وزير ماليـة الاخـوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

فهرس الكتاب

لقد ربانا الامام الشهيد على الزهد فى الدنيا وعدم التعلق بزخرفها ومغرياتها لأن ما عند الله خير وأبقى ولذلك لم يكن لدى الاخوان من الموارد المالية إلا ما يجود به هم أنفسهم كل على قدر طاقته . وكنت أعلم أن المساهمة فى هذه تبدأ من القروش الخمسة الى الجنيهات الخمسة شهريا اللهم إلا من بسط الله له فى الرزق فزاد على ذلك بما يوفقه الله اليه .

وظللت فترة " وزير مالية الإخوان " وما كان أسعدنى فى يوم أن أجد فى هذه ا لخزانة مائة وخمسين قرشا فقد كنت وقتها أرى أننا من الأثرياء إذ أن هذا المبلغ هو الفائض عن كل حاجات الخير .

وفقر بغير دين هو الغنى الكامل . كذلك ما كنت أسمح لأحد باستعمال التلفون إلا إذا دفع (ثلاثة تعريفة ).

وكان الداعية إذا ذهب الى لقاء أخوانى ليتحدث فى الدعوة أعطيه ( ثلاثة تعريفه ) .. منها ستة مليمات للذهاب ومثلها للعودة وثلاثة مليمات يشترى بها ما يروقه من الترمس والفول السودانى واللب الأسمر والأبيض . كنا حين ذاك أسعد أهل الأرض حبا ومودة ورضاء لا يشغلنا إلا دفع الدعوة للأمام وكان عملى فى دار الاخوان يبدأ من بعد صلاة العصر الى ما بعد صلاة العشاء وبدون مقابل طبعا .

وبهذه المناسبة فالكثير من الناس يظنون أن المال هو كل شىء وإن كنت لا أنكر أن فى هذا القول الكثير من الحق خاصة بعد أن قرأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( نعم المال الصالح فى يد الرجل الصالح ) وقوله : ( لأن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس ) ولكنى أعلم فى الوقت نفسه أن الرجل هو الذى يأتى بالمال وليس المال هو الذى يأتى بالرجال . وإذا ضاع المال فمن المحتمل أن يستعيد الرجل مركزه المالى ولكن إذا ضاع الرجل فمن الذى يأتى بالمال ولذلك أمرنا أن نطلب قضاء الحاجات بعزة الأنفس . إذ استساغ بعض الناس أن يأخذوا أى مال مقابل أى عمل حتى ولو كان هذا العمل مما لا يجوز فى عرف النفوس المؤمنة الكريمة أن يؤخذ عليه مقابل ما دام العامل فى غنى عن هذا المقابل .

إذا استساغ بعض الناس هذا تخفيفا لدفع المؤاخذه عننفسه فقد يظن أن كل الناس على غراره .

ولكن الله حمى الاخوان من الوقوع فى هذا الحرج ضنا بدعوته أن تكون موضع المساومة وإنى هنا أتحدث عن نفسى وإن كنت أعتقد فى الوقت نفسه أن الاخوان على هذا المستوى الرفيع مستوى الدعوة الى الله ابتغاء وجهه .


محاولة لرشوتى

قابلت أحد رؤساء الوزارات المصرية ـ ولا يزال حيا ـ لعمل خاص بالاخوان فى زمن السادات وبعد أن تبادلنا الحديث إذا به يعرج على الناحية المالية ويفاجئنى قائلا بأن الدولة تدعم كل الصحف والمجلات المصرية ومجلة الدعوة كمجلة إسلامية أحق المجلات بهذا الدعم وأدركت ما يهدف اليه الرجل فتملكت أعصابى وأجبته فى لغة عامية دارجة

( ياشيخ .. سايق عليك النبى ما تكلمنيش فى هذه الناحية ) وتنهت المقابلة وانصرفت .

وذات مرة دعتنى إحدى المجلات الدينية التى لا تزال تصدر حتى اليوم الى ندوة دينية تعقد فى دارها .. وحضرت وأثناء الحوار بالندوة ذهبت الى دورة المياه وعند خروجى من الدورة وجدت أحد موظفى ا لمجلة يقدم لى ورقة ويطلب منى التوقيع عليها . قلت : ما هذا ولماذا ؟ قال : هذا مقابل حضورك الندوة قلت : لو كنت أعلم أن الدعوة الى الله تدفعون لها مقابل لما حضرت .

قال : مصاريف الركوب والانتقال .. قال : ولكنهم جميعا يأخذون : قلت إننى لست من هذا الجميع أنا رجل على باب ا لله وانصرفت طبعا دون قبض أو توقيع . ومرة كنت أؤدى فريضة الحج وفى ( جده ) قابلنى الأخ ( م .ص) وما يزال حيا أطال الله فى حياته وقال : إن كبيرا يريد مقابلتى ليس من الأسرة السعودية وإن كان له بها صلة فرحبت مؤملا فى خير للدعوة وتحدد الميعاد وذهبت قبل ا لميعاد بخمس دقائق وهى عادتى فى كل مواعيدى لا بد من الذهاب الى الموعد متقدما خمس دقائق على ألأقل وحل الميعاد واستدعى الكبير سكرتيره ودعانى للدخول فوجدت أحد أبناء المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود موجودا معه ولم يتحرك الرجل من مكانه حتى وصلت اليه أمام كرسيه فوقف ولعله فعل ذلك محرجا وسلم وقد كنت ألبس شبشبا وجلبابا أبيض غير وجيه .

وجلس الكبير يتحدث عن الدعو الاسلامية ثم عرج على مجلة الدعوة وكانت لم تصدر بعد وقال : إنه يريد تدعيمها فأدركت هدفه وقلت له مقاطعا : سيادتكم طلبتم مقابلتى كداعية لا كجاب ولو كنت أعلم أنك ستتحدث معى فى مسألة نقود كنت اعتذر عن المقابلة ولذلك أرجو أن تسمح لى سيادتكم بالانصراف فتلقى الرجل هذه الغضبة فى هدوء وقال : لم أقصد ما ذهبت البيه ولكنى كمسلم أردت تدعيم عمل إسلامى . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال ما معناه : ( واستغن عمن شئت تكن أميره ) .

ولما انتهت المقابلة خرج والكبير ألآخر معى حتى أوصلانى الى باب المصعد ولما ينصرفا إلا بعد أن أخذ المصعد فى النزول .

وأذكر كذلك مرة أننى ذهبت الى أحد بلاد المنطقة العربية بمناسبة افتتاح موسم ثقافى وبعد ما تحدثت فى حوالى عشرة أمكنة جاءنى أحد الرسميين ومعه ظرف به خمسة وعشرون ألف درهم فقلت : ما هذا ؟ وظن الرجل أننى أستصغر المبلغ فقال : إن غيرك يأخذ نصف هذا المبلغ فقلت له : إنك فى واد وأنا فى واد آخر أنا لا آخذ أجرا على كلمة ألقيها فى سبيل الله وإن كان لا بد من دفع هذا المبلغ فضعه فى بنك من البنوك لحساب مجاهدى أفغانستان الأبرار . وطلبت بعض الصحف أن أكتب فيها متواصلا بأجر فرفضت لأنى لست صحفيا أولا .. وسواءأكنت مصيبا أو مخطئا فإنه أفضل دائما أن يكون كلام الدعاة بلا مقابل فذلك أدعى لاحترامهم وأدعى أن يكون الكلام يبتغى وجه الله والله من وراء النية و القصد .

لقد كان لدروس الثلاثاء التى كان يلقيها الامام الشهيد أثر بالغ فى تربية الرجال والشباب الذين كانوا يزحفون على المركز العام بالحلمية الجديدة قبل مغرب كل ثلاثاء زرافات ووحدانا لا من القاهرة وحدها ولكن من المديريات القريبة والبعيدة كانوا يقبلون على المركز العام بوجوه مستبشرة وقلوب منشرحة ورغبة متلهفة وكان الامام رضوان الله عليه يصلى بهم المغرب جماعة ثم يبدأ الحديث فى حوش المركز العام حيث الآلاف لا المئات من المستمعين الذين تعج بهم الدار من كل جنباتها وشرفاتها وما حولها وكأنما الناس فى مهرجان تحفه الملائكة وتغشاه الرحمة وتحيط به السكينة لا شوشرة ولا ضوضاء والكل متعلق ذهنا وقلبا وعينا بلؤلؤ النصائح جواهر التوقيت وكأنهم كانوا ينتظرون “ حسن البنا “ من المهد أو من قبل عشرات السنين .

أو كأنما وجدوا ضالة حفيت أقدامهم فى البحث عنها والجرى وراءها وكلت جهودهم حتى ساقها الله إليهم فى صورة إنسان اسمه حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ويظل الدر ينحدر من بين شفتيه الى أ ن يؤذن لصلاة العشاء فيصمت الشهيد حتى ينتهى المؤذن ثم يواصل محاضرته التى كان يتمنى الكل ألا تنتهى حتى صلاة الفجر ..

وقد أحس بخطر هذه الحركة النامية أعداء الاسلام خارج مصر قبل أن يحس بها كارهو المد الاسلامى فى كل مكان فبدأت المكائد والمؤامرات التى أ ثرت فعلا على مواصلة المسيرة وبطء أثرها وإن لم تؤثر على حيويتها وبقائها .. فقد كان الاخوان يلقون دروس الثلاثاء داخل السجون وفشلت كل المحاولات التى بذلت لصرفهم عنها وكأنها ميراث يتلقاه جيل بعد جيل كابر عن كابر مجاهد عن مجاهد صابر عن صابر ولله عاقبة الأمور .

وقد بدأت صورة دروس الثلاثاء بدء ا متواضعا جدا فكان مريدو الامام الشهيد ومحبوه يذهبون الى منزله بالسبتية بعد محطة السكة الحديد بقليل وكانوا فى حدود العشرات وكنا نجلس على حصيرة بيضاء فى صالة واسعة شأن غرف المنازل القديمة . وكان الشاى يقدم إلينا فى فناجين صغيرة جدا ملؤها رشافات قليلة لا عن بخل أو شح فما كان ا لبخل يعرف طبريقة الى جيب الاستاذ أو يده سبيلا وإنما كانت حدود الامكانيات هكذا ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .


ولو أنك رأيت الامام الشهيد تلك الأيام : عشرات على حصيرة ثم هو على المنصة فى المركز العام بالحلمية يحاضر المئات بل الألوف لعجبت غاية العجب أن “ حسن البنا “ الذى أصبح ملء السمع والبصر والسهل والجبل فى الاربعينات والخمسينات تواضعا وأدبا وعزوفا عن الاضواء وبعدا عن الشهرة .

فهرس الكتاب