واحة الطاعة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٥:٥٤، ٤ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
واحة الطاعة

بقلم:الإمام حسن البنا

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنْكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 183- 186).

يصل هذا العدد من مجلة الإخوان إلى أيدي القرَّاء، وقد أظلهم شهر رمضان الكريم المبارك، وأظلَّ عليهم هلاله المشرق المنير، فاتجَهوا بنيَّاتهم وجوارحهم إلى الله تبارك وتعالى، رب الشهر والهلال، يتقربون إليه بما افترضه عليهم من إمساك عن طعام، وشرعه لهم من تلاوة وقيام.

هذه الأيام والليالي الرمضانية واحة في صحراء العمر المجدب من طاعة الله تبارك وتعالى، يحفُّها بروح منه وريحان، ومغفرة ورضوان، وتكرم وامتنان، لمن وقف ببابه، وخشع لجنابه، ودعاه واحتمى به، وسأله فألحَّ في السؤال، ودعاه فأخلص في الدعاء ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت (في الأصل: "صعدت") الشياطين ومردة الجن، وغلِّقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة" (رواه الترمذي وابن ماجة- سنن الترمذي كتاب الصوم باب ما جاء في فضل شهر رمضان 3/66 رقم 682- وسنن ابن ماجة كتاب الصوم باب ما جاء في فضل شهر رمضان 1/526 رقم 1641).

ولهذا الموسم من مواسم طاعات الله تبارك وتعالى صنوف من العبادة، تختص به ويختص بها، وتكون جمالاً لأوقاته وزينةً لساعاته وحليةً لأيامه ولياليه، والطاعة جميلة في كل وقت، وهي في هذا الشهر أجمل، وثوابها عند الله جزيل، وهو فيه أعظم وأجزل، أولها: الصوم بمعناه الفقهي من الامتناع عن المفطرات وهي معلومة، وبمعناه الروحي العالي وهو حبس النفس والفكر والإرادة والشعور والوجدان عما سوى التفكير في الله- تبارك وتعالى- والتقرب إليه بما يُرضيه، ورحم الله العارف الذي يقول: "إذا نظرت عيني لغيرك مرةً عددت اختلاس الطروف من أعظم الوزر".ذ

وذلك يستتبع حتمًا كفّ الجوارح عن معصية الله تبارك وتعالى وإلا فكيف يكون مراقبًا لله تبارك وتعالى من لا يخشاه ولا تزجره المراقبة عما لا يرضاه مولاه، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.

ومنها: الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، فهذا شهر القرآن، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه جبريل في رمضان فيدارسه الكتاب، ويستعرضه معه عليهما السلام، حتى كانت السنة التي اختار فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى وهي سنة وداع استعرضاه مرتين (صحيح الإمام البخاري- كتاب الاستئذان- باب من ناجى بين الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به 5/2317 رقم 5928).

"ومنها": الإكثار من الصدقة، وتفقد الفقراء والمساكين، وتعهدهم بالبر والعطاء، فهو شهر تسمو فيه دائمًا الاعتبارات الروحية على القيم المادية، ويرخص فيه حطام هذه الحياة الدنيا على نفوس نبذته وراءها ظهريًّا، وعافته بكرةً وعشيًّا، والله تبارك وتعالى يضاعف فيه مثوبة المتصدقين، ويجزل لهم العطاء بما أجزل لعباه المحتاجين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جوادًا كريمًا، بل مثال الجود والسخاء، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يعارضه جبريل بالقرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة (صحيح الإمام البخاري- كتاب بدء الوحي- باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله 1/6 رقم 6).

"ومنها الدعاء" والاستغفار؛ إذ هو شهر تفتح فيه أبواب الإجابة للسائلين، ويتقبَّل فيه الله التوبة من التائبين، ويضاعف فيه أجر العاملين المخلصين، وللصائم فيه دعوة ما ترد، وفرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه (صحيح الإمام البخاري- كتاب الصيام- باب هل يقول إني صائم إذا شتم 2/673 رقم 1805، وصحيح الإمام مسلم كتاب الصيام باب فضل الصيام 2/807 رقم 1151).. وإن في الجنة بابًا يقال له: الريان لا يدخله إلا الصائمون (صحيح مسلم كتاب الصيام باب فضل الصيام 3/808 رقم 1152، وشعب الإيمان للبيهقي باب في الصيام 3/297 رقم 3584).

فيا أيها المسلمون..

هذا رمضان قد أظلكم، فاحرصوا على ألا تفارقكم لياليَه المباركات وأيامه الطيبات، إلا وقد تزوَّدتم فيها بما يُرضي الله عنكم ويستدرُّ رحمته لكم في دنياكم، ومثوبته وحسن جزائه في أخراكم، وخير الزاد التقوى، وإنما يتقبل الله من المتقين.