أبو الحسن الندوي جاب الأرض مبشراً بالإسلام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أبو الحسن الندوي جاب الأرض مبشراً بالإسلام

علي محمد الغريب

كان أبو الحسن الندوي رحمه الله الذي وافاه كتابه في صباح يوم الجمعة 23 رمضان 1420هــ الموافق 31/12/1999م من أولئك النفر القليلين الذين فتحوا لنا كوة ننظر من خلالها إلى تاريخنا فنرى صورة مشرقة لا غبش فيها ولا غموض، تدفعنا إلى المزيد من التمسك بديننا، وكان هو نفسه الذي طالما صحبنا في جولات خاض فيها معارك الساعة، مؤكداً عالمية هذا الدين وقدرته على تخليص البشرية من همومها، وما يعتريها من مشكلات.

إنَّه صاحب عبقرية في فن الحياة والدعوة إلى الله، وصاحب موقع متميز بين رجال الحكمة، فهيا نقطف زهرات من روض سيرته نقدمها للأجيال القادمة.

ولد الندوي في الهند يوم 6 محرم 1333هــ الموافق العام 1914م لأسرة عربية تنتسب إلى آل بيت رسول صلى الله عليه وسلم، هاجرت إلى شمال الهند في قرون سابقة لنشر دعوة الإسلام في شبه القارة الهندية.

بدأ بحفظ القرآن في البيت بإشراف والدته التي ساعدته على تعلم اللغتين الأوردية والفارسية إذ توفى والده، وهو لم يزل دون العاشرة، كما درس العربية على عدد من كبار العلماء، ثم التحق بجامعة "لكنو" ودرس اللغة الإنجليزية، ثم التحق بجامعة "ندوة العلماء" التي ما لبث أن عين مدرساً فيها، ثم صار أميناً عاماً لها سنة 1961م.

تميزت شخصية الشيخ الندوي بملامح عديدة، فهو الداعية الكبير، والمربي العظيم، والأديب الأريب، وهو حكيم الهند.ِِ

عن دور فضيلته في قيام "رابطة الأدب الإسلامي" فيقول الدكتور "عبدالقدوس أبو صالح" رئيس الرابطة:

"كان فضيلة الشيخ أبوالحسن الندوي أول من دعا إلى رابطة للأدب الإسلامي في ندوة عالمية للأدب الإسلامي، أقيمت في مدينة "لكنو" في الهند سنة 1401هـ، وقد اتخذت في هذه الندوة توصيته بإقامة رابطة عالمية للأدباء الإسلاميين، وكان بعض الأدباء الإسلاميين كونوا هيئة تأسيسية تدعو لإقامة رابطة للأدب الإسلامي؛
وقامت هذه الهيئة بالاتصال بفضيلة الشيخ الندوي، وعرضت عليه ما قامت به من أعمال تمهيدية، واتصالات موسعة، ورغبت إليه أن يتبنى إنشاء هذه الرابطة، فاستجاب لذلك بما عرف عنه من صدر رحب، وبصيرة نافذة، ووعي وحكمة بالغين، وإدراك لدور الأدب في وجدان الأمة، وترشيد مسارها، وإنارة طريقها في العود الحميد إلى الإسلام، وفي صياغة جيل مؤمن بالله، متمسك بأخلاقه الإسلامية، معتزاً بتراث أمته".
خاطب سماحته الملوك والرؤساء بأسلوب مؤثر وبنصح رقيق، وكان يتصدر الصفوف ثائراً "عند اللزوم" كتصديه لقوانين الأحوال الشخصية، عندما أرادت الحكومة الهندية أن تفرض على المسلمين فيها ما يخالف دينهم، ولم يقتصر نشاطه على القارة الهندية بل امتد إلى العالم كله، وعمل بجد ودأب على تنظيم أمر المسلمين لمواجهة التحديات المعاصرة
فقد حضر في حج عام 1381هـ اجتماعاً في قصر الملك سعود رحمه الله بمكة مع مفتي الديار المصرية آنذاك فضيلة الشيخ حسين مخلوف، والشيخ القلقبلي مفتي المملكة الأردنية الهاشمية، والشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة العربية السعودية، وعهد للشيخ أبي الحسن الندوي إدارة ذلك الاجتماع الذي تمخض عن تأسيس رابطة العالم الإسلامي، فكانت إدارته تلك قد كشفت عن جانب من عبقريته المتعددة الجوانب.

وعن تلك العبقرية يقول الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله :

"أبوالحسن الندوي بنى للإسلام في نفوس تلاميذه حصوناً أقوى وأمتن من حصون الحجر، بنى أمة صغيرة من العلماء الصالحين والدعاة المخلصين، لقد تمنيت إن لم يكتب لي أن أعود لدمشق وإن لم يكتب لي أن أستمر بجوار بيت الله الحرام أن أذهب إلى "لكنو" لأعيش مع أبي الحسن، لقد وجدت أنّ الله أكرمه فاستكمل مزايا الداعية الإسلامي".

ويقول عنه الدكتور "مانع بن حماد الجهني" الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي:

"إنّ الندوي علم في دنيا الدعوة والأدب، أعجمي أعرب من كثير من فصحاء العرب الآن، ومفكر إسلامي نحرير حمل هم الدعوة والإصلاح، وجاب الدنيا داعياً إلى الله مبشراً بالإسلام، خلَّف مداده أسفاراً مباركة تقف واعية واثقة جميلة بين عرائس تراث المسلمين وإنتاجهم العلمي.
ضبط بفكره الواعي إيقاع حركة المسلمين في الهند، فلم يهن وقت أن طلب الحزم، ولم يغل حين كانت الرويّة والحكمة، سمع صوته في المنتديات العلمية والمؤتمرات الثقافية والأدبية، وقف في وقت مبكر يبشِّر وينذر ويبين أنَّ أسس إصلاح حال المسلمين والعالم أجمع أن يتبع منهج الإسلام في الحياة".
ويذكر الدكتور "يوسف القرضاوي" أنَّ الندوي عندما زار قطر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وكان يشكو قلة موارد "دار العلوم" بندوة العلماء، واقترح عليه بعض المشايخ أن يزوروا معاً بعض الأثرياء وكبار التجار ليشرحوا لهم ظروف الدار، ويطلبوا منهم بعض العون لها، قال: لا أستطيع أن أفعل ذلك.

ويقول الدكتور القرضاوي سألناه: لماذا؟

قال: إنَّ هؤلاء القوم مرضى، ومرضهم حب الدنيا ونحن أطباؤهم، فكيف يستطيع الطبيب أن يداوي مريضه إذا مدَّ يده إليه يطلب عونه؟ يطلب منه شيئاً من الدنيا التي يداويه منها؟ قلنا له: أنت لا تطلب لنفسك، أنت تطلب للدار ومعلميها وتلاميذها حتى تستمر وتبقى.
قال: هؤلاء لا يفرقون بين ما تطلبه لنفسك، وما تطلبه لغيرك، ما دمت أنت الطالب وأنت الآخذ.وكنا في رمضان والكلام للقرضاوي وقلنا له حينذاك: ابق معنا إلى العشر الأواخر، ونحن نقوم عنك بمهمة الطلب، فقال: إن لي برنامجاً في العشر الأواخر لا أحب أن أنقضه أو أتخلى عنه لأي سبب، إنها فرصة لأخلو بنفسي وربي. وعرفنا أن للرجل حالاً مع الله لا تشغله عنها الشواغل، فتركناه لما أراد، محاولين أن نقلده فلم نستطع، وكل ميسر لما خلق له!
وكان الندوي يرى أن سبب تدهور أحوال المسلمين هو الاستعمار الغربي المباشر وغير المباشر والنظم الفاسدة التي خلفها، فهذه النظم صور مادية ممسوخة تدمر القيم الدينية والأخلاقية، وتؤدي إلى الإعوجاج الذي لا سبيل إلى تعديله إلا بالعودة إلى النظم الإسلامية المتسقة مع مقاصد الشريعة الإسلامية، ورأي سماحته أنّ أهم أدوات الإعلام في الحياة الإسلامية تتركز في المسجد والمنهج التعليمي والسلوك الاجتماعي والكتاب، وهذه الأدوات يجب أن توضع تحت سيطرة العدول، وليس العكس مثلما هو الحال في الكثير من البلدان.

يقول الدكتور "عبدالقدوس أبو صالح" (خليفة الشيخ في رئاسة الرابطة):

كان لي مع سماحة الشيخ الندوي رحمه الله موقف جعلني أوقف حياتي للأدب الإسلامي ورابطته العالمية، فقد عقدت الرابطة مؤتمر الهيئة العامة الثالث في مدينة (استانبول)، وكنت لاقيت صعوبة بالغة في إرضاء بعض أعضاء الرابطة، فرجوت من الشيخ الندوي أن أنفرد به في لقاء خاص، أطلعه فيه على ما أعانيه في رئاستي لمكتب البلاد العربية نائباً له، ورجوته أن يقبل استقالتي.

ولكن الشيخ الذي يعرف بهدوئه ورحابة صدره انتفض غاضباً، وقال لي:

"...لو أنك زرتني في منزلي لرأيتني أستعين بعجلة المعوقين لأنتقل من منزلي إلى المسجد القريب الذي لا يبعد أكثر من خمسين متراً، وقد قطعت من بلدي إلى (استانبول) مئات الكيلومترات ثقة بك وبإخوانك.. والله لا تستقيل.. لا تستقيل.. أما ما تعانيه في رئاستك لمكتب البلاد العربية من المشكلات فسدد بها وقارب.
وهكذا لم أجد بداً أمام غضبة الشيخ، وأمام ثقته الغالية، إلا أن أعاهده على ألا أترك العمل في الرابطة حتى ألقى وجه الله، الذي أرجو أن يسدد خطاي، وأن يتقبل ما أقوم به خالصاً لوجهه الكريم، وهو ولي التوفيق والعالم بما في القلوب.

مؤلفاته وأعماله

للشيخ مجموعة كبيرة من المؤلفات، إذ بلغت عناوين مؤلفاته وترجماته (700) عنوان، منها (177) عنواناً بالعربية، وقد ترجم عدد من مؤلفاته إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والأندونيسية وغيرها من لغات الشعوب الإسلامية الأخرى.

وقد تولى منصب رئيس ندوة العلماء منذ عام 1961م حتى وفاته، كما شارك في تأسيس هيئات إسلامية دعوية وعلمية مختلفة، واختير عضواً في مجالسها، منها رابطة العالم الإسلامي، والمجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ورابطة الجامعات الإسلامية، ومركز الدراسات الإسلامية في "أكسفورد" (ببريطانيا) والمجمع الإسلامي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، ومجمع اللغة العربية في دمشق، ومجمع اللغة العربية في الأردن.

كما منح الشيخ عدداً من الجوائز العالمية، منها جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، وذلك عام 1400هـ. فاللهم ارحم الشيخ الندوي أوسع الرحمة، وعوِّض الدعوة عنه ومن سبقوه في العالم الحزين خير العوض.

المصدر