رسالة إلى الشباب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٧:٥٨، ١٩ يونيو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رسالة الإمام حسن البنا إلى الشباب

أيها الشباب:

على هذه القواعد الثابتة وإلى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعأ. فإن آمنتم بفكرتنا، واتبعتم خطواتنا، وسلكتم معنا سبيل الإسلام الحنيف، وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك، ووقفتم لعقيدتكم كل جهودكم فهو الخير لكم في الدنيا والآخرة، وسيحقق الله بكم إن شاء الله ما حقق بأسلافكم في العصر الأول، وسيجد كل عامل صادق منكم في ميدان الإسلام ما يرضى همته ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين.

وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسيرغيرعابئة بقلة ولا بكثرة: (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم).

أيها الشباب:

أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد إمام المصلحين

وسيد المجاهدين، وعلى اله وصحبه والتابعين.

أيها الشباب:

إنما تنجح الفكرة إذا قوي الايمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الايمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب. لان أساس الايمان القلب الذكي، وأساس الاخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديمآ و حديثأ في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " الكهف.

ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم. ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلا، وأن تعملوا كثيرآ، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملا من هذا الشباب.

قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة، قوي سلطانها واستبحر عمرانها، فينصرف الى نفسه اكثر مما ينصرف إلى أمته، ويلهو ويعبث وهوهادىء النفس مرتاح الضمير. وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها، واستبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية. وحينئذ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب ان ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه. وهو إذ يفعل ذلك يفوز بالخير العاجل في ميدان النصر، و الخير الآجل من مثوبة الله. ولعل من حسن حظنا أن كنت من الفريق الثاني فتفتحت أعيننا على أمة دائبة الجهاد مستمرة الكفاح في سبيل الحق والحرية. واستعدوا يا رجال فما أقرب النصرللمؤمنين وما أعظم النجاح للعاملين الدائبين.

أيها الشباب:

لعل من أخطر النواحي في الامة الناهضة- وهي في فجر نهضتها- اختلاف الدعوات، واختلاط الصيحات، وتعدد المناهج، وتباين الخطط والطرائق، و طثرة المتصدين للتزعم والقيادة. وكل ذلك تفريق في الجهود وتوزيع للقوى يتعذر معه الوصول إلى الغايات. ومن هنا كانت دراسة هذه الدعوات والموازنة بينها أمرأ أساسيآ لا بد منه لمن يريد الإصلاح.

ومن هنا كان من واجبي أن أشرح لكم في وضوح موجز دعوة الإسلام في القرن الهجري الرابع عشر.


دعوة الإخوان المسلمين

أو دعوة الإسلام في القرن الهجري الرابع عشر

دعوة الإخوان المسلمين

أو دعوة الإسلام في القرن الهجري الرابع عشر

لقد آمنا إيمانأ لا جدال فيه ولا شك معه، واعتقدنا عقيدة أثبت من الرواسى وأعمق من خفايا الضمائر، بأنه ليس هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا المعذبة وترشد الانسانية الحائرة وتهدي الناس سواء السبيل، وهي لذلك تستحق أن يضحى في سبيل إعلانها و التبشير بها وحمل الناس عليها بالأرواح والأموال وكل رخيص وغال، هذه الفكرة هي الاسلام الحنيف الذي لا عوج فيه ولا شر معه ولا ضلال لمن اتبعه:

شهد الله أنه لا إله الا هو و الملائكة و ألو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم، ان الدين عند الله الاسلام آل عمران

اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا المائدة

ففكرتنا لهذا إسلامية بحتة، على الإسلام ترتكز ومنه تستمد وله تجاهد وفي سبيل اعلاء كلمته تعمل. لا تعدل بالاسلام نظامأ، ولاترضى سواه إمامأ، ولا تطيع لغيره أحكاما.

"و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه" آل عمران

و لقد أتى على الإسلام والمسلمين حين من الدهر توالت فيه الحوادث وتتابعت الكوارث، وعمل خصوم الإسلام على إطفاء روائه وإخفاء بهائه وتضليل أبنائه و تعطيل حدوده، و إضعاف جنوده، وتحريف تعاليمه وأحكامه تارة بالنقص منها، وأخرى بالزيادة فيها، وئالثة بتأويلها على غير وجهها، وساعدهم على ذلك ضياع سلطة الإسلام السياسية و تمزيق إمبراطوريته العالمية وتسريح جيوشه المحمدية ووقوع أممه في قبضة أهل الكفر مستذلين مستعمرين.

فأول واجباتنا نحن الإخوان أن نبين للناس حدود هذا الإسلام واضحة كاملة بينة لا زيادة فيها ولا نقص بها ولا لبس معها، وذلك هو الجزء النظري من فكرتنا، وأن نطالبهم بتحقيقها ونحملهم على إنفاذها ونأخذهم بالعمل بها، وذلك هو الجزء العملى لي هذه الفكرة.

وعمادنا في ذلك كله كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، والسيرة المطهرة لسلف هذه الأمة، لا نبغي من وراء ذلك إلا إرضاء الله وأداء الواجب وهداية البشر وإرشاد الناس.

وسنجاهد في سبيل تحقيق فكرتنا، وسنكافح لها ما حيينا وسندعو الناس جميعا اليها، وسنبذل كل شىء في سبيلها، فنحيا بها كرامآ أو نموت كرامآ، وسيكون شعارنا الد ائم: الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، و الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.

أيها الشباب:

إن الله قد أعزكم بالنسبة و الايمان به والتنشئة على دينه، وكتب لكم بذلك مرتبة الصدارة من الدنيا ومنزلة الزعامة من العالمين وكرامة الاستاذ بين تلامذته.

كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله (آل عمران)

و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكزنزا شهداء على الناس (البقرة)

فأول ما يدعوكم إليه أن تؤمنوا بأنفسكم، أن تعلموا منزلتكم وأن تعتقدوا أنكم

سادة الدنيا وإن أراد لكم خصومكم الذل، وأساتذة العالمين وإن ظهر عليكم غيركم بظاهر من الحياة الدنيا والعاقبة للمتقين.

فجددوا أيها الشباب إيمانكم، و حددوا غاياتكم وأهدافكم، وأول القوة الايمان، ونتيجة هذا الايمان الوحدة، وعاقبة الوحدة النصر المؤزر المبين. فآمنوا وتآخوا واعلموا وترقبوا بعد ذلك النصر.. وبشر المؤمنين.

إن العالم كله حائر يضطرب،، كل مافيه من النظم قد عجز عن علاجه ولا دواء له

إلا الإسلام، فتقدموا باسم الله لإنقاذه، فالجميع في انتظار المنقذ، ولن يكون المنقذ إلا رسالة الإسلام التي تحملون مشعلها وتبشرون بها.

أيها الشباب:

إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل واضح الخطوات، فنحن نعلم تماما ماذا نربد ونعرف الوسيلة الى تحقيق هذه الارادة.

ا- نريد أولا الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه. فهذا هو تكويننا الفردي.

2- ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا الأسري.

3- ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله ايضا ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعرتنا إلى كل بيت، وأن يسمع صوتنا في كل مكان، وأن تتيسرفكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والامصار، لا نألو في ذلك جهدأ ولا نترك وسيلة.

4- ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هدا الشعب الى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أبي بكر وعمرمن قبل. ونحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا بستمد منه، ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية، ولا بهذه الاشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر واعداء الإسلام على الحكم بها والعمل عليها، وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامى بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام.

5- ونريد بعد ذلك ان نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامى الذي فرقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية. ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية ولا نسلم بهذه الاتفاقات الدولية، التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة يسهل ابتلاعها على الغاصبين، ولا نسكت على هضم حرية هذه الشعوب واستبداد غيرها بها. فمصر وسوريا والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله ، كل ذلك وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصه وضم أجزائه بعضها إلى بعض.

ولئن كان الرايخ الألمانى يفرض نفسه حاميا لكل من يجري في عروقه دم الالمان، فإن العقيدة اسلامية توجب على كل مسلم قوي أن يعتبرنفسه حاميأ لكل من تشربت نفسه تعاليم القرآن. فلا يجوز في عرف الإسلام أن يكون العامل العنصري أقوى في الرابطة من العامل الايماني. والعقيدة هى كل شىء في الإسلام، وهل الايمان إلا الحب والبغض؟.

6- ونريد بعد ذلك ان تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالاسلام حينأ من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسرعنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام. فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام، ويجب أن يعود البحر الأبيض والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل. ولئن كان السنيور موسوليني يرى من حقه أن يعيد الامبراطورية الرومانية، وما تكونت هذه الامبراطورية المزعومة قديمأ إلا على أساس المطامع والأهواء، فإن من حقنا أن نعيد مجد الامبراطورية الإسلامية التى قامت على العدالة والانصاف ونشر النور والهداية ببن الناس.

7- نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا على العالم وان نبلغ الناس جميعأ، وأن نعم بها آفاق الأرض، وأن ئخضع لها كل جبار، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصرمن يشاء وهو العزيز الرحيم.

ولكل مرحلة من هذه المراحل خطواتها وفروعها ووسائلها، وإنما نجمل هنا القول

دون إطالة ولا تفصيل، والله المستعان وهوحسبنا ونعم الوكيل.

ليقل القاصرون الجبناء أن هذا خيال عريق ووهم استولى على نفوس هؤلاء الناس، وذلك هو الضعف الذي لا نعرفه ولا يعرفه الإسلام. ذلك هو الوهن الذي قذف في قلوب هذه الأمة فمكن لأعدائها فيها، وذلك هو خراب القلب من الإيمان وهو علة سقوط المسلمين. وإنما نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل لتحقيقه لاحظ له في الإسلام، فليبحث له عن فكرة أخرى يدين بها ويعمل لها.

ياشباب:

لستم أضعف ممن بلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المنهاج فلا تهنوا وتضعفوا، وضعوا نصب أعينكم قوله تعالى:

الذين قال لهم الناس، ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانأ وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل آل عمران.

سنربي أنفسنا ليكون منا الرجل المسلم، وسنربي بيوتنا ليكون منها البيت المسلم، وسنربى شعبنا ليكون منه الشعب المسلم؟ وسنكون من بين هذا الشعب المسلم، وسنسير بخطوات ثابتة إلى تمام الشوط، والى الهدف الذي وضعه الله لنا لا الذي وضعناه لأنفسنا، وسنصل بإذن الله وبمعونته، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون.

وقد أعددنا لذلك إيمانأ لا يتزعزع، وعملا لا يتوقف، وثقة بالله لا تضعف، وأرواحأ أسعد أيامها يوم تلقى الله شهيدة في سبيله.

فليكن ذلك من صميم السياسة الداخلية والخارجية، فإنما نستمد ذلك من الاسلام، ونجد بأن هذا التفريق بين الدين والسياسة ليس من تعاليم الإسلام الحنيف، ولا يعرفه المسلمون]الصادقون في دينهم الفاهمون لروحه وتعاليمه، فليهجرنا من يريد تحويلنا عن هذا المنهاج فإنه خصم للإسلام أو جاهل به، وليس له سبيل إلا أحد هذين الوضعين.

أيها الشباب:

يخطىء من يظن أن جماعة الإخوان المسلمين (جماعة دراويش) قد حصروا انفسهم في دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية، كل همهم صلاة وصوم وذكر وتسبيح. فالمسلمون الأولون لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة، ولم يؤمنوا به على هذا النحو؟ ولكنهم آمنوا به عقيدة وعبادة، ووطنأ وجنسية، وخلقأ ومادة، وثقافة وقانونآ، وسماحة و قوة. واعتقدوه نظاما كاملأ يفرض نفسه على كل مظاهر الحياة وينظم أمر الدنيا كما ينظم الآخرة. اعتقدوه نظامأ عمليأ وروحيأ معأ فهو عندهم دين ودولة، ومصحف وسيف.

وهم مع هذا لا يهملون أمر عبادتهم ولا يقصرون في أداء فرائضهم لربهم، يحاولون إحسان الصلاة ويتلون كتاب الله، ويذكرون الله تبارك وتعالى على النحو الذي أمر به وفي الحدود التي وضعها لهم، في غيرغلو ولا سرف، فلا تنطع ولا تعمق، وهم أعرف بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، إن المبت لا أرضأ قطع ولا ظهرأ ابقى ، وهم مع هذا يأخذون من دنياهم بالنصيب الذي لا يضر بأخرتهم، ويعلمون قول الله تبارك وتعالى:

قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق الأعراف.

و إن الإخوان ليعلمون أن خير وصف لخير جماعة هو وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : (رهبان في الليل فرسان في النهار)، وكذلك يحاولون أن يكونوا والله المستعان.

ويخطىء من يظن أن الاخوان المسلمين يتبرمون بالوطن والوطنية، فالمسلمون أشد الناس اخلاصأ لأوطانهم وتفانيأ في خدمة هذه الأوطان واحترامأ لكل من يعمل لها مخلصأ، وها قد علمت إلى أي حد يذهبون في وطنيتهم والى أي عزة يبغون بأمتهم.

ولكن الفارق بين المسلمين وبين غيرهم من دعاة الوطنية المجردة أن أساس وطنية المسلمين العقيدة الاسلامية.

فهم يعملون لوطن مثل مصر ويجاهدون في سبيله ويفنون في هذا الجهاد لان مصر من أرض الإسلام وزعيمة أممه؟ كما أنهم لا يقفون بهذا الشعور عند حدودها بل يشركون معها فيه كل أرض اسلامية وكل وطن اسلامي، على حين يقف كل وطني مجرد عند حدود أمته ولا يشعر بفريضة العمل للوطن إلا عن طريق التقليد أو الظهور أو المباهاة أو المنافع، لا عن طريق الفريضة المنزلة من الله على عباده.

وحسبك من وطنية الإخوان المسلمين أنهم يعتقدون عقيدة جازمة لازمة أن التفريط في أي شبر أرض يقطنه مسلم جريمة لا تغتفر حتى يعيدوه أو يهلكوا دون إعادته، ولا نجاة لهم من الله الا بهذا.

ويخطىء من يظن أن الأخوان المسلمين دعاة كسل أو إهمال، ف الإخوان يعلنون في كل أوقاتهم أن المسلم لا بد أن يكون إمامأ في كل شىء، ولا يرضون بغير القيادة والعمل و الجهاد والسبق في كل شىء، في العلم وفي القوة وفي الصحة وفي المال.

والتأخر في أية ناحية من النواحى ضار بفكرتنا مخالف لتعاليم ديننا، ونحن مع هذا ننكرعلى الناس هذه المادية الجارفة التي تجعلهم يريدون أن يعيشوا لأنفسهم فقط وأن ينصرفوا بمواهبهم وأوقاتهم وجهودهم الى الأنانية الشخصية، فلا يعمل أحدهم لغيره شيئأ ولا يعنى من أمر أمته بشىء، والنبى صلى الله عليه و سلم يقول: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ، كما يقول: (ان الله كتب الإحسان على كل شىء).

ويخطىء من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة فنحن نعلم أن الإسلام عني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان في مثل .

قوله تعالى: ( يا أيها الناس إئا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبأ وقبائل لتعارفوا) الحجرات

كما أنه جاء لخير الناس جميعأ ورحمة من الله للعالمين. ودين هذه مهمته أبعد الأديان عن تفريق القلوب وإيغارالصدور، وبهذا جاء القرآن مثبتأ لهذه الوحدة مشيدأ بها في مثل قوله تعالى:

(لا نفرق بين أحد من رسله) .

وقد حرم الإسلامالاعتداءحتى في حالات الغضب والخصومة فقال تعالى:

(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أ قرب للتقوى) المائدة.

وأوصى بالبر والاحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدهم وأديانهم:

( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ) الممتحنة.

كما أوصى بإنصاف الذميين وحسن معاملتهم: " لهم ما لنا وعليهم ما علينا ". نعلم كل هذا فلا ندعو إلى فرقة عنصرية، ولا إلى عصبية طاثفية. ولكننا الى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا ولا نساوم في سبيلها على عقيدتنا ولا نهدرمن أجلها مصالح المسلمين، وإنما نشتريها بالحق والإنصاف والعدالة وكفى. فمن حاول غير ذلك أوقفناه عند حده وأبنا له خطأ ما ذهب إليه: ولله العزة ولرسولة وللمؤمنين.

ويخطىء من يظن أن الإخوان المسلمين يعملون لحساب هيئة من الهيئات أو يعتمدون على جماعة من الجماعات. ف الإخوان المسلمون يعملون لغايتهم على هدى من ربهم، وهي الاسلام وابناؤه في كل زمان ومكان، وينفقون مما رزقهم الله ابتغاء مرضاته، ويفخرون بأنهم إلى الآن لم يمدوا يدهم إلى أحد ولم يستعينوا بفرد ولا هيئة ولا جماعة.

أيها الشباب:

على هذه القواعد الثابتة وإلى هذه التعاليم السامية ندعوكم جميعأ. فإن آمنتم بفكرتنا، واتبعتم خطواتنا، وسلكتم معنا سبيل الإسلام الحنيف، وتجردتم من كل فكرة سوى ذلك، ووقفتم لعقيدتكم كل جهودكم فهو الخير لكم في الدنيا والآخرة، وسيحقق الله بكم إن شاء الله ما حقق بأسلافكم في العصر الأول، وسيجد كل عامل صادق منكم في ميدان الإسلام ما يرضى همته ويستغرق نشاطه إذا كان من الصادقين.

وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسيرغيرعابئة بقلة ولا بكثرة: (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ".

حسن البنا