ليس المهم هو مدة الرئاسة بل طريقة الوصول إليها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:١٧، ١٥ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ليس المهم هو مدة الرئاسة بل طريقة الوصول إليها


بقلم ضيـاء رشـوان


لاشك أن التعديلات الدستورية المقترحة من الرئيس حسني مبارك تعرض مستقبل البلاد وكل العباد فيها لتناقضات دستورية فادحة ومخاطر سياسية أكثر فداحة.

وقد حاولنا في المقالات السابقة التعرض لأبرز تلك التناقضات الدستورية والمخاطر السياسية كما فعل نفس الشيء عشرات الكتاب والسياسيين، وإن بقي الكثير منها لم ينل حظه بعد من التفصيل وإلقاء الأضواء الكافية عليه.

وفي هذا السياق ركز كثير من نقاد ورافضي تلك التعديلات «الخطرة» ليس فقط علي ما جاء فيها من مواد دستورية ولكن أيضاً علي ما تجاهلته وسكتت عنه بالرغم من أهميتها وضرورتها لأي إصلاح سياسي حقيقي، وكانت المادة ٧٧ الخاصة بمدة ولاية رئيس الجمهورية هي أكثر تلك المواد «الغائبة» ذكراً في هذا النقد والرفض.

والحقيقة أنه بالرغم من الاتفاق الكامل مع الأهمية الكبيرة للمادة ٧٧ التي تعطي لمن ينتخب رئيساً للجمهورية الحق في البقاء في منصبه لعدد غير محدود من المرات بما يضفي طابعاً احتكارياً مؤبداً علي المنصب الأرفع في البلاد، فإن الأكثر أهمية هو طريقة الوصول لهذا المنصب وليس مدة البقاء فيه.

ولا يعني هذا القول أي نوع من التقليل من ضرورة أن تعدل تلك المادة بما يضع حداً أقصي لتولي الرئاسة بمدتين فقط كما كان الحال قبل تعديلها عام ١٩٨٠، ولا من الأهمية «المعنوية» التي ستترتب علي هذا التحديد وتنعكس بصورة موضوعية ملموسة علي أداء النظام السياسي كله.

والمقصود بدقة هنا هو أن الدستور يتضمن مواد تتعلق برئيس الجمهورية تندرج ضمن محاور ثلاثة: أولها طريقة انتخاب الرئيس، وثانيها مدة ولايته، وثالثها صلاحياته،

وقد تجاهلت التعديلات الدستورية المقترحة المحور الثاني تماماً في حين مست الأول مساً خفيفاً لا يغير من جوهراً شيئاً، بينما لم تنقص من الأخير سوي بعض الصلاحيات الهامشية وأضافت للرئيس صلاحية جوهره غير مسبوقة بحل مجلسي البرلمان - الشعب والشوري - في الوقت الذي يريد، دون أي استشارة من أي قيادة سياسية أو أي استفتاء للشعب.

إذاً، لا تقع المشكلة فقط في مدة بقاء الرئيس في الحكم، بل هي موجودة وبعمق وخطورة في المحاور الثلاثة التي تتعلق برئيس الجمهورية في الدستور. ولعل الأكثر خطورة في تلك المحاور هو الطريقة التي ينتخب بها الرئيس، فهي بالشكل الذي حددته لها المادة ٧٦ بعد تعديلها الأول في مايو من العام الماضي والمقترح الحالي بتعديلها الثاني مع التعديل المقترح للمادة ٨٨ الخاصة بالإشراف القضائي علي الانتخابات، تفتح الباب بصورة منطقية لوصول رئيس غير محددة مدة ولايته ويمارس ما يشاء من صلاحيات مطلقة.

فالمادة ٧٦ الشهيرة بتعديلها الأول والثاني المقترح تكاد تقصر الترشيح للمنصب الرئاسي علي الحزب الوطني الحاكم بما له من أغلبية مضمونة في المجالس المنتخبة البرلمانية والمحلية بحكم سيطرته التنفيذية والإدارية والأمنية وتدخلاته متعددة الأشكال في انتخابات تلك المجالس، وتعطي الأحزاب الأخري «استثناءً» محدود المدة في الترشيح لانتخابات الرئاسة، بينما تضع أمام المستقلين بكل انتماءاتهم عقبات يكاد يستحيل علي أي منهم تجاوزها.

ويأتي التعديل المقترح للمادة ٨٨ لكي يستبعد القضاة من الإشراف الحقيقي علي كل الانتخابات وفي مقدمتها انتخابات الرئاسة، وهو أن يكون هناك قاض لكل صندوق، بحجج واهية لا تصمد أمام المناقشة الجادة، ويفتح الباب بذلك لوصول «معيب» وغير ديمقراطي للمرشح الحكومي لمنصب رئيس الجمهورية والذي سيكتسح بسبب عقبات الترشيح وإقصاء القضاء منافسيه الضعفاء المعروفين سلفاً، الأمر الذي يعطيه «الحق» الشكلي في أن يظل في منصبه للمدة التي يريد وأن يتمتع بالصلاحيات التي يرغب.

وإذا كانت الفقرات المقترح تعديلها من رئيس الجمهورية في المادة ٧٦ تقتصر علي الثالثة والرابعة المتعلقتين بشروط ترشيح الأحزاب السياسية لممثليها في الانتخابات الرئاسية، فإن نص المادة ١٨٩ من الدستور لا يقصر حق البرلمان ولا المصريين عموماً علي ما يقترحه الرئيس، فطالما طرحت المادة للتعديل فمن حقهم جميعاً أن يعدلوا في كل فقراتها دون قيد أو شرط، وهو الأمر الذي لابد لناقدي ورافضي التعديلات المقترحة أن يستفيدوا منه في اقتراح تعديل شروط ترشيح المستقلين وفي تشكيل لجنة الانتخابات الرئاسية وجميع التفاصيل الأخري بما يوفر فرصاً متساوية لكل المصريين في المنافسة علي المنصب الأسمي في البلاد.

أما المادة ٨٨ فهي في حقيقة الأمر «أم المواد» كلها، فهي البوابة الوحيدة للإصلاح أو للتزوير في الحياة السياسية المصرية برمتها، وهي بدروها مفتوحة للتعديل الكامل أو الجزئي أو الإبقاء عليها كما هي.

ومن الواضح من مجريات الأحداث وما بدر من أفعال للحزب الحاكم أن تعديل تلك المادة بأي صورة من الصور سوف يصيب مجمل الحياة السياسية المصرية بضربة قاصمة لن تبرأ منها أبداً وسيكون مدخلاً طبيعياً لتمتع الرئيس القادم بما يريد من مدد ولاية وصلاحيات غير محدودة.

من هنا، فإن الإبقاء علي تلك المادة كما هي بالترافق مع السعي للتعديلات السابق ذكرها للمادة ٧٦ سوف يمثل «نصف العمي» بالنسبة لمصر التي تهددها مقترحات التعديلات الدستورية «بالعمي كله»، بما يفتح الباب في المستقبل لتعديلات جدية وديمقراطية لمدة ولاية الرئيس وصلاحياته.