أحمد تيمور

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٥١، ٣ سبتمبر ٢٠١٨ بواسطة Man89 (نقاش | مساهمات) (←‏مقدمة)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحمد تيمور باشا .. راعي التراث الإسلامي (1871-1930م)

موقع إخوان ويكي ويكيبيديا الإخوان المسلمين

إعداد: محمد السيد الصياد .. معيد بجامعة الأزهر

مقدمة


يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله في "مذكرات الدعوة والداعية" :

كما كان ينفس عن نفسي كذلك التردد علي المكتبة السلفية ، وكانت قرب محكمة الاستئناف ، حيث نلقي الرجل المؤمن المجاهد العامل القوي العالم الفاضل والصحفي الإسلامي القدير "السيد محب الدين الخطيب" ، ونلتقي بجمهرة من أعلام الفضلاء المعروفين بغيرتهم الإسلامية وحميتهم الدينية ، أمثال فضيلة الأستاذ الكبير السيد محمد الخضر حسين التونسي ، والأستاذ محمد أحمد الغمراوي ، وأحمد باشا تيمور رحمه الله تعالي ... "مذكرات الدعوة والداعية"

كان الإمام البنا رحمه الله يحضر مناقشات تيمور الفكرية ، ويتابع النشاط العلمي الهائل الذي خلفه تيمور باشا ، بيد أن الإمام البنا كان لا يري أن العلم ينضج ويكتمل إلا إذا انسحب بريقه إلي بناء الإنسان والبنيان .. عندما يكون العلم أداة للحضارة ، وتهذيب الأخلاق العامة ، والخاصة .

وذلك الملمح يلفت إليه الإمام البنا النظر فيقول :

ولكن هذا القدر لم يكن يكفي ولا يشفي ، وخصوصا وقد اشتد التيار فعلا ، وصرت أرقب هذين المعسكرين فأجد معسكر الإباحة والتحلل في قوة وفتوة ومعسكر الإسلامية الفاضلة في تنقص وانكماش ، واشتد بي القلق حتى إني لأذكر أنني قضيت نحوا من نصف رمضان هذا العام في حالة أرق شديد لا يجد النوم إلي جفنى سبيلا من شدة القلق والتفكير في هذه الحال ، فاعتزمت أمرا إيجابيا وقلت في نفسي : لماذا لا أحمل هؤلاء القادة من المسلمين هذه التبعة وأدعوهم في قوة إلي أن يتكاتفوا علي صد هذا التيار ؟ فإن استجابوا فذاك ، وإلا كان لنا شأن آخر . وصح العزم علي هذا وبدأت التنفيذ ... "مذكرات الدعوة والداعية".

تيمور الباحث الدؤوب

يقول العلامة الأديب محمد رجب البيومي رحمه الله : لأحمد تيمور مزاياه الكثيرة ، ولكن الذي حفزني منها إلي الكتابة عنه ، ناحية هامة لها دلالتها البعيدة عن نفسيته الكبيرة ، ذلك أنه ترك مخطوطات كثيرة من قلمه ، كان يستطيع دون جهد ما أن ينشرها علي الناس ، فلم يشأ الإعلان عن نفسه بذلك ، وقد كان يشتري المخطوط القديم بعشرات الجنيهات ليضمه إلي مكتبته التي تقدر بعشرات الآلاف . ولكنه لم يُعن بنفقة ضئيلة ينشر بها إنتاجه الزاهر ، فرارا من الشهرة التي يتكالب عليها الكتاب .

وقد لحظته عناية الله فقدرت لمؤلفاته بعد وفاته لجنة علمية تقوم علي نشرها العلمي الدقيق وذلك ما يطمئنا إلي عدالة القدر ، إذ الأعمال بالنيات .

وقد عاش الرجل في عصر كانت المقالات العلمية به تجد تشجيعا ماديا من أصحاب الصحف ، وحسب الكاتب أن يكتب فينشر ، فذلك كل ربحه مما يعاني من البلاء ، ولكن تيمور كان يتتبع المقالات الجيدة في صمت ثم يسأل عن أصحابها المغمورين ، فإذا وجدهم من ذوي الحاجة إلي التشجيع قدر لهم مكافأة طيبة ، لكل مقال يقرؤه ، وقد أشار الأستاذ محمد علي غريب إلي شيء من ذلك فيما كتبه عن نفسه ، مما يدل علي أن العلامة تيمور رحمه الله كان ذا رصيد خلقي ممتاز ، فهو يسقط غيثه حيث يصادف الأرض الطيبة في صمت هادئ ، كيلا يثير حوله الضجيج .

إن رجلا متواضعا ينحو هذا النحو المثالي في منهجه ، لجدير بترداد مآثره ، وبخاصة إذا كانت حياته شذوذا غريبا بين أبناء طبقته ، فأكثر من نشئوا نشأته لم يكونوا يفكرون في علم أو أدب أو جهاد ، بل عكفوا علي لذائذهم الفانية في النوادي المترفة والسهرات الصاخبة .

وقد غشيت عقولهم طبقات من الجهل المتراكم ، كما غشيت نفوسهم طبقات أخرى من التبلد والجمود ، فإذا شذ من هؤلاء المترفين راهب يسبّح في دير العلم ويواصل الجهد الحافل في البحث والتنقيب ، مضحيا بأعز ما يملك من صحة ومال ووقت ، كان جديرا بإنصاف الباحثين ، ولا أقل في ذلك من أن يعلم الناس طرفا من جهاده الشريف : عندما وفد محمد علي إلي مصر علي رأس قوة عسكرية تضم من الجنود رجالا أخلصوا لقائدهم فساعدوه علي تحقيق ما يرمي إليه من أغراض . وكان محمد تيمور كاشف أحد هؤلاء الذين عقدت أواصر المحبة بينهم وبين والي مصر ، فتقلب في مناصب عدة ، وأظهر من الكفاية والإخلاص ما حببه إلي النفوس.

وجاء ولده إسماعيل من بعده ، فوصل إلي ما لم ينله والده ، حيث كان رئيسا للديوان الخديوي العالي ، فناظرا لخاصة ولي العهد "محمد توفيق" . كان إسماعيل ذا علم وفضل ، فقد حرص علي تثقيف عقله ، وإنارة ذهنه ، فأكثر من المطالعة ، واقتني الكتب والصحف النافعة ، وكان يقول لأصدقائه : "إني لأستحي أن أري الكتاب فلا أصفحه" .

وفي بيته العريق نشأت كريمته الزعيمة الأولي للنهضة النسوية في مصر ، ثم وُلد له قبل وفاته بسنتين –في 5 نوفمبر 1871م- ولده العلامة الثبت المغفور له أحمد تيمور .

نشأ الطفل في بيئة مثقفة ، فقد كانت أخته الشاعرة تلقنه الحروف الهجائية والأرقام الحسابية ، وحين ناهز الثامنة أخذ يحفظ القرآن علي يد مدرس خاص ، حتى أتمه في مدة وجيزة ، ثم التحق بمدرسة كليبر الفرنسية ، وهي يومئذ مدرسة الخاصة من أبناء الأعيان ، فأتقن بها اللغة الفرنسية ، وكانت آخر عهده بالمدارس ، فخرج منها إلي بيته في سنه الباكرة ونعيمه المديد .

لم يركن الناشئ إلي اللهو في ظلال الغني الوارف ، والثراء الطائل ، كأبناء الأعيان في عهده بل شغف بالدراسة والبحث في صباه الزاهر ، فاختار لنفسه أساتذة من كبار العلماء بالأزهر ، يدرسون له ما ينفعه من العلوم التي تتصل باللغة اتصالا وثيقا فكان من مشايخه الأستاذ الإمام محمد عبده وحسن الطويل ومحمد محمود الشنقيطي ، كما أتقن الفارسية والتركية علي المرحوم حسن عبد الوهاب .

ولقد كان منزل الأستاذ محمد عبده في عين شمس ندوة علمية زاخرة يؤمها كبار المثقفين في مصر ، فيطيب السمر في مجلس وقور تتعدد فيه المشارب ، وتختلف الألوان ، فمن أدب ولغة ، إلي سياسة واجتماع ، إلي فقه وقانون . وكان العلامة أحمد تيمور يحرص علي مجلس أستاذه ، فتعددت معارفه ، وتفتحت أمامه أبواب مغلقة ، دفعته إلي البحث ، وشجعته علي الاطلاع ، لذلك أنشأ في منزله بدرب سعادة ندوة كندوة أستاذه محمد عبده ، وجعلها موردا رائقا لأعلام الفكر ، وأمراء المعرفة ، فكنت تجد فيها السياسيين والأدباء والفقهاء والقانونيين .

ولقد كانت اللجنة التي ألفها الأستاذ الإمام محمد عبده لإحياء الكتب العربية ، صيحة قوية في آذان الغافلين عن التراث العلمي الضائع ، فاتجهت الأنظار إلي العناية بالمخطوطات القديمة ، وكان لأحمد تيمور باشا مجهود كبير في هذا المضمار ، فقد بذل ثروة طائلة في إنشاء مكتبته العامرة ، ولا يقدر جهده إلا من يعلم أن المخطوطات العربية كانت في هذا الزمن تحفا غالية تزدان بها حجرات الأغنياء والموسرين ، حيث يتفنن كل ثري في جمع الصحائف وتجليدها ورصا ، لتكون أداة من أدوات الزينة مهما كلفته من مال ، وإن كانت لا تفيده أقل فائدة ، لانقطاع صلته بالبحث ، وعزوفه عن القراءة ، فهو إذ يجمعها في بيته ، يهتم بالحلية والزينة ، لا بالقراءة والاستفادة فإذا طلبها باحث من أهل العلم تعذرت عليه .

فبذل أحمد تيمور لهؤلاء ثمنا غاليا حتى أغراهم بالتنازل عن مجلداتهم إليه ؛ أضف إلي ذلك جهده الدائب في جمع ما تبعثر في المتحف الأوربية من مخطوطات ، فقد كان يستنسخ بالصور الفوتوغرافية من مكتبات أثينا وروما والآستانة وباريس والفاتيكان ما يعلمه من ذخائرها العربية .

وصادف أن ذهب لآداء فريضة الحج سنة 1312 فشاهد بالمدينة المنورة مكتبة شيخ الإسلام إذ ذاك عارف حكمت فهام بها بما تحتويه من نوادر المؤلفات وغرائب المخطوطات ، فنسخ صورة من فهرسها الجامع ، وأخذ يبحث عما تضمنته من مجلدات .

وكثيرا ما كان يكلف دور الكتب في القاهرة ودمشق والقدس بإرسال صور فوتوغرافية لما ليس لديه من مخطوطاتها الثمينة ، حتى تكونت له خزانته العامرة ، فكانت تضم أكثر من عشرين ألف مجلد ، ما بين مطبوع ومخطوط .

وذلك فوق ما لديه من مصادر إنجليزية وفرنسية ، وخاصة ما يتصل منها بآداب العربية ومعارف شرقية . ثم بني لمكتبته دارا خاصة بالزمالك ، وأعد بها حجرة لنومه ، وأخرى لغذائه ليتسنى له أن يقضي بها أكثر أوقاته ، كما وضع لها فهرسا عاما وقع في عدة مجلدات . والغريب أنه بعد أن أقر عينه بهذه الذخيرة الغالية ، وقفها علي طلاب العلم والمعرفة في الشرق ، إذ أهداها إلي دار الكتب المصرية بالقاهرة .

وكانت وفاة الأستاذ الإمام محمد عبده كارثة كبرى علي الشرق الإسلامي ، جزع لها أحمد تيمور أشد الجزع ، فأوصد ندوته ، وحمل مكتبته إلي ضيعته في قويسنا وظل معتكفا بها وقتا مديدا حتى زاره العلامة الأستاذ محمد كرد علي فعرض عليه أن ينتقل ثانية إلي القاهرة ، لأن مكتبته الثمينة معرضة للضياع في هذه الناحية المهملة وقد يشتعل الحريق في ضيعته كما يحدث كثيرا في قري الريف فتذهب مكتبته سدي ، بعد أن تجشم في جمعها ما تجشم ، فراقه هذا الرأي ، وقدم إلي القاهرة ، لا ليفتح ندوته ، بل ليعكف علي أبحاثه في جو علمي هادئ وكانت أعوام خصيبة ، كتب فيها تيمور مؤلفاته ، فرفع الراية العلمية ونزل إلي الميدان .

والطريقة التي كان يعالج بها المؤلف أبحاثه لا تتصل إلي الطرق المألوفة لدى كتابنا اليوم بسبب ، فمعظمهم ينشد الصيت العاجل ، فيعمد إلي الإكثار بدون روية وتمحيص ، ولكن أحمد تيمور باشا كان يكتب ما يعالجه في روية تامة وطمأنينة كاملة ، وأحيانا يبدأ في الكتاب ثم ينتقل إلي غيره حتى تتوافر لديه الوسائل لاستيفاء ما بدأ به ؛ لذلك نجد كثيرا من مؤلفاته المطبوعة بعد وفاته لم تستكمل ما تتطلبه من الأبواب والفصول .

وما دام الكاتب نازعا إلي استجلاء الغامض ، وإكمال الناقص ، فهو لا يعالج غير المواضيع الهامة ، حيث يبحث عن الفراغ في المكتبة العربية فيعمل علي ملئه .

ونظرة إلي مؤلفاته الكثيرة ، تؤكد لك ما نقوله أبلغ تأكيد ، فهو يكتب مثلا في الحلقة المفقودة في تاريخ مصر بين الجبرتي وابن إياس ، ليكون تاريخ الكنانة كاملا غير منقوص ، كما يتكلم عن طبقات المهندسين العرب ، ثم يثني بالكلام عن طبقات الأطباء، لأنه يري الماضين من المترجمين قد أرخوا للنحاة والفقهاء والملوك والأولياء والأدباء وتركوا الأطباء والمهندسين ، وهنا ندرك الفارق الكبير بين الكاتب الذي يتعجل الشهرة ، فيلجأ إلي الموضوعات المطروقة ، والباحث الذي يخدم الحقيقة ، فيفني حياته في البحث والتنقيب .

ولقد كان الرجل متيقظا إلي ما تخرجه المطبعة من كتب وأبحاث ، فهو يقرأ ما يري فيه النفع والإفادة ، فإذا شاهد خطأ بادر إلي تصحيحه في أمهات الصحف السيارة: كالمؤيد والهلال والفتح والهداية والزهراء والمقتبس والمقتطف .

وحسبك أن تعلم أن بين آثاره :

  1. تصحيح القاموس .
  2. تصحيح لسان العرب .
  3. نقد القسم التاريخي من دائرة المعارف الوجدية .

وكلها ناطقة بعمقه في النقد وأدبه في الرد .

علي أن مجرى الحوادث في زمنه قد كان يفتح أمامه باب التأليف خدمة للحقيقة ودحضا للباطل ، فقد ألف كتاب "معجم اللغة العربية" ليرد به علي الدعوة التي قام بها المغرضون لنصرة العامية علي العربية، كما سطر كتاب البرقيات ، ليشهد بفضل اللغة واتساع صدرها .

ومن آثاره القيمة كذلك :

غلاف كتاب الآثار النبوية أحمد تيمور باشا
  1. ضبط الأعلام .
  2. لعب العرب .
  3. الآثار النبوية .
  4. التصوير عند العرب .
  5. تراجم الأعيان .
  6. موضع قبر الإمام السيوطي .
  7. المذاهب الأربعة .
  8. نوادر المسائل .
  9. مذهب الزيدية ونحلهم .
  10. أبو العلاء المعري .
  11. الحب عند العرب .

وغير ذلك، حيث لم تطع أكثر مؤلفاته في حياته ، عزوفا عن الشهرة ، وتجنبا للغرور.وكتاب النوادر مخطوط ثمين ، جمع فيه المؤلف ما وقعت عليه عينه من طريف الأخبار ، وشتى المِلَح ، فهو يشبه "نقل الأديب" للمرحوم الأستاذ "إسعاف النشاشيبي" وكان تيمور باشا يود أن يقدمه إلي المكتبة العربية ، فحالت منيته دون أمنيته ، والعجيب أنه أسهب في وصف عُوّاده ليلة أن لبي نداء ربه في 26 أبريل سنة 1930م.

أما كتابه عن أعيان القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر فقد تعمد أن يمزق أكثره بعد أن أنجز منه صحائف عدة –جمعت في كتاب مطبوع- لأنه وجد الكثيرين من معارفه يرغبون أن يكتب عن فلان وفلان بما لا يتفق مع الحقائق التاريخية .

ولا يظهر تيمور الكاتب في مؤلف كما يظهر في كتابه عن الأعيان ، لأنه يتحدث عمن يترجم لهم بأسلوب سلس متسلسل ، يتدرج بك إلي نهاية المقال ، وكأنك تقرأ قصة محبوكة الأطراف .

حتى ذهب الدكتور زكي مبارك بصدد ذلك إلي أن روح القصاص تكمن لدى الرجل وحين غلبتها روح البحث فرت منه إلي ولديه محمد ومحمود الشهيرين .

المناصب الرسمية

أما مناصبه الرسمية فلم تتعد العضوية في مجلس الشيوخ ، وقد قبلها مرغما ، وكان بوده أن يتفرغ في عزلته للبحث والانتفاع ولكن لم يسعه غير الخضوع لإرادة الملك فؤاد إذ اختاره بنفسه ، كما أنعم عليه بالباشوية تقديرا لجهوده الجليلة .

ولئن ضاق أحمد تيمور بمجلس الشيوخ فلقد رحب أكمل ترحيب بما أُسند إليه من المهام العلمية ، فقد عين عضوا في لجنة إصلاح الأزهر سنة 1924م ؛ فقام بواجبه مهتديا بأفكار شيخه الأستاذ الإمام محمد عبده .

كما اختير عضوا في مجلس إدارة دار الكتب ، فكان صاحب الرأي الأول فيما يعرض من شؤون . والترتيب الذي تقوم عليه الدار الآن قد كان ثمرة آرائه ، ونتيجة تدبيره . ومن أحق منه في هذا الباب ، وقد كانت حياته دعامة قوية في بناء المكتبة العربية ، ولولا جهوده المشكورة ما ارتقت إلي ما هي عليه من رفعة وسمو .

جهوده اللغوية

تكون بمصر مجمعان متواليان كان أحمد تيمور من رجالهما العاملين ، إذ دعا بملء فيه إلي تجنب الدخيل ، ونادي بالرجوع إلي المجامع العربية واستفتائها فيما يجد من أسماء ، وإذا كنا نشاهد كثيرا من المتحمسين لهذا الرأي ، فإن تيمور صاحبه الأول ، علي حين لا نري مانعا من تعريب بعض الأسماء الأجنبية إذ كانت مستساغة لدى الذوق العربي ، ولم لا يبقي اللفظ الجديد مع اشتهاره وذيوعه ، وذلك باب كثر فيه الجدل حتى اهتدت المجامع فيه إلي رأي صراح .

ولقد كانت لدى الرجل ذخيرة ثمينة من الآثار الإسلامية ، بذل في جمعها كثيرا من ماله ووقته ، فأنت تري عنده بعض النقود العربية القديمة ، والساعات الأثرية ، والآلات الفلكية ، والأواني الصينية ، والعيون الزجاجية ، وما إلي ذلك مما يعد تحفا تاريخية قيمة ، ناهيك بالصور الجميلة التي احتفظ بها لصلاح الدين الأيوبي وسليم الأول وعبد القادر الجزائري .

ولقد ظل شغفه بالآثار التاريخية القديمة مستوليا علي نفسه طيلة حياته ، ومما يذكر له أنه أخذ الصور الشمسية للخليج المصري قبل ردمه ، ليكون رسمه معروفا للناس بعد أن صار طريقا مبسوطا تدرج عليه القاطرات .

علي أن شغفه بهذه الناحية قد دفعه إلي معالجة أبحاث غامضة ، ما كانت تطرق علي بال غيره ، مثل بحثه في الآثار النبوية كالقضيب والبردة والخاتم . فسوف تسأل كيف اهتدي الباحث إلي مصادره والمسلك وعر والهدف بعيد ؟!

أخلاقه وإنسيته

يقول ابنه الأستاذ محمود تيمور : لو أن متصفحا يتتبع سيرة "أحمد تيمور" فيعرف كيف كان ورعا شديد الورع ، متحرجا بالغ التحرج ، مطبوع النفس علي حفاظ وانقباض ، مؤثرا للعزلة ما وسعه الإيثار ، زاهدا أيما زهد في حومة الحياة وملتطم الناس ..

فأي نهج يتمثله المتصفح لصاحب تلك السيرة ، حين يعامل بنيه ، في ذلك العهد البعيد ؟ وعلي أي نحو تراه يسوس فلذات كبده ، وهم لهم راع، وعليهم رقيب ؟ألقيت علي نفسي هذا السؤال ، لأجيب عنه بما شهدت ، لا بما يعمد إليه متصفح السيرة من تكهن واستنباط ، فما راء كمن سمع ، ولا من خال كمن تخيل ..

ولعل الجواب ألزم بي، أنا الذي كنت أحد أبناء "أحمد تيمور" حوله ، فشهدت كيف كان يقوم علي تربيتنا ونحن إخوة ثلاثة ، متلاقون علي عاطفة وشعور ، وإن اختلفنا في الميول والنزعات بعض الاختلاف.

في تلك الحقبة التي نشأنا فيها ، منذ نصف قرن مضي ، كانت التربية المنزلية تبيح للآباء نحو أبناءهم ضروبا من القيود ، كما تفرض علي الأبناء لآبائهم ألوانا من التقاليد ، فما كان لولد أن يسلك غير المسلك الذي يرضاه أبوه ، وما كان لأب أن يدع لولده في مراحه ومغداه سبيلا إلي فكاك ..

فالإمرة حق الأبوة ، والطاعة واجب البنوة ، ومن شذ من الآباء لا يأمر فهو متهاون موصوف بالتفريط ، ومن تمرد من الأبناء لا يطيع فهو مستخف موصوم بالعقوق .ولم تكن للأبناء حيلة أو وسيلة إلا الملاءمة بين ما يأخذهم به آباؤهم الحكام المسيطرون وما تهفو إليه نفوسهم الغضة التواقة إلي الحرية والانطلاق .

وكانت هذه الملاءمة هي المخادعة والاستخفاء ، وهي التفنن في إبداء الظواهر علي الوجه الذي لا يثير غضبا ولا ملامة ، فلكل ولد مهربه إلي مأربه ، في ستر من الله أو ستر من الشيطان !

وكانت الفنون والحرف في تلك الحقبة الغابرة تتفاوت درجاتها في تقدير الناس ، فمنها الرفيع ومنها الخسيس ، وربما كان فن الصحافة وفن التمثيل أو حرفتهما أبخس الفنون والحرف نصيبا من حظوة العامة والخاصة علي السواء ، ولعل الجمهور يومئذ كان يتخذ من ألقاب السوء والإصغار لقب "الجرنالجي" و"المشخصاتي"..فإن تولع بالصحافة أو التمثيل كريمٌ علي أهله ، تمصصوا شفاههم رحمة له وإشفاقا عليه !

وحسبي في تجلية ما كان من صنيع أبينا في تربيته لنا، وإشرافه علينا في تلك الحقبة التي أسلفت وصفها ، أن أذكر أننا في منزلنا الذي كنا نأوي إليه، ونحن من أبينا علي مقربة ومرقبة ، أنشأنا لأنفسنا صحيفة خاصة، نصدرها في المرة بعد المرة وأقمنا مسرحا للتمثيل، نخرج فيه الروايات واحدة بعد واحدة . وكنا نحن ومن أخذ أخذنا من الصحب ، نتولي في الصحيفة مهمة التحرير والطبع والنشر ، كما نضطلع في المسرح بشئون الإخراج والتمثيل والتفرج والانتقاد !

وامتلك قيادنا علي مر الأيام هوي الصحافة والتمثيل ، فتعلقنا بهما كل التعلق وتعمقنا فيها كل التعمق ، حتى إن أوسط الأخوة زاول التمثيل في المسارح العامة علي أعين الناس ، وحتى إننا معا أصدرنا صحيفة السفور خالصة للأدب منشورة علي الجمهور ، وبذلك أصبحنا نعد من محترفي الصحافة أو أشبهاه المحترفين .

وكنا نري أبانا يمتعض من ذلك شيئا ، ولكن في ترفق واتئاد ، وينهانا عن التمادي والسرف ، ولكن في غير جزم ولا مصادرة .ويتحيل لتوجيهنا إلي الدرس والاستذكار دون أن نحس منه وطأة التوجيه ومرارة الإلزام .

ولم يكن يقف في طريقنا إلي ما يعده الآباء من لهو الصبا وعبث الشباب ، وإنما كان يجنح إلي محاسنة وملاينة ، فيناقشنا مناقشة الأنداد للأنداد ، ويشير علينا بما يحب ويرضي ، تاركا لنا أن نسلك السبيل الذي نختار .

عاش بين التلال من كتبه ، فلم يأخذ أحدنا نحن أبناءه بأن يكون معه يقرأ له ، أو يملي عليه ، أو يستملي منه ، أو يطالع بجانبه بل يدع ذلك لأنفسنا خاصة ، شئناه أو أبيناه ، فلم يفرض علي أينا أن يحذو حذوه فيما يستن من سنة وما يرتضي من سلوك .


المراجع

  1. الأمثال العامية ، بقلم العلامة المحقق أحمد تيمور باشا ، ط/ الهيئة المصرية العامة للكتاب .
  2. مذكرات الدعوة والداعية ، الإمام الشهيد حسن البنا ، ط/ دار الدعوة .
  3. الحب عند العرب ، أحمد تيمور باشا ، ط/ بيروت .
  4. النهضة الإسلامية ، البيومي ، ط/ دمشق .

ألبوم صوره

ألبوم صور أحمد تيمور باشا


إضغط علي الصورة لتظهر بحجمها الكامل

 

لهجات-العرب-لتيمور

لعب-العرب-لتيمور

كتاب-السماع-والقياس-لتيمور

رسالة--من-تيمور

تاريخ-الأسرة-التيمورية

التصوير-عند-العرب

الآثار-النبوية-لأحمد-تيمور

الآثار-النبوية-طبعة-اخرى

أحمد-تيمور-باشا