نصرة المظلوم والدفاع عن حقوق الإنسان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٤٥، ٨ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نصرة المظلوم والدفاع عن حقوق الإنسان


يا خيل الله.jpg

(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)(النحل/90).

بهذه المبادئ جاء القرآن . . إنّه يأمر بالعدل والإحسان ، وينهى عن العدوان على كرامة الإنسان ونفسه وماله وعرضه . . وجعل مهمة تحقيق العدل وحفظ الأمن مسؤولية الدولة في الإسلام ، كما هي مسؤولية كل إنسان في المجتمع . . والرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الداعية إلى هذه المبادئ نراه يعمل على الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم ، كفرد في مجتمع ، وكنبي مبلغ للرسالة ، وكحاكم منفّذ للشريعة والقانون .

ويحدثنا التأريخ عن موقف انساني فذ فريد للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل بعثته ، أعطاه القيمة الكبرى بعد البعثة . . وهو موقفه في حلف الفضول . .

إن حلف الفضول كان تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية ، وإضاءة العقول ، لنصرة الإنسان المظلوم ، والدفاع عن الحق المضيع ، لم تحدثه سلطات ، ولا قوى دولية ، بل أنشأته قوى اجتماعية بدوافع إنسانية ، واحساس وجداني عميق بضرورة نصرة المستضعفين والمظلومين . . لنستمع للتأريخ ، وهو يروي لنا قصة هذا الحدث الحضاري الكبير في عالم الإنسان :

روى اليعقوبي في تأريخه ما نصه : «حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلف الفضول ، وقد جاوز العشرين ، وقال بعد ما بعثه الله : حضرت في دار عبدالله بن جُدعان حلفاً ما يسرني به ؟ النعم ، ولو دعيت إليه اليوم لأجبت»(1) .

ويحدث اليعقوبي عن سبب عقد حلف الفضول فيقول: «وكان سبب حلف الفضول أن قريشاً تحالفت أحلافاً كثيرة على الحمية والمنعة ، فتحالف المطيبون وهم بنو عبد مناف وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم وبنو الحارث بن فهر على أن لا يسلموا الكعبة ما أقام حراء وثبير وما بَلَّ بحرٌ صُوفة . وصنعت عاتكة بنت عبدالمطلب طيباً فغمسوا أيديهم فيه . وقيل إن الطيب كان لأم حكيم البيضاء بنت عبدالمطلب ، وهي توأم عبدالله أبي رسول الله ، وتحالفت اللعقة وهم بنو عبدالدار وبنو مخزوم وبنو جمح وبنو سهم وبنو عدي على أن يمنع بعضهم بعضاً ، ويعقل بعضهم عن بعض ، وذبحوا بقرة فغمسوا أيديهم في دمها ، فكانت قريش تظلم في الحرم الغريب ، ومن لا عشيرة له حتى أتى رجل من بني أسد بن خزيمة بتجارة فاشتراها رجل من بني سهم ، فأخذها السهمي ، وأبى أن يعطيه الثمن ، فكلم قريشاً واستجار بها ، وسألها إعانته على أخذ حقّه ، فلم يأخذ له أحد بحقه ، فصعد الأسدي أبا قبيس فنادى بأعلى صوته :

يا أهل فهر لمظلوم بضاعته

ببطن مكّة نائي الأهل والنفر

إنّ الحرام لمن تمت حرامته

ولا حرام لثوبي لابس الغدر

وقد قيل : لم يكن رجلاً من بني أسد ، ولكنّه قيس بن شيبة السلمي باع متاعاً من أبي خلف الجمحي وذهب بحقه فقال هذا الشعر ، وقيل بل قال :

يا لقصي كيف هذا في الحرم

وحرمة البيت وأخلاق الكرم

أظُلم لا يمُنع منِّي مَن ظلم

فتذممت قريش فقاموا فتحالفوا ألا يظلم غريب ولا غيره ، وأن يؤخذ للمظلوم من الظالم ، واجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان التيمي . وكانت الأحلاف هاشماً وأسداً وزهرة وتيماً والحارث بن فهر ، فقالت قريش : هذا فضول من الحلف ، فسمي حلف الفضول . وقال بعضهم : حضره ثلاثة نفر يقال لهم الفضل بن قضاعة ، والفضل بن حشاعة ، والفضل بن بضاعة ، فسمي بهذا حلف الفضول . وقد قيل إن هؤلاء النفر حضروا حلفاً لجرهُم فسمي حلف الفضول بهم ، وشبه بالحلف في تلك السنة» .

إن هذه الوثيقة التأريخية تكشف لنا عن أبرز مبادئ الإسلام الإنسانية على المستوى الدولي ، وهي نصرة المظلوم ، والدفاع عن الحق ، بغض النظر عن دين المظلوم ومذهبه وعشيرته وقوميته ووطنه . . ويعطينا هذا الحلف والميثاق أصلاً قانونياً ، ودليلاً على تنظيم الإسلام للعلاقات الإنسانية على المستوى الدولي ، والحث على الاشتراك في المنظمات الدولية الإنسانية التي تعمل على إغاثة المظلومين ونصرتهم ، والدفاع عن حقوقهم ، ومقاومة الظلم والطغيان في أي بقعة من بقاع العالم . . إن هذه القيم الإنسانية في حقلها الأخلاقي والسياسي لهي من أعظم القيم التي تحتاجها الإنسانية في عالمنا المعاصر ، عالم التكتلات العدوانية ، وعالم المنظمات المسخرة لخدمة الطاغوت العالمي ، والقوى المتسلطة . .

وفي موقع آخر يجسد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك المبادئ سلوكاً وعملاً ، فيخف لنصرة المظلوم والدفاع عن حقّه ، ولم يكن هذا المظلوم مسلماً ، والرسول يومها نبي يحمل الدعوة إلى الناس وينادي فيهم : «بالعدل قامت السماوات والأرض» .

إن لتلك الكلمة الخالدة دلالاتها وعطاءها في كل حركات الإنسان وسكناته . . والدعوة لاقامة العدل هي منهج القرآن ، وأساس في سيرة الرسول العملية ، ومسؤولية الإنسان على امتداد وجوده على هذه الأرض . . وقد قيل قديماً : الكفر يدوم والظلم لا يدوم . . والثورة على الظلم والطغيان والانتصار للمظلوم قضية تشخصها العقول النيِّرة ، والمشاعر الإنسانية النبيلة ، كما تشخصها الشرائع والأديان . .

سجل لنا التأريخ مواقف عملية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في المرحلة الجاهلية لنصرة المظلوم والمضطهد ، قرأناها في موقفه في حلف الفضول ، كما نقرأها في موقفه العملي من أبي جهل في بداية الدعوة . . يوم كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مضطهداً محارباً مستضعفاً فلم يمنعه وضعه السياسي والاجتماعي المحاصر آنذاك من الانتصار للمظلوم ، والمطالبة بحقه من أعتى طواغيت عصره ، وأكثرهم عدواة وخصومة له . .

لنقرأ ذلك الموقف ، ولنتخذه درساً ومنهجاً في حياتنا الاجتماعية والسياسية ، فما أكثر الظلم والمظلومين ، وما أقل الواقفين موقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدفاع والنصرة ، وما أحوج المجتمع إلى مؤسسات ومنظمات ومراكز للدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين . . إن ذلك الموقف الصادر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومثله الموقف في حلف الفضول يؤكد أنّ الدفاع عن الحق ، ونصرة المظلوم مسؤولية يسأل عنها الإنسان ، والقادر على القيام بها تجاه المظلومين والمضطهدين ، وبغض النظر عن عقيدة المظلوم أو لغته أو طبقته الاجتماعية أو انتمائه السياسي . . لنقرأ موقف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من مظلوم استغاث به لإنقاذ حقّه ، ولنتأمل في الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يومها .

نقل ابن كثير عن سلسلة من الرواة تلك الحادثة فقال : «قدم رجل من أراش بإبل له إلى مكّة ، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام ، فمطله بأثمانها ، فأقبل الأراشي حتى وقف على نادي قريش ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس في ناحية المسجد ، فقال : يا معشر قريش من رجل يعديني على أبي الحكم بن هشام ، فإني غريب ، وابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ، فقال أهل المجلس : ترى ذلك ، يهمزون به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة ، إذهب إليه ، فهو يعديك عليه ، فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر ذلك له ، فقام معه فلما رأوه قام معه ، قالوا لمن معهم : اتبعه فانظر ما يصنع ؟ فخرج إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى جاءه فضرب عليه بابه ، فقال مَن هذا ؟ قال : محمد ، فاخرج ، فخرج إليه ، وما في وجهه قطرة دم ، وقد امتقع لونه ، فقال : إعط هذا الرجل حقّه ، قال : لا يبرح حتى أعطيه الذي له ، قال فدخل ، فخرج إليه بحقه ، فدفعه إليه ، ثمّ انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) وقال للأراشي إلحق لشأنك . . فأقبل الأراشي حتى وقف على المجلس ، فقال : جزاه الله خيراً ، فقد أخذ الذي لي .. »(2) .

إن هذه الحادثة من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العملية تكشف عن انسانية الدعوة ووقوفها إلى جنب الإنسان المظلوم ، واستنقاذ الحق ، رغم أنّ الظالم كان من أعتى طواغيت قريش ، ورغم العداوة التي كانت بين الرسول وبين أبي جهل ، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعتذر من الرجل لما يعلم من أبي جهل ، بل صحبه إلى دار أبي جهل ، ووقف بكل جرأة وشجاعة ، بل وتحدّ للظالم ، يطالبه بحق المظلوم . .

والموقف كما يكشف عن مواجهة الظلم والطغيان ، فإنّه يكشف عن الاهتمام بالآخرين ، ومشاركتهم بهمومهم والوقوف معهم لاستنقاذ حقوقهم الشخصية . . فالموقف هو دفاع عن حق ، ومواجهة لظاهرة0.