوا واكتفيتم بالكلام فإن هذا الكلام سوف يذوب فى الفضاء.

إن السلوك يجب ان يكون حجة على القيم أما لسلوك الذى يتسم بهذه الصفة فإنه لا يدل : إلا على شيء واحد ذلك الشيء هو أن هذه القيم غير صحيحة والعياذ بالله .

إن الذى يدعو إلى الإسلام ولا يطبق قيمه أخطر على ا لإسلام ن الذى يدعى الكفر ويطبق منهجه. لأنه يشوه سمعة الإسلام تماما.

تحويل القيم إلى سلوك:

أما من ناحية السلوك فى العلاقات فإن شكل العلاقة بين أبناء الحركات الإسلامية الواحدة والمنافسة ضمن الحركات الإسلامية نابعة من قيم الرسالة، من التقوى وبالذات من التقوى الاجتماعية ومن كل ما قاله القرآن فيصبح الواحد منهم نسخة ناطقة من القرآن الصامت آنئذ سيصبح السلوك نفسه دليلا نابعا من المجتمع الذى يرغبون إقامته.

فهل ترغب فى إقامة مجتمع الحرية أو مجتمع الإرهاب؟

إذا قلنا بأن الرغبة تتجه إلى إقامة مجتمع الحرية فلابد أن تسود علاقتنا مع بعضنا علاقة احترام الأطراف، فكل طرف يجب أن يحترم الآخرين.

لأنه يرى فيهم قدوة صالحة لنفسه وتجسيدا للرسالة.

فالمجاهد يجب أن يحترم وأساسا المسلم يجب أن يحترم ولا يكون معرضا للهتك والغيبة.

فعدم احترام شخص للحركات الإسلامية مع أنه يدعى الانتماء إلى حركة إسلامية ف،ه لا يفهم بأن الحركة الإسلامية واحدة لا تتجزأ حتى لو كان لها فصائل مختلفة، ويتضح أيضا بأن الحركات لا يحترمون أنفسهم، وهل يحترم الرسالة من يحارب المجاهدين؟ ومستحيل أن ينصر الله تعالى هذه الحركات، حيث لا تسودها العلاقات الاجتماعية والنضالية روح الأخوة الإيمانية.

إن الله سبحانه وعد بنصر من ينصره، ونصرته تتجسد أيضا فى نصرة عباده المقربين إليه والعاملين فى سبيله، فإذا لم ينصر شخص عباد الله تعالى المؤمنين الصالحين فلا يمكن أن يكون ذلك دليلا على صدقه فى انتمائه للرسالة.

وفى هذا المجال نود أن نوضح للأخوة فى كل الحركات الإسلامية أن الإسلام يملك فى نفسه جانبين:

1- جانب العنف.

2- جانب اللين.

فإذا جعلنا جانب العنف فى أنفسنا متجها إلى إخواننا المسلمين فمن الطبيعي أن يكون جانب اللين فى مواجهة الكفار، وإذا جعلنا جانب العنف فى مواجهة الكفار فإننا نجعل جانب اللين فى مواجهة إخواننا.

ومن يكون لينا مع إخوانه يستطيع ان يكون عنيفا مع أعدائه ومن يكون عنيفا مع إخوانه يضطر لأن يكون لينا مع أعدائه.

وهذه المعادلة سنة إلهية عبرت عنها آيات كثيرة ومنها ههذ الآية التى تقول فى صفة حزب الله تعالى المؤمنين الصالحين:

" أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين"

(54 - المائدة)

لولا أنهم أذلة لينون أمام المؤمنين لما أصبحوا أعزة على الكافرين، لا يمكن للإنسان أن يحارب على عدة جبهات. فلابد أن يصالح جماعة ليحارب جماعة أخرى فإذا تصالحنا مع أنفسنا حاربنا أعداءنا وإذا عكسنا اضطررنا إلى التسليم أمام أعدائنا

ومسئولية الوحدة ليست مسئولية القادة فقط. فالقادة عادة يتحملون هذه المسئولية لأن أساس قيادتهم هى توحيد الصفوف.

إن مسئولية الوحدة هى مسئولية الأفراد وكل من يملك وعيا سياسيا ورساليا معينا أيضا.

وعلى الجماهير أن تكون شاهدة على وحدة القيادة. وأن ترفض المؤامرات والتقسيمات الحادة والأفكار العنيفة داخليا واللينة خارجيا فهذه المسئولية واجب تاريخي أمام الله سبحانه وأما على أصحاب الوغى والبصيرة الذين قد يكونون فى القيادة أو فى مجالات أخرى داخل الحركة أو خارجها عليهم أن يقوموا بامتصاص الضغوط ويكونوا لجانا للتوحيد ولمقاومة الإرهاب والديكتاتورية والسلبيات داخل الحركات.

والتناقضات والانتكاسات جاءت بسبب عدم تحمل الجميع لمسؤولياتهم وإلقاء المسؤولية على شخص أو فئة .. أما إذا دخل الجميع ساحة العمل وتحملوا مسؤولياتهم وعرفوا أن إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصيام فإن الخلافات ستزول فليقوم الجميع بمسؤولياتهم وليعملوا كلهم .

وهنا تبرز أهمية تحول القيم إلى سلوك .

حينما ننادي بالحرية فإننا لا ننادي بالشعار الكاذب الفارغ ، بل نحاول إقامة هذا المجتمع والمعلوم أن الحرية هي المحك الثابت في إقامة دولة الحق ، والحق يعتمد على الحرية .

أما اليوم فنجد فجوة حضارية لابد من تجاوزها لأنها تفصل أمتنا وشعوبنا عن ركب التقدم العالمي وهذا لا يمكن إلا عن طريق تعبأة كل الطاقات . وهذا لا يكون إلا بوجود الحرية .

فإذا وجدت علاقة الحرية والانفتاح والتقييم السليم للأشخاص فإنها تسود بين الحركات الإسلامية ، أو الفئات المختلفة داخل الحركات الإسلامية الواحدة وإلا فسوف تكون أعمالهم مناقضة لأقوالهم وسوف تكون أعمالهم هدامة لأفكارهم وضد شعاراتهم ولا يرضى عنهم الله ولا خلقه .

العلم قطار التقدم :

والبعد الآخر لتحول الأفكار إلى حقائق هو بعد القضايا العلمية .

إن الإسلام أساسا دين العلم ودعوة الإسلام إلى العلم دعوة أصيلة ومتصلة بالإسلام ذاته وبمبادئه كلها ولقد رأينا كيف تقدم العالم على متن قاطرة العلم وهذا القطار هو الذي يحملنا إلى التقدم أيضا .

فيجب ألا تكون الحركات الإسلامية جاهلة فعلى كل فرد منتمي إلى الحركات الإسلامية أن يكون واعيا بما يجري في العالم وتكون الأفكار لديه واضحة عما يجري وأن يكون عالما بعلم التربية والنفس والتحليل السياسي والتحليل الاقتصادي ويعرف التقدم العلمي الذي حصل في العالم في مختلف المجالات فإن سلاح العلم أمضى سلاح .

إننا بحاجة إلى دم الشهيد ولكن دم الشهيد سيذهب هباءا منثورا إذا لم يخطط له تخطيطا جيدا عن طريق مداد العلماء ، فحينما يقول الإسلام عبر النصوص المأثورة عن قادة المسلمين وأئمة الهدى :

( قيام العالم خير من شخوص الجاهل ) .

فماذا يعنون بذلك ؟

يعنون أن هناك بعدا آخر تستطيع أن تخدم الإسلام من خلاله وهو بعد العلم ، أن تغور في أعماق العلم حتى أن تكون جالسا في بيتك أكثر حضورا وشهودا وأعلم من ذلك الذي يسير في الأرض لأنه يسير بجسده وأنت تسير بفكرك ، بعلمك فأنت جالس هنا وتخطط بينما هم جالسون هناك ولا يعرفون ما يجري حولهم .

فلا يقول المجاهد أنني أجاهد بقوتي لأن طريقة حمل البندقية وتصويبها ترتبط ارتباطا وثيقا بالعلم وحتى ولو كنت جالسا في بيت من بيوت الثورة في قاعدة من قواعد الثورة في المدن أو في القرى أو الجبال فلا تترك العلم إذا لم تكن لديك كتب أو صحف أو منشورات فحاول أن تتدبر في الكون وتتفكر لأن الفكر مرآة صافية وحاول أن تختزل التجارب التي مر بها إخوانك وتستفيد منها .

لأن الحركة الإسلامية يجب أن تكون ذات ذاكرة قوية تجمع وتلخص وتحول التجارب إلى قواعد سلوكية وتعمل لها ، فالإمام على (ع) يقول لكميل في وصيته المعروفة : ( يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة ) قبل التحرك يجب رسم الخريطة .

وهذا لا يحصل إلا بعد التفكير والدراسة وبالتالي بعد دراسة المواقع التي تحيط بعملك أن الإمام الرضا (ع) يقول عن المؤمن :

( العارف بزمانه لا تهجم عليه النوائب )

الإمام الصادق (ع) يقول عن العالم :

( عارفا بأهل زمانه )

معرفة العصر ركن أساسي للتحرك فيه والسيطرة عليه إما أن ندرس التاريخ والماضي دون دراسة المستقبل فإن ذلك يعني أن يعتمد الإنسان على عكازة واحدة . وأن القرآن الكريم والآيات السابقة تذكرنا بضرورة تواجد القوة المادية للمؤمنين في ساحة الصراع بين الحق والباطل .

لو لم تتطوع فئة من الناس للدفاع عن القيم لانهارت كيانات تلك القيم وانهار المسجد والصومعة والبيعة ( الكنيسة ) كل هذه الكيانات التي ترمز إلى القيم تنهار إذا لم تطوع مجموعة بالعمل المادي في الساحة .

( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز )

حينما تنصر ربك وتتحرك وتصطدم مع القوى الجاهلية عمليا آنذاك ينصرك الله ثم ترى بإن الله يؤكد على هذه الآية في كلمتي القوة والعزة .

( إن الله لقوي عزيز )

ولكن أنت المؤمن أيضا يجب أن تجسد خلق الله تعالى في نفسك وتأخذها لحياتك وتقوي نفسك وتصبح عزيزا .

فالعزيز هو المرهوب الجانب الذي يخشاه الجميع فرؤية الطاغوت للمسلمين شرذمة قليلة ولكن رؤيتنا عن أنفسنا أننا نتمتع بالقوة .

فكل وسيلة من وسائل القوة نملكها ونستخدمها عمليا حتى نتمتع بالعزة فلا يستطيع أحد أن يغلبنا .

( إن الله لقوي عزيز )

إذا إلى جانب قدراتك المعنوية فلابد أن تكون لديك قدرات مادية سواء على صعيد الوحدة والتماسك أو على صعيد الحصول على وسائل مادية للدفاع عن الإسلام . أو على صعيد الحصول على العلم في مختلف المجالات .