"هشام يونس" يكتب: أنا وزيركم الأعلى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"هشام يونس" يكتب: أنا وزيركم الأعلى


(24 مارس 2016)

لم تكن إقالة المستشار أحمد الزند بسبب زلة لسان، مثل ما هو شائع، بل كان توليه المنصب ابتداء زلة وطن أوجبت استغفارًا سياسيًا، سارعت به القيادة، عندما تكاثرت الذنوب واحتشدت الخطايا، وامتلأ السجل بما يفوق الاحتمال واستعصى على التحمل، ليصبح التسامح، مع أعباء تعيينه وزيرًا، عملة صعبة.

لم تكن الطريقة التي أقيل بها وزير العدل السابق، مألوفة في تاريخ الحكومات المصرية، التي كانت تفضل عبر تاريخها، تسريح وزرائها بإحسان، إذا استعصى عليها إمساكهم بمعروف، حفظًا لعهود ليست أبدية، واحترامًا لعرىً يجب إظهار أنها وثيقة.

ولم يكن رد فعل الوزير المقال أيضًا، مألوفًا في سيرة المغادرين، الذين كانوا يوارون أخطاءهم أو زلاتهم لعل الناس تنساها أو تسلاها، ويبحثون عن خيام الصمت لتأويهم وتظلهم، بدلاً من أن يتركوا سيرتهم-غير الحسنة غالبًا- تحت ألسنة حارقة في ساحات اللوم وميادين العتاب، فريسة لأقوال يتداخل فيها المزايدون مع الشامتين، والمحتفون مع الغاضبين.

صُدِم? الوزير الملقب بـ"أسد القضاة" من طلب الاستقالة، وخدعه اللقب الذي أوهمه، أنه فوق الدولة، وفوق الإرادة السياسية، واعتبر المساس بمقعده الوزاري موجهًا للقضاة، الذين لم يعد -فعليًا -واحدًا منهم منذ قبل أن يؤدي القسم وزيرًا للعدل.

حاول أن يحشد من حملة الأوشحة من يفضلون كاميرات التلفزيون وأضوائها عن منصة القضاء وجلالها، وأرادوا أن يضغطوا على الدولة التي طالما اتهموا كثيرين، بأنهم يقفون في وجه استعادة هيبتها. تعامل الرجل مع الأمر بمنطق "أنا وزيركم الأعلى"، وامتلأت سماؤه بسحائب الكِبر، وتجمعت غيوم من تضخم الذات، فأمطرت على رأسه، سيولاً من النرجسية والزهو، أفقدته الحكمة، والنضج فلم تترك له فرصة الاتقاء تحت شجر أو الاحتماء خلف حجر.

لم يكن الوزير المقال يتخيل أن يقع صريع لسانه الذي لم يصنه، ولم يروضه، كمن يهذب حصانًا جامحًا، وكان يكفيه أن يحيل كل منتقديه إلى اتهامات بوقوف "الإخوان"، وراء أي هجوم أو اشتباك معه، حتى لو كان بمستندات واضحة وأدلة دامغة، وترويج ذلك بواسطة عصبة من حوارييه على أنه مجرد "حملة تشويه".

"الإنجاز الأخطر" للوزير المقال، هو أنه جعل "الإخوان"، "ملح طعام" لازمًا لكل وليمة تقدم في الإعلام أو عبر جهات التحقيق، حيث تنضبط القدور وتصطف الآنية، على المائدة حسب مساحة الرضا أو موجات الغضب.

أصبح كل من يقترب من ذاته -غير العلية- متهمًا محتملاً بأنه ينتمي للجماعة التي ثار على حكمها عموم المصريين، دون فضل من الزند وحاشيته، بل بفضل غباء وشبق للسلطة قدمتهما الجماعة، على أطباق من ذهب لكل معارضيها.

"تتبع الناس في كل ما يقولونه، مؤامرة إخوانية"، هكذا فسر الزند الهجوم الأخير عليه، فهو لا يكتفي بوصم، كل مهاجميه، بأنهم إخوان أو عملاء لهم، بل أيضًا بأنهم، متآمرون، أما المصريون من غير الإخوان فمحظور عليهم انتقاد "قداسته" خوفًا من "الفتنة القضائية".

لم يدرك الوزير المقال الذي تخرج في الأزهر أن صلاته وصيامه لا تتيحان له تقسيم البشر لسادة وعبيد، ولا أن يقذف الناس بالباطل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولا أن يدوس على قيم المساواة التي جاء بها الإسلام ليلقيها تحت عجلات قطار "الزحف المقدس" لأبناء القضاة.

ما فعله المأذون السابق هو أنه عقد قرانًا عرفيًا بين خزائن الدولة، ورجال الأعمال، بلا شهود، ولا إشهار ولا حقوق تستعاد إن تغير ميزان القوى ومراكز النفوذ، بل فتات وبقايا إن أعجبكم، ولا حديث عن الزنا والاغتصاب الذي تم قبل ذلك، فيجب أن تدفع الحاجة والعوز الوزير أن يكون "حليم وستار"، فأحاديث الفضيلة، تنقرض عندما تتوارى حمرة الخجل.

كان الوزير المقال "وجبة" غير صحية، يبدو أن النظام أُجبر على تناولها، نتيجة توازنات وحسابات لم تكن ظاهرة لعوام الناس، لكنه منذ انزلق إلى أمعاء الوزارة، كان سببًا في منغصات متتالية، لم تجد من يتحملها حتى إن وجد في دهاليز الدولة من يبتلعها، وعندما بصق زلته الأخيرة لم يجد النظام، غضاضة أن يلفظه، حتى لو كان على طريقة المحموم الذي يتقيأ ليبرأ من السموم.

تعاملت القيادة السياسية بكل حزم، مع محاولة الخروج على النظام، ممن يتوهمون أنهم حماة الوطن، ومن يتصورون أنهم يمتلكون "فواتير وشيكات" على بياض يجب على النظام أن يسددها دائما وطوال الوقت.

لم يكن أحمد الزند مجرد وزير أخطأ فعوقب بالاستبعاد، بل إنه حالة مستمرة، من مثيري الفوضى في أي نظام، ممن يقولون ما لايفعلون ويتشحون بقيم في العلن ويتبرأون منها في السر، ممن يصلون دون وضوء ويحجون بالجلاليب وليس بملابس الإحرام، ممن يعظون الناس وهم غارقون في الخطايا.

هذه حالة تستوجب الانتباه من مجتمع له تاريخ من الحضارة، ونسق متجذر من القيم، حيث يجب أن لا نقضي ونحن ننتظر ما لا يجيء، مكتوفي الأيدي أمام توغل أشباه المذكور، فنجد أنفسنا، قد وقعنا تحت حكم "الزنود الحمر".

المصدر