"عمرو حمزاوي" يحذر: نظم الحكم تصنع بدائلها الآمنة قبل رحيلها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"عمرو حمزاوي" يحذر: نظم الحكم تصنع بدائلها الآمنة قبل رحيلها


(16 مارس 2016)

أكد الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فى مقال له نشرته صحيفة الشروق اليوم أن النظم السياسية تسهم فى صناعة بدائلها الآمنة حين تتيقن من الكلفة الباهظة لاستمرارها و حين تتيقن من حتمية رحيلها.

نص المقال: أفكار حول "البديل"

قبل أن ينتهى نظام الفصل العنصرى فى جنوب إفريقيا، تفاوضت حكومة الأقلية البيضاء لسنوات مع نيلسون مانديلا فى محبسه. الحصار الدولى والعقوبات الأمريكية والأوروبية والاضطرابات الداخلية المستمرة كانت العوامل التى دفعت حكومة "البيض" إلى التفاوض سرا ثم علنا مع مانديلا.

الهدف كان منع حدوث سقوط نظام الحكم وانهيار مؤسسات الدولة دون أن تتواجد إدارة بديلة، الهدف كان منع الفراغ الذى يعقب رحيل نخبة احتكرت مقاعد الحكم ويلى التغييرات الجذرية فى أدوار مؤسسات الدولة حين تغيب "الخطة المحددة" لإدارة منظمة للرحيل والتغيير.

بعبارة أخرى، أدركت حكومة الأقلية البيضاء فى جنوب إفريقيا حتمية رحيلها وحتمية تغيير نظام الفصل العنصرى، وأرادت هى الإسهام فى صياغة "البديل القادم" لكى لا تنهار الدولة أو ينزلق المجتمع إلى حرب أهلية دامية.

بالقطع، تفاوض رئيس حكومة "البيض" آنذاك (ثمانينيات القرن العشرين)، فريدريك دى كليرك، مع مانديلا أيضا بغية الحفاظ على بعض امتيازات الأقلية البيضاء الاقتصادية والاجتماعية وشىء من التمثيل فى دوائر الحكم. إلا أن الهدف الرئيسى، كما أثبتت دراسات أكاديمية عديدة، كان إنقاذ جنوب إفريقيا من السقوط فى هاوية الانهيار والعجز عن إدارة التغيير القادم لا محالة،

لم تتبدل السمات الشخصية أو القناعات الراسخة لقادة الأقلية البيضاء لتصنع منهم نادمين على جرائم الفصل العنصرى التى ارتكبوها أو لتجعلهم متنورين ملتزمين بالمساواة والحق والحرية للجميع بين عشية وضحاها أو لتمكنهم من اكتشاف السمو الأخلاقى والإنسانى لقيمة العدل والتعايش المشترك بين الأغلبيات والأقليات. لم يحدث ذلك أبدا. هم فقط فهموا بواقعية حتمية رحيل نظامهم العنصرى، وامتنعوا عن الوقوف المكلف للغاية فى وجه حركة التاريخ. هم فقط أسهموا فى صناعة "البديل الآمن" للتغيير للحيلولة دون الانهيار الكامل.

وكان دور قادة ونخبة الأقلية البيضاء هذا، متواكبا بالقطع مع إلهام مبادئ مانديلا الداعية إلى التسامح والتصالح مع الماضى وتجاوز الجراح التى خلفتها قرون من الحكم العنصرى بآليات مصارحة ومصالحة ومحاسبة رمزية، كفيلا بعدم انزلاق "النظام الجديد" ــ نظام ما بعد الفصل العنصرى ــ إلى ممارسات انتقامية أو إجراءات عقاب جماعى لجلادى الماضى العنصرى.

خلال العقود الماضية، برزت توجهات مشابهة لنخب حكم شمولية أو سلطوية أدركت استحالة مواصلة قمع الشعوب وتوريط مؤسسات الدولة فى المظالم والانتهاكات وحتمية التغيير الديمقراطى وضرورة إخضاع المؤسسات العسكرية والأمنية لرقابة المدنيين المنتخبين، ومن ثم أسهمت مع حركات المعارضة وقوى المجتمع المدنى فى صياغة وتنفيذ "الانتقال المنظم" إلى نظام حكم جديد.

نخب الحكم المسئولة، حتى وإن تصدرت نظما شمولية أو سلطوية، تسهم هى فى صناعة بدائلها الآمنة حين تتيقن من الكلفة الباهظة لاستمرارها، حين تتيقن من حتمية رحيلها، حين تتيقن من ضرورة الإدارة المنظمة للتغيير لمنع الانهيار ولإنقاذ الدولة والمجتمع.

المصدر