الشورى وتعدد الأحزاب عند (الإخوان المسلمون)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٧:٣٤، ٧ يوليو ٢٠١٠ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشورى وتعدد الأحزاب عند (الإخوان المسلمون)
أعضاء مكتب الإرشاد

قال تعالى في سورة الشورى موضحًا صفات المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (الشورى: 38)، والآية الكريمة تضمنت حكمًا هو أن: أمر المسلمين شورى بينهم، فهم يتشاورون في أمورهم العامة والخاصة لإقامة العدل وتنفيذ حكم الله وتحقيق مصالح المسلمين، وحتى لا يستبد فرد أو فئة من الناس بالتصرف في أمر تعمُّ به البلوى، وتتأثر به مصالح الغالبية من الشعب المسلم.


ومفهوم ذلك أن الأمة هي مصدر السلطات، فهي التي تولي من تثق في دينه وأمانته وخبرته وعلمه ومواهبه وكفاءته ما تحدده له من أمور؛ ليقوم عليها بالعدل والإحسان والإنصاف.


ولما انتقل المصطفى- صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى اجتمع رؤساء القبائل والعشائر من المهاجرين والأنصار– وهم ممثلو الأمة الإسلامية آنذاك– وبعد مناقشة وحوار اختاروا أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- لرئاسة دولة الإسلام والقرآن التي أسسها المصطفى- صلى الله عليه وسلم- ولم يقل أحد منهم: إن رئاسة الدولة تؤخذ غصبًا وبحد السيف؛ بل انتقلت الولاية من بيت النبوة إلى من ليس من بيت النبوة.


وهكذا كان اختيار الصديِّق- رضي الله عنه- برضا غالبية ممثلي الأمة الإسلامية وشعبها، وذلك هو فعل صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومنهم المبشرون بالجنة، وإذا كان أفراد قلائل قد تأخروا عن بيعة أبي بكر- رضي الله عنه- فلم يكن ذلك اعتراضًا منهم على أسلوب أو طريقة اختياره؛ بل لاعتبارات أخرى منهم على أنهم ما لبثوا إلا فترة قصيرة ثم بايعوا، وبذلك انعقد ما يقارب الإجماع.


وإذا كان أبو بكر- رضي الله عنه- قد أوصى أن يخلفه في ولاية الأمر عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فإن تلك الوصية لم تكن بذاتها هي القرار الذي أعطى عمر- رضي الله عنه- حق الولاية ورئاسة الدولة الإسلامية؛ وإنما عرض الأمر على ممثلي الأمة الإسلامية، وهم زعماء القبائل والعشائر من المهاجرين والأنصار، ولما رضوا بتلك الوصية عن قناعة وأقروها عن اختيار، كانت بيعتهم هي سند عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في تولي رئاسة الدولة الإسلامية.


وكلٌّ من أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- قال: إنه أجير استأجره المسلمون، ولم يقل أيهما: إنه استحق الولاية بأي طريق آخر غير اختيار المسلمين له، وكل منهما بدأ ولايته بقوله: إنه ولي على المسلمين، وهو ليس بأفضلهم ولا بخيرهم.


وأي منهما لم يَدَّعِ عصمة أو ارتفاعًا عن احتمال الخطأ؛ بل قال كل منهما على الملأ: إنه بشر كسائر البشر، يصيب ويخطئ، وإن من حق أفراد الأمة أن يصوبوه إذا اخطأ؛ بل أن يقوِّموا اعوجاجه ولو بحد السيف، إن اقتضى الأمر.


وكل منهما ذكَّر الناس علانية أن نطاق طاعتهم له أن يكون أمره في غير معصية لله ولرسوله؛ وإنما إنفاذًا لحكم الله وشريعة الإسلام، أو تقديرًا لصالح الناس فيما أباحه الله؛ إذ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، كما قال سيد الخلق- صلى الله عليه وسلم.


والأمة المسلمة تدين بالعبودية لله وحده، وتقدس أحكام القرآن الكريم والسنة المطهرة، تؤمن بأن الناس لا يملكون الحكم إلا بما أنزل الله، وبمقتضى شريعة الإسلام، ومن ثمَّ فهي لا تمتلك أن تفوض من اختارته لِيَلِيَ أمرًا من أمورها إلا فيما قرره الشرع لها، ولا يجوز لها أن تفوضه فيما لا تملكه، ولا حق لها فيه، فإذا ما اختارت واليًا لبعض شئونها فليسوس الأمور على مقتضى أحكام الدين؛ لأن الدين هو الأساس، والسلطان حارس، ومن لا أساس له فمهدوم، ومن لا حارس له فضائع.


وتوالَى الحكام على أمة الإسلام ، قلة منهم برضا واختيار الشعوب، وغالبيتهم– بكل أسف– باستبداد وغلبة، ورغم انغماس بعض الحكام في الملذات وبُعدهم عن روح العدل والإنصاف، ورغم شيوع المعاصي وتفشي الوهن في كثير من المجتمعات، إلا أنه لم يحصل أن نُحِّيَت الشريعة الإسلامية كعقيدة ومرجع ودستور، ولم يحصل أن فرض حاكم أو اتخذ شعب من الشعوب الإسلامية غيرها أصلاً عامًّا ومرجعًا، حتى ابتليت الأمة الإسلامية بعصر الاستعمار الصليبي الذي غزاها وحكمها وفرض عليها قوانينه ومبادئه، ثم سار على دربه خلفاؤه من عملائه.


ومع ذلك فإننا نقول- بكل صدق-: إنه لم يحصل أن اختار شعب من شعوب الأمة غير حكم الله أو شرعًا غير شريعته- عز وجل- بل قامت في شعوب الأمة الإسلامية- ولم تزل تقوم- ثورات ومطالبات للعودة إلى حكم الله وشريعة الإسلام، وروت الدماء الزكية الطاهرة ساحات الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وشرع الإسلام؛ وإنما هو الاستبداد والقهر.


إن هذه الجماعة قامت تجاهد ما وسعها الجهاد؛ لتعود بحكم الله إلى شعوب الإسلام، ومن ثَمَّ فهي تقرر بكل تأكيد أن الأمة هي مصدر السلطان– طبقًا للمفهوم الذي أسلفناه- وأن الشعب هو الذي له الحق أن يولي باختياره الصحيح من يرتضي دينه وأمانته وعلمه وكفاءته؛ ليقوم على ما يحدده له من أمور الدولة، ونحن نرى– مع التسليم بأن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما الدستور الأسمى لحكم المسلمين، ولا يُعتد ولا يُقبل ما خالف أيهما– أن الأمة لابد أن يكون لها دستور مكتوب، تضعه وتتفق عليه، تأخذه من نصوص الشريعة الغراء، ثم من مراميها وغاياتها وقواعدها الكلية، فيتضمن ما يحقق توازنًا بين اختصاص مختلف المؤسسات التي تدير الدولة؛ حتى لا يطغى بعضها على الآخر، أو يستبد بالأمر دون الباقين: ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآَهُ اسْتَغْنَى﴾ (العلق: 6- 7)، كما يتضمن القواعد والأحكام ما يصون ويحفظ الحريات العامة والخاصة لكل الناس من مسلمين وغير مسلمين، ويجعل الحكم شورى استمدادًا من سلطة الأمة، ويحدد مسئولية الحكام أما الشعب، وكيفية محاسبتهم وتصويبهم، وتقويم اعوجاجهم بطريقة سليمة ناجحة إذا ما قصروا، وإبدالهم إذا لزم الأمر، وهذا يقتضي وجود مجلس نيابي له سلطات تشريعية ورقابية ذات فعالية تتمثل فيه الإرادة الشعبية الحقيقية نتيجة انتخابات حرة ونزيهة، وتكون قراراته ملزمة.


كما أننا نرى- باعتبار أن رئيس الدولة ما هو إلا وكيل عن الشعب– أنه يجب أن تكون رئاسة الدولة لمدة محددة، ولا يجوز تجديدها إلا لأمدٍ محدَّد، وذلك ضمانًا لعدم الطغيان.


ولمَّا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات التي نصت عليها شريعة الإسلام، ولمَّا كان تقويم الحكَّام ومواجهتهم ومعارضة نزواتهم وانحرافاتهم لم يعد مما يقوى عليه فرد من الأفراد؛ بل بات من الضروري أن يجتمع عليه جمهور من الأمة، ولما كان الاختلاف واقعًا فيما هو محل اجتهاد من النصوص الشرعية، ولما كان تنظيم المباح يشمل غالب معايش الناس، ولابد أن تختلف فيه مناهج الإصلاح والتدبير؛ إذ إن الخلاف والتعدد طبيعة من طبائع البشر وواقع ملموس في الحياة لا يجوز إنكاره.


وقد حدث الاختلاف في الرأي في حضرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- في العديد من الأمور فلم ينكره؛ وإنما المنهي عنه هو التنازع الذي يؤدي إلى الفشل والضعف والهوان، أما اختلاف الآراء فهو تكامل وتنوع للنظر لابد منه لاستجلاء الحق والوصول إلى الأصلح وسعة الأفق، والبعد عن التعصب وضيق النظرة.


لذا فإننا نؤمن بتعدد الأحزاب في المجتمع الإسلامي، وأنه لا حاجة لأن تضع السلطة قيودًا من جانبها على تكوين ونشاط الجماعات أو الأحزاب السياسية؛ وإنما يترك لكل فئة أن تعلن ما تدعو إليه وتوضح منهجها، وما دامت الشريعة الإسلامية هي الدستور الأسمى، وهي القانون الذي يطبقه قضاءٌ مستقلٌ محصنٌ بعيدًا عن أي سلطة أو جهة، ومؤهل فكريًّا وعلميًّا وفقهيًّا وثقافيًّا، فإن في ذلك ما يكفي لضمان سلامة المجتمع، واستقامته على الطريق السوي، واتخاذ الإجراء الشرعي المناسب تجاه من يخرج على المبادئ الأساسية التي لا خلاف فيها بين علماء وفقهاء المسلمين، والتي تعتبر المقومات الأساسية للمجتمع.


كما أننا نرى أن قبول تعدد الأحزاب في المجتع الإسلامي على النحو الذي أسلفناه يتضمن قبول تداول السلطة بين الجماعات والأحزاب السياسية، وذلك عن طريق انتخابات دورية، والحمد لله أولاً وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.