الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تحدي في وجه القاهرة»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١٠: سطر ١٠:
قدمت هذه الورقة في المؤتمر السنوي لجمعية الدراسات الدولية
قدمت هذه الورقة في المؤتمر السنوي لجمعية الدراسات الدولية
   
   
(سان فرانسيسكو، 25-28 مارس 2008)
(سان فرانسيسكو، 25-28 [[مارس 2008]])


   
   

مراجعة ٠٧:٠٦، ١٢ نوفمبر ٢٠١٠

تحدي في وجه القاهرة

هل يستطيع الإخوان المسلمون أن يصبحوا عامل إعتدال في المشهد السياسي المصري؟

د. جيمس سي. جيلكريست

جامعة تينيسي


قدمت هذه الورقة في المؤتمر السنوي لجمعية الدراسات الدولية

(سان فرانسيسكو، 25-28 مارس 2008)


مقدمة

إن الأحداث الحالية بباكستان ولبنان قد أثبتت مجدداً تطاير المشهد الإنتخابي في الشرق الأوسط. فهناك صراع محتدم، ليس فقط بين الجماعات المتنافسة علي السلطة السياسية، بل كذلك في داخل تلك الجماعات. وهذا يحدث بشكل جزئي وذلك لمحاولات هذه الجماعات تعريف أنفسها لأعضاءها وللعامة ككل. وإحدى واجهات هذه العملية هو توجه بعض التنظيمات الإسلامية "المتطرفة" لتعديل مسارها نحو الوسطية من أجل حجز مقعد في النظام السياسي السائد. فهذا الموضوع هو موضوع جلستنا "المشاركة السياسية والإعتدال الإستراتيجي للأحزاب الإسلامية والحركات الاجتماعية" في مؤتمر عام 2008 لجمعية الدراسات الدولية.

فهذه الورقة تفحص العملية كما يباشرها الإخوان المسلمون في مصر. إن هذا يطرح علينا سؤالاً مفاده هل يمكن لهذه الجماعة التي تعرّف علي أنها معارَضة "متطرفة" للنظام التقليدي الحاكم أن تصبح قوة إعتدال عن طريق مشاركها في ذات النظام السياسي ؟. وهل فرصة المشاركة تلك ستشجع الجماعة علي تعديل رسالتها لجذب جمهور أوسع؟ لقد قدمت الأسس النظرية للأحزاب السياسية وموقعها في المجتمع المدني أولا قبل ظهورالإخوان علي المشهد منذ عام 1928 وحتى الآن. في النهاية، لابد من التأمل في التأثيرات السياسية الأخيرة للإخوان، مع إجراء تقييم لمجهودات الجماعة عبر الوقت في الإضطلاع بأفهام للقضية المطروحة برمتها أعلاه.

الخلفية النظرية

إن الوسيلة المبدئية للمشاركة في السياسة الإقتراعية في الشرق الأوسط كما في أي مكان تتمثل في الحزب السياسي. فهذا الكيان يمكن تعريفه علي أنه مجموعة منظمة من الناس يشتركون في ذات العقيدة السياسية وتتنافس علي السلطة من أجل تطبيق رؤيتها لجلب الخير العام. لهذا، يعتبر الحزب السياسي مؤسسة إجتماعية هادفة يرجى منها القيام بوظائف محددة داخل النظام السياسي. أولى هذه الوظائف هو أن يبقى الحزب السياسي كوسيلة لحشد ونقل رأي الجماهير للطبقة الحاكمة. وثانياً، يعتبر الحزب مسلكاً فاعلاً للأفراد للإندماج في العملية السياسية، إما عن طريق المشاركة كمرشح رسمي أو محاولة التأثير علي مسار السياسة في النظام السياسي ككل. وثالثاً، ينظم الحزب إنتقادات توالية ثم يطرحها علي أهل السلطة، حتى ما إذا جاء للسلطة يوائم مع القيادة لتطوير رؤاه. وفي النهاية، يفرض الحزب علي أعضاءه قيوداً في التعبير عن رسالته، في حين يقدم معياراً يمكن الناخبين من قياس أداءه بأنفسهم وكما يرون.

من المفيد أن نضع الأحزاب السياسية في سياق المجتمع المدني الذي ينفذون فيه أجنداتهم. علي هذا، يوجد مساحة رؤى كثيفة بخصوص ما يؤسس أو يعرف هذا المصطلح. فمؤسسة "سفيكوس" للحلف الدولي من أجل المشاركة الشعبية التي تتخذ من جنوب أفريقيا مقراً لها ترى هذا المصطلح علي أنه "الساحة التي هي خارج نطاق العائلة والدولة والسوق حيث يجتمع الناس لطرح مصالح مشتركة". فهذا التعريف يؤكد علي مفهوم المجتمع المدني وكونه ساحة أو ميدان يتم توفيره للجمهور للتجمهر من أجل التناظر والتناقش والاجتماع من أجل التأثير علي المجتمع الأكبر. ففي تلك الحالة، فوظيفة الحشد والجمهرة تلك من أجل التركيز علي مشاركة المواطنين هي أهم بكثير من الشكل أو الإطار المستخدم من أجل إستكمال هذه الجهود. يقول سيتيانو (2007) أن المجتمع المدني يمكن تعريفه عبر ثلاث خصائص رئيسية: أنه يعمل وفقاً لحكم القانون لا للقانون الطبيعي؛ وأنه يقع في موقع وسط بين الدولة والسوق؛ كما أن العلاقات التطوعية التشاركية تسود نشاطاته. أخيراً، يقدم مركز المجتمع المدني التابع لكلية لندن للإقتصاد تعريفاً مقبول للمجتمع المدني مفصلاً إياه علي أنه "ساحة الأفعال الجماعية الغير جبرية التي تدور حول المصالح والأغراض والقيم المشتركة". كما يبين المركز أنه علي الرغم من تمايز النطاقات الخاصة والعامة نظرياً، إلا أنه من الناحية التطبيقية تتشابك هذه الخطوط كما تصبح ضبابية ومتداولة.

يطرح كاروثرز وأتاواي (2005) تمايزاً بين الحزب السياسي، الذي يؤكدون علي إلتحاقه بجهاز الدولة، والحركات السياسية التي تعمل جهاراً خارج النطاق السائد. وعبر الوقت، أخذ دور الدخيل في ضموره وفقدانه لجاذبيته. ففي نهاية المطاف، أصبحت إغراءات التنافس داخل الطبقة السياسية كأحزاب سياسية شيء لا مرد له بالنسبة لكثير من الإسلاميين، حتى في الوقت الذي يرون فيه أن قواعد اللعبة غير منصفة. فالسلطة في وجهة نظرهم هي الأداه المثلى للتغيير. وفي ذات الوقت، تصبح الدولة هي الجائزة حتى وإن استخدمت في تحقيق أهدافاً سياسياً. فهذا هو الطريق الذي إرتضاه الإخوان المسلمون في مصر وبلدان الشرق الأوسط الأخرى.

يرى هاوثورن (2005) أن ثقافة الحكم السلطوي واستبداد الأسرة والقبيلة بالمشهد السياسي العربي له علاقة بالمشاركة السياسية المحدودة إلى حد كبير. وكنتيجة لذلك، فإنه من الصعب تكوين الكتلة الحرجة القادرة علي الإنهماك المدني التطوعي خارج نطاق الدولة في أوساط الجماهير المتبلدة أسيرة التقاليد. وفي ذات الوقت، لابد من القول بأن فشل الأنظمة القائمة في مصر وفي غيرها في التزويد بمستوى مقبول من الخدمات الأساسية قد سهّل من ظهور الجماعات الإسلامية. فالإخوان المسلمين قد أمدوا الشعب بالخدمة الصحية المجانية والدعم المالي بل والإسكان. فهذا مكنها من لعب دور أساسي داخل المنظمات الإحترافية مما يعد دوراً رائداً في المجتمع المدني المصري. إن ما يقومون به يعتبر نشاط براجماتي أكثر من كونه دور رسالي قامت به تلك الجماعات لملء الفراغ الذي سببه خمول الحكومة الذي كان سبباً رئيساً في وجودهم (كاراكير، 2006).

تاريخ الإخوان المسلمين

قام حسن البنا، مدرس إبتدائي بمدينة الإسماعيلية الواقعة علي قناة السويس، بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 كوسيلة لتطبيق الشريعة في مصر. فكان هدفها الأساسي هو "تطبيق الأهداف التي أوجبها الدين الحنيف وتفسيرالمهمة التي جاء بها القرآن الكريم وتوصيل الفهم السليم للإسلام". فهذا الوجه المحافظ قد نجم جزئياً عن إتباع البنا المبكر للصوفية، التي تعتبر إحدى الفرق الإسلامية التي تركز علي تزكية النفس عن طريق الإستبصار والإستبطان. وكان في هذا إنعكاس علي تحرره من شيوع النفوذ الغربي العلماني علي البلاد إلي جانب قلة إحترام والتمسك بالممارسات الإسلامية التي لاحظها في أوساط الأجيال الشابة. فقد كتب البنا في مذكراته قائلاً: "إن موجة الإنحلال التي قوضت كل الإعتقادات الراسخة قد غمرت مصر باسم التحرر الفكري. فهذا التوجه يهاجم الأخلاق والقيم تحت قناع الحرية الفردية. فلا شيء يقف أمام هذا تيار الكفر الطاغي والقوي الذي إجتاح البلاد... فلقد تأملت في الحياة الاجتماعية لشعب مصر الحبيبة التي تتأرجح بين إسلامها الغالي الذي توارثته ودافعت عنه وعاشت به أربعة عشر قرناً من الزمان، وهذا الغزو الغربي الذي دجج بكل وسائل التدمير من مال وثورة ونفوذ وفخار وسلطة ووسائل دعاية".

في العام 1932، تحول تنظيم الإخوان للقاهرة بتعليمات من البنا حيث أصبحت حركة إصلاح إجتماعي قومي ووصل عدد أتباعها قرابة 500.000 عضو. فهذا الوسع الكبير قد ساعد عليه شبكة الهياكل الاجتماعية مثل الجمعيات الخيرية الإسلامية والمساجد إلي جانب مؤسسات العامة الأخرى. وفي ذات الوقت، أسس الإخوان المسلمون مدارسهم ومستوصفاتهم والمؤسسات الأخرى التي ضخمت من ثقلهم. كما قام حسن البنا بنشر رسالة الجماعة عبر مجلتهم "مجلة الإخوان المسلمين" إلي جانب المؤتمرات العامة الدورية التي خاطب فيها أذرع التنظيم المختلفة. في العام 1937، استطاع الإخوان إثبات وجود في السودان وسوريا ولبنان والسعودية وشمال أفريقيا.

لقد قام الإخوان بدور إنفتاحي علي السياسة المصرية خلال فترة التوسع هذه. إلا أن القانون المصري يحظر علي المنظمات الإسلامية التدخل في شئون السياسة. إن معظم هذه الجماعات، بما فيها الإخوان المسلمين، قد أسسوا خطاباً يؤثر لهذه الدرجة في مواثيقهم. ففي عام 1932، أرسل البنا خطاباً إلي وزير الداخلية المصري يقدم له الخطوات الواجب توخيها من قبل الحكومة لحظر الدعارة. فبعد ذلك بسنتين، قام بإلغاء فقرة الحظر السياسي عندما راجع الميثاق؛ وفي ذات الوقت قام بنشر إفتتاحيات سياسية علنية في مجلة الإخوان المسلمين. وحينما إنتقد علي هذا، رد قائلاً: "نحن ندعوكم إلي الإسلام، وتعاليم الإسلام، وقوانين الإسلام، وهدي الإسلام، فإن كنتم تسمون هذا سياسة فهذه سياستنا. وإن كان من يدعوكم لهذه المبادئ سياسياً فنحن أجدر الناس والحمد لله بالسياسة...إن في الإسلام سياسة فيها سعادة الدنيا".

في نهاية الثلاثينيات، كان حسن البنا علي موعد تحويل تركيز الجماعة من مجرد تصريحات فلسفية خالصة وبرامج إجتماعية إلي ما يسمى بـ "الإسلام العملي". فقد أعلن البنا عن هذا التوجه الجديد في إحدى رسائله قائلاً: "إن أشمل ما يوصف بها فكرتنا أنها إسلامية. فلهذه الكلمة معنى أوسع من التعريف الضيق الذي يفهمه العامة. نحن نؤمن بأن الإسلام دين شامل ينظم مناحي الحياة جميعاً". وهذا أدى بعد ذلك إلي ما يسمى بالرابطة الإسلامية التي أعلن عنها في تصريح عام 1934: "إن كل مكان رفعت عليه راية الإسلام يوماً هي بلاد الإسلام...فواجب علي كل مسلم أن يكافح من أجل إسلام العالم بأجمع حتى ترفرف راية الإسلام علي الأرض كلها ويسمع صوت المؤذن الله أكبر! في كل أصقاع الدنيا. فهذه ليست قومية أو عرقية أو إحتلال للأرض". وقد أكد كذلك أن إيمان الناس كامن أما إيمان الإخوان المسلمين يقظ متوهج.

إن ظهور الحرب العالمية الثانية قد أعطت فرصة للإخوان للبرهنة علي إلتزامهم بآرائهم. فالحكومة البريطانية تخوفت من أن يستثمر الإخوان الصراع الدائر ويطيحوا بالملك فاروق، مما يهدد حملة شمال أفريقيا ضد حملة الجنرال الألماني روميل. في أكتوبر 1941، ألقي القبض علي البنا ومساعده وأغلقت مكاتب الإخوان علي إثر خطبة للبنا ناشد فيها مسلمو مصر بإستغلال الحرب للوصول لمطالبهم السياسية. وقد أجبرت الضغوط الداخلية الحكومة علي الإفراج عن البنا في الشهر التالي حيث قرر البنا قراراً خطيراً بالنسبة للتنظيم. فقد خاض البنا و17 من أعضاء الإخوان الإنتخابات البرلمانية لعام 1942 فقط من أجل أن يمنعوا حق الترشح. وقد إنسحب كل مرشحي الإخوان بعد ذلك وصوتوا لحكومة الوفد. في المقابل، تم السماح لهم بمواصلة برامجهم الاجتماعية.

إن هذه الغارة الوجيزة في عالم السياسة الداخلية قد حمل نتائج طويلة المدى، خصوصاً في فهم القيادة المصري لهذا الوجه الجديد للإخوان المسلمين. فالعام 1945 شهد خسارة البنا لمقعد البرلمان في حصن التنظيم الأول في الإسماعيلية بشكل مريب. في الأعوام الثلاثة التالية، أرسل البنا دعوات شديدة اللهجة لمقاومة الحكومة وفرض النظام الإسلامي لمحاربة النفوذ العلماني في المجتمع المصري. في عام 1948، شارك الإخوان المسلمون في الحرب ضد دولة إسرائيل المؤسسة حديثاُ تحت رعاية الجامعة العربية حيث تلقى أعضاء الإخوان خبرة قتالية عالية. في ظل هذه المستجدات، قامت الحكومة المصرية في ديسمبر من العام نفسه بحل تنظيم الإخوان المسلمين بشكل كامل. وقد حاول حسن البنا إحباط هذه الخطوة، إلا أن هذه الجهود أحبطها إغتيال النقراشي باشا في الثامن والعشرين من ديسمبر ذات العام. وقد أصدر البنا تصريحاً بوجوب رجوع الإخوان للبرامج التربوية الاجتماعية والإنسحاب من المشهد السياسي علي أمل أن تتغلغل الفكرة الإسلامية التي تطرحها الجماعة تدريجياً بين المواطنين. إلا أنه في 12 فبراير من عام 1949، تم إغتيال البنا علي أيدي أحد الساديين الساخطين علي ما يبدو أنه إستسلام من قبل الإخوان.

قام جمال عبد الناصر في عام 1952 بإنقلاب عسكري غير دموي وأطاح بالملك فاروق وأسس مجلس قيادة الثورة ليكون حكومة مصر الجديدة. في البداية، أيد الإخوان عبد الناصر؛ لكنه عندما بزغ نجمه كزعيم وطني تمت محاولة إغتياله وألقي اللوم فيها علي تنظيم الإخوان. علي إثر هذا، قام عبد الناصر بحظر الإخوان وكل الأحزاب السياسية قاطبة، مما خير المتحزبين بين الإمساك في البيوت أو الإعتقال. في عام 1964، أفرج عبد الناصر عن سيد قطب، الذي يعتبر أحد كتاب الإخوان البارزين، في خطوة اعتبرت علي أنها إيماءة بحسن النوايا. علي الرغم من ذلك، نادى قطب علي الفور بتأسيس دولة إسلامية في مصر عن طريق ثورة عنيفة إذا أمكن مما أدى إلي القبض عليه وإعدامه في عام 1966. وقد تبع ذلك إضطهاد النظام الناصري لكل أطياف المعارضة السياسية الأخرى.

في 1970، خلف أنور السادات عبد الناصر. وقد بدأ في إخراج الإخوان من السجون لمساعدته علي مكافحة المعارضة اليسارية للحكم العسكري. وقد سمحت هذه السياسة للإخوان لإعادة تجميع التنظيم طوال هذا العقد، إلي جانب حشد كثير من شباب الجامعات للتنظيم. في أكتوبر من العام 1981، قام أربعة ناشطين مقاومين لهذه العلاقة بين الإخوان والحكومة بإغتيال الرئيس السادات.

خلال العشر سنوات الأولى من حكم الرئيس مبارك، توسع الإخوان في برامجهم الاجتماعية. فقاموا بالتحالف مع حزب الوفد الجديد في الإنتخابات العام لعام 1984 مما أسفر عن فوزهم بثمانية مقاعد ثم تحالفوا مع تحالف العمل الإسلامي في إنتخابات 1987 وأسفر عن فوزهم بعدد 37 مقعد من المقاعد الستين الذي حصل عليها التحالف. بعد ذلك بثلاث سنوات، قام الإخوان بمقاطعة الإنتخابات بسبب التدخل الحكومي فيها. في عام 1992، قام مبارك بحملة لقمع التنظيم مرة أخرى عن طريق إعتقال أعضاء رئيسيين فيه وتقييد مشاركاته الإنتخابية. من جانبها، قامت الحكومة بتأطير الإخوان المسلمين علي أنها جماعة إسلامية متطرفة تقوم علي ضعضعة المجتمع المصري (ويكام 2002). وقد عقدت سلسلة من المحاكمات العسكرية عالية المستوى لأكثر أعضاء التنظيم فاعلية الذين طالتهم أحكام سجن قاسية. من بين التهم التي واجهها الإخوان إدارة تنظيم محظور يهدف إلي تعطيل حكم القانون والدستور وتقديم المساعدات للجماعات الإرهابية خارج مصر (ويكام ص 215). وقد تم إعتقال أعضاء آخرين في التنظيم في الأعوام 1999 و2001 لمنعهم من المشاركة في الإنتخابات البرلمانية.

وقد وسعت الحكومة المصرية من قمعها للإخوان عن طريق توسيع سيطرتها علي مناحي العمل الاجتماعي التي أعطت للإخوان قاعدة دعم جماهيري. فقد منع النظام أعضاء الإخوان من المشاركة في إنتخابات المهنيين وإتحادات الطلاب في الجامعات بل ودعمت جماعات المعارضة غير الإسلامية في حرم الجماعات. في يناير 1996، تمت صياغة قانون يضم كل المساجد الأهلية لوزارة الأوقاف ثم تبعه قانون آخر يقضي بحظر كل التبرعات الخارجية للجمعيات الأهلية في مصر. وقد دفع هذا الإخوان لسياسة الخندقة حتى ظهورهم في إنتخابات 2005. فعلي الرغم من عدم السماح لهم بالمشاركة كحزب، نجح الإخوان في كسب 88 مقعد من أصل 454 مقعد برلماني، مما مكنهم من تكوين أكبر جبهة معارضة سياسية تحت القبة.


الجدل الحالي حول دور الإخوان المسلمين

يوضح كاراكير (2006) أن الجماعات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين قد أصبحت لها شعبية واسعة لأسباب أربع هامة. أولاها فشل الأنظمة الحاكمة في التعامل بفاعلية مع مطالب المواطنين لاجتماعية والاقتصادية، مما يجعلهم ينعطفون إلي مصادر بديلة تقدم هذه الخدمات. وثانيها، أن الجماعات الإسلامية قد أثبتت مهارتها في التنظيم والإستجابة للظروف سريعة التقلب في مجتمعاتهم لأنهم أقرب وأشد تكيفاً مع الجماهير التي يجري فيها هذه التغيرات. وثالثها، أنه علي الرغم من وجود هذه التشابهات بين الحركات الإسلامية، فإن كل منها يعتبر إحدى الخصائص المميزة لكل حركة علي حدة خلقها الظرف الاقتصادي الاجتماعي لها. أخيراً، تعتمد الشعبية المتزايدة لهذه الجماعات بشكل كبير علي كيفية إستجابتها للتحديات المتغيرة داخل بلادهم.

لقد خضعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر لتعديل كبير في هذا الخصوص، سواء علي مستوى قيادتها الداخلية أو توجهها الفكري لإصلاح المجتمع المصري. يلفت ويكام الأنظار إلي أن وفاة مرشد الإخوان السابق حامد أبو النصر في عام 1996 قد أثار خلاف سلطة علي قيادة الجماعة. ففي جنازة أبو النصر، أعلن مأمون الهضيبي المتحدث الرسمي للإخوان، والذي قيل عنه أنه القوة الحقيقية داخل التنظيم، مصطفى مشهور البالغ من العمر ست وسبع عاماً مرشد الإخوان الجديد. وقد إعترض بعض شباب الإخوان علي هذه الخطوة وتركوا الجماعة لتكوين حزب الوسط الذي أسسه المهندس أبو العلا صاحب الثمان وثلاثين عام. وقد أعلن الوسط نفسه علي أنه " يتبنى برنامج مدني يعتمد علي الدين الإسلامي، ويؤمن بالتعددية وتداول السلطة". في البداية، حاولت الحكومة إغلاق هذا الحزب الذي ظنت أنه إحدى جبهات الإخوان، ولكن سرعان ما أدركت أنه قد إنفصل عن الجماعة. من جانبه، أمر الهضيبي كل أعضاء الإخوان الذين إنضموا للوسط للإنفصال عنه أو أن يواجهوا فصل من التنظيم. في رد علي هذا، إنفصل أبو العلا ماضي و15 آخرين من أعضاء الإخوان المشهورين من تنظيم الإخوان ليكونوا حزب الوسط.

وقد لاحظ ويكام أنه نتيجة لرحيل هؤلاء الأعضاء البارزين، فإن ثمة إنقسام حصل بين قيادات الإخوان متوسطة العمر حول آثار هذا علي التنظيم. فقد إختلفوا حول علاقتهم بالحرس القديم وفي تقييم قدرة الإخوان علي الإصلاح تحت قيادة حراس التنظيم القدماء. في مقال "الإخوان المسلمون المعتدلون" الذي نشر في مجلة فورين أفيرز في أبريل 2007، تم التأكيد علي أن حقائق السياسة العملية قد دفعت الإخوان لهذا الإتجاه. فقد أشر المؤلفان (لايكن وبروك) إلي أن هذا الإحتمال قد شجع القادة الغربيين علي التحاور مع الجناح الإصلاحي في الجماعة. فالكاتبان يرجحان أن أجندة الإخوان لا ترجح قيام ثورة بل تقوم علي "كسب الأفئدة والألباب عن طريق عملية أسلمة سلمية ومتدرجة". ولهذا، فإن الفرصة قد سنحت لتدعيم تطورهم السياسي عبر مناقشات أمينة ومفيدة.

في فبراير 2006، أكدت وزارة الخارجية البريطانية علي تعاطيها مع الإخوان المسلمين علي إثر مذكرة داخلية تم نشرها في مجلة نيو ستاتس مان. وقد عقّب أحد مسئولي الحكومة البريطانية علي هذا قائلاً: "من الصعب الحفاظ علي مصداقية نداءاتنا للإصلاح وتعزيز الديموقراطية والحكم الرشيد في مصر إذا ما فشلنا في الحوار مع أكبر جماعات المعارضة وأكثرها فعالية هناك." وتوضح المذكرة أنه علي الرغم من إرسال الجماعة تبرعات لحماس، فإن الجماعة في حد ذاتها ليست جماعة إرهابية كما أعلنتها الحكومة المصرية.

في أبريل 2007، إلتقى زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ الأمريكي ستيني هوير مع رئيس كتلة الإخوان بالبرلمان المصري محمد سعد الكتاتني. في الوقت ذاته، نقلت تقارير إخبارية تصريح لجون ألترمان بمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية بواشنطون حيث قال "إن هناك شعور متنامي في واشنطون خلال العشرين عاماً الماضية أن السياسة الإسلامية خلقت لتبقي، كما أن المصلحة الأمريكية في تعزيز الديموقراطية حول العالم لتعني أنه يجب علينا التعاطي مع عدد متزايد من اللاعبين." في تقرير لها نشر في نوفمبر 2007، أكدت صحيفة واشنطون تايمز الأمريكية أن مسئولين بالسفارة الأمريكية بالقاهرة إتصلوا بطريق مباشر مع أعضاء الإخوان المنتخبون في البرلمان المصري، علي أن المسئولين وضحوا أن هذا لا يمكن أن يعتبر موافقة علي الجماعة في حد ذاتها. وفي رأي المراقبين المحليين، تعتبر مثل هذه اللقاءات تبادلاً عادياً للآراء بين القادة السياسيين.

من الواضح أنه ليس كل من تبعوا الإخوان في غاراتهم السياسية يشاركونهم هذا التفاؤل. فهذه القضية تم مناقشتها في إحدى أوراق مؤسسة كارنيجي البحثية المنشورة في مارس 2006 تحت عنوان: "الحركات الإسلامية والعملية الديموقراطية في العالم العربي: إستكشاف المساحات الرمادية". فقد أكد المؤلفون (براون، حمزاوي، أوتاواي) أن التنظيمات الإسلامية السائدة (الذين لم يمارسوا العنف أو نبذوه رسمياً) لا التنظيمات المتطرفة سيكون لها الأثر الأكبر علي خريطة التطور السياسي في منطقة الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي صنفت فيه جماعة الإخوان في هذه الفئة، أكدوا أن هناك "مساحات رمادية" من الغموض الذي يطرح قضايا مثل دعم الإخوان للديموقراطية الليبرالية أو إنتواءها فرض نظام ثيوقراطي في المنطقة.

فالقضية الأولى هي كيفية تطبيق الشريعة. فبعض دول المنطقة يدمجونها بالفقة العلماني والمبادئ السياسية لتنظيم أنظمة حكمهم؛ فليس هناك توجه واحد يطبق علي كل الحالات. أما المسألة الثانية فهي قبول الجماعة بالعنف كأداة سياسية شرعية للتغيير. في الواقع، يقدم موقع الإخوان التالي علي أنه شعارهم: "الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا". ثالثاً، لم يعد من الواضح مدى تحمل الجماعة لوجود الأحزاب السياسية الأخرى، خصوصاً العلماني منها. وبشكل مشابه، لم يحدد الإخوان الأدوار السياسية والاجتماعية التي تود قبولها للأقليات الدينية والمرأة في المجتمع المصري. وختاماً، فإن هذه الجماعة لم تخاطب علي نحو ملائم المساحة الأكبر للحقوق المدنية والسياسية التي تتسع علي نحو بطيء في المنطقة.

فهذا المقال دفع العضو في مكتب إرشاد الإخوان عبد المنعم أبو الفتوح للقيام برد. فقد بدأ ببعض الإفادات الآسرة عن توجه الجماعة الكلي نحو الإصلاح السياسي. يقول "من المفيد التذكير بأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر هي جماعة إسلامية، فهي ليست تنظيم ديني أو حزب سياسي تقليدي. علي أن هناك جدل دائر داخل الحركة حول تحويل الجماعة لحزب سياسي يحمل أجندة الجماعة الإصلاحية...فلابد إذن من التفريق بين الدين والحياة السياسية. فقضايا الأخيرة لابد من إدارتها بشكل حديث. فالدين يحتوي علي روحانية وتعاون بين الإنسان وغيره، فهذا يمثل جوهر الإسلام. فهذه القيم تمثل حجر الزاوية في الحضارة الإسلامية، هذا العمق الذي لا طريق لفهمه من قِبَل من لم يعرف الإسلام عن قرب." فالردود في هذا البيان علي النقاط الستة التي أثارتها ورقة كارنيجي قد تمت مناقشتها علي الكيفية التي سيطبقها الإخوان في مصر عند وصولهم الحكم أكثر من نقد فشل الغرب في جهوده للوصول إلي هذا.

يقدم بعض الكتاب لما يرونه إعلان واضح بتبني الإسلام المتطرف من قبل الإخوان، ولا يقبلون أي رأي يتحدث عن وسطية الجماعة أو إتجاهها لذلك. راقب الباحث فيدينو (2005) أنشطة الجماعة في وسط الجماهير المسلمة التي تعيش في أوروبا، خصوصاً وصولهم للأجيال الشابة. يقول مبرهناً علي ذلك أنه علي الرغم من أن التصريحات الرسمية للجماعة تنبذ العنف، إلا أن خطابهم في المساجد وفي التجمعات الأخرى يؤكد علي العكس تماماً كوسيلة لتحقيق الحكم الإسلامي. كما يعرض لبعض تقارير الحكومة الألمانية عن نداءات أعضاء الجماعة لتطبيق الشريعة في أوساط المسلمين هناك وفصلهم عن النظام العلماني القائم. في حين تزداد المخاوف من قبل موظفين محليين هناك، كبعض موظفي ولاية هيسين، حيث حذروا من العاطفة الإسلامية المتصاعدة؛ لذا فإن التصريحات الرسمية من أجل التسامح والحرية الدينية التي يخرج بها جماعات مثل الإخوان المسلمين لابد أن تعامل بحذر. ويختتم فيدينو قائلاً "إن غزو الإخوان المسلمين لأوروبا يشق طريقه".

إن أكثر المساحات جذباً للأنظار في النشاط السياسي للإخوان هو الحق في بلد المنشأ – مصر. في حوار محمد حبيب، نائب مرشد الإخوان في مصر، الذي نقلته فضائية الجزيرة في 19 أغسطس 2007 وأعادت بثه خدمة مرصد الأخبار الدولية في بي بي سي، أكد حبيب أن الإخوان يفكرون في حزب سياسي مجاور للجماعة منذ عام 1989. فهذا يبقي الجماعة علي كيانها الإسلامي "الصافي"، مع السماح لأعضائها المنتخبين بممارسة الأنشطة العملية. وهذا أكد علي أن رغبة الجماعة في المشاركة في السياسة العلمانية لا يعني أن التنظيم علي جاهزية للتخلي عن مبدأه الأسمى ألا وهو تطبيق الشريعة الإسلامية.

وقد إتضح هذا في أكتوبر 2007 عندما أصدرت صحيفة كريستشان ساينس مونيتور الأمريكية تقريراً عن عرض الإخوان برنامجهم السياسي للمناقشة. فقد نادى البرنامج بإنشاء "دولة مدنية إسلامية" تضم مجلس علماء. فهذا الكيان بعلماءه المنتخبين سيخول سلطة للإعتراض علي أي مسودة قانون يره فيه المجلس عدم موائمته مع الشريعة. كما توجد مواد أخرى في البرنامج تمنع المسيحيين والمرأة من الوصول لمقعد الرئاسة. وقد برروا هذا المنع بحجة أن المهام الدينية والحربية للزعيم القومي "تتعارض مع طبيعة المرأة وأدوارها الاجتماعية والإنسانية الأخرى."

في العرض التحليلي لوقفية كارنيجي للسلام العالمي الذي أصدرته في يناير 2008 حول برنامج الحزب، عرض ناثان براون وعمر حمزاوي أسباب أربع لعرض الإخوان لبرنامجهم السياسي. أولها، أخذ زمام المبادرة السياسية بعد إعتقال النظام لمجموعة من قيادات الجماعة. وثانيها، محاولة الجماعة إكساب الجمهور ثقة بأن أهداف الجماعة لا تهدد بتغيير إجتماعي جذري. أما ثالثاً، فإن البرنامج عمد إلي توضيح بعض القضايا التي طعن عليها في السابق. وأخيراً، اعتبر الباحثان هذا البرنامج علي أنه خطوة أولى تدفع الإخوان نحو نشاط سياسي أوسع، في إقتفاء منهم لأثر التنظيمات الإسلامية الأخرى في المغرب والأردن والكويت.

إلا أن السؤال الأهم يبقي: هل هذه المشاركة في السياسة السائدة يؤشر لتوجه معتدل أم تعتبر خطوة أولى نحو إستكمال الإصلاحات الدينية داخل النظام السياسي المصري؟ فيمكن القول بأن طرح قضية الشريعة علي رؤوس العامة بالشكل الذي قام به الإخوان يعطي مؤشراً لتفهم الإخوان بأن الثورة الدرامية، كما حدث في إيران 1979، ليست الوسيلة العملية لتحقيق الأهداف. في ظني أن الإختبار الأكبر سيكون وقت حدوث تغير في زعامة البلد وهو ما يعتبر وشيك الحدوث علي اعتبار سن وصحة الرئيس مبارك. بالإضافة إلي ذلك، سيستمر الإخوان في ضم أفراد للبرلمان لإعطاءهم شرعية ورفعة. في النهاية، نؤكد أنه إذا لم يحدث تغيراً مفاجئاً في توجه الإخوان الحالي، فإنه لابد من إعتبار إخوان مصر قوة إعتدال داخل المنظومة السياسية لهذا البلد حتى تثبت أحداث أخرى عكس ذلك.