ناصح أمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ناصح أمين

بقلم / الإمام حسن البنا

فى نهاية الحرب الماضية أعلنت الدول المنتصرة أنها ستنصف الشعوب المظلومة، وتعاون الأمم المهضومة على نوال حقها، فى ظل استقلال كامل وحرية صحيحة ومصير تقرره لنفسها بمحض اختيارها ورضاها، وفرح الناس بهذا واستبشروا وانتظروا أن تتحقق الوعود وتصح الأحلام، فإذا بالإنسان هو الإنسان يفىء فى الشدة إلى رشده ويرجع إلى طبيعة الإنصاف فيه، فإذا زالت عنه شدته عادت إليه نزعة الطمع والاستئثار وصدق الله العظيم: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾[الزمر: 8].

ونتج عن هذا الخلف فى الوعود والعبث بحريات الشعوب أن نهضت الأمم العربية والإسلامية تطلب بحقوقها؛ فهبت مصر والعراق والشام وفلسطين والمغرب وتركيا وغيرها تعمل لحريتها وتقدم الضحايا من دماء أبنائها وكريم أموالها، لا تعدل شيئا بحريتها واستقلالها طول هذه الفترة الماضية التى سبقت هذه الحرب العالمية الثانية.

وقد وصل بعض هذه الشعوب إلى بعض حقه، واستمرت الشعوب الأخرى فى نضالها وتضحياتها حتى أذن مؤذن هذه الحرب التى لم تر الإنسانية لها مثلا فى قسوتها وشدة فتكها بالمحاربين والأبرياء على السواء.

وقامت الدول القوية المحاربة تعلن من جديد عزمها الأكيد على تحرير الأمم المستعبدة وتقوية الأمم الضعيفة، وأعلنت أنها إنما تحارب لتحرير الإنسانية ونصرة مبادئ العدالة والإنصاف والحرية.

وجاء ميثاق الأطلنطى مؤكدا لهذه التصريحات وتلته تصريحات زعماء الدول ورؤساء الحكومات تؤكده وتزكيه وتثبته وتنميه.

ليس أحب إلينا -نحن العرب والمسلمين- من أن ننصر مبادئ العدالة والحرية والإنصاف، فإن خلقنا -نحن العرب- منذ وجدنا حرية وعدالة وإنصاف، وديننا -نحن المسلمين- عدالة وحق وإحسان: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[النحل: 90] وليس فى الدنيا أوفى من النفس العربية، ولا أكبر وفاء من الشريعة الإسلامية للأصدقاء وللأعداء على السواء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[المائدة: 8].

ونرجو ألا تكون هذه الوعود الممنوحة والعهود الموثقة والمواثيق الغليظة عاطفة أملتها ظروف الضيق، بل نتمنى أن تكون حقيقة يقوم عليها سلام الناس، وأكبر الظن أن دروس الحرب الماضية وما أعقبها، ودروس هذه الحرب وما فيها سوف لا تنسى من قريب.

ولهذا نتوجه -نحن الإخوان المسلمين- بالنصح إلى شعوب الأمة العربية والإسلامية بأن تتكاتف وتتحد وتسوى صفوفها فى داخل بلادها فتكون كل أمة يدا واحدة فى سبيل مطالبها الحقة العادلة، وتكون كلها كذلك صفا واحدا وقلبا واحدا فى سبيل هذه المطالب والحقوق، فإن الإيمان هو أول القوى والجماعة بعد ذلك هى سبيل النصر ويد الله مع الجماعة، فلتحدد الأمم العربية والإسلامية أهدافها تحديدا واضحا ولتتجمع داخل حدودها وخارج هذه الحدود لتجاهد مجتمعة موحدة فى سبيل الوصول إلى ما تريد، ولا سبيل إلى النصر إلا الإيمان والوحدة تلك نصيحتنا إلى الأمم العربية والإسلامية.

ونصيحتنا إلى الدول الديمقراطية -وقد حالفت هذه الدول العربية والإسلامية وصاحبتها فى الهناءة والشدة فلم تر منا إلا كل مناصرة ومعاونة ووفاء- أن تبر معها بوعودها، وأن تعينها صادقة على تحقيق آمالها، وأن تعمل على إزالة العقبات والعراقيل من طريقها، فتكتسب بذلك مودتها وتأييدها كسبا صادقا حقيقيا.

والعربى والمسلم إذا أحب أخلص الحب، وإذا وعد صدق الوعد، وإذا عمل بالغ فى الإحسان، ولن تجد الدول الديمقراطية حلفاء صدق وأعوان حق كالأمم العربية والإسلامية إذا لقيت منها المساعدة الصادقة على استكمال استقلالها وتحقيق آمالها.

ولا تكتفى الأمم العربية الإسلامية والعربية بمجرد الوعود الكلامية أو المواثيق المكتوبة ولكنها تريد أدلة عملية، وبين يدى الأمم الديمقراطية الآن عدة قضايا عربية وإسلامية تستطيع أن تبرهن فيها للعرب وللمسلمين على أنها جادة فى إنصافهم، صادقة فى تحقيق ما تعدهم به.

فهذه قضية المغرب الأقصى، وقد خرجت فرنسا من الميدان بين يدى الحلفاء، وقد كان قيام فرنسا فى هذه البلاد بناء على انتداب باطل أو حماية غير حقيقية، فهل تستطيع فرنسا الآن أن تكون وصية على غيرها أو حامية لسواها على فرض أنها كانت تستطيع ذلك من قبل؟!

إن العرب والمسلمين ليسوا من القصور أو الضعف أو التأخر بالدرجة التى تجعلهم تحت وصاية غيرهم، والدول الديمقراطية تستطيع الآن ولا حرج عليها أن تعلن أن شمال إفريقية من حدود مصر إلى ساحل المحيط أمم عربية مستقلة لها حريتها ولها كرامتها القومية على أن تترك تفاصيل ذلك لما بعد نهاية هذا الحرب.

وهناك قضية فلسطين وقد أقفل الكتاب الأبيض نفسه باب الهجرة إليها، فالعرب والمسلمون يترقبون بعد هذا ألا تعكر هذه الثقة بينهم وبين الدول الديمقراطية بتصريحات وتصرفات لا خير فيها ولا نتيجة من ورائها، فإن فلسطين عربية مسلمة، وستظل كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ويأبى الله غير ذلك ويأباه العرب والمسلمون فى كل أقطار الأرض.

لهذا أؤكد أن الإخوان المسلمين صادقين فى نصيحتهم، أمناء فى قولهم حين يتقدمون إلى الأمم الإسلامية والعربية بالحرص الكامل على وحدة الصفوف فيها، ويتقدمون إلى الدول الديمقراطية بوجوب مناصرة آمال العرب والمسلمين مناصرة حقيقية ومساعدتهم على استكمال حريتهم واستقلالهم من لدن خليج فارس إلى ساحل الأطلنطى وفى كل بقعة فيها شعب عربى أو أمة مسلمة، وسيكون هذا الإنصاف الفعلى -ولا شك- أقوى دعائم السلام المنتظر.

ولله عاقبة الأمور.

المصدر: مجلة الإخوان المسلمين، العدد (32)، السنة الثانية، 15 ربيع الثانى 1363ه- 8 أبريل 1944م