آراء بعض أهل العلم وأئمة العصر في الدخول إلى المجالس النيابية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
آراء بعض أهل العلم وأئمة العصر في الدخول إلى المجالس النيابية


2003-10-05

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث بالهـدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد ...

فإن الأمة الإسلامية نكبت في القرن الرابع عشر من عمرها المجيد بسقوط آخر خلافة إسلامية، وتقسيم بلاد المسلمين إلى دويلات وحكومات مختلفة وكان هذا التقسيم بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وكان الذي صنع هذه الخرائط الإقليمية هم الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون .. ثم إن هؤلاء المستعمرين فرضوا على كل إقليم نظاما للحكم ودساتير مستقاة من أنظمتهم المسماة (بالديمقراطية) وهذه الأنظمة والدساتير هي التي حددت لكل إقليم نظام الحكم، وكيفية صنع القرار، وأهداف الحياة وغاية كل شعب.. ومن هذه الدساتير والنظم وضع المربون والمعلمون أهداف التربية في كل بلد، ووضع المشرعون في السياسة، والاقتصاد، والأمن ، والاجتماع تشريعاتهم وتصوراتهم..

وبها نشأت أجيال جديـدة للأمة انسلخت رويدًا رويدًا عن الانتماء والولاء لأمة الإسلام، والتقيد بأحكامه في الحلال والحرام ، وسائر شئون الحياة ، وانفصل كل شعب من شعوب المسلمين عاطفيًا واجتماعيًا.. بل ولاءً وارتباطًا، وجنسية وتبعية عن بقية شعوب الأمة الإسلاميـة.. بل قامت حروب الحدود السياسية وحروب الطغيان بين أقاليم أمة الإسلام فأسست بذلك الأحقاد، والأضغان، والثارات، وعمقت الانفصال بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة.

وفي ظل هذا الواقع الرهيب الذي لم يمض على الأمة الإسلامية أسوأ منه في كل القرون السابقة يواجه الدعاة إلى الإسلام معضلة قائمة في كيفية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ومنهاج العمل لتحقيق أمر الله سبحانه وتعالى بإقامة الدين، وعدم التفرق فيه، وتحقيق وحدة الأمة وخلافة الإسلام الراشدة، وإظهار دين الإسلام على كل دين، وإقامة الحجة في الأرض ودفع أهل الكفر عن صدر هذه الأمة، وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

يواجه الدعاة إلى الله معضلة الأولويات، من أين نبدأ؟ وكيف نبدأ؟ وكيف نواجه هذا الواقع القائم؟ وكيف يمكن تغييره وما الوسائل المتاحة والمشروعة لذلك؟

وقد كُتبت بحمد الله مجموعة من الرسائل في السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله في العصر الحاضر..

وهذه الرسالة التي بين يديك أخي الداعية مخصصة لأسلوب من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل وهو تولي الولايات العامة ، والدخول في المجالس التشريعية في ظل الحكومات المعاصرة .

والسؤال المطروح هـو: هل يجوز الدخول إلى المجالس التشريعية في ظل الأنظمة المعاصرة؟

آراء بعض أهل العلم وأئمة العصر في الدخول إلى المجالس النيابية

القول بمشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية والوصول إلى الولايات العامة عن طريق الانتخاب هو قول كثير من علماء السلفية المعاصرين ومنهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين .

نقول ومما يدلك كذلك على مشروعية تولي الولايات العامة عن طريق الانتخابات البرلمانية، أن هذا هو قول كثير من قادة الدعوة السلفية وأئمتها ، وقد أفتوا بذلك مع علمهم بواقع حال الأمة المعاصرة ، وواقع الدول الإسلامية التي ابتليت بهذه الأنظمة الوضعية (الديمقراطية وغيرها) .

أ- رأي الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله

فهذا العلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي المتوفي سنة 1376هـ إمام نجد وفي زمانه يقول في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) عند قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾.

قال - رحمه الله- : في الفوائد المتحصلة من هذه الآية: (ومنها: أن الله يدفــع عن المؤمنين بأسباب كثيرة وقد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئًا منها. وربما دفع عنهم ، بسبب قبيلتهم ، وأهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب، رجم قومه ، بسبب رهطه. وأن هذه الروابط، التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين، لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك . لأن الإصلاح مطلوب ، حسب القدرة والإمكان.

فعلى هذا، لو سعى المسلمون الذين تحت ولاية الكفار، وعملوا على جعل الولاية جمهورية، يتمكن فيها الأفراد والشعوب ، من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى، من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم ، الدينية والدنيوية ، وتحرص على إبادتها ، وجعلهم عَمَلَةً وخَدَماً لهم.

نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين، وهم الحكام، فهو المتعين. ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا ، مقدمة. والله أعلم ".

وأنت ترى هنا أن مدار هذه الفتوى ، وهذا الاستنباط من الآية الكريمة على القاعدة الفقهية (ارتكاب أخف الضررين) فلئن يسعى المسلمون ليكون لهم شركة في الحكم مع الكفار يصونون بذلك أعراضهم وأموالهم ويحمون دينهم، خيراً ولا شك مما أن يعيشوا تحت وطأة الكفار بلا حقوق تصون شيئًا من دينهم وأموالهم…

وهذا النظر والفهم هو ما ارتضاه وأفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله –

ولا شك أن هذا هو الفهم والفقه الذي لا يجوز خلافه فالمسلم إذا خير بين مفسدتين عليه أن يختار أدناهما.. إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى برفع المفسدة كلها ويكون للمسلمين حكمهم الخالص الذي لا يشركهم فيه غيرهم ، ولا يخالطهم فيه سواه.

ب- رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله

وهـذا الذي أثبتناه من قول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله - هو نفسـه ما أفتى به سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز وذلك في مواطن كثيرة ولإخوة يبلغـون حد التواتر، ومن معنى قوله أنه يشرع الدخول إلى المجالس الانتخابية من أجل إحقاق الحق، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. وقد قيد كثير من الإخوة السائلين فتوى والدنا وشيخنا عبد العزيز بن باز على ذلك النحو الذي أثبتناه.

وقد نقلت كذلك فتوى مطبوعة لشيخنا عبدالعزيز بن باز -حفظه الله- في مجلة لواء الإسلام العدد الثالث ذو القعدة سنة 1409هـ، يونيو سنة 1989، ونقلها عن المجلة الشيخ مناع القطان في كتاب (معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية) وقد جاءت جوابًا لسائل يسأل عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب، وحكم الإسلام في استخراج بطاقة انتخابات بنية انتخاب الدعاة والإخوة المتدينين لدخول المجلس فأجاب سماحة شيخنا قائلاً:

" إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" لذا فلا حرج في الالتحاق بمجلس الشعب إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق، وعدم الموافقة على الباطل، لما في ذلك من نصر الحق، والانضمام إلى الدُعاة إلى الله .

كما أنه لا حَرَجَ كذلك في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدُعاة الصالحين، وتأييد الحق وأهله، والله الموفق) .

وأنت ترى هنا أن سماحة الشيخ -حفظه الله- اعتمد في فتواه على أمور:

أولاً: أن هذه نية صالحة في تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل.

ثانياً: أنه في الدخول إلى مجلس الشعب نصراً للحق، وانضمامًا إلى الدعاة وتأييداً لهم.

فإذا أضفت هـذا المعنى إلى ما سبق من قول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي اتضحت لك الصورة أكبر وأن الدخول إلى هذه المجالس تقليل للشر، وتأييد للحق.

جـ- رأي الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله

وبهذا أيضًا أفتى سماحة والدنا وشيخنا محمد صالح العثيمين شفاهة لعدد كبير من الإخوة طلاب العلم الذين سألوه عن حكم الترشيح للمجالس النيابية، فأجابهم بجواز الدخول، وقد كرر عليه بعضهم السؤال مع شرح ملابسات الدخول إلى هذه المجالس، وحقيقة الدساتير التي تحكم وكيفية اتخاذ القرار فكان قوله -حفظه الله- في ذلك (ادخلوها. أتتركوها للعلمانيين والفسقة؟) وهذه إشارة منه -حفظه الله- إلى أن المفسـدة التي تتأتى بعدم الدخول أعظم كثيراً من المفسدة التي تتأتى بالدخول إن وجدت… أ.هـ

ونظنه قد وضح السبيل الآن واتضحت الرؤية أن القول بمشروعية الدخول إلى المجالس التشـريعية، هو قول الجُلة من أئمة وقادة الدعوة السلفية ومن أهل الفكـر والنظر والفقه من علماء الأمة

د - رأي فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله

ولشيخنا محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله رأي مشهور بعدم جواز الترشيح للدخول في المجالس النيابية ، معللاً ذلك بأنها مجالس تحكم، بغير ما أنزل الله حتى وإن ذكر في الدستور أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ومعللاً ذلك أيضا بأن النائب قد يفتتن في دينه ويتنازل عن بعض الحق.

ولكنه حفظـه الله لا يقول هذا الرأي من باب تحريم الدخول إلى المجالس التشريعية، وتكفير أو تضليل من يفعل ذلك، وإنما من باب أنه خلاف الأولى بدليل أنه يرى أن الشعب المسلم عليه أن ينتخب المرشحين (الإسلاميين) فقط إذا تقدم إلى الترشيح من يعادي الإسلام.

وهذه نصوص عباراته حفظه الله في جوابه على الأسئلة المقدمة إليه من جبهة الإنقاذ الجزائرية:

قال: (ولكن لا أرى ما يمنع الشعب المسلم إذا كان في المرشحين من يعادي الإسلام، وفيهم مرشحون إسلاميون من أحزاب مختلفة المناهج فننصح ـ والحالة هذه ـ كل مسلم أن ينتخب من الإسلاميين فقط من هو أقرب إلى المنهج الصحيح - الذي تقدم بيانه - أقول هذا - وإن كنت أعتقد أن هذا الترشيح والانتخاب لا يحقق الهدف المنشود كما تقدم بيانه من باب تقليل الشر، أو من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما يقول الفقهاء).

جميع البدائل لهذه الطريق فاسدة

نقول لقد تحقق بحمد الله صلاح جزئي من دخول من دخل إلى الوزارة ، أو النيابة التشريعية في جميع البلاد التي كان فيها ذلك ، والمطلع على أحوال الأمة الإسلامية يعلم هذا يقينا فأعظم فترة للإسلام في تركيا بعد سقوط الخلافة هي الفترة التي دخل فيها الإسلاميون إلى الحكومة والبرلمان.

وقد اتخذت في هذه الفترة مجموعة من القرارات ما زالت تؤثر إلى اليوم في مسيرة تركيا نحو الإسلام ، وكذلك الحال في مصر والجزائر، فإن الاتساع العظيم لرقعة الإسلام ، ودخول الناس في الدين بهذه الشمولية كانت في فترة الدعاية الانتخابية ونزول المسلمين إلى الساحة وعرضهم مشروعهم الإسلامي على الناس واتصالهم بجماهير المسلمين.. وكذلك الحال في باكستان .

وأما الكويت فهي أعظم مثال على أن الدخول إلى المجالس التشريعية والوزارة يمكن أن يؤدي إلى منافع عظيمة للدعوة، ويقلل إلى أقل الحدود شرور الفساد واللادينية، وليس المجال هنا الآن تعداد المصالح الشرعية التي تحققت من قبول الولاية العامة، والنيابة التشريعية…

وهذا ـ بحمد الله ـ معلوم وظاهر، وإنما القصد هنا ببيان فساد جميع البدائل المتاحة وقد بينا أن هناك أربعة اتجاهات عند المهتمين بشأن الدعوة: فالمدعون للجهاد ينطلقون من الاعتقاد بكفر الحكـام أو ظلمهم ووجوب إزالتهم بالقوة ومن يتترس بهم ومعلوم فساد هذا التوجه حيث يصبح القتـال فتنة، ويموت المسلم برصاص المسلم، ويتخذ الظلمة من الحكام هذا ذريعة لإبادة الإسلام نفسه ، متذرعين بما يصدر من هذه الجماعة من أعمال.

والبديل الثاني هو القعود والاعتزال وترك شئون المسلمين للظلمة والمفسدين ، وانتظار معجزة من السماء أو تغيير دون بذل أسباب وجهاد ومعلوم منافاة هذا للدين والاعتقاد ولقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ وأمر الله سبحانه وتعالى لأمة الإسلام أن تؤدي الأمانة إلى أهلها، وأن تنزعها من غير أهلها من الكفار والمارقين ووجوب الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الذين كفـروا السفلى وكلمة الله هي العليا ، ولا شك أن القعود والعزلة في مثل هذه الأحوال من أعظم الآثام لأنه ترك للجهاد الواجب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الواجب، وإقرار الباطل، وكتمان العلم، وترك شئون المسلمين للمفسدين والظلمة واللصوص المتغلبة.. والسكوت هذا لا شك أنه إثم عظيم وفساد كبير..

المصدر