هل يوجد تنظيم دولي للإخوان؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

هل يوجد تنظيم دولي للإخوان؟

انتشرت حركة جماعة الإخوان المسلمين، منذ بدايتها، في العديد من دول العالم، وكانت البداية في عهد المرشد الأول والمؤسس الإمامحسن البنا، وكانت مكاتب الاتصال الخارجي هي التي تنسِّق بين الجماعات المختلفة، وتعمل على نشر دعوة الإخوان في الدول العربية والإسلامية.


ومع تزايد هجرات الإخوان، والتي نتج بعضها أو معظمها من الاضطهاد الذي واجهه الإخوان في العديد من الدول؛ انتشر وجودهم في العديد من الدول غير الإسلامية، ومنها الدول الأوروبية، ثم تشكَّلت لهم جماعات في هذه الدول، وعملوا على نشر دعوتهم بها، خاصة بين المهاجرين. وظلَّ هذا الواقع مستمرًا، دون الحديث عن التنظيم الدولي، والذي ظهر في تاريخ الإخوان في مرحلة متأخرة، تبدأ من ثمانينيات القرن العشرين.


وهناك بعض التفسيرات التي ربما تشرح لماذا سعى الإخوان لتشكيل هيكل دولي لهم؟!. ومن تلك التفسيرات، محاولة البحث عن هيكل عام يوحِّد فكر الجماعة، ويضمن استمرارها على منهج ورسالة موحدة، ومنها أيضًا محاولة التنسيق بصورة أفضل بين جماعات الإخوان المسلمين، وتقديم الدعم الذي قد تحتاجه جماعة ما أو حتى بعض أفرادها، ومنها أيضًا محاولة تحديد من ينتمي لمدرسة الإخوان، ومن لا ينتمي لها، حتى تكون للمدرسة معالم واضحة، وربما يكون من أسباب إقامة الكيان الدولي محاولة لإكساب الجماعة ثقلاً دوليًّا، يساعد على حمايتها من أية محاولة لاستئصالها في بلد من البلاد.


وبالطبع يمكن أن نضيف لذلك، أن انتشار جماعات الإخوان المسلمين في العديد من دول العالم، والتي تقدر بسبعين دولةً، أدى إلى الاحتياج لقدر من التنسيق، لا توفره لجان الاتصال الخارجي.


ومع ذلك فإن ما يقال عن التنظيم الدولي يوحي أحيانًا بوجوده، وأحيانًا أخرى بعدم وجوده.


والحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين لها تنظيم دولي، ولكنه في الواقع ليس تنظيمًا!، وهنا يبرز أن المشكلة الأساسية تكمُن في المسمى نفسه، والذي لا يعبِّر عن الوظيفة التي يقوم بها ذلك الكيان الدولي، فما يوجد في الواقع هو مكتب التنسيق الدولي، والذي يتبع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين!!.


تنسيق وليس تنظيمًا

وحتى لا يكون الأمر مجرد جدل حول المسميات، يجب النظر في الوظيفة التي يقوم بها الكيان الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، ومن تلك الوظيفة يمكن الوصول إلى التعريف الدقيق له، وأيضًا من معرفة الوظائف التي لا يقوم بها، تكتمل الصورة بشكل واضح.


فالكيان الدولي لجماعة الإخوان المسلمين ، هو الذي اعتمد رؤية الجماعة في قضايا التعددية السياسية والأحزاب ودور المرأة وغير المسلمين، وتلك واحدة من أهم أدوار هذا الكيان الدولي؛ حيث تتمُّ مناقشة الأفكار والمستجدات، من أجل التوصل إلى رؤية موحدة فيها، تصبح بعد ذلك رؤية كل جماعات الإخوان المسلمين، وبهذا يحافظ الكيان الدولي على مدرسة الإخوان المسلمين؛ لأن هذه المدرسة تتمثل أساسًا في الفكر والمنهج، ولا يمكن أن تنتمي جماعات لمدرسة واحدة، وتختلف في قضايا أساسية وجوهرية.


أيضًا، نجد أن الكيان الدولي لجماعة الإخوان قد قام بدور مركزي في مراحل حاسمة من تاريخ الجماعة؛ حيث حدث خروج من بعض جماعات أو قيادات الإخوان المسلمين، على فكرها أو منهجها، أو قواعدها التنظيمية؛ فكان الكيان الدولي هو الجهة التي تقول في النهاية إن هذا الكيان أو ذاك لم يعد يمثل جماعة الإخوان المسلمين، أي لم يعد منتميًا رسميًّا لمدرستهم.


وهنا علينا التفرقة بين الانتماء الرسمي لمدرسة الإخوان المسلمين، والانتماء غير الرسمي، فالعديد من الجماعات والتنظيمات تنتمي بصورة غير رسمية لمدرسة الإخوان المسلمين، وهذا الانتماء غير الرسمي، يعني أن تلك الجماعات تنتمي لمدرسة الإخوان، ولكن من خلال رؤية خاصة بها، تختلف مع الرؤية السائدة لجماعة الإخوان المسلمين في جانب أو آخر. فقد تختلف في الرسالة، بأن تركِّز جماعة ما على الجانب المحلي من الدعوة دون الجانب العالمي، أو تختلف في منهج العمل، أو في فكرة التنظيم كوسيلة أساسية للعمل.


أما الجماعات التي تنتمي رسميًّا لمدرسة الإخوان المسلمين، فهي التي تتبنى أسس المنهج والرسالة والتنظيم، التي أُسست عليها جماعة الإخوان المسلمين على يد مؤسسها حسن البنا.


أيضًا، نجد للكيان الدولي دورًا في تنسيق العمل الدعوي على المستوى العالمي، حيث إن جماعة الإخوان عرفت رسالتها ودعوتها بأنها دعوة عالمية، وهذا الأمر يتعلق أساسًا بنشر الفكر، ومثله مثل كل أصحاب رؤية كلية يحاولون نشرها في مختلف أرجاء العالم، وربما هنا يظهر الدور الثاني المهم للكيان الدولي، فالدور الأول هو الحفاظ على أسس مدرسة الإخوان المسلمين، أما الدور الثاني فهو تنسيق العمل الدعوي العالمي.


بجانب هذا، يقوم الكيان الدولي لجماعة الإخوان بالتنسيق بين جماعات الإخوان، كما يقوم بدعم الجماعات المختلفة، أو تسهيل الاتصال بين القيادات وتبادل الرأي بينهم.


ولكن هذا الكيان الدولي لا يقوم بإدارة جماعات الإخوان المسلمين المنتمية له، فهو لا يتدخل في عمليات الانتخاب الداخلية، ولا يكون له دور في انتخاب القيادات، كما لا يراجع كل ما يصدر عن هذه الجماعات من بيانات وأوراق، كما أنه لا يقوم بأي دور كان في النشاط السياسي لجماعات الإخوان المسلمين، أو في قراراتهم السياسية، بما في ذلك قرار إنشاء حزب أو تحول الجماعة إلى حزب؛ فكل النشاط السياسي لجماعات الإخوان المسلمين يعتبر شأنًا محليًّا خالصًا، حسب قواعد هذا الكيان الدولي، والأدلة على ذلك متعددة، فقد اختلف موقف جماعات الإخوان في حرب تحرير الكويت، كما اختلفوا حول دور الحزب الإسلامي في العراق، كما اختلف موقف بعض جماعاتهم من حزب الله، عن موقف الجماعة الإسلامية في لبنان، والتي تمثل الإخوان المسلمين.


كما حدث اختلاف حول تحالف إخوان سوريا مع عبد الحليم خدام، وفي كل تلك القرارات لم يتدخل الكيان الدولي؛ لأنها تعتبر من قضايا السياسة المحلية.


ومعنى هذا، أن الكيان الدولي لن يتدخل إلا إذا رأى خروجًا على فكر ورسالة ومنهج الجماعة من أحد الأطراف؛ حفاظًا على كيان مدرسة الإخوان المسلمين.


ولوحظ أيضًا أن الكيان الدولي لا يتدخل في حلِّ الخلافات الداخلية، ويوصي فقط بأهمية اتباع الشورى الملزمة، والاحتكام لمؤسسات الجماعة، ولكنه لا يملك سلطة التدخل في الشأن الإداري الداخلي، ما دام طبقًا للقواعد العامة المؤسسة لمدرسة الإخوان المسلمين.


كما اتضح أن هذا الكيان الدولي لا يقدر على القيام بأدوار مؤثرة، عندما تتعرض جماعة من جماعات الإخوان لاضطهاد من النظام الحاكم، وبالتالي تأكد أنه لن يكون ظهيرًا دوليًّا.


فما هذا الكيان؟

هو بالفعل يمثل مكتب التنسيق الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي يهدف للحفاظ على أسس مدرسة الإخوان المتمثلة في رسالتها وفكرها ومنهجها، ويعمل على الحفاظ على الوحدة الفكرية، كما أنه يعمل أساسًا على دعم نشر الدعوة عالميًّا، وهو عمل دعوي بالأساس.


ولكن هذا الكيان لا يقوم بأي نشاط إداري مركزي، كما لا يقوم بأي نشاط سياسي دولي، وهو بهذا لا يمثل أي نوع من الإدارة الخارجية لتنظيمات سياسية محلية، ولا يؤثر على أي أوضاع داخلية، ولا يمثل أي تجاوز في حق الأنظمة السياسية في كل الدول التي توجد بها الجماعة، ولا يمثل أيضًا أي نوع من تنسيق القرارات السياسية عبر الدول، بل ظلت تلك القرارات شأنًا محليًّا خالصًا.


فجماعة الإخوان المسلمين تدرك جيدًا الفرق بين عالمية الدعوة وخصوصية السياسة، وعالمية الدعوة أمر منطقي لا جدال فيه، فالإسلام دين عالمي، فالأديان السماوية عالمية، بل إن العديد من المذاهب البشرية يعمل أصحابها على نشرها في مختلف أرجاء العالم، مثل ما يحدث من نشر للفكر الليبرالي الرأسمالي، ومثل ما حدث من نشر للفكر الشيوعي والاشتراكي، وعالمية الفكرة لا تتعارض مع محليته السياسية؛ مما يجعل العمل على المستوى العالمي مرتبط فقط بالفكرة، أما تنفيذ هذه الفكرة في المجال السياسي، وأيضًا في المجالات الاجتماعية والثقافية والتعليمية، فهو عمل محلي خاص.


وهذه المزاوجة بين العمل الدعوي العالمي، والعمل السياسي الخاص؛ هي تعبير عن أن الفكرة تعبِّر عن الثوابت، أما السياسة فتعبر عن المتغيرات. وبالتالي تحتاج الثوابت لرابط لها، أما المتغيرات فلا يمكن وضع رابط لها، إلا أن تكون تعبيرًا عن الثوابت.


المؤتمر العام للإخوان المسلمين

إذا صحت هذه الرؤية، يصبح من المهم التفكير في إقامة مؤسسة المؤتمر العام للإخوان المسلمين، أي المؤتمر العام لمدرسة الإخوان المسلمين، وبهذا يتمُّ إعادة تعريف الكيان الدولي بصورة أكثر دقة، كما يتمُّ تنشيط الكيان الدولي من أجل تحقيق هدفه الرئيسي، وهو نشر فكر مدرسة الإخوان المسلمين بين الناس، وهذا المؤتمر العام سوف يضم الأعضاء، وهم الذين يوافقون على دستور هذا المؤتمر، أي دستور مدرسة الإخوان المسلمين، والذي يتمثل في أسس الرسالة والفكر والمنهج.


ولكن مؤسسة المؤتمر العام تسمح أيضًا بوجود أعضاء مراقبين، أي وجود جماعات أخرى توافق الإخوان المسلمين على الأسس والثوابت، وتختلف معها في بعض القضايا التي تجعلهم ممن ينتمون بشكل غير رسمي لمدرسة الإخوان، كما يمكن لمؤسسة المؤتمر العام أن تعمل على التنسيق ثقافيًّا وفكريًّا ودعويًّا بين جماعات الإخوان وجماعات إسلامية أخرى.


الخلاصة

قد يسأل البعض : وما الحاجة لأي نوع من التنسيق أو أي كيان دولي؟!. ولكن هناك في الواقع حاجة أساسية؛ وهي ليست حاجة تخص جماعة الإخوان المسلمين، ولكن تخص أمتنا، ففي طريق النضال من أجل وحدة الأمة وتحقيق نهضتها، تحتاج الأمة الإسلامية لعمود فقري وتيار رابط، وجذر أساسي، ومؤسسة حاضنة لمشروع النهضة، فبجانب احتياج الأمة إلى العديد من الآليات لتحقيق نهضتها، إلا أنها تحتاج أيضًا لمدرسة مركزية وتيار أساسي، وجماعات مترابطة فكريًّا؛ حتى يتشكل منها التيار المركزي لحركة الصحوة الحضارية الإسلامية، وهو ما تحقَّق بالفعل؛ حيث أصبحت مدرسة الإخوان المسلمين، هي عمود فقري مركزي في حركة الإحياء والنهضة؛ مما جعلها تساهم في اتساق حركة الإحياء، وتساهم في اعتدالها وعودتها للوسطية والاعتدال، وتساهم في ترابط حركة الصحوة، وتمثل مركزًا يحفظ قدرًا مناسبًا من التوافق بين مكونات حركة الإحياء.


ولهذا السبب، نتصور أن على جماعة الإخوان المسلمين دورًا مركزيًّا في المرحلة القادمة، وهو مواجهة الصراع بين بعض الحركات الإسلامية، ومواجهة الغلو والتطرف؛ حتى يتزايد الاتساق والتوافق بين مكونات التيار الإسلامي، ويتزايد التعاون والتنسيق بين مكوناته، ويتحول بالفعل إلى تيار سائد، له وجهة واحدة متفق عليها، وله أسس وقواعد عامة متفق عليها أيضًا، من أجل تحقيق الغاية النهائية لتيار الصحوة الإصلاحية الإسلامية، وهو نهضة الأمة الإسلامية الموحدة.