"سليمان الحلبي" البطل الذي هزم الغُزاةَ وحدَه

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٢:٤٦، ١١ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى ""سليمان الحلبي" البطل الذي هزم الغُزاةَ وحدَه" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"سليمان الحلبي" البطل الذي هزم الغُزاةَ وحدَه
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

البطولة شيءٌ عظيمٌ سامقٌ لا تُدَّعى، ولا يتقلدها إلا شخص يملك صفاتها، ويحرز أسبابها.. أمثال هذا الشخص يسيرون في الناس وهم غفلة عنهم ويعيشون بينهم ولا يحسون بنبض قلوبهم، ولا بلهب أروحهم، وصدق عزائمهم، قَصَّاد نحو الحق وإن تخلى الجميع عنه، رَوَّادُ نحو المجد وإن حاد الناس عن دربه وضلوا عن صراطه المستقيم، إلى أن يأتي قدرهم، وتظهر بطولتهم.

والطُّرْق شتَّى وطريقُ الحقِّ واحدةٌ

وهم على مَهَلٍ يمشونَ قُصَّادُ

والناسُ في غفلةٍ عمَّا يُراد بِهِم

وجلُّهم عن طريق الحقِّ حيَّادُ

لا يُعْرَفون ولا تُدْرَى مسالكُهم

والسالكونَ طريقَ الحقِّ أفرادُ

و"سليمان الحبلي" بطل من هذا النوع الفريد، يحتاج إلى دراسات ووقفات لتحليل تلك الشخصية التي ظُلِمَت- كما يقرر الباحثون- تاريخيًّا؛ سواء على المستوى الرسمي للمؤسسة الدينية التي أدانته وتبرأت من فعلته أو على المستوى البحثي؛ حيث لم ينصفه كثير ممن كتب في تاريخ هذه الحقبة الذين كانوا يعتبرونه قاتلاً للجنرال "كليبر" قائد الحملة الفرنسية فقط، ويلتزمون الصمت ولا يُعلِّقون على الحدث، ولعل السبب في ذلك سيادة الثقافة الفرنسية التي غلبت على الأمة، وما زالت تعاني من آثارها حتى الآن، ولقد ظُلِم بحق ذلك الطالب الأزهري المجاهد؛ لقيامه بالواجب الشرعي في قتل عدوٍّ مُغتصِبٍ محتلٍّ لبلدٍ إسلاميٍّ، فكان وجهًا من الوجوه التي أضاءت صفحات تاريخ الجهاد العربي والإسلامي المشرِّف ضد الهجمات الاستعمارية التي حاقت بالأمة في فترةٍ من فتراتِ التاريخِ.

ففي عام 1798م تمكَّنت الحملة الفرنسية بقيادة "نابليون بونابرت" من الاستيلاء على مصر واستمر "نابليون" في قيادة الحملة حتى رحيله في 22 أغسطس عام 1799م لفرنسا، وتولى القائد الجنرال "كليبر" قيادة الحملة خلفًا له، وهو أحد القواد النابهين، وقد أسرف الفرنسيون في إهانة الشعب المصري وإذلاله، فاعتقلوا الكثير وأقيمت المذابح في الميادين وتزايدت أعمال القمع والإرهاب واشتد ضيق الناس وقامت الثورة ضد الفرنسيين وكان مركزها (الأزهر الشريف) الذي كان مشعلاً كبيرًا في إذكاء روح الثورة، وفي قيادة المقاومة للانتقام من الاحتلال ودفع الأزهر ثمنَ ذلك غاليًا من علمائه، ومِن تدنيس مسجدِه، واقتحام حُرماته، فنصب الفرنسيون المدافع على التِّلال المحيطة بالجامع الأزهر وصارت تُرسل نيرانُها وحِمَمها على الثُّوار وعلى الجامع الأزهر فتفتك بالناس وتحطم كل شيءٍ؛ فزاد هياج الناس.

وهنا أدرك الفرنسيون أنه لا خلاص من هذه الثورة إلا باحتلال الجامع الأزهر، وصدرت الأوامر بالتركيز على ضرب الأزهر بوابل من النيران لا مثيل له، ودُفن كثير من الناس تحت الانقاض واقتحم الجنود الفرنسيون الأزهر بخيولهم في مناظر وحشية وربطوا خيولهم بقبلته وكسَّروا قناديله، ومزَّقوا مصاحفه وكتبه وداسوها، وقبضوا على العلماء: الشيخ "سليمان الجوسقي" والشيخ "أحمد الشرقاوي" الذي كان عطوفًا على الطالب "سليمان الحلبي" والشيخ "عبدالوهاب الشبرواي" والشيخ "يوسف المصلحي" والشيخ "إسماعيل البراوي"، وآخرين، وجرَّدوهم من ملابسهم، ثم اقتيدوا إلى القلعة، وأعدموا رميًا بالرصاص وألقيت جثثهم من السور خلف القلعة من شاهق، وكان المقتولون حسب رواية "الجبرتي" ثلاثةَ عشرَ عالمًا، وكان الإثخان في قتل العلماء مبعثه عِلْم المحتل أن زعامة الأزهر الروحية والشعبية هي المحرك الأساسي للثورة في التخلص من الاحتلال.

وفعلاً انتهى الاحتلال على يد أحد طلاب (الأزهر الشريف) وهو "سليمان الحلبي" الذي شهد ما يفعل بالأزهر من إهانة للمقدسات ومن قتل لشيوخه الذين كان من بينهم أستاذه الشيخ "أحمد الشرقاوي"، فرسم "سليمان" خطته لضرب هذا الاحتلال في قتل القائد الأكبر للحملة الفرنسية الجنرال "كليبر" الذي بقتله تنهار تلك الحملة المحتلة الباغية، ورسم خطته المحكمة الناجحة للقضاء على الحملة بقتل قائدها ورأسها المدبِّر؛ لينتهي الأمر، ويلاحظ الباحث في شخصية هذا البطل أن له مواصفات عجيبة، وأفكارًا رشحته للمهمة العسيرة، يلتفت فيها إلى ما يلي:

1- لم ينشغل "سليمان الحلبي" بقتل الجنود عشرة.. عشرين.. مائة، وكان هذا أسهل؛ لأنهم كانوا في الطرقات.

2- مَن الذي خطط لهذا الرجل والأمر يحتاج إلى مراقبات، ومعرفة مداخل الأمكنة ومخارجها ومعرفة الأوقات ونقاط الحرس؟....إلخ.

3- العقلية التي اخترقت الحُرَّاس والأماكن، والقيادة العامة للجيش في حالة الهياج والحذر.

4- تلك السرية الكبيرة التي أحاط الرجل بها خُطَّته، وذلك الكتمان الذي يدل على قمة الانضباط والوعي.

5- ثبات الرجل وجرأته الغريبة في تنفيذ خطته، التي يعلم عواقبها، وقد كاد يفلت بعد العملية لو كان معه مَنْ سهِّل هربه.

6- بشاعة الانتقام منه، لم تنل من ثباته واحتسابه، ولم تنل من توازنه وإيمانه.

وبتتبعنا لسيرته ولخطته في الهجوم على قائد الحملة نعلم مقدار ذلك، ففي صباح يوم (السبت) 14 يونيو سنة 1800م جاء "كليبر" من الجزيرة ومعه "بروتان" كبير المهندسين إلى حي (الأزبكية) ليجيب دعوة الجنرال "داماس" لتناول الغداء، وما كاد "كليبر" يغادر دار الجنرال "داماس" مخترقًا حديقة الأزبكية حتى برز من بين الأشجار فتًى نحيف القامة، وتقدم نحو القائد العام، ووثب عليه وأخرج بيده اليمنى خنجرًا كان يخفيه تحت ثيابه، وطعن به الجنرال عدَّة طعنات سريعة قضت عليه في الحال، وسقط على الأرض صريعًا، وحاول "بروتان" نجدته، فانقض عليه الفتى وطعنه عدة طعنات ألقته هو الآخر على الأرض، واختفى "سليمان الحلبي" سريعًا، ولم يُعْثَر له على أي أثر، وانتشر الجند، وعُثِر على "الحلبي" في حديقة قصرٍ مجاورٍ، وعُذِّبَ عذابًا أليمًا بحرق يده وقطعها، ولم يعترف على أحد؛ لكنهم أخذوا مَن نزل عليهم في الأزهر أو كانوا يعرفونه، وحُكِم على "سليمان الحلبي" بالإعدام على (الخازوق) وترك جثته للطيور الجارحة بعد أن رأى قَتْل زملائه أمامه، وجاء به لتنفيذ الحكم فتقدَّم ثابتًا يتلو القرآن، ويشهد أن لا إله إلا الله، فَرِحًا بلقاء اللهِ سبحانه، وأُخِذَت جثته إلى فرنسا، وما زالت جُمْجُمته في متحف (انفاليد) إلى اليوم.

وبعد قَتْل القائد "كليبر" الذي كان أعدَّ العدَّة للبقاء في مصر أبد الآبدين انكسرت الحملة، وتجرأ الناس عليها، ففاوضت على الخروج وخرجت- فعلاً- مدحورة مهزومة، واحتفل الأزهر بهذا النصر، وتذكر المؤمنون "سليمان" ونسيه الجاحدون؛ ولكن حَسْبَه أن الله يعلم ذلك، وهو حَسْبُه وحَسْبُ المجاهدين في سبيله أنهم ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر﴾ (القمر:ِ55).

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى