الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الملهم الموهوب الإمام الشهيد حسن البنا في ذكرى مئوية ميلاده ( 1906– 2006)»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
 
(لا فرق)

المراجعة الحالية بتاريخ ١٥:٢٧، ٢٧ أغسطس ٢٠١٠

الملهم الموهوب الإمام الشهيد حسن البنا في ذكرى مئوية ميلاده ( 1906– 2006)

البيئة التي صارع فيها حسن البنا في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه ليعود كل الناس إلى المنهج الرباني في حياتهم هي نفس البيئة التي واجهت كل رسالات السماء وواجهت كل من سار على نهجهم ورفع مشاعل رسالاتهم بطاقة البشر وليس بطاقة الرسل والأنبياء (عليهم صلوات الله وسلامه) بعد انقطاع وحي السماء، ونحسب (ولا نزكي على الله أحدا) أن نسرنا الخافق في سماء الناس كان من هؤلاء البشر الذين أقبلوا على الله عز وجل بقوة ويقين فتفتحت لهم أبواب لا تنفتح لغيرهم

الملهم الموهوب الإمام الشهيد حسن البنا في ذكرى مئوية ميلاده ( 1906– 2006 )

بسم الله الرحمن الرحيم


حسن البنا نسر يخفق بجناحيه في سماء الناس

يبدو الأمر وكأنه عملية تسلق جبل شامخ بالأيدي والأظافر حتى يتمكن إنسان من الوصول إلى قمته لرؤية الذين تسنموها وبقوا عليها كمنارات ترسل نورها إلى أركان الدنيا الأربع، واستمر تراثهم بعد لقاء ربهم يجذب الناس لضيائه إيمانا وتصديقا بالله عز وجل ورسالاته وليس اتباعا لذلك الإنسان الذي شاء الله له أن يكون مصدرا لهذا الضياء، ومشقة الكتابة عن سيرة أحدهم وهو الإمام الشهيد حسن البنا تواجه أي كاتب منصف لا يَضلَّ أو يُضل في محاولة البحث عن ماهية هذا الداعية وعن جذور المنهج الذي انغرس في نفسه فتميز به عن غيره من البشر فأطلقه داعية إلى الله، وهو ما دفع رجل من هذا الصنف من الباحثين ليس من دينه ولا من أبناء وطنه ولا يتحدث لغته وهو الصحفي الأمريكي الراحل "روبير جاكسون" الذي التقاه في القاهرة في فبراير / شباط 1946 ميلادية بعد أن ذاع صيت إمامنا الراحل وبدأت عيون الدنيا تبحث عنه ومرّ على هذا اللقاء ثلاث سنوات حدثت عملية قتله واغتياله فعاد الرجل مرة أخرى إلى القاهرة في عام 1949 ليستكمل رؤيته وبحثه عن حياة الإمام وأثره في دنيا الناس فلم يجد وصفا يعبّر فيه عن إمامنا غير (الرجل القرآني الذي يقتفي خطوات عمر وعلي ويصارع في بيئة الحسين فمات مثلهم شهيدا).

البيئة التي صارع فيها حسن البنا في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه ليعود كل الناس إلى المنهج الرباني في حياتهم هي نفس البيئة التي واجهت كل رسالات السماء وواجهت كل من سار على نهجهم ورفع مشاعل رسالاتهم بطاقة البشر وليس بطاقة الرسل والأنبياء (عليهم صلوات الله وسلامه) بعد انقطاع وحي السماء، ونحسب (ولا نزكي على الله أحدا) أن نسرنا الخافق في سماء الناس كان من هؤلاء البشر الذين أقبلوا على الله عز وجل بقوة ويقين فتفتحت لهم أبواب لا تنفتح لغيرهم وتفجرت قوى الفطرة النورانية في نفوسهم بقدر قوة الإخلاص في العبادة والاطمئنان إلى معية الله سبحانه وعمل على أن يعيش توازنا عمليا وروحيا لا يتجاوز فيه إنسانية الإنسان ولا واجباته كعبد من عباد الله لم يخلقه عبثا فينسى ما أُمر به من تكاليف وينشغل بقضاياه عن قضايا دينه وبهمومه عن هموم الأمة وبمعاركه الشخصية والخصومة مع العباد عن حمل رسالات السماء وإبلاغها إلى الناس. حوادث مرت بإمامنا وهو في أولى خطواته في دار العلوم بالقاهرة بعد أن انتقل إليها من بلدته وعمره لا يتجاوز الستة عشر ربيعا، غريبا عن داره، صغير السن، نحيل الجسد، فقير المظهر، يذهب إلى حيث دار علمه الجديدة يسأل عن مكانها من توسم أنهم مثله من طلابها الجدد فينظر بعضهم إليه نظرة التهوين من شأنه ويدلونه على غيرها أقل منها مستوى كانت بجوارها على أساس أن صورة هذا الطالب الجديد التي هو عليها لا يمكن أن تساويهم فيتحمل نظراتهم بنفس عالية لا تفقده الثقة في نفسه ولا تدفعه إلى بغض هؤلاء المتعالين عليه ويحيلها في ثقة إلى نعمة مَنَّ الله بها عليه أن ساواه بهم سنه الصغير وجسده النحيل ورغم ما هو عليه من متاع الدنيا القليل، حتى إذا قارب العام الدراسي الأول على النهاية والذي برزت فيه مواهبه وذكائه وتميزه عن أقرانه وفي أثناء الامتحان الأخير وكما يقول في مذكرات الدعوة والداعية " .. وبعد مضي يومين منه تقريبا، وقعت لي حادثة كادت تكون كارثة، ولكن الله تبارك وتعالى جعلها خيرا وبركة وسببا لانتقال الأسرة كلها من المحمودية إلى القاهرة ليلتئم شملها من جديد" وتتلخص الحادثة أن طالبا مثله "قضى في دور العلم سنين عددا" غاظه أن يقدم عليه هذا الصغير في السن قليل الشأن (ويرى نفسه أحق بالأولية والتقدم) ففكر في حيلة يعيقه بها عن أداء الامتحان وألقى على وجه الإمام وعنقه وهو نائم بعد سهر طويل لمراجعة دروسه مادة كاوية ولولا فضل الله ويقظته الفزعة بسبب أثر المادة الحارقة على جسده والمسارعة إلى غسل الوجه والعنق بالماء ثم الوضوء لصلاة الفجر في المسجد لكادت أن تكون كارثة، ولم يطلب الثأر لنفسه ولا حاول إبلاغ النيابة أو إدارة المدرسة رغم إلحاح زملائه، ويقول: "ولقد هممت بذلك فعلا، لولا أنه خطر لي أنني قد نجوت، وهذه نعمة من الله وفضل يجب أن يقابل بالشكر، وليس الشكر إلا العفو والصفح (ومن عفا وأصلح فأجره على الله) فتركت الأمر لله تبارك وتعالى ولم أحرك ساكنا". بيئة صراع تستخدم أسوأ ما تنفثه الشياطين في أفئدة بعض البشر ( الذين يقيسون الفضل بالمال والفهم بالجاه والمعرفة بالسلطان .. فذو المال أفضل وذو الجاه أفهم وذو السلطان أعرف) كما قال صاحب الظلال يرحمه الله الشهيد سيد قطب، وصدق الله العظيم عندما جاء في سورة الأحقاف 31 (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القرية عظيم، أهم يقسمون رحمة ربك، نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا .. ورحمة ربك خير مما يجمعون). معية مع الله تدفع العبد وتعينه على أن يتسنم قمم لا يطاوله فيها إلا من سلك مسلكه، وعفو وصفح عن عباد الله جعلا كلماته التي نصح بها إخوانه وتلاميذه في حياته وبعد مماته " كونوا كالشجرة يرميها الناس بالحجر وترميهم بالثمر " .. عرائس حية بارقة بريق الضياء في صفحة ماء عذب رقراق يروي العطش وينبت الخير بإذن الله .. وأحاله هو إلى نسر يخفق بجناحية في سماء الناس . مراحل الدعوة في فكر الإمام البنا الواقع العملي في حياة الإمام الشهيد الاستاذ جابر رزق – رحمه الله - 5 بلغ عدد أعضاء الجماعة في مصر في النصف الثاني من الاربعينيات وحدها نصف مليون، والأعضاء المنتسبون والمؤازرون بلغوا أضعاف هذا العدد. أما عدد شعبهم في مصر وحدها فبلغ ألف شعبة، وفي السودان خمسون شعبة عدا شعبهم في البلاد العربية والإسلامية، وكان لهم أصدقاء وأنصار ومحبون في أوروبا وأمريكا .. ولهذا لقيت الجماعة مقاومة في غاية العنف من قبل الحكومات التي وليت الحكم بعد الحرب العالمية الثانية .. وزار الإمام البنا النقراشي باشا رئيس الوزراء مرة ثانية وأهاب به أن يسرع بالعمل في سبيل الحقوق القومية واستقلال وادي النيل ووحدته وإلا فليدع الأمة إلى الجهاد ويتقدمها في سبيله . النقراشي مذكرة إلى الحكومة البريطانية ، وجاء الرد عليها ، ولم يرض الإخوان عن هذه المساجلة القلمية ، وقاموا بمظاهرة مع الطلاب ، أدت إلى معركة مع البوليس في حادثة كوبري عباس الشهيرة ، واستقالت الوزارة ... وانصرف الإخوان إلى إثارة الشعب ، وإيقاظ وعيه بالمؤتمرات العامة تارة وزيارة القرى والريف تارة أخرى ، وبالوسائل والأحاديث والنشرات ، وتولوا زمام المعارضة الداعية إلى الجهاد ، وتركزت جهودهم في هذه الناحية طمعا في أن تنال البلاد استقلالها التام . وجاءت حكومة إسماعيل صدقي، واشتدت المظاهرات، ودعا الأستاذ البنا جميع الأحزاب والهيئات لتأليف لجنة قومية توحد القوى وتنظم الصفوف، ولكنه لم يجد مؤازرة من الأحزاب، وعندئذ رأى أن يجنح إلى النصح يقدمه إلى صدقي على أساس قطع المفاوضات مع الإنجليز والاتجاه إلى الجهاد السافر ، وتركز نشاطهم السياسي في هذا النهج، وأخذوا يحاسبون حكومة صدقي حسابا عسيرا، ويتهمونها بممالأة الأجانب على حساب الوطن، والتساهل مع الشركات التي كانت تلبس أثوابا مصرية ، وبعجزها عن علاج مشكلة العمال العاطلين، وبترددها في قطع المفاوضات وإعلان الجهاد، واشتدت حملة صحافة الإخوان على المفاوضات ، وعلى حكومة إسماعيل صدقي ، ووقعت انفجارات في كل من القاهرة والإسكندرية ، واتهمتهم الحكومة بها ... وقاد صدقي حملة واسعة النطاق من النقل والتشريد، تناولت خلصاء الموظفين من الإخوان المسلمين في شتى المصالح والوزارات ،واعتقل عددا منهم ، وصادر جريدتهم ثم قبض على وكيل الجماعة وحوصرت دورهم ، وفتشت ... وقابل الإخوان حملة صدقي بحملة مضادة ... فكان للإخوان اليد الطولى في فشل مشروع صدقي - بيفن ، وفي إسقاط حكومته بعد ذلك ... وجاءت وزارة النقراشي الثانية في 10 ديسمبر 1946 م، وفي يوم تأليفها ، نشر الأستاذ البنا مقالا دعا فيه الحكومة الجديدة إلى اختصار الطريق، واحترام إرادة الأمة، وإنهاء المفاوضات وسلوك سبيل الجهاد، ثم تابع نشر مقالاته في الجريدة منتقدا منهاج الحكومة، مشيرا إلى أنها حاربت الإخوان، وأغلقت مدارسهم، وسجنت أحرارهم ، ولاحقتهم بالتضييق والإرهاق ... وكانت هذه بداية حرب بين النقراشي والإخوان ، زادتها قضية فلسطين التي ساهم فيها الإخوان مساهمة فعالة ، وسطر فدائيوهم صفحات مشرقة من الجهاد، وكانت محل قوتهم ونفوذهم من جهة، ومصدر عزة لهم في مصر والعالم العربي بل والإسلامي.

وقد اشترك الإخوان في المعركة تحت إشراف الجامعة العربية ، وأتاح لهم هذا الاشتراك المسلح التمرين على القتال، كما كشف عن قدراتهم القتالية ومدى نفوذهم، وخشيت حكومة النقراشي سلطتهم، فاغتنمت فرصة وقوع حوادث عنف في داخل البلاد واتهمتهم بأنهم وراءها، وانهم ينوون إحداث انقلاب، وقام النقراشي بالمهمة كاملة، فحل الجماعة بعد عريضة اتهام طويلة مفعمة بالأكاذيب، واعتقل كل رجال الحركة البارزين بناء على الأمر العسكري رقم 63 المؤرخ في 8 ديسمبر سنة 1948 ، واغلق جميع الأماكن المخصصة لنشاطهم ، وصادر جميع الأوراق والوثائق والمجلات وقدم والمطبوعات والمبالغ والأموال وكافة الأشياء المملوكة للجماعة، وتبع هذا الأمر العسكري صدور أوامر عسكرية أخرى بتصفية شركاتهم، والعمل على استخلاص أموال الجماعة لتخصيصها في الوجوه العامة التي يقررها وزير الشؤون الاجتماعية ... وحاول الأستاذ البنا أن يسوي الموقف مع النقراشي ولكن لم يجد منه ولا من الحكومة أدنى استعداد ... وقضى اغتيال النقراشي في 28 ديسمبر سنة 1948 ، على هذه المحاولات ، وقد تم حادث اغتيال النقراشي على يد مجموعة من شباب الإخوان وبدون إذن أو موافقة من الإمام البنا ... فازداد الموقف حرجا بين الإخوان والحكومة ، ودخلت الجماعة واحدة من محنها الكبرى. وأحب هنا أن أقول أن حقبة الأربعينات تميزت عن كل الحقب السابقة أو اللاحقة في تاريخ النضال الوطني ، بان جميع القوى الوطنية قد اتخذت من " المسدس " وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية ، حتى الأحزاب السياسية والهيئات صارت لها مليشيات ، وتشكلت خارج الأحزاب ومن بين الشباب مجموعات مكونة من أعداد قليلة مسلحة ، نفذت العديد من عمليات الاغتيال خاصة اغتيال جنود وضباط المحتلين الإنجليز، ثم اغتيال أو محاولة اغتيال العناصر البارزة في الحكم المتهمة بالعمالة للمحتل الغاصب ، أو المفرطة في الحقوق الوطنية ... تاريخ حقبة الأربعينات خير برهان على صحة ما نقول ، فقد اغتيل احمد ماهر باشا بعد إعلانه الحرب على دول المحور، وانحياز مصر إلى جانب الإنجليز... واغتيل أمين عثمان وشارك في عملية الاغتيال مع مجموعة حسين توفيق ، أنور السادات ... وهناك أكثر من محاولة لاغتيال مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد شارك أنور السادات فيها ... ومحاولة اغتيال حسين سري عامر التي شارك فيها جمال عبد الناصر ... والكثير.. الكثير من حوادث اغتيال الضباط الإنجليز على يد عصابة اليد السوداء التي شارك فيها أنور السادات . وحوادث الاغتيال أو النسف التي قام بها شباب الإخوان في تلك الحقبة كانت ضمن تلك الموجة التي اجتاحت العمل السياسي في مصر. ومن الظلم حصر الاتهام في جماعة الإخوان المسلمين ، والاستدلال بالأحداث التي وقعت من بعض شبابهم على الاتجاه الإرهابي للجماعة !! ، وهي بريئة كل البراءة لأن الإسلام وهو عقيدتها - يعظم حرمة قتل النفس البشرية بغير حق و ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) ... كما أن الجماعة لا تقر مرتكب الكبيرة ، ولا تتهم أحدا بالكفر، ولا تستحل دم كل من نطق بالشهادتين ... ومنهج الجماعة يرفض فكرة الانقلابات العسكرية ، والاستيلاء على السلطة كوسيلة من وسائل إقامة دين الله في الأرض ، وإنما منهج الجماعة في هذا واضح وهو إيجاد الفرد المسلم .. فالأسرة المسلمة فالمجتمع المسلم الذي تنبثق منه الحكومة المسلمة بطريقة طبيعية تلقائية ... وستبقى كلمة المرحوم الأستاذ حسن الهضبي المرشد الثاني تصك الآذان : " أقيموا دولة القرآن في قلوبكم تقم في أرضكم " ....

1945

الإمام حسن البنا وفلسطين .. 6 استجاب النقراشي باشا لمطالب الاستعمار وحل جماعة الإخوان المجاهدة وقبض علي قياداتها ، وأودع السجون والمعتقلات أفرادها وكان خاتمة المطاف أن قرر خليفته في رئاسة حكومة السعديين إبراهيم عبد الهادي باشا اغتيال الإمام الشهيد وبذلك أسدل الستار الأسود علي قضية فلسطين ، وسجل الله تعالي بهذا الاغتيال موقف الإمام الشهيد من هذه القضية والعمل علي دحر الأعداء ، وذلك بفضل التربية التي أولاها الإمام الشهيد لجماعته فحبب إليهم الجنة ونعيمها وزكي فيهم روح الكفاح والنضال والجهاد في سبيل الله . وبهذه المناسبة نذكر أنه بينما كان الإمام الشهيد في جولة يتفقد فيها مواقع المعركة علي أرض فلسطين إذ رأي فتي صغيراً يحمل بندقيته بين يديه وتبدو عليه روح الجهاد والصرامة فسأله الإمام : ما اسمك يافتي ؟ ..فقال : قيس .. فقال له مداعباً : وأين ليلاك ؟.. فقال : ليلاي في الجنة ، فسر الإمام من إجابته ودعا وله بخير . وعندما قبل العرب الهدنة، التي كانت في حقيقتها خدعة لالقاء العرب السلاح، واستثمار اليهود الوقت لالتقاط الانفاس، ومن ثم تعبئة قواتهم، والاستعداد مجدداً للانقضاض على العرب، وقضم أكبر قدر من فلسطين، وحينما ضويق المجاهدون من الإخوان، في الأرض المقدسة، ومنعوا في بلادهم من الالتحاق بإخوانهم المتطوعين هناك، حيث كان يشتد أوار القتال، وحلت جماعتهم في مصر، وجه الآمام الشهيد حسن البنا رحمه الله خطاباً لرئيس الوزراء، النقراشي باشا ، يقول له فيه: " لماذا تقبل الهدنة مع اليهود في فلسطين؟ .. إن الحرب في فلسطين بين عصابات صهيونية وافدة على أرض فلسطين، ونحن عصابات إسلامية مثلها ... دع العصابات تضرب بعضها، فإن انتصرنا، ففي هذا مجد مصر، وإن متنا، دخلنا الجنة التي زحفنا إلى فلسطين شوقاً إليها. اتركنا في فلسطين نصارع الصهيونية، وأنت من حقك تحت الضغوط الدولية، أن تقبل الهدنة كما تشاء، ولكن ليس من حقك أن تمنع عصابات عربية أو مسلمة من أن تشتبك مع الصهاينة. الصهاينة عصابات ليست من فلسطين، ونحن عصابات لسنا من فلسطين. فليضرب الحق الباطل" !. ومما يجدر ذكره هنا أن الحكومة المصرية التي كان يرأسها إبراهيم عبد الهادي قد شددت حملاتها في مطاردة الإخوان المسلمين وزجهم في غياهب السجون وأخذت تحيك المؤامرة ضد الأستاذ البنا لقتله والتخلص منه، بينما كان المجاهدون من الإخوان على أرض فلسطين قلوبهم تتمزق على ما يجري لإخوانهم على أيدي الطغاة والعملاء. وإزاء هذا الألم الذي يعتصر المجاهدين على أرض فلسطين بعد حل جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالهم وسائر ممتلكاتهم، كان الأستاذ البنا رحمه الله حريصاً على استمرار الجهاد في فلسطين، فأرسل رسالة إلى إخوانه المجاهدين يقول فيها: إنه لا شأن للمتطوعين بالحوادث التي تجري في مصر، ما دام في فلسطين يهودي واحد، فإن مهمتهم لم تنته ... ثم يختم رسالته بوصية طويلة للإخوان يوصيهم فيها بالتزام الهدوء وحفظ العلاقات الطيبة مع إخوانهم وزملائهم ضباط الجيش وجنوده المجاهدين. الأمام الشهيد والفن رعايته للشعراء وتشجيعه

كتب فضيلة الأستاذ المرشد مقالاً في جريدة الإخوان الأسبوعية عن "شاعرا الإسلام: عرنوس والنجمي" قال فيه: "عرفت الأخ الكريم محمد صادق عرنوس شابًّا ملأت الغيرةُ على الإسلام فؤادَه وتملَّكت نفسه وأخذت عليه كل نواحي حسه، فإذا قال فللإسلام، وإذا بكى فعلى الإسلام، وإذا فرح فلخير يصيبه الإسلام، وإذا تمنى فأمنيته النصرة للإسلام، وإذا تحدث تدفق كما يتدفق السيل قويًّا منهمرًا في حدة وفي مضاء وفي غيرة وفي حماس يتجلى خلالها صدق الإيمان وقوة الشعور والإحساس، فإذا أصغيت إليه لم ترَ كل حديثه الذي أهاج كوامن نفسه إلا عن الإسلام ونبي الإسلام، وإذا قرأت شِعرَه رأيتَ فيه هذه المعاني واضحةً جليةً غير متكلَّفة. عرفت ذلك للأخ صادق أفندي عرنوس بقراءة شعره والاستماع لحديثه والجلوس معه في فترات السعادة التي نختلسها من ساعات الزمن نتساقى فيها الود والإخاء. وعرفت الأخ الكريم محمد حسن النجمي في قصائده العامرة ومقطوعاته المؤثرة، فعرفتُ منه نفسًا جيَّاشةً بالمعاني السامية، فيَّاضةً بالشعور الشريف، موهوبةً في الشعر والقصيد، قد وقفت كل مواهبها للإسلام ونبي الإسلام. وكنت أحمد الله كثيرًا إذ أجد في شباب الإسلام مثل هاتين النفسين الطاهرتين الغيورتين وأجد في ذكراهما لذةً وفي الأمل فيهما سعادة".

وكتَب مقدمةً لديوان الشاعر إبراهيم عبد الفتاح قال فيها مادحًا ومشجعًا: "وممن وفقهم الله إلى سلوك هذه السبيل، سبيل دعوة الله الحق، والمناضلة عنها بموهبة من الشعر الحكيم، ومشاعر من قيود الخوف وخشية غير الله طليقة، وعاطفة رابطتها بالملأ الأعلى وبروح القدس قوية وثيقة أخونا في الله تبارك وتعالى الأستاذ: إبراهيم عبد الفتاح، الذى فتح الله عليه بفيض المعاني في دُرَرٍ من الألفاظ صاغها قصائد عصماء معبِّرًا بها عن دعوة الإخوان- وإن شئتَ فدعوة الإسلام- تعبيرًا صادقًا، أصاب به المحزّ وطبق به المفصل، وكان فيه على حد قول القائل: إذا قال لم يترك مقالاً لقائل بملتقطات لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع لذي لُسُنٍ في القول جدًّا ولا هزلا وقد ضمن هذا الديوان الجميل الشعر الجليل ليكون النفع به عامًّا للقراء بعد أن كان خاصًّا بالمستمعين، وإنا لنشكر له هذا الصنيع، ونسأل الله أن يكافئه على ذلك بعظيم النفع به في الدنيا وجزيل الثواب في الآخرة آمين"، وهذا التكريم والتشجيع كان له أثره في نفس الشاعر الكريم، صرَّح عنه بقوله في مقدمة ديوانه: ومعظم ما فيه من الشعر هو صدى صادق وصورةٌ حيةٌ للأحاديث الشائقة والخطب البليغة التي كان يُمتعنا بها إمامُنا الشهيد الأستاذ حسن البنا، والتي كانت تفعل في أرواحنا وقلوبنا فعلَ السحر، ولهذا سميته "من وحي الدعوة الإسلامية".