"العريان": في وداع المرشد السادس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٤:٢٤، ٢٩ يناير ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العريان": في وداع المرشد السادس

د/عصام العريان

ورحل المستشار المأمون الهضيبي

بسم الله الرحمن الرحيم..

في حشد مهيب، لا يقل عن ربع مليون مواطن، تمَّ وداعُ مرشد الإخوان المسلمين السادس المرحوم المستشار/ محمد المأمون الهضيبي ، حيث تمت مراسم صلاة الجنازة في مسجد رابعة العدوية بحي (مدينة نصر)، عقب صلاة الجمعة 9/1/ 2004 م، ثم سار الموكب الكبير أكثر من ستين كيلو مترًا؛ لدفن الجثمان بجوار المرشد الثاني المستشار/ حسن الهضيبي - والد المرحوم- في مدافن الأسرة بقرية (عرب الصوالحة) بشبين القناطر بالقليوبية.

وعند صلاة المغرب كان الإخوان يقدمون العزاء لأسرة الفقيد، ولأهالي بلدته، ثم يعودون إلى مدنهم وقراهم في كل ربوع مصر؛ ليستعدوا لاستقبال العزاء يوم السبت 10/1/ 2004 م، والذي شارك فيه كل رجالات مصر والعالم العربي والإسلامي، رغم أن الوفاةَ كانت مفاجئةً للجميع.

رأيت الأستاذ للمرَّة الأخيرة- قبل وفاته بيومين- في المكتب كالمعتاد، وكان يشتكِي من تزايد آلام في المعِدة والقَولون، وتم ترتيب إجراء فحوصات بالمنظار؛ لمعرفة أسباب الآلام التي لم تقعده عن ممارسة نشاطه، والدوام اليومي مع إخوانه، وتحدثت تليفونيًا قبيل وفاته بسُويعات قليلة- حوالي 3 ساعات- فرد عليَّ حفيدُه "محمد خالد"، قائلاً إنه في المستشفى.. وتعجبت؛ لأن الموعد لم يحِن كالمقرر، ولكنه تعجل إجراء الفحص، وقال لي- الحفيد- إنه سيبلغه بالاتصال والسلام، وفعلاً أخبرني قبيل صلاة الجنازة أنه أخبره بالاتصال؛ مما يدل على أنه كان في حالٍ جيدة عندما عاد من المستشفى إلى البيت؛ ليودع أهله قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلى دار البقاء.

وبعد منتصف الليل (ليل الجمعة المباركة) كان الإبلاغ بالمفاجأة المذهلة.. لقد رحل المستشار/ الهضيبي، لقد فارق الحياة.. سبحان من له الدوام..!!

وحاولت أن ألملِم نفسي، وأسترجع ذكرياتي مع المستشار الراحل، الذي عرفته لأول مرة حال عودته من السعودية، بطلب من الأستاذ المرحوم/ عمر التلمساني - المرشد الثالث- الذي تربينا على يديه، وحين طالبت الأستاذ/ عمر- رحمه الله- أن نستفيد بوجده في لقاءات خاصة فلم يأذن لي قائلاً: لا تستعجل إن له مهمةً خاصةً، وطالت الذكريات بعد أن تتلمذت على يديه في البرلمان، وبعد ذلك بكثير.

وطاردتني الذكريات، ومعها التليفونات التي لم تنقطع، وحاولت النومَ وأنَّي يأتي نوم وأنا أعلم أن أمامنا يومًا طويلاً؛ للتجهيز للدفن، والاستعداد للجنازة، ثم الجنازة وما بعدها.. وطار النوم من عيني، تطاردني فيها صورة الوجه الصبوح للراحل الكريم، مع كل الدعاء له أن يغفر له الله، وأن يتقبَّل جهادَه وعملَه وأن يعوِّضنا عنه خيرًا.

كان الجميع في حال ذهول من المفاجأة التي لم تستوعبها أجهزةُ الإعلام، فكان أول حديث إلى إذاعة لندن من لندن مع "أكرم شعبان"، ثم توالت مع الجزيرة والعربية وغيرها.

وأصبح الحديث في كل الإعلام عن الإخوان ومستقبل الإخوان ، وكأن الإخوان المسلمين يفرضون أنفسَهم كحدث وحديث على الجميع، حال النشاط والحركة، وحال الموت والوفاة، وكأن موت أحد قادتهم حدث في حد ذاته له ما بعده، دون غيرهم من الحركات..

لا تنتهي به الجماعة ولا الحركة، بل تبدأ به مرحلةً جديدةً يستعدُّ لها الجميع فهي جماعةٌ ولودٌ، وكأن استشهاد أحد أبنائهم يفرض نفسه دون غيره؛ لأنها الجماعة المعتدلة الوسط، التي تستحق من النظام معاملةً تختلف عن بقية الحركات.

ولذلك عندما استأذنت الأستاذ/ محمد هلال - القائم بأعمال المرشد، الذي تولى ذلك صبيحة يوم الوفاة- للمشاركة في برنامج (حديث الساعة) من الاستديو، حول مستقبل الإخوان المسلمين - بعد اتصال أ. "حسن أبو العلا" وإلحاحه في طلب الحضور شخصيًّا لأهمية حضوري- لم يتلجلج فضيلته، بل أمرني بالذهاب عقب صلاة الجنازة، وإذا استطعت عقب البرنامج العودة إلى المدافن فبِها ونعمت، وإلا فإنَّني في حلٍّ، وقد كان..

واستمع الإخوان - أثناء سيرهم خلف الجثمان إلى المقبرة، من الإذاعة في سياراتهم- إلى ساعة كاملة حول ( الإخوان )، وشارك د. " محمد مرسي " من تليفونه في الحوار، وانقضت الساعة، وقال أ/ حسن: إنها لا تكفي، وإننا في حاجة إلى حلقات أخرى؛ كي توفي الإخوان حقَّهم.

وهكذا فرض الاخوان أنفسهم- رغم الحظر القانوني- على الإعلام، وعلى النظام، ولكنهم أدركوا مدى حب الناس لهم، ومدى ما يحيطونهم من تقدير وتكريم يظهر دائمًا حال الوفيات؛ لأن عشرات الآلاف التي تودع الراحلين- وبيننا وبينهم الجنائز- ليسوا جميعًا منتظمين في الصف الإخواني، بل كثير منهم من محبِّي الاخوان وأنصارهم، ولولا الحشود الأمنية والحواجز البوليسية لارتفع عدد المشاركين إلى أضعاف الأضعاف، ووصل إلى الملايين، ولضاقت بهم الساحات والميادين.

ورغم أن الأمن وعد بتذليل العقبات وعدم وضع عراقيل في وجه المشيعين- حيث تمت الاستجابة إلى رغبتهم في مكان الصلاة وفي خط سير الجنازة، الذي طال 30 كم أكثر من المعتاد- إلا أنه تم إبلاغي بوجود عدد من الكمائن عرقلت وصولَ الكثيرين خاصةً في الساعة الأخيرة قبل صلاة الجمعة.. وكان الحشد هائلاً، ولم يستطع أحد تقدير الأعداد؛ لأنه لم يحط بكل الموجودين، ولكنه وكما أخبرني الثقات لا يقلُّ بحال من الأحوال عن العدد الذي شيع المرشد الخامس المرحوم الأستاذ/ مصطفى مشهور، والذي قدره الرئيس "مبارك" بثمانين ألفًا، ووصلت تقديرات الإخوان إلى 300 ألف.

وأخبرتني مراسلةُ (الأسيوشيتد برس) أنه لا يقلُّ بحال عن50 ألفًا، وكل المراسلين لم يضع رقمًا للأعداد؛ خشية الخطأ أو اللوم، ويحاول البعض التقليل من العدد؛ نظرًا لمفاجأة الوفاة ولسرعة الدفن بعد ساعات؛ مما يعد عائقًا عن الإبلاغ، إلا أنني رأيت في الجنازة إخوانًا من كل المحافظات باستثناء الصعيد ومن كل الأعمار، حيث شارك شباب تحت الخامسة عشرة بجوار شباب في الثمانين.

وهنا يجدر الإشارة إلى أن البعض يعبر عن ذلك بالموت السياسي، بمعنى أن الناس يحتشدون للتعبير عن اتجاههم السياسي، حيث يُمنعون من ذلك عبر الطرق الطبيعية من انتخابات أو تشكيل أحزاب أو تنظيم مظاهرات.

لن أستطيع في هذه الكلمات- التي أكتبها وسط زحام الأحداث وكثرة المهمات- أن ألقي الضوء على الراحل الكريم، وأثره الكبير في الدعوة والجماعة، حيث تولى فيها مهام المتحدث الرسمي، ثم رئيس الكتلة البرلمانية، ثم نائب المرشد؛ حتى أصبح المرشد العام منذ أربعة عشر شهرًا، وما أضافه إلى الإخوان قبل ذلك من مشاركةٍ في التصدي لفكر التكفير والغلو والديمقراطية وحقوق المرأة والمشاركة السياسية، ولنا عودة إلى ذلك بالتفصيل، كما أنني أؤجل الحديث حول المستقبل بعد رحيل المرشد السادس، وبه كثير من الأسئلة والنقاش، وما يثيره البعض حول صراع الأجيال، والانتقال إلى المؤسسية والعلاقة مع النظام.. إلخ.

رحم الله الفقيد الكبير.. وأجزل له الثواب... وأسكنه فسيح الجنات.. وعوضنا عنه خيرًا.. آمين، وإلى لقاء قريب.

المصدر


تعرف معنا على المزيد

روابط داخلية

كتب متعلقة:

أبحاث ومقلات متعلقة:

مؤلفاتة:

متعلقات

روابط خارجية

أبحاث ومقلات متعلقة:

تابع الروابط الخارجية:

تابع الروابط الخارجية:

روابط فيديو: