محمد سيف الدولة يكتب: عرب و إيرانيون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد سيف الدولة يكتب: عرب و إيرانيون


(4/13/2015)

مقدمة

هناك حالة انقسام حادة فى الرأى العام العربى حول الموقف من إيران، ربما كانت تقتصر فى البداية على جماهير العراق وسوريا ولبنان والسعودية و الخليج، ولكنها تصدرت اليوم اهتمامات الجميع على امتداد الوطن العربى كله، بالتزامن مع الأزمة اليمنية وعاصفة الحزم من ناحية، والاتفاق النووى الامريكى الإيرانى الأخير من ناحية أخرى.

وفيما يلى اجتهاد لبلورة رؤية منهجية وطنية من إيران، تنطلق من محددات الامن القومى العربى والمصالح العربية التى قد تتلاقى أو تتناقض مع المصالح الإيرانية حسب الموقف والقضية:

تاريخيا

محمد سيف الدولة

تعيش أمتنا العربية، منذ قرون طويلة، جنبا الى جنب مع الأمتين الإيرانية والتركية. فنحن جميعا سكان هذه المنطقة وأصحابها منذ قديم الأزل، ولن نغادرها أبدا. وسنظل جيراناً شئنا أم أبينا الى ما شاء الله. وهو ما يفرض علينا البحث عن سبل التعاون وحسن الجوار، لأنه ليس لدينا خياراً آخر.

على العكس والنقيض تماما من الكيان الصهيونى الباطل المسمى باسرائيل الذى لا يتعدى وجوده 67 عاما فى المنطقة، وكذلك الوجود الاستعمارى الغربى الذى اخترق المنطقة منذ مدة لا تتعدى قرنين من الزمان.

كما اننا ننتمى الى أمة اسلامية واحدة، تضم عديد من القوميات والشعوب والمذاهب، يمكن أن تتحول، لو أحسنا ادارتها، الى عوامل للاثراء والتكامل الحضارى، بدلا من أن تكون أسبابا للتناقضات والصراعات.

وننتمى كذلك الى مجموعة بلدان العالم الثالث، التى عانت لسنوات طويلة من ذات الاستعمار الغربى، بكل ما تميز به نهب واستغلال وعنصرية، وكل ما خلفه، من فقر وضعف وتأخر وتجزئة وتغريب.

ونتعرض لذات المخاطر من قِبَّل خطط ومشروعات الهيمنة الامريكية والغربية، و من كيانهم وقاعدتهم الاستراتيجية والعسكرية المسماة باسرائيل.

الوحدة والتجزئة

نجحت الأمة الإيرانية فى تحقيق وحدتها القومية، تحت سيادة دولة إيرانية واحدة منذ أمد بعيد، بينما لا تزال الامة العربية مقسمة ومجزأة بين 22 دولة، وهذا هو السبب الرئيسى فى فارق القوة والنفوذ، فنحن أمام مشروعا إيرانيا واحدا، فى مواجهة عشرات المواقف العربية الرسمية والشعبية.

الاستقلال والتبعية

نجحت إيران منذ الثورة الاسلامية فى تحقيق استقلالها الكامل عن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بينما تضرب التبعية العالم العربى حتى النخاع.

وهو ما ينعكس فى اختراق النفوذ الغربى للمواقف والقرارات العربية تجاه إيران، وتوظيفها لصالح استراتيجياته فى المنطقة.

من ذلك على سبيل المثال، الفيتو الامريكى الاسرائيلى السعودى الخليجى، على اعادة مصر لعلاقاتها مع إيران، والذى لا يمكن ان يستقيم مع المصالح والسيادة المصرية، ولا مع المصالح العربية أو الإيرانية.

الثورة الإيرانية

كان من الممكن أن تمثل إيران بعد ثورتها الكبرى فى 1979، حليفا قويا للعالم العربى، فى مواجهة الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، لولا حرب الخليج الاولى 1980 ـ 1988، التى لاقت تحريضا ودعما كبيرا من الامريكان، مع المقارنة بالتحالف والصداقة العربية الإيرانية فى عصر الشاه، تحت الرعاية الامريكية والترحيب الاسرائيلى.

اسرائيل ولبنان وفلسطين

ان رفض إيران الاعتراف بشرعية اسرائيل حتى يومنا هذا، هو اقرب للثوابت الوطنية العربية التى ارتدت عنها كافة الانظمة العربية، حين وقعت بعضها معاهدات سلام مع اسرائيل، وتبنت البقية الباقية منها مبادرة السلام العربية التى تنازلت لاسرائيل عن فلسطين 1948.

ودعم إيران للمقاومة اللبنانية، فى حروبها ضد الاعتداءات الاسرائيلية، كان له دورا مهما فى تحرير التراب اللبنانى من الاحتلال الاسرائيلى، رغم جرثومة المذهبية والطائفية التى لم يتحرر منها حزب الله، مثله فى ذلك مثل غالبية القوى والأحزاب الطائفية البنانية الأخرى.

وكذلك الدعم الإيرانى للمقاومة الفلسطينية، متمثلة فى ابو عمار ومنظمة التحرير الفلسطينية فى البداية، ثم المقاومة الاسلامية بعد اتفاقيات اوسلو، كان له بالغ الاهمية فى صمود المقاومة امام حروب الابادة الاسرائيلية، فى وقت تواطأت فيها غالبية الانظمة العربية مع اسرائيل ضد المقاومة.

النووى الإيرانى

الدفاع عن حقنا فى سلاح نووى عربى، كان يستوجب موقفا عربيا داعما لحق إيران فى امتلاك مشروعها النووى، طالما ليس بمقدورنا تجريد اسرائيل من سلاحها النووى.

أما التماهى مع الرفض الامريكى الغربى الاسرائيلى للبرنامج النووى الإيرانى، مع الصمت تماما تجاه النووى الاسرائيلى، فهو يعكس حالة الخوف والتبعية العربية الرسمية.

العراق

شاركت إيران فى العدوان على العراق ووحدته، وفى تهديد الامن القومى العربى، حين قامت بالتنسيق مع الاحتلال الامريكى، وتقاسمت معه الادوار والنفوذ والسيطرة هناك، واشعال الفتن الطائفية والحروب الاهلية، تمهيدا لتقسيمه الى ثلاث دويلات؛ دولة شيعية تتبعها، جنبا الى جنب مع دولتى الاكراد والسنة.

وهى مواقف وسياسات معادية للثوابت الوطنية العراقية والعربية، لطالما رفضتها وحذرتنا منها الاحزاب والقوى والمقاومة الوطنية العراقية.

سوريا

الدعم والتدخل الإيرانى فى سوريا يستوجب الرفض والإدانة بنفس درجة الرفض والإدانة للتدخل السعودى والخليجى تحت الرعاية الغربية والامريكية.

فلقد شاركوا جميعا فى اجهاض الثورة السورية السلمية فى مواجهة نظام شديد الاستبداد، وسرقتها وتحويلها، بعد عسكرتها، الى ساحة للصراع الدولى والاقليمى تستهدف وحدة سوريا وبقائها.

اليمن

كذلك المشاركة الإيرانية للسعودية ودول الخليج فى اختراق الساحة اليمنية، واجهاض ثورتها، وتحويلها الى ساحة صراع وحرب واقتتال مذهبى وطائفى واقليمى ودولى، ستسفر عن تدمير اليمن وتقسيمه وتشريد وتجويع شعبه لسنوات طويلة.

فالحرب فى اليمن وعليها، جريمة لا تغتفر، والمتحاربون وحلفاؤهم جميعا شركاء فى الجريمة بدرجة او بأخرى.

المذهب الشيعى وتصدير الثورة

اى محاولات إيرانية لتوظيف المذهب الشيعى، لاختراق المجتمعات العربية، كأحد وسائل دعم المشروع القومى الإيرانى، وليس العكس كما يدعى البعض، هو عدوان اقليمى على ما تبقى من الاستقلال العربى، وافساد لعلاقات الاخوة والجيرة المرجوة بين إيران والعالم العربى.

ناهيك على انها سياسة طائفية مرفوضة، تدعم مع الطائفية السنية، المشروع الامريكى الهادف الى تحويل الصراع العربى الصهيونى الى صراع سنى شيعى، تمهيدا لتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية تتماثل مع النموذج اليهودى الصهيونى.

وكذلك اى محاولات مماثلة لمد النفوذ الإيرانى تحت ذريعة تصدير الثورة الاسلامية، هى محاولات مرفوضة لعدة أسباب، اولها أنها كانت ثورة إيرانية وليست اسلامية.

وثانيها ان الثورة ليست كالخير، يمكنك أن تعمله وترميه للبحر بدون أغراض، وانما هى محاولات للاختراق والسيطرة متخفية تحت شعارات ثورية.

ثالثا لأن أحد شروط نجاح أى ثورة هو وطنيتها و قوميتها، وكثير من التجارب التاريخية شاهدة على ذلك.

هذا مع الاقرار الكامل بأن النظام الرسمى العربى، المجزأ التابع المستسلم الطبقى المستبد، يحتاج الى ألف ثورة وثورة وليس الى ثورة واحدة فقط.

الصراع على الارض

أما عن الصراعات ذات الطابع القومى بين العرب وإيران، مثل الجزر الثلاثة، أو اقليم الأحواز (عربستان)، او هوية الخليج التائهة بين العروبة والفارسية..الخ، فكلها قضايا يمكننا، مثل باقى الأمم المتحضرة، ان نعالجها بالحوارات والتفاهمات والمعاهدات، ولا يجب أن نحولها الى ذرائع للصراع والاقتتال، خاصة وانها من المشكلات الحدودية التقليدية المتكررة بين عديد من الدول المتجاورة .

وفى الختام أؤكد على أن السطور السابقة لم تستهدف بلورة تصور عربى شامل وكامل تجاه إيران وعلاقاتنا معها، وانما كانت محاولة لطرح مدخل منهجى وطنى فى تناول المسألة.

والله أعلم

المصدر