رسالة إلى إخواننا العلمانيين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٩:٣٨، ٢ فبراير ٢٠١٢ بواسطة Elsamary (نقاش | مساهمات) (حمى "رسالة إلى إخواننا العلمانيين" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رسالة إلى إخواننا العلمانيين


هذه الرسالة قديمةٌ جديدةٌ أو جديدةٌ قديمةٌ، ولذلك قصة عمرها أربعة أعوام، ففي الخامس من نوفمبر 2001م تم القبض عليَّ بعد منتصف الليل ومعي واحد وعشرون شخصًا من مناطق القاهرة الكبرى وقُدِّمنا للتحقيق معنا في نيابة أمن الدولة، متهمين بتهم خطيرة، منها الدعوة لتعطيل الدستور والقانون ومؤسسات الدولة وقلب نظام الحكم.. إلى آخر القائمة الطويلة للاتهامات السياسية المعروفة.

وأطلقت علينا الصحف الحكومية اسم (تنظيم الأساتذة أو تنظيم دكاترة الجامعات)؛ حيث كان أكثر من نصفنا من أساتذة الجامعات، وقررت النيابة حبسَنا على ذمة التحقيق خمسة عشر يوما وذهبوا بنا إلى سجن مزرعة طرة، وهناك نزلنا ضيوفًا في زنزانة (1) عنبر (3) الخاص بالإخوان المسلمين، وبعد ثلاثة أيام أصدر السيد الرئيس قرارًا بتحويلنا إلى النيابة العسكرية لنحاكَم أمام القضاء العسكري بمقتضى صلاحياته التي يخولها له قانون الطوارئ، رغم أننا جميعًا مدنيون وأننا لم نشكِّل تنظيمًا فقد كان كلٌّ منا لا يعرف غالبية الأفراد الآخرين، كما أن قائمة الاتهامات في حقنا كانت باطلةً تمامًا، ومكثنا في هذه الزنزانة نحن الاثنين والعشرين خمسةَ عشر يومًا لم نرَ خلالَها الشمسَ أو النورَ، ثم بدأنا بعدَها ننعَم بفسحة لمدة نصف ساعة في الصباح ومثلها آخر النهار في الطرقة التي تفصل بين زنازين العنبر، وفي الصباح كنا نرى الدكتور سعد الدين إبراهيم عبر قضبان باب العنبر وهو يتمشَّى في فناء السجن، وكان يشير إلينا بيده محييًا، وكنا نرد عليه التحية بمثلها.

ثم نقضت محكمة النقض الحكمَ الصادر ضدَّه من محكمة الجنايات، فأُطلق سراحه، وفي هذا الوقت كانت محاكمتنا أمام القضاء العسكري قد بدأت، وكانوا يذهبون بنا مكبَّلين من السجن إلى مقر المحكمة في معسكر الهايكستب في الساعة الثامنة والنصف صباحًا، بينما كان الضباط العظام الذين يحاكموننا يبدأون المحاكمة في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، وكنا نستثمر الوقت الفارق بينهما في قراءة القرآن وذكر الله.

وذات يوم برقت في ذهني فكرة وعلى إثرها أخرجت ورقةً وقلمًا ورُحت أكتب للدكتور سعد الدين إبراهيم رسالةً- وهي التي أسميها الرسالة القديمة- لا زلت أذكر محتواها حتى اليوم، بدأت فيها بتعريفه بنفسي وأنني المتهم الأول فيما سمِّي بتنظيم الأساتذة، وأنني كنت أراه عبر قضبان باب عنبر 3 وأنني كنت أردُّ تحيته بمثلها، وأنني كم وددت أن أجلس إليه وأتحاور معه لولا السجَّان والقُضبان، ثم أكدت له أنني ما قصدت من رسالتي تلك أن يتبنَّى قضيتي بصفته داعيةً لحقوق الإنسان، ولا أن يسعى للإفراج عني ولا عن زملائي، وقلت له: إننا قد وطَّنَّا أنفسَنا للسجن وما هو أكبر من السجن ثمنًا لعقيدتنا ومبادئنا ودعوتنا، وأننا نقول كما قال الإمام ابن تيمية- رحمه الله- يوم سجنه خصومه قديمًا في الإسكندرية: "ما يفعل خصومي بي، إن جنتي في صدري، إن سجنوني فهي خلوة، وإن نفوني فهي سياحة، وإن قتلوني فهي شهادة" وأننا نستشعر معاني عبارة قالها الشيخ الشعراوي- رحمه الله-: "ماذا فقد من وجد الله؟! وماذا وجد من فقد الله؟! ولقد وجدنا الله أكرمَ وأرحمَ وألطفَ مما كنا نتصور؛ حيث نعيش في معيته ونتقلَّب في نعمائه وفضله، ونحس تثبيته وتأييده، ثم سارعت بتبيان الأسباب التي دعتني إلى الكتابة إليه وهي:

أولاً: التهنئة بالإفراج عنه واستعادته حريته.

ثانيًا: (وهو بيت القصيد) أنني أرى فيه مفكرًا ومثقفًا، وأنني لذلك مندهش في الحقيقة أن يفهم الإسلام بواسطة خصوم الإسلام وأعدائه وهم الغربيون المتحاملون، ودَعَوْتُه إلى دراسة الإسلام من مصادره وأصوله وعبر علمائه ومفكِّريه، وأكدتُ له أنه لو فعل ذلك لأصبح من أكبر دعاته وأنصاره والمدافعين عنه، ورغم ما في الدراسة من جهد وعناء وسهر ومشقة إلا أن البحث عن الحق والحقيقة يستأهل هذا المجهود.

تلك كانت رسالتي القديمة التي أرسلتها للأستاذ الدكتور سعد الدين إبراهيم من قاعة المحكمة العسكرية، وهي هي الرسالة الجديدة التي أُرسلها لإخواني العلمانيين من شتَّى المذاهب والاتجاهات، رغم الحملات الثقيلة والقاسية التي يشنونها علينا خصوصًا في هذه الأيام، فالمتابع لكتاباتهم في الصحف وآرائهم في برامج التليفزيون المختلفة يدرك بسهولة أنهم يتكلمون عن إسلام غير الإسلام الذي جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- وأن الإسلام في أذهانهم يماثل صورةَ مسيحيةِ الكنيسة الغربية في العصور الوسطى أو صورةً أحسن قليلاً منها، بَيد أنها تستحضر كل مساوئ ممارسات الكنيسة الغربية وتسقطها على الإسلام، ثم تصل إلى نتيجة مؤدَّاها أن الإسلام لا بد وأن يُعزل عن الحياة مثلما عزل المفكرون الأوربيون المسيحيةَ عن الحياة!!

وهذا قياسٌ خاطئ، فلا الإسلام هو مسيحية القرون الوسطى ولا هو يقر ممارسات رجال الكنيسة، بل يشنُّ عليها حربًا لا هوادةَ فيها، فهو لا يعرف طبقة رجال الدين ولا يقر كهانتهم ولا احتكارهم لتفسير الكتاب المقدس، ولا يعترف بعصمةٍ لبشر بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وينكر صكوك الغفران التي تتاجر بالجنة وكذلك ينكر حق البشر- أيًّا كان- في إصدار قرارات حرمان غيره من الجنة، وليس لأحد فيه سلطانٌ روحيٌّ على ضمائر غيره.

كما يستنكر محاكم التفتيش، ولم يحرق أو يهدد بالحرق أحدًا من العلماء ليرجع عن نتائج علمه وبحثه، بل حضَّ العلماء على النظر والبحث في ملكوت السماوات والأرض، كذلك لم يقسِّم الحياة بين الله وقيصر، وإنما اعتبر قيصر وكسرى وكل حكام الأرض عبيدًا لله، مخاطَبين بتكاليفه، مطالَبين بتطبيق شريعته في كل مجالات الحياة، والناظر في فهرس أصغر كتاب من كتب الفقه الإسلامي- ولا أقول الباحث في أمهات الكتب- يدرك إدراكًا كاملاً أن الإسلام قد غطَّى جوانب الحياة تشريعًا وتنظيمًا، سواءٌ كان بنصوصه المباشرة أم بوسائل الاجتهاد التي قررها العلماء والتي استنبطوا بها الأحكام الشرعية للوقائع الجديدة التي لم يكن للمسلمين الأوائل عهد بها.

لذلك أكرر دعوتي ورجائي لإخواني العلمانيين أن يتجشَّموا عناء البحث الأصيل والدراسة العميقة للإسلام من مصادره، فيكونوا بذلك قد سمعوا منه بدل أن يسمعوا عنه، وأن يفهموه بعقولهم لا بعقول غيرهم، وأن يتكلموا عنه أصالةً عن أنفسهم لا نيابةً عن غيرهم، خصوصًا وأن هذا الغير ليس مؤهلاً للحديث العلمي المنصف، سواءٌ من حيث النية أو من حيث الثقافة واللسان، والله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيْبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِيْنَ﴾ (الحجرات: 6)، والمصاب في هذه الحالة ليس قومًا من البشر بل الحق والحقيقة والمنهج العقلي للبحث والتفكير.

نسأل الله تعالى أن يهديَنا جميعًا سواءَ السبيل، وأن يجمع المسلمين على كلمة سواء.. إنه سميعٌ مجيبٌ.


المصدر