هل تشير بوصلة الفلسطينيين إلى حماس مجدداً؟ / بلال الشوبكي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هل تشير بوصلة الفلسطينيين إلى حماس مجدداً؟


بقلم:بلال الشوبكي

دأب المحللون مؤخراً على تقييم المشهد السياسي الفلسطيني ومحاولة طرح آليات تقويمه وفق منهج يفترض معياراً عاماً فيما يجب أن يكون عليه الواقع، ليحاكم به تفاصيل المشهد السياسي ولاعبيه، وهو ما يندرج ضمن المنهج المثالي لدراسة الظواهر السياسية، وغالباً ما يتم تبني هذا المنهج من قبل من هم خارج الأطر السياسية الحزبية.

المشكلة التي تواجه هؤلاء المحللين في بعض قراءاتهم وأنا منهم، هي وصولهم في الغالب إلى استنتاج مفاده أن خللاً على أقل تقدير قد أصاب كل الفاعلين في الشأن السياسي الفلسطيني، وعليه فإن على الشعب أن يلفظ مواطن الخلل تلك، وأن يتبنى خيارات أنسب لتحقيق مآربه؛ ليكتشف المحللون والدراسون لاحقاً أن قراءاتهم لما يجب أن يكون عليه المشهد مقتصرة عليهم وفي أحسن الأحوال تضم أقلية يئست أو تضررت بشكل مباشر من الفاعلين الحزبيين.

حقيقة الأمر إن توضيح ما يجب أن يكون عليه الواقع واجباً، لكن تبني المثالية كمنهج دائم للتحليل يُفقد القدرة على التنبؤ؛ فالفاعلون الحزبيون أقدر من المحللين على تحريك المشهد وذلك وفق طبيعة توزيع القوة والنفوذ في الساحة السياسية. لذلك، فإن تقييم الواقع عبر تجزيئه ستتيح التنبؤ بخريطة توازنات القوى مستقبلاً.

المشهد الفلسطيني الحالي فيه العديد من اللاعبين باختلاف درجات تأثيرهم، ففيه من يتداول بطولة المشاهد كفتح وحماس، وفيه ضيوف الشرف كفصائل اليسار والجهاد الإسلامي، والوجوه الجديدة كسلام فياض، وفيهم (كومبارس) المجتمع المدني.

في السطور القادمة محاولة سريعة لتقييم وضع أهم اللاعبين، والبداية مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية في رام الله.


حركة فتح والسلطة الفلسطينية في رام الله

البداية من حيث انتهت فتح وقيادة السلطة في رام الله بالإعلان عن خيار حل السلطة كأحد البدائل لفشل المفاوضات، وهنا نقول: أن هذا الإعلان جزء من الفشل وليس جزءا من الحل. يقول آينشتاين: لا يمكننا حل مشكلة باستخدام نفس العقلية التي أنشأتها. العقلية الفلسطينية التي قادت المفاوضات حتى وصلت به إلى المجاهرة بفشل المفاوضات مع الإصرار عليها بصورة لا يقبلها المنطق، تُصرُّ اليوم على حل المشكلة بذات العقلية.

المنطق يقول: أن المفاوضات هي أداة لتحقيق مجموعة أهداف فلسطينية، وقد فشلت هذه الأداة، إذاً علينا الإتيان بأداة بديلة، وعقلية قادة السلطة تقول: أن المفاوضات هي أداة وقد فشلت، إذاً علينا هدم كل ما ترتب عليها.

مما لا شك فيه، أن السلطة الفلسطينية لقيطة الحوارات السرية والعلنية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لكن هذا الأمر لا يبرر طرح إمكانية وأدها في أي وقت شاء القائمون عليها. إذا كانت السلطة كفكرة هي وليدة مفاوضات فاشلة، وكمؤسسة أُريد لها أن تقوم بدور لا يتماشى مع المصالح الوطنية، فإن من واجب من اكتشف ذلك أن يعلن رفضه للفكرة التي قامت عليها السلطة، وأن يحافظ عليها كمؤسسة ويقوم بترشيد استخدامها بما يتماشى مع رؤية وطنية متفق عليها.

الكلام عن شكلية وجود السلطة جاء على لسان رئيسها، وليس اجتهاداً من المحللين والمراقبين. المثير للإهتمام، أن حديث الرئيس جاء في سياق شخصي وليس وطني، فكرامته الشخصية لا تسمح له بالاستمرار في هذا المنصب، وهنا نسائل الرئيس، ماذا عن كرامة الشعب؟

سياسياً، السلطة في رام الله بقيادة فتح وسلام فياض فشلت دون امتلاك أي قدرة على تبرير هذا الفشل. لا يجوز الحديث عن إنهاء السلطة إلا في حالة واحدة ومتوازية مع شرط أساسي. الحالة؛ هي أن يخرج علينا القائمون على هذه السلطة في رام الله ويقولوا بملء الفيه: أن السلطة تمثل عقبة أمام المشروع الوطني الفلسطيني، بحيث يؤدي استمرار وجودها إلى عرقلة قيام الدولة، أما الشرط؛ فهو تقديم بديل مؤسساتي يرعى شؤون المواطنين ولا يؤدي إلى نكسة مؤسساتية واجتماعية واقتصادية.

أما سياساتياً وعلى صعيد دور السلطة في إحداث تغيير ملموس على نمط المعيشة في الضفة الغربية، فإن هناك بعض التغييرات وخاصة في مجال تحسين الخدمات العامة والبنية التحتية، وفي هذا الإطار فإن سلام فياض "الوجه الجديد" قد سلب من فتح بطولة هذه الإنجازات، وهذا ما يدفع قيادة فتح بين الحين والآخر إلى الإيحاء أن فياض ليس سوى موظف تُصادق على وجوده فتح.

على أي حال، فإن ما جرى في الضفة هي إنجازات في معظمها مضخمة إعلامياً، إلى الحد الذي أصبح فيه مشهد افتتاح سلام فياض للآبار الارتوازية وصالات الأفراح مادة كوميدية لقيت مكاناً لها حتى في تلفزيون فلسطين.مضافاً إلى ذلك، فإن جزءا واسعا من تحسّن مستوى الحياة في الضفة جاء متماشياً مع مجموعة من التسهيلات البنكية، بمعنى أن الوضع الاقصادي للأفراد لم يقم على تطور حقيقي ونمو في الاقتصاد بقدر ما هو قائم على سياسات بنكية.

خطورة هذه الحالة تكمن في ربط المواطن بوظيفة ما، ومن ثم ربطه كموظف بالبنك، حينها ستكون خطورة وقف الرواتب في أي لحظة أضعاف خطورة وقفها دون ربط جزء كبير من الموظفين بالبنوك، لتعود القضية مرة أخرى من قالبها السياساتي إلى السياسي، وبعيداً عن التأويلات حول حسن أو سوء نية من عمل من أجل ربط المواطن بالبنوك، فإن المواطن سيتجرع آثار تلك القروض إن لم يكن قد بدأ.


حركة حماس

في غزة، لن يحاسب الناس حماس على تردي الأوضاع المعيشية كما لم يحاسبوا عرفات وفتح على تردي الاوضاع في الضفة خلال الانتفاضة الثانية وحصار ياسر عرفات. إن أفضل نتائج حققتها حركة فتح في انتخابات مجلس الطلبة كانت بُعيد الحصار الذي فرض على عرفات وإغلاق المدن واجتياحها وقصف المخيمات وتدمير مؤسسات السلطة، بمعنى أن الشعب كافأ فتح ولم يحاسبها، فكيف يُتوقع منه أن يلفظ حماس كما يقول البعض في أول فرصة يتاح له فيها الاختيار؟

الوضع السياسي لحماس أفضل حالاً من نظيرتها فتح، فكلاهما متضرران من إسرائيل والمجتمع الدولي باختلاف الأشكال، لكن الأولى تدفع ثمن صمودها في وجه المطالب الإسرائيلية والمجتمع الدولي، والثانية تدفع ثمن قبولها بمطالب المجتمع الدولي وتراخيها في مواجهة الكثير من السياسات الإسرائيلية، فإسرائيل لم تبن المستوطنات فقط، وإنما تهدم في القدس وبئر السبع واللد، وتبني الجدار، وتهوّد يافا وعكا، وتجتاح مدن الضفة.

الإشكالية التي تعاني منها حماس الآن، هي تقديمها الصمود في وجه الحصار دون تبيان ماهية البدائل التي تمتلكها الحركة فيما لو استمر الحصار لأجلٍ أبعد. فرغم إشارتنا في السطور السابقة إلى أن الشعب لم يحاسب عرفات عن ويلات الانتفاضة الثانية، ولن يحاسب حماس عن حصار غزة، إلا أن هناك عاملاً جديداً في حالة حماس، وهو غياب الوفاق الوطني، فاليوم هناك من الفلسطينيين من يزرع فكرة أن سبب الويلات في غزة حماس، ولذلك فإن خطاب حماس ما زال متواضعاً في تقديم بدائل عملية يمكن نقاشها.

الصمود في وجه الحصار هو رد فعل وطني، لكن الأسلم لحماس أن تبدأ في نقاش فعل مبادر بعيداً عن عقلية ردود الأفعال على سياسات الاحتلال.

سياساتياً، حماس لم تتح لها فرصة القيام بالكثير في هذا الجانب بفعل الحصار والحرب، لكن المقارنة بين حال الضفة وحال غزة في ظل المليارات التي تتدفق على الضفة مقابل الأحزمة المالية التي تعبر غزة، فإن الفرق ليس بالكبير بين الوضعين نسبياً.

من جانب آخر، حماس قدمت نموذجاً جديداً للسلطة ذاتها التي يعترف القائمون عليها في رام الله اليوم أنه يمكن الاستغناء عنها. النموذج الذي قدمته حماس، أنه يمكن الإبقاء على السلطة كمؤسسة لإدارة شؤون المواطن مع تغيير مرجعيتها.

مقارنة أخرى قد يجريها المواطن في الضفة الغربية قد تكون في صالح حماس، وهي خاصة بالجمعيات الخيرية التي كانت محور اهتمام حماس والتي تم إغلاقها أو تغيير إدارتها والقائمين عليها وتوجهاتها من قبل السلطة في رام الله. المقارنة هي بين ما كان الوضع عليه حين كانت هذه المؤسسات تنشط في تقديم المعونات لشريحة واسعة من المجتمع وخصوصاً في قطاعي التعليم والصحة وبين ما هي عليه الآن، حيث أغلق جزء منها فيما الجزء الآخر لم يعد مختلفاً من الناحية العملية عن المؤسسات الحكومية.

في اتجاه آخر، هناك شعور بدأ يتسلل مؤخراً إلى أفئدة أبناء حماس في الضفة مؤداه أن حركتهم لا تلتفت لمعاناتهم في الضفة إلا بالخطاب التضامني، إلا أن هذا الشعور وإن كان سلبياً تجاه الحركة، لم يصل إلى حد التأثير على الانتماء، وخصوصاً أنه لا بديل يشار له بالبنان في الضفة، وهذا ما يدفعنا لنقاش دور الأحزاب الأخرى كأحزاب اليسار والجهاد الإسلامي والمبادرة وغيرها.


ضيوف الشرف

يحضرون المشهد السياسي الفلسطيني ويختفون منه دون ترك آثار ملموسة، ظروفهم مختلفة وكذلك أيديولوجياتهم وقدراتهم وعلاقاتهم، إلا أن ما يجمع الفصائل الفلسطينية الصغيرة –باستثناء للمبادرة في كثيرة من الأحيان- هو الارتضاء بدور المساند لإحدى الحركتين حماس وفتح.

القضية الفلسطينية برمتها على شفا جرف هارٍ، والجبهة الشعبية تحتج على إيقاف مخصصاتها -100 ألف دولار شهريا من منظمة التحرير-. الاحتلال الإسرائيلي يمارس كل صنوف الاعتداءات مهلكاً الحرث والنسل، ومعظم الفصائل الفلسطينية لا تتذكر أن لها دوراً في المشهد السياسي الفلسطيني إلا حين يتم فتح ملف المصالحة بين فتح وحماس، ربما لأن ملف المصالحة يعني ملف موازين القوى الداخلية! ومع ذلك فإن موقفهم من ملف المصالحة سلبيٌّ رغم عدم تحمّلهم مسؤولية الإنقسام.

تجدر الإشارة هنا إلى المبادرة الوطنية كنموذج مغاير عبر تميزها في رعاية وتنظيم المقاومة الشعبية، ومع ذلك فإنها لا تشكل بديلاً سياسياً رغم دورها الإيجابي.معظم هذه الفصائل تنطلق من مسمّيات ديمقراطية وشعبية، وشعارات تنادي بحقوق الإنسان والحريات، وكرامة الإنسان، ولا يوجد منها من يقف بشكل رصين وجاد أمام انهيار مستوى الحريات والحقوق في المجتمع الفلسطيني.

ملخص القول: أن هذه الفصائل ما زالت عاجزة عن تقديم بديل للشعب الفلسطيني.


مؤسسات المجتمع المدني

رغم كرم "المحسنين" إلا أن الأموال التي تتلقاها مؤسسات المجتمع المدني من أجل تصدير الديمقراطية للمجتمع بعد استيرادها مع أموال محسني الغرب لم تنجح في تحويل هذه المؤسسات إلى عنصر فاعل في المجتمع وخصوصاً على الصعيد السياسي، ولم تنجح كذلك في تصدير أي من الأفكار والمبادئ التي تدور كلها في فلك الحريات والحقوق والديمقراطية.

كيف لهذه المؤسسات أن تروّج لديمقراطية المجتمع في الوقت الذي تدار فيه هذه المؤسسات بدكتاتورية المؤسّس؟ حتى لا نقع في خطأ التعميم، فإن الجزء الأكبر من مؤسسات المجتمع المدني لا يقوم بدور حقيقي، ولا يتجاوز دوره أن يكون مروّجاً لجهة سياسية ما، أو أن تشكل المؤسسة منفعة شخصية من حيث النفوذ أو المال، وجزء صغير من هذه المؤسسات يقوم بدور حقيقي وغالباً ما تكون هذه المؤسسات بعيدة عن الاهتمام بالقيم السياسية، كمؤسسات لها علاقة بشؤون الصحة والبيئة. أما ما يتعلق بمناهضة الاحتلال فإن دورها محدود وكثير من هذه المؤسسات تنأى بنفسها عما قد يعيق تدفق الأموال إليها.

في ملف المصالحة الوطنية لا يوجد دور كبير لهذه المؤسسات في استدراك مؤشرات تهديد السلم الأهلي في فلسطين عبر برامج فعالة تقلل من حالة التحزب القائمة.


البوصلة إلى أين؟

هكذا يبدو المشهد السياسي الفلسطيني الحالي، انقسام وفشل مفاوضات وغياب للحريات والحقوق.

بالنسبة للفصائل؛ إذا لم تسفر جولة الحوار المرتقبة في دمشق عن فتح آفاق جديدة للمصالحة، والتي من المتوقع أن لا تعقد من الأساس، فإن فتح ستكون في مأزق سياسي حرج، حيث لا تقدم على الصعيد الداخلي ولا تقدم في المفاوضات، والفرصة ستكون للفصائل التي تتبنى حالياً المقاومة الشعبية وتروّج لها، كالمبادرة الوطنية.

أما فصائل اليسار والجهاد الإسلامي، فإنها على الأرجح لن تشارك في رسم صورة الوضع بقدر ما ستنخرط في الوضع الذي سيتشكل لاحقاً.

بالنسبة لحركة حماس، فإن وضعها السياسي سيتحسن مع فشل المفاوضات بحيث يتعزز خيارها الداعي لمقاومة إسرائيل، وفيما يتعلق بوضعها في الضفة الغربية فإن انهيار المفاوضات وبحث بدائل جديدة يعني بشكل مباشر استفاقة حماس مجدداً، فأي بديل جديد مخالف للتوجهات الإسرائيلية يعني أن ما تنعم به السلطة في رام الله من تسهيلات سينتهي والبنية الأمنية ستتلاشى خاصة أنها قائمة على دعم أمريكي.

أما في حالة استمرار الوضع على ما هو عليه في الضفة نتاجاً لأي تقدم دبلوماسي أو إيجاد مخرج للمأزق الحالي في مسار المفاوضات، أو تراجع موقف منظمة التحرير ببحث خيارات أخرى، نتيجة التخوف من عواقب الاصطدام مع المجتمع الدولي وإسرائيل، بحيث يتزامن هذا الأمر مع استمرار حالة الانقسام، فمن المتوقع باعتقادي أن حماس هي من ستبحث خيارات جديدة بشأن الضفة الغربية، والتي سيكون عنوانها التصعيد والذي سيكون هذه المرة ضد المستوطنين بشكل تدريجي، بحيث تخرج حماس من مأزق مواجهة السلطة كما حصل في غزة 2007، كما أنها قد لا تلجأ لتوجيه هجمات داخل 48، بحيث تحمي نفسها قليلاً من انتقادات المجتمع الدولي، وتسمح في ذات الوقت بأن يبادر عرب 48 بقيادة الحركة الإسلامية في التوجه نحو إرباك إسرائيل داخلياً ومواجهة تهويد الأرض والإنسان. ووفقاً لهذه المعطيات فإن المواطن سيكون أمام حتمية اللجوء إلى منهج استبعادي في الوصول إلى أقل الخسائر، خصوصاً أن لا بدائل جديدة في الأفق المنظور، فليس بالإمكان إلّا اللجوء إلى لعبة الحلقة الأضعف واستبعادها، فإن كان النضال الفلسطيني سلسلة من الفاعلين والأنشطة فإن قوة السلسلة تقاس بأضعف حلقاتها، ونشاط المفاوضات صيغ إعلان وفاته، والقائمون على هذا النشاط بانتظار قرار الشعب.