حسن جودة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٢٤، ١٥ أكتوبر ٢٠١٢ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن جودة والدعوة في بني سويف

إعداد موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم: أ. علاء ممدوح

مقدمة

الأستاذ حسن جودة


أحد الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين ... مرت عليه كل محن الجماعة بداية من محنة 54 مرورا بمحنة 65 نهاية بآخر اعتقال له في عام 1996م فما زاده هذا إلا إيمانا و تثبيتا ...


ذلك هو الأستاذ حسن جودة عضو مكتب الإرشاد وعضو مجلس الشعب السابق ومدير مدارس الدعوة الإسلامية ببني سويف وأحد رجال الدعوة الإسلامية بمصر.


إنه فارس ميدان العمل الدعوي الاجتماعي بكل ما قدمه من خدمات طيبة عم نفعها الغادي و الرائح ، و السائر و الراكب فما بخل بجهد ولا وقت ولا مال فلله دره من رجل تربى على منهج الكتاب و السنة ، ذلك المنهج الذي اعتمده الإمام الشهيد حسن البنا كأساس لجماعة الإخوان المسلمين .


مولده و نشأته

في عام 1348هـ الموافق 1929م.كان مولد الحاج حسن جودة عبد الحافظ في قرية "تل كفر منصور" بمحافظة بني سويف جنوب القاهرة

نشأ في بيت أصيل وواصل تعليمه حتى تخرج عام 1951م من كلية العلوم والتربية بتقدير ممتاز..

انتقل بعد تخرجه إلى بورسعيد ليعمل بمعهد المعلمين الخاص هناك مدرسا للرياضيات .

وظل بها حتى عام 54 ليترك عمله مضطرا ..

ترى ما سبب اضطراره لترك عمله الذي يحب ؟!..

الصبر على الابتلاءات في رحلة الاعتقالات

كان سبب ذلك هو اعتقاله مع إخوانه في عام 54 ليغيب وراء أسوار السجن الحربي ويذوق صنوفا عجيبة من القهر و التعذيب والتنكيل لا لشيء سوى أن قال هو و إخوانه ربنا الله، لكنه كان كالنخلة المباركة يقف بكل عزة و شموخ صامدا أمام أعاصير الظلم و الطغيان ..

ولا أدل على ذلك من أنه حين خرج من السجن واصل عمله الدنيوي كمدرس للرياضيات بمدرسة النيل الثانوية، والثانوية العسكرية ، ليرُقي بعد ذلك إلى مدرس أول بالأقصر الثانوية، ثم يعود ثانية إلى مدرسة النيل الثانوية .

وواصل كذلك عمله الديني الدعوي فظل جنديا مخلصا و صدوقا في جماعة الإخوان المسلمين يخدم الدعوة من خلال عمله كمدرس ليربي أجيالا مؤمنة تحمل الراية فيما بعد حتى تم القبض عليه ثانية في عام 65 ..

وأيضا عاد للحربي مرة أخرى وظل فيه عامين مع إخوانه يمارس معهم جنود البغي و العدوان كل صنوف البطش و العذاب الأليم ، ليرحل إلى سجن أبو زعبل ومزرعة طرة ، وأفرج عنه بعد ذلك ليعود إلى عمله مرقا فضلا من الله و نعمة كموجه للرياضيات للمرحلة الإعدادية في المنيا عام 1969م .

وتتوالى عليه رحمات الله و بركاته جزاءا وفاقا على صبره حيث أعير إلى المملكة العربية السعودية للعمل بمدرسة ثقيف بالطائف من عام 1971 م وحتى عام 1977م .

ليعود ثانية إلى بني سويف للعمل كموجه رياضيات للمرحلة الثانوية .

  • وفي عام 1981م تم اعتقاله مرة أخرى . ، وحتى بعد خروجه للمعاش وقد تجاوز عمره الستين عاما أعيد اعتقاله ثانية وكان ذلك في عام 1992م ..
  • وفي أبريل عام 1996م اعتقل مرة أخرى ليمكث في السجن شهرين يخرج بعدها مفرجًا عنه لتدهور حالته الصحية، وبعدها حوكم و إخوانه أمام محكمة عسكرية جائرة ليقضى عليه بثلاث سنوات ظلما وعدوانا قضاها جميعها لم ينقص منها يوم واحد برغم بلوغه السبعين من عمره .
  • ليخرج بعدها بنفس الروح كجندي في صفوف الدعوة يكمل مسيرته برغم كبر سنه و تدهور حالته الصحية موفيا بعهد بيعته حتى رحيله عن هذه الدنيا .

مع الإخوان في خدمة الدعوة

الأستاذ حسن جودة

لقد كان الحاج الأستاذ حسن جودة دؤوبا في عمله يخدم الدعوة بكل ما يملك من طاقات و أموال .. فتنوع جهاده الدعوي مابين كتابات و محاضرات يربي عليه الأجيال المسلمة من خلال عمله كمدرس ومن ثم موجه.

فمن كتاباته مقال بعنوان الالتزام يقول فيه :

  • معاني الالتزام ومرجعيته
  • نماذج للالتزام
  • ضرورة الالتزام
  • جوانب الالتزام ومظاهره
  • معاني الالتزام ومرجعيته
  • المعنى اللغوي

الالتزام: الاستقامة، وقيل معناه: الاستمساك أو الاعتناق.

  • المعنى الشرعي

هو التزام حدود الله، وتحليل ما أحل الله، وتحريم ما حرم الله، ويكون ذلك في استعمال كل عضو من الأعضاء فيما خلق من أجله ومخالقة الناس بخلق حسن.

  • المعنى الإصطلاحي

وهو في اصطلاح الدعاة الوفاء بما يتعهَّد به المسلم ويفرضه على نفسه من الصالحات، حين يرضى أن يكون في صفوف الدعاة وضمن قافلة العاملين؛ من أجل التمكين لمنهج الله في الأرض، وقيل في تعريف الاستقامة هي ضد الطغيان وهو مجاوزة الحدود في كل شيءٍ،

وقال سيدنا عمر: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب، وقال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا للشيطان فيه نزغتان:

إما إلى تفريط، وإما إلى مجاوزة، وهي الإفراط، ولا يبالي بأيهما ظفر زيادةً أو نقصانًا.

الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على الالتزام وردت آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة توضح مفهوم الالتزام، نشير إلى بعضٍ منها:

قال تعالى: (فاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا) (هود:112)، وجاء في الظلال في معنى الآية: هذا الأمر للرسول ومن كان معه، أحس عليه الصلاة برهبته وقوته حتى روي عنه أنه قال مشيرًا إليه "شيَّبتني هود وأخواتها".

فالاستقامة هي الاعتدال والمضي على المنهج دون انحراف، وهذا يحتاج لمن أرادها إلى اليقظة الدائمة، والتدبر الدائم والتحري الدائم لحدود الطريق، وضبط الانفعالات البشرية التي تميل الاتجاه قليلاً أو كثيرًا، ومن ثمَّ فهي شغلٌ دائمٌ في كل حركة من حركات الحياة، ثم يقول رحمه الله:

"وإنه مما يستحق الانتباه إليه هنا أن النهي الذي أعقب الأمر بالاستقامة لم يكن نهيًا عن القصور والتقصير، وإنما كان نهيًا عن الطغيان والمجاوزة..

ذلك أن الأمر في الاستقامة وما يتبعه في الضمير من يقظَةٍ وتحرُّج قد ينتهي إلى الغلوِّ والمبالغة التي تحوِّل هذا الدين من يسر إلى عسر، والله يريد دينه كما أنزله، ويريد الاستقامة كما أمر، دون إفراط ولا غلوٍّ، فالإفراط والغلوُّ يُخرِجان هذا الدين عن طبيعته كالتفريط والتقصير، وهي التفاتةٌ ذات قيمة كبيرة لإمساك النفوس على الصراط، بلا انحراف للغلوِّ أو الإهمال على السواء، (وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْرٌ) (هود:112)،

والبصر من البصيرة مناسب في هذا الموضع الذي تتحكَّم فيه البصيرة وحسن الإدراك والتقدير.

وقال سبحانه وتعالى أيضًا:

(بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُوْلٌ مُّبِيْنٌ وَلَمِّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذا سِحْرٌ وَّإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ) (الزخرف:30،29)، وقال سبحانه وتعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيْمٍ) (الزخرف:43).

وفي الحديث الشريف:

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم"، وفي حديث حارثة: قال رسول الله: "كيف أصبحت يا حارثة؟" قال:

أصبحت مؤمنًا حقًّا يا رسول الله، فقال رسول الله: "إِنَّ لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك؟" فقال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أرى عرش ربي بارزًا، وأرى أهل الجنة يتزاورون، وأرى أهل النار يتضاغون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عرفت فالزم"، وقال النبي لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:

"يا عبد الله بن عمرو، إن لكل عمل شرهًا ولكل شرهٍ فترة فمن كانت فترته إلى سنة فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك".

  • نماذج للالتزام

سعد بن الربيع: وفاء والتزام بالدعوة حتى الموت

الإسلام يربي البشرعلى الالتزام في كل شيء

روى إبن إسحاق أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء أم في الأموات؟! فقال رجل من الأنصار:

أنا، فنظر فوجده جريحًا في القتلى وبِهِ رَمَق، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟! فقال أنا في الأموات.. أبلِغ رسول الله مني السلام، وقل له:

إن سعد بن الربيع يقول لك "جزاك الله خيرَ ما جزى نبيًّا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام"، وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم: "لا عذر لكم إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف".

  • حذيفه بن اليمان: نموذج من الالتزام الدقيق

فيما روى ابن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب عن حذيفة بن اليمان قال لرجل من أهل الكوفة:

يا ابن أخي، والله لقد رأيتُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويًا- قدرًا يسيرًا- من الليل، ثم التفتَ إلينا، فقال:

"مَنْ رجلٌ يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع- يشرط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة- أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة", فما قام منَّا رجلٌ من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقُم أحد دعاني رسولُ الله فلم يكن لي بدٌّ من القيام حين دعاني, فقال:

"يا حذيفة.. اذهب فادخل مع القوم, فانظر ماذا يصنعون؟ ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا" قال: فذهبت ودخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تسمع لهم قدرًا ولا نارًا، فأخدت بيد الرجل الذي كان إلى جانبي, فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان, ثم قال أبو سفيان:

يا معشر قريش إنكم ما أصبحتم بدار مقام, لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة, وبلغنا عنهم الذي نكرخ، وألقينا من شدة الريح ما ترون, ما تطمئن لنا قدور ولا توقد لنا نار, ولا يستمسك لنا بناء، فارتحِلوا فإني مرتحل, ثم قام إلى جمله وهو معقول, فجلس عليه ثم "ضربخ" فوثب به على ثلاث, فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله إليَّ"أن لا تحدث شيئًا حتى تأتينا" لقتلته بسهم، قال حذيفة فرجعت إلى رسول الله أخبرته الخبر.

  • موقف الرماة: التزام شابَهُ تفريطٌ من البعض

انتخب رسولُ الله فصيلةً من الرماة الماهرين قوامها خمسون مقاتلاً، وأعطى قيادتها لعبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري ألاوسي البدري, وأمرهم بالتمركز على جبل الرماة، وقال لقائدهم:

أنضج الخيل عنا بالنبل, ولا يأتون من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتَين من قبلك، ثم قال الرماة:

احموا ظهورنا؛ فإنْ رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا غنِمنا فلا تشركونا، وفي رواية البخاري:

إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا.. مكانكم حتى أرسل إليكم, وإن رأيتمونا هَزمنا القوم ووطأناهم فلا تبرحوا.. مكانكم حتى أرسل إليكم.

ولما رأى الرماة أن المسلمين ينتهبون غنائم العدو غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض:

الغنيمة, ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ أما قائدهم عبد الله بن جبير، فقد ذكَّرهم أوامر الرسول، وقال:

أنسيتم ما قال لكم رسول الله؟! ولكن الأغلبية الساحقة لم تُلقِ لهذا التذكير بالاً، وقالت: "والله لنأتين الناس فلنصيبنَّ من الغنيمة،

ثم غادر أربعون رجلاً من هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل والتحقوا بسواد الجيش؛ ليشاركوا في جمع الغنائم ولم يبقَ إلا ابن جبير وتسعة من أصحابه التزموا موقفهم، مصمِّمين على البقاء؛ حتى يؤذن لهم أو يبادوا، وكان لعدم التزام الرماة بأمر الرسول وعدم طاعتهم لأمر قائدهم عبد الله بن جبير، فقد انتهز خالد بن الوليد الفرصة واستدار بسرعة خاطفة حتى وصل إلى مؤخرة الجيش الإسلامي, فلم يلبَث أن أباد عبد الله بن جبير وأصحابه, ثم انقضَّ على المسلمين من خلفهم، وصاح فرسانه صيحةً أعلمت المشركين المنهزمين بالتطور الجديد فانقلبوا على المسلمين،

وأُحيط بالمسلمين من الأمام والخلف، ووقعوا بين شقي الرحى، وحوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وتسعة من أصحابه، واحتدم القتال حول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قُتل سبعةٌ من أصحابه من حوله ولم يبقَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى طلحه بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص، وأصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقُتل من المسلمين في هذه الغزوة سبعون رجلاً.

  • طالوت وجالوت

نموذج آخر لكشف صلابة الالتزام والملتزمين الذين يعول عليهم إكمال الطريق إلى منتهاه.. يقول الله تعالى:

(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيْكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوْا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيْلاً مِّنْهُمْ) (البقرة:249)

يقول الشهيد سيد قطب في ظلال هذه الآية:

"فلا بد للقائد المختار أن يبلوَ إرادةَ جيشه وصموده وصبره، صموده أولاً للرغبات والشهوات، وصبره ثانيًا على الحرمان والمتاعب، واختار هذه التجربة وهم كما تقول الروايات عطاش؛ ليعلم من يصبر ممن ينقلب على عقبيه ويؤثر العافية، وصحَّت فراسته، وكانت النتيجة (فَشَرِبُوْا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيْلاً مِّنْهُمْ) (البقرة:249)، فانفصلوا عن الجيش لأنهم لا يصلحون للمهمة الملقاة على عاتقهم، وكان من الخير ومن الحزم أن ينفصلوا لأنهم بذرة ضعف وخذلان وهزيمة
والجيوش ليست بالعدد الضخم ولكن بالقلب الصامد والإرادة الحازمة والإيمان الثابت المستقيم على الطريق، ودلَّت هذه التجربة أن النيَّة الكامنة وحدها لا تكفي، ولا بدَّ من التجربة العملية ومواجهة واقِعِ الطريق إلى المعركة قبْل الدخول فيها"
  • ضرورة الالتزام

كلما زاد الالتزام في أفراد الأمة بالإسلام الشامل (القيم والمبادىء والعقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق المتينة والمعاملات الطيبة) زادت الأمة قوةً وتماسكًا وارتفاعًا، وتحققت السعادة، وانتشر الأمن في الأمم وبين الشعوب.. لذلك فالالتزام ضروري للفرد والأسرة والمجتمع:

  • أهميته للفرد

أن يصبح الفرد نموذجًا قائمًا لما يريده الإسلام، فالإسلام يريد في الفرد وجدانًا شاعرًا يتذوق الجمال والقبح، وإدراكًا صحيحًا يتصور الخطأ والصواب، وإرادةً حازمةً لا تضعُف ولا تلين في مواقف الحق، وجسمًا سليمًا يقوم بأعباء الواجبات الإنسانية حقَّ القيام، ويصبح أداةً صالحةً لتحقيق الإرادة الصالحة، ونصر الحق والخير؛ ولذلك نبَّه الإمام الشهيد حسن البنا إلى الأمور التي يجب أن يلتزم بها الفرد في عشرة جوانب، وهي:

  • أن يكون قوي الجسم
  • متين الخلق
  • صحيح العبادة
  • سليم العقيدة
  • مثقف الفكر
  • قادرًا على الكسب
  • مجاهدًا لنفسه
  • حريصًا على وقته
  • منظَّمًا في شئونه
  • نافعًا لغيره.

ضرورته للأسرة

فصلاحُ الرجل والمرأة وحسنُ التزامهما ينشأُ عنهما بيتٌ نموذجيٌّ، والذي يتميَّز باحترام الفكرة، والمحافظة على آداب الإسلام في كل مظاهر الحياة المنزلية، ووقوف كل فردٍ على حقِّه، وما يجب عليه، وحسن تربية الأولاد، وتنشئَتُهم على مبادىء الإسلام.

  • ضرورته للمجتمع

إذا لم يلتزم المجتمع بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمبادرة إلى فعل الخير وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، بهذا يكون المجتمع مهيَّأً لتطبيق شرع الله والالتزام بأحكامِه والفوز بوعدِ الله لعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة.

  • جوانب الالتزام ومظاهره

ويمكن تحديدها فيما يلي:

مواعيد الأذان تمثل أولى خطوات الانضباط في الحياة

1- الالتزام العقدي

تصديق وطمأنينة القلب وسكينته ليس معه خوف إلا من الله، وينبع من هذا الالتزام كل ما يصدر من العبد من قول أو عمل، فإذا كان القلب عامرًا بالمعتقد الإيماني الصحيح كان الإنسان في عصمة دائمة من الزَّيغ والانحراف والضلال والخيانة والعمل السيئ، ومن مظاهر الالتزام العقدي:

  • الالتزام بالورع وتقوى الله.. فالورع عن الحرام من الدين، وله أربع مراتب: (إحياء علوم الدين).
  • (أ) الورع الذي يُشترط في عدالة الشهادة، وهو الذي يُخرج الإنسان- بتركه- عن أهلية الشهادة والقضاء والولاية، وهو الاحتراز عن الحرام الظاهر.
  • (ب) ورع الصالحين، وهو التوقِّي من الشبهات التي تتقابل فيها الاحتمالات.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وقال صلى الله عليه وسلم: "الإثم حزاز القلوب".
  • (ج) ورع المتَّقين، وهو ترك الحلال المحض الذي يخاف من أدائه إلى الحرام، قال صلى الله عليه وسلم:

"لا يكون الرجل من المتقين حتى يدَعَ ما لا بأس به مخافةً مما به بأس"، وذلك مثل التورع عن التحدث بأحول الناس خيفة من الانجرار إلى الغيبة، والتورع عن أكل الشهوات خيفة هيجان النشاط، والبطر المؤدي إلى مقارفة المحظورات.

وكتب الأستاذ أبو الأعلى المودودي عليه رحمة الله في كتاب (الأسس الأخلاقية) عن التقوى يقول:

"فما التقوى في حقيقة الأمر إلا عبارة عن زيٍّ مخصوص وهيئةٍ معينةٍ وطرازٍ للمعيشةِ بعينه، وإنما هي عبارةٌ عن حال النفس التي تتكون وتتولَّد من خشية الله تعالى، والشعور بالتبعة.

وتظهر وتتجلى في كل ناحية من نواحي الحياة ومظهر من مظاهرها، فالتقوى الحقيقية هي أن يكون قلب المرء مستنيرًا بخشية الله والشعور بعبوديته، وأن يكون وعيُه للقيام بين يدي ربه والمسئولية أمامه يوم القيامة شديدًا قويًّا، وأن يدرك إدراكًا تامًّا قويًّا أن ليست هذه الحياة الدنيا إلا مضمارًا لامتحانه، حيث قد بعثه الله تعالى ومتعه إلى حين من الزمن.

(د) ورع الصديقين: وهو الإعراض عما سوى الله تعالى؛ خوفًا من صرف ساعة من العمر إلى ما لا يفيد زيادة قرب عند الله عز وجل، وإن كان يعلم ويتحقق أنه لا يفضي إلى حرام، والالتزام بالورع وتقوى الله يعطي المؤمن قوة الإدراك والرؤية السديدة والعلم، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) (البقرة:282).

ومن مظاهر الورع والتقوى:

وللالتزام العقدي مظاهر أخرى نكتفي بالإشارة إليها، منها الثبات أمام المحن والشدائد والفتنة بنوعيها الخير والشر، وتحري الكسب بالحلال، والأكل من الحلال، والكلمة الطيبة، والبُعد عن اللَّغو في الكلام، والثقة في وعد الله ونصره (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمُنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوْا هَذَا مَا وَعَدنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيْمَانًا وَّتَسْلِيْمًا) (الأحزاب:22).

2 - الالتزام التعبدي

ونتناول فيه:

(أ) الالتزام في العبادة

(ب) الالتزام بالسنة

فهي الأنفع للقلب، والأفعل في النفس، والأذكى للروح من ألف عظة قولية، وقد رُئِيَ الجنيدي البغدادي بعد وفاته فقيل له:

"ما فعل الله بك؟" فقال: "طاحت الإشارات، وفنيت العبارات، وضاعت العلوم، وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في جوف الليل"، والاستمرار على ذلك أمر لا غنى عنه..

قال صلى الله عليه وسلم:"يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل" متفق عليه عن عبدالله بن عمرو بن العاص، و"نعم الرجل فلان إذ كان يصلي بالليل"- متفق عليه عن عبد الله بن عمرو.

ومن مظاهر ذلك:

المداومة على فعل العبادات، كصلاة الفرائض في المسجد.. فعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان" (أخرجه ابن ماجة) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الأعمال ما كان أدومها وإن قل" (أخرجه البخاري)،

والحرص على صلاة الضحى، وتلاوة الورد القرآني، والأذكار المـأثورة، وأدعية اليوم والليلة، وصوم النوافل، وغير ذلك من العبادات، والعبادة تترك أثرها في القلوب، وتفيض على الجوارح فتكون حركتها وآمالها من المعين الطيب الذي سكن في القلوب..(يُرجع إلى صفة صحيح العبادة في ركن العمل).

(ب) الالتزام بالسنة:

والمؤمن يتحرَّى السنة في أقواله وأفعاله عقيدةً وعبادةً ومعاملات وأعمالاً حياتيةً، ويتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لقول الله تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر:7)،

كما أنه يحتكم إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى زيد أو عمرو من الأفراد، فيتخذ سلوكهم تبريرًا لسلوكه المخالف للسنة، واتباع السنَّة يلزم الفرد الداعية العمل بها قبل النطق وفعلها قبل القول بها؛ وذلك لأن الجانب السلوكي أبلغ الأثر من النصح والإرشاد.

والأعمال منها ما هو مأمور به واجب أو مندوب أو محرم أو مكروه أو مباح، وعلى المسلم أن ينظر فيما يقدم عليه من أعمال من أي الأقسام هي، ويحرص على أن يلتزم بالسنة في كل شيء، وقد أكد الأستاذ البنا هذا الأمر (في رسالة المؤتمر الخامس) في وصفه للدعوة بأنها طريقة سنية فقال:

"لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً".

3- الالتزام الأخلاقي

أي يلتزم في أخلاقه بأن يكون قدوةً حسنة وهو العامل الأساسي في نجاح التربية؛ لأنه يكفي أن يكون صاحب الدعوة فقيهًا أو خطيبًا بقدر ما ينبغي أن يكون عاملاً بعمله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه مثلاً أعلى للذي يدعو إليه، فهو يغرس في أصحابه هذا السلوك السامي بسيرته العطرة.

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ألا أخبركم بأحبكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا".

وحذر رسول الله- صلى الله عليه وسلم من مخالفة القول الفعل، فعن أسامة بن زيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك؟ ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟!

فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه".

ونذكِّر ببعض مظاهر الالتزام الأخلاقي على سبيل المثال: الوفاء بحقوق الأخوَّة- مراعاة أدب الخلاف- أدب الحديث- الالتزام بالموعد- الحلم- الرجولة- التواضع- القناعة- الكرم- الالتزام في المعاملات المالية.

4- الالتزام الاجتماعي

وهو قيام الفرد بالدور المنوط به في نطاق بيته وعشيرته ثم مجتمعه الذي يعيش فيه، وأداء الواجبات التي عليه في هذا النطاق خير أداء، ويمكن أن نقسم الالتزام الاجتماعي للفرد إلى الأدوار الآتية:

(أ) أهل بيته (زوجته وأبناؤه).

(ب) والداه وذوو رحِمِه.

(ج) إخوانه في الصف.

(د) جيرانه.

(ز) أهل حيِّه والمحيطون به.

(و) زملاؤه في العمل.

ويكون الالتزام الاجتماعي وفقًا لقواعد الإسلام الأخلاقية وضابطها وهي الداعية والباعثة إليه، والإنسان إجتماعيٌّ بطبيعة فطرته، ونجمل هنا أن أهم ما يدعو إلى الالتزام الاجتماعي (باختصار من كتاب صنعة العظماء كيف تصبح نجمًا اجتماعيًّا للدكتور علي الحمادي نقلاً عن مجلة حصاد الفكر العدد 102).

5- الالتزام الدعوي

وهو الوفاء بما يتعهد به المسلم أو يفرضه ويوجبه على نفسه من الأعمال والتكليفات، حين يرضى أن يكون في صفوف الدعاة وقافلة العاملين؛ من أجل التمكين لمنهج الله في الأرض، وأبرز مظاهر الالتزام الدعوي:

(أ‌) الالتزام الفكري: وهو الانضباط مع المنهج، وهو رأس الالتزام وعموده، ففكر الإنسان وعقله وكل ما يؤثر فيه لا بد وأن يكون نابعًا من المنهج القويم والفكر الإسلامي الصحيح، والملتزم بذلك عليه أن يعمل جادًّا على سيادة هذا المنهج في الحياة، وتأكيد أن البشرية لا تستطيع أن تعيش في منهجٍ غيره، وللالتزام الفكري مظاهر، منها:

  • عدم التأثر بالشائعات والشبهات وحملات التشكيك بل القدرة على دحضها.
  • العمل على نشر الافكار والمبادئ والقيم التي تتوافق مع المنهج الصحيح.

(ب‌) الالتزام بالعمل المنظم: وهذا يعني وجود قيادة وأفراد، قيادة تطاع بالمعروف وأفراد يسمعون ويطيعون، وهذه علامة وجود نظام وجماعة "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم".

(جـ) الالتزام بالمسئولية: وهو الشعور الذاتي بالمسئولية، وهذا يعني الالتزام الدقيق بالتكليف بحيث يكون متكيفًا مع ما يناط به من أعمال، مستعدًا لتنفيذ كل ما يكلف به من مهمات.

  • الانضباط في الحديث.
  • الانضباط في المواعيد
  • الطاعة في المنشط والمكره
  • الإيجابية وسرعة سد الثغرات.
  • مراعاة الضوابط الحركية (الاستئذان- الكتمان- تجنب الفضول..)
  • الثبات أمام المحن والشدائد والفتن بنوعيها الخير والشر.
  • استشعار الذنب والإحساس بالندم عند التقصير أو التفريط أو الفتور في أداء الأعمال.
  • عدم الإصغاء للشائعات.
  • مراعاة أدب الخلاف.
  • الوفاء بحقوق الأخوَّة." انتهى .

وكذلك كان له الكثير جدا من الأعمال المميزة التي أثرت على المجتمع بشكل إيجابي كبير.

حسن جودة والجانب العملي

لقد قام حسن جودة بإنشاء جمعية الدعوة الإسلامية ببني سويف في عام 1977م ، ورأس مجلس إدارتها ... وكان أول باكورة هذه الجمعية هي تأسيس مسجد الدعوة الإسلامية

وفي العام التالي لإنشاء هذه الجمعية المباركة أي في عام 1978م أنشأ حضانة الدعوة الإسلامية ، وكذلك مدارس الدعوة الابتدائية ببني سويف و الفشن .

ثم ناصر و الوسطى في عام 1979م ، بعد ذلك تم إنشاء مستوصفات ببا وناصر ومستشفى الدعوة الإسلامية .

غير أن قوى البغي و الشر كانت له بالمرصاد ، حيث تم اعتقاله عام 1981م وعلى إثر ذلك قامت هذه القوى بحل مجلس إدارة جمعية الدعوة الإسلامية، ووزعت الأنشطة على جمعية رعاية الطالب والهلال الأحمر.، فسرقت بذلك ثمرات هذه الجهود المباركة ونسبتها لنفسها من غير وجه حق .

وفي سبتمبر من نفس العام أدرج اسمه ضمن قرارات التحفظ على بعض علماء ومفكري الأمة .

لكن الله أكرمه فخرج من معتقله و رشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب لعام 1984م ليفوز بالعضوية حتى عام 1987م...

وخلال هذه الفترة تمت ترقيته موجهًا عامًا للرياضيات بوزارة التربية والتعليم وكان ذلك في عام 1986م ،وتم كذلك إلغاء القرار الجمهوري بحل الجمعية لتعود إليها أموالها وأنشطتها كاملة بتوفيق من الله و نصرة .

وقد عمل بكامل جهده كعضو في مجلس الشعب على محاربة الفساد بكل أنواعه ، وخدمة أبناء شعبه قدر استطاعته

وفي انتخابات مجلس الشعب لعام 1987م رشح نفسه ثانية ونجح ، غير أن الحكومة كان لها رأي آخر فكان التزوير من أجل استبعاده لكنه و بروح الجندي رفع الأمر للقضاء ليحكم له بأحقيته في عضوية مجلس الشعب، ولكن "سيد قراره" لم ينفذ الحكم .

وفاته

في الساعة الرابعة من فجر يوم الخميس 13/11/2003م الموافق 19 رمضان 1424ه كان الحاج حسن جودة يتوضأ استعدادا لصلاة الفجر في المسجد ...لكن المنية وافته لتصعد روحه إلى بارئها عن عمر يناهز 75 عاما ... فما أطيبها من خاتمة حسنة نسأل الله تعالى له الفردوس الأعلى من الجنة .

وقد أم أمَّ المصلين على الجنازة فضيلة المستشار "محمد المأمون الهضيبي" المرشد العام للإخوان المسلمين ، بعدها ألقى فضيلته كلمةً قصيرةً لجموع المشيعين،قال فيها :

"إن وفاة الفقيد جاءت في أيام مباركة وبشارة له، وندعو الله أن يميتنا في مثل هذه الأيام المباركة". وقال أيضا :

"إن الفقيد- رحمه الله- كان من "الذين ضحوا وبذلوا وعملوا من أجل إسلامهم وأمتهم ووطنهم، وكانوا النموذج والمثل في القدوة والعطاء وحمْل وأداء الأمانة."

وأضاف فضيلة المرشد قائلا

"إن الخَطب جَلَل لكنَّ الله أجلُّ، والمصيبة كبرى لكن الله أكبر، وأملنا في الله أن يتقبل فقيدنا الكريم في أعلى درجات الجنة.. فقد فقدت دعوة (الإخوان) ركنًا من أركانها الهامة، ورجلاً من خِيرة رجالها الذين عاصروا مراحلها جميعًا؛ فنشأ وتربَّى وعمل فيها بإخلاص وإيمان

ولا نُزكي على الله أحدًا، وبذل جهده وماله ونفسه في سبيل الدعوة وتربية النشء والأجيال؛ حيث أسس جمعية (الدعوة الإسلامية) بمدارسها وحضاناتها ومستشفاها؛ لتُخرج أجيالاً تعرف جيدًا كيف تعبد ربها، وتُراعي حرماته، ونسأل الله أن يجعل ذلك كله في ميزان حسناته

وأن يغفر له ويرحمه، وأن ينقيه من ذنوبه كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يغسله من ذنوبه بالماء والثلج والبرد، وأن يبارِك له في حسناته، كما نسأله تعالى أن يخلف دعوة (الإخوان) في مصيبتها خيرًا، ولا يسعني في هذا المقام الجلَل إلا أن أتقدم بخالص العزاء لأسرة الفقيد ولجموع شعب بني سويف الكريم."

ثم تحدث الأستاذ "مسعود السبحي" سكرتير المرشد العام قائلاً:

وداعًا لأخ مجاهد أمضى شبابه وشيخوخته وكهولته يدعو إلى الله، مُحبًا لدعوة الإسلام ودعوة الإخوان، بذل نفسه ونفيسه في سبيل الله، وكم أُوذي أكثر من مرة فكان صابرًا محتسبًا ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (ص: 30)

عاش لله

ثم تحدث الأستاذ "محمد بدوي" فقال﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23)

ونحسب أن الحاج "حسن جودة" كان من هذا الصنف الذي قضى نحبه في سبيل الله فلم يغير ولم يفرط ولم يُهادن في حياته كلها، التي أشهد

وقد تعرفت عليه في السجن عامي1981و1996م

  • أنه عاشها لله، فقد رأيته كالجبل الشامخ الصامد الأشم لا يضعُف ولا يلين في وجه الظالمين الطغاة، بل كان رحمه الله عامل تثبيت لمن حوله حين تنزل المصائب، ويحل الخطب، فكان قدوةً عمليةً وأسوةً رأينا فيه الثبات واليقين الذي لا يتذبذب، فكان رحمه الله رجلاً قويًا في وقت عزت فيه القوة وقل فيه الرجال وكثر أشباه الرجال، فكان رحمه الله خدومًا لوطنه وأهله وناسه، وكان نموذجًا عمليًا لخدمه المجتمع حينما كان عضوًا في البرلمان عام 1987م.

وأضاف الأستاذ "بدوي": ستظل هذه الدعوة المباركة ولودًا تخرج الأجيال جيلاً بعد جيل، ويحمل رايتَها رجال بعد رجال.

هذا الحسن:

ثم تحدث الشيخ "خيري ركوة" فقال: نحمد الله على ما ابتَلى وعلى ما قَضى وعلى كل شيء، ولا شك أننا معشرَ الإخوان نستشعر هذا الابتلاء في فقد أخ كريم عزيز ومعلم في وقت ما أشد حاجة الساحات إلى أمثاله يسد ثغورًا، ويحمي قيمًا، ويؤدي أمانةً ويبلغ رسالةً، ونحسب أن هذا الحسن رحمه الله.. رحمةً واسعةً وأجزل له العطاء.. وأحسن له الثواب

  • كان كذلك، فالناس صنفان حي ميت، وميت حي، ما أكثر مَن يوصفون بالحياة يدبون على الأرض!! لكن أين أثرهم؟ وأين عملهم؟ وأين نتاجهم؟ وأين ما قدموا من نفع وخير؟ ومن الناس الذي يعد ميتًا حيًا، حيًا بما ترك وبما قدم من حسن عطاء ومن كرم سيرة.

فعندما يذكر "حسن جودة" تذكر معه دعوة الإخوان، ورسالة الإسلام، وشباب هذا البلد الذي نأمل أن يتمثل خلق الراحل، ويسد الثغرة أبناؤه الذين نهلوا من خيره وتعلموا على يديه، وساروا بهذه الدعوة، وأحسب أن في أعناقهم أمانةً وبيعةً لهذا الفقيد العظيم على أن يواصلوا المسيرة ويقيموا هذه الدعوة، وأن تنتشر بين أبنائهم وبيوتهم؛ فإن الدعوة ولود، ونأمل أن يكون هذا الشباب خلفًا لهذه المسيرة وعِوضًا عنها، وأن تعرف هذه الأجيال الناشئة قيم الرجال وتقدر حملة الدعوة فيهرعون على طريقهم ويسيرون على منوالهم.

فيا أخي حسن، يرحمك الله.. كن مطمئنًا على ما بذرت في هذه الحياة الدنيا.. فقد تركت خلفك ألسنةً لاهجةً بشكرك، والدعاء لك أن يجزيك الله خيرًا على ما قدمت، وأن يجعل عملك وجهادك في ميزان حسناتك، وأن يكون شاهدًا لك لا عليك، ويا إخواني في بني سويف، إن فقدكم هذا الرجل ليس مصيبةً بالنسبة لكم فحسب.. لكن هو ذلك بالنسبة لنا جميعًا

  • معشرَ الإخوان فإننا في وقت في أشد الحاجة لهذه الأمثال العظيمة تقف في الصف، وتشد من عضده؛ حتى يتم زحف الدعوة إلى غايتها، وتصل لآمالها، وكلنا أمل في الله أن يخلفنا فيه خيرًا، وأن يربط على قلوب أبنائه نسبًا ودعوةً، فما أكثرهم! وما أشدهم حزنًا عليه! ولكننا لا نحزن كثيرًا على الدعاة؛ لأننا نطمئن بأنهم مغادرون لرحمة واسعة ورضوان كبير، وإلى ما هو أفضل وأحسن مما نحن عليه ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ﴾ (القمر:54، 55).

نحسبه كذلك من الذين يكرمهم الله ويرفع درجاتهم ويعلي مكانتهم ويحشرهم مع ﴿النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء:69) رحمك الله يا أخ حسن، وعوضنا خيرًا، وربط على قلوبنا، وألهم هذه المحافظة الصبر والسلوان، وكان لك عند الله الأجر الجزيل.

خلق الفقيد

وتحدث الشيخ "عبدالخالق حسن الشريف"، وقال: ما رأيت منه إلا الخير خارج وداخل الأسوار، ومنذ أن عُين مدرسًا في بور سعيد، والتحق هناك بدعوة الإخوان ثم أُعتقل في أعوام 1954 و1965 و1981 و1996م وهو يحمل اللواء..

فكان له السبق في بناء جمعية (الدعوة الإسلامية) التي تعد أكبر جمعية للدعوة في المحافظة والتي ما تركت قريةً ولا مدينةً إلا ووصلت إليها برًا وإحسانًا وتعليمًا للنشء وكفالةً للأيتام وبناءً للمساجد، وكان رحمه الله والدًا رحيمًا.. كم من أناس انفعلوا عليه كثيرًا! وكم من أناس أخطأوا في حقه مرارًا.. فما كان منه إلا أن يبتسم!

وفي الختام رفع الدكتور "جمال عبدالهادي" يديه بالدعاء إلى الله تعالى فأمن الحاضرون وراءه، مودعين فقيدهم وفقيد الإخوان وفقيد الأمة "حسن جودة"، فلله ما أعطى، ولله ما أخذ، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا لفراقك يا أخ "حسن" لمحزونون."

حتى خصوم الجماعة و أعداؤها قدموا العزاء فيه فمن هذا الذي ينكر فضل الحاج حسن جودة على كل من حوله .

فقد أرسل عدد من قيادات الحكومة برقيات العزاء لعائلة فقيد الأمة الحاج حسن جودة رحمه الله؛ حيث تلقت عائلة الفقيد برقيات من الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء والدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب والدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة والدكتور ممدوح رياض وزير البيئة والسيد راشد رئيس اتحاد عمال مصر.

حتى الكنيسة حضر وفد يمثلها في اليومين الأول والثاني لتقديم واجب العزاء.

هذا و قد شيعه الآلاف من أبناء محافظته "بني سويف" بعد صلاة ظهر يوم الخميس إلى (سنور)؛ حيث تقع مدافن عائلة الفقيد.

وحضر الجنازة عددٌ من أعضاء مكتب إرشاد الجماعة منهم:

المهندس "خيرت الشاطر"، والدكتور "محمود عزت"، والدكتور "رشاد البيومي"، والدكتور "محمد بديع"."

كما شارك في الجنازة عدد من قيادات الجماعة بمختلف المحافظات..

مثل الشيخ "عبدالعزيز عشري" من الفيوم، والدكتور "جمال عبدالهادي" والشيخ "خيري ركوة"، والأستاذ "محمد بدوي" من القاهرة، وعدد من قيادات الإخوان بالمنيا والمنوفية.

وقد رثاه بكلماتٍ كلٌّ من الشيخ عبد الخالق الشريف، والأستاذ مسعود السبحي سكرتير المرشد العام، والأستاذ محمد بدوي، والشيخ خيري ركوة، والأستاذ الدكتور جمال عبد الهادي. كما أسلفنا سابقا .

ولا أشمل وأوفى من كلام الدكتور عصام العريان في الحاج حسن جودة إذ يقول حفظه الله تعالى :

"هناك علامات مضيئة في تاريخ الدعوة، ورجال تركوا بصماتهم على من حولهم، وهناك أتقياء أنقياء يمرون ولا يشعر بهم أحد.
من هؤلاء وهؤلاء كان الحاج "حسن جودة عبد الحافظ" (عضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين).. كان الأستاذ "حسن جودة"، أو الحاج "حسن" كما عرفه من حوله أستاذًا للرياضيات بالتربية والتعليم، ونذر نفسه، لا ليعلم الرياضيات فقط، ولكن ليعلم الناس الخير، ويربيهم على الدعوة إلى الله، ويحضهم على قيم الإسلام وسلوكياته، ولم يكتف الحاج "حسن"
بالجانب النظري فقط، لكنه أسس وأدار لفترة طويلة (جمعية الدعوة الإسلامية) ببني سويف، وكان أبرز نشاط الجمعية هي (مدراس الدعوة)، التي تفوقت على مستوى المحافظة، بل مستوى الجمهورية كلها، وحازت المركز الأول لسنوات على بني سويف، وحقق تلاميذها مراكز متقدمة على مستوى الجمهورية في الثانوية العامة.
كان الحاج "حسن" من رجال العمل الاجتماعي المبرزين في بني سويف، وكان الناس يلتفون حوله، يستفتونه في شئون دينهم، كما يسألونه العون على شئون دنياهم، ولم يبخل بوقت أو جهد، بل نذر نفسه لله، وللدعوة في سبيل الله.
انتخبت مدينة بني سويف الحاج "حسن" مرتين لعضوية مجلس الشعب، ففاز في الأولى عام 1984م في أول تجربة للإخوان المسلمين بالتنسيق مع حزب الوفد،
وتم تزوير الثانية عام 1987م عندما تحالفت (الإخوان) مع حزبي العمل والأحرار، ونقلت وزارة الداخلية عشرات الآلاف من الأصوات التي حصلت عليها القائمة التي يتصدرها الحاج "حسن" إلى حزب الوفد، فكان مقعد القائمة من نصيب مرشح العمال الأخ "يس عبد العليم"، وحرمنا من صحبة الحاج "حسن" تحت قبة البرلمان في دورة (1987م- 1990م)، وقدَّر الله لي ألا أصحبه في هذه الدورة، ولا في التي سبقتها، وإذا كنت حرمت صحبته في البرلمان، فقد أنعم الله علينا بصحبته في الليمان، وبين البرلمان والليمان فروق كبيرة، وبينهما ينتقل الإخوان!
لقد ألقي القبض على الحاج "حسن" مع عدد من كبار الإخوان وشبابهم في القضية الشهيرة بـ (حزب الوسط) عام 1996م، بعد أن تمت محاكمتنا عسكريًّا، وحُكم علينا بخمس سنوات عام 1995م، وحُوكم الحاج وإخوانه عسكريًّا، وحُكم عليه بـ 3 سنوات، قضاها كاملة خلف القضبان صابرًا محتسبًا رغم كبر السن ووهن العظم وقائمة الأمراض.
كان دائمًا بشوشًا مبتسمًا، يعيش مع القرآن، ولا يختلف عن خدمة إخوانه، ويشارك رغم السن والمرض في تحمل الأعباء والمسئوليات، وخرج من السجن إلى ساحة العمل والجهاد، لم يتوانَ أو يتخلف أو يتراجع، فعاد إلى ممارسة مسئوليته في مكتب الإرشاد ممثلاً لشمال الصعيد.
عرفت بيت الحاج "حسن" رحمه لله بيتًا للإسلام والدعوة، فكان الرجل قدوة بين الإخوان؛ حيث بدأ بعشيرته الأقربين، وربى أولاده وبناته السبعة على طاعة الله ودعوة الإسلام، وساعده على ذلك زوجٌ وفية مخلصة، نسأل الله أن يرزقهم جميعًا الصبر والسلوان، وأن ينعم عليهم بالرضا والعرفان، وأن يلهمهم حسن العزاء.
كانت الحاجة "أم حسام" تزوره في سجنه رغم سنها وتعبها، ومشقات الطريق، وسخافة الإجراءات، فكانت زيارتها رحمة لنا جميعًا بدعواتها وتثبيتها للأخوات؛ حيث كانت أمًّا للجميع، وكانت بسمتها الراضية تبعث الأمل في قلوب الأخوات والإخوان.. انتظم أولاده وأحفاده في ركب الدعوة، فأعطى القدوة والمثال لرجل الدعوة الذي لا يشغله شأن عن شأن، بل يعطي كل ذي حق حقه.
لقد ربى الحاج "حسن" جيلاً طوال هذه السنوات، استطاع أن يحمل أعباء الدعوة بصدق وإخلاص، ولا أظن أن في بني سويف أحدًا لم يترك الحاج "حسن" بصمته عليه.
إننا نتعلم من الراحل الكريم دروسًا عالية في طريق الدعوة إلى الله تعالى:
لقد كان رجلَ عملٍ، يحبه كل من يلقاه، ويؤثر بِسَمْتِهِ وطريقته في كل من عايشه أو احتك به، يحب الخدمة العامة لكل الناس.
لقد كان رجلَ عملٍ اجتماعي من الطراز الأول، يؤمن بتقديم الإسلام في صورة عملية إلى الناس، و"جمعية الدعوة" خير شاهد على ذلك.
لقد كان محبوبًا بين الناس، يعطونه ثقتهم، ويمنحونه أصواتهم، لما يسريه إليهم من خدمات، قد لا يكون خطيبًا مفوهًا أو برلمانيًّا قديرًا، ولكنه حاز ثقة الناس بعطائه وإخلاصه، ولا نزكيه على الله.
لقد كان مربيًا مؤثرًا، ناجحًا في محيطه الدعوي، تاركًا بصماته على من حوله.
لقد كان أبًا رحيمًا وزوجًا مخلصًا، ورب أسرة صالحة، عاشت- ولا تزال- للدعوة وعمل الخير.
لقد كان معلمًا لأجيال، قضى حياته الوظيفية مدرسًا وموجهًا، وربط حياته الدعوية بين وظيفته وبين دعوته.
انتقل الحاج "حسن جودة" إلى رحمة الله تعالى عن عمر ناهز الـ 75 عامًا، عاش معظمها في رحاب الدعوة..
نسأل الله أن يتقبله في الصالحين، وأن يجزيه جزيل الثواب، وأن يجعله من أهل الجنة، وأن يغفر له الزلات والهفوات والسيئات.
وعاجل بشرى المؤمن أن يلقى ربه في رمضان؛ حيث ترحب به الملائكة من باب "الريان".. وهو يلقى ربه بعد عام من انتقال مرشدنا الراحل "مصطفى مشهور" إلى رحاب الله، وبينهما صلة الدعوة وصلة الأرحام.
رحم الله الحاج "حسن جودة"، ورحم أمواتنا وأموات المسلمين، ونسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتنا جميعًا، وأن يثبتنا على طريق الدعوة حتى نلقاه. وخالص العزاء إلى الأسرة الكريمة، وإلى إخوان بني سويف ومصر جميعًا " .

المصادر

ألبوم صور

أ. حسن جودة
 

حسن جودة

الدكتور-عبد-المنعم-ابو-الفتوح-والاستاذ-حسن-جودة-وجابر-رزق

حسن جودة

حسن-جودة-02

حسن جودة

حسن-جودة

حسن جودة

الأستاذ-حسن-جودة-01

حسن خالد

حسن-خالد-مع-زملاءه-من-جامعة-الزهر


إقرأ أيضا

أبحاث ومقالات متعلقة

متعلقات

وصلات خارجية

مقالات وأخبار متعلقة

تابع مقالات وأخبار متعلقة