محمد عزت حسن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأستاذ محمد عزت حسن .. التاريخ المجهول

إعداد: موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

مقدمة

تجمع حول دعوة الإخوان المسلمين أعداد كثيرة منهم من حملها وصبر على ما لاقاه من عنت حتى قضى نحبه وهو راضى عن دعوته، ومن ما زال مستمر على العمل لهذه الدعوة المباركة وتعريفها للقاصي والداني.

فلقد ضمت بين دفتها كثير من العلماء والعمال والطلبة والموظفين والفلاحين فلم يشعر واحد فيهم بالتميز بينه وبين أخوه الجالس بجواره او العامل معه في النشاط الدعوي، فالكل على قلب رجلا واحد.

وكثيرا من هؤلاء من اختفى اسمه فلم يعد يعرفه احد إما لوفاته منذ فترة طويلة أو لبعده عن الدعوة أو انشغاله في دنياه، ومن هؤلاء الأستاذ محمد عزت حسن.

ومحمد عزت حسن ليس اسما مجهولا لرجال الدعوة بل له شامه كبيره حيث أنه كان عضوا بمكتب الإرشاد.

وهو الجندي الذي استطاع أن يعرف الأستاذ عمر التلمساني بدعوة الإخوان.

غير أنى وجدت كثير من الصحفيين أو الباحثين سار على ما كتبه الأستاذ عمر التلمساني من أن اسمه عزت محمد حسن، لكن الوارد في مجلة الإخوان في الثلاثينيات هو محمد عزت حسن ولربما استشكل الاسم على الأستاذ عمر التلمساني.

بدايته مع الإخوان

ولد محمد عزت حسن في شبين القناطر بمحافظة القليوبية، وتعلم فيها غير أنه بعد تخرجه عمل كمعاون سلخانة، وأثناء عمله تعرف على دعوة الإخوان خاصة بعد افتتاح شعبة شبلنجة، واستطاع أن يدعو الإمام البنا لفتح شعبة جديدة للإخوان في شبين القناطر، حيث ذكرت جريدة الإخوان المسلمين أنه كان للإخوان شعبة وحيدة في شبلنجة، وفي أثناء زيارة الإمام البنا عام 1933م لها، زار شبين القناطر فأعجب بما رآه فيها من حب للخير وغيرة على الدين ومسارعة إلى الدعوة، فتكونت فيها شعبة للإخوان المسلمين أشرف عليها محمد أفندي عزت حسن معاون السلخانة، ويساعده في ذلك إخوان كرام، والشعبة تسير بخطى فسيحة إلى التكوين الكامل إن شاء الله، ثم ما لبث أن انضمت إليها شعبة منية شبين، وكان نائبها هو الشيخ رزق البسيوني، وفي تل بني تميم المجاورة لشبين القناطر حماس وغيرة، وقد زارها فضيلة الأستاذ المرشد كذلك وتكونت فيها شعب ناهضة.

ويضف الأستاذ سيد راضي نائب شعبة بنها زيارة الإمام البنا لشبين بقوله: ولقد أقام الإخوان بشبين سرادقًا ضخمًا أمام دار الجمعية في فنائها الواسع، وقد ازدحم على سعته بالحاضرين. وحضر الحفل فضيلة المرشد العام ومعه وفد من مكتب الإرشاد ومن الجمعية المركزية بالقاهرة، وقد أدى الجميع صلاة العشاء بالمسجد الكبير وقصدوا مكان الاحتفال في حفاوة بالغة ومظهر إسلامي رائع، وقد وجدوا المكان الفسيح غاصًا بالحاضرين من أهل شبين الكرام وضواحيها الخصبة وبينهم وفد الإخوان من تل بني تميم، وافتتح الحفل بتلاوة القرآن الكريم ثم ألقى حضرة عبد الرحمن أفندي رضا مندوب المكتب الدائم بشبين كلمة قيمة وتلاه الإخوان بنشيد حماسي رائع، ووقف حضرة محمد عزت حسن أفندي مندوب المكتب الدائم كذلك فألقى كلمة تحليلية أبان فيها عن أغراض جمعية الإخوان المسلمين وشكر فيها الحاضرين، ووقف بعده فضيلة الأستاذ الشيخ مصطفى الطير فشنف المسامع بدرر لفظه وجميل وعظه، وتلاه الأستاذ عبد الرحمن أفندي الساعاتي فسحر العقول ببلاغته وملك النفوس بتأثره.

وقام الشاعر المبدع الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري فألقى قصيدته الرائعة المنشورة في غير هذا المكان، فكان لها أجمل الوقع في نفوس الجميع واستعيدت أبياتها العامرة مرارًا ووقف بعد ذلك فضيلة المرشد العام فتكلم عن الإسراء والمعراج من حيث وقائعها ودلائل ثبوتها، والاستشهاد على ذلك بالفلسفة الحسية ونظريات العلوم العصرية، وعرج على واجب المسلمين في الاحتفال بذكريات التاريخ الإسلامي المجيد، وقد ختم الحفل بالقرآن الكريم، وذكر الأستاذ الساعاتي المجتمعين بواجبهم نحو إخوانهم الفلسطينيين بمناسبة هذه الذكرى، وختم الحفل بالدعوات الصالحات أن يوفق المسلمين إلى خيرهم وسعادتهم.

نتاجه الدعوي

ما أن تعرف محمد عزت حسن على دعوة الإخوان وفهم منهجها ومبادئها لم يجلس أو يتقاعس عن العمل بل أخذ يطرق البواب لتعريف الناس بهذه الدعوة، ومن البواب التي طرقها منزل الأستاذ عمر التلمساني حيث كان عزت واحد من الذين اتجهوا لدعوة عمر التلمساني للانضمام للإخوان، وفي ذلك يقول الأستاذ التلمساني:

يقول: كانت صلتي بالإخوان المسلمين، وعلاقتي بالإمام الشهيد قصة ظريفة دلت بدايتها على منتهاها، أول ما اتخذت لي مكتبًا في شبين القناطر كنت أقيم في عزبة التلمساني، وفي يوم جمعة من أوائل العام 1933م ... كنت أجلس في حديقة الزهور فجاءني خفير العزبة يقول: "فيه أتنين أفندية عايزين يقابلوك"، فصرفت حرمي وأولادي وأذنت لهما بالمجيء، وجاء شابان أحدهما "عزت محمد حسن" وكان معاون سلخانة بشبين القناطر، والآخر "محمد عبد العال" ، وكان ناظر محطة قطار الدلتا في محاجر "أبي زعبل".

ومضت فترة في الترحيب، وشرب القهوة، والشاي، وثمة فترة صمت قطعها معاون السلخانة قائلاً: ماذا تفعل هنا؟ فأثارني السؤال، واعتبرته تدخلاً فيما لا يعنيه، فقلت ساخراً: أربي كتاكيت! ولم تؤثر إجابتي الساخرة على أعصابه، بل ظل كما هو موجهًا أسئلته قال: هناك شيء أهم من الكتاكيت في حاجة إلى التربية من أمثالك. وقلت ، وما زلت غير جاد في الإجابة: وما ذلك الشيء الذي هو في حاجة إلى تربيتي؟ قال: المسلمون الذين بعدوا عن دينهم ، فتدهور سلطانهم ، حتى في بلادهم ، وأصبحوا لا شيء وسط الأمم.

قلت: وما شأني بذلك؟ هناك الحكومات والأزهر الشريف بعلمائه يتولون هذه المهمة.

قال: إن الشعوب الإسلامية لا تكاد يُحَسُّ بوجودها. هل يرضيك أن تدعى هيئة كبار العلماء ليلة القدر من كل رمضان للإفطار إلى مائدة المندوب السامي البريطاني، وإلى جانب كل شيخ سيدة إنجليزية في أبهى زينتها؟

قلت: طبعًا لا يرضيني، ولكن ماذا أفعل؟

قال: إنك لست اليوم بمفردك، فهناك في القاهرة هيئة إسلامية شاملة اسمها "جماعة الإخوان المسلمين" ويرأسها مدرس ابتدائي اسمه "حسن البنا" وسوف نحدد لك موعدًا لتقابله، وتتعرف إلى ما يدعو إليه ، ويريد تحقيقه.

شبت العاطفة الدينية الكامنة في دخيلة نفسي، فملتُ إلى الرضا ووافقت على مقابلة الرجل، وانصرفا بغير ما استقبلا به.

وعلمت منهما قبل أن ينصرفا أنهما يؤديان مهمة في كل يوم جمعة بعد صلاة الفجر، يجوبان القرى والعزب التابعة لمركز شبين القناطر يبحثان عن رجل يصلي، ويصوم، ويؤدي فرائضه، فيتعرفان إليه، ويعرضان الدعوة فإن قبل، اعتبراه نواة لشعبة في موقعه. وكان في كل مركز من مراكز القطر من يقوم بمثل مهمتهما من الإخوان المسلمين.

وبعد أيام حضرا إلى مكتبي وأخبراني بأنهما حددا لي موعدًا مع فضيلة المرشد العام، وكان يسكن في حارة عبد الله بك في شارع اليكنية في حي الخيامية، وفي الموعد المحدد طرقت باب الرجل، وفتحت سُقْاطة الباب، ودفعته، ودخلت إلى حوش المنزل، وصفقت فرد علىَّ صوت رجل يقول: من؟ قلت: عمر التلمساني المحامي من شبين القناطر. فنزل الرجل، وفتح باب غرفة على يمين الداخل من الباب الخارجي، ودخلتها من ورائه، وكانت مظلمة، لم أتبين ما فيها، ولما فتح النافذة الوحيدة في الحجرة المطلة على الطريق تبينت أن في الغرفة مكتبًا صغيرًا غاية في التواضع، وبعض الكراسي من القش يعلوها شيء من التراب ... وجلس إلى المكتب، وقدم لي كرسيًا؛ لأجلس. وعز عليّ أن أجلس على مثل ذلك الكرسي بالبدلة الأنيقة، فأخرجت منديلاً من جيبي وفرشته على الكرسي، لكي أستطيع الجلوس هادئًا في غير تضجر، ولا قلق. وكان ينظر إلى ما أفعله، وعلى فمه ابتسامه واهنة ظننتها تتعجب مما أفعل ، ومما أدعى إليه.

وأفاض فضيلة الإمام الشهيد "حسن البنا" في لقائنا الأول – في أهداف الدعوة، ووسائلها المشروعة، وكان يتكلم في صدق المخلصين، وأسى المحزونين على ما يصيب المسلمين في كل أنحاء الأرض، والطعنة التي أصابت المسلمين بالقضاء على الخلافة، وأنه إذا كان بعض الخلفاء قد أساءوا أو انحرفوا، فليس معنى ذلك أن الخلافة هي التي أساءت أو انحرفت، وهذا الأمر لا يجهله إنسان منصف؛ فالنظرية شيء والتطبيق شيء آخر.

ولما أنهي حديثة الذي لم أقاطعه فيه مرة سألنى: هل اقتنعت؟ وقبل أن أجيب قال في حزم: "لا تجب الآن" وأمامك أسبوع تراود نفسك فيه، فإني لا أدعوك في الأسبوع القادم للبيعة، وإن تحرجت فيكفينى منك أن تكون صديقًا للإخوان المسلمين، وعدت في الموعد، وبايعت، وتوكلت على الله.

وحينما شرع الإخوان في إنشاء جريدة الإخوان المسلمين ساهم محمد عزت بما استطاع به وهو مبلغ 20 قرشا. كما كان مكتب الإرشاد يعين الشعب إذا احتاجت إلى محاضرين لإلقاء المحاضرات والتعريف بالقضية، من ذلك محاضرة ألقاها مندوب مكتب الإرشاد محمد عزت حسن بدار جمعية الإخوان المسلمين بطوخ – مديرية القليوبية – في 6 من ربيع الأول 1355هـ وكانت بعنوان: "مكان فلسطين من الإخوان" وقد نشرتها جريدة الإخوان في العددين 9، 10 في السنة الرابعة.

عزت حسن وشورى الإخوان

كان نشاط الأستاذ محمد عزت حسن واضح مما أهله أن يختار كمندوب الإخوان في القليوبية لدى مكتب الإرشاد، كما أنه حضر مجالس شورى الإخوان الثاني والثالث:

فحينما انعقد مجلس الشورى العام الثاني للإخوان في بورسعيد في 2، 3 من شوال 1352هـ الموافقين 19، 20 من يناير 1934م حضره كثير من الشعب واعتذر البعض لظروف خارجه عن إرادتهم، خاصة أن هذا المجس عقد وقد ازدادت شعب الإخوان المسلمين بما فيهم محافظة القليوبية، وقد حضر عن شبين القناطر الأستاذ محمد عزت حسن، وعن منية شبين الشيخ رزق البسيوني، وقد اعتذر عن عدم الحضور بالبرق وبالخطابات حضرات الأستاذ الشيخ عبد الفتاح فايد والسيد أمين أبو هاشم عن دائرة شبلنجة القليوبية، والشيخ عبد العزيز سويلم عن دائرة تل بني تميم قليوبية، وهي الشعبة الجديدة التي افتتحت بعد مؤتمر الشورى الأول.

وحينما عقد مجلس الشورى العام الثالث في الفترة من يوم السبت 11 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 16 من مارس 1935م حتى يوم الاثنين 13 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 18 من مارس 1935م، وحضره أعضاء الشورى، وكان من قرارات هذا المجلس تقسم مناطق الإخوان المسلمين، وقد اعتبرت القليوبية منطقة مستقلة، كما أن المجلس أقر الشعب الجديدة التي افتتحت في القليوبية وهي شعب المرج والخصوص ونوى وبركة الحج.

فحضر عن شبين القناطر: الأستاذ الشيخ يوسف الخولي، و الأستاذ الشيخ محمد العسيلي، ومحمد أفندي عزت حسن، والأستاذ الشيخ محمد العربي، والحاج متولي سعد، والحاج عبد المتعال مدبولي.

وحينما تشكلت لجنة الزكاة شارك فيها محمد عزت حسن لوضع لائحة الزكاة، وكما جاء في صحيفة الإخوان: وافق المجتمعون على لائحة الزكاة التي وضعها المكتب وقامت بتعديلها لجنة مؤلفة من فضيلة الأستاذ الشيخ حامد عسكرية رئيسًا، وحضرة محمد السيد الشافعي أفندي سكرتيرًا والأستاذ الشيخ محمد خطاب والأستاذ الشيخ أحمد عبد الكريم والأستاذ الشيخ يوسف الخولي والأستاذ عمر التلمساني ومحمد أفندي عزت حسن أعضاء.

وقد اعتمد مكتب الإرشاد هذه اللجنة وأقرها مجلس الشورى العام في انعقاده الثالث بتاريخ 12 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 17 مارس 1935م.

وقوع الفتنة وخروج محمد عزت حسن

لقد مرت جماعة الإخوان المسلمين بعدد من الفتن التي حدث داخلها مثل فتنة الإسماعيلية والتي خرج على إثرها عدد من الإخوان وأيضا فتنة بعض الشباب عام 1937م وفتنة شباب محمد عام 1941م وفتنة الأستاذ أحمد السكري عام 1947م، وهذا شئ طبيعي في إطار الجماعات الكبيرة واختلاف وجهات النظر في بعض القضايا.

لقد خرج الأستاذ محمد عزت حسن بعدما أثار هو وبعض طلبة الإخوان بعض القضايا، حيث بدأت خيوط تلك الفتنة في صيف عام 1937م ثم بدأت تظهر على محيط الدعوة في نوفمبر من نفس العام، واستمرت حتى أذن الله بنهايتها في فبراير ومارس من عام 1938م.

وقاد تلك الفتنة أربعة من الإخوان هم:

1- الأستاذ محمد عزت حسن معاون سلخانة قليوب عضو مكتب الإرشاد، ومندوب المكتب بالقليوبية.

2- أحمد رفعت وكان طالبًا في كلية التجارة.

3- صديق أمين أفندي وكان أيضًا طالبًا في كلية التجارة.

4- حسن السيد عثمان وكان طالبًا بكلية الحقوق.

وهؤلاء الأخوة أعضاء في شعبة الطلبة بالمركز العام وتابعهم بعض الإخوة.

وقد رأت تلك المجموعة أن هناك بعض المآخذ على طريقة الإخوان في العمل وكانت هذه المآخذ "أسباب الفتنة" وهي كما حددها أحمد رفعت بقوله:

الأول: أنه يرى أن الإخوان تجامل الحكومة وتتبع معها سياسة اللف والدوران، ويجب على الإخوان أن يواجهوا الحكومة بالحقيقة التي قررها القرآن في قوله: (وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44].

الثاني: موضوع المرأة وإلزامها حدود الإسلام في عدم التبرج والاحتشام، فقد رأوا أن الإخوان لم يتخذوا إجراء ما في شأنه؛ مكتفين بدعوة المرأة إلى ذلك بالنصيحة والكلام دون العمل، ورؤيته أن يسلك الإخوان بصدد هذا الأمر الخطير مسلكًا عمليًا، بأن يوزع الإخوان أنفسهم في شوارع القاهرة ومع كل منهم زجاجة حبر، كلما مرت أمامه فتاة أو امرأة متبرجة ألقى عليها من هذا الحبر، حتى يلطخ ملابسها فيكون هذا رادعًا لها.

الثالث: ويرى أحمد في موضوع فلسطين أن وقوف الإخوان في مساعدة مجاهدي فلسطين عند حد الدعاية لهم وجمع المال لهم هو تقصير في حق هذه القضية وقعود عن الجهاد وتخلف عن المعركة، وعلى الإخوان أن يتركوا أعمالهم ويتطوعوا في صفوفهم وإلا كانوا من الخالفين.

وقد كتب محمد عزت حسن في جريدة الإخوان المسلمين مقالاً تحت عنوان "مكان فلسطين من الإخوان المسلمين" يؤكد فيه على ذلك إذ قال: "وأشهد ولا أكتم شهادة الله إني إذًا لمن الآثمين، أن عمل الإخوان المسلمين نحو غايتهم وأمانتهم في العهد الأخير لم يكن أقرب الأعمال إلى الله، كان غير ما أنزل الله، وغير ما فعله رسول الله وغير ما جرت به سنة الله في عباده وكان عملاً غير صالح".

وقد رد الإمام البنا على هذا المقال وتلك الأسباب في العدد التالي من جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية في مقال بعنوان "إلى الأخ عزت أفندي" وهذا نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم. أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي وأسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، ثم لما سبق، ناصر الحق بالحق، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، وأحييك فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهنئك بشهر الصوم أعاده الله على الأمة الإسلامية محققة الآمال منصلحة الأحوال آمين.

وبعد، فقد قرأت كلمتك في العدد الماضي عن (مكان فلسطين من الإخوان المسلمين) فرأيتك فيها هبط بك القلم في مواطن وأخذتك سورة الكتابة سورة إذ غذاها إيمان كإيمانك ويقين كيقينك، جاءت هكذا تحتاج إلى رد يكفكف غريبها ويرد جماح القلم فيها، فاسمع إذن يا بني والله يقينًا ولي وتوفيقك إلى ما يحب ويرضى.

أما أن الإخوان المسلمين وزعيم الإخوان المسلمين على ما وصفت اضطلاعًا بالعبء وصلاحية للمهمة، فذلك أمر لا يجعل فيه الكلام ولا يحسن له القول ولكنه نتيجة أعمال وسابقة قدر فدع إخوانك لأعمالهم وما كتب الله لهم وكن عند قول الله تبارك وتعالى: (فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم: 32].

(وأما أن عمل الإخوان نحو غايتهم وأمانتهم في العهد الأخير لم يكن أقرب الأعمال إلى الله ... كان غير ما أنزله الله وغير ما فعله رسول الله، وغير ما جرت به سنة الله في عباده، كان عملاً غير صالح). فأشهد ولا أكتم شهادة الله إني إذن لمن الآثمين، أنك في هذا ركبت مركبًا صعبًا وألقيت على إخوانك قولاً شديدًا، وما أشك في إخلاصك وحسن مقصدك وما أبرئ أنفسنا من التقصير، ولكنها عبارة نابية وقولة جافية فاستغفر الله إن الله كان غفورًا رحيمًا.

تريدنا يا عزت أفندي أن نتعجل المنهاج ونسرع الخطى، فنناجز الناس العداء وننبذ إليهم على سواء، ونضع بذلك الدعوة في ميزان لم يستبن لنا فيه وجه النصر ولو من بعيد، ونقامر بجهود مثمرة وبآمال تلوح مزهرة في سبيل الله لا النفس ولا الهوى، وليس للشيطان فيها جميعًا نصيب، فإن لم نفعل هذا – ولو على غير أهبة وعدة – كنا على نحو ما ذكرت.

لا لا يا عزت أفندي، ادع إلى سبيل ربك بالحكمة وما أظن الحكمة في القول دون العمل ولعلها بالعمل ألصق ولا سيما في الخطوة الحاسمة.

وأقول لك إن ما فعله الإخوان إلى الآن فيما أعتقد مستمد مما فهموا من كتاب الله، ومما علموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما ألقي في روعهم أنه سنة الله في عباده ويرجون أن يكون عملهم في ذلك من العمل الصالح ولله الأمر من قبل ومن بعد.

فأما أنه مما فهموا من كتاب الله فقد أمرنا بإعداد العدة وبأخذ الأهبة وبالتبصر في الأمور كما أمرنا بسرعة النفرة وعظيم النجدة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60] وما أشرت إليه من التلقي لا يتضارب مع ما نأخذ به من الدليل لكم بين البيعة والنفرة والفقه والإنذار والحذر والقتال من قوة وعدة؟ وأعد نظرك فيما تلقيت، وأمره على روحك وقلبك فسترى أن الحق ربما كان قريبًا من غير رأيك وليس هذا مقام الإفاضة فحسبك، وتذكر هنا كم كان بين الأمر والتنفيذ في الحديبية وما فهمها إلا الصديق فافهم يا فتى..

وأما إنه مما علموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت دعوته الشريفة إلا مراحل وخطوات يترقى من إحداها إلى الأخرى، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يتلبث ويتمكث ويستشير ويستوضح حتى يستبين له وجه الحق، أو ينزل له به وحي فيقدم لا يلين ولا يتردد، وها نحن أمام مرحلة لما ننته منها بعد، وذلك بيد الله وحده وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وأظنك على ذكر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر أن يكون مدافعًا في أُحد لولا حماسة ذوي الحماسة فلا تجعلنها أحدًا ثانية قبل إبانها وإن كانت لابد أن ستكون ليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور، فانتظر بدرًا قبل أحد ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

وأما أن ما ألقي في روعهم أنه سنة الله في خلقه فعلامة الإذن بتيسير الأمر وتذليل السبل وما السبل بخديعة ولا الأمر الآن بميسر فارتقب إنهم مرتقبون، واعلم أننا نكتسب في الهدأة أكثر مما نكتسب في الروعة، وأنت الذي تروي عن علي كرم الله وجهه: ولا تقاتل بجريح فإن بعضه ليس منه، فكيف تريدنا أن نبرز بمثخنين.

عزت أفندي: ليس كل ما يقال يكتب، وليس كل ما يعلم يقال ولكل مقام مقال، ولكني أطمئنك فإنا على الطريق سائرون، وعلى الهدى إن شاء الله سالكون، وفي الأسباب آخذون وعلى الله ربنا متوكلون، وللنصر مرتقبون، (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ) [الروم: 60].

(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].

وعقد الإخوان اجتماعًا لذلك الأمر وحدد فيه أحمد رفعت اعتراضاته التي سبق ذكرها وتصدى له بعض الحاضرين وردوا على الاعتراضين الأول والثاني فقالوا: "إن مواجهة الحكومة يجب ألا تكون إلا بعد توافر عاملين:

1- توعية الشعب بالحقائق الإسلامية التي لا زال حتى اليوم خالي الذهن منها، ولا زال الشعب يجهل علاقة الإسلام بالحكم وعلاقة الإسلام بالتشريع، ونحن لولا اتصالنا بدعوة الإخوان ما فهمنا هذه المعاني.

2- اكتساب الدعوة قوة شعبية تستند إليها إذا ما أرادت مواجهة الحكومة، ولا زالت الدعوة حتى اليوم دعوة وليدة في حاجة إلى تثبيت لدعائمها وبسط لرواقها.

والمواجهة بغير توافر هذين العاملين لن تكون إلا انتحارًا لا نتيجة له ولا جدوى من ورائه.

أما موضوع المرأة فكان ردهم عليه هو: أننا لو أخذنا باقتراح الأخ أحمد لكانت النتيجة في اليوم الأول للأخذ بهذا الأسلوب أن يلقى القبض على جميع الإخوان، ويجري معهم التحقيق ويودعوا السجون حتى يحاكموا أمام القضاء الذي يقضي بمعاقبتهم بالسجن والغرامة، وإذا قضوا العقوبة وعادوا إلى نفس الأسلوب فإن العقوبة تضاعف، وما دامت التي لطخت ثيابها ستعوض ثمن هذه الثياب مضاعفًا من جيوب الإخوان ثم ترى الذي لطخ ثيابها قد أودع السجن فما الذي يمنعها من لبس ما كانت تلبسه؛ وإذن فلا جدوى من وراء هذا الأسلوب في ردع المتبرجات وكل الذي نجنيه هو إلقاء شبابنا في السجون وتعطيلهم عن الدراسة، وقد يكون في تلك الأحكام قضاء على مستقبلهم.

أما موضوع فلسطين فكان الأستاذ المرشد قد اتصل في شأنه بالسيد أمين الحسيني مفتي فلسطين، فرد على الأستاذ المرشد بخطاب قرأه علينا في هذا الاجتماع، وفيه يقول سماحة المفتي: "إن المجهود الذي يبذله الإخوان في الدعاية لقضية فلسطين في مصر هو القدر المطلوب والذي نحن في أمس الحاجة إليه ولا يستطيعه غيرهم، ولسنا في حاجة إلى متطوعين".

استمرت تلك الفتنة منذ أن بدأت في نفوس أصحابها وحتى انتهائها ما يزيد على ستة أشهر وكان من نتائجها:

1- توقف نشاط الدعوة وشغلها عن أهدافها وأعمالها ما يقارب نصف العام أو يزيد، وقد بدا ذلك واضحًا من مطالعة جريدة الإخوان المسلمين في تلك الفترة.

2- خروج بعض الإخوة الأعزاء من الصف فقد خرج الأخ محمد عزت حسن وقد كان من أخلص الإخوان، وكان من الثلاثة الذين قاموا بزيارة الأستاذ عمر التلمساني المرشد الثالث ودعوته إلى الإخوان.

وكذلك خرج الأخ أحمد رفعت والذي ذهب بمفرده للجهاد لفلسطين فلقي مصرعه على يد المجاهدين الفلسطينيين، لأنهم شكوا فيه وعدوه جاسوسًا، وقد حذره الإمام من ذلك المصير وعرض عليه توصيله للمجاهدين ولكنه رفض.

3- خسارة جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية حيث استقل بأمرها الأخ محمد الشافعي وذلك بأن استغل تنازل الإمام الشهيد عن حق الامتياز له مع بداية السنة الخامسة.

وقد نشرت مجلة النذير قرارات فصل هؤلاء الإخوة فجاء فيها:

1- قرر مكتب الإرشاد العام فصل الأخ محمد أفندي عزت حسن من مندوبية القليوبية وبذلك زالت عنه صفة عضوية المكتب، كما قرر انتداب الأخ عبد اللطيف أفندي عفيفي المدرس ببنها مندوبًا عامًا بها.

2- وقرر كذلك إيقاف الأخ حسن السيد عثمان أفندي من عضوية المكتب كذلك ومن الكتيبة الأولى.

3- وقرر الأستاذ المرشد تنحية الأخوين صديق أمين أفندي وأحمد رفعت أفندي عن معسكر الكتيبة الأولى وذلك لاتجاههما اتجاهات تخالف فكرة الإخوان، وبذلك صار هؤلاء الإخوان مسئولين عن تصرفاتهم ولا يمثلون الجماعة في شيء منها حتى يصدر بشأنهم قرار آخر.

وحينما حدث فتنة شباب محمد عام 1940م شارك فيها أيضا الأستاذ محمد عزت حسن لكن بعد انقضاءها وخروج بعض الإخوة من الصف لم يعلم احد عن الأستاذ محمد عزت حسن شئ.

المراجع

1- جريدة الإخوان المسلمين الثلاثينيات: السنة الأولى، العدد 16 الخميس 13رجب 1352هـ / 1 نوفمبر 1933م.

2- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

3- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الأول، دار الدعوة، 1998م.

4- جريدة الإخوان المسلمين: السنة الخامسة ،العدد 23 – 29رمضان 1356هـ / 12 نوفمبر 1937م.

5- مجلة النذير: السنة الأولى، العدد 2 – 6ربيع ثان 1357هـ / 7 يونيو 1938م.


للمزيد عن الإخوان في القليوبية

ملفات ومقالات متعلقة

أهم أعلام الإخوان في القليوبية

تابع أعلام الإخوان بالقليوبية

وصلات فيديو

.