الإخوان والثورة السلمية فى إيران

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مراجعات فكرية وسياسية(1)

الإخوان المسلمون والثورة الإسلامية في إيران

بقلم : د أحمد يوسف‬

تقديم د. محمد الهندي
قيادي في حركة الجهاد الإسلامي
ومدير مركز فلسطين للدراسات والبحوث

لقد حكم النظام السياسي الإسلامي امة الإسلامية منذ تكوين الدولة الإسلامية الأولي في المدينة المنورة على يد الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وحتى إعلان سقوط دولة الخلافة عام 1924, مع ما أصاب هذا النظام من مد وجزر , ضعف وقوة , عافية وفساد, توسع وخسارة, لكنه بقي دوما هو المرجعية السياسية للأمة.

لذلك فإن معظم دعوات الإصلاح في التاريخ الإسلامي وحتى سقوط الخلافة كانت تنادي بعلاج الضعف والفساد بالعودة إلى الأصول إلى المثل الأعلى المتمثل بدولة المدينة في عهد الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.

وقد مثل إعلان انهيار الخلافة صدمة لكل الأمة للعلماء والأدباء والمفكرين والسياسيين إضافة إلى الشعوب المسلمة.

بدون شك فإن اجتهاد الإمام بإنشاء جماعة الإخوان المسلمين يعتب أول رد فعلي منظم على سقوط دولة الخلافة , لأنه لأول مرة يتم إنشاء جماعة ( حزب سياسي ) بهدف إقامة الدولة الإسلامية واستئناف دولة الخلافة .

كذلك فإن اجتهاد الإمام الخميني يعتبر انقلابا في الفكر الشيعي التقليدي الذي وصل إلى حد الدعوة إلى إكثار المفاسد من أجل التسريع بعودة الإمام الغائب !! ولقد مثلت فكرة أو نظرية ( ولاية الفقية ) مقدمة ثورية لإقامة الدولة ونظام الجمهورية الإسلامية في إيران.

إن إقامة الدولة الإسلامية يعتبر تحديا حقيقيا لأمة في القرن الحادي والعشرين حيث يحمل أعداء الأمة وإرثا من الأحقاد وتاريخ الحروب والغزوات , تدفعهم إلى استنفار كل الأدوات لإجهاض هذا النهوض ... وأن أخط أدواتهم – من وجهة نظري – هو الخلاف المذهبي هذا الخلاف الذي يوحي بالتناحر والتحارب بين أبناء الأمة.

لا شك بأن هذه الأوراق تعتبر مدخلا لبحث التحديات الخطيرة التي تعترض طريق وحدة الأمة وانتظام نظامها السياسي نحو تحقيق دولة الخلافة , ودعوة للبحث عن المشترك بين المذاهب الإسلامية على طريق التعاون لتحقيق هذا الهدف الكبير.

والكاتب هو أحد أبناء الحركة الإسلامية الأصلاء الذي عايش تجربة الحركة الإسلامية المعاصرة منذ سنوات شبابه الأولي حيث كان عضوا فاعلا ثم كادرا مهما في حكة الإخوان المسلمين في فلسطين وهو مطلع عن قرب على تجارب الحركة والحكومة كونه عمل مستشارا سياسيا لرئيس الوزراء إسماعيل هنية في فترة هامة من فترات الصراع والحراك السياسي في فلسطين.

جدلية الدولة والأمة في فكر الإمامين البنا والخميني

تمهيد

أحدا كثيرة وقعت في عالمنا العربي والإسلامي خلال القرن الماضي ولكن الأبرز من بينها هما حدثان هامان كان لهما بالغ الأثر على مسيرة الحركة الإسلامية وتيارات فكرها السياسي في العالمين العربي والإسلامي وهما : أولا . تأسيس الإمام حسن البنا لحركة الإخوان المسلمين عام 1928 , والثاني هو انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني في إيران فبراير 1979..

ونظرا لأهمية هذين الإمامين سنحاول تحليل المواقف الاجتهادات التي انبثقت عن جوهر رؤيتهما, والتي أسهمت في تشكيل الفكر السياسي والحركي للأمتين العربية والإسلامية ..

ذلك الفكر الذي استطاع أن يعبر عن نفسه على شكل دولة عصرية هي جمهورية إيران الإسلامية وكذلك عن تنظيم إسلامي عالمي هو حركة الإخوان المسلمين , والتي نجحت أحزابها السياسية أن تفرض حضورها فعاليتها داخل معظم الاتحادات والأطر النقابية والبرلمانية في غالبية البلاد العربية والإسلامية .

وقد نجح الإسلاميون كذلك في تشكيل حكومات وإقامة تحالفات كما في تركيا وماليزيا والسودان وفلسطين المحتلة .

مدخل

شكل انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية صدمة عنيفة هزت الوعي والوجدان الإسلامي وكانت في الوقت نفسه مدعاة لولادة وبروز تيارات إسلامية وخصوصا بعد ذلك الانقلاب السريع الذي تجسد في قيام الدولة الحديثة ( الدولة الوطنية ) محل دولة الخلافة العثمانية ( دولة الأمة) بعد مضي سنوات قلائل على ذلك الانهيار ..

ومن ناحية أخري لم تكن الخلافة العثمانية التي انهارت وألغيت رسميا عام 1924 بالصورة الملي التي يحلم بها أصحاب الخط الإسلامي الإحيائي الناهش في ذلك الوقت من أمثال السيد جمال الدين الأفغاني , والشيخ محمد رشيد رضا, والأستاذ عبد الرحمن الكواكبي...

كما أنها لم تكن بمنأى عن عناصر الفساد التي حاربها هؤلاء أبضا, خصوصا في السنوات الأخيرة التي سبقت الانهيار , ولكنهم مع لذلك بقوا على تأييدهم للدولة العثمانية ووقفوا في وجه محاولات تصفيتها داخليا مهما كانت المبررات لأنها – في تقديرهم وغم عوامل الضعف والفساد تشكل عامل التكثيف الوحيد والأقدر لاستقطاب الأمة الإسلامية الموحدة عب الارتباط ببؤرة التكثيف الخلافة / الخليفة ...

فهذا الإمام محمد عبده يعلنها وبكل صراحة إن المحافظة على الدولة العلية العثمانية ثالثة العقائد بعد الإيمان بالله ورسوله فإنها وحدها الحافظة لسلطان الدين الكافلة لبقاء حوزته وليس للدين سلطان في سواها وأنا على هذه العقيدة والحمد لله عليها نحيا وعليها نموت " : وأنا – أيضا – أكره السلطان ...

ولكن لا يوجد من يريد بالدولة سوءا فإنها سياج بالجملة, وإذا سقط نبقي نحن المسلمين كاليهود بل أقل من اليهود فإن اليهود عندهم شئ يحافظون عليه ويحفظون به مصالحهم وجامعتهم وهو المال ونحن لم يبق عندنا شئ فقدنا كل شئ ".

بموازاة ذلك كله إن ثمة انبثاق مقابل في ذات الفضاء الذي شهد ولادة ( الدولة الوطنية) لتيار إسلامي متصاعد إحيائي يتخذ من إقامة الدولة الإسلامية غايته الأسمى, مسكونا بهاجس سقوط الخلافة والتي هي في اعتباره " سقوط لمقدسات الإسلام ذاتها " فلم تكد سنوات أربع تمضي على انهيار الخلافة العثمانية حتى كان الإمام حسن البنا ( رحمة الله ) يشكل جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 التي ما انفكت الخلافة الإسلامية تمثل مرتكزا أساسيا ( نظريا) في فكرها لهذا يقو حسن البنا : إن " على المسلمين التفكير في الخلافة ليس فقط منذ إلغائها بل منذ تحويلها عن مسارها الحقيقي ".

وبالرغم من أن الإمام البنا وضع هدف الدولة الإسلامية نصب عينيه وإن كانت جاءت في إطار طرحه العقيدي الإصلاحي المنطلق من أن الإسلام نظام شامل إلا أن حادثة اغتياله وما استتبع ذلك من ضربات تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين كل ذلك أدّى إلى تأجيل طرح الموضوع إن لم نقل " تعطيله " داخليا لصالح بناء جسم الجماعة من جديد ,

ومن ثم استغراق الجماعة وخطها الفكري في مرحلة الإعداد والتربية والإصلاح وبناء وإعداد الشخصية المسلمة سواء على مستوي الفرد أو المجتمع وتحولها في ذاتها إلى أهداف عليا " كلية" في الوقت الذي كانت فيه أهدافا مرحلية في أفق إ قامة الدولة الإسلامية إلا أن ذلك لا يعني على الإطلاق – في تقديرنا – أن الجماعة تخلت عن شعارات إقامة الدولة الإسلامية

ولكن ما عنيناه في النقطة السابقة هو انكفاء الجماعة على " الإرث لتنظيري" لمؤسسها الأول حول موضوع الدولة الإسلامية واجترارها الدائم وإن ببعض التعديلات والرتوش التحسنية لمقولاته وتصوراته حول الموضوع دون ما محاولة لإقحام الذات في مرحلة تنظيرية تطورية للإشكالية ( الدولة الإسلامية) على أساس أنها فكرة في حالة صيرورة دائمة مع تقدمن العصر والزمن.

وبعد خمسين عاما – زمانيا – من إنشاء الإخوان المسلمين على يد الإمام الشهيد وستين عاما تقريبا من انهيار الخلافة العثمانية وبتحديد أدق عام 1979 سيقع حدث هز العالم إذ سيعلن عن قيام أول دولة إسلامية في الفضاء الدول بعد أن ظن الجميع أن زمن الدولة ( الدينية) بشكل عام ( والإسلامية ) بشكل خاص قد ولي وانتهي ...

لقد صدمت المفاجأة الجميع لا من ناحية الإعلان عن هذه الدولة في عصر الدولة الحديثة فح-سب ولكن من ناحية الطرف الذي أعلنها أيضا .. نعم لم يكن الإخوان المسلمون الذين آثروا التعايش مع الأنظمة الحاكمة حينا ومواجهتها حينا آخ هم من يقف وراء الإعلان عن إقامة الدولة الإسلامية والتي طالما حلم واجتهد من أجلها الإمام البنا ولكن الدولة جاءت من " الآخر المذهبي" في الساحة الاجتهادية الإسلامية الزاخرة جاءت من إيران ذات الصبغة الشيعية الخالصة!!

بالطبع لم تكن العناصر السابقة هي عناصر المفاجأة الوحيدة بل إن هناك عنصرين آخرين ربما كانا أكثر أهمية وغرابة فهناك أولا الدولة التي تم إعلانها " الدولة الإسلامية " في إيران ( الشاه) والتي تعتبر القاعدة الغربية المتقدمة في المنطقة , والتي كان يظن إلى عهد قريب – قبل سقوطها بالثورة الإسلامية – أن نظامها من أقوي وأكثر النظم استقرارا في المنطقة

والأمر الثاني الذي يبدو أشد غرابة من سابقة يتمثل في مكان وقوع الثورة مذهبيا فإيران ذات أغلبية شيعية مسلمة والصورة النمطية الموجودة في أذهان شيعة إيران وممارستهم – على الأقل – أن الدولة لن تقوم إلا بظهور المهدي, ومن ثم فهم في حالة انتظار إلى وقت ابتعاثه " ليملأ الدنيا عدلا ونوا كما ملئت ظلما وجورا "

إذا ثمة انقلاب واضح حدث في النسق الشيعي المذهبي مثله الإمام الخميني حيث استطاع أن يخرج بالفكر الشيعي في مرحلة الانتظار السلبي إلى مرحلة بناء الدولة والانتظار الإيجابي وتمكن عبر ذلك من التعاطي الإيجابي مع الواقع من خلال تطويره لولاية الفقيه سياسيا.

الدولة عند الإمام حسن البنا

يلاحظ ابتداء أن تعاطي البنا مع الدولة وهويتها لا يأتي في إطار منفصل بقدر ما يندرج في سياق اهتماماته بالعقيدة والإصلاح والتربية وهو الأمر الذي نفهمه من قول الإمام البنا :" نريد أولا الرجل المسلم ثم بعد ذلك البيت المسلم فالشعب المسلم, فالحكومة المسلمة التي تقود الشعب " ...

وفي اتجاه مواز يقيم تصوره للسلطة السياسية ونظام الحكم في الإسلام على أساسين الأساس الأول فهم الإسلام كنظام شامل بمعني أنه يرفض في هذا النطاق فكرة فصل الدين عن الدولة أو السياسة أما الأساس الثاني فهو الاجتهاد في إطار هذا " الفهم الشامل " مع أخذ مستحدثات العصر الخاصة بأشكال النظم السياسية بعين الاعتبار .

يري الإمام البنا أن الدولة الإسلامية هي السور الواقي الذي تتحصن به الأمة , كما أ،ها الحارسة للناس في دينهم ودنياهم مستدلا بحيث الرسول صلي الله عليه وسلم" إذا نلت ببلد وليس فيه سلطان فارحل عنه , فإن السلطان ظل الله في الأرض " والدولة الإسلامية كذلك - عند البنا – هي قاعدة أساسية من قواعد النظام الاجتماعي الإسلامي في العصر الحديث بل إن الإمام البنا يذهب أبعد من ذلك, حين يقرر بأن أهمية الدولة الإسلامية تكمن في أنها ركن من أركان الإسلام ذاته وهي أصل من أصوله .

أما معني أن الإسلام دين ودولة فيوضحها الإمام البنا بقوله :" معني هذا التعبير بالقول الواضح إن الإسلام شريعة ربانية جاءت بتعاليم إنسانية وأحكام اجتماعية وكلت حمايتها ونشرها والإشراف على تنفيذها بين المؤمنين بها ,

وتبليغها للذين لم يؤمنوا بها إلى ( الدولة) ... وإذا أهملت شرائع الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هي الأخرى أمة إسلامية مهما ادعت ذلك بلسانها ".

ومن خلال الاقتباس الأخير يمكننا القول إن جوهر مفهوم الدولة عند الإمام البنا يمكن في أن الدولة وسيلة أو أداة وليست غاية في ذاتها " إنها بعبارة أخري وسيلة في صورة كيان ( تنظيم اجتماعي ) ولكنها وسيلة لازمة وأداة لا غني عنها لتحقيق مثالية الإسلام بصفة عامة – والسياسة بصفة خاصة – في الحياة الدنيا "

والدولة طبقا لهذا التصور لها وظيفة يحددها الإسلام ويتم في إطارها تنفيذ أحكامه وتبليغ دعوته ومراعاة شرائعه وما لم تلتزم الدولة بتحقيق تلك المهمة تصبح – حسب ما عبر عنه الإمام البنا صراحة – " دولة غير إسلامية... ويحدد الإمام البنا المرتكزات التي يجب أن تتضمنها الدولة الإسلامية بثلاثة وهي 1) العدل الذي هو عنده أساس الأحكام 2) الحرية بمعني استقلال إرادة الدولة وقرارها 3) الجهاد والذي هو عنده أصل من أصول الدين .

يمكن القول بأنه إذا كان مفهوم الدولة الإسلامية في فكر الإمام البنا مرتبطا ارتباطا وثيقا بالإسلام ذاته , فإنه ومن باب آخر لابد إذا أن تتسم خصائص الدولة بالإسلام أيضا وذلك دعوة عالمية .. ومن خلال استقراء فكر الإمام البنا حول لدولة في كليته يمكننا استخلاص ثلاث خصائص أساسية عبر عنها الإمام حسن البنا - رحمه اله – بعبارات متعددة في مناسبات مختلفة

خصائص فكر الإمام البنا حول لدولة

هذه الخصائص هي :

1- أنها دولة دعوة : ويعبر الإمام البنا عن ذلك بعبارات كثيرة منها قوله :" إن الدعوة أساس الدولة , والدولة حارس الدعوة وهما معا قوام الحياة الإنسانية الصحيحة المستقيمة".

2- أنها دولة عالمية : ويرتبط ذلك بثلاثة أبعاد في فكر الإمام البنا ( رحمه الله) أولها بما أن الدولة الإسلامية دولة دعوة ورسالة فيجب على الدولة الإسلامية أن تحتل مكانتها بين الدول وتخليصها من الاستبداد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ومن أجل المحافظة على الأمة واستقلالها أمر الله بإعداد العدة واستكمال القوة حتى يسير الحق مع السلطة ثانيها يتعلق بمفهوم الهوية حيث يصير مفهوم الإخوة الإسلامية محورا أساسيا لتوحيد البشرية كلها تحت راية الإسلام وثالثها , يرتبط بغاية الدولة وهي التمكين لتحقيق مثالية الإسلام السياسية حتى يسعد العالم بتعاليم الإسلام.

3- إنها محكومة بسلطان الشريعة : فالتشريع الإسلامي شامل ومرن وكلي, ولا يجوز فصل الناحية التطبيقية العملية فيه عن الناحية الكلية كما لا يجوز أن يكون الإسلام دين الدولة بينما تستمد القوانين والدساتير والشرائع من مصادر أوربية مختلفة فهي بذلك – حسب فهم الإمام البنا – تتعارض في مبادئها الكلية والجزئية مع التعاليم الإسلامية المحددة كما أن التشريع الإسلامي جاء عاما وخالدا , ووضع في حساباته ظروف الأفراد والأمم التي تختلف باختلاف الظروف والمعطيات...

ويشدد الإمام البنا في تناوله لمفهوم السلطة على تعارض مقولة فصل الدين عن الدولة في الإسلام ويؤكد مرة تلو الأخرى على وحدة السلطة في النظام الإسلامي فهي حسب قوله " سلطة واحدة لا تتعدد إنها الدولة وحدها التي تشرف على شؤون المجتمع في شؤون الدين والدنيا "

الدولة في فكر الإمام الخميني

لم يحفل الفقيه الشيعي الإثنا عشري - الجعفري) طوال تاريخه , وبالتحديد منذ مقتل الإمام الحسين ( رضي الله عنه ) بقضية الدولة بشكل عام مكتفيا بهذا الجانب في طرح فكرة الإمامة في نسقها الديني المبتعد عن الولاية السياسية ذلك إلى أن جاء الإمام الخميني الذي أعطي لموضوع الإمامة بعدها السياسي, عبر تطويه لنظرية ( ولاية الفقيه) ....

بالطبع لم كين الإمام أول من فعل ذلك في التاريخ الشيعي ولكنه كان أشدهم وضوحا في هذه المسألة وأول من جسدها عمليا على أرض الواقع.

ونظرية ( ولاية الفقيه) ليست رؤية جديدة أضافها الإمام الخميني ( رحمه الله ) للفقه والفك الشيعيين, إذ تعود جذورها إلى حادثة اختفاء الإمام الثاني عشر محمد المهدي الأمر الذي طرح تحديا جديدا وخطيرا في ذلك الوقت على الفكر الشيعي الذي يستمد مبرر وجوده وعامل تكثيفه ووحدته من وجود الأئمة من سلالة على وفاطمة ( رضي الله عنهما) من آل البيت ..

فعقب اختفاء الإمام المهدي وجد الشيعة أنفسهم أمام فراغ مرجعي , وكان السؤال المطروح بقوة في ذلك الوقت : ما العمل ..؟ وكان الحل البسيط والسريع في ذلك الوقت قد تجسد في تعيين أربعة نواب للإمام الغائب وهي الفترة التي يعب عنها فيما بعد بالغيبة الصغرى ولكن الإشكالية ستعود لتطرح بشكل أعمق واخطر بعد وفاة النواب الأربعة لإمام الغائب ويعيش الفكر الشيعي بعدها فراغا مرجعيا خطيرا وستهدده عوامل التشتت والتشرذم الذوبان وهذه المرحلة سيعبر عنها بفترة الغيبة الكبرى .

ومن هنا , سيتقدم الفقهاء لشغل الموقع الخالي لقيادة " الطائفة " حيث نجحوا في تصميم نسيج عبقري مكنهم من الحفاظ على مسيرة المذهب وولاء الأتباع فكانت " الولاية " هي الصيغة التي ابتكرها فقهاء الشيعة لتحل محل الخلافة ولتشكل عامل التكثيف والتوحيد لإتباع المذهب في ظل الغيبة الكبرى..

ولكن الحل السابق لم يقدم الأجوبة الشافية التي بقيت تتردد في الفضاء الشيعي ( الجعفري ) حول حدود الإمامة , وحدود الزعامة وما الذي يعد التزاما بالمذهب , وما الذي يعد خروجا عليه ؟؟

وبعيدا عن الخلافات الفقهية التاريخية وبعيدا عن الاستغراق في التفاصيل التجزيئية نشير إلى أنه كان ثمة مدرستان في الفقه الشيعي التاريخي, واحدة تعرض توسيع دائري المرجعية واختصاصاتها , معتبر ذلك رمزا لانتهاك حقوق الأئمة كما وقفوا ضد الخوض في المعترك السياسي, بالمعارضة أو التمرد أو الثورة ناهيك عن إقامة الدولة هذه المدرسة سميت بمدرسة " الإخباريين"..

والثانية كانت تري توسعة باب الاجتهاد وتكريس مرجعية التقليد والمشاركة في المعترك السياسي وتسمي بمدرسة الأصوليين "... ومع ذلك فقد برز رأيان في أوساط هذه المدرسة

الأول يري استحالة إقامة تطبيق سليم للشريعة في ظل غيبة الإمام, ولكنه يدعو إلى المشاركة في الحياة السياسية بالقدر الذي يقلص من شرعية النظام القائم إلى الحد الأدنى وهو رأي الأغلبية في هذه المدرسة ,

والثاني : يتجه إلى توسيع دائرة الممارسة بحيث يقيم الفقهاء الدولة الإسلامية رغم استمرار غيبة الإمام وهو الرأي الذي تبناه الإمام الخميني ( رحمه الله) بقوة عبر طرحه لولاية الفقيه الشاملة.

وقد رفض الإمام الخميني الفكرة القائلة بتعطيل الولاية السياسية إلى حين عودة الإمام الغائب , واعتمد الإمام الخميني فكرة ( ولاية الفقيه) وجعلها محور نقائه لقضية إقامة الدولة ..

ففي سنة 1963 , لجأ الإمام الخميني إلى العراق وراح يلقي دروسا جديدة عام 1969 تجمع بين نظرية ( النيابة العامة للفقهاء عن المهدي الغائب ) ونظرية ( ولاية الفقيه) التي كان فيها التمهيد لحكم الفقهاء الذي كان عام 1978 وفي دستورهم حدد منصب ( الإمام : الولي الفقيه) كأعلى سلطة دستورية ويحتم على رئيس الجمهورية أن يأخذ تزكية وموافقة من الإمام وإلا فلن يصبح شعبيا ولن يستطيع ممارسة مهامه وذلك نجد أن الإمام الخميني يشير بوضوح إلى محورين أساسين ومتلازمين :

الأول : لا بديل عن تشكيل حكومة إسلامية والثاني . أن مسئولية الحكومة تقع على عائق الفقهاء .

هو في سياق طرحه لهذه الأفكار يرد على الداعين لانتظار الإمام الغائب لإقامة الحكومة الإسلامية والدولة ويؤكد أن هذا الرأي يعطل أحكام الإسلام والذي هو – في نظره – أسوأ من القول بأن الإسلام منسوخ ..

ويوضح الإمام الخميني فلسفته في فكرة موضوعة ولاية الفقيه بقوله:" وبالرغم من عدم وجود نص على شخص من ينوب عن الإمام حال غيبته إلا أن خصائص الحاكم الشرعي لا يزال يعتبر توفرها في أى شخص مؤهلا إياه ليحكم في الناس وهذه الخصائص التي هي عبارة عن العلم بالقانون والعدالة وجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر فإذا أجمعوا أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة عالمية منقطعة النظير "

ومن خلال ما سبق يوصل الإمام الخميني لطرح خلاصة فكره بصيغة ( ولاية الفقيه) حيث يري أنه إذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عادل عالم فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي صلي الله عليه وسلم ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ويضيف أن الحاكم يلي امن أم المسلمين ( ألإدارة , الرعاية , والسياسة) ما كان يملكه الرسول صلي الله عليه وسلم وسيدنا على ( رضي الله عنه )

ومن خلال قراءة سريعة لأفكار الإمام الخميني السابقة , يتبين لنا بوضوح أن الإمام ينطلق في ذلك كله من منطلق رفضه لمقولات فصل الدين عن السياسة باعتبار أن الدين سياسته عبادة وعبادته سياسة , وأن هذا الموضوع قد نظر إليه نظرة سلبية ورأي أن " الدخلاء" استهدفوا ترويج مثل هذه المقولات من أجل القضاء على الإسلام وفعاليته بما هو محرك يستثير الأمة في مواجهة خططهم ورغبتهم في السيطرة على البلاد الإسلامية ...

ويؤكد الإمام الخميني على أن الحكومة هي وسيلة لتنفيذ الأحكام وإقرار النظام الإسلامي العادل وليس غاية في ذاتها .. كما أنه لابد أيضا من الحكومة الإسلامية وذلك لتحقيق الوحدة الإسلامية بعد أن حزاها الاستعمار بعد تفتيت الخلافة العثمانية وإلغائها وكذلك من أجل نصرة المظلومين والمحرومين .. وقد تجسدت أفكار الإمام الخميني هذه في قيام الثورة الإسلامية وإعلان الدولة الإسلامية عام 1979.

نجحت الثورة الإيرانية التي انطلقت في السابع من كانون الثاني / يناير 1978 مستلهمة لأفكار الإمام الخميني في تحقيق هدفها وهو : إعلان الدولة الإسلامية ضمن الإطار الاجتهادي للإمام الخميني ...

وفيما يلي سنتناول أهم النقاط التي أشار إليها الدستور الإيراني بعد الثورة وإعلان الدولة الإسلامية وذلك كي نتمكن من الاقتراب أكث لفهم إطار الأفكار والآراء التي طرحها الإمام الخميني .

( رحمه الله ).

يشير دستور جمهورية إيران الإسلامية إلى أن الحكومة لا تنبني – من وجهة نظر الإسلام - على الطبقية أو على السلطة الفردية أو الجماعة, بل إنها تجسد الأهداف السياسية لشعب متحد في دينه وتفكيره حيث يقوم بتنظيم نفسه حتى يستطيع من خلال التغيير الفكري والعقائدي أن يسلك نحو هدفه النهائي وهو الحركة نحو الله ( سبحانه وتعالي ) ومن أجل خلق الأرضيات العقائدية للنهضة وإيجاد الظروف المناسبة لتربية الإنسان على القيم الإسلامية الرفيعة ونصرة المستضعفين على المستكبرين سواء داخل إيران أو خارجها..

ومن ثم الدستور يدعو إلي مشاركة جميع أفراد المجتمع ويعتبر الدستور الإيراني المسلمين أمة واحدة كما يقول رب العزة سبحانه وتعالي ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) وإن على جمهورية إيران الإسلامية إقامة كل سياساتها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحداتها وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الوحدة السياسة والاقتصادية والثقافية في العالم الإسلامي ..

ما يلاحظ أيضا أن الدستور الإيراني يشير إلى أن الدولة الإسلامية الإيرانية هي أيضا دولة دعوة فالقوات المسلحة ( الجيش العقائدي) لا تضطلع فقط بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب بل أيضا تحمل أعباء الرسالة الإلهية.

كما أشار الدستور أيضا إلى أن ولاية الأم وإمامة الأمة تكون بيد الفقيه العادل فضلا عن إشارته لسيادة الشعب المستمدة من السيادة المطلقة لله ( سبحانه وتعالي ) على العالم والإنسان ) ومن ثم فإن السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ناشئة عن سيادة الشعب تلك.

نقطة انطلاق والتقاء

من خلال الإيجاز السابق لأفكار الإمامين البنا والخميني والتسجيل الحي الواقعي لفكر الإمام الخميني في جمهورية إيران الإسلامية يبدو أن مساحة واسعة مشتركة بين الرؤيتين تصلح لكي تشكل أرضية واسعة لاعتبار إيران – الدولة نقطة انطلاق نحو الدولة الإسلامية العالمية , التي تنتظم في إطارها جموع الأمة الإسلامية _ دولة الأمة) والتي طالما حلم بها الإمام حسن البنا ( رحمه الله ) وكل من تولوا قيادة حركة الإخوان المسلمين من بعده .

إن إيران – في رأينا الخاص – تشكل في صيغتها الحالية نقطة التكثيف الأوضح رغم بعض الملاحظات التي ترد عليها في أفق تأطير الأمة الإسلامية في دولة إسلامية واحدة تختزن الرسالة الإلهية مشرعا ونظاما لها , وأنه فعلا من الإخلاص للإسلام – كما يقول سماحة السيد محمد حسين فضل الله – أن نفكر بجدية في الأفق الإسلامي الواسع الذي يوحي بالتعاون في المسألة من ناحية المبدأ بدلا من التناحر والتخالف والتحارب .

إن التحديات الخطيرة التي تواجه العالم الإسلامي في عقيدته وشريعته تفرض على المسلمين التطلع إلى إقامة دولة ( أى دولة) مهما كان مذهبها وتوجهها الفكري والسياسي وتلتزم مواجهة هذه التحديات, انطلاقا من الفكر الإسلامي قاعدة وشريعة وحركة لا أن تكون تابعا هامشيا للدول ذات المخزون الحضاري والثقافي المعادي لهويتنا الثقافية والحضارية ...

ومن هنا فإن الوقوف مع الدولة الإسلامية في غيران يمثل في تقديرنا الوقوف مع حركة الدعوة الإسلامية من موقع متقدم لأن الدولة تعطي الدعوة للإسلام حركية عالمية من قاعدة القوة الكبيرة كما تمثل الوقوف مع حرية المؤمنين وعزتهم التي أرادها القرآن الكريم كقيمة أساسية من قيم الإسلام في الإنسان كما تمثل الفرصة الكبيرة لتطبيق الأحكام الشرعية المنطلقة من اجتهاد إسلامي قد يختلفون معه في بعض نتائجه أو في بعض تطبيقاته ولكنهم لن يختلفوا في الإقرار بأنه ينطلق من القواعد الإسلامية والمقررة .

ولتحقيق ذلك لابد من تجاوز الخلافات المذهبية بين ثنائية السنة والشيعة التي غالبا ما تعمل على تلبد الأجواء بين الحركات الإسلامية السنية ودولة إيران الإسلامية الشيعية المذهب, ولا بد من الوعي كذلك بأن الثنائية المذهبية ليست تضادا دينيا كما يريد أن يفهمها البعض ولكنها تأتي في إطار رؤي وآراء اجتهادية في الفضاء الفقهي والفكري والإسلامي, وهو الأمر الذي وعاه الإمامان البنا والخميني ( رحمهما الله )....

فنحن لا نري مانعا من قيام وحدة إسلامية على أسس مشتركة ومتفق عليها سلفا في نظم الحكم مع ترك قضايا الأحوال الشخصية والفقهية للناس يعالجونها حسب مذاهبهم ومقتضيات زمانهم.

من التشكيك إلى توحيد المواقف

إن محاولة إسقاط " بدهية" على نسقية العلاقة المفترضة بين الإخوان المسلمين والثورة الإسلامية في إيران تؤدي بنا إلى القول إن الأصل في العلاقة بين الطرفين أن تكون – في حدها الأدنى – على الأقل دافئة وذلك على أساس أن الثورة الإيرانية مثلت أول حالة تجسيد اجتهادية حقيقية للدولة الإسلامية في العالم الإسلامي منذ انهيار الخلافة العثمانية التي طالما حلم بها الإخوان المسلمون التنظيم الأقوى حركية وشعبية في العالمين العربي والإسلامي وقلنا إن العلاقة بين الطرفين كان ينبغي – على الأقل - أن تكون دافئة ولم نقل حميمية – رغم تأييدنا لذلك – لماذا دافئة وليست حميمية في النسقية العلائقية المتبادلة بين الطرفين ؟

في تقديرنا أن الخلاف التاريخي الفقهي ( المذهبي) والذي تشكل عبر أربعة عشر قرنا من الزمان – بحوادثه وتفصيلاته المؤسفة – في الوعي الشيعي والسني , كان كفيلا بأن يشكل عامل ضغط كبير يصعب تجاوزه ومن ثم ساهم في تعكير صفو العلاقات منطلق الثنائية التنافرية بين السنة والشيعة عبر التاريخ الإسلامي ..

فمن خلال التداخل بين العاملين السابقين الإيجابي والسلبي جاء تصونا المجرد للطبيعة الدافئة التي كان ينبغي أن تحكم علاقة الطرفين.

وبعيدا عن دائرة العموميات والافتراضات يلحظ الدارس المتتبع لنسقية العلاقات بين الإخوان المسلمين والدولة الإسلامية في إيران أن تلك العلاقة مرت بأربع مراحل أو تطورات ترواحت ما بين الحماس والتأييد الإخواني للثورة الإسلامية منذ انطلاقتها ,

ثم التردد والتحفظ عندما تم استدعاء الخلاف التاريخي وثنائية " سنة وشيعة" لاعتبارات سياسية وتنظيمية لا تخفي على أحد وصولا إلى مرحلة التشكيك المتبادل وخصوصا بعد المواقف الإخوانية في سوريا والتصريحات التي صدرت من بعض أركان الدولة الإسلامية في إيران حول ما جري بين الإخوان والنظام السوري وذلك الضخ التكفيري الرهيب الذي مارسته بعض محطات السلفية ( الوهابية) ضد الجانب الشيعي وانتهاء إلى حدود الساعة بمرحلة مد الجسور من جديد وخاصة مع قيام الدولة الإسلامية الإيرانية الحديثة في عهود الرؤساء الثلاثة رفسنجاني ومحمد خاتمي واحمدي نجاد وفي ضوء رؤاهم الموحدة

أو على الأقل المتقاربة للتحديات التي بدا واضحا للعيان أنها تستهدف الطرفين الإسلاميين معا وهي تحديات التغول الإسرائيلي المدعوم أمريكا لفرض هيمنته على جميع شعوب المنطقة ثم الاستعداء الواضح للرسميات العربية للوقوف في وجه المد الإسلامي بدعوي محاربة الإرهاب والذي وجد فيه الإخوان المسلمون أنفسهم أنهم أصبحوا الهدف المطلوب من وراء هذه الحملة وتقوم بعض دول الخليج – للأسف – بتغذية هذه الحملات المعادية لهم.

العلاقات بين الطرفين قبل انتصار الثورة

ترجع العلاقات بين الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الشيعية قبل انتصار الثورة إلى حدود عام 1948 وذلك إثر تبني الأزهر لفكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية في نفس العام , وتشكيل " دار التقريب بين المذاهب الإسلامية " والتي ضمت عددا كبيرا من كبار العلماء المصريين الإيرانيين وكذلك من المشتغلين بالعمل الإسلامي

ومن ضمنهم الإمام حسن البنا ومحمد تقي القمي حيث كانت مشاركة الإمام البنا والإمام القمي مدخلا للعلاقات المستقبلية بين الطرفين يقول الأستاذ عمر التلمسانيالمرشد العام الثالث لجماعة الإخوان المسلمين " في الأربعينات زار الإمام محمد تقي القمي – وهو من أئمة المسلمين – دار المركز العام للإخوان المسلمين ودارت بينه وبين الإمام الشهيد حسن البنا أحاديث طويلة لعدة مرات حول مبدأ التقريب بين المذاهب الإسلامية الستة ( الشافعية, المالكية, الحنفية , الحنابلة , الزيدية, الإمامية )..

وفي ذات الاتجاه يقول الأستاذ سالم البهنساوي – وهو أحد قيادات الإخوان المصريين أيضا ومن الذين عاصروا الإمام البنا - :" منذ أن تكونت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي ساهم فيها الإمام البنا والإمام القمي والتعاون قائم بين الإخوان المسلمين والشيعة , وقد أدي ذلك إلى زيارة نواب صفوي سنة 1954 للقاهرة.

وفي ذات السياق يذكر أن الإمام البنا التقي المرجع الشيعي آية الله كاشاني حينما حج إلى بيت الله الحرام عام 1948, حيث تباحثا في مختلف الأمور , وكانت وجهات النظر متفقة بينهما كما يذكر البعض , وهذا الشيخ عبد المتعال الجبري ( رحمه الله ) وهو واحد من الشخصيات البارزة في جماعة الإخوان المسلمين ممن عاصروا الإمام البنا وتتلمذوا على يديه ينقل في كتابه " لماذا اغتيل حسن البنا ؟ " عن الكاتب الأمريكي روبير جاكسون قوله :".....

ولو طال عمر هذا الرجل ( يقصد الإمام حسن البنا) لكان يمكن أن يتحقق الكثير لهذا البلد, وخاصة لو اتفق حسن البنا وآية الله الكاشاني الزعيم الإيراني على أن يزيلا الخلاف بين الشيعة والسنة وقد التقي الرجلان في الحجاز عام 1948 , ويبدو أنهما تفاهما ووصلا إلى نقطة رئيسية لولا أن عوجل حسن البنا بالاغتيال".... ويعلق الشيخ الجبري على ذلك قائلا : " لقد صدق روبير وشم بحاسته السياسية جهد الإمام في التقريب بين المذاهب الإسلامية فما باله لو أدرك عن قرب دوره الضخم في هذا المجال . مما لا يتسع المقام لذكره ".

ونتيجة للعلاقات الوطيدة بين الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية قبل الثورة قام نواب صفوي قائد " فدائيان إسلام " وهو واحد من زعماء الحركة الإسلامية الإيرانية الذين ارتبطوا بعلاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين في مصر بزيارة إلى القاهرة عام 1954 حيث قابله الأستاذ عمر التلمساني ( رحمه الله ) كما أنه كان المتحدث الرئيسي في لقاء جماهيري إخواني بجامعة القاهرة حيث أعلن من خلاله مسؤولية حركته عن اغتيال رئيس الوزراء الإيراني السابق ( رزم آرا ) ..

ومما يجدر ذكره أن يوم وصول " صفوي " للقاهرة كان هو ذات اليوم ( كانون الثاني / يناير 1954) الذي أعلنت فيه حكومة الثورة حل جماعة الإخوان المسلمين ..:كبير الحركات الإسلامية الحديثة" أن عددا من الطلاب الإيرانيين الشيعة الذين كانوا يدرسون في مص انضموا إلى الجماعة...كذلك فإن أعدادا كبيرة من شيعة العراق انخرطت في تنظيم الإخوان هناك ثم أصبح لهم حزب قادة الشهيد محمد باقر الصدر باسم " حزب الدعوة " يستمد فكره ومنهجه ورؤاه من مدرسة الإخوان المسلمين ورموزها ,

وعندما زار نواب صفوي سوريا في عام 1953 والتقي بالدكتور مصطفي السباعي زعيم الإخوان المسلمين هناك أثار معه الأخير مسألة انضمام بعض الشباب الشيعة إلى الحركات العلمانية والقومية فصعد نواب المنبر وقال أمام حشد الشيعة والسنة" من أراد أن يكون جعفريا حقيقيا فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين "

وفي نفس الموضوع يتحدث الأستاذ فتحي يكن ( رحمه الله ) أحد قادة ومفكري جماعة الإخوان المسلمين في لبنان - مشيرا إلى زيارة نواب صفوي للقاهرة , حيث يصف الحماس الشديد الذي استقبله به الإخوان المسلمون , ثم يتحدث عن حكم الإعدام الذي صدر بحقه من قبل حكومة الشاه المقبور بقوله :"

كان لهذا الحكم الجائر صدي عنيف في البلاد الإسلامية , فقد ثارت ثائرة المسلمين الذين يقدرون مواقفه الشجاعة وجهاده المرير , وبادروا من سائر أنحاء العالم الإسلامي إلى إرسال آلاف البرقيات التي تستنكر حكم الإعدام بحق هذا المجاهد البطل لن إعدامه وفقدانه كان خسارة كبري في العصر الحديث .. أما مجلة " المسلمون" الناطقة باسم الإخوان المسلمين في ذلك الوقت فقد كتبت مقالة بعنوان " مع نواب صفوي " جاء فيها " والشهيد العزيز – نضر الله ثراه – وثيق الصلة بالإخوان المسلمين ,

وقد نزل ضيفا في دارها في مصر كانون الثاني / يناير سنة 1954" ثم تنقل المجلة رأي نواب صفوي في اعتقال الإخوان الذين يقول فيه :" إنه حسين يضطهد الطغاة رجال الإسلام في كل مكان يتسامي المسلمون فوق الخلافات المذهبية ويشاطرون إخوانهم المضطهدين آلامهم وأحزانهم ولا شك أننا بكفاحنا الإسلامية نستطيع إحباط خطط الأعداء التي ترمي إلى التفريق بين المسلمين أنه لا ضير في وجود الفرق الإسلامية وليس في وسعنا إلغاؤها , إنما الذي يجب أن نعمل على إيقافه ومنعه هو استغلال هذا الوضع المصلحة المغرضين."

وعلى الجانب الآخر كان فكر الإخوان المسلمين وخصوصا أفكار الشهيد سيد قطب الثورية وتفاسيره كثيرة الرواج بين الشباب الإيرانيين الشيعة والتي وجدت لها صدي أيضا بين المفكرين والثوار الإيرانيين ومن ذلك كتب الشهيد سيد قطب والشيخ محمد الغزالي والشيخ مصطفي السباعي ... ويشار إلى أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الحالي سماحة السيد على خامنئي قد ترجم بنفسه – قبل الثورة الإسلامية – بعض مؤلفات الشهيد سيد قطب.

في حقيقة الأمر ليس من الصعب تلمس أسباب التقارب بين الطرفين في تلك الفترة فوود رجل مثل الإمام البنا وانفتاحه ونبذه للتعصب والانغلاق سهل هذا الأمر من الجانب الإخواني وقد استشف الجميع ذلك من كلام الإمام البنا نفسه حينما أعلن رفضه للطائفية ونبذة للتعصب والفرقية , قائلا " إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنسب إلى طائفة خاصة ولا تنسب إلى رأي , غير ملونة بلون وهي مع الحق أينما كان , تحب الإجماع وتكره الشذوذ,

وإن أعظم ما مني به المسلمون هو الفرقة والخلاف وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فوع الدين أمر لابد منه ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب.

ويري الإمام البنا أيضا أن " الخف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرقة في الدين, ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره"... وعلى الجانب الشيعي كان لأفكار ومواقف جال مثل محمد القمي وآية الله الكاشاني ونواب صفوي ( رحمه الله عليهم جميعا ) دور كبير أيضا ف يتجاوز تلك الحساسيات المذهبية وقد نقل عن نواب صفوي قوله :" لنعمل متحدين للإسلام ولنترك كل ما عدا جهادنا في سبيل عز الإسلام ألم يئن للمسلمين أن يفهموا ويدعوا الانقسام إلى شيعة وسنة ..!!"

عوامل قوة العلاقة بين الطرفين

ويري عباس خامة في كتابه " إيران والإخوان المسلمين أن العلاقة القوية بين الطرفين في ذلك الوقت ترجع إلى عدة عوامل منها :

1- الرؤية الوحدوية التي يحملها زعماء الحركتين تجاه المذاهب الإسلامية وابتعادهم عن التعصب الأعمى كانت هي من أهم مقومات هذه العلاقة.

2- دفع قمع السلطات للحركات الإسلامية والضغط عليها في مصر وإيران الحركتين إلى الارتباط والتقارب وتوثيق العلاقة فيما بينهما .

3- شهد العالم – آنذاك – أحداثا وتطورات خطيرة استهدفت العالم الإسلامي والمسلمين جميعا بغض النظر عن مذاهبهم وأهدافهم وكان التقارب هو البارز في تلك الظروف بين الحركتين الثوريتين .

4- تطابق رؤى الحركتين حول القضية الفلسطينية حيث لعبت الحركة الإسلامية الإيرانية وخصوصا نواب صفوي وآية الله الفترة القصيرة تأييد الإخوان ودعمهم كما باركوا إعلان إسلامية الثورة

ومن بعد ذلك إسلامية الدولة حيث تم القضاء على نظام الشاه ومحاربة الفساد والفسق والفجور وتأكيد الوحدة الإسلامية والإخوة بين المسلمين ودعم الثورة لفلسطين وللمسلمين عموما . بدا ذلك الحماس والتأييد عبر عدة مواقف اتخذتها الجماعة فتحت عنوان بارز:" خميني بين آمال المسلمين ومؤامرات الصليبية والشيوعية " احتل الإمام الخميني غلاف مجلة الإخوان الرئيسية " الدعوة" في آذار ( مارس) 1979, وفور وقوع الثورة الإسلامية في غيران بادرت أمانة سر التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين إلى الاتصال بالمسئولين الإيرانيين بغية تشكيل وفد من الإخوان لزيارة إيران للتهنئة بالثورة

وتدارس سبل التعاون المشترك وفعلا عينت إيران ضابطا للاتصال بالتنظيم الدولي للإخوان في لوجانو / سويسرا بتاريخ 14 مايو 1989 لدراسة القرارات السريعة منها :

1- تشكيل وفد من الإخوان لزيارة إيران وتقديم التهاني بمناسبة نجاح الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه وفعلا تمت الزيارة في الشهر السادس .

2- إصدار كتيب عن الثورة الإيرانية لإبراز الإيجابيات الصادرة عن الثورة وقيادتها من أقوال ومواقف وأحد البيانات الصادرة عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يصف الإمام الخميني بأنه " فخر المسلمين"

ولا ننسي _ أيضا – ذلك الموقف الذي وقفته جماعة الإخوان المسلمين في مصر ضد استقبال الشاه المخلوع , وإقامتها نصبا تذكاريا للشهداء الإيرانيين الذين سقطوا برصاص قوات الأمن والجيش إبان الثورة.

3- بناء صلات تنظيمية مع حركة الطلبة المسلمين في إيران عن طريق الاتحاد العالمي للطلبة المسلمين وتنشيط عملية الترجمة من وإلى الفارسية وخاصة فيما يتعلق بكتابات الإخوان المسلمين .

مرحلة التردد والتحفظ

إن فترة الحماس والتأييد للثورة لم تستمر لفترة طويلة ولكنها – كذلك – لم تصل إلى مرحلة التوتر والتأزم مباشرة حيث سبقت ذلك مرحلة عرفت فيها العلاقة نوعا من التردد والتحفظ من قبل الإخوان المسلمين وذلك لعدة أسباب :

أولا : ملامح من الدستور الدائم للجمهورية الإسلامية لم تعجب الإخوان يقول الشيخ راشد الغنوشي : لو نظرنا إلى دستور الجمهورية الإسلامية فنجد إلى جانب المعاني الإسلامية العظيمة التي طفح بها الدستور أنك تفاجأ باندساس بعض آثار التغريب مثل الإلحاح على شرط فارسية الأبوين والجدين في من يترشح لرئاسة لجمهورية.

إن تعداد السكان في غيران من ذوي الأصول الفارسية لا يزيد عن 51% وهذا يعني أن صنف السكان تقريبا سيحرمون باسم الدستور من الترشح الرئاسة !! وهذا – إسلاميا – منطق غير مقبول

ثانيا المواجهات الدموية بين أصحاب الثورة وأعدائها والأحكام التي أصدرتها المحاكم الثورية التي رأي الإخوان أنها قاسية وتسئ إلى سمعة الثورة.

ثالثا: الحرب العراقية – الإيرانية ففي بداية الحرب أدان الإخوان العراق واعتبروه مبتدئا بالحرب م بعد بداية التقدم الإيراني في المعركة واستعادة مدينة " خرم شاه- المحمرة " من القوات العراقية أصبح الإخوان المسلمون يحملون إيران بشكل غير مباشر مسؤولية استمرار الحرب وهذا هو موقف الكثير من مثقفي إيران.

مرحلة التشكيك والاتهامات المتبادلة

يمكننا إجمال أسباب التوتر بين الطرفين في ثلاث أسباب رئيسية وهي :

أولا : موقف إيران من الثورة الإخوانية في سوريا ضد النظام والحزب حيث تشير بعض المصادر إلى أنه بعد اندلاع الثورة الإخوانية في سوريا ذهب الإخوان السوريون إلى إيران لطلب المساعدة ضد نظام البعث ( العلماني ) في سوريا إ لا أنهم فوجئوا بالموقف الإيراني المؤيد لسوريا وحديث آية الله خلخالي في سوريا ضد الإخوان وهو الأمر الذي تسبب في ردة فعل عنيفة من قبل إخوان سوريا حيث أصدر ( مجلس الثورة الإسلامية في سوريا ) بيانا مفصلا هاجم فيه بعنف الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وفي المقابل – أيضا – صعدت غيران من لهجتها نحو الإخوان المسلمين وصدر تحليل من مكتب حرس الثورة الإسلامية ( قسم حركات التحرر العالمية) في عام 1982تحت عنوان " الثورة الإسلامية وخط الزعامة في حركة الإخوان المسلمين " جاء فيه بأن حركة الإخوان المسلمين كانت إسلامية شعبية مستقلة

وذلك عند تأسيسها على يد الإمام حسن البنا – الذي يصفه التحليل بأنه شخصية إسلامية يندر وجودها حتى في إيران – ثم أصابها الضعف والانحراف , لأنها لم تستطع أن تحتفظ بالأمانة وتسلمها إلى الجيل الأول , وأدت النظرة الضيقة عند تشكيلات الحركة والعواصف الاجتماعية التي عصفت بها إلى أن تفقد الحركة نقاوتها وقداستها التي كانت عليها إذا ما قورنت بزمن الإمام حسن البنا الشهيد سيد قطب .

ثانيا : دور الحركات السلفية ( الخليجية) في توتير الأجواء عن لجانب السني وفكر الحوزات التقليدي عن الجانب الشيعي حيث يلاحظ أن الساحة الإسلامية السنية شهدت حملة مكثفة شنتها بعض رموز السلفية ووظفت لها أموالا خليجية طائلة للتعريض بإيران والشيعة والإصرار على تكفيرهم ,وإخراجهم من الملة وصدر الكثير من الكتب لتي تحكم بكفر الشيعة " لمؤلفة الدكتور أحمد الأفغاني" ولماذا أفتي علماء المسلمين بكفر الخميني ؟" لمؤلفه وجيه المديني وأيضا " ماذا أفتي علماء المسلمين في الخميني ؟" لوجيه المديني أيضا ,

والمؤلفات الكثيرة التي أصدها في فترة زمنية قصيرة الكاتب الباكستاني إحسان إلهي ظهير والذي اتهمت عناصر شيعية بتصفيته فيما بعد ... إن الباحث سيجد بأن هناك الكثير من الكتب التي مولتها جهات خليجية لخلق قطيعة بين التيارات الإسلامية السنية وجمهورية إيران الإسلامية .. وعلى الجانب الشيعي كان لفقهاء الحوزة التقليديين دور في تأجيج الصراع المذهبي .

وعندما وجد الإخوان أنفسهم متورطين في الأجواء السابقة وغير قادرين على الشذوذ عنها اضطروا – على الأقل – إلى السكوت أما هذا الضخ التكفيري من الجانب السني ( السلفي ) ضد الشيعة بل أن بعضا من قياداتهم ومفكريهم تجاوب مع حملة التكفير من أمثال الشيخ سعيد حوي الذي أصدر كتابا بعنوان : " الخمينية : شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف إضافة إلى الكثير من التلقين والتحذيرات من الانجراف خلف شعارات إيران ( الثورة والدولة ) والتي كانت تشهدها لقاءات الكوادر الإخوانية في أواخر السبعينيات في مصر والأردن وبعض دول الخليج ..

ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا قلنا بأن الحملة السابقة من الجانب السني ( السلفي ) كان مدفوعا للأسف من قبل بعض الدول الخليجية التي رأت – في تقديرنا – بأن الثورة الإسلامية في إيران تمثل منافسا لها في الشرعية الإسلامية " التي اعتادت أن تقدم بها كما رأي البعض الآخر فيها تهديدا لاستمرارية وجوده السياسي .

ثالثا:

كان للضغط السياسي الذي مارسته بعض الأنظمة العربية وخاصة الخليجية – على كوادر القيادة الإخوانية فيها دور كبير ليس في صرفهم عن تأييد الثورة الإسلامية في إيران فقط بل توظيفهم في ذلك الضخ الإعلامي المعادي لإيران.

مرحلة مد الجسور والتقارب

بدأ في السنوات الأخيرة نوع من التقارب ومد الجسور – من جديد- بين الطرفين ويمكن القول بأن هناك عدة أسباب رئيسية تقف خلف هذا التوجه الجديد :

1- القضية الفلسطينية والموقف من التسوية : يلاحظ أن مواقف كلا الطرفين من هذه المسألة متطابقان حيث يرفض كلاهما منطق التسوية مع " إسرائيل " تلك التسوية التي لا تمنح الفلسطينيين حقهم في العودة إلى ديارهم كما أنها لا تحمي ثوابتهم الوطنية وكذلك من باب أن ذلك يشكل التفاف على الرؤية الإسلامية ( دينيا) وعلى حقوق الشعب الفلسطيني ( سياسيا) كما أنه يشكل خطا على مجموع الأمة ( ثقافيا واقتصاديا) ...

وفي هذا السياق نلاحظ الدور الداعم الذي تؤديه إيران للحق الفلسطيني, عبر دعمها للحركات الإسلامية الرافضة للتسوية واشتراطاتها سياسيا وثمة من يقول ماديا ... ولعل الدور الذي تؤديه إيران في الحفاظ على وجه القضية والتأكيد على جوهر الصراع عبر نضالات حزب الله اللبناني خير دليل على ذلك.

2- التواجد العسكري الغربي في المنطقة وإعلان الحرب على الإسلام : بعد الغزو العراقي للكويت وقدوم القوات الغربية وبالذات الأمريكية إلى المنطقة واستمرار تواجدها حتى بعد هزيمة العراق عسكريا وخروجه من الكويت أدرك الطرفان أن بقاء القوات الغربية في المنطقة لا يهدف فقط للحفاظ على منابع النفط الخليجية من أى خطر يتهدد مصالح الغرب فيها بل – أيضا – لاحتواء المد الإسلامي بالمنطقة واتضح للطرفان في ظل الهجمة الغربية هذه بأن الخطاب الغبي – الذي اتخذ محورا له مهاجمة ومحاربة الأصولية والتطرف – لا يفرق في خطابه المعادي بين حركة إسلامية ولا دولة إسلامية بل وحتى بين هؤلاء والإسلام فكان لذلك سببا آخر للتقارب .

3- نصرة القضايا الإسلامية : عبرت الجمهورية الإسلامية عن مشاعرها وانتمائها الإسلامي أكثر من مرة وفي لحظات كان العالم الإسلامي – للأسف – عاجزا عن إظهار مواقف التأييد والنصرة بالمستوي المطلوب لمأساة مسلمي البوسنة والهرسك , قامت إيران بتحدي الحصار الغربي, وإرسال شحنات من الأسلحة للمجاهدين هناك وكذلك كانت وراء دعم مجاهدي الطاجيك, إضافة إلى وقوفها الدائم لنصرة قضايا المستضعفين والدفاع عن الموقف الإسلامي والحركة الإسلامية .

4- تراجع الخطاب المذهبي : أظهرت الأدبيات الإسلامية الحديثة في غيران خفوت لهجة " المذهبية " في الخطاب الإسلامي العام وغدا التركيز على قضايا وحدة العمل الإسلامي والأمة الإسلامية الواحدة .. وقد جسدت هذه التوجهات صيغة جديدة بعيدة عن مخاوف الهيمنة التي شكلت هاجسا من الشكوك في علاقة إيران ( الثورة والدولة) بالحركة الإسلامية العالمية.

خاتمة وتعقيب

اليوم – وبعد عدة عقود – شهد آثار هذا الفكر السياسي للإمامين حسن البنا وآية الله الخميني على شكل حقائق وإنجازات معالمها بارزة على الأرض وفي واقع الناس , ولها مظاهر وتجليات تجسدها دولة إسلامية قوية في إيران

وكذلك حركة إسلامية عالمية تجاوزت في امتداداتها العالمين العربي والإسلامي إلى حواضر الدول الغربية حيث تتحرك بمنهج الوسطية الاعتدال الذي تمثله مدرسة وفكر الإخوان المسلمين والذي فاجأ الغرب في حجم ما حققه من انتصارات في الانتخابات البرلمانية في العديد من البلاد العربية والإسلامية مثل اليمن والكويت والمغرب والجزائر والسودان والأردن وأخيرا في مصر وفلسطين ..

وكذلك في دول مثل : باكستان وماليزيا واندونيسيا وتركيا .. وهنا إرهاصات بأن عملية التحول الديمقراطي إذا استمرت في دينامكيتها ومضت إلى غاياتها وصدقت توجهات الغرب في دعمه لها فإننا سوف نشهد واقعا جديدا يتحقق معه الإصلاح والتغيير الذي تتطلع له شعوب المنطقة والذي يمكن أن يتحقق معه الاستقرار والأمن والازدهار.

إن إطلالة جادة على الفكر الإسلامي السياسي للإمامين حسن البنا وآية الله الخميني هي متطلب أساس لفهم واستيعاب فقه التعامل مع الواقع وضروراته والتعاطي الواعي مع ما تمليه حسابات التعامل مع المصالح المرسلة من اجتهادات والذي كان لمدرسة الوسطية والاعتدال التي أقام أركانها الإمام حسن البنا

وأشاد الإمام الخميني لها الواقع والمثال بما تمثله إيران الإسلامية اليوم من جمهورية القرآن والسلطان والتي نأمل أن تتكامل مع ما يمكن أن يظهر مستقبلا من جمهوريات أخي للقرآن والسلطان في عالمنا العربي حتى تتحقق لآمتنا الإسلامية مكانة الشهادة الوسطية والقوامة على الناس ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله)

المصادر والمراجع

- د. خالد سليمان الفهدوي , الفقه السياسي الإسلامي , الأوائل للنشر والتوزيع دمشق 2005.

- أحمد حسين يعقوب, الإمام الخميني والثورة الإسلامية في إيران القصة الكاملة الغدير للدراسات والنشر 2000.

- الإمام الخميني, الحكومة الإسلامية ومكتبة السياسية والاقتصاد.

- عباس خامه يار. إيران والإخوان المسلمين : دراسة في عوامل الالتقاء والافتراق, مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق.