وثيقة جنيف

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


وثيقة جنيف تشكل نعياً لخيار المفاوضات
المفاوضات مستمرة رغم ما يحدث!!!

يتنازع الشارع الفلسطيني خياران، خيار يمثل السلطة وهو خيار المفاوضات، وخيار يمثل فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس وهو خيار المقاومة.

وهذان الخياران يعكسان المواقف الاستراتيجية لكل طرف، والموقف الاستراتيجي الذي يتخذه طرف ما إنما يريد أن يحقق من ورائه أهدافاً محددة، فإذا لم يكن هناك هدف محدد وواضح المعالم عندئذ يصبح هذا الخيار عدمياً عبثياً فاشلاً، لأن أصحابه لا يعرفون ما الذي يريدون تحقيقه، وأما إذا كان الخيار الاستراتيجي له أهداف واضحة ومحددة وثابتة فيكون خيراً جدياً قادراً على تحقيق أهدافه ولو بعد حين.

وإذا قلنا بأن خيار المقاومة يهدف إلى حماية الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني من التآكل والضياع، ويسعى إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني المغتصب منذ عام 1948م، وحتى يتم ذلك يحرم التنازل عن أي شبر من فلسطين، أو عن أي حق من حقوقنا الوطنية المشروعة، نلاحظ هنا أن هناك أهدافاً واضحة تمثل العدالة من جانب، ومن جانب آخر تنسجم مع شرعنا الإسلامي الذي يراعي صيانة كرامتنا، ويحترم ثقافتنا ومفاهيمنا ومشاعرنا الوطنية، هذه الأهداف قد لا تتحقق جميعها دفعة واحدة، ولكن ما من شك أن بعضها يمكن أن يتحقق في زمن قياسي قصير، فيشكل مرحلة من مراحل التحرر الوطني. والبعض الآخر قد يحتاج إلى جهد أكبر وزمن أطول والمستقبل وحده كفيل بتحقيقه، فالانتصار يولد الانتصار.

ولكن أصحاب خيار المفاوضات في ظل الواقع المهزوم الذي تعيشه الأمة، والتفوق العسكري الذي يتمتع به العدوّ، وفي ظل المتغيرات الدولية التي لا تعمل لصالح القضية الفلسطينية وعدالتها، وفي ظل انحياز ما يسمى بالمجتمع الدولي الكامل لصالح الإرهاب الصهيوني والاحتلال، يرون أن مثل هذه الأهداف غير قابلة للتحقيق، وأن الذين يتمسكون بهذا الخيار عدميون عبثيون ولن يحققوا في النهاية إلا الفشل والدمار، ولا يفوتهم أن يذكرونا بالمثل القائل "الكف ما بيلاطم مخرز"، متجاهلين المأزق الحقيقي الذي يعيشه الاحتلال بسبب المقاومة الفلسطينية التي أفقدته أمنه واستقراره، مما يجعل خيار المقاومة خياراً واقعياً قادراً على تحقيق أهدافه، خاصة أن أصحاب خيار المفاوضات لم يثبتوا يوماً على هدف محدد.

ففي كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمفاوضات النهائية مع «الوفد الصهيوني» يوم 8/ 11/ 1999 م حدد ياسر عبد ربه رئيس الوفد الفلسطيني المعايير التالية التي تمثل سقف المفاوض الفلسطيني:

- انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 1967م وفقاً لقراري مجلس الأمن 242 و 338.

- لا يمكن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلا بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

- أن القدس في قلب الصراع في الشرق الأوسط، والقدس الشرقية هي أرض احتلت عام 1967م، ولا بدّ من التعامل معها بناء على قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة، مع ضمان حق الجميع في الوصول إلى الأماكن الدينية.

- أن النشاط الاستيطاني غير شرعي بموجب اتفاقيات جنيف، وبموجب العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا يمكن أن يشكل - في حال من الأحوال - مبرراً للاستيلاء على الأرض.

وهكذا فإن سقف المفاوض الفلسطيني بعد أوسلو شطب حق الفلسطينيين في 78% من وطنهم، وبذلك فقد ألغى حقنا التاريخي والقانوني والديني في فلسطين.

أما الموقف الصهيوني فقد كان واضحاً في لاءات «باراك» الشهيرة التي أطلقها عند انتخابه رئيساً لوزراء العدوّ: لا لعودة وتقسيم القدس، لا لعودة اللاجئين، لا للانسحاب حتى حدود 4 حزيران 1967، مع إصراره على الاحتفاظ بثلاث تجمعات استيطانية كبرى تمثل أكثر من 80% من مجموع المستوطنات في الضفة الغربية.

وبعد قراءة واعية لوثيقة جنيف لا بدّ أن نتساءل: ألم تكن هذه الوثيقة ترجمة دقيقة للاءات باراك؟! فقد شطبت حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وقد ضمنت للصهاينة الاستيلاء الكامل على القدس شرقيها وغربيها، كما أكدت على عدم الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وأعطت للصهاينة حق الاحتفاظ بمعظم التجمعات الاستيطانية، كما أعطتهم الحق باستباحة أجواء الضفة الغربية و قطاع غزة.

من كل ذلك يتبيّن لنا أن المفاوض الفلسطيني تنازل في أوسلو عن أربعة أخماس فلسطين وذلك بالتنازل عما تم احتلاله عام 1948، وأما في جنيف فقد تنازل عن بقية فلسطين، وذلك بالتنازل عن السيادة عما تم احتلاله عام 1967، فبالإضافة إلى التنازل عن القدس وعن الأراضي التي اغتصبتها المستوطنات، فقد حرمت الفلسطينيين من أي سيادة على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، في الوقت الذي حفظت فيه للسلطة دوراً وظيفياً بالسيادة على التجمعات السكنية الفلسطينية دون الأرض والسماء، ولئن سألت المفاوض الفلسطيني لماذا قبلتم بهذه التنازلات الخطيرة؟ أجابك بلا تردد: إن الجانب الصهيوني لا يمكن أن يقبل بأقل من ذلك!

والآن، وقد تبين أن سقف وثيقة جنيف هو السقف الصهيوني السابق، وأن غاية ما يمكن أن يصل إليه المفاوض الفلسطيني هو ما يمكن أن يقبل به الجانب الصهيوني، فلا غرابة إذن وقد رفض كل من شارون وبيرز هذه الوثيقة، أن الخطوة القادمة ستقود المفاوض الفلسطيني الى القبول بما هو أدنى من السقف الصهيوني السابق، فيخرج علينا قائلاً: الواقعية تقول إن الكثافة السكانية الفلسطينية الحالية في الضفة الغربية وقطاع غزة تشكل خطراً على الكيان الصهيوني، وبالتالي لا يمكن أن يستقيم معها حل يمكن للجانب الصهيوني أن يقبل به، فلا بدّ من وضع حدّ للخطر الديموغرافي على الكيان الصهيوني، ولا بدّ إذن من القبول بسياسة الترانسفير للفلسطينيين، لأنه ليس في إمكان الجانب الصهيوني أن يقبل بأقل من ذلك، أليست السياسة فن الممكن؟!

وبعد كل ذلك ألا ترون معي أن وثيقة جنيف تشكل نعياً لخيار المفاوضات؟!