عبد الله كنون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٣٥، ١٥ أكتوبر ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
علامة المغرب .. الأديب عبد الله كنون (1326-1409هـ / 1908-1989م)

بقلم: المستشار عبدالله العقيل

مولده ونشأته

ولد عبد الله بن عبد الحمد كنون في مدينة فاس بالمغرب سنة 1908م، ونشأ في أسرة مباركة ذات مجد علمي مشهور، فوالده ممن اشتهروا بالتأليف العلمي، وكان له ندوة بمنزله رآها الطفل الصغير، وتأثر بملابساتها، وجده من كبار أساتذة جامعة القرويين، وحين وقع الاستعمار الغربي البغيض على البلاد كالليل الحالك، هاجر الوالد بأسرته من فاس؛

لأن الفرنسيين قد تعقبوا المجاهدين بها تعقبًا ظالمًا، فقتلوا بعضًا، والشيخ الكبير يحب الهدوء بعد حياة طويلة من الكفاح، فهاجر إلى "طنجة"؛ إذ كان له بها نسب قريب، وهي مدينة هادئة لا تترصدها أفاعي المستعمرين.

وفي جو المدينة الهادئ استطاع الصبي الناشئ أن يجد مجالاً للتربية والثقافة، وكان والده حريصًا على أن يورثه علمًا وتأليفًا، فقدر الله أن يرثه ويفوقه، وقد دفعته حماسة الشباب إلى الكتابة مبكرًا في الصحف، ورحبت المجلات شرقًا وغربًا بإنتاجه الفكري، وكانت مجلة الرسالة وهي في صدر المجلات الأدبية بالشرق العربي تحتضن آثاره، وهو في مقتبل عمره؛ لأن حديثه بها عن المتنبي دل على نضوج فكري ملموس!

والرسالة لا تشجع الضعيف، ولا تتجاهل القوي، فكان نشرها مقالات الأديب الناهض "كنون" شهادة علمية بارتقائه، وقد أمدته بثقة تدفعه للأمام، ثم تخطفته المناصب العلمية والسياسية معًا، إذ صار مدرسًا بإحدى الكليات التابعة لجامعة القرويين؛

فرأى فيه التلاميذ مثلاً جديدًا للمدرس المثقف، حين يمزج العلم بالأدب، وينزل إلى مستوى الطلاب، بعيدًا عن غموض الشروح، وثقل الحواشي، وضيق المتون، وكانت صحيفة (الميثاق) المغربية لسان حال جماعة العلماء بالقرويين، فتصدر للكتابة بها، وانتخب رئيسًا لرابطة علماء المغرب على حداثة سنه وعضوًا بمجلس إدارة الجامعة، وعضوًا بالمجلس الأعلى للتخطيط، وسما به الحظ، فكان حاكمًا لطنجة، فقاضيًا كبيرًا، فوزيرًا ناهضًا.. وذلك لم يأت إليه من فراغ، بل بجد متواصل وعمل دائب كان موضع التقدير.

كان حاكمًا لبعض الأقاليم، فقاضيًا لعدة محاكم، فوزيرًا لبعض الوزارات، فرئيسًا لجمعية العلماء القرويين، كل هذه المناصب ذات أعباء شديدة في التنفيذ الفعلي، ولا تقف عند النصح الكتابي.

وجامعة القرويين هي مصدر الأمل المترقب حين تعد أبناءها ليكونوا حملة المشاعل في دياجير الغياهب، والأستاذ عضو بمجلس إدارتها، ورئيس لتحرير صحيفة (الميثاق) التي تنطق بلسان علماء المغرب، وقد درس تاريخ الجامعة دراسة مستوفاة، عرف ماضيها وحاضرها، وأدرك ما بهما من المحاسن والمآخذ، ففي الماضي أوجدت جامعة القرويين أئمة وقفوا أنفسهم على خدمة الشريعة وعلوم اللسان، وطافت لهم شهرة في جميع الآفاق، وقد ألم الأستاذ بشذور من أعمالهم الثقافية فيما كتبه من مقالات تحت عنوان "ماضي القرويين وحاضرها" نشرت بالمجلد السادس من مجلة الرسالة سنة 1938م؛

وقام الأستاذ بتلخيصها في كتاب "التعاشيب"، وإذا كان اهتمام الجامعة بعلوم الشريعة وعلوم العربية مما لاشك فيه، فإن دراسة العلوم الفلسفية بها كانت في حاجة إلى إضاءة نيرة انبعثت من مشعل الأستاذ حين تحدث عن انضمام الأندلس إلى المغرب في أيام المرابطين، فوجد من أساتذة الأندلس من قاموا بالنشاط الفلسفي على أحسن وجه.

تزوج، ولم ينجب، ووقف خزانة كتبه على مدينة طنجة، وكان من أعضاء مجامع اللغة العربية بدمشق والقاهرة وعمان والمجمع العلمي العراقي.

معرفتي به

عرفته من خلال د. تقي الدين الهلالي زميله في إصدار مجلة لسان الدين في طنجة الدولية، ومن خلال مراسلتي له من سنة 1946م، ثم التقيته في المغرب أثناء زيارتي لها، حيث كانت أحاديث ومحاولات ذات شجون خرجت بفوائد جمة.

يقول "د. محمد رجب البيومي":

لقد تعددت رحلات "الأستاذ كنون" إلى "القاهرة"، ليلقي في مؤتمراتها العلمية بحوثه الرصينة، فكان ما يختاره من هذه البحوث ذا صلة حميمة بالمغرب ورجاله، وأذكر أنه في أول مؤتمر شهده لمجمع اللغة العربية قد جعل موضوع حديثه "أثر المغرب في العلم واللغة"، وهو موضوع يحتاج إلى كتاب مستقل لا إلى بحث يلقى في مؤتمر علمي؛
ولكن الأستاذ كنون قد اصطفى من العناصر العلمية ما يشبع السامع ويقنعه مادة وتعبيرًا، فقد أعلن أنه باختياره هذا الموضوع يؤدي واجب التعريف ببلاده ذات المجد الحافل، وبعد أن أفاض في ذكر التقدم الحضاري في المغرب الحديث والقديم قال: "وباستطاعتكم، أيها الزملاء الكرام، أن تذهبوا معي إلى بلادكم المغرب فتشاهدوا بأم العين معالم هذه الحضارة ماثلة أمامكم في أسلوب البناء، وفن المعمار وما يزينه من: زخارف، ونقوش، وتوريق، وتذهيب، وتطعيم".

من مؤلفاته

  • النبوغ المغربي في الأدب العربي.
  • أمراؤنا الشعراء.
  • أدب الفقهاء.
  • نظرة في منجد الآداب والعلوم.
  • القاضي عياض بين العلم والأدب.
  • الجيش المجلب على المدهش المطرب.
  • أزهار برية.
  • أشداء وأنداء، ديواناه: "لوحات شعرية.. إيقاعات الهموم".
  • تفسير سورة يس.
  • شرح قصيدة الشمقمقية لابن الونان.
  • شرح مقصورة المكودي.

ومن التحقيق:

  • رسائل سعدية.
  • ديوان ملك غرناطة يوسف الثالث.
  • عجالة المبتدي وفضالة المنتهي في النسب للحازمي.
  • التيسير في صناع التفسير لأبي بكر الإشبيلي.
  • أخبار الصغار لمحمد بن مخلد الدوري.
  • المنتخب من شعر زاكور.

نماذج من شعره

تحية الشعب الفلسطيني

إيه أبناء فلسطين لقد

خضتمُ لج المنيات عيانَا

واقتحمتم جحيم الموت فلم

تأتلوا فيه ضرابًا وطعانَا

صبرًا ليس يبالي واحدٌ

بألوف من علوج تتدانَا

عُزَّلاً إلا من العزم الذي

رد نيرانًا تحاكي الجنانَا

غدر اليهود

أضفناهم فكانوا شر ضيفٍ

يجازي بالعداوة والملامِ

وأنقذناهمُ من ضنك عيشِ

فجاءونا بذلّ واهتضامِ

همُ أغروا علينا كل عادٍ

وكادونا بدسّ وانتقامِ

همُ دلوا على العورات منا

فيا لله من غدر اللئامِ

من مواقفه

ومن أعظم مواقفه البارزة صيحته العالية في وجوه من أرادوا القضاء على جامعة القرويين سنة 1957م، بحجة اندماج التعليم الديني في التعليم العام، وكان الأستاذ ملمًا بما يدبر للجامعات الإسلامية في المغرب ومصر وتونس والعراق من تدمير يأخذ مأخذ الإصلاح، فظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، وقد تابع ما أريد بالأزهر من هذا الدمج.

عرف الأستاذ كنون هدفه منذ بدأ يفهم التيارات المتصارعة في وطنه، هذا الهدف الواضح بعينه، هو ازدهار المجد الإسلامي في حاضره كما كان مؤتلقًا في الماضي، والماضي بأعلامه وأحداثه وانتصاراته شيء مجسم حتى في نفس الأستاذ، ووسيلة إعادته هي التربية الدينية القويمة، التي تنشئ الشبيبة على إحياء المجد المندثر، وإعادة الاستقلال الغابر.

من أقواله

(ومن رسل الثقافة العلمية من أهل الأندلس إلى المغرب "أبو بكر بن باجة"، الفيلسوف والعالم الطبيعي والرياضي الطبيب، ومنهم أبو العلاء بن زهر، الطبيب البارع المدقق في تشريح الأمراض، وابنه أبو مروان صاحب كتاب "التيسير في المداواة والتدبير").

وفرنسا قد مضت على فرنسة التعليم منذ نزلت هذه البلاد، ولكنها لم تقدر على أن تخلق هذه الأزمة؛ لأن الشعب المغربي جد متمسك بعربيته، ويقدمها في الطلب على كل لغة أخرى، كما أن عامية المغرب هي أقرب اللهجات إلى الفصحى لكثرة ما تشتمل عليه من الكلمات الفصيحة، وهي لا تزال محتفظة بتصاريف الأفعال، ومراعية الفرق بين المذكر والمؤنث وما إلى ذلك، وقد سلم المغرب من ذلك التسلط الأعجمي بالنسبة لدولة عربية أخرى وبقي محتفظًا بصيغته العربية، وزاده قربه من الأندلس استعرابًا وشدة تمكن من العربية، إذًا فليس في المغرب أزمة لغة.

نظام الحكم في الإسلام يجب على كتابنا ألا يهينوه بمحاولة تنظيره بهذه الديمقراطية الكاذبة، هذه البطن المنهومة التي لا يكسر جوعتها حلال ولا حرام، هذه المحكمة التي لا ضمير لها إلا الرشوة والتزوير ولا قانون إلا الميز والمحاباة.

فأين منها المساواة التي جاء بها الإسلام في قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)"؟!، وإذا كان الإسلام كما هو دين فوق الأديان، فمدنيته فوق المدنيات، ومع الأسف فإن كتاب هذه المدنية لم يكتب منه ولا فصل واحد.

ويقول:

(على الكُتَّاب أن يعرفوا مهمتهم وأن يفرقوا بين الجواهر والأعراض والدرر والأصداف، وأن يقوموا بهذا الدين الحنيف بالدعوة اللازمة، ويشيدوا بأغراضه السامية ومثله العليا، ويفهموا العالم أن مدنيته هي مدنية المبادئ الفاضلة والقيم العليا والنزوع بالنوع الإنساني إلى الكمال النفسي والخلقي وإهدار الفوارق الجنسية والعنصرية، وإيثار الخير العام على المصلحة الخاصة".

الغرب يدعو إلى الديمقراطية، ولكن ليسخرها لمصالحه على حساب الشعوب الضعيفة،... "فالديمقراطية اسم خلاب فيه جاذبية وله سر تهفو إليه النفوس. لقد خدمته الدعاية إبان الحرب حتى جعلته هوى كل نفس ومطلب كل الشعوب هي فكرة عالية".

وهي بضاعة رابحة ولكنها لا تصدر للخارج كما قال جلادستون:

"الديمقراطية موجودة والديمقراطيون معدومون، فهل كساد القمح الأمريكي سيكون على يد حكومة برويتوريا الرجعية؟!"

إنها مبارزة بين الفيل والنملة. واللون الثاني هو الذي تنهجه نفس هذه الدولة الديمقراطية ضد العرب الفلسطينيين، وهو موقف المناصرة والدعم وسكوت الديمقراطيين في الكونجرس عن ذلك التنكيل والتقتيل والتشريد الذي تمارسه إسرائيل على الفلسطينيين وتعترض أمريكا في مجلس الأمن على كل مشروع يدعو إلى إنصاف الفلسطينيين وعودتهم إلى بلادهم).

ويقول:

"إن الإسلام أجل وأرفع مما يدعون ويحكمون، ولن يذوب في الديمقراطية ولا في الاشتراكية ولا في أية أيديولوجية أخرى، وستظل هذه المذاهب تتأرجح بين الدعاية البراقة والتجربة الفاشلة، والإسلام هو الإسلام بمبادئه الخالدة وتعاليمه السامية وعدم اندفاعه في يمين ولا يسار؛ رعاية للمصلحة العامة وقيامًا بدور الريادة التي جعلها الله لمعتنقيه.
لماذا كانت هذه الأنظمة غير صالحة؟ لأنها في ميدان المقارنة بينها وبين الإسلام لا تقيم ميزان العدل ولا تخطط لسعادة المجتمع، وإن زعمت أنها شعبية ديمقراطية تستمد سلطتها من المواطنين الذين تحكمهم، فهي تستخدم هذه السلطة في تدعيم نفوذ الأحزاب التي تحكم باسمها وتطبيق برامج مخالفة، وبقية المواطنين الأحرار لا يرضون على هؤلاء ولا أولئك، فالكلمة الفصل في حكومات أكثر الدول القائمة أنها نقضت العقد الاجتماعي المبرم بينها وبين شعوبها حسبما تقتضي نظرية الحكم الديمقراطي والمبني على غاية مصالح الأفراد والجماعات والحفاظ على حريتها.
ولاشك أن ما تعانيه الشعوب الإسلامية من تمزق وانفصام وعدم استقامة أمورها على نهج واحد من اليقظة والتحرر والسيادة، إنما هو نيتجة هذا التقليد الأعمى والتبعية المفروضة عليها من لدن الزعماء والحكام، الذين ملأ قلوبهم الإيمان بالأجانب والمذاهب المستوردة من الخارج، فتبنوها من غير تفكير في عدم ملاءمتها لشعوبهم والتفكك الذي أحدثته في صفوف الأمة ونزع الثقة من قادتها.
إن السياسة في الإسلام أصل تنبني عليه سائر أحكامه، وهو أمر مما تميز به عن الأديان الأخرى. فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان نبيًا وكان رئيس دولة، ولم يكن كذلك موسى ولا عيسى - عليهما السلام - وأمره الله (عز وجل) وهو نبي يوحى إليه بمشاورة أصحابه في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: 159)، وقال تعالى مخبرًا عن حال المسلمين في تدبير شؤونهم: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشُّورى: 38).
إن أعظم سبب في اضطراب الأحوال السياسية في بلاد المسلمين هو إبعاد علماء الإسلام عن حوزة الحكم ممارسة ومشاورة، فمن ذلك صارت سياسة الحكومات الإسلامية تابعة لسياسة الأجانب، ودخلت الربويات وما إليها اقتصاد المسلمين وانهار المجتمع الإسلامي تربويًا وأخلاقيًا، وظهر التمرد على الشعائر والانتهاك للحرمات في سلوك الجيل الجديد من أبناء المسلمين وتصرفاته.
إن الإسلام آخذ في الانتشار، وإن في العالم الإسلامي اليوم مدًا كبيرًا وقوة شعبية هائلة، تقول بالرجوع إلى الإسلام من جديد، ويضرب المثل بمقاومة الشيوعية في إندونيسيا، وردود الفعل القوية ضد العلمانية في تركيا، وهذا الوضع إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإسلام قوة لا تقهر، وأن كل المخططات التي وضعت للقضاء عليه قد ذهبت أدراج الرياح وظهر خبيئها للعيان.

قالوا عنه

يقول أمير البيان شكيب أرسلان بعد قراءة موسوعة النبوغ المغربي:

"كنت أعد نفسي من المشارقة، الرجل الذي اطلع أكثر من غيره على تاريخ المغرب وأهله، وبعد أن طالعت هذا الكتاب كأني لم أعلم عن المغرب قليلاً ولا كثيرًا، وكدت أقول: إن من لم يطلع على هذا الكتاب لا حق له أن يدعي في تاريخ المغرب الأدبي علمًا، ولا أن يصدر في حركاته الفكرية حكمًا".

ويقول الدكتور محمد رجب البيومي:

إن قارئ المجلات الأدبية والعلمية في مصر والشام وغيرها من ربوع الشرق يطالع اسم الأستاذ عبد الله كنون بين كبار الكتاب؛ لأنه دأب على قراءة ما يصدر في الجناح الشرقي قراءة المشارك المسهم بآثاره ناقدًا أو مبدعًا، حتى إنه يستدرك على الأستاذ محمد سعيد العريان بعض ما فاته في كتابه عن الأستاذ مصطفى صادق الرافعي، والعريان تلميذ الرافعي وكان موضع سره ونجواه بضع سنوات، وقد نهض لكتابة تاريخ الأديب الكبير عقب رحيله وفاءً بحق التلمذة البارة بالأبوة الحانية، فإذا جاء الأستاذ عبد الله كنون من طنجة يستدرك بعض ما فات المريد اللاصق، فمعنى ذلك أنه ملم بكل ما يتعلق بالرافعي يرحمه الله.
كما أن مناقشاته الكثيرة لكبار الأدباء في مصر والشام والعراق تنبئ عن تتبع يقظ، وهو من الجراءة الأدبية العاقلة بحيث يحوز إعجاب قارئه مهما خالفه في منحاه، ولقد أتيح لي أن أقابل الأستاذ عبد الله كنون بالقاهرة عند انعقاد المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1964م، فعرفته من زيه المغربي، وهرعت لأسلم عليه متشوقًا، إذ كنت من قرائه ومتتبعي آثاره في شتى المدن العربية.
فوجدت من كرم اللقاء وسعة الصدر ما أكبرته، بل لمست من تواضعه العلي حقيقة نبيلة تنبئ عن صدقه. وقد اختار موضوع (الملكية الفردية في الإسلام)، حيث ذكر النصوص الدالة على تشجيع العمل وتأمين جهود العاملين ضمن ملكية الأفراد والجماعات، وتحدث عن البذل السمح في عصر النبوة وما تلاه؛
وأكد أن سياسة الإسلام في الأموال مبنية على أصل أصيل من حرية المعاملة ورفع الحرج عن الناس، ثم ألم بفريضة الزكاة ووجوب مراعاة حق الفقير بها، مقارنًا بين مواقف أبي بكر وعمر وعثمان، جاعلاً لكل موقف أسبابه ومبرراته، ثم كر على من يذهبون إلى شيوعية الأموال، ففند شبههم، مؤكدًا أن مال الدولة حق مفروض ينال منه الجميع. وفي سنة 1965م شارك أيضًا في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بمصر بموضوع (الرق في الإسلام).

يقول د. عبد الكريم غلاب:

يكفي أن تذكر اسم "عبد الله كنون" في مشرق الوطن العربي أو مغربه لتتداعى صورة الرجل كما أودعها الله ذاته وعقله وأدبه ووقاره وجلاله، دون أن تخطئه العين أو الفكر أو القلب جميعًا.
فقد كان عبد الله كنون متكامل الشخصية، يؤكد وجهه البشوش المبتسم دائمًا، ومنطقه العذب بلثغة "الراء" كأحلى ما تكون "الراء" في مفردات العلم والأدب، وفكره النير، وقوة شخصيته، وعلمه الواسع، وأدبه الجم، وقلمه النابض بالحياة، والتزامه الوطني في البحث والأدب والعلم على السواء.
عرفته مبكرًا، وودعته متأخرًا، وبين المعرفة والوداع لم ألبث على صحبة معه، على بعد الدارين أحيانًا، وعلى غير معرفة شخصية في بداية الطريق، وعلى صلة قريبة وحميمة في نهايته.
يناقش قضايا الفكر والأدب، قضايا الإسلام والعقيدة، قضايا علوم الإسلام قرآنية وحديثية وفقهية، قضايا التاريخ تاريخ المغرب على الأخص يحلي حديثه بنوادر الفقهاء والعلماء ورجال السياسة والحكم، ينقلك من الماضي إلى الحاضر ليؤكد الفكرة المستقبلية التي يريد أن يصل إليها، كثيرًا ما يتحدث بأسلوب العلماء في طرح القضايا والبرهنة عليها.
ولكنه مجادل من طراز علماء الأصول، ولو كان حديثه أدبيًا أو تاريخيًا أو إسلاميًا. وحينما يجادل لا يشعرك بأنه أمام خصم بمقدار ما يشعرك بأنه أمام فكرة أو نظرية يريد أن يصل إليها. غير أن الغضب يدلف أحيانًا إلى ثنايا كلماته حينما يجادل في قضايا تمس الإسلام أو تمس الوطن.
وقد شهدت رحاب أكاديمية المملكة المغربية مواقف صارمة وتاريخية له حينما كان يقتضي الأمر أن يصحح مفاهيم إسلامية أو يرد على مغالطات كنيسية، أو يؤكد موقف الإسلام من قضايا معاصرة، كان ينضو عنه سهامه ويقف الموقف الصارم ليجادل أو يصحح أو يرد الكيد).

ويقول د. عبد الصمد العشاب:

الأستاذ عبد الله كنون أحد أعلام السلفية في المغرب المعاصر، ولد سنة 1908م، وتوفاه الله إليه عام 1989م، وعاش فيما كتب الله له من عمر مخلصًا للعلم والبحث والكتابة الجادة المفيدة، وقد خلف عددًا من الكتب في المناحي التي برز فيها وكانت هي الغالبة عليه في كل ما بحث فيه ونشره:
  • اللغة العربية ووسائل النهوض بها والمحافظة عليها.
  • الأدب العربي ووسائل تطويره.

فقد ظهر من المفكرين المسلمين من حاول ربط الإسلام بأحد هذه المذاهب وتقريبه منها وعقد مقارنة بين مبادئه وأسسه وبينها. فشاع إطلاق مثل هذه العبارات: "الإسلام الديمقراطي، والإسلام الاشتراكي، والشيوعية الإسلامية"، بل صار بعض الباحثين يختار نماذج من الصاحبة والتابعين ليدلل بهم على أصول للمذهب الشيوعي موجودة في حياة المسلمين.

كل هذا ليتقربوا من هذه المذاهب التي فتنت الناس ولكنها فشلت في إبقائهم مفتونين، فلا الشيوعية استطاعت الصمود، ولا الاشتراكية طبقت منهج العدل ولبت طموحات الأفراد والجماعات، ولا الديمقراطية ساوت بين الطبقات وعملت على محو الفروق.

من هنا فإن الإسلام لا يمكن أن يقارن بأي مذهب أيديولوجي أيًا كان لأنه دين سماوي متكامل لا يتجزأ، وقد عني الأستاذ عبد الله كنون كغيره من العلماء المنافحين عن شريعة الإسلام بالحديث عن الديمقراطية كمذهب، وردها إلى أصولها اليونانية، وتحليل مضامينها كنظام من أنظمة الحكم التي تأخذ بها بعض الشعوب، ولكنها لا يمكن أن تكون مقارنة بالإسلام؛ لأن الإسلام كل لا يتجزأ.

وفاته

وقد لبى نداء ربه في يوليو سنة 1989م، في حين كان مولده 1908م، فعاش عمرًا سعيدًا بالعمل، حافلاً بالجهاد، وترك آثارًا شاهدة يقرؤها الدارسون في ثقة وإعجاب، وله منهم الثناء الحافل، ومن الله جزيل الثواب.