آخر حوار صحفي للمستشار محمد المأمون الهضيبي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٤٩، ١ يونيو ٢٠١٢ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
آخر حوار صحفي للمستشار محمد المأمون الهضيبي

(09-01-2004)

مقدمة

  • أقول لإخواني: مهما ساد الغمام في الجو فإن نور الله أعز وأقوى.
  • نرجو أن يفيق حكام المنطقة من سكرة الحكم المطلق.
  • الإصلاح السياسي هو المدخل الوحيد لجميع مفردات الإصلاح الأخرى.
  • موقف شيخ الأزهر في قضية الحجاب يفتح بابًا شديد الخطورة.

كان آخر حوار صحفي للفقيد الراحل المستشار محمد المأمون الهضيبي - المرشد العام للإخوان المسلمين - هو الحوار الذي انفردت به جريدة "آفاق عربية" والذي نشرته بعددها الصادر أمس الخميس 8/1/ 2004 م، وكأنه يمثل الوصية الأخيرة للإخوان وماينبغي أن تكون عليه رؤيتهم للقضايا العامة من حولهم، حيث طرح عليه الزميل الأستاذ بدر محمد بدر عددًا من الأسئلة حول رؤية الجماعة للأوضاع على الساحة الداخلية والخارجية، فأجاب الأستاذ المرشد- يرحمه الله- أن توريث الحكم فى مصر مازال قضية قائمة؛ باعتبار اختيار رئيس الدولة لمن ينوبه، بغض النظر عن شخص هذا النائب، كما أكد ضرورة إلغاء قانون الطوارئ وإتاحة الحرية أمام الشعب لاختيار من يمثله تمثيلاً صحيحًا، وقال: إن الاصلاح السياسي هو المدخل الرئيسي والوحيد لجميع مفردات الإصلاح الأخرى.

وانتهى المرشد الراحل إلى وصيةٍ غاليةٍ وكأنه يودع إخوانه ببثِّ الأمل في نفوسهم فقال:

أذكّر نفسي وإخواني وأبنائي من المسلمين عمومًا, و الإخوان خصوصًا بقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200)، وبقوله عز وجل: ﴿وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: 3، 4), ومهما ساد الغمام في الجو, وربما أيضًا الظلم والظلمات, فإن نور الله تبارك وتعالي أعز وأقوى وأعلى, والمؤمن الحق يرى هذا النور ويؤمن به ويلتزم بهدايته, وهو يوقن كل اليقين أن فيه الفلاح والصلاح والنجاة في الدنيا والآخرة, ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾ (النور:40) وكل ما عدا نور الله فهو سراب ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (النور:39)، وفيما يلى نورد نص الحوار كاملاً.

نص الحوار

  • في أعقاب العدوان الأمريكي البريطاني على العراق , تحدث الكثيرون عن تغييرات في المنطقة لصالح الديمقراطية, لكن الواقع خيَّب الآمال, كيف ترون الديمقراطية والحريات في المنطقة العربية عمومًا وفي مصر خصوصًا؟
الحريات الخاصة والعامة ليس من المتصور عقلاً أن يهبها للشعب عدوٌ أجنبي, شنَّ الحرب على الدولة والشعب, وقتل الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال, وجميع طبقات الشعب, ولايزال يحمي وجودَه بقتل المزيد واعتقال الآلاف من أبناء الشعب, وليس من المتصور عقلاً أن دولة أجنبية تضحي بعددٍ- مهما قلّ- من أبناء شعبها.
وتنفق البلايين من ثروتها لمصلحة شعب آخر ودولة أخرى, والمستعمر دائمًا يهدف إلى تثبيت أقدامه في البلد الذي احتله بالقوة؛ لمغانم تعود عليه هو, ومنافع يريدها لشعبه هو، ولا يفرط في شيء من ذلك أبدًا, وهو دائمًا يسعى إلى مصالحه الذاتية, ولا قيمة عنده لأرواح وممتلكات البلد الذي استعمره واحتله, وغاية ما يهدف إليه العدو المستعمر أن يحاول ارتداء ثوب الناصح الأمين.
أو الذي يبذل الجهد لمصلحة الشعب, الذي هو في الحقيقة يعمل على إبادته, لذلك يلوّح بالحريات والمنافع المادية! وبكل أسف فإن الشعوب العربية والإسلامية في غالبيتها مبتلاة بحكام ظلمة, نشروا الاستبداد والفساد، وأذلّوا شعوبهم, وضاق الناس بهم، ويتطلعون إلى الخلاص منهم, والعدو المستعمر يستغل هذه المشاعر ليدلِّس عليهم, بأنه هو المنقذ لهم, والصديق الوفي الذي يوفر لهم الحرية والأمان والثروة.. وهذا كله كذب..
وتاريخ الاستعمار في منطقة الشرق الأوسط وفي غيرها من أفريقيا وآسيا, يقطع بأنه امتص ثرواتها ليبني مجده, وليبني صناعته وحضارته وأدوات الحرب والفتك التي يستعين بها لقهر البلاد المحتلة، وأنه عمل علي إقامة حكام ظلمة مستبدين أورثوا بلادهم التخلف الفكري والثقافي والأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي.
ولا ننس أن المستعمرين هم الذين مكَّنوا للصهيونية في فلسطين ، وأورثوها الاستعمار الاستيطاني الذي يستأصل أهلها, ولايزال هذا الحال قائمًا منذ نحو 60 عامًا, ولايزال انحياز الدول الاستعمارية للصهيونية على أشده, ومازالت نظرتهم إلى من يجاهد لتحرير أرضه على أنه إرهابي وأنه هو المعتدي!..
أما الصهيوني المحتل المستأصل لأهل البلد, فهو حبيبهم الذي يؤيدونه بالمال والسلاح.. وإذا أردنا أن ننظر إلى أواسط أفريقيا وما عليه من تخلف وفقر مدقع نتيجة الحكم الاستعماري الذي حكمها لقرون ولا يزال هو صاحب النفوذ فيها, فهيهات هيهات أن يُرجى من المستعمر صلاح أو حرية حقيقية.

على الحكام أن يفيقوا

  • وماذا عن المستقبل؟
نحن نرجو أن يفيق حكام المنطقة من سكرة الحكم المطلق الاستبدادي الذي يسومون به شعوبهم, وأن يدركوا أنهم يعملون على هدم كل ما هو صالح ومفيد في بلادهم, والنهاية المؤسفة ستدور عليهم كما دارت على غيرهم, ونأمل أن يحاولوا إصلاح ما بينهم وبين شعوبهم.
كما نأمل من الشعوب أن تتحرك وتنتفض بصورة سلمية, وهي تكفي للضغط على الحكام كي يحققوا لهم حرية وعدالة وإصلاحًا حقيقيًا ومشاركة حقيقية في أمور بلادهم, ولو أن أعداء الأمة الذين يلوحون الآن بالديمقراطية امتنعوا عن تأييد الحكام المستبدين- (ولا تنس أن رئيس الولايات المتحدة جورج بوش صرح منذ فترة قصيرة بأن شعوب الشرق الأوسط تكره أمريكا, لأنها ساندت الحكام المستبدين خلال الستين سنة الماضية)- لكفى هذا كي تستطيع شعوب المنطقة أن تحقق الكثير من حريتها.

مزاعم التطوير السياسي

  • الانتخابات التكميلية الاخيرة في مجلسي الشعب والشوري بمصر كيف ترون دلالتها فيما يتعلق بمدى قناعة السلطة بإعطاء الحرية للشعب؟
الانتخابات الأخيرة أكدت- بكل أسف- أمرين: الأول وهو الأخطر والأفظع, إسقاط ما كان يسمى بالسلطة القضائية؛ فإن السلطة التنفيذية أصرّت على أن تضرب عرض الحائط وتدوس بالأقدام على أحكام المحكمة الدستورية العليا والهيئة العامة لمحكمة النقض والهيئة الرئاسية لمجلس الدولة, التي أجمعت كلها علي بطلان هذه الانتخابات وعدم جواز إجرائها لمخالفتها للدستور والقانون..
إذن السلطة التنفيذية سلبت القضاء المصري بدرجاته العليا من أن يكون سلطة, كما هو منصوص عليها في الدستور يجب احترامها وإنفاذ أحكامها.. وهذه مصيبة كبرى لم تمر مصر بمثلها خلال المائة سنة الماضية.
والأمر الثاني فإنه تأكد أن مزاعم التطوير السياسي وما قيل عن تحاور إلى غير ذلك, كلها أقوال للتخدير والتهدئة, والحقيقة أن الفئة المستأثرة بالثروة والسلطة تأبى بكل شدة أن تغير قيد أنملة أو أن يكون لأي جهة أخرى أو للشعب أي تدخل قد ينتقص مما استبدت به وآثرت نفسها به, وهي تقاتل مقاتلة المستميت وبكل الطرق في سبيل بقائها.

أولويات الإصلاح

  • ما رؤيتكم لأولويات الإصلاح في مصر ؟ هل هي تتركز في الإصلاح السياسي فقط؟
الإصلاح السياسي هو المدخل الرئيسي والوحيد لجميع مفردات الإصلاح الأخرى رغم أهميتها، وفي المقدمة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والتعليمي.. إلخ, فلا سبيل- مع جمود النظام السياسي وفساده- إلى إجراء إصلاحات في كل مؤسساته الأخرى, والتي هي أيضًا ضرورية ونحن في أشد الحاجة إليها, وواقع الحال يؤكد ذلك فلأكثر من 50 سنة مضت تعالت صيحات أنه لا إصلاح سياسي إلا بعد الإصلاح الاقتصادي.
وما حدث أن النظام الاقتصادي انهار واستشرى الفساد وانهار التعليم وانهارت الثقافة, وانهارت الحياة الاجتماعية والقيم الأخلاقية, وباستثناء القلة المستأثرة بالسلطة والثروة فإن جميع طوائف الشعب وجميع المثقفين والمفكرين أكدوا مرارًا وتكرارًا أنه لابد من تحقيق إصلاح سياسي وإصلاح نظام الحكم ومؤسساته، وأنه لا خروج للأمة من أزماتها المتلاحقة التي تكتنفها إلا بتحقق ذلك.

توريث الحكم في مصر

  • تحدث الرئيس مبارك في الأسبوع الماضي مؤكدًا أنه لا توريث للحكم في مصر , كيف استقبلتم هذا التأكيد الواضح؟
ربما قصد السيد الرئيس أنه لن يستخلف ابنه السيد جمال مبارك بعده, وهو بهذا لعله أنهى مقولةً استقرت منذ نحو عامين, وكان واقع الحال يؤيدها, وهو أن الإعداد يتم لكي يتولى السلطة السيد جمال مبارك بعد والده.
ولكن حقيقة الحال أن التوريث قائم ولا يزال مستمرًا حتى ولو تم اختيار آخر غير السيد جمال ليخلف السيد الرئيس, فالسيد جمال عبد الناصر ورّث الحكم والسلطة في مصر للرئيس أنور السادات , لأنه جعله النائب الوحيد له.
وهو يعلم أنه بنص الدستور سيتولى السلطة بعده- ولو بصورة مؤقتة- ولكن سيقبض على زمام الأمور؛ خصوصًا مع انعدام وجود أي شخصية أخرى يمكن التطلع إليها لتتولى السلطة غيره, ونفس الحال حدث بتعيين الرئيس أنور السادات للسيد حسني مبارك نائبًا أوحد له, والتمكين له في السلطة, فلما خلا مكان الرئاسة كان هو القابض على زمام الأمور, وأيضًا انعدام وجود أي شخصية يمكن التطلع إليها..
ونحن الآن في نفس الوضع, والسبب الرئيسي في هذا هو انعدام وجود مؤسسات دستورية وقانونية ذات حقيقة وأثر وفاعلية, تشارك بجدية في إدارة مؤسسات الدولة, ففيما عدا مؤسسة الرئاسة, فإن المؤسسة التشريعية (مجلسي الشعب والشوري) متهالكة الضعف, وليس لها أي فاعلية حقيقية في تسيير شئون وأمور الدولة.
وبالتالي فالفراغ قائم.. وإذا قرر الرئيس مبارك اختيار أي نائب له فسيكون هو الوريث للسلطة والمتمكن منها مع استمرار ذات الوضع, وهو انعدام تواجد أي شخصية أخرى يمكن التطلع إليها أن تكون لها رئاسة الدولة.. فحقيقة الحال أن التوريث قائم, بل هو الطريق الوحيد حتي الآن لمن يتولى سلطة الرئاسة.

لابد من الإصلاح

  • إذن ما هو الحل من وجهة نظركم؟
نحن نادينا مرارًا وتكرارًا بأن يجري إصلاح سياسي يؤكد الحريات العامة والخاصة ويصونها, ويؤكد احترام الدستور والقانون وإنفاذها بجدية صحيحة, بما يحقق العدل والإنصاف, ويصون كرامة المواطن, وما يؤدي إلى أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وحقيقية من أولها إلي آخرها معبرة تعبيرًا صحيحًا وصادقًا عن الإرادة الشعبية, ومن ثم تكون المشاركة الشعبية حقيقية.
ويكون المجلس النيابي له سلطة فاعلة وقادرة مع باقي مؤسسات الدولة علي الحفاظ على كيان الدولة, وتتطور القيادات السياسية بصورة سلمية وأيضًا بصورة تنافسية تسمح باختيار الأجود والأصلح والأكثر تأييدًا من الشعب, وأن يكون المجلس النيابي له سلطة المحاسبة وإحداث التغيير السلمي إذا لزم الأمر, وهذا يقتضي بالضرورة إلغاء حالة الطوارئ المستمرة منذ أكثر من 22 عامًا.
كما يقتضي الأمر إيجاد هيئة موثوق بها وبنزاهتها, تتولى الانتخابات والإشراف الحقيقي على كل مفرادتها من أول تحرير كشوف الناخبين ووضع نظام انتخابي مناسب مستقر غير عرضة للتعديل بين كل دورة وأخرى, وأن يكون للمجلس النيابي سلطات حقيقية، وأيضًا لابد من إطلاق حرية الإعلام بكل أنواعه, وحرية الاجتماعات العامة وحرية تشكيل الأحزاب.. إلخ، ما أصبح معروفًا وما نادت به جميع المؤسسات والأحزاب طوال العشرين سنة الماضية.
  • هل تتعرضون حاليًا- كجماعة- لمزيد من الضغط الأمني, أم أن الأمور عادية؟
الضغط الأمني واقع بصفة مستمرة لم تتغير ولم تتبدل, بل إنه ازداد منذ بداية التسعينيات, ودائمًا تتعرض أعداد غير قليلة من الإخوان للاعتقال وللسجن وللمحاكمات العسكرية فضلاً عن التعذيب والإهانة ومحاربة الناس في أرزاقهم.

قضية الحجاب

  • مؤخرًا أعلن شيخ الأزهر أن قضية الحجاب في فرنسا مسألة داخلية, وأن المرأة التي تُجبر على خلع الحجاب هناك تأخذ حكم المضطرة, ما هي رؤيتكم لهذا الموضوع؟
نحن أعلنّا موقفنا من المشروع الذي نادى به الرئيس الفرنسي تحت بند منع المظاهرات الدينية في المدارس, وقلنا إن ما أُعلن بهذا الخصوص واضح أنه لا مجال لتطبيقه إلا علي الفتاة المسلمة التي تضع ما يغطي شعر رأسها ونحرها وصدرها, وقلنا إن هذا ليس كما يقول الرئيس الفرنسي شعارًا لإعلان إسلامها، ولكن الحجاب فريضة على المسلمة تخضع لها بحكم مقتضيات دينها, وإلا كانت عاصية لربها, وهذا بإجماع فقهاء وعلماء المسلمين في جميع العصور وفي جميع البلاد.
وقلنا أيضًا إن الحقوق الإنسانية وما يقال عن المبادئ العلمانية لا تمنع أي إنسان من أن يمارس شعائر دينه, سواء طبقًا للأسس التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية, أو مما صدر في الحقوق العامة والمواثيق التي أقرتها الأمم المتحدة.
وكون الحجاب فريضة إسلامية فإن فضيلة شيخ الأزهر أكد هذا، غير أن ما أضافه بأن من حق الدولة الأجنبية أن تصدر من التشريعات ما تشاء ولو أجحفت حقوق المواطن أو الأجنبي المقيم بها, فإن هذا شيء نعترض عليه؛ أولاً لأن المواثيق الدولية قررت عكس ذلك, وتوجب على الدولة احترام الحقوق الشخصية للمواطن ولغير المواطن الذي يقيم بها.
خصوصًا إذا لم يكن في هذه الحقوق الشخصية ما يضرّ بالمجتمع أو بالناس الذين يعيشون حوله، والأمر الثاني أن المطروح هو مشروع قانون, وكان المطلوب إقناع القيادة الفرنسية بعدم سلامة هذا المشروع؛ لأنه مجحف بحق الفتاة المسلمة, سواء أكانت مواطنة فرنسية أم أجنبية تعيش في فرنسا، فارتداء الحجاب موضوع شخصي فقط ليس له علاقة بغير الفتاة التي ترتديه.
ولا شأن لأي شخص آخر سواء كان رجلاً أو امرأة, خصوصًا إذا وقع هذا في بلد يباح فيه العري الكامل, وممارسة الزنا على قارعة الطريق, وتفتح فيه أبواب الدعارة الرسمية وغير الرسمية تحت شعار إن هذا من الحريات العامة التي لا يجوز المساس بها.
ومن ثم فإن موقف شيخ الأزهر في الواقع عجيب وغريب, وقد رفضه كل أعضاء مجمع البحوث الإسلامية, وكل المفكرين والفقهاء في مصر وخارج مصر, ونحن نعيد رفضنا لذلك المشروع الذي يُعد في فرنسا، ونقول إنه يفتح بابًا شديد الخطورة.
إذ أن الفكرة التي يقوم عليها- حسبما يدّعون- أن الحجاب إنما يعلن عن أن الفتاة تعلن الإسلام فإذا أقر هذا المبدأ, فماذا سيكون الحال بالنسبة لأسماء الناس! وقد يكون ذلك أشد إظهارًا للهوية الدينية لحامله, فمثلا إذا وجد شخص فرنسي اسمه محمد أو فتاة اسمها خديجة, أو غير ذلك من الأسماء التي تعلن انتماء صاحبها للدين الإسلامي.
فهل يا ترى سوف يُقال إن هذا شعيرة دينية تخالف نظام الدولة العلماني? وبالتالي تمنع الأسماء الإسلامية! يجب على المسلمين في جميع أقطار العالم أن يتكاتفوا على استنكار هذا المشروع, وألا يتكاسل أحد في الدعوة إلى عدم إقراره ومخاطبة السلطات الفرنسية بهذا الرأي, والتنبيه إلى خطورة هذا الأمر.

نعم للأمل والرجاء

  • هل من كلمة أخيرة؟
بإيجاز شديد, ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200)، وبقوله عز وجل: ﴿ وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: 3، 4), ومهما ساد الغمام في الجو, وربما أيضًا الظلم والظلمات, فإن نور الله تبارك وتعالي أعز وأقوى وأعلى, والمؤمن الحق يرى هذا النور ويؤمن به ويلتزم بهدايته.
وهو يوقن كل اليقين أن فيه الفلاح والصلاح والنجاة في الدنيا والآخرة, ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾ (النور:40) وكل ما عدا نور الله فهو سراب﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (النور:39)، ونحن لا شكّ نحزن لحال المسلمين.
ونحزن أكثر عندما نرى بعض من يتبوءون المناصب الرسمية المتصلة بالدعوة الإسلامية, تظهر أخطاؤهم واضحة جلية, بما قد يوهن في النفس المؤمنة، ولكن ما دمنا نسير بنور الله فلا محل ليأس بل الرجاء ثم الرجاء, ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح:5، 6), فرغم العسر الشديد فقد ظهرت علامات الرجاء, فها هي انتفاضة إخواننا في فلسطين تدخل عامها الرابع.
وهي صامدة تواجه طغيان أشد أعداء الله كفرًا وإيذاءً وبطشًا وتنكيلاً, وهي مع ذلك تنال منهم في الصميم, تقلق مضاجعهم وتسهر لياليهم, وتجعلهم حيارى غير مطمئنين, وتلحق بهم أضرارًا نفسية واقتصادية واجتماعية كبيرة وشديدة.
وها هي المقاومة في العراق , ورغم حداثتها, تفتك بالعديد من جنود الاحتلال والعدوان وتفسد عليهم ما كانوا يأملونه من طغيانهم وعدوانهم.. ولا ننس أيضًا من تباشير الخير, تلك الجموع الحاشدة التي قدرها المراسلون الأجانب بنحو 300 ألف.
والتي جاءت طواعية وبحب وبحزن لتشيع جنازة مرشدنا السابق الأستاذ مصطفي مشهور- رحمه الله وأجزل له المثوبة- خرجت هذه الجموع بإحساس دافق ومحبة بالغة, لم يحشدها حاشد, وبذلت من حُرّ مالها, وتحملت مشاق كثيرة وعديدة, ورغم كل ذلك كانت مثالاً للتربية الإسلامية الصحيحة وللخلق الرفيع, بحيث لم يصدر من أي شخص منها هفوة يتسقطها الأعداء الذين يتربصون بنا من كل جانب.
ومن التباشير المماثلة المضيئة أيضًا ذلك الحشد الضخم الذي تمَّ في استاد القاهرة والذي حضره نحو 160 ألفًا من الإخوة الكرام من شعب مصر ؛ لإعلان معارضتهم وسخطهم لعدوان أمريكي انجليزي متوقع على العراق, وما اتسم به أيضًا ذلك الحشد الضخم من نظام دقيق, ومسلك راقٍ طيب رفيع المستوي, كان محل إجلال واحترام الجميع..
فهذا إن دل على شيء, فإنما يدل على أنكم- أيها الإخوان - ما زلتم بفضل الله بخيرٍ عميم، وفهمٍ عميق لرسالتكم, والتزامٍ دقيق بأحكام دينكم, ورجاؤكم الأول والأخير في وجه الله تبارك وتعالى, ومن ثم فإن البًشر واردٌ، والبشارة لائحة، والأمل قوي ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ (الحج:40)، ﴿ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ (يوسف:21).

المصدر


تعرف معنا على المزيد

روابط داخلية

كتب متعلقة:

أبحاث ومقلات متعلقة:

مؤلفاتة:

متعلقات

روابط خارجية

أبحاث ومقلات متعلقة:

تابع الروابط الخارجية:

تابع الروابط الخارجية:

روابط فيديو: