الإصلاح المنشود.. وتبخر الآمال!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٠٠، ٧ يوليو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإصلاح المنشود.. وتبخر الآمال!
رسالة من الأستاذ محمد مهدي عاكف - المرشد العام للإخوان المسلمين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23).

جاءت وفاة الأخ الشهيد المهندس أكرم عبد العزيز زهيري في سجن مزرعة طرة- ضحية الإهمال الجسيم وعدم الإحساس بالمسئولية- متزامنةً مع نتائج اجتماعات قمة الثماني في جورجيا بأمريكا لتبدد أحاسيس البعض حول إمكانية حدوث إصلاحٍ حقيقي في بلادنا العربية، ولتتبخر معها آمالٌ عريضة لبعض المتفائلين في بلادنا أو المراهنين على القوى الكبرى لإحداث إنجازات على درب الإصلاح.

فها هو أكبر نظام عربي وأقدره على ريادة الإصلاح الحقيقي يستمر على نفس الممارسات القمعية البوليسية، ولا تستشعر أركانه أي إحساسٍ بالمسئولية عن أمن واستقرار البلاد، فضلاً عن تنميتها ودفع الاستثمارات بها، أو القدرة على إحداث انفتاح سياسي يستوعب جميع القوى السياسية، ويتيح الفرصة لكل القوى الاجتماعية للتعبير عن نفسها، أو الشعور بخطر الوقوف أمام الله ليسألهم عن رعيتهم.

لقد جاءت حملة القبض على 58 من الإخوان المسلمين من خيرة شباب هذه الأمة، ومصادرة أموالهم، وإغلاق شركاتهم، ثم تعرض 16 منهم للتعذيب البشع في مقر مباحث أمن الدولة بالمخالفة لكل القوانين واللوائح، ثم وفاة الشهيد أكرم زهيري بسبب الإهمال في نقله وعدم تقديم الرعاية الصحية له وتركه فريسة للمرض حتى لفظ أنفاسه الطاهرة؛ لتدلل على أن الأنظمة العربية مازالت تفكر بنفس العقلية البوليسية، وتمارس نفس الأساليب العتيقة، ولا يهمها إلا التترس بكراسي الحكم ولو على جثث الضحايا!.

لقد أسفرت اجتماعات قمة الدول الصناعية الثماني عن تراجع ملف الإصلاح في المنطقة العربية إلى الوراء قليلاً، وعن خيبة أمل البعض ممن راهنوا على الضغوط الأجنبية، وهذا ما أعلنه الإخوان دومًا أن هذه الدول لا تبحث إلا عن مصالحها فقط، وأنها هي التي رعت الاستبداد في بلادنا، وفي بلاد أخرى لعقود طويلة باعتراف الرئيس بوش، وأنها تخشى الحريات الحقيقية كما تخشاها النظم المستبدة سواء بسواء.. إن الإدارة الأمريكية ومن يجرى في فلكها- طوعًا أو كرهًا- تسعى من خلال مشروعها إلى تطوير النظم السياسية، وتغيير مناهج التعليم، وتوجيه الخطاب الديني والثقافي والإعلامي في دولنا العربية والإسلامية بما يستهدف تركيع الأمة، وإضعاف عقيدتها، ومسخ أخلاقها، وسلخها من هويتها، وإبعادها عن خصوصيتها الثقافية.

إضافة إلى ذلك فإن الحديث عن الإصلاح ومبادرة الشرق الأوسط الكبير وغيرها من المشاريع الأمريكية والأوربية تُستخدم للضغط على نظم المنطقة وابتزازها؛ لمزيد من التنازلات في القضايا القومية والإقليمية، فضلاً عن الخضوع التام لمشيئة الإدارة الأمريكية فيما يخص الملف الفلسطيني والأفغاني والعراقي والنفطي.

فها نحن نرى مصر يُراد لها أن تتورط في غزة لإنقاذ مجرم الحرب شارون من المأزق الذي وقع فيه، ليس لصالح الفلسطينيين، بل بما ينذر بحدوث مشاكل كبيرة في الصف الفلسطيني الذي أوشك أن يتوحد خلف المقاومة كخيار أساسي لإنهاء الاحتلال، وفي مقابل وعود مؤجلة بالانسحاب وفكِّ المستوطنات على مراحل أربع، كل مرحلة منها تقتضي موافقة الحكومة الصهيونية، وفي مدى زمني لن يبدأ تنفيذه إلا بعد عامٍ على الأقل، هذا إن حدث!.

وها نحن نرى السودان يتعرض لمخاطر كبيرة في دار فور في الغرب تستدعى قرارات دولية مشبوهة بالتدخل في شئونه، خاصة بعد التنازلات الضخمة التي قدمتها حكومته لحركة التمرد في الجنوب، والاستعدادات لتوقيع اتفاقات السلام، وفي مرحلة حرجة تحتاج إلى كل الجهود من أجل الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه، وتوظيف ثروته النفطية للنهوض بالتنمية فيه، ومن أجل الدفاع عن موارد مصر المائية التى يمدنا بها شريان الحياة القادم من قلب إفريقيا.

وها هي المملكة العربية السعودية تتعرض لموجة عجيبة من العنف الأعمى المدمر العبثي، الذي لا يقره شرع ولا عقل ولا خلق ولا دين، وتدخل في دوامة مشكلات لم تعهدها من قبل، وتهدد استقرار البلاد وهي من أكبر موردي النفط في العالم كله.

ثم إذا بالولايات المتحدة الأمريكية تحصل على ما تريده من مجلس الأمن بشأن العراق بموافقة إجماعية على استمرار الاحتلال إلى أمد غير معروف، مع نقل شكلي للسلطة إلى حكومة عراقية غير منتخبة على وعد بانتخابات قريبة في نهاية العام ستلحق في الغالب بسابقتها في أفغانستان- تلك المؤجلة منذ سنتين ولا ينتظر أحد إجراءها في ظل التدهور الأمني، وعدم تقديم المساعدات الموعودة أو الخبرات المطلوبة لإنجازها- وسيبقى العراق في حال عدم استقرار طالما بقي الاحتلال، وستزداد المقاومة مع انكشاف بشاعة الممارسات الأمريكية التي فاقت الممارسات الصهيونية في فلسطين، تلك التي ظهر بعضها في سجن أبو غريب، وفي سجون الموصل، مما دلل بوضوح أن الممارسات الحكومية العربية- ضد شعوبها- ما هي إلا استمرار للممارسات الصهيونية وتلك الأمريكية في حق العرب والمسلمين.

إن الإخوان المسلمين حينما يكشفون عن تلك الممارسات البشعة الظالمة التي تنتهك حقوق البشر وكرامة الإنسان لا يعولون أبدًا على أطراف دولية ثبت يقينًا أنها تمارس بنفسها تلك المظالم، ولا يشتكون ظالمًا لظالم، بل يلجأون إلى الله وحده، البصير بعباده، الحكم العدل بين الناس، ثم يبصِّرون الشعوب بحقوقها المنتهكة وقضاياها الضائعة؛ كي تسترد تلك الحقوق بصبرها وجهادها وإصرارها على نيل تلك الحقوق المهدرة.

إننا ندرك أن الإصلاح الحقيقي في بلادنا لن يتم إلا على يد الشعوب صاحبة المصلحة في التغيير ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية11).

وإننا نعمل على تحقيق ذلك وِفْق منهجنا المتدرج في: إصلاح النفوس، وتكوين البيوت، وإرشاد المجتمع، وتحرير الأوطان، وإننا ندعو كل القوى الحية والجادة إلى الأخذ بنفس المنهج، والسير على نفس الطريق، والتوجه نحو الشعوب، وعدم المراهنة لا على الأنظمة ولا على القوى الخارجي؛ حتى تتضافر الجهود وتتحقق الآمال.

إن هذا طريق طويل، ولكن ثبت لنا أنه لا طريق سواه، وسنستمر في مطالبة الحكام الذين استرعاهم الله هذه الأمة أن يتقوا الله تعالى في شعوبهم، وأن يعلموا أنهم مُعرضون على ربهم في يوم لا تخفي فيه خافية، وأنهم سيُسألون عن كل صغيرة وكبيرة، عن أنّات المعذبين، وعن دماء الشهداء والضحايا، وعن دموع الأرامل والثكالى واليتامى، وعن زفرات أهالي المعتقلين على أبواب السجون والمعتقلات، وعن ملايين العاطلين عن العمل، وعن الأموال المسروقة، وعن التنمية الضائعة، وعن كل شيء ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ (آل عمران:25).

إن الإصلاح الحقيقي يقتضي كما يقول الخبراء معايير ثلاثة:

أولاً: إحلال معيار الكفاءة محل معيار الولاء، سواء أكان ولاء القرابة العائلية أو العشائرية أو الزبائنية والمحسوبية، أو ولاء شبكات المصالح الخاصة المتغلغلة في الدولة، أو ولاء الانتماءات الحزبية الضيقة والحاكمة.

ثانيا: إحلال سلطة القانون محل سلطة أجهزة الأمن في تنظيم الحقل العمومي والحياة السياسية والمدنية، إن إطلاق يد الأمن بحرية لإحضار الناس وتأديبهم أو تأنيبهم هو الوسيلة الرئيسية للإذلال والترهيب والتقزيم الذى يخلق شروط الإذعان، بل لا يترك للفرد خيارًا آخر سوى الانسحاق والاستسلام أو التمرد والعصيان.

إن ما يرمي إليه الضبط (التحكم) الأمني للمجتمع هو إخماد روح النشاط كله عند الفرد؛ لإخماد روحه السياسية وضميره الحر وشعوره بالكرامة، أي كل ما يجعل منه إنسانًا مبادرًا وفاعلاً ومتطلعًا للتراكم والإبداع، أي قتل المجتمعات في سبيل ضمان الاستقرار والاستمرار للنظام.

ثالثا: مبدأ المسئولية الذي يعني الإحساس بالواجب والعمل بما يقتضيه ذلك الواجب في ما يتعلق بالشئون العامة ومناصب المسئولية، وربما كان المبدأ السائد اليوم عند المسئولين العرب هو النقيض له تمامًا، أي مبدأ التمتع واستباحة الموارد العمومية كما لو كانت ملكية شخصية. هذه المعايير التي طرحها الخبراء تدلل بوضوحٍ عمقَ الأزمة التي تعيشها المجتمعات العربية، وتسببت فيها الأنظمة العربية، التي تعتمد على عصا الأمن الغليظة لتقتل من تشاء وتعذب من تشاء وتعتقل الآلاف، وتحوّل البلاد العربية إلى سجون كبيرة.

وهذه الأنظمة هي التي استباحت المال العام، وحولت الثروات العامة والموارد العمومية إلى ملكية شخصية، وجعلت البرلمانات مجالس للتصفيق للحكام والتسبيح بحمدهم، وقتلت المعارضة في نفوس الناس، وحوّلت الأحزاب المعارضة إلى ديكور تتزين به أمام العالم دون أي مشاركة حقيقية في السلطة أو اتخاذ القرار.

إننا ونحن نودع شهداءنا الأبرار في كل بلد عربي كنا نتمنى أن يسقطوا في ساح الفداء في معركة المصير مع العدو الصهيوني على أرض فلسطين، وليس في سجن مزرعة طرة بسبب الإهمال الجسيم، أو في أقبية مباحث أمن الدولة أو أقسام الشرطة، كما ذكرت تقارير منظمات حقوق الإنسان، كما سبق مع الشهيد مسعد قطب أو غيره.

إننا سنظل أوفياء لديننا ولدعوتنا، كما سنظل أوفياء لبلادنا وأوطاننا، وسنتحمل بإذن الله كل التضحيات في سبيل الله حتى يأتي الله بنصرٍ من عنده ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة:214).