موقف الإخوان المسلمين من الدولة الدينية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
موقف الإخوان المسلمين من الدولة الدينية


إعداد:موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

مقدمة

إن مصطلح " الدولة الدينية " تمت صياغته لإخافة الناس من الحركة الإسلامية، رغم أن التعبير باللغة العربية لا يعني ذلك ، ولكن تم إلحاق تعبير الدولة الدينية بمعنى الدولة الثيوقراطية التي تحكم بالحق الإلهي المطلق، حيث يزعم الحاكم أنه يحكم نيابة عن الله، وأنه مفوض منه.

والدولة الدينية بهذا المعنى لا توجد أصلاً في الإسلام، وهي نموذج غريب على الخبرة التاريخية الإسلامية. لذا أصبح مصطلح الدولة الدينية محملاً بمعاني لا تحتملها اللغة، ولا ترتبط بالمشروع الإسلامي، ولكن تم صياغة هذا المصطلح لتكوين صورة سلبية يتم إلصاقها بالمشروع الإسلامي، حتى يحاصر بمعان سلبية، وتدخل الحركات الإسلامية في دائرة الدفاع عن مشروعها.

وقصد أيضًا من هذا المصطلح اتهام مَن يدعو إلى دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية بأنها سوف تماثل الدولة القائمة على الحكم بالحق الإلهي أو التفويض الإلهي، حتى يتكون لدى الناس أو بعضهم أن تلك الدولة تمثل نوعًا من الاستبداد(1).

مفهوم الدولة الدينية

الدولة الدينية في النظريات السياسية (2)

الدولة الدينية هي الدولة التى تستمد مرجعيتها لفكرة دينية غيبية مفادها تلقى الأحكام والتشريعات عن الإله، وقد ظهرت نظريات فى النظم السياسية تتناول فكرة السيادة الإلهية التى اعتمدت عليها الدولة الدينية كمرجعية لها ، و راجت هذه النظريات فى أوربا فى العصور الوسطي ، وهى :

نظرية الطبيعة الإلهية للحكام

وتقوم هذه النظرية على أن الحاكم هو الإله ، أو هو إله من الآلهة ، وقد سادت هذه النظرية قديما عند الآشوريين والبابليين ، والفراعنة المصريين على نحو ما نجد فى القرآن الكريم فى قصة نبي الله إبراهيم مع الملك الذى ادعى الألوهية وأنه يحيى ويميت ، وكذلك فرعون مصر ، وسادت فكرة إلهية الحاكم قديما عند اليونان فى أوربا، وكان هذا التصور للحكام سائدا فى الصين واليابان حتى الحرب العالمية الثانية .

نظرية الحق الإلهي المباشر

ومفادها أن الله اختار بنفسه الحكام وأعطاهم السلطة ، فالحاكم بشر، لكنه يستمد سلطته مباشرة من الله ، فهو الذى اختاره دون غيره ، لذلك فإن سلطة الحاكم على شعبه مطلقة لا قيود عليها وبالتالي فهو لا يسأل إلا أمام الله وحده .

وقد سادت هذه النظرية فى فرنسا فى القرون الوسطي ، وأدى إلى تدعيمها ما كان يمارسه ملوك فرنسا من استبداد وتسلط وقهر ويتضح ذلك من القول المأثور فى التاريخ السياسي الفرنسي " ملك فرنسا لا يستمد ملكه إلا من الله وسيفه".

وأصبحت السلطة الدينية فى أوربا فى العصور الوسطي للبابا فى الكنيسة، أما السلطة والملك فهو للحكام الذين اصطفاهم الله عز وجل فى أرضه .واشتهرت المقولة المنسوبة إلى المسيح : ( أعط ما لقيصر لقيصر و ما لله لله ).وترتب على ذلك انتفاء مسئولية البابا والملك أمام المحكومين ، ولا يسألون إلا أمام الله . .

نظرية الحق الإلهي غير المباشر

هذه النظرية تقر ببشرية الحكام فلا يتميزون عن سائر المحكومين من حيث الطبيعة ,غير أن الحكام يتميزون عن غيرهم ـ وفقا لهذه النظرية ـ للصلة التي بينهم وبين الله , وإن كانت هذه الصلة لم تعد تتمثل في الاختيار المباشر, وإنما مرد هذه الصلة إلي أن السلطة مصدرها الله عز وجل ,وأن الشعب يختار الحاكم بهداية من الله سبحانه ولكن بطريقة غير مباشرة.

وتهدف هذه النظرية إلى إرجاع أساس السلطة ومصدرها إلي الله عز وجل. وتمسك بهذه النظرية رجال الدين المسيحي في القرنين السادس عشر والسابع عشر فى أوربا ، ومن أنصار هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي (دي بونال) ، ولا يمنع- كما يري البعض- من الحكم المطلق أو الاستبدادي الذي يمكن أن يمارسه الحكام بعد اختيارهم,وذلك لأن الاختيار قد وقع بتوفيق الله , وهو صاحب السيادة ومصدر السلطات.

الانتقادات الموجهة إلى النظريات الدينية (3)

وقد وجّه المفكرون والشراح إلي هذه النظريات جملة من الانتقادات كان من أهمها ما يلي:

1-أن هذه النظريات ترتكز إلي دعوى لا دليل عليها ,وتفتح الطريق أمام الحكام المستبدين لمصادر حقوق الشعوب,والاستبداد بالسلطة,استنادا إلي هذه الدعوى.

2-أن هذه النظريات جعلت الحكام والطغاة المستبدين بمنأي عن المحاسبة والمسئولية,إذ إنهم لا يسألون إلا أمام الله وحده, وهو ما أدي بهذه النظريات إلي أن تكون ستار وتبريرا لكثير من البلاد التي أستند حكامها علي هذه النظريات.

3-أن هذه النظريات تضفي نوعا من القدسية علي الحكام المستبدين وتجعل طاعتهم بمثابة واجب ديني.

4-الأخذ بهذه النظريات يكرس للطغيان والتسلط,وهذا واضح من خلال عبارات الحكام والملوك الطغاة.

5-أن هذه النظريات قد حجبت الفكر الإنساني تماما.

6- أحدثت هذه النظريات فجوة كبيرة وصراعا مريرا في القرون الوسطي بين السلطة المدنية التي أخذت عن أراء وعقول المفكرين والفلاسفة وبين السلطة الدينية التي احتكرها الملوك و الباباوات,وانتهي ذلك الصراع إلي تغلب السلطة المدنية علي السلطة الدينية,وانقضي عصر نظريات السيادة الإلهية.

7- كان للكنيسة دور مهم ومصلحة كبيرة في الترويج لهذه النظريات التي سادت في أوروبا مع دخول المسيحية إليها,فكانت بحاجة إلي حماية الإمبراطور لها,فاتجه رجال الكنيسة إلي القول بأن"الإمبراطور يستمد سلطته من الله"وفي ذلك يقول القديس بولس "إن علي كل شخص أن يخضع للسلطة العليا لأن كل مصدرها الله ,ومن ثم فالسلطات القائمة تستمد وجودها من تفويض إلهي"

8- من الخطأ أن تسمي هذه النظريات بالنظريات الدينية لسببين:

أولهما : أن هذه التسمية لا تتطابق مع الترجمة الفرنسية لهذا الاصطلاح إذ أن الشراح الفرنسيين يعنون بها "النظريات التي ترجع أساس السلطة إلي الله ,وليس معني ذلك أنها مستمدة من الدين.

ثانيهما : أن هذه النظريات غير مستمدة من الدين ,ولا تستند في مضمونها أو في جوهرها إلي الدين , بل هي في الحقيقة ضد الدين تمامًا , وإنما أراد أصحابها أن يضفوا عليها قدسية فحاولها أن يصبغوها بالصبغة الإلهية أو الدينية.

9- تعد هذه النظريات ضربا شديدا من ضروب الاستخفاف بعقول البشر كما يحدث في كل وقت وحين,وقد اتحدت سلطة الملوك مع الكنيسة في بعض الوقت للقضاء علي أي سلطة شعبية تبرز الظهور.

10- دعوى استمداد السلطة من الله عز وجل ,أو تفويض الله للملوك في حكم البشر دعوة باطلة ,لأن الاتصال بالله عز وجل قد انقطع بعد موت آخر الأنبياء محمد صلي الله عليه وسلم فضلا عن أن هؤلاء الظلمة ليسوا أهلا-أصلا- كي يفوضهم الله في حكم البشر إضافة إلي إلحادهم وضلالهم.

الليبراليون يسقطون الحكم الدينى فى أوربا على الإسلام

الحاكم فى الدولة الإسلامية يحكم بالحق الإلهى

يسوق الليبراليون (4) اتهامات متنوعة للإسلام ودولته ـ مستغلين منابرهم الإعلامية ـ من خلال نظرتهم للدولة الدينية فى أوربا فى العصور الوسطي و إسقاطها على نظام الحكم فى الإسلام .ولذلك لا يريدون المرجعية الإسلامية للدولة لأنها فى زعمهم تصبح دولة دينية ، وبالتالي يجب تعديل المادة الثانية من الدستور المصري التى تنص على "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي فى التشريع " إلى : " الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي فى التشريع " (5) لإدخال مصادر أخرى مع الشريعة الإسلامية .

ترى هل الشريعة الإسلامية ناقصة لكي نكملها بغيره ؟ وما المذهب الكامل الذى يكمل نقص الشريعة ؟ .وتارة تجدهم يقولون إن الحكم فى الدولة الإسلامية كان حكمًا دينيًا على منوال حكم الكنيسة فى أوربا التى مارست فيه الظلم والاستبداد باسم الدين المسيحي ، لذلك ثار الناس على الحكم الدينى ،وطالبوا بعلمانية الدولة أي الفصل بين الدين والحكم .

وأخذ الليبراليون يرددون أن الخليفة كان يمثل الحاكم الذى يحكم بأمر الله ، و لا مجال لمناقشته ،لأن حكمه مقدس لا يراجع ، وكان يمارس الاستبداد والظلم باسم الدين على حد تعبيرهم حتى إن أحدهم يقول : الإسلام عرف الدولة الدينية بمعنى السلطان الذى يحكم بالحق الإلهى ،وإلا فما معنى كلمة عثمان بن عفان عن " السروال الذى ألبسنيه الله" ومعاوية سلطان الله على الأرض هو وكل الأمويين والعباسيين يرددون ذلك ، و لم يطبق الإسلام فى التاريخ الإسلامى إلا فى عشرين أو خمس وعشرون سنة ، فهذا ليس ميزة ولا حجة (6) !! ( ).

ويقول آخر " ونلاحظ هنا أن أبا بكر لم يقل إنه خليفة الله، ولم يتحدث عن حق إلهي فى الحكم، بل أكد أنه مجرد واحد من الناس وليس أفضلهم.. هذا المفهوم الديمقراطي الذى هو جوهر الإسلام سيستمر سنوات قليلة ثم يتحول إلى مفهوم آخر مناقض يعتبر الحاكم ظل الله على الأرض. فيقول معاوية بن أبى سفيان:الأرض لله وأنا خليفة الله فما أخذت فلي ، وما تركته للناس بفضل منى.

ويقول أبو جعفر المنصور العباسي: أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة (حماة) نحكمكم بحق الله الذى أولانا وسلطانه الذى أعطانا، وأنا خليفة الله فى أرضه وحارسه على ماله...

ويقول عبدالملك بن مروان وهو يخطب على منبر النبي : والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه.

انقلب المفهوم الديمقراطي الذى يمثل جوهر الإسلام إلى حكم بالحق الإلهي يعتبر المعترضين عليه كفاراً مرتدين عن الدين يجب قتلهم (7).

وهكذا نجد أقوالهم تدور فى هذا الفلك ، ومعنى ذلك أن الحكم الإسلامى لم يستمر سوى عشرين أو خمس عشرة سنة أن الدولة بعدها أصبحت علمانيا لا تحكم بالإسلام ، وأصبحت الغاية فيها تبرر الوسيلة وفقا للميكيافلية ، وهذا غير صحيح.

العلمانية طريق الخلاص من الدولة الدينية

ولذلك يزعمون لضرورة تفادى قيام دولة دينية ـ فى مصر وغيرها من البلاد ـ على منوال الدولة الدينية فى أوربا، وما خلفته من ديكتاتورية واستبداد أن ننزه الإسلام فى نقائه وصفائه بعيدا عن السياسة ، فيقول أحدهم  : فالله ليس له دخل بالخلافات السياسية وهى كلمة أدافع بها عن قدسية الله وأنزهه عن النزول إلى معترك السياسة... من قتل ابن المقفع هو نصيحته مجرد نصيحته فى كتاب لظل الله على الأرض ( يقصد الخليفة ) !!!

ما سينقذنا هي العلمانية التى هي ليست ضد الدين ، ولكنها هي ضد حكم رجال الدين ، وهى ليست ضد النصوص الدينية ، ولكنها ضد التفسيرات المستبدة لهذه النصوص (8) .

ولذلك فإنهم وفقا لتلك الآراء الخاطئة يدعون بعد ثورة 25 يناير فى مصر إلى دولة مدنية ذات مرجعية علمانية . وهم فى آرائهم تلك يثبتون جهلهم بالثقافة الإسلامية والتاريخ والحضارة الإسلامية.

ويوجه الأستاذ عمر التلمساني إليهم السؤال التالي  : " كان جديرًا بكم أن تشرحوا للناس مفهومكم للحكومة التي تسمونها بالحكومة الدينية، وأنتم لا ينقصكم العلم والدراسة والكفاءة في الشرح والبيان.

هل تسمون كل حكومة تطبق شرع الله في عباده، حكومة دينية ؟! إذا كان هذا قصدكم لماذا لا تُفصحون عنه ؟؟ وأنتم لا تنقصكم الشجاعة الأدبية في شرح آرائكم وأهدافكم ومناهجكم ؟! قولوا لنا في وضوحٍ حتى نتنين ما عندكم، فلعلنا نقتنع أو نقنع، فنلتقي على أمرٍ سواء نسد به ثغرة من الثغرات المتفتحة على المسلمين من كل جانب" (9).

الدولة الدينية شعار لمحاربة الإسلام

الدعوة لمحاربة الإسلام قديمة تحت شعارات مختلفة

إن محاولة إدخال أفكار وافدة على الإسلام فى ظاهرها حب الإسلام تحت دعوات براقة لجذب الجماهير قديما ، وباطنها محاربة الإسلام ،ومنها : خروج عبد الله بن سبأ وأتباعه على الخليفة الراشد عثمان بن عفان بدعوى الحفاظ على الإسلام الذى ـ على حد زعمهم ـ شوهه عثمان بن عفان رضي الله عنه وابتدع فيه ، وهدفهم فى ظاهره الدفاع عن الإسلام ، وحقيقته محاربة الإسلام وهدم أركانه ، " وحاصره بعض المناوئين له في داره، وأرسل إليه الصحابة يعرضون حمايته وتفريق المجتمعين، فيأبى تاركًا أمره لبعض شعبه يفعل به ما يريد، هذا هو الحاكم المسلم الذي لا يستعدي بعض شعبه على البعض الآخر، مضحيًا بحياته فداءً لوحدة الأمة، وعدم التقائها بسيوفها من أجله" (10).

ولم ينقض القرن الثالث الهجري حتى ظهرت حركة القرامطة (11) ضد الخلافة العباسية ،و ظاهرها التشيع لآل البيت ( أي حب الرسول وأهل بيته ) والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، وحقيقتها الإلحاد والإباحية وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية.

هل تجد أكثر من ذلك ، يريدون أن ينشروا عقائدهم المنحرفة ليهدموا الإسلام تحت مسمى حب الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته ؟

حقيقة إن الدولة الإسلامية فى التاريخ الإسلامى واجهت أفكارا مخالفة للإسلام حُملت من الفرس واليونان على يد أبناء المسلمين أنفسهم فى ظل قوة الدولة وحضارتها الإسلامية ، ولا يوجد حركة فكرية من تلك الحركات التى أرادت أن تهدم الإسلام ادعى أصحابها صراحة خروجهم عن الإسلام ، بل كانوا يصرحون بأنهم مسلمون يخدمون الإسلام بأفكارهم حتى ينخدع الناس بهم ويتبعونهم فى ضلالهم . ولو صرحوا بخرجهم عن الإسلام لكان ذلك سببا فى انفضاض الناس من حولهم .

وقد سار رؤوس هذه الأفكار كلُّ يحاول اجتذاب الأنظار إليه عن طريق شعارات براقة تجذب الجماهير ، فكما سبق قامت حركة السبئية للحفاظ على الإسلام الذى ابتدع فيه عثمان رضي الله عنه ، والقرامطة ظاهرها التشيع لآل البيت..وغيرهم كثير فى التاريخ الإسلامى ، ولعل من يطالع كتاب " الفِصَل فى الملل والنِّحل والأهواء " لابن حزم الأندلسى ، و" الملل والنحل " للشِّهْرستانى يجد الكثير من تلك الحركات .

وفى عصرنا الحديث ظهرت نفس الحركات مع تغيير فى الأشخاص وتغير فى الأفكار ،والهدف واحد ظاهرها الدفاع عن الإسلام ، وحقيقتها محاربة الإسلام ، وجاءوا بأفكار جديدة بشعارات أخرى تجذب الجماهير تحت مسمى : الحرية .. حرية الفكر ..حرية الرأي ..حرية التعبير ..المساواة ..وغيرها من المسميات التى لا يختلف أحد عليها ودعا إليها الإسلام . لكنهم بهذه الشعارات يبثون أفكارهم المخالفة للإسلام وأفعالهم وسلوكهم يتناقض معها . وإذا ذهبت تعترض عليهم ، فأنت ضد حرية الفكر والتعبير ، وضد المساواة ..

تجربة رائدة : فى نقد الذات والرجوع إلى الحق

حقيقة ما يردده الليبراليون عن الدولة الدينية ردده خالد محمد خالد من قبل كتابه " من هنا نبدأ " ثم عاد ونقد رأيه واعترف بخطئه فى كتابه " الدولة فى الإسلام " فى وقت وجد من يناصره ويؤازره ، وتتابعت الصحف العربية والأجنبية تردد كلامه ،ومع ذلك يترك الشهرة الزائفة التى تبنى على باطل وتصادم الحق .

خالد محمد خالد والدولة الدينية

ولنستمع إلى خالد محمد خالد وهو يوضح الآراء التى نادى بها ثم رجع عنها وبين الخطأ الذى وقع فيه بقوله :

" في عام 1950 ظهر أول كتاب لي ، وكان عنوانه ( من هنا ... نبدأ ) ، وكان ينتظم أربعة فصول كان ثالثها بعنوان : ( قومية الحكم) ، وفى هذا الفصل ذهبت أقرر أن الإسلام دين لا دولة ، وأنه ليس في حاجة إلى أن يكون دولة ، ولأن الدين علامات تضيء لنا الطريق إلى الله ، وليس قوة سياسية تتحكم في الناس وتأخذهم بالقوة إلى سواء السبيل ما على الدين إلا البلاغ ، وليس من حقه أن يقود بالعصا من يريد لهم الهدى وحسن الثواب .

وقلت : إن الدين حين يتحول إلى حكومة فإن هذه الحكومة الدينية تتحول إلى عبء لا يطاق ، وذهبت أعدد يومئذ ما أسميته غرائز الحكومة الدينية ، وزعمت لنفسي القدرة على إقامة البراهين على أنها أعنى الحكومة الدينية في تسعة وتسعين في المائة من حالاتها جحيم وفوضى وأنها إحدى المؤسسات التاريخية التي استنفدت أغراضها ، ولم يعد لها في التاريخ الحديث دور تؤديه .

وكان خطئي أنني عمَّمتُ الحديث حتى قلت :

1 ـ إن غرائز الحكومة الدينية تجعلها بعيدة من الدين كل البعد .ولخصت هذه الغرائز في الغموض المطلق إذ هي تعتمد في قيامها على سلطة غامضة لا يعرف مأتاها، ولا يدرك مداها ، وصِلة الناس بها يجب أن تقوم على الطاعة العمياء والتسليم الكلى والتفويض المطلق .

2ـ ومن خصائصها كما قلت يوم ذاك : لا تثق بالذكاء الإنساني ، ولا تأنس له ، ولا تمنحه فرصة التعبير عن ذاته ، لأنها تخافه وتخشاه .

3ـ وهى لكي تقنع الناس بضرورة قيامها وبقائها تهيب بجانب الضعف فيهم ، فتلقى في روعهم إن رضوا الخير والحرية والفكر والإصلاح ليسوا سوى أعداء لله ولرسوله ، يحاولون نفى الدين عن المجتمع لنفى السلطة التي تمثله وتصونه .

4ـ والغرور المقدس من شر غرائز الحكومة الدينية وهى لهذا لا تقبل النصيحة ولا التوجيه ، بل ولا مجرد لفت النظر فضلا عن المعارضة والنقد .

5 ـ الوحدانية المطلقة أعنى : غرائزها ، وهى تحفزها إلى مكافحة الرأي مهما يكن حكيما وقتل المعارضة مهما تكن مخلصة نافعة .

6ـوالجمود التي تتسم به يجعلها تضيق بكل جديد ؛ لأن صورة الدين في ذهنها مرتبطة بكل ما هو جامد وقديم .

7ـ والقسوة المتوحشة هي سيدة غرائزها ، وأكثرها عتوا ونفوذا ، وأنها لتحز عنقك ، وتهرق دمك ، وهى تصبح من فرط نشوتها : واها لريح الجنة (12) .

وفى كتابه : "قصتي مع الحياة : يقول :

عندما كنت أسطر فصل " قومية الحكم " الفصل الثالث من كتاب " من هنا نبدأ "شغلتني الأحداث الصعبة والمواقف المؤسفة ، و التناقضات المتداعية ..شغلتني جميعا بهذا السؤال :

هل من الخير للإسلام أن يكون دولة في هذه الأزمنة الرديئة ؟؟

هل من الخير له أن يحمل آصار وأوزار السياسة ، أم أن الخير أن يبقى نورا وهدى وبلاغا للناس ، وداعيا إلى الله وإلى صراط مستقيم ؟

ويومها آثرت الاختيار الثاني ، فكتبت هذا الفصل حاكيا اقتناعي بأهمية ابتعاد الإسلام وعزوفه عن أن يكون دولة .. ومن ثم ناديت بما يكاد يوحى للقاري بأن الإسلام " دين لا دولة ".

ولكن حدث أن حركة الترحيب بالكتاب لاسيما في الخارج جعلتني أسأل نفسي أتراني قد قدمت للشانئين على الإسلام ما أثلج صدورهم ؟ وسرّهم إلى هذا المدى من الترحيب المريب ، ومضيت أفكر عبر سنوات لا عبر شهور وأيام أناقش مع نفسي الحقيقة الموضوعية والتاريخية لمكان الإسلام بين كونه دينًا وكونه دولة ، وذلك منذ بدأ يتنزل به الوحي على رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم وحتى يوم الناس هذا (13).

خالد محمد خالد وعودة إلى الحق

يقول : وأفضى بي البحث إلى أن هناك فرقا شاسعًا لمسافة بعيدة جدًا بين الحكومة الدينية والحكومة الإسلامية ، فالأولى يضرب لها المثل بحكم الكنيسة في ظلمات القرون الوسطي في القارة الأوربية ، والثانية أي الحكومة الإسلامية يضرب لها المثل بحكم الرسول وبحكومة أبى بكر وعمر وعثمان رغم ما شهده عصره من توترات وفتن وحكومة على بن أبى طالب ثم حكومة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين ..وإذن فالإسلام لا يعرف الحكومة الدينية التي عرفتها أوربا في العصور الوسطي واكتوت بنارها حين حكمها القسس والباباوات ..!! إنما يعرف الحكومة الإسلامية التي تستمد وجودها ونظامها وضميرها من الشريعة الإسلامية التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة من احتياجات البشر إلا لبتها وغطتها ، وقالت فيها كلمة الفصل .وإنما قلت الشريعة الإسلامية لأضع أمام الأعين المبصرة والقلوب الفاقهة اعتمادها على الاجتهاد وإعمال العقل واستبطان النص واحترام المعاصرة (14) .

لقد بين خالد محمد خالد أن ما دفعه إلى ما كتب فى كتابه " من هنا نبدأ " تأثره بثقافته الغربية على نحو ما نجد اليوم ، وتأثر بأخطاء ارتكبت فى عصره حملها على الإسلام .واعترف بعد ذلك بأنه أخطأ فى المنهج الذى سلكه .

ولعلك تعجب وأنت تقرأ لأحد الليبراليين تجده يصدر كتابه بكلمات خالد محمد خالد السابقة عن الدولة الدينية تحت عنوان : ( كلمات من نور ) (15) والتي نقدها بعد ذلك خالد محمد خالد واعترف بخطئه فيه .. أين المنهجية والموضوعية إذن ؟

وإذا قيل لهم أنتم تفسدون ولا تصلحون ، قالوا نحن ندافع عن الإسلام ، نحن مسلمون ، أنتم تكفرون مخالفيكم فى الفكر وتسمع كلمات : إرهاب فكرى ، إقصاء الآخرين ، عدم قبول الآخر ، محاربة حرية التعبير ...مصادرة الحريات!!

ترى..هل يمتلك الليبراليون والعلمانيون والشيوعيون ومن يقول بقولهم الجرأة والشجاعة فى مراجعة فكرهم محاولة إلى الاهتداء إلى الصواب كما فعل خالد محمد خالد ويعلنون ذلك على الملأ ؟؟ أتراهم يعقلون أو يسمعون ؟

لا وجود للدولة الدينية فى الإسلام

الإسلام حارب ألوهية الحكام

إن شهادة التوحيد " لا إله إلا الله " تعنى أنه لا يوجد إله إلا هو سبحانه ، وقد بعث الله النبيين لهداية الحكام الذين ادعوا الألوهية ، وهداية الناس الذين يعتقدون ذلك فيهم ، ومن خلال ما سبق عرضه عن مفهوم الدولة الدينية نجد أن الإسلام حارب الدولة الدينية التى يدعى فيها الحاكم الألوهية ؛ لأنه لا إله إلا الله ، كما نجد فى قصة إبراهيم عليه السلام ، قال تعالى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "( البقرة :258)، وكذلك فرعون مصر ، وكما نفس الأمر مع موسى عليه السلام مع فرعون ، قال تعالى :" هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى "(النازعات :15 ـ26 ).

الإسلام لم يمنح الحكام قداسة

إن الإسلام لم يعط قداسة لبشر حتى الأنبياء أنفسهم المؤيدين بالوحي كما نجد فى كثير من الآيات القرآنية ، فكيف يعطى قداسة للحكام ؟!!

وفى ذلك يقول خالد محمد خالد : " إن الإسلام حتى فى فترات استغلاله من بعض الخلفاء والحكام لم يمنح أيا منهم سلطة بابوية كهنوتية ، لأنه لا يتسع لأي كهنوت لا فى تعاليمه ولا فى تطبيقاته ..من أجل ذلك كانت تسمية الحكومات الإسلامية المنحرفة بالحكومة الدينية وتحميل الإسلام وزرها أمرا مجافيا لكل صواب ... " (16).

و يؤكد الأزهر الشريف فى تصريح له عدم وجود الدولة الدينية فى الإسلام على نحو وثيقة الأزهر التى جاء فيها :

وثيقة تاريخية للأزهر تدعم الدولة المدنية..الطيب : الإسلام لا يعرف السلطة الدينية..والشورى تعنى التعددية

وأكد شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أن الإسلام لا يعرف في تشريعاته ولا حضارته أو تاريخه ما يعرف بـالدولة الكهنوتية الدولة الدينية" (17).

الإسلام يدعو إلى مراقبة الحكام ومحاسبتهم

الحاكم فى الإسلام بشر يصيب ويخطىء ، و الرسول صلى الله عليه وسلم دعا الحكام إلى العدل وبشّر العادلين منهم، فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل ،ولم يترك الإسلام الحكام الظالمين ينعمون بظلمهم واستبدادهم فى الدنيا ليحاسبهم فى الآخرة كما هو فى الدولة الدينية التى قامت فى أوربا ، وإنما جعل عقابهم ناجز وسريعا فى الدنيا ، فدعا المسلمين إلى بذل النصح للحاكم وإرشاده، وتقويمه إن أساءوا، وعدم السكوت على ظلمهم ، وجعل أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، وعدم الركون إلى الظالمين ، قال تعالى : " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار "، إضافة إلى توعده الحكام الظالمين فى الآخرة بالعذاب الأليم .

ولا يوجد فى التاريخ الإسلامى ولا الحديث حاكمًا ادعى أنه يحكم بالحق الإلهي ، ولم يكن الشعب يتعامل مع حكامه على أنهم مقدسون معصومون ، أحكامهم لا تناقش ،فقد كانوا يُعارضونهم ويسمعونهم ما يكرهون ، وكان الحكام يصبرون عليهم فى كثير من الأحيان . فقد كان المسلمون يراجعون الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه وينزل على رأيهم ، فكيف بمن لا يوحى إليه .؟!

الإخوان يرفضون فكرة الدولة الدينية ويحاربونها

الدولة الدينية نشأت فى أوربا وارتبطت بالمسيحية ، والإخوان يحددون موقفهم من أي حركة فكرية نشأت فى الغرب أو فى ديار الإسلام بناء على موافقتها أو مخافتها للإسلام ، فما وافق الإسلام يقبلونه ، وما يتعارض مع الإسلام يرفضونه. ولذلك فإن الدولة الدينية يرفضها الإخوان فكرة ، ويحاربونها فى صورها المختلفة، وتاريخ الإخوان شاهد عدل على ذلك.

الإخوان يرفضون فكرة الدولة الدينية

يرجع رفض الإخوان لفكرة الدولة الدينية للأسباب الآتية :

أ ـ رفض الإخوان كل الأفكار المخالفة للإسلام .

الإخوان يرفضون فكرة الدولة الدينية ، لأنهم تتعارض مع الإسلام ، لأن الحاكم فى الإسلام يختلف عن الحاكم فى الدولة الدينية فى أوربا ، ولا يوجد فى الإسلام حاكمًا يحمل تفويضًا وأنه يحكم باسم الإسلام كما هو فى الدولة الدينية فى أوربا فى العصور الوسطي ، ومنهج الإخوان ثابت فى رفض أي فكر يتعارض مع الإسلام ، وعبروا عنه منذ سنوات الأولى من نشأة الجماعة ، ففي شعبان سنة 1358 الموافق أكتوبر سنة 1939م تقدم الأستاذ حسن البنا بمذكرة إلى رئيس الحكومة علي ماهر، ومما جاء فيها :

" يا صاحب الرفعة: إننا ورثنا الإسلام وتعاليمه منذ أجيال، وانتهت إلى مصر زعامة الإسلام وإمامة المسلمين ما في ذلك شك، وسرت إلينا من أوروبا نظم وأفكار منها ما يتفق مع الفكرة الإسلامية، ومنها ما يصدمها ويتنافى معها، ولا زالت هذه الأفكار الأوروبية تفعل فعلها، وتتمكن من نفوس الكثيرين من المثقفين في مصر.

ويعتقد الإخوان المسلمون أن الطريق الوحيد للإصلاح هو أن تعود مصر إلى تعاليم الإسلام فتطبقها تطبيقاً سليماً، وأن تقتبس من كل فكرة قديمة أو حديثة ، شرقية أو غربية ما لا يتنافى مع هذه التعاليم ويكون فيه الخير للأمة ،فالروح التي يجب أن تسود فكرة الإصلاح عندنا فكرة الاعتماد على قواعد الإسلام وأصوله وروحه" (18).

ب ـ رفض الإخوان إسقاط الدولة الدينية فى أوربا على الإسلام .

ويرفض الإخوان إسقاط الكهنوت المسيحي فى الدولة الدينية فى أوربا على الإسلام ، فإذا كانت أوربا حاربت الدولة الدينية ، فالإسلام ليس فيه سلطة دينية يجب أن تحارب ، وفى المذكرة السابقة التى أرسلها الأستاذ البنا لعلي ماهر يرد على من يطلبون النهضة بتقليد أوربا فى منهجها العلماني وثورته على الدين ، وأن التقدم بالثورة على كل دين كما فعلت أوربا ، فيقول تحت عنوان ( أصول النهضة في الشرق غير الغرب ) :

من الأسباب التي دعت بعض الأمم الشرقية إلى الانحراف عن الإسلام واختيار تقليد الغرب دراسة قادتها للنهضة واقتناعهم بأنها لم تقم إلا على تحطيم الدين وهدم الكنائس , والتخلص من سلطة البابوية وإلجام القساوسة ورجال الكهنوت , والقضاء على كل مظاهر السلطة الدينية في الأمة , وفصل الدين عن سياسة الدولة العامة فصلا تامًا ، وذلك إن صح في الأمم الغربية فلا يصح أبدًا بالأمم الإسلامية , لأن طبيعة التعاليم الإسلامية غير طبيعة تعاليم أي دين آخر , وسلطة رجال الدين المسلمين محصورة محدودة لا تملك تغيير الأوضاع ولا قلب النظم , مما جعل القواعد الأساسية في الإسلام على مر القرون, تساير العصور وتدعو إلى الرقي و تعضد العلم وتحمي العلماء , فما كان هناك لا يصح أن يكون هنا , وتلك بحوث واسعة وضعت فيها الكتب الكثيرة , ومهمتنا الآن أن نلم بالموضوع إلمامة قصيرة من باب التذكرة والقضاء على الشبهات , ونحن على يقين من أن كل منصف معنا في هذه القاعدة , وعلى ذلك فلا يجوز أبدا أن يكون هذا الشعور رائدنا في نهضتنا الجديدة , التي يجب أن ترتكز أول ما ترتكز على دعائم قوية من الخلق الفاضل والعلم الغزير والقوة السابغة , وهو ما يأمر به الإسلام (19).

جـ ـ الدولة الإسلامية فى منهج الإخوان تتنافى مع الدولة الدينية.

تصور الإخوان للحاكم أو الحكومة الإسلامية يختلف عن الحاكم فى الدولة الدينية ، فالحكومة الإسلامية فى فكر الإخوان أعضاؤها مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه ، وبذلك تؤدى مهمتها كخادم للأمة ، وأجير عندها ، وعامل على مصلحتها ، ومن صفات الحكومة المسلمة :

الشعور بالتبعية ، الشفقة على الرعية ، والعدالة بين الناس ، والعفة عن المال العام ، والاقتصاد فيه .

ومن واجبها : صيانة الأمن وإنفاذ القانون ، ونشر التعليم ، وإعداد القوة ، وحفظ الصحة ، ورعاية المنافع العامة ، وتنمية الثروة ،وحراسة المال وتقوى الأخلاق ، ونشر الدعوة الإسلامية .

ومن حقها ـ متى أدت واجبها ـ الولاء والطاعة ، والمساعدة بالنفس والأموال.

فإن قصرت : فالنصح والإرشاد ، ثم الخلع والإبعاد ، ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق (20).

" أهذه هي الحكومة التي تسمونها الحكومة الدينية، وتخشون أن تُحكم البلادُ بما أنزل الله، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم؟!(21) "

إن الإسلام لا يعرف شيئًا اسمه حكومة دينية في سياسته لأمور الرعية، فلو سلمنا جدلاً بشعار الحكومة الدينية، على شريطة أن تحكم بما أنزل الله وما قرره رسوله عليه عليه الصلاة والسلام، ما الذي يضير لو قامت حكومة بهذا الشرط أيًّا كان اسمها؟! ما الأخطار التي يتعرض لها الوطن والمواطنون؟!

ليس من حقِّ الحكومة الإسلامية أن تعتقل أو تحبس أو تُعذِّب أو تقتل أو تؤمم أو تصادر أو تستولي على مال أحد، إلا في حدود ما أباح لها الله ذلك، وأنها تصرف سياستها في حدود ما أنزل الله، في حكمةٍ ودقةٍ تتناسب مع ظروف العصر وملابساته، كل ذلك داخل حدود الحل والحرمة (22).

الإخوان يحاربون الدولة الدينية فى صورها المختلفة

الدولة الدينية رمز الظلم والاستبداد وكبت الحريات ، والفساد الاجتماعي والأخلاقي وإهدار الأموال العامة ،والتصرف فيها حسب الأهواء دون محاسبة ولا رقابة ، والإخوان يحاربون تلك المفاسد التى توجد فى الدولة الدينية .

أ ـ الدولة الدينية حاكمها طاغية والإخوان يحاربون الحكام الطغاة .

والإسلام لم يعط أي حاكم قداسة حتى نبيه صلى الله عليه وسلم ،والحاكم فى الإسلام لا يحكم بالحق الإلهي كما كان موجودا فى أوربا على نحو ما سبق ،فكما سبق قول الإمام البنا عن الحكومة الإسلامية : فإن قصرت : فالنصح والإرشاد ، ثم الخلع والإبعاد ، ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق (23) .

ويقول الأستاذ محمد مهدي عاكف :" الحرية التي يراها الإخوان فريضةً.. لا تقبل المتجبِّرين في الأرض ؛ لأن منهجها الرباني يؤكد " واسْتَفْتَحُوا وخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" (إبراهيم: 15)، ويضيف " كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ"(غافر: 35)، وتراهم حريتُنا فاسدين مفسدين " إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ ويستحي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ ) القصص: 4(

وهي التي تعد مقاومة الفراعنة والجبابرة مبدأً إسلاميًّا أساسيًّا ؛ حتى يكون المسلم حرًّا عبدًا لله سيدًا في الكون.. أعطاه ربه حقَّ تسخير ذلك " وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّماَوَاتِ ومَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ " ( الجاثية: 13)، وكرَّمه على سائرِ مَن خلَق "ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) " الإسراء: 70)، واستخلفه في الأرض " إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة ً ) " البقرة: 30)؛ ليَحيا عزيزًا بغير ذلٍّ، كريمًا بغير إهانةٍ، عابدًا وعبدًا.. الأرض كلها لله وليس لأحد سواه.. ﴿أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ " ( آل عمران: 64)."(24)

وقد قدم الإخوان تضحيات كثيرة من الشهداء والسجن والاعتقال والتشريد ومصادرة الأموال والممتلكات ، وما المحاكمات العسكرية التى نصبت للإخوان فى عهدي عبد الناصر ومبارك ببعيد ، وهى خير شاهد على مكافحة الإخوان الحكومات المستبدة .والدولة الدينية التى كانت فى أوربا مستبدة ، ولا يرضى الإخوان بها ،لأنهم يحاربون الاستبداد .

ب ـ الدولة الدينية مستبدة والإخوان يحاربون الاستبداد.

الاستبداد وكبت الحريات من سمات الدولة الدينية ، والإخوان يدعون إلى الحرية ومحاربة الاستبداد ،ويعتبرون الحرية أولى خطوات الإصلاح ، يقول الأستاذ محمد مهدي عاكف : إننا نعتبر هذا من أُولى خطوات الإصلاح الحقيقي ؛ حتى تعيش الأمة حرةَ الإرادة، تقرر لنفسها، وتختار لنفسها، ولئن كانت الضغوط الخارجية تسعى للنيل من إرادة أمتنا فلا بدَّ من شعبٍ حرٍّ يقاوم ؛ لأن العبيد لا يَصلحون للمقاومة، ولكنهم يساقون بالعصا، فلن يتَّحِد الصف ويستقيم الحال دونما إصلاح حقيقي يرفَع الأغلال عن أعناق الناس ويفَكُّ القيود من أرجلهم (25).

والحرية عند الإخوان جزء أساسي من دعوة الإخوان المسلمين ، وهم ينطلقوا فى دعوتهم للحرية من خلال الحرية فى الإسلام ، يقول الأستاذ البنا فى ( رسالة بين الأمس واليوم ) :  : "إذا قيل لكم- أيها الإخوان- إلامَ تدعون؟! فقولوا: ندعو إلى الإسلام، والحكومة جزءٌ منه، والحرية فريضةٌ من فرائضه، فإذا قيل لكم هذه سياسة!! فقولوا: هذا هو الإسلام ولا نعرف نحن هذه الأقسام" (26).

" فالحرية عند الإخوان هي الطريق الذى يمكِّن الإنسان من الفعل المعبِّر عن إرادته في أي ميدان من ميادين الفعل أو الترك ، وبأي لون من ألوان التعبير.

هي تلك التي صاغها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب حين قال: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!"، ويسير على دربه الإمام عليٌّ- كرم الله وجهه- حين خاطب الإنسان: "لا تكن عبدَ غيرِك وقد جعلك الله حرًّا".

وما الحريةُ في قاموسنا إلا نصيحةٌ نصدع بها؛ عملاً بتوجيه المصطفى- صلى الله عليه وسلم- الذي ارتضيناه قدوةً وقائدًا، حين وقف بين يدَي صحبه موصيًا "الدين النصيحة" قالوا لمن؟! قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، ولا فرقَ عندنا بين أن تكونَ نصيحةً لحاكمٍ عادلٍ أو سلطانٍ جائرٍ، فاليقين أن "أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر (27).

تاريخ الإخوان يشهد بجهادهم الحكام المستبدين

الظلم والاستبداد ليس له دين ولم يجرؤ حاكم على القول بأنه يظلم ويستبد باسم الإسلام ، فالحكام بظلمهم واستبدادهم يحاربون الإسلام الذى يدعو إلى العدل والحرية ، وتاريخ الإخوان وما واجهوه من ظلم وعنت وإقصاء ، وما قدموه من تضحيات يدل دلالة واضحة على رفضهم ظلم واستبداد الحكام ، بل إنهم يجهرون بأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر فى الوقت الذى خففت الأصوات ، وسار الكثيرون فى ركاب الظالمين المستبدين .

أ ـ كفاح الإخوان ضد ديكتاتورية جمال عبد الناصر :

وفى عهد عبد الناصر قدم الإخوان التضحيات بالنفس ،وتم محاكمته أما محكمتين عسكريتين ظالمتين 1954م ، 1965م، فمنهم من حكم عليه بالإعدام واستشهد ، ومنهم من قضى بالسجن عشرين سنة .

وكانت نقطة الخلاف الجوهرية التى طالب بها الإخوان المسلمون عبد الناصر بعودة الحياة النيابية وعودة الجيش إلى معسكراته ، وتسليم الحكم لسلطة مدنية مدافعين عن حق الشعب فى اختيار من يمثله ويحكمه ، وتوالت الاجتماعات بين الإخوان وجمال عبد الناصر الذى راوغ كثيرا من أجل الاستبداد بالحكم .

وإزاء تصاعد حدة الخلاف واستغلال عبد الناصر وسائل الإعلام لإلصاق التهم بالإخوان سنة 1954 وامتلأت البلد بالشائعات ، وكأنها كانت تمهيدا لجو معين وأمر مرسوم . وكممت الأفواه فمنعت حرية القول والكلمة ..

وكدأب الإخوان المسلمين ومن إيمانهم وفهمهم للإسلام كان لابد أن تقال كلمة الحق تطالب بالحق وترفض إهدار الحقوق، وجه إليه المستشار الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين خطابا إلي جمال عبد الناصر رئيس الحكومة يطالبه فيه بالحرية

وكان خطاب من الأستاذ حسن الهضيبي مرشد الإخوان المسلمين إلي السيد / جمال عبد الناصر رئيس الحكومة حينئذ ، لعل هذا الخطاب يعطي من الأضواء علي ما لحق من أحداث بحيث توفر الفهم السليم لفترة 1954 وما بعدها، وهذا نص الخطاب :

السيد/ جمال عبد الناصر رئيس مجلس الوزراء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد . فإني مازلت أحييك بتحية الإسلام وأقرئك السلام ، ومازلت ترد علي التحية بالشتائم واتهام السرائر واختلاق الوقائع وإخفاء الحقائق والكلام المعاد الذي سبق لكم قوله والاعتذار عنه . وليس ذلك من أدب الإسلام ولا من شيم الكرام ، ولست أطمع في نصحك بأن تلزم الحق فذلك أمر عسير وأنت حر في أن تلقي الله تعالي علي ما تريد أن تلقاه عليه ، ولكني أريد أن أبصرك بأن هذه الأمة قد ضاقت بخنق حريتها وكتم أنفاسها ، وأنها في حاجة إلي بصيص من نور يجعلها تؤمن بأنكم تسلكون بها سبل الخير، وأن غيركم يسلكون بها سبل الشر والهدم والتدمير إلي آخر ما تنسبون إليهم .

إن الأمة في حاجة الآن إلي القوت الضروري القوت الذي يزيل عن نفسها الهم والغم والكرب . أنها في حاجة إلي حرية القول ، فمهما قلتم أنكم أغدقتم عليها من خير، فإنها لن تصدق إلا إذا سمحتم لها بأن تقول أين الخير ؟ وسمحتم لها بأن تراه ، ومهما قلتم أنكم تحكمونها حكمًا ديمقراطيًا ، فإنها لن تصدق ، لأنها محرومة من نعمة الكلام والتعبير عن الرأي.. . ن الأمة قد ضاقت بحرمانها من حريتها فأعيدوا إليها حقها في الحياة (28) .

ب ـ جهاد الإخوان استبداد الطاغية حسني مبارك .

شهد عصر الطاغية حسني مبارك خنق الحريات ، وتزوير الانتخابات ، وإفساد الحياة السياسية ، وقد واجه الإخوان الظالم مجاهرين بكلمة الحق لا يخافون إلا الله ، فكان جزاؤهم الإقصاء والمعتقلات ، وترويع الآمنين ومصادرة الحريات ، والمحاكمات العسكرية ، فقد تعرض الإخوان فى عهده البائد إلى سبع محاكمات عسكرية ظالمة(29).

لقد كانت كلمات الإخوان فى عهد الطاغية حسني مبارك يقول الأستاذ محمد مهدي عاكف موضحا النظام الفاسد الذى يقلب الحقائق " تنطلق هذه الكلمات بينما يُصرُّ البعض من ولاة الأمر على أن يسوِّدوا صفحات عصرنا بسُبَّة الاستبداد الذي ترسم صورته قضبان المعتقلات ووجوهٌ غرٌّ خلفها، وأيادٍ متوضئة تُمسك بها، ودعوات مظلومة ترتجُّ لها أحجار جدرانها.. سجون لا تفرق بين مجرم قاتل أو سارق أو مزور وبين شرفاء يمثلون كل شرائح الأمة من أساتذة جامعات أو أطباء ومحامين ومدرسين ومهندسين... إلخ من خيرة رجالات أوطاننا كل جريرتهم أنهم رفعوا شعارًا ربانيًا ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود : من الآية 88).

سجون تلف الوطن برداء العار الذي سرعان ما تبليه أيادي الزمان لتستبدله برداء العز، بينما يذهب بالعار أهله ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ والْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ ( الرعد: من الآية 17( ....هذا المشهد المهيب نسوقه محذرين كل ظالم من تبعاته، ومذكرين كل صاحب سلطانٍ غرَّه سلطانه بوقفته بين يدي رب الأشهاد ويداه ملتصقة بمفاتيح زنازينه، بينما دعوات المظلومين في جوف السحر تهتك كل أسوار السجون لتصل إلى ربٍ عدلٍ منتقمٍ جبارٍ يقول في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وحرمته على عبادي فلا تَظَالموا".

كلمات تعيد إلى وعي كل صاحب لُبٍّ قصةَ فرعون ذلك المستبد الذي كرر القرآن الكريم قصته مع نبي الله موسى بضع عشرة مرة، ليؤكد أنَّ الفرعنة مرضٌ نفسي شائع بين الحكام المستبدين، حتى سوَّل له استبداده فهتف في قومه ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: من الآية 29)، فهو وحده الذي يصنع القرار، ويرى أن مَن اعتنق رأيًا قبل أن يستأذنه فهو مخطئ متمرِّد! إنه ملَكَ الضمائرَ والسرائرَ، والناسُ عبيد إحسانه، ومن ثم قال للسحرة لما آمنوا: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ (طه: 71)، وكانت عاقبة أمره ﴿فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْ الأَرْضِ فَأَغْرَق) (30) .

صور من التاريخ الإسلامى تدحض فكرة الدولة الدينية

عثمان بن عفان يضحى من أجل شعبه

ويعرض الأستاذ عمر التلمساني نماذج من سلوك حكام الدولة الإسلامية لدحض فكرة الدولة الدينية بقوله "" جاء عثمان بن عفان بعد الشيخين، فحصلت في أواخر حكمه قلاقل، وحاصره بعض المناوئين له في داره، وأرسل إليه الصحابة يعرضون حمايته وتفريق المجتمعين، فيأبى تاركًا أمره لبعض شعبه يفعل به ما يريد، هذا هو الحاكم المسلم الذي لا يستعدي بعض شعبه على البعض الآخر، مضحيًا بحياته فداءً لوحدة الأمة، وعدم التقائها بسيوفها من أجله.

أهذه هي الحكومة التي تسمونها الحكومة الدينية، وتخشون أن تُحكم البلادُ بما أنزل الله، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم؟! أتجدون في عالمكم المتحضر حاكمًا يقف موقف ذي النورين من شعبه؟؟ لماذا هذا التعصب؟؟ وهذا التحامل على حكومةٍ تحكم بشرع الله، فتطلقون عليها من الأوصاف والأسماء، ما لا يعرفه ولم يسمع به الإسلام في تاريخه الطويل العريض؟! سيبقى شرع الله، وسينفذ ولو بعد حين فوفروا على أعصابكم احتراقها وعلى أقلامكم تهاويها.

إن الحكومة التي تخشونها سبقت الحكومات التي تتغنون بها، فإن كانت هناك جمهوريات رئاسية وأخرى نيابية، فقد عرفت الحكومات التي تطبق شرع الله وزارة التفويض ووزارة التنفيذ، فلماذا تعجبكم تلك وتنكرون هذه؟! أهي المقارنة العادلة، أم هي الكراهية المردية تشجَّعوا وأفصحوا يا فرسان القلم، ويا غزاة الفكر بكل غربي ينال من الإسلام.

تطبيق الشرع كفل الحرية للشعوب

إن الحكم الذي يطبق شرع الله كفل الحرية التطبيقية للشعوب، ومنع الحاكم من التجسس على أفراد الرعية، وفي ذلك يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الحاكم إذا ابتغى الريبة في الرعية أفسدهم"، وقد عجز عمر بن الخطاب عن إقامة حدِّ الخمر عندما وصل إلى ذلك عن طريق التجسس، ودخول المنازل دون إذنٍ من أصحابها.

وإذا ثبُت أن الحاكم المسلم مقيدٌ بشرع الله الذي لا يظلم ولا يحابي ولا يجور.. ثبت على وجه القطع واليقين أن الحكومة الإسلامية، التي اخترعوا لها اسم الحكومة الدينية، هي خير الحكومات على وجه الأرض.

إذا ثبت هذا كله- وهو ثابت لا شك ولا جدال- انهارت حجج الكارهين لحكم الإسلام، تحت شعار الحكومة الدينية، مثل واحد من آلاف الأمثلة على التعامل بين الحاكم والمحكوم في الدولة التي تنفذ شرع الله، جاء أعرابي إلى أبي بكر يقول لقد أصبت صيدًا وأنا محرم؟ فالتفت أبو بكر إلى أُبي بن كعب، وكان حاضرًا مجلسه هذا، وقال له: ماذا ترى يا أُبي؟ فاستشاط الأعرابي غضبًا، وقال مؤاخذًا أبا بكر: جئتك وأنت خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسألك، فإذا بي أجدك بدورك تسأل؟ فلم يغضب أبو بكر ولم يقابل ثورته بمثلها ولم يعنفه، ولكنه قال له، وفي غاية الهدوء: يا أخي إن الله يقول : " فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ " (المائدة: من الآية 97) فاستشرت أخي حتى إذا ما أجمعنا على شيء، أمرناك به.

فهل رأيتم فيما قرأتم مثل هذا الموقف السامي الجليل في الحوار بين حاكم عادل، ومحكوم متعجل؟؟ قولوها واضحة ماذا تريدون، حتى يعرفكم الناس على حقيقتكم، وحقيقة موقفكم من الإسلام، أم أنكم تهاجمون شرعنا كما تشاءون حتى إذا شرحنا لكم ووضحنا وأبنا الخطأ في موقفكم، لطمتم الخدود على الحرية المهدرة، وشققتم الجيوب خوفًا من الإرهاب الفكري، وغير ذلك مما تخترعه أفكاركم المسممة بكراهية الإسلام وكل ما ينتسب إليه. هداني وهداكم الله.

من تسامح الحجاج بن يوسف

شهدت شخصية الحجاج افتراءات كثيرة من قبل المؤرخين ـ وهم ليسوا معصومين ـ لأسباب يعرفها المتخصصون ، ونسوا أن الحجاج أقام دولة الإسلام شامخة وفتح الفتوحات وأمن البلاد التى ماجت فيها الفتن ولم تعرف الاستقرار والأمان دهرا، لكنه لم يعاقب معارضيه السلميين .

حقيقة لقد كان في الإسلام حكام ظلمة طغاة، حدثنا عنهم التاريخ في كتب السير، وقد كان من بينهم الحجاج بن يوسف الثقفي، ولكن هؤلاء الطغاة كانوا رجَّاعين إلى الحق إذا ما ألقى به أمام أعينهم، ولم يكونوا كالظلمة الذين يسَّبح النفعيون بحمدهم، والذين لا يرجعون إلى الحق مهما كان واضحًا وجليًّا.

إن في الناس عقولاً تفهم فتقدر فتحكم، وهذا ما يمزق أغراض المغرضين، بعد ما رأوا أن المد الإسلامي أخذ طريقه بعون الله محطمًا في طريقه كل ما يعترضه من عقبات كتابية أو دعائية، والله غالب على أمره إن كانوا لا يعلمون. وبارك الله في هذا الجيل الصاعد الطامح الذي لا يرضى إلا بدينه، وشرع الله، قرآنًا عن الحجاج ومظالمه، فانظر إليه كيف يخضع للحق إذا ما ووجه به في جرأة واعتداد. أرسل الحجاج إلى بشر بن يعمر يقول له مهددًا: أأنت الذي تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله، وأن ذلك في كتاب الله، وقد قرأت كتاب الله كله فلم أجد، فرد عليه بشر بن يعمر متحديًّا: أقرأت سورة الأنعام عند الحديث عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: }وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلًا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ{ (الأنعام: الآيتان 84،85) وأنت تعلم أن عيسى ليس من ذرية إبراهيم فماذا تقول؟! فلم يسع الحجاج إلا أن يخضع للحق، فيرسل إليه: أن صدقت.

أليست هذه إنجازات رائعة للحكومة الإسلامية؟؟ ولقد انتبه العالم المتحضر أخيرًا إلى أهمية النقابات في الدفاع عن حقوق أفرادها، ورأوا ذلك قمة في العدل والإصلاح، فقد سبقتهم الحكومات الإسلامية في هذا المضمار بمئات السنين؛ إذ كان لكل أبناء حرفة في الدولة الإسلامية نقيب، يرعى مصالح أبناء حرفته، فهذا حي النحاسين، وهذا حي المغربلين، وهذا حي الفحامين، وغيره و غيره وغيره، ترى أي نقص يعتري دولة تحكم بشرع الله، بعد أن كانت أستاذة لدول العالم المتحضر في كل شيء. حتى الطرقات كان لها نظام، والحوانيت والدكاكين كذلك (31).

حلم معاوية وسماحته

ونقول : ولقد تعّرض معاوية رضي الله عنه ودولة بني أمية عموماً لسهام بعض الكتاّب, وزعم بعضهم أنها دولة علمانية لا صلة لها بالدين, ولا بالأخلاق, وهذه فرية تكذبها حقائق الدين وشواهد التاريخ, أما حقائق الدين, فقد بدأت دولة بني أمية 40 هـ من الهجرة, واستمرت إلى سنة 132 هـ. فقد شملت القرون الثلاثة التي هي خير قرون الأمة : قرن الصحابة, وقرن التابعين, وقرن أتباع التابعين وهي التي جاءت بها الأحاديث الصحاح المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل حديث ابن مسعود؛ خير القرون قرني, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم (32).

هل الحكام الذين يظنون أنفسهم ظل الله فى الأرض ـ كما يقولون ـ يقبلون أن يسيء إليهم أحد ، انظر إلى معاوية وحلمه , وكظم غيظه وعفوه عن الناس وقد ذكر ، ابن كثير ما كان يتصف به أمير المؤمنين معاوية من الحلم حيث قال : وقال بعضهم : أسمع رجل معاوية كلاماً سيئاً شديداً, فقيل له : لو سطوت عليه : فقال: إني لأستحي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي, وفي رواية قال له رجل : يا أمير المؤمنين ما أحلمك!! فقال : إني لاستحي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي وقال الأصمعي عن الثوري قال : قال معاوية : إني لأستحي أن يكون ذنب أعظم من عفوي, أو جهل أكبر من حلمي, أو تكون عورة لا أواريها بستري. وقال معاوية : يا بني أمية فارقوا قريشاً بالحلم, فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما وأوسعه حلما, وأرجع وهو لي صديق, إن استنجدته أنجدني, وأثور به فيثور معي, وما وضع الحلم عن شريف شرفه, ولا زاده إلا كرماً, وقال : لا يبلغ الرجل مبلغ الرأي حتى يغلب حلمه جهله، وصبره شهوته، ولا يبلغ الرجل ذلك إلا بقوة الحلم وسئل معاوية : من أسود( من السيادة ) الناس؟ فقال : أسخاهم نفساً حين يسأل, وأحسنهم في المجالس خلقا, وأحلمهم حين يستجهل (33).

كان معاوية رضي الله عنه يفرق بين المعارضة السلمية والمسلحة فهو يطلق حرية الكلام والتعبير عن الرأي ما دام ذلك في حدود التعبير عن الرأي، أما إذا انقلب الأمر إلى حمل السلاح وسلَّ السيوف، فإنه لا يجد مفرًا من مواجهة هذه الثورات كما فعل مع الخوارج ـ وسيأتي بيان ذلك بإذن الله تعالى، فقد روي عن معاوية أنه قال: إني لا أحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا.

وقال عامله على العراق زياد بن أبيه في خطبته لأهل البصرة: إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السلَّ من بغضي لم أكشف له قناعاً ولم أهتك له ستراً، حتى يبدي لي صفحته، فإذا فعل لم أناظره، ويقول عن أحد معارضيه: لو علمت أن مخ ساقه قد سال من بغضي ما هجته حتى يخرج علي وإليك الكثير من المواقف التي تدل على حرية التعبير، وحق المعارضة السلمية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمعاوية وكيف كان يستقبل تلك الانتقادات .

المماليك يقيمون العدل بين الرعية

ولعلنا نترك العصر الأموي ونذهب إلى العصر المملوكي سنة 648هـ أي بعد وفاة الرسول بأكثر من 600سنة لنرى الحكام المسلمين ، وهل كان الحاكم ـ الذى يحكم بالحق الإلهي كما يزعم الليبراليون ـ ظل الله فى الأرض يقبل المعارضة ، يقول المؤرخ ابن إياس :

" وقد واجه أيبك عقب توليه مشكلات عديدة ، من أبرزها : خطر الأيوبيين في الشام ، ونفوذ الأمراء المماليك في مصر، ورفض الناس حكم سلطان جرى عليه الرق ، فكان إذا ركب يسمعه العوام ما يكره ويقولون : نحن ما نريد إلا سلطاناً رئيساً ولد على فطرة الإسلام ، فكان أيبك يغدق عليهم العطايا الجزيلة حتى يسكتوا عنه (34).

وفى العصر المملوكي بعيدا عن عصر الراشدين والأمويين وفى حكم بيبرس سنة( 658هـ ـ 676هـ )حرص على تطبيق أحكام الشريعة فى تحريم الخمر وإقامة العدل ومنع الظلم فى دولته ؛ فأغلق بيوت المسكرات والبغاء، وأحرق الحشيش وعاقب من يتناوله ، وفي ذلك يقول ابن إياس : " وعمّ هذا الأمر سائر جهات الديار المصرية ، وبرزت المراسيم الشريفة بمنع ذلك من سائر الجهات بالبلاد الشامية ؛ فطهُرت في أيامه سائر البقاع، وامتنع الناس من ذلك غاية الامتناع"(35).

وغير ذلك كثير ممن الشواهد التاريخية التى تدحض فكرة الدولة الدينية فى التاريخ الإسلامى ، نقصر على سبق بيانه حتى لا نتجاوز القصد .

أخطاء الليبراليين فى تصور الدولة الدينية فى الإسلام

خطأ تسمية الحكومة الإسلامية بالحكومة الدينية

يقول خالد محمد خالد : " وأود أولا أن أشير إلى أن تسمية الحكومة الإسلامية بالحكومة الدينية فيه تجنى وخطأ ، فعبارة الحكومة الدينية فيها مدلول تاريخي يتمثل في كيان كهنوتي قام فعلا وطال مكثه ، وكان الدين المسيحي يستغل أبشع استغلال في دعمه ، وفى إخضاع الناس له ، فالحكومة الدينية مؤسسة تاريخية نهضت على سلطان ديني ، بينما كانت أغراضها سياسية ، وأصلت الناس سعيرا بسوء تصرفاتها وتحكمها ، وهى في المسيحية واضحة كل الوضوح ، بينما الإسلام لم يشهد في فترات استغلاله ما شهدته ، وما تكبده المسيحية لاسيما في العصور الوسطي عصور الظلام ."(36)

خطأ إسقاط أخطاء الكنيسة فى أروبا على الإسلام

فى رسالة ( نحو النور ) يقول الإمام حسن البنا تحت عنوان (أصول النهضة في الشرق غير الغرب: ( "من الأسباب التي دعت بعض الأمم الشرقية إلى الانحراف عن الإسلام واختيار تقليد الغرب دراسة قادتها للنهضة واقتناعهم بأنها لم تقم إلا على تحطيم الدين وهدم الكنائس , والتخلص من سلطة البابوية وإلجام القساوسة ورجال الكهنوت , والقضاء على كل مظاهر السلطة الدينية في الأمة , وفصل الدين عن سياسة الدولة العامة فصلا تاما , وذلك إن صح في الأمم الغربية فلا يصح أبدا بالأمم الإسلامية , لأن طبيعة التعاليم الإسلامية غير طبيعة تعاليم أي دين آخر , وسلطة رجال الدين المسلمين محصورة محدودة لا تملك تغيير الأوضاع ولا قلب النظم , مما جعل القواعد الأساسية في الإسلام على مر القرون تساير العصور وتدعو إلى الرقي و تعضد العلم وتحمي العلماء , فما كان هناك لا يصح أن يكون هنا , وتلك بحوث واسعة وضعت فيها الكتب الكثيرة , ومهمتنا الآن أن نلم بالموضوع إلمامة قصيرة من باب التذكرة والقضاء على الشبهات, ونحن على يقين من أن كل منصف معنا في هذه القاعدة , وعلى ذلك فلا يجوز أبدا أن يكون هذا الشعور رائدنا في نهضتنا الجديدة , التي يجب أن ترتكز أول ما ترتكز على دعائم قوية من الخلق الفاضل والعلم الغزير والقوة السابغة , وهو ما يأمر به الإسلام(37). " ولئن انحرف التطبيق أحيانًا فإن الأصل ثابت لم يتغير، فشرع الله كفيلٌ بتوفير الأمن والأمان والحرية والرخاء.

وما أظن بعد ذلك من دليلٍ أقطع على أن الحكومة الإسلامية لم تدَّعي لنفسها، ما ادَّعاه الباباوات وخلفاؤهم وأتباعهم، ومن مزايا ترتفع بهم فوق مستوى الآخرين من أتباع الكنيسة" (38)

ويؤكد ذلك خالد محمد خالد بقوله: "وأفضى بي البحث إلى أن هناك فرقا شاسعًا لمسافة بعيدة جدا بين الحكومة الدينية والحكومة الإسلامية ، فالأولى يضرب لها المثل بحكم الكنيسة في ظلمات القرون الوسطي في القارة الأوربية ، والثانية أي الحكومة الإسلامية يضرب لها المثل بحكم الرسول وبحكومة أبى بكر وعمر وعثمان رغم ما شهده عصره من توترات وفتن وحكومة على بن أبى طالب ثم حكومة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين ..وإذن فالإسلام لا يعرف الحكومة الدينية التي عرفتها أوربا في العصور الوسطي واكتوت بنارها حين حكمها القسس والباباوات ..!! إنما يعرف الحكومة الإسلامية التي تستمد وجودها ونظامها وضميرها من الشريعة الإسلامية التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة من احتياجات البشر إلا لبتها وغطتها ، وقالت فيها كلمة الفصل .وإنما قلت الشريعة الإسلامية لأضع أمام الأعين المبصرة والقلوب الفاقهة اعتمادها على الاجتهاد وإعمال العقل واستبطان النص واحترام المعاصرة ..(39)

يقول خالد محمد خالد: " ثم قلت : وفى الحكومات الدينية الإسلامية حدثت أهوال مروعة حتى إن حاكم دينيًا واحدًا ـ وهو الحجاج ـ أباد البقية الصالحة من صحابة رسول الله ...

إذن فقد كنت في قمة التأثر ببشاعة وجرائم الحكومة الدينية المسيحية ثم عكست الصورة في غير حق على الحكام السياسيين في الإسلام واعتبرتها حكومة دينية إسلامية ... !! "

خطأ إسقاط أخطاء المسلمين على الإسلام

ويرد الأستاذ حسن البنا على الذين يسطرون أخطاء لبعض الحكام والعلماء ويسقطونها على الإسلام بأسلوب خاطىء بعيد عن المنهج العلمى فى الاستدلال ، فيقول تحت عنوان : ( رجال الدين غير الدين ):

ومن المبررات التي اتخذها بعض الذين سلكوا سبيل الغربيين , أنهم أخذوا يشهرون بمسلك رجال الدين المسلمين من حيث موقفهم المناوئ للنهضة الوطنية , وتجنيهم على الوطنيين وممالأتهم للغاصبين وإيثارهم المنافع الخاصة والمطامع الدنيوية على مصلحة البلد والأمة , وذلك إن صح فهو ضعف من رجال الدين أنفسهم لا في الدين ذاته , وهل يأمر الدين بهذا ؟ , وهل يمليه سيرة الأجلاء الأفاضل من علماء الأمة الإسلامية الذين كانوا يقتحمون على الملوك والأمراء أبوابهم وسدودهم , فيقرعونهم ويأمرونهم وينهونهم ويرفضون أعطيتهم ، ويبيّنون لهم الحق ويتقدمون إليهم بمطالب الأمة , بل ويحملون السلاح في وجوه الجور والظلم ...

هذه تعاليم الدين ، وهذا ماضي رجاله من فقهاء المسلمين ، فهل فيه شيء من هذا الذي يزعمون ؟ وهل من الإنصاف أن يتحمل الدين تبعة رجال انحرفوا عنه ؟

وعلى هذه المزاعم إن صحت في قوم فليست صحيحة للجميع , وإن وقعت لظرف خاص فليست تسار كل الظروف , وهذا تاريخ النهضات الحديثة في الشرق حافل بمواقف رجال الدين المسلمين في كل أمة من الأمم .... فتلك إذاً مزاعم يجب ألا تتخذ ذريعة لتحويل الأمة عن دينها باسم الوطنية المجردة , أو ليس الأنفع للأمة أن تصلح رجال الدين وتصطلح عليهم بدلا من أن تقف منهم الموقف المبيد ؟

على إن هذه التعبيرات التي سرت إلينا تقليدا ، ومنها (رجال الدين ( لا تنطبق ولا تتفق مع عرفنا , فإنها إن كانت مع الغرب خاصة " بالأكليروس " (40) ، فإنها في العرف الإسلامي تشمل كل مسلم , فالمسلمون جميعا من أصغرهم لأكبرهم " رجال دين " (41).

ويقول خالد محمد خالد :" ومن قال إن الحجاج حاكم ديني ...؟ وهل فى الإسلام كهنوت يستطيع أي حاكم أن يستمد منه سلطانا مطلقا وفى ذات الوقت يكون مقدسا ...؟؟ لا .. ومع هذا فقد اقتنعت قديما بهذا الذى يبدو لي اليوم تجنيا وخطأ .

جهل العلمانيين والليبراليين بالثقافة الإسلامية

إن من يستعرض السيرة الذاتية لليبراليين يجد تعليمهم ابتعد عن الكليات التى تدرس الإسلام ، فمنهم من درس فى الجامعة الأمريكية ، ومنهم من درس فى مدارس اللغات ولم يتح له الاطلاع على الثقافة الإسلامية ،فمنهم طبيب أسنان وكاتب روائى ، و طبيب تخصص أمراض جلدية ، وأستاذ فى العلوم السياسية ، إضافة إلى الإعلاميين ، وكل هؤلاء لم يطلعوا على الفقه الإسلامى وأصوله ، ومصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل ، ولم يقرأ أحدهم مصادر التاريخ الإسلامى ومناهج البحث فى التاريخ وفلسفة التاريخ وتفسيره ، بل ثقافتهم فى التاريخ مأخوذة من صلاح عيسى وأحمد بهاء الدين وجمال بدوي وجمال البنا كما يقول أحدهم .. وهؤلاء هم مصدر التاريخ والفقه و يكفى القراءة لهم ليصبح الليبراليون علماء فى الشريعة الإسلامية والتاريخ ويتكلم أحدهم فى الفقه والتاريخ الإسلامى ويظن أنه فقيه ومؤرخ لا فرق بينه وبين مالك والشافعي وابن الأثير والمقريزى وغيرهم .. بل إنه يتفوق عليهم ؛ لأنه عاش فى عصر الفضائيات والانترنت ، وهم لم يروا ذلك .. ولا عجب فالشافعي رحمه الله يقول : جادلت ( ناظرت ) العلماء فغلبتهم بعلمي ، وجادلني الجهال فغلبوني بجهلهم .

والفجوة بينهم وبين التراث الإسلامى عميقة ، بينما تجدهم اطلعوا على الثقافة الغربية عن طريق القراءة ، واطلع معظمهم على الحضارة الأوربية عن طريق السفر إلى أوربا وأمريكا للدراسة ، وهذا فى حد ذات يحسب لهم ، لكن ما يؤخذ عليها أنهم أخذوا الثقافة الغربية جملة واحدة حلوها ومرها ، أما ثقافتهم الإسلامية فهي سطحية ، وتجد بينهم وبين التراث الإسلامى انفصال تام ، ولذلك تجدهم يثيرون موضوعات فى التراث الإسلامى بأسلوب ينم عن جهل عميق ،وأي طالب فى المرحلة الإعدادية بالأزهر الشريف أكثر إلماما بها منهم ، ومثلهم كمثل الطالب الذى يحاول أن يتعلم عن طريق الأسئلة دون أن يتعب نفسه فى البحث والاطلاع . ولعلنا لا نبالغ فى القول إن أحدهم يصعب عليه القراءة فى كتب التراث الإسلامى .

وقد أدرك الليبراليون من خلال ثقافتهم بالحضارة الغربية مواطن الخلل والضعف وأسقطوها على الإسلام ، ويوضح خالد محمد خالد ذلك بقوله : " ولعل أول خطأ تغشى منهجى الذي عالجت به قديما قضية الحكومة الدينية كان تأثري الشديد بما قرأته عن الحكومات الدينية التي قامت في أوربا والتي اتخذت من الدين المسيحي دثارا تغطى بها عُريها وعارها .

ولذلك تجدني أقول في كتابي ( من هنا نبدأ ) :

ففي الحكومات الدينية المسيحية ابتكرت وسائل التعذيب التي لا تخطر للشيطان نفسه ببال ، فكان الخازوق ، ووتد التشهير ولثم الآذان ، وتمزيق الجسد ، ومحاكم التفتيش ، وحرق العلماء بالنار وهم أحياء ...

ومضيت أدحض ما اعتبرته حكومة دينية فى الإسلام بنفس القوة التى دحض بها الفكر الإنساني الرشيد الحكومة الدينية التى قامت فى ظل الكنيسة وكانت أكثر خطرا على المسيحية من الشيطان نفسه !!" (42)

ولعلك تعجب عندما تقرأ لأحدهم أن الإسلام لا يدعو لقيام دولة ، ويحتج بأنه لم يرد فى القرآن الكريم كلمة دولة بالمعنى السياسي ، إنما ورد دُولة بضم الدال تعنى التداول .انظر إلى أي حدّ بلغ الجهل بهم !!

و يأتي على رأس ذلك روح التعصب التى تدفع أحدهم إلى الإصرار على الدولة الإسلامية دولة دينية حتى بعد أن عرفنا أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية ،والإخوان يرفضون تماما الدولة الدينية ، بل ويحاربونها فى صورها المختلفة كما تقدم فى هذا وتجدهم عندما يسمع عن دولة ذات مرجعية إسلامية يقول : تريدون دولة دينية .ترى متى يعقلون ؟!

إنهم بالرغم من الدرجة العلمية التى يحملها كثير منهم تجد فكرهم تجمد عند هذه النقطة ، فهم لا يعقلون .وإذا كان هؤلاء مع علمهم يفكرون بهذه العقلية ، فلعل خصوم دعوة الإسلام فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لهم فى خصومتهم .

يقول الأستاذ عمر التلمساني : " أليس من الإنصاف أن تجعلوا للتاريخ الإسلامي نصيبًا في تقديراتكم مساويًا على الأقل لتصوراتكم في حكومات البابوية!!

إني أعيذكم أن تكونوا متعمدين تشويه صورة حكومة تحكم بما أنزل الله، أيًّا كان سيرها في الرعية، ولئن انحرف التطبيق أحيانًا فإن الأصل ثابت لم يتغير، فشرع الله كفيلٌ بتوفير الأمن والأمان والحرية والرخاء."(43)

كلمة أخيرة

الخوف من المد الإسلامى وراء شائعة الدولة الدينية

يقول الأستاذ عمر التلمساني منذ أكثر من ثلاثين سنة :" لعل أكبر الأسباب التي دعت هؤلاء الناس، إلى ابتداع شعار الحكومة الدينية، هو فزعهم من ظهور المدِّ الإسلامي، ويوم أن أهاب الإمام الشهيد حسن البنا أول مرشد للإخوان المسلمين، يوم أن أهاب بالمسلمين أن أمتكم خير أمةٍ أخرجت للناس، تهدي وتصلح وترشد وتُقِّوم وتقوي، كي يستعيدوا مكانهم على الأرض عزةً ومنعةً وتقدمًا ورقيًّا وحضارة، منذ ذلك الحين وصرخات محمومة، بأقلام مريبة على صفحات من الجرائد التي تشكك في كل ما هو إسلامي، محذرًا الناس من قيام ما يسمونه خداعًا بالحكومة الدينية، قياسًا على الحكومة البابوية.

إن الحكومة الدينية تعبير مستحدث لم يرد في كلام ومؤلفات أي واحد من فقهاء المسلمين، الذين عنوا بالحكم ومقوماته، إنهم لم يعرفوا شيئًا اسمه الحكومة الدينية، ولكنهم تعرَّضوا لحكومة تطبق شرع الله، وهو المطلب الذي ينادي به الإخوان المسلمون منذ قيامهم بدعوتهم الطاهرة النقية البريئة، إنهم تحدثوا عن حكومة يتساوى أمامها خلق الله جميعهم، حاكمهم ومحكومهم، لا يتفاضلون إلا بمقدار تقواهم لربهم العلي القدير، تأسيسًا على أن كل مسلم هو رجل دين، فحكومته حكومة إسلامية؛ لأن أشخاصها مسلمون متدينون، حتى ولو جرف بعضهم شيء من الانحراف أو الأهواء.

طغاة الدولة الإسلامية أكثر سماحة من طغاة اليوم

لقد كان في الإسلام حكام ظلمة طغاة، حدثنا عنهم التاريخ في كتب السير، وقد كان من بينهم الحجاج بن يوسف الثقفي، ولكن هؤلاء الطغاة كانوا رجَّاعين إلى الحق إذا ما ألقى به أمام أعينهم، ولم يكونوا كالظلمة الذين يسَّبح النفعيون بحمدهم، والذين لا يرجعون إلى الحق مهما كان واضحًا وجليًّا...

أما الحاكم الذي يُدبِّر مؤامرة وهمية لاغتياله لخلع شعبية مضللة على حكمه ، فيعتقل الآلاف ويعذب وينتهك ويقتل مئات المئات لمجرد جريمة شروع في قتل؟! مثل هذا الحاكم تمدحونه وتحتفلون بمولده ووفاته؟؟ أهذه هي معايير التقدير والإنصاف عند الكتاب المثقفين المتحضرين ؟!

إن في الناس عقولاً تفهم فتقدر فتحكم، وهذا ما يمزق أغراض المغرضين، بعد ما رأوا أن المد الإسلامي أخذ طريقه بعون الله محطمًا في طريقه كل ما يعترضه من عقبات كتابية أو دعائية، والله غالب على أمره إن كانوا لا يعلمون. وبارك الله في هذا الجيل الصاعد الطامح الذي لا يرضى إلا بدينه، وشرع الله، قرآنًا عن الحجاج ومظالمه، فانظر إليه كيف يخضع للحق إذا ما ووجه به في جرأة واعتداد. أرسل الحجاج إلى بشر بن يعمر يقول له مهددًا: أأنت الذي تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله، وأن ذلك في كتاب الله، وقد قرأت كتاب الله كله فلم أجد، فرد عليه بشر بن يعمر متحديًّا: أقرأت سورة الأنعام عند الحديث عن سيدنا إبراهيم عليه السلام: }وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلًا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ{ (الأنعام: الآيتان 84،85) وأنت تعلم أن عيسى ليس من ذرية إبراهيم فماذا تقول؟! فلم يسع الحجاج إلا أن يخضع للحق، فيرسل إليه: أن صدقت.

هذه صورة بسيطة من صور حكام المسلمين حتى الظلمة منهم، الحكام الذين تسمون حكومتهم بالحكومة الدينية تشكيكًا للمسلمين في نصاعة شرعتهم الربانية. فحسبنا الله ونعم الوكيل منكم، وستعلمون غدًا أي منقلب تنقلبون."

وهل الطاغية مبارك كان يحكم باسم الإسلام ، وهو يعتقل عشرات الآلاف من شعبه من الإخوان المسلمين ويشرد أسرهم ، ويقيم سبع محكمات عسكرية ظالمة لأعلام فى تخصصاتهم ، ويحرمهم من لقمة العيش ،يحرمهم من الوظائف فى الدولة وينتهك الحرمات الآمنة؟

إنجازات الدولة الإسلامية رائعة أذهلت العالم

أليست هذه إنجازات رائعة للحكومة الإسلامية ؟؟ ولقد انتبه العالم المتحضر أخيرًا إلى أهمية النقابات في الدفاع عن حقوق أفرادها، ورأوا ذلك قمة في العدل والإصلاح، فقد سبقتهم الحكومات الإسلامية في هذا المضمار بمئات السنين؛ إذ كان لكل أبناء حرفة في الدولة الإسلامية نقيب، يرعى مصالح أبناء حرفته، فهذا حي النحاسين، وهذا حي المغربلين، وهذا حي الفحامين، وغيره و غيره وغيره، ترى أي نقص يعتري دولة تحكم بشرع الله، بعد أن كانت أستاذة لدول العالم المتحضر في كل شيء. حتى الطرقات كان لها نظام، والحوانيت والدكاكين كذلك...

وطالما نبَّه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المسلمين لحقوق الطريق، وقد قام عمر بن الخطاب بإزالة كل الميازيب التي تطل على الطريق، ووضع الحكام المسلمون بعد ذلك اللوائح والقوانين التي تحمي مصالح الأفراد العاجلة، ولعل من هذا القبيل نظام المحتسب ونظام قاضي السوق. أكل هذا تغفلونه فلا تذكرون إلا أن الحكومة الدينية شيء فظيع؛ لما ترونه من بعض الانحرافات في بعض الدول أكثرها تقوم على الأغراض الملتوية، والشائعات غير الصحيحة، انظروا إلى حكم الله وشرعه، ولا تنظروا إلى من انحرف فتعتبروه مقياسًا تقيمون عليه محاربتكم لتطبيق شرع الله، بمثل شعار الحكومة الدينية. اللهم أنر بصائرنا حتى لا نرى سواك فنخضع له ونتبع أوامره ونجتنب نواهيه.

ماذا تنكرون على حكومة إسلامية يقول نبيها، صلى الله عليه وسلم،: "والذي نفس محمد بيده لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذُنَّ على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو ليضربنَّ الله بقلوبِ بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم" ؟ ، ويقول: "ما من قومٍ يُعمل فيهم بالمعاصي، هم أعز وأكثر ممن يعمله، لم يغيروه إلا عمَّهم الله بعذاب".

الحكومة صاحبة هذا التنظيم البد يهي يسميها المغرضون بالحكومة الدينية، لا لشيء إلا تشكيكًا في صلاحية الإسلام وتشريعه لحكم البلد المسلم؛ خوفًا من أن يحاسبهم الحاكم بشرع الله على احتساء الخمر ولعب الميسر، وانتشار الفحشاء التي يحرصون على انتشارها عن طريق كل أجهزة الإعلام، في وقاحة وتحدٍّ لكل أوامر الله جل وعلا، ومشاعر المسلمين المقهورين على تقبل هذا السوء الذي تحميه حكوماتهم، وأنا لا أغالي، فقد كتب الكثيرون من الصالحين في هذا الأمر، وألحوا في المطالبة بتغير هذه البرامج ولكن لا استماع ممن بيدهم هذا التغير.. وماذا عسى أن نسمي مسئولاً يرى شرر المعاصي يتطاير من تلك الأجهزة، فلا يعمل على إخماده، هو يسمع صراخ الصالحين المصلحين فلا يستجيب، وكأن في عينيه رمادًا وفي أذنيه صممًا.

ما الذي يزعجكم من قيام حكومة إسلامية ؟ تطبق دستورًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، دستورًا لا يميل مع الأهواء، ولا يخضع للنزوات والأغراض، تنزيل من لدن حكيم عليم، إن ترك التشريع للبشر ظلم ما بعده ظلم، ذلك أن الظلم من شيم النفوس، فإذا شرع الفرد، فهو ناظرٌ إلى مصلحته أو مصلحة طبقته، أما شرع الله فهو لمصلحة البشر جميعهم، مسلمهم وغير مسلمهم؛ ليسود السلام في ظل سيادة العقيدة.....

لست أدري ... وإذا كان الإسلام في تاريخه كله لا يعرف هذا الشعار ( شعـار الحكومة الدينية )، فلماذا تصرون على إلصاق هذا الوصف على كل مَن يطالب بحكومة تطبق شرع الله في هذا البلد المسلم ؟!.. "(44)

إثارة الدولة الدينية محاربة للإسلام

لا يوجد أي إنسان يختار شيئا ويخاف منه ، فمن اختار الإسلام دينا كيف يخاف منه ، إنهم يقولون إننا مسلمون ، فلماذا يخافون من الإسلام ؟ " وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "( النور : 47ـ50)

ويقول الأستاذ عمر التلمساني : " أهذا هو الحكم الذي يُنفرِّون الناس منه لحاجةٍ في صدروهم، ما عادت تخفى على أحدٍ من المسلمين أو غيرهم. إنها محاربة شرع الله الذي لا يبقي على فوارق بين الطبقات إلا بتقواه أهذه هي الحكومة التي تسمونها دينية وتخشون حكمها ؟؟ أم في خيالكم أشباح الماضي السحيق الذي قرأتموه في التاريخ، ثم تحكمون على كل حكومةٍ تُطبِّق شرع الله، أنها حكومة دينية على هذا الغرار الذي تترآى أشباحه في أذهانكم!! أليس من الإنصاف أن تجعلوا للتاريخ الإسلامي نصيبًا في تقديراتكم مساويًا على الأقل لتصوراتكم في حكومات البابوية!!(45)

لماذا يخوفون الناس من الإسلام ؟؟ وهل يعتقد مسلم بشريعة أهدى من الشريعة التى يعتقدها ؟ إن أي إنسان من حق اختيار ما يناسبه من الأديان أو الأفكار ، أما يريد أن يكره دولة كاملة على ما يعتقده وتؤمن به فهذا ملا يقبل به عاقل .


المراجع

(1) راجع :الدكتور علاء سعد حسن : الدولة في الإسلام دولة مدنية حصريا.. ولا دولة دينية في الإسلام.

(2) راجع : د . محمد عبده إمام  : الدولة الدينية في النظريات السياسية ، جريدة المصريون بتاريخ 24/5/2011

(3) د . محمد عبده إمام  : السابق.

(4) مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والاقتصاد . والليبرالية السياسية تقوم على التعددية. والليبرالية الفكرية تقوم على الحرية الشخصية حتى لو كانت مخالفة للإسلام طالما لا يعود ضررها على المجتمع ،و بالرغم من مناداة الغرب بالليبرالية والديمقراطية إلا أنهم يتصرفون ضد حريات الأفراد والشعوب في علاقاتهم الدولية والفكرية . وما موقف أمريكا من العالم الإسلامى في فلسطين والعراق وأفغانستان و من الكيان الصهيوني ، وموقفهم من قيام دول إسلامية تحكم بالشريعة ، ومواقفهم من حقوق المسلمين كلها تدل على كذب دعواهم .والليبراليون فى مصر دعاة الحرية السياسية واحترام رأى الشعب فى الانتخابات يرفضون رأى الشعب الذى صوت بنسبة 78.2% على إجراء الانتخابات النيابية أولا ثم الدستور ، فإذا بهم يرفضون ذلك ويدعون إلى الدستور أولا خلافا لرأى الشعب ، وأصبح دعاة الحرية هم المستبدون ، ولما لا وهم أوصياء على الشعب المصري ؟ . للمزيد : راجع : مجموعة من المؤلفين : الموسوعة السياسية 5/ 566ـ567

(5) د. عمرو حمزاوى فى مؤتمر مسجل ، وعبر عن ذلك فى كتاباته .

(6) د. خالد منتصر فى المناظرة التى أجريت بينه وبين الأستاذ صبحي صالح فى برنامج العاشرة مساء على قناة دريم . .

(7) علاء الأسواني : هل نحارب طواحين الهواء..؟ ! ، جريدة المصري اليوم ،بتاريخ ٣١/ ٥/ ٢٠١١. (8) د. خالد منتصر ،الحوار السابق على قناة دريم .

(9) الإسلام والحكومة الدينية دراسة للأستاذ عمر التلمسانى ، موقع الإخوان المسلمون (إخوان أون لاين ) 16/6/2011

(10) عمر التلمسانى : الحكومة الإسلامية والدولة الدينية .

(11) حركة باطنية هدامة، تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث مؤسس مذهب القرامطة هو حمدان بن الأشعث الذي يلقب" بقر مط". قدم من الأهواز إلى الكوفة سنة (278 هـ/891م) وكان أن هذه الحركة كان هدفها محاربة الإسلام بكل الوسائل وذلك بارتكاب الكبائر وهتك الأعراض وسفك الدماء والسطو على الأموال وتحليل المحرمات بين أتباعهم حتى يجمعوا عليهم أصحاب الشهوات والمراهقين وأسافل الناس.

في عام 317 هــ هاجم القرامطة مكة المكرمة وقد ذبحوا كثيرا من أهلها والوافدين عليها حتى قيل أنه قتل نحو 30 ألفا واستولوا على جميع ما كان في البيت الحرام من المحاريب الفضة والجزع وغيره بل وجردوا البيت مما عليه من الكسوة ، وللقرامطة آراء فكرية مخالفة للإسلام ، ويعتقد أصحابها أنها تخدم الإسلام ، ومنها : اعتقادهم باحتجاب الله في صورة البشر، تطبيقهم مبدأ إشاعة الأموال والنساء، ليس من الضروري الالتزام بكل ما جاء به الإسلام .راجع : ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، دار صادر ، بيروت ،جـ 4ص150 ـ 309 ، أحداث سنة 317ه وما بعده . ابن كثير:البداية والنهاية، دار الحديث ،جـ11ص 179 ، 239وأحداث سنة 317 هـ ، ابن خلدون : تاريخ ابن خلدون جـ 2ص 84 ـ 258.

(14)الدولة فى الإسلام ص 17 .

(15)خالد محمد خالد : قصتي مع الحياة ص 173.

(16) راجع فى ذلك : خالد محمد خالد في قصتي مع الحياة ". ص 374 .

(17) انظر: كتاب طلعت رضوان : الليبرالية المصرية قبل يوليو 1952 النشأة والأفق ، مهرجان القراءة للجميع ، القاهرة، 2010 ، ص 9.

(18) الدولة فى الإسلام ص 16 .

(19) جريدة الأهرام 21/ 6 / 2011تحت عنوان : وثيقة تاريخية للأزهر تدعم الدولة المدنية..الطيب : الإسلام لا يعرف السلطة الدينية..والشورى تعنى التعددية.

(20) حسن البنا : مذكرات الدعوة والداعية ص 246 .

(21 )السابق نفس الصفحة .

(22) رسائل الإمام البنا : رسالة التعاليم ، ركن العمل ، طبعة مركز البصائر للدراسات والبحوث، القاهرة ، ص 279.

(23)الإسلام والحكومة الدينية دراسة للأستاذ عمر التلمسانى .

(24) السابق .

(25) رسائل الإمام البنا : رسالة التعاليم ، ركن العمل ، ص 279.

(26)رسالة الأستاذ محمد مهدي عاكف بعنوان : الحرية كما يراها الإخوان المسلمون ، موقع إخوان ويكى ، رسائل المرشدين ، رسائل المرشد محمد مهدى عاكف .

(27)الرسالة السابقة .

(28)الرسائل : رسالة بين الأمس واليوم ص 529 .

(29)رسالة الأستاذ محمد مهدي عاكف بعنوان : الحرية كما يراها الإخوان المسلمون .

(30) راجع : خطاب المستشار الهضيبى إلى رئيس الحكومة ، موقع إخوان ويكى ، أحداث صنعت التاريخ .

(31) الأولى : أول محاكمة عسكرية للإخوان المسلمين في عهده (القضية رقم 1995/8 جنايات عسكرية) حيث تم القبض علي 49 من قيادات الجماعة في 2 يناير في عام 1995، انتهت القضية بالحكم علي 34 ممن أحيلوا للقضاء العسكري بالسجن لمدد تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات ، ونال 15 شخصاً ممن أحيلوا في ذات القضية البراءة. الثانية : القضية رقم 1995/11 جنايات عسكرية) كانت في 23 نوفمبر في عام 1995 واعتقل 33 قيادياً في جماعة الإخوان المسلمين حكم علي 20 منهم بالسجن بمدد تتراوح بين الثلاث والخمس سنوات وحصل 13 معتقلاً علي البراءة.

الثالثة: (القضية رقم 1995/13 جنايات عسكرية) كانت في 30 نوفمبر 1995 حيث اعتقل ثلاثة من أعضاء الجماعة، حكم علي اثنين منهم بالسجن لثلاث سنوات وبريء الثالث .

الرابعة : عُرفت هذه القضية بقضية حزب الوسط (القضية رقم 1996/5 جنايات عسكرية) حيث تم اعتقال 13 من قيادات ورموز الجماعة علي رأسهم محمد مهدي عاكف و 11 من قيادات الإخوان المسلمين

الخامسة : عُرفت هذه القضية بقضية النقابيين (القضية رقم 99/18 جنايات عسكرية) حيث تم اعتقال 20 من أبرز الناشطين النقابيين في عام 1999 ،وأصدرت النيابة العسكرية قرار بإحالة المتهمين أمام المحكمة العسكرية العليا في 12 ديسمبر 1999 بتوقيع العميد فيصل هيبة عيد بكر المدعي العام العسكري.

انتهت فصول القضية في جلسة 19 نوفمبر 2000 بإصدار أحكام تراوحت بين ثلاث وخمس سنوات علي 15 من المحالين للقضاء العسكري المصري فيما تم تبرئة 5 من المعتقلين.

السادسة : عُرفت هذه القضية بقضية أساتذة الجامعات (القضية رقم 2001/29 جنايات عسكرية) حيث تم اعتقال 22 من رموز وقيادات جماعة الإخوان المسلمين في 6 نوفمبر 2001 عقب مظاهرة بالجامع الأزهر من أجل فلسطين وبعد أسبوع من الاعتقال صدر قرار جمهوري في 13 نوفمبر بإحالتهم إلى القضاء العسكري. وصدر الحكم في 30 يوليو 2002 بالسجن بمدد تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات علي 16 من المعتقلين، بينما برأت المحكمة 6 منهم.

السابعة : (القضية رقم 2007/2 جنايات عسكرية) حيث اعتقلت مباحث أمن الدولة في 14 ديسمبر 2006 عدداً من قيادات الجماعة علي رأسهم خيرت الشاطر وحسن مالك ومحمد علي بشر وتتابعت حملة الاعتقالات في القضية علي خمس حملات كان آخرها في 14 مارس 2007 في قضية حملت رقم 963 لسنة 2006. وفي 5 فبراير 2007 ، وصدر قرار رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك بإحالة القضية إلي لقضاء العسكري.

استمرت المحاكمة لأكثر من 70 جلسة سرية منع عنها الإعلام تماماً بدأت في 26 أبريل 2007م وانتهت بصدور الحكم في جلسة 15 أبريل 2008 بعد أن تأجل النطق بالحكم لثلاث مرات. حكم علي 25 من قيادت جماعة الإخوان المسلمين بالسجن لمدد تتراوح بين الثلاث والعشر سنوات بتهم كغسيل الأموال والانتماء لجماعة محظورة وبُريء 15 من المعتقلين.

راجع : الموسوعة الحرة : المحاكمات العسكرية .

(32)رسالة من محمد مهدي عاكف: حريتنا باقية.. والاستبداد إلى زوال، موقع إخوان ويكى ، رسائل المرشدين ، رسائل المرشد محمد مهدى عاكف .

(33)الإسلام والحكومة الدينية دراسة للأستاذ عمر التلمسانى.

(34) رواه البخاري ومسلم ، انظر : اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان رقم 1645 .

(35) البداية والنهاية (11/449) .

(36) بدائع الزهور في وقائع الدهور جـ1ص 537 .

(37) ابن إياس : بدائع الزهور : جـ1 ، ص 326 .

(38) الدولة فى الإسلام ص 18.

(39) حسن البنا : مجموعة الرسائل ،المجلد الخامس ، رسالة نحو النور ، ص 172.

(40)الإسلام والحكومة الدينية دراسة للأستاذ عمر التلمسانى.

(41) راجع فى ذلك : خالد محمد خالد في قصتي مع الحياة ". ص 374 .

(42)مصطلح يعنى : رجال الدين ، نشأ فى أوربا في العصور الوسطي ، ويقوم على رأسه كاهن مؤتمنا على النصوص الدينية وتدوينها وتفسيرها وطبيبا وعرافا ومنجما .، وقد لعب الإكليروس المسيحي دورا رئيسيا فى هيمنة الكاثوليكية وباباوات روما إبان العصور الوسطي ، وتميز بمحاربة الأفكار الجديدة ، وسيطر على الأذهان قداسة الإكليروس فى الدولة التي تمارس الحكم الإلهي ، وكان له مفاسد كثيرة وظلم واستبداد عظيم.للمزيد راجع : د.عبد الوهاب الكيالى وآخرون : الموسوعة السياسية ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر جـ 2 ص813 ـ 814 .

(43) رسالة نحو النور ص 173.

(44) راجع : الدولة فى الإسلام ص17 ـ 18.

(45) الإسلام والحكومة الدينية دراسة للأستاذ عمر التلمسانى .

(46) السابق .

(47) السابق .