في الميدان من جديد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:٢٥، ٣٠ يونيو ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
في الميدان من جديد

بعونك اللهم , و في رعايتك , و تحت لواء دعوتك المطهرة , و في ظل شريعتك القدسية , و على نبيك الكريم العظيم سيدنا محمد – صلى الله عليه و سلم – تستأنف هذه المجلة "المنار" جهادها و تظهر في الميادين من جديد .

رحمة الله و رضوانه و مغفرته " للسيد محمد رشيد رضا " منشئ المنار الأول و مشرق ضوئها في الوجود , فلقد كافح و جاهد في سبيل الدعوة إلى الإسلام و الدفاع عنه , و جمع كلمة المسلمين و اصلاح شؤونهم الروحية و المدنية و السياسية , و هي الأغراض التي وضعها أهدافا لجهاده الطويل , حتى جاءه أمر ربه بعد قضت المنار أربعين عاما كانت فيها منار و هداية و منهج سداد و ارشاد .

و لقد ترك السيد رشيد فراغه واسعا فسيحا , و قضى و في نفسه آمال جسام , و شاهد قبل وفاته تطورا جديدا في حياة الأمة الاسلامية , فاستبشر بهذا التطور الجديد , و شام منه خيرا , و أمل فيه كثيرا , و عزم على أن يساير هذا التطور بالمنار و دعوة المنار و أن يجعل منها في عامها الجديد ( الخامس و الثلاثين ) لسان صدق لجماعة جدير " بالدعوة إلى الإسلام و جمع كلمة المسلمين " تخلف " جماعة الدعوة و الإرشاد " و تقوم على الاستفادة بالظروف الجديدة التي تهيأ لها المسلمون في هذا العصر .

و قد كتب رحمة الله في هذا المعنى في فاتحة هذا المجلد ما نصه : " سيكون المنار منذ هذا العام لسن جماعة للدعوة إلى الإسلام و جمع كلمة المسلمين , انشئت لتخلف جماعة الدعوة والإرشاد في أعلى مقصديها , أو فيما عدا التعليم الاسلامي المدرسي منه الذي ضاق زمان هذا العاجز عن السعي له و تولى النهوض به فتركه لمن يعده التوفيق الالهي له من الذين يفقهون دعوة القرآن و توحيده و وحدة أهله و جماعته , و لا يصلح له غيرهم ... " ثم ذكر بعد ذلك طرفا من تاريخ " مدرسة الدعوة و الإرشاد " و ما لقيت من عقبات و معاكسات انتهت بالقضاء على فكرتها الجليلة , ثم قال بعد ذلك :

و جملة القول : انني على هذه التجارب , و ما هو أوجع منها و ألذع من أمر مشتركي المنار , و على ما أقر به من عجزي عن النهوض بالأعمال المالية الخاصة و العامة بالأولى , و على دخولي في سن الشيخوخة و ضعفها , لم أزدد إلا ثقة و رجاء بنجاح سعيي لأهم أصول الاصلاح الاسلامي و تجديد أمر الدين بما يظهرهه على الدين حتى تعم هدايته و حضارته جميع الامم .. و لم أيأس من قيام طائفة من المسلمين بذلك تصديقا لبشارة الرسول – صلى الله عليه و سلم – بأنه : ( لا يزال في أمتي طائفة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة ) . رواه الشيخان في الصحيحين و غيرهما بألفاظ من عدة طرق . و هذه الطائفة كانت في القرون الاخيرة قليلة متفرقة .

انني منذ سنتين أكتب عناوين خيار الرجال المتفرقين في الأقطار الذي أرجوا أن يكونوا من أفرادها على اختلاف القابهم و صفاتهم و أعمالهم لمخاطبتهم في الدعوة إلى العمل , و أرجو من كل من يرى من نفسه ارتياحا إلى التعاون معهم على هذا التجديد و الجهاد أن يكتب إلينا عنوانه و ما هو مستعد له من العمل معهم إلى أن تنتشر دعوتهم الرسمية – و أهم ما يرجى من الخير لأمة محمد – صلى الله عليه و سلم – في هذا العصر الذي تقارب فيه البشر بعضهم من بعض , فهو في تعارف هذه الطائفة القوامة على أمر الله و تعاونها على نشر الدعوة و جمع كلمة الأمة بعد وضع النظام لمركز الوحدة الذي يرجى أن تثق به , فهي لا ينقصها إلا هذا و قد طال تفكيري فيه , و عسى أن أبشرها قريبا بما يسرها منه – و أعجل بحمد الله تعالى أن تجدد لي على رأس هذه السنة ما كان لي و لشيخنا الاستاذ الامام ( قدس الله روحه ) من الرجاء في مركز الازهر , و هو الذي يعبر عنه في عرف عصرنا بشخصيته المعنوية , و هذا الرجاء الذي تجدد بتوسيد أمره إلى الشيخ محمد مصطفى المراغي عظيم .

كان الأزهر كنزا خفيا أو جوهرا مجهولا عند أهله و حكومته و عقلاء بلده لم يفطن أحد قبل الاستاذ الامام لامكان إصلاح العالم الاسلامي كله به , و الاستيلاء على زعامة الشعوب الاسلامية في الدين و الأدب و الفقه بإصلاح التعليم العام فيه , و لكن تعليم الاستاذ الامام رحمه الله و أفكاره هما اللذان أحدثا هذا الرجاء في طائفة من شيوخه , و الاستعداد في جمهور طلابه و لم يبقى إلا الجد و لله الحمد . " انتهى .

هذا قضى السيد محمد رشيد رضا حياته و في نفسه هذه الآمال الجسام : أن يكون المنار بعد سنته هذه لسان حال جماعة للدعوة إلى الاسلام , و أن تتألف هذه الجماعة بذوي العقل و الدين و المكانة و الشعوب الاسلامية , و أن يشد الأزهر أزر هذه الجماعات و تشد أزره فيكون من تعاونهما الخير كله . و لقد كان السيد – رحمه الله – صادق العزم مخلص النية في آماله هذه , فاستجابها الله له , و شاءت قدرته و توفيقه أن تقوم على المنار " جماعة الاخوان المسلمين " , و أن يصدره و أن يحرره نخبة من أعضائها و أن ينطق بلسانها و يحمل للناس دعوتها .

يا سبحان الله ! إن جماعة الاخوان المسلمين هي الجماعة التي كان يتمناها السيد رشيد رحمه الله , و لقد كان يعرفها منذ نشأتها و لقد كان يثني عليها في مجالسه الخاصة و يرجو منها خيرا كثيرا , و لقد كان يهدي مؤلفاته فيكتب عليها بخطه : " من المؤلف إلى جماعة الاخوان المسلمين النافعة " , و لكنه ما كان يعلم أن الله قد ادخر لهذه الجماعة أن تحمل عبئه , و أن تتم ما بدأ به , و أن تتحقق فيها أمنية من أمانيه الإصلاحية , و أمل من آماله الإسلامية .

لقد تمنى السيد الرئيس رشيد رضا في الجماعة التي اشترطها أن تقوم بأعلى مقصدي جماعة الدعوة و الإرشاد , أي ما عدا التعليم الأساسي , ثم رجا أن توفق الجماعة الجديدة لهذا أيضا , و ستحقق جماعة الإخوان المسلمين هذا الرجاء بتوفيق الله , فإن اصلاح التعليم المدرسي الرسمي من أخص مقاصدها , و إن أثرها في طلاب الجامعة المصرية و المدارس المدنية من ثانوية و خصوصية لعظيم , و سنواصل الجهد حتى نصل إلى الغاية – ان شاء الله – و يصبح التعليم كله مركزا على أصول سليمة مستمدة من روح الإسلام و سماحة الإسلام و تعاليم الإسلام و حضارته و مجده و الله المستعان .

و لقد أدرك الإخوان المسلمون منذ نشأت دعوتهم أهمية التواصل بين عقلاء المسلمين , فأخذوا يعملون لهذا , و أصبح لهم بحمد الله عدد عظيم في كل قطر يعطف على فكرتهم و يؤيد دعوتهم , و لقد اقترح علينا أخونا المفضال السيد أنيس أفندي الشيخ – من وجهاء بيروت – أن نعمل ما عمله السيد رشيد , فنجمع عناوين ذوي المكانة من عقلاء العالم الإسلامي و نتصل بهم و نكتب في جرائدنا عنهم حتى يتعرف بعضهم إلى بعض و الآن ننتهز هذه الفرصة فنوجه الرجاء الذي وجهه صاحب المنار من قبل إلى كل من يأنس من نفسه الغيرة على الإصلاح الإسلامي و الاستعداد للعمل له من رجالات المسلمين أن يكتب إلينا عن الناحية التي يؤمل أن يعمل فيها , و حبذا لو تكرم فأضاف إلى ذلك إرسال صورته الشخصية , و سنفرد لنشر هذه العنوانات و الصور صحيفة خاصة بالمنار نسميها " صحيفة التعارف " بين أنصار الدعوة إلى الاسلام , حتى إذا تكامل جمع يعتمد عليه فكرنا في الطريقة المثلى لتبادل الآراء و الأفكار .

و لقد أدرك الاخوان كذلك منذ نشأت دعوتهم ما للأزهر من شخصية معنوية , و أنه أعظم القوى أثرا في الإصلاح الإسلامي لو توجه إليه , فاعتبروا أنفسهم عونا له في مهمته , و توثقت الروابط القوية بينهم و بين شيوخه و طلابه , و كان من هؤلاء الفضلاء ما بين علماء و طلبة طائفة كريمة لها أبلغ الأثر في نشر دعوة الإخوان و خدمة فكرتهم التي هي في الحقيقة أمل كل مسلم غيور و واجب كل مؤمن عاقل .

و إننا لنرجو أن نكون أسعد حظا من صاحب المنار – رحمه الله – في حسن معاملة المشتركين فيها , فإن مال الدعوة – مهما كثر – قليل بالنسبة لنواحي نشاطها و تشعب أعمالها , فليقدروا هذه الحقيقة و سيجدون ما ينفقون في هذه السبيل عند الله هو خيرا و أعظم أجرا .

ستعود المنارإن شاء الله – إلى الميدان تناصر الحق في كل مكان , و تقارع الباطل بالحجة و البرهان و شعارها الدعوة إلى الإسلام , و الدفاع عنه , و جمع كلمة المسلمين , و العمل للإصلاح الإسلامي في كل نواحيه , الروحية , و الفكرية , و السياسية , و المدنية . و لقد كان للمنار خصوم و أصدقاء شأن كل دعوة إصلاحية , فأما أنصارها فنرجو أن يجدوا في مسلكها ما يعزز صداقتهم لها وصلتهم بها , و أما خصومها فإن كانت خصومتهم للحق بالحق , فإننا على استعداد تام للتفاهم معهم على أساس كتاب الله و هدي رسوله – صلى الله عليه و سلم - , و العمل لخدمة هذه الحنيفية السمحة .

لم يكن الشيخ رشيد رحمه الله معصوما لا يجوز عليه الخطأ فهو بشر يخطئ و يصيب , و لسنا ندعي لأنفسنا العصمة فنحن كذلك , و ما من أحد إلا و يؤخذ من كلامه و يترك إلا المعصوم – صلى الله عليه و سلم - , و لا نريد أن نعرف الحق بالرجال و لكننا نريد أن نعرف الرجال بالحق , و متى كان ذلك رأينا جميعا و متى كان شعارنا أن نرد التنازع إلى الله و رسوله كما أمرنا فقد اهتدينا و وصلنا إلى الحقيقة متحابين و انقضت الخصومة و ولى الباطل منهزما زهوقا .

على هذه القواعد ندعو الأمة و الهيئات الإسلامية جميعا إلى التعاون معنا سائلين الله تبارك و تعالى أن يرينا الحق حقا و يرزقنا اتباعه , و الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه .

و الله حسبنا و نعم الوكيل .