مطلوب إلغاء النصوص الخادعة في الدستور

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مطلوب إلغاء النصوص الخادعة في الدستور



قد يتعجب البعض من عنوان المقال الذي يدل على وجود نصوص في الدستور المقصود بها خداع الشعب لأن الدستور بماله من قدسية واحترام في نفوس الناس يجب أن يكون مبرءاً من ذلك وهو الذي وضع لصون الحقوق والحريات والمحافظة على الأموال ، ولكن المطلع على الدستور المصري يجد فيه بعض النصوص التي لا يمكن أن توصف بغير هذا الوصف ، فهل يمكن لأحد أن يدلني على وصف ممكن أن ينطبق على المادة 87 من الدستور الذي تنص على أن ( يحدد الدستور الدوائر الانتخابية التي تقسم إليه الدولة ، وعدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين ، على ألا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضواً ، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين .... ويبين القانون تعريف العامل والفلاح .... ) .

ودعنا نتوقف عند الفقرة الخاصة بأن عدد أعضاء مجلس الشعب لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضواً نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ، أي أن نصف أعضاء المجلس يجب أن يكون من العمال والفلاحين وألا تزيد عن ذلك لأن المحظور هو النقص وليس الزيادة ويمكن لدائرة من الدوائر مثلاً أن يمثل الدائرة عضوان من العمال والفلاحين أو من العمال فقط أو الفلاحين فقط ، ولكن لا يمكن أن يمثلها عضوان من الفئات ، واعتقد أنه لو جاز الطعن بعدم الدستورية على نص في الدستور لجاز الطعن على هذا النص لأنه يقنن تميزاً أو فئتين من الشعب على باقي الفئات ، ويتعلل المسئولون عن وضع هذا النص في الدستور والدفاع عن بقائه بأنه من مكاسب العمال والفلاحين التي ينبغي الحفاظ عليها وعدم المساس بها ، والسبب في ذلك أن وجود ممثلين لهاتين الفئتين في المجلس بهذا العدد يضمن لهما وهما الفئتان الضعيفتان في المجتمع الدفاع عن مصالحهما في المجلس فلا تصدر القوانين التي يمكن أن تنال من حقوقهما ، والحقيقة أن وجود هذا النص ليس لمصلحة العمال والفلاحين والدفاع عن مصالحهم بقدر ما هو في مصلحة القائمين على الحكم الذين يريدون أن يضمنوا في المجلس أغلبية تمكنهم من إنفاذ رغباتهم وإصدار التشريعات التي تحقق مصالحهم والدليل الكبير على ذلك أن كل الدنيا بها عمال وفلاحين بأعداد تكاد تفوق الأعداد الموجودة عندنا ولا يوجد بها نص مماثل في دستورها ولا يمكن أن تكون هذه البلاد بنظمها المختلفة رأسمالية واشتراكية أقل حرصاً على حقوق العمال والفلاحين منا ، ثم من قال أن العمال والفلاحين أقدر من غيرهم على الدفاع عن مصالحهم فإن صاحب المصلحة كثيراً ما يعجز عن الدفاع عن مصلحته فيلجأ إلى غيره لكي يجد الحل عنده ، وطبقاً لهذا المنطق فإنه يجب تخصيص نسبة في المجل لكل فئة من الشعب الأطباء ، المهندسين ، المحامين ... على سبيل المثال . وهذا المنطق بدأ يشيع ، كثيراً هذه الأيام فنجد من يقول أنه يجب تحديد نسبة للمرأة وأخرى للأقباط والبقية تأتي وهذا تقسيم غير لائق لفئات الشعب لا اعتقد أن هناك بلد يحرص على مصالحه يمكن أن يقره ، لأننا جميعاً نعيش في وطن واحد مصالحنا إن لم تكن واحدة فهي متداخلة ومتشابكة لا يمكن الفصل بينها والإخلال بأي مصلحة يؤثر على مصالح باقي فئات الشعب ، هل يمكن لعاقل أن يقول أن متاعب العمال والفلاحين لا تنعكس على باقي فئات الشعب ، ألا تنعكس متاعب الفلاحين من غلاء أسعار السماد والحبوب وأدوات الإنتاج على باقي فئات الشعب على شكل غلاء في الإنتاج الزراعي وأقوات الشعب ، ألا تنعكس متاعب العمال على باقي فئات الشعب على شكل غلاء في السلع والخدمات التي يقوم بها العمال فكيف يقال أن مشاكل العمال والفلاحين تشغل بالهم فقط وتستحوذ على اهتمامهم دون بقية فئات الشعب ولذلك يجب أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل منهم حتى يمكنهم الدفاع عن مصالحهم .

ما أحب أن يتأكد منه من يدافعون عن هذا المنطق هو أن العمال والفلاحين لا يشغلهم كثيراً ولا يستحوذ على اهتمامهم ولا يسعدهم أن تكون لهم الأغلبية في مجلس الشعب ، بل كل ما يشغلهم ويقض مضجعهم هو توافر وسائل الإنتاج وتحسين ظروف العمل وإيجاد الأسواق اللازمة لتصريف إنتاجهم ولذلك فإن إلغاء هذا المبدأ من الدستور لن يغضبهم ولن يثير حفيظتهم لأنهم لا يشعرون به أصلاً ولا يستفيدون منه وكل من يستفيد منه هو من يصل إلى المجلس عن طريقه وهو غالباً لا سلة له بالعمال الكادحين والفلاحين المعدمين بل قد يكون هو أحد المستغلين لهم والمستفيدين من المتاجرة بمصالحهم ، ولذلك فإن من يعارض إلغاء هذا المبدأ بحجة عدم المساس بمكاسب العمال والفلاحين هو من تجار الشعارات التي لا تفيد إلا من يدافع عنها فقط .

المبدأ الثاني الذي يحتويه الدستور ويدخل ضمن النصوص الخادعة التي يجب التخلص منها هو مجانية التعليم في مراحله المختلفة المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور والتي تنص على أن : ( التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجاني في مراحله المختلفة ) ، هذا المبدأ على جماله وروعته واتفاقه مع مصالح الفقراء ممن يرغبون في التعليم ولا طاقة لهم بتكاليفه لديهم الاستعداد لتلقيه والنبوغ فيه وهو ما استفادت من الأجيال الماضية ومنهم جيلي والذي يعود الفضل فيه إلى أديبنا الكبير المرحوم الدكتور / طه حسين ، هذا المبدأ قد أصبح اليوم بلا فاعلية وعبء على الدولة ومساهمة في تأخر التعليم الذي هو أساس التقدم والرقي في العالم كله ، والذي لا يمكن تصور إي نهضة لا تقوم عليه ، وقد تعالت الأصوات مطالبة إما بإلغائه أو على الأقل الحد منه عن طريق تحديد نطاقه ، فإذا كان لازماً في المرحلة الابتدائية من أجل القضاء على الأمية التي أصبحت عاراً على شعب مصر أن يوجد به هذا العدد من الأميين في عصر العلم والتقدم فإن أحداً لا يمكن أن يقول أنه لازم فيما عدا ذلك من المراحل وخاصة المرحلة الجامعية التي تخرج لنا المتخصصين من العلماء والباحثين والتي لا يجب أن يصل إليها إلا صفوة الطلاب الراغبين في العلم القادرين على البحث الجادين في تحصيله وهؤلاء لا يمكن أن يمنحوا المجانية بشرط المحافظة على تفوقهم أما من عدا ذلك من القادرين الذين يرغبون في التعليم العالي متوسطي المواهب وهم الغالبية فيجب دفع مصاريف تعليمهم بل والمساهمة في تعليم المتفوقين ، أما أن يظل الوضع على ما هو عليه الآن وتدفع الدولة المصاريف للجميع ويترتب على ذلك خفض مرتبات القائمين عليه والسعي إلى زيادة دخلهم عن طريق الدروس الخصوصية والكتب الخارجية التي أصبحت عبء على كل إنسان في مصر مهما كان دخله ونظل بعد ذلك نتشدق بأن التعليم لدينا مجاني فهذا يدخل في باب الخداع وعدم الرغبة في الإصلاح .

نتحدث كثيراً عن إصلاح التعليم في مصر وتعطينا كل حكومة أمل في أن من أول برامجها هو إصلاح التعليم ثم تمضي هذه الحكومة وتأتي حكومة أخرى غيرها وتعلق ذات الشعار وهكذا دون أن يجد لذلك نتيجة وتتفاقم المشكلة حتى أصبحت مستعصية على الحل لأنه كل مشكلة في الدنيا تبدأ بسيطة ثم بمرور الزمن تكبر وتتعقد حتى تبدو لنا لا حل لها أن المشكلة مرض اجتماعي مثله مثل المرض العضوي قد يشفيه في بدايته عليه من الدواء فإذا ألم يتم الإسراع علاجه حار الأطباء فيه ، واعتقد أن علاج مشكلة التعليم وإن كان صعباً إلا أنه لم يصل بعد إلى مرحلة الاستعصاء على الحل .

المشاكل الاجتماعية بصفة عامة ومنها مشكلة التعليم من المشاكل التي توجد في كل مجتمع على اختلاف درجاتها وظروف كل مجتمع ، ومنا بالطبع مجتمعات ظروفها قريبة من ظروفنا وتتشابه معنا في إمكانياتها وبعضها قام بحل هذه المشكلة ويمكن لنا أن نستشهد ونسترشد ونستفيد من الحول التي ساعدتهم على الخلاص فهل المهم أن نصدق العزم ونحسن النوايا والرغبة في الحل وألا تضع كل حكومة سياسة لًلاح لا تكاد تبدأ فيها إلا وتتغير وتأتي حكومة أخرى تعدل من هذه السياسة وترسم سياسة جديدة تتناقض مع السياسة الأولى وتبدأ في تطبيقها من جديد ، هل تلغي الصف السادس الابتدائي أن تبقي عليه قثم تلغيه ثم تعيده كما لو كان مستقبل الأجيال ألعوبة في يد المسئول ، ومن أهم الأمور التي تساعد على الإصلاح الاسترشاد يتاجر الآخرين والاستفادة بخبراتهم في ذلك مع عدم انفراد الحكومة بالحل بل تشارك فيه الفئة المعنية به والقائمين عليه والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم حتى تأتي مشروعات الإصلاح مدروسة متقنة وتصبح بعد ذلك خطة عامة لذلك خطة عامة للدولة تلتزم بها الحكومات المتعاقبة مهما اختلف شخص القائم عليها لأنه ليس رأياً شخصياً للمسئول يمكن أن عول عنه من يتولى بعد ذلك هي خطة للدولة كشخص اعتباري لا يمكن أن يقول عنها أو أن يقول فيها إلا إذا تبين خطأ فيها وبعد ذلك أن نسلك نفس السبيل ونبذل نفس الجهد الذي بذل في وضع الخطة نفسها.

هذه بعض النصوص الخادعة التي أردت أن أضعها أمام الراغبين في الإصلاح حتى تكون محل اعتبارهم عند إجراء التعديل في الدستور الذي يحقق لمصر التقدم والرخاء الذي نأمل فيه.