مشروع (الشرق الأوسط الكبير) ورؤيتنا للإصلاح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مشروع (الشرق الأوسط الكبير) ورؤيتنا للإصلاح
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

مشروع (الشرق الأوسط الكبير) ورؤيتنا للإصلاح

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم.. يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88)، وبعد:

فلقد انتهزت الإدارة الأمريكية فرصة وقوع حادث 11 من سبتمبر 2001م، وما واكبه من فجيعةٍ وحزنٍ داخل المجتمع الأمريكي، وذهولٍ واضطرابٍ على المستوى الدولي، وانطلقت في توظيف الحدث لتنفيذ مخططاتها- المعدة سلفًا- والرامية إلى السيطرة والهيمنة على العالم، وإخضاعه لتوجهاتها، وإقامة الإمبراطورية الأمريكية، وتعزيز مكانتها كقطب أوحد لا يُنازعها فيه أحد.

وفي سرعةٍ تُحسد عليها، وعبر صيحاتٍ التهديد والوعيد، أعلنت الإدارة الأمريكية بداية حرب (صليبية) جديدة ضد مَن أسمتهم بـ"الإرهابيين"، وأنها غير مهتمة بتقديم مَن قاموا بحادث 11 من سبتمبر إلى العدالة؛ وإنما تريد إقامة حرب لا هوادةَ فيها مع الإرهاب، وتَتَبُّعِهِ في كل مكان لاستئصال شأفته واجتثاثه من جذوره، وأنها لا ولن تتوانى في إيقاع أقصى العقوبة- ولو تطرق الأمر إلى حرب- ضد مَن يُساعد الإرهابَ أو يؤيه.

واختارت الإدارة الأمريكية أفغانستان لتبدأ حملتها ضد الإرهاب (المزعوم)، فقامت بغزوها، واحتلالها، وأقامت فيها حكومة موالية لها، وزرعت في المناطق المجاورة لها قواعد عسكرية دائمة على مقربة من إيران والصين والهند ودول القوقاز (حيث احتياطي النفط الكبير).

وكانت العراق- حيث يوجد بها أكبر احتياطي نفط في العالم- هي المحطة التالية، فغزتها واحتلتها، وأقامت بها هي الأخرى قواعد عسكرية تتحكم من خلالها في منطقة الشرق العربي والإسلامي، وتعزز من تواجدها العسكري في الخليج، وتؤمِّن دولة الكيان الصهيوني في مواجهة إيران وسوريا، ومصر أيضًا، وقد تمَّ ذلك دون إرادة المجتمع الدولي كله، وأعادت الإدارة الأمريكية العالم بذلك إلى شريعة الغاب، وأن القوي هو الذي يحكم، وهو الذي يفرض إرادته وقوانينه.

وإزاء تلك الأحداث الجسام كان موقف الحكومات والأنظمة العربية غريبًا وعجيبًا، متراجعًا وسلبيًّا، فالتهديد الأمريكي بتصدير النموذج العراقي إلى كافة الأنظمة العربية قد أصابها بالخوف والفزع، وبدلاً من اللجوء إلى الشعوب والتصالح معها، ومعاملتها بما يتناسب ومكانتها وقدرها، إذْ بها تُدير ظهورها لها، بل يسعى بعضها إلى استجلاب رضا الإدارة الأمريكية، أو غض الطرف عمَّا فعلت- وتفعل- اتقاءً لشرها وهروبًا من بطشها.

وفي الوقت ذاته كان "شارون" وآلته العسكرية الباطشة تقوم- وبدعمٍ كاملٍ من الإدارة الأمريكية- بعملياته الإجرامية، ومجازره الوحشية ضد شعب فلسطين، في محاولةٍ منه لقمع وإنهاء المقاومة الباسلة، وكسرِ إرادة الشعب الفلسطيني البطل.

المقاومة تشتد

وعلى غير ما توقع المحتل الغاصب اشتد ساعد المقاومة في أفغانستان والعراق، وبدأت الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق من خلال قتلاها الذين يتوافدون عليها يوميًّا، وأنها غير قادرة- رغم أعمال القمع والاعتقال- على إيقاف المقاومة أو الحد منها، ومما زاد من القلق أن الرئيس "بوش" مقدم في نهاية هذا العام على انتخابات الفترة الثانية له؛ وهو ما يمثل توقيتًا حرجًا، خاصةً أن أعداءه الديمقراطيين بدءوا في تأليب المجتمع الأمريكي عليه من خلال إثارةِ شبح حرب (فيتنام)، وما لقيه الأمريكيون هناك.

أيضًا أدَّت أعمال المقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة إلى تكبيد العدو الصهيوني خسائر في الأرواح، وتراجع في الاقتصاد، واهتزاز في النظرية الأمنية له، والهجرة العكسية، فضلاً عن فشل مشروعه الذي رَاهَنَ عليه.

وقد واكَبت الأعمالَ العسكريةَ الباطشةَ- بالنسبة لأفغانستان والعراق وفلسطين- سياساتٌ وإجراءاتٌ أخرى تجاه بقية الدول العربية والإسلامية في شكل تدخلٍ سافرٍ من الإدارة الأمريكية بإغلاق المدارس الدينية، وتطوير المناهج الإسلامية، وتغيير الخطاب الديني والثقافي بما يتلاءم مع المصالح الأمريكية، وبما يقضي- حسب زعمهم- على المناخ الذي يعمل على تفريخ الإرهاب، وللأسف تجاوبت حكومات وأنظمة الدول العربية والإسلامية لهذه المطالب التي تعد- بحق- انتقاصًا لسيادتها وإساءةً لكرامتها.

لكن الشعوب العربية والإسلامية كان لها موقف آخر؛ فقد أعلنت رفضها الكامل عبر المسيرات الضخمة والمؤتمرات الحاشدة لكلٍّ من المشروعين الأمريكي والصهيوني، ولم تزدها أعمال القمع الأمريكي والصهيوني إلا كراهيةً وازدراءً لها، وتعاطفًا كاملاً مع المقاومة.

مشروع (الشرق الأوسط الكبير)

وفي إطار البحث عن طريقة لفرض الوصاية أو العودة لعهود الانتداب من جديد بشكلٍ كاملٍ وشاملٍٍ، تفتق ذهن الإدارة الأمريكية عن مبادرة قديمة جديدة، أُطلق عليها مشروع (الشرق الأوسط الكبير)، الذي يَعُدُّ الكيان الصهيوني إحدى ركائزه الأساسية، وقد اتخذت الإدارة الأمريكية مسألةَ الاستبدادِ والطغيان وسحق الكرامة الإنسانية للمواطنين في العالم العربي والإسلامي، والعصف بحقوقهم القانونية وحرياتهم العامة، وشيوع الفساد، والتخلف الحضاري، وانتشار الفقر، وقلة الإنجازات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وما أدَّت إليه من أزماتٍ ومشكلاتٍ في التعليم والصحة والإسكان والبطالة... إلخ، نقول: اتخذت هذا كله مبررًا لإطلاق هذه المبادرة التي تضمنت محاور ثلاثة رئيسية، هي:

- تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.

- بناء مجتمع معرفي.

- توسيع الفرص الاقتصادية.

ونسيت- أو تناست- الإدارةُ الأمريكية أنها الداعمة القوية لكل صنوف الديكتاتورية والاستبداد، وأنها تخطط دائمًا لبقاء الدول العربية والإسلامية في عزلة عن العلم والتقدم، وأنها تستغل الظروف الاقتصادية المتردية لهذه الدول لمزيد من التبعية لها، والدوران في فلكها.

وقد تمَّ توزيع هذه المبادرة على الدول الصناعية الثمانية، بهدف إضافة بُعدٍ دولي لها؛ لإسقاط الحساسية والشكوك التي تكونت لدى الشعوب العربية والإسلامية تجاه الإدارة الأمريكية من جانبٍ، ولتوسيع وإشراك أكبر قدر من القوى الدولية في خط مواجهة واحد ضد الإرهاب المزعوم من جانب ثانٍ، ولإحكام الحصار على الدول العربية والإسلامية من جانب ثالثٍ، فلا تجد مناصًا من قبول المبادرة والإذعان لها، وسوف تتخذ الدول الصناعية الثمانية في يونيو المقبل موقفًا موحدًا من حيث الإشراف والتنفيذ، إزاءَ هذه المبادرة على أساس أن المنطقة العربية والإسلامية– بوضعها وتكوينها الحالي- تمثل مصدر خطرٍ عليهم، وبالتالي من حقهم التدخل فيها لإعادة صياغتها وتشكيلها- نُظُمًا ومجتمعاتٍ- للقضاء على هذا الخطر الذي يتهددهم، ومن نافلة القول التذكير بأن هذه المبادرة يجب ألا تشغلنا وتصرف أنظارنا عما يجري في فلسطين والعراق وأفغانستان.

موقفنا من المبادرة

إن مسألة التحديث والإصلاح على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي لابد وأن تنبع من داخل الشعوب العربية والإسلامية.

أولاً: حتى تكون متسقةً ومتوافقةً مع هوية الأمة وخصوصيتها الثقافية وميراثها الحضاري.

ثانيًا: لضمان ديمومتها واستمرارها.

ثالثًا: كي نَدرأ عن أنفسنا مَغبَّة التدخل والوصاية، وفرض قيم تهدد أمننا واستقرارنا.

ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية ماضيةٌ في طريقها في التدخل والوصاية؛ وهو ما يستلزم وقفةً جادةً من الأنظمةِ الحاكمةِ، ومؤسساتِ المجتمع المدني والأحزاب والقوى السياسية والشعوب.. فالأمر جدٌّ لا هزلَ فيه، وإذا لمْ نأخذ بزمام المبادأة ونُسارع بإجراءات إصلاح حقيقية، ومواجهة ما يحدث- وما سوف يحدث- بروح التحدي والإصرار والمقاومة فسوف يجرفنا الطوفان.

والواقع أنه لم يعد هناك خيار، فهذه مرحلةٌ فاصلةٌ في تاريخ أمتنا، ولم يعد هناك وقت للمناورة أو المراوغة، أو استجلاب رضا الإدارة الأمريكية، فإما أن نكون أو لا نكون، وإذا كانت الإدارة الأمريكية تهدد أو تلوح بضرب بعض الأنظمة أو فرض عقوبات عليها- دون خجلٍ أو حياء- فإنَّ على الأنظمة أن تحسم أمرها بالانحياز إلى الشعوب والتصالح معها، فهي الملجأ والملاذ، وهي صمام الأمن والاستقرار، وهي القادرة- بفضل الله ثم بما لديها من طاقات وإمكانات- على الخروجِ من المأزقِ ومواجهة التحديات.

لذلك نقول: لا مناصَ من إصلاحٍ سياسيٍّ كاملٍ وشاملٍ.. من ديمقراطية حقيقية (بمفهومها الإسلامي) تنبع من الشعوب ذاتها، وبقناعةٍ من الأنظمةِ الحاكمةِ في أحقية هذه الشعوب في أن تُعاملَ المعاملةَ الكريمة اللائقة بها، فقد آن لأمتنا أن تتبوأ مكانتها بين الأمم؛ ولكي تتحقق فيها الخيرية التي تحدث عنها القرآن: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران: 110)، وكفى ما تُعانيه هذه الأمة من تخلف وأزمات متعددة وإخفاقات في ميادين شتى.

ويسعى (الإخوان المسلمون) إلى قيام نظام سياسي يضمن تحقيق مبدأ التكريم الإلهي للإنسان، ويحفظ حقوقه وحرياته، ويوجه الجهود لبناء مؤسسات الحكم بما يحقق لها الاستقامة والفاعلية، كما يضمن النزاهةَ والحرية لعمليات انتخاب الحاكمين وحسن مراقبتهم خلال الفترة الموقوتة لحكمهم؛ اعتمادًا على أسس دستورية تضبط مسار الحكم، وتضمن سلامته وإحكام إدارته، وتداول سلطته وانتقالها بصورة سلمية.

الإصلاح الاقتصادي

أما ما يخص الإصلاح الاقتصادي، فإنه من المعلوم أن المال هو (عصب الحياة)، وأن الاقتصاد ركن أساسي من أركان الدولة، ومن الصعوبة بمكانٍ أن يقوم الاقتصاد بدوره الفعال في النهضة والتنمية الشاملة في ظل نظريات اقتصادية غريبة عن المجتمع وهويته وثقافته.

وعليه، فلابد من برنامجٍ منطلِقٍ من مبادئ الإسلام وقيمه، ويُعبئ طاقات الشعب الروحية وقواه الاجتماعية، ويتبنى سياسات اقتصادية جادة وجريئة تعتمد الواقعية، وتحقق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، وبين الاستثمار والادخار، وبين الصادرات والواردات، وتأخذ في الحسبان مرحلة التطور الاجتماعي والاقتصادي، والإمكانات المتاحة للمجتمع من أجل التغيير المنشود، وتحقيق السلام الاجتماعي والرفاه الاقتصادي، والاستقرار السياسي، ولا شك أن التكامل الاقتصادي بين مصر والدول العربية والإسلامية يُعدُّ أحد الأسباب المهمة في نهضة الأمة ورقيها.

الإصلاح الاجتماعي

ويقوم الإصلاح الاجتماعي على تحقيق الربانية والتدين في المجتمع، والحفاظ على الآداب العامة وتعزيز مؤسسات النظام الاجتماعي، ورعاية الأسرة (المرأة والشباب والطفولة)، ومحاربة الجرائم والفساد، وإحياء نظام الحسبة، وإقامة العدل الاجتماعي وتوفير العمل والكسب، وإصلاح التربية والتعليم، والعناية بالصحة العامة، وتوجيه الإعلام والفن، وتنظيم السياحة والاصطياف (حول أساسيات المشروع الإسلامي لنهضة الأمة).

هذه إشارات مجملة، سوف يتبعها تفصيل- بإذن الله- والله الموفق والمستعان إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

القاهرة

في (13 من المحرم 1425هـ

3 من مارس 2004م)