هل تبقى مصر فرعونية؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هل تبقى مصر فرعونية؟

بقلم / ميشيل دان

مقدمة

على الأقل ستهتز الدنيا بحدوث مثل هذا، فمبارك والذي تعدى الثمانين من عمره ورئيس أكبر دولة عربية لمدة تزيد عن ربع قرن من المحتمل أن يترك منصبه في السنوات الثلاث القادمة إما من تلقاء نفسه وإما بقدر إلهي.

وقد لفت مثل هذا انتباه القليلين في الغرب ولكن المصريين مستعدون بكل تأكيد ونحن كذلك مثلهم.

ثم إن الأمر لا يتعلق السؤال كثيرا بالاستقرار، فالعديد يتوقعون أن يكون مستقبل مصر غير مستقر. كما لا يبدو أن التوجه الإستراتيجي الأساسي في مصر (التحالف مع الولايات المتحدة والسلام مع إسرائيل يعمل لصالح استقرار المنطقة) سيتغير.

فالقضية هي كيف سيقوم رئيس جديد بمواصلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية وهي أمور يصعب إحياؤها في أمة تبلغ ثمانين مليون نسمة تتخلف عن ركب المنافسة العالمية أكثر فأكثر.

وإذا ما حدث تغير جذري مفاجئ فإن معظم المصريين يأملون أن تقوم القيادة الجديدة بإعادة فتح النافذة أمام الإصلاح السياسي والذي ظهر بشكل طفيف في 20042005 ثم أغلقت نافذته بقوة عندما قامت أكبر جماعة معارضة في مصرجماعة الإخوان المسلمين – بالبلاء بشكل حسن في الانتخابات البرلمانية.

فتعاقب القيادة التالية في مصر سوف يكون مختلفا في الواقع عن سابقتيه (من جمال عبد الناصر إلى السادات في بداية خريف 1970 ومن السادات إلى مبارك في أكتوبر 1981) لأنه لا يوجد وريث واضح حتى الآن.

وعلى خلاف سابقيه، رفض مبارك تعيين نائب رئيس نظرا لاعتبارات تتعلق بالولاء. كما أنه يقوم على التوالي بطرد المسئولين البارزين ممن لهم قواعد سياسية مستقلة أو أصبح لديهم شعبية لدى العامة ومن أهم الأمثلة نذكر وزير الدفاع السابق حليم أبو غزالة ووزير الخارجية الأسبق عمرو موسي.

والأكثر من ذلك، فقد قام مبارك بإبعاد القوات المسلحة عن الساحة السياسية وقام بتقوية ولائهم للرئاسة.

فوزير الدفاع ورئيس الأركان ومناصب أخرى رفيعة ليست سوى أسماء فقط. وفي مثل هذا الوضع الذي لا يسمح فيه ببناء قاعدة دعم أو شعبية عامة أصبح تحديد وريث الرئيس مبارك مجالا للتوقعات.

مشهد سياسي متغير

وفي سبتمبر 1999 انتخب حسني مبارك لتولي فترة رئاسية رابعة (ست سنوات) تحت نفس الشعارات الرسمية الصاخبة التي تنادي بالولاء للبطل القومي والتي ترفع فوق جميع المصالح العامة والمؤسسات والمدارس وفي ظل نفس الفتور في المشاركة الشعبية.

وفي نفس الوقت، وفقا للشروط الدستورية، اختار البرلمان مبارك وصوت المواطنون بأعداد ضئيلة للغاية من خلال استفتاء لتأكيد اختيار البرلمان.

وبالرغم من غياب المنافسة إلا أن مستشاريه رأوا أن فتته الجديدة بحاجة إلى شعار وقد قاموا باختيار شعار يدعوا للدهشة ألا وهو الديمقراطية.

وعد مبارك بأن تكون الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في 2000 سوف تكون حرة ونزيهة (اعتراف ضمني لم تشهده الدورات السابقة) وأنه سوف يستجيب لحكم المحكمة الدستورية العليا بالمراقبة القضائية للانتخابات.

وقد كانت الانتخابات البرلمانية واحدة من التطورات العديدة في عام 2000 والتي بدأت في إيقاظ المصريين من الفتور السياسي الذي غرقوا فيه خلال عقد ماضي من القوانين الرجعية والقمع (والتي كانت جزءا من الحملة ضد الإرهاب الإسلامي الداخلي).

وببدء العجوز مبارك لفترته الرئاسية الثالثة بدأ المصريون في تخمين متي سيترك هذا المنصب ومن سيحل محله.

وقد عاد نجل الرئيس مبارك الثاني، جمال، والذي كان يعمل في بنك إلى مصر بعد عدة سنوات قضاها في لندن وقام بحشد الدعم من نخبة رجال الأعمال في البلاد للتواصل مع مشكلات الشباب.

أما سعد الدين إبراهيم، عالم اجتماعي وناشط في المجتمع المدني، فقد تجرأ وذكر أن هناك إمكانية أن يقوم جمال مبارك بخلافة أبيه قائلا بأن الوضع في مصر أصبح "ملوخية".

ونتيجة لحماقته، وجد إبراهيم نفسه إلى جانب فريق مركزه البحثي داخل السجن في أواخر يونيو 2000 بتهمة "تشويه سمعة البلاد من خلال نشر معلومات خاطئة"، وكذلك الاختلاس وتهما أخرى. وقد برئوا من التهم في النهاية في العام 2003 بعد عدد من المحاكمات وعدة أشهر في السجن.

مبارك الأب والإبن

أما المثال الذي ضرب باعتقال إبراهيم فقد كان جيدا ومع ذلك فقد هرب القط. وقد بدأ جمال مبارك في بناء وظيفته بشكل أكثر انفتاحا.

فالضعف النسبي الذي أظهره الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في انتخابات 2000 قد أعطاه فرصة لاقتراح تحديث الحزب بشكل نسبي.

وخلال السنوات العديدة التالية قام باجتذاب زمرة من الاقتصاديين الليبراليين وعلماء السياسة لأمانة سياسية جديدة من شأنها صياغة معارضة للحزب الوطني الديمقراطي ذات توجه إصلاحي على نطاق واسع من القضايا الداخلية.

تم تسريح العديد من حرس الحزب القديم لتظهر وجوه جديدة مصاحبة لجمال مبارك.

وفي العام 2004 اختار الرئيس مبارك واحدا من أقرب المقربين لجمال مبارك لتولي رئاسة الوزراء، أحمد نظيف، ووكله لعمل إصلاحات اقتصادية ضخمة.

وهناك حركة جديدة، الحركة المصرية للتغيير، بدأت بعمل مظاهرات شعبية صغيرة في عام 2004 ثم بعد ذلك عرفت باسم شعارها الجريء "كفاية".

أما جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة الأكثر اتساعافي البلاد والمحظورة قانونيا، فقد أصبحت أكثر فاعلية وأصدرت برنامجها الخاص للإصلاح السياسي والاقتصادي.

أما الشباب المسيّس، فقد انشق عن أحزابه ليقوم بعمل حزب خاص به ومن أبرز هؤلاء أيمن نور والذي شكل حزب الغد الذي نجح الحصول على رخصة رسمية. وقد اشترك القضاة في الجدل وقام بعضهم بالتهديد بعدم القيام بمراقبة الانتخابات القادمة إلا بعد الحصول على استقلال قضائي نزيه.

بدأت الولايات المتحدة تشارك في هذا الجدل إلى جانب تحفيز مبارك علي الاستجابة لمطالب التغيير والتي تركز على مطلبين أساسيين:

زيادة المنافسة السياسية وإعادة توزيع السلطات من القوة المفرطة للسلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية والقضائية الأقل في السلطة.

وفي عام 2005، اتخذ مبارك سلسلة من الخطوات التي ظهرت لتلائم بعض المطالب من أجل التغيير.

فقد أيد تعديل الدستور للقيام بعمل انتخابات مباشرة على منصب الرئيس ووعد بالتخلي عن حالة الطوارئ التي ظهرت منذ عام 1981 والتي قامت بتحديد الحريات المدنية وإعطاء الحرية الكاملة للإعلام والسماح للمنظمات غير الحكومية بعمل أول مراقبة مدنية شاملة على الانتخابات والسماح لمرشحي الإخوان للبرلمان بالقيام بحملة أكثر انفتاحا والدخول للبرلمان كمستقلين.

ومن خلال كل هذا استمر جمال في الظهور داخل الحزب الحاكم إلى أن أصبح نائب الأمين العام وقام ببناء قاعدة دعم من خلال إعادة تنظيم إجراءات للحفاظ على المناصب الرئيسية في الحزب في أيدي مؤيديه وقام بتجنيد آلاف من القادة الجدد على كافة المستويات ليكونوا تحت رعايته.

وقد بدا لبعض الوقت أن الحكومة المصرية والحزب الوطني الديمقراطي كانا قادرين علي المطالبة ببعض المصداقية التي باشروها من خلال برنامج جاد للإصلاح السياسي والاقتصادي ومن خلال التحديث، غير أن هذا الوضع لم يستمر طويلا.

فبينما انتخب مبارك بسهولة في الانتخابات الرئاسية (حصل على عدد قليل من الأصوات الكلية)، فإن العرض القوى للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية لخريف 2005 (حيث فازوا بـ20 % من مقاعد البرلمان وفازوا في أكثر من نصب الدوائر التي تقدموا فيها) قد أقنع النظام بأن قوتها تتزايد وبشكل سريع.

وبعد ذلك اتبعت سلسلة من الإجراءات المعارضة للحرية ومن بينها اعتقالات وحملة مالية ضد الإخوان المسلمين وتعديلات دستورية في 2007 والتي قامت بإلغاء دور القضاء كمراقب على الانتخابات ومد فترة قانون الطوارئ في 2008.

أما بالنسبة لأيمن نور، الشاب الليبرالي، والذي حصل على نسبة قليلة من الأتباع المتحمسين في 2005، فقد حكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهم تزوير في أواخر العام 2005.

وبالرغم من أن هذا انفتاح 20042005 أغلق بشكل واضح إلا أن المعارضة ونشاطات المجتمع المدني استمرت من خلال طرق متعددة مثل الإعلام المستقل ونشاط العمال. فموجة النشاط التي قامت في مصر لم تؤتي ثمارها بسبب التدهور المصري الأخير.

توريث مرهق

يأخذنا هذا إلى الوضع الحالي إلي السؤال المتعلق بالتوريث والذي ما زال يلوح في الأفق. وبشكل متناقض فإن هذا السؤال يسبب كلا من التحليل السياسي ويعرض الفرصة الوحيدة للتحرر منه.

وهناك شعور بأن حاجة النظام للتخطيط من أجل التوريث تجعل النظام هشا:

لا يستطيع الوصول إلى حل وسط مع خصومه كما أنه غير فعال تجاه الدبلوماسية الإقليمية وشديد الحساسية تجاه الحوادث البسيطة.

وأكثر الأمثلة المشينة هو تلك الهيستريا التي أصابت المسئولين المصريين البارزين في صيف 2007 عنما انتشرت إشاعات في الصحافة المستقلة بأن صحة الرئيس مبارك متدهورة بشكل خطير.

وجهت الاتهامات للعديد من رؤساء تحرير عدد من الصحف المحلية لإثارة مزاعم من شأنها تدمير الأمة المصرية من خلال التسبب في خسائر بالبورصة.وما زالت الدعاوى القضائية داخل المحاكم.

وليس من المدهش أن يأتي التوريث ليقضي على ثمان سنوات من التخمين في الرئيس المنتظر. فجمال مبارك الذي كان في عام 2000 ناشئا سياسيا أصبح يبدو كالأمير تشارلي في مصر، ينتظر إلى الأبد.

ومن كونه غير معروف أصبح جمال اليوم مشهورا جدا؛ كما أن العديدين من أعضاء النخبة الليبرالية والذين كانوا يأملون أن يقدموا له ولأجندته العصرية حق الريبة يؤمنون الآن أنه لا يقدر على إحراز أي نوع من التغيير الذي يأملون.

وقد ووجه جمال باللوم – ربما يكون لوما غير عادل – بسبب الأزمات الاقتصادية الأخيرة (ومن بينها أحداث الشغب البسيطة من أجل رغيف الخبز) في مصر والتي ترجع إلى التضخم العالمي في أسعار الطعام والوقود أكثر من كونها ترجع إلى الإصلاحات التي تبناها.

وبالرغم من ذلك، فالحقيقة أن الإصلاحات المالية وإصلاحات الاستثمار التي تبناها وكذلك نخبة رجال الأعمال الذين قربهم إليه قد قدموا القليل للمصريين العاديين.

وفي محادثة أخيرة قام مراقب مصري بتشبيه جمال مبارك بحاكم مصر في القرن التاسع عشر الخديوي إسماعيل والتي اشتهرت فترته بإفلاس مصر ومحاولة لصق طوابع البريد الأوروبية في حملة حداثة وتقدم تكنولوجي.

ومع ذلك فقد واصل المصريون اقتراح الاحتمالات. ففي الوقت الحالي ظهرت العديد من السيناريوهات لرحيل الرئيس مبارك وكذلك لمن سيحل محله.

تنتهي فترة تولي الرئيس مبارك الحالية في العام 2011 وحينها سيكون قد بلغ من العمر 83 عاما.

وقد كانت لدى مبارك مشكلات صحية في السنوات الأخيرة إلا أنه استطاع تنفيذ واجباته بدون أي قصور واضح إلى جانب رحلاته الدولية.

وقد أقلع المصريون عن التعجب من كم سيطول عمر هذا الرجل هناك رواية (مشكوك في صحتها) تقول بأن أمه توفيت عن عمر يناهز 104 عاما "في حادث سيارة!" كما روى أحد المصريين.

والبعض يؤمن بأنه ربما يقوم بالتخلي عن منصبه طوعا في هذه الفترة مقابل تسهيل توريث ابنه جمال، غير أن الرأي الأرجح يوافق على أنه سوف يبقي في السلطة حتى آخر نفس لديه أو يقعد تماما، وهي الرؤية التي دعمها مبارك من خلال العديد من التصريحات العامة غير الصريحة.

أما الاقتراحات التي أثيرت حول من يتولى مقام الرئيس مبارك بعد تركه للسلطة فهي ضئيلة: إما جمال مبارك أو أي شخص آخر من الجيش أو المخابرات.

وعلى كل حال فمن الواضح أن صعود نجم جمال مبارك أصبح قدرا محتوما ما زال العديد من المراقبين المصريين يحتاجون لبعض الوقت لتصديق أن هذا سوف يقع بالفعل.

فالشكوك حول فرص جمال ترتكز على ثلاثة براهين: أن توارث الأبناء غير مقبول لدى المصريين وأنه لا يتمتع بدعم قوى من الجيش كما أنه فرد ضعيف جدا للقيام بمثل هذا العمل على نحو جاد.

أما البرهان الأول فيجب أن يتم فهمه على أنه احتجاج ضد الشئون الحالية للبلاد وليس على أنه تحليل متعصب.

وبالرغم من أن المعارضة وقوى المجتمع المدني أصبحت أقوى مما كانت عليه منذ عقد فقد أصبحت قوية ومتماسكة بشكل يكفي لمنع الوريث القادم والذي يتمتع بالدعم من الدعائم الرئيسية للنظام.

أما البرهان الثاني وهو أن جمال مبارك يمكن ألا يتلقي الدعم المطلوب من الجيش فإنه يستحق المزيد من البحث، فجمال ربما يكون أول رئيس مدني بعد الملكية في مصر.

فالمسئولين البارزين في الجيش المصري، والذين يتمتعون بمشاريع اقتصادية وامتيازات كبيرة، ربما يتعجبون مما إذا كان هذا الإصلاحي الذي تلقي تعليمه بالخارج سيرعى مصالحهم أم لا.

كما أنهم كذلك ينظرون إلى ما إذا كان قائدا قويا بشكل يكفي لحماية استقرار مصر من الداخل والدفاع عنها من الغزو ومن المخاطر الأجنبية. غير أن هناك عوامل أخرى في ميزانه تقول بأن الجيش يمكن أن يقبل بجمال.

أولا، قيام مبارك بإخراج الجيش من اللعبة السياسية والثاني، أن جمال نشر أنه قام بمقابلات مع مجموعات مهمة داخل الجيش وأن له مؤيدين في أماكن فعالة داخل الجيش والثالث، فبالرغم من أن جمال معروف بأنه إصلاحي اقتصادي ومشجع لخصخصة صناعات البلاد، إلا أنه اقترح مؤخرا أنه سوف يقوم بتحدي المصالح الاقتصادية الواسعة للجيش.

أما البرهان الثالث فهو خطير للغاية وهو أن جمال رجل ضعيف للغاية. فهناك إمكانية إذا ما تم انتخابه كرئيس أن يكون مجرد رئيس صوري يختفي وراءه المحركون الحقيقيون، متمثلين في الجيش والمخابرات، الذين يحكمون البلاد.

أما الرد على هذا البرهان فهو أن جمال يتظاهر الآن بالضعف بشكل غاية في المهارة في سبيل عدم إقصائه كما فعل السادات ومبارك عندما كانا في منصب نائب الرئيس.

ففي هذا الوقت كان مبارك يعتبر أحمقا وقد أطلق عليه اسم "البقرة الضاحكة" على اسم الجبن الفرنسية.ولكن بعد 27 عام من الحكم كان مبارك هو من ضحك أخيرا.

أما أولئك الذين يرون أن جمال لن يصل أبدا إلى الرئاسة فيقولون أن الشخصيات البارزة في الحرس القديم مثل مدير المخابرات عمر سليمان ووزير الدفاع محمد حسين طنطاوي والأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي صفوت الشريف وآخرون سوف يقومون بتنحية جمال جانبا ويقومون باختيار واحد منهم أو ينتقون مسئولا من ثقات الجيش غير المعروفين ليصبح الرئيس القادم.

ولن يكون هذا إلا في حال موت الرئيس مبارك خلال وجوده في السلطة بدون متابعة التوريث أو الإشراف عليه.والاقتراح الأكبر يتجه إلى سليمان فهو الأقوى وسط تلك المجموعات.

أسوشيتيد برس: عمر سليمان

وقد حدث هذا عندما بدأ سليمان في الظهور كشخصية عامة عام 2000 في نفس الوقت الذي ظهر فيه جمال مبارك.

وقد لعب سليمان، اللواء السابق في الجيش والذي أصبح مديرا للمخابرات، دورا مهما ومغمورا في القيادة المصرية منذ ذلك الحين.

وقيل أنه قد حافظ على مكانه وسط المستشارين المقربين للرئيس مبارك في 1995، بتأكيده على أن يستقل الرئيس مبارك سيارة مصفحة في جولته في أثيوبيا وهو الاقتراح الذي أنقذ حياة الرئيس من محاولة اغتيال خطيرة.

ومنذ عام 2000 وما بعد ذلك بدأ الرئيس مبارك في تفويض سليمان في مهام دبلوماسية شديدة الحساسية مثل الوساطة في الجهود المبذولة بين الفصائل الفلسطينية والاتصالات مع إسرائيل والولايات المتحدة.

ولم يكن عمر سليمان معروفا بشكل عملي بين المصريين حتى عام 2000 أما الآن فقد أصبح شخصية عامة مشهورة.

أما بعض المصريين الذين فقدوا الأمل في الإصلاح من قبل مبارك فيعبرون عن إيمانهم بأن سليمان – مدير المخابرات – وغيره من رموز الجيش سيكونون أقدر على الإصلاح السياسي من جمال مبارك. ولكن ليس هناك دليل على أن هذا ربما يكون الحل.

التشريعات

وبينما كانت القرارات الخفية من قبل الشخصيات البارزة ممن لها قوة لدفع جمال جانبا قوية كفاية كان هناك واحدة من المشكلات الرئيسية في هذا السيناريو:

تعديل الدستور والذي قام بالتدبير الواضح لإجراءات التوريث.

فمتى ترك الرئيس مبارك منصبه وكيفما تم ذلك فيجب أن تتم الانتخابات الرئاسية في غضون 60 يوم.

وفي هذه الانتخابات يقدم كل حزب مؤهل مرشح واحد غير أن هذا المرشح يجب أن يكون قد عمل في القيادة الرئيسية للحزب مدة لا تقل عن عام واحد.

وفي العام 2007 انتخبت قيادة الحزب الوطني من خلال اجتماع الحزب جمال مبارك ليكون المرشح المنطقي للحزب خلال الانتخابات الرئاسية.

أما الشخصية الثانية في الحزب فهي الأمين العام للحزب صفوت الشريف والذي قلت فرصته في الفوز بشكل عام.

فالأمر يتمثل في، إلا إذا وضع الدستور جانبا، أنه من الممكن للحزب الوطني الديمقراطي أن يستجلب سليمان بشكل مفاجئ أو أي لواء آخر ليرأس المنصب الرئاسي.

وليس هذا هو الأمر، فجمال مبارك ومؤيدوه في الحزب قاموا بتسوية هذا الأمر بعناية في السنوات القليلة الماضية، إلى جانب دعم الرئيس مبارك.

وقد حاولوا إغلاق العديد من الفتحات الممكنة مثل القول بأن أي نظام رئاسي مؤقت في حال تقاعد الرئيس مبارك لا يمكنه القيام بتعديلات دستورية.

كما أنه من الصعب على مرشح الجيش أن يقوم بتحدي الحزب الوطني الديمقراطي من الخارج. فلا يمكنه أن يشكل حزبا جديدا بشكل مفاجئ، فوحدها الأحزاب الموجودة منذ فترة لا تقل عن 5 سنوات ولها ممثل في البرلمان يمكنها أن تقوم بتقديم مرشح للرئاسة.

لذلك فإن الاقتراح الوحيد لدى مرشح الجيش أن يتقدم للترشيح كمستقل وسيتطلب منه هذا أن يقوم بتحويل المئات من مسئولي الحزب الوطني عن الحزب في كل من البرلمانين والمجالس المحلية.

ويمكن لذلك أن يحدث غير أنه شيء غير معتاد وربما يتطلب سنوات من جهود الحزب الوطني لكي يبدوا ويعمل كحزب سياسي حقيقي أكثر من كونه آلية للمساهمة الوطنية الحكومية كما هو الآن.

كما أن هناك اقتراح آخر يقول أنه يمكن لوريث من الجيش أو المخابرات أن يقوم بتنحية الدستور جانبا ويستحوذ السلطة بكل بساطة.

غير أن المصريين ينحازون لحكم القانون ويمكنهم أن يقاموا مثل هذا السيناريو للاستحواذ على السلطة إلا في حال انتشار حالة من الاضطراب الخطير تهدد الحالة العامة وتبرر السيطرة العسكرية. أما الآن فليس هناك سبب لتوقع أن موت الرئيس أو تنحيه يمكنه أن يثير الاضطراب.

ويترك هذا سيناريو أخير للتوريث: أن الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأكثر تطرفا ربما تستغل فرصة تنحي الرئيس مبارك للاستيلاء على السلطة.

وفي ظل هذه الظروف الحالية فمن المستحيل أن يقوموا بمثل هذا من خلال صناديق الاقتراع. فالدستور المعدل يعوق تشكيل أي حزب سياسي على أساس الدين هذا فضلا عن استبعاد حصول الإخوان على نسبة التصويت اللازمة لتقديمه مرشح مستقل.

(نظر النظام إلى ذلك الأمر من خلال استبعاد مرشحي الإخوان من انتخابات البرلمان والمجالس المحلية.)

لذلك، ففي سبيل الوصول إلى السلطة فعلي الإسلاميين القيام بثورة أو انقلاب، وليس هناك أي إشارة تدل على أن الإخوان المسلمين أو غيرها من الجماعات الإسلامية يخططون لمثل هذا.

ومع ذلك فإن الإسلاميين لديهم القدرة على اغتيال المرشحين للرئاسة أو تنفيذ هجمات إرهابية أخرى من شأنها أن تقلب الأوضاع وتغير الشخصيات. غير أن مثل هذا لا يمكنه وضع الإسلاميين أنفسهم في السلطة.

ماذا علي الولايات المتحدة أن تفعل؟!

كيف يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة أن تنظر إلى التوريث المصري؟ فلكل من المرشحين للرئاسة وهما جمال مبارك وعمر سليمان تاريخ من التعاون مع الغرب ويميلون للعمل مع الولايات المتحدة. ولهذا السبب يمكن توقع أن يواصل أي منهما التعاون العسكري ومكافحة الإرهاب مع واشنطن.

وكلاهما يبدو ملتزما بمواصلة السلام مع إسرائيل مستخدما سيطرة مصر لإخلال الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

فجمال إصلاحي اقتصادي أظهر بعضا من تجاه الإصلاح السياسي. أما مواقف عمر سليمان أو أي مرشحي عسكري آخر في هذا الوضع الداخلي المتأزم فهي غير معروفة. فكلاهما يقوم بالتودد لأمريكا لكسب دعمها.

أما مشكلة الولايات المتحدة – ما يمكن للإدارة الأمريكية القادمة أن تواجهه إلى حد ما في بداية فترتها الأولي – أنه لا يوجد لديها خيارات جيدة.

فهل تختار دعم التوريث مع وجود شرعية انتخابية ضئيلة جدا؟ أو تقوم بدعم عملية دستورية ممتازة من شأنها أن تأتي برجل من الجيش إلى السلطة؟ فكلا الاختيارين لا يلاقي قبولا ولا يتلاءم مع الاهتمام الذي صرحت به أمريكا لتعزيز الدمقرطة في مصر وسوف يقوم بجعلها لا تقدر على الحديث حول مقتضيات تعزيز الديمقراطية في بقية العالم العربي.

سوف تسلط كل العيون في العالم العربي على مصر عند استخلاف الحكم، مركزين على من هو القائد الجديد، هل سيقوم بعمل إصلاحات داخلية فعالة أم أنه سوف يقوم باستعادة بعض السيطرة السياسية في المنطقة والتي فقدتها مصر خلال سنوات الركود في عهد مبارك.

وبالتأكيد فإن الرئيس المصري الجديد والذي ينتخب بحرية ومن ثم يتمتع بشعبية قوية ربما يقوم بتوحيد البلدان العربية ويقوم بلعب دور مهم في شئون المنطقة.

أما الآن فقد تأخرت الولايات المتحدة في الإصرار بطريقة أو بأخرى على أن تكون عملية الانتخابات أكثر انفتاحا وتنافسية.

في الواقع، فإن جميع المتنافسين المحتملين قد استبعدوا بطريقة أو بأخرى.والأكثر من ذلك فإن هناك استياء كبير من الهيمنة الأمريكية في مصر كما تزايدت مخاطر اللوم من أجل فرض رئيس غير شعبي.

وهكذا، فإن الاقتراح المعقول بالنسبة لأمريكا هو أن تبقي بعيدة عن الأنظار خلال عملية الاختيار، على الأقل ما دام ليس هناك مخاطر من وجود وريث للسلطة معاد لأمريكا.

ولكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تحافظ على نفسها خارج الصورة أيضا، فالولايات المتحدة لها دور مهم ومحدد لتلعبه في حال اختار المصريون رئيسهم وهذا الدور يتمثل في إعادة بناء العلاقات المصرية الأمريكية والتي بدأت في التدهور بمرور الوقت.

وبالرغم من بعض الخلافات خلال فترة الرئيس بوش حول قضايا مثل حرب العراق فإن الولايات المتحدة ومصر واصلا التعاون على نحو معقول حول القضايا الإستراتيجية للمنطقة.

ولكن التركيز الأساسي للعلاقات كان على الدعم الأمريكي لتقوم مصر بتنمية نفسها وهو الأمر الذي لم يحدث.

وبينما أحرز مبارك في الفترة الأخيرة تقدما اقتصاديا جيدا فإن استجابة الرئيس مبارك للمطالب المصرية والأمريكية كانت مقتضبة. كما قامت الولايات المتحدة كذلك بإسقاط الكرة.

وبعد خطاب يونيو 2005 في القاهرة الذي أعلنت فيه وزيرة الخارجية رايس "يجب على الحكومة المصرية أن تنفذ الوعد الذي قطعته لشعبها – وللعالم أجمع – بإعطاء مواطنيها حق الاختيار"، وبشكل سريع تراجعت إدارة بوش عن تعزيزها للديمقراطية منذ العام 2006 وحتى الآن.

شعار حماس.jpg

والظاهر أنها انشغلت بأزمات المنطقة كما أنها بدأت في الخوف من فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية.

وبينما لا يجب على الولايات المتحدة أن تختار وريثا لمبارك فإنها يجب أن تقوم بالرد بشكل أكثر جدية على المطالب المصرية لزيادة الحريات العامة والمنافسة السياسية والاستقلال القضائي ومنح سلطات أكبر للهيئات المنتخبة.

ثم إن أهم خطوتين يجب على الإدارة الأمريكية التالية أن تتخذهما هما حث الرئيس القادم أن يقوم على الفور بتحديد فترات الرئاسة (والتي قام الرئيس السادات بإلغائها من الدستور) وإعادة تحديد دور الأمن في الداخل.

فالمعارضة وجماعات المجتمع المدني يطالبون الآن بتحديد فترتين رئاسيتين كحد أقصي لكل رئيس، وهذا يعني أن النظام الفرعوني لرئيس مدى الحياة سوف ينتهي في النهاية.

ولا يعني هذا أهمية رمزية ضخمة فقط، بل أن هذا يمكنه المساعدة في منع تكرار الركود والفساد الذي حل، ليس فقط بمبارك بل بجيل كامل من موظفيه ممن بقوا في السلطة لأكثر من ربع قرن.

إن إعادة تحديد دور الأجهزة الأمنية هو عمل معقد للغاية ولكنه ضروري من أجل أي انفتاح سياسي في مصر. فبإخراج القوات المسلحة من الحياة السياسية، تدخلت المخابرات والأجهزة الأمنية في الحياة اليومية للعديد من المصريين بشكل كبير.

فكل النشطاء السياسيين والمواطنين العاديين مطالبون بإخبار كل شخص آخر ولا يقوم أحد باتخاذ خطوة مهمة بدون حتى موافقة غير رسمية على الأقل من ضابط الأمن المحلى.

فضباط الأمن يستخدمون سلطاتهم الواسعة التي منحتها إياهم حالة الطوارئ لمنع التجمعات والتمويل والنشاطات الأخرى من قبل الأحزاب والحركات ومنظمات المجتمع المدني أيضا.

وما دامت هذه هي القضية فإن هناك أمل ضعيف لتطور القوى السياسية والتي يمكنها أن تنافس ليس فقط الحزب الوطني الديمقراطي ولكن الإخوان المسلمين أيضا.

على الولايات المتحدة أن تحفز الرئيس القادم لعمل فصل حاسم مع الماضي وأن يعيد تحديد دور القوى الأمنية الداخلية بشكل يقوم على حماية الدولة وشعبها بشكل حقيقي من الإرهاب والمظاهر الأخرى للعنف.

فكل رئيس من الرؤساء يترك بصمته الشخصية خلال فترة رئاسته: فعبد الناصر بعروبته وقوميته والسادات بمعاهدة السلام مع إسرائيل والتحالف مع الولايات المتحدة والصديق الرأسمالي ومبارك وتأكيده على الحذر والاستقرار وكذلك حالة الركود السياسي والاقتصادي.

وعلى الرغم من قلة عدد المرشحين للرئاسة فإنه لا يمكننا بعد ذلك معرفة من سيكون الرئيس القادم لمصر. أما ما يجب علينا معرفته وما يجب علينا أن نقرره في أسرع وقت ممكن فهو كيف ستتعامل معه الولايات المتحدة؟؟!

اقرأ أيضا

وصلات داخلية

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

وصلات خارجية

مقالات وأبحاث متعلقة