أجيال الإخوان بين المحافظة والاعتدال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أجيال الإخوان بين المحافظة والاعتدال

27 اكتوبر 2009

بقلم: ضياء رشوان

أثارت الأزمة الأخيرة التى لاتزال آثارها تتتابع بداخل جماعة الإخوان المسلمين تساؤلات كثيرة حول حقيقة ما يحدث بداخلها، والأجيال والأجنحة التى تتوزع بينها، وعلاقة كل ذلك باندلاع الأزمة وتطوراتها المختلفة.

وقد ركزت معظم التحليلات على أن جوهر الأزمة هو الصراع أو النزاع بين جناحين رئيسيين فى الجماعة بات شائعا وصف أحدهما بالإصلاحى والآخر بالمحافظ، أو السياسى والدعوى أو المعتدل والقطبى (نسبة لأفكار سيد قطب)،

وأن ما ثار من رفض لضم الدكتور عصام العريان لمكتب الإرشاد كان تجليا مباشرا لهذا الصراع الذى نجح فيه التيار المحافظ فى استبعاد القيادى الإصلاحى من عضوية أعلى هيئة فى الجماعة.

والحقيقة أن جزءا من هذا التوصيف للأزمة الأخيرة يبدو صحيحا، فبالفعل ينتسب غالبية معارضى ضم العريان إلى الجناح المحافظ بينما يبدو هو أحد رموز الجناح الإصلاحى، إلا أن ذلك التوصيف وحده لا يبدو مقنعا فى تفسير ما حدث من واقعة وقوف كل أعضاء مكتب الإرشاد الستة عشر الذين حضروا الاجتماع الذى نوقش فيه الأمر،

إلى جانب رفضه ووقوف المرشد العام للجماعة بمفرده إلى جانب قبوله. فمن ناحية توضح أسماء من تبنوا الرفض أنهم ليسوا جميعهم من المحسوبين على الجناح المحافظ بل إن من بينهم من هو محسوب على الجناح الإصلاحى أو على الأقل قريب منه.

ومن ناحية ثانية فإن التحليلات التى تتبنى هذا التفسير وحده تضع بذلك المرشد العام الذى وقف وحده مساندا العريان ضمن الجناح الإصلاحى الذى ينتسب إليه، بينما ظلت نفس هذه التحليلات طوال الوقت تضعه، أى المرشد، ضمن الجناح المحافظ القريب من التنظيم الخاص، فأى الوصفين له هو الأكثر دقة؟

والأرجح هنا هو أن الدور الذى لعبه الخلاف بين الإصلاحيين والمحافظين فى الأزمة الأخيرة بداخل الإخوان لم يكن هو الحاسم بالرغم من أهميته، فسبب الأزمة الرئيسى يعود إلى تغلب اعتبارات الانضباط التنظيمى بداخل مكتب الإرشاد على أى اعتبارات أخرى كان يمكن الأخذ بها فى حسم قضية ضم الدكتور العريان إليه.

ففور وفاة محمد هلال العضو الذى خلا موقعه فى المكتب شنت حملة بداخل الإخوان ومن خارجهم تطالب بضم العريان بدلا منه، وبدت بالنسبة للقطاع المحافظ فى مكتب الإرشاد بمثابة ضغط عليهم ولى لذراع التنظيم من خارجه فى شأن يعتبرونه من أخص وظائف الهيئات القيادية للجماعة وعلى رأسها هذا المكتب.

من هنا فقد لعب هذا العامل التنظيمى شديد الأهمية عادة فى تنظيمات شبه سرية مثل الإخوان دورا رئيسيا فى مساعدة قيادات الجناح المحافظ على إقناع بقية أعضاء مكتب الإرشاد بخطورة الاستجابة لضغوط من خارجه أيا كان مصدرها، وهو ما أدى إلى وقفتهم الاجماعية فى مواجهة اقتراح المرشد العام بضم العريان إلى المكتب.

وعلى الجانب الآخر كانت هذه الوقفة بمثابة مفاجأة قاسية على المرشد الذى لم يتعود هو ولا سابقيه على مواجهته فى ظل مكانته المعنوية والتنظيمية الكبيرة بداخل الجماعة، الأمر الذى دفع به إلى طرح استقالته فورا وترك المكتب لمن وقفوا ضده لكى يديروا بمعرفتهم شئون الجماعة.

ذلك عن اندلاع الأزمة وأقرب التفسيرات للصحة فى تفسيرها، أما بقية تداعياتها المتواصلة حتى اليوم فهى تخضع بدون شك للخلافات الحقيقية الموجودة بداخل جماعة الإخوان بين أجنحتها المختلفة وأجيالها المتعددة.

وهنا قد يكون ضروريا أن نحاول أن نتتبع بصورة أكثر تفصيلا طبيعة التكوين الداخلى للجماعة من زاوية الأجيال والأجنحة، وهو ما سوف نستعين فى وصفه وتحليله ببعض مما كتبناه من قبل فى مواضع أخرى من دراسات ومقالات.

فالجماعة تضم حاليا ثلاثة أجيال رئيسية: الأول هو الذى شارك فى الجماعة منذ سنوات الأربعينيات والخمسينيات وتتراوح أعمار المنتمين إليه حول السبعين عاما فى الوقت الراهن، بينما يتمثل الجيل الثانى فيمن انضموا للجماعة فى سنوات السبعينيات وأوائل الثمانينيات وتتراوح أعمارهم حاليا حول الخمسين عاما، بينما يتمثل الجيل الثالث فى هؤلاء الذين التحقوا بالجماعة فى سنوات التسعينيات وتتراوح أعمارهم بين العشرينيات والثلاثينيات. وبصورة عامة يمكن القول بأن الحديث عن وجود تمايزات بين الأجيال فى داخل الجماعة إنما ينصب بالأساس على تلك الموجودة بين الجيل الأول من جهة والجيل الثانى والثالث من جهة أخرى، حيث يقترب الجيلان الأخيران من بعضهما فى كثير من الخصائص والسمات.

فالجيل الثانى تشكل أساسا من طلاب الجامعات المصرية وبخاصة فى القاهرة والوجه البحرى والإسكندرية فى السبعينيات الذين انضموا إليها فى ظل مناخ إسلامى عام تبنته وأشاعته الدولة الساداتية فى سنواتها الأولى.

وقد كانت تلك الفترة هى بداية «مرحلة التأسيس الثانى» للجماعة لأنها أتاحت لها جذب هذه الأعداد الوفيرة من تلك الشريحة الاجتماعية الأكثر نشاطا لكى تجدد بهم صفوفها بعد أن تجمدت تقريبا ــ بسبب ظروف الصدام الواسع مع النظام الناصرى ــ عند نفس الجيل الذى ساهم فى تأسيسها الأول.

وبعد اغتيال الرئيس السادات فى أكتوبر 1981 وبدء تفكك حالة التوتر والتصعيد التى خيمت على مصر خلال أعوام حكمه الأربعة الأخيرة راح أبناء ذلك الجيل الجديد الذين ضمتهم الجماعة ينشطون فى إعادة تأسيس الجماعة وبنائها بعد أن تخرجوا فى الجامعات وصاروا أبناء مهن ذات وزن فى المجتمع مثل الأطباء والمحامين والمهندسين.

وخلال السنوات التالية استطاع هذا الجيل أن يحقق للجماعة على المستوى السياسى والنقابى فى مصر ما لم يتحقق لها من قبل طيلة تاريخها السابق.

وقبل كل ذلك، فقد نجح أبناء الجيل الثانى فى أن يضموا جيلا ثالثا للجماعة من خلال أنشطتهم النقابية والسياسية والإعلامية والطلابية، وبخاصة بعد أن زاد بريق الجماعة المعتدل فى ظل تراجع وزن وجاذبية جماعات العنف الإسلامى المتشددة بدءا من النصف الثانى للتسعينيات.

وعلى الرغم من اشتراك الجيلين الأول والثانى فى انتمائهما إلى الشرائح الوسطى من الطبقة الوسطى الحضرية والريفية المصرية، فهما يختلفان إلى حد بعيد فى الخبرة والعلاقة مع الدولة والقوى السياسية الأخرى.

فالصدامات المتتالية التى عاشها فالجيل الأول مع الدولة والقوى السياسية المصرية الأخرى منذ انضمامه للجماعة ميزته بخصائص واضحة فى علاقته المضطربة بالقوى المعارضة الأخرى وشكوكه فى إخلاصها لتعاقداتها وتحالفاتها فضلا عن عدائه الشديد لبعضها، وتخوفاته وحذره المستمرين من الدولة التى زادت مواقفها تجاه الجماعة خلال السنوات الأخيرة من عمقها واتساعها.

أما الجيل الثانى، الذى بدأ خبرته مع الجماعة فى النصف الثانى من السبعينيات بالجامعات المصرية حيث تشارك أبناؤه مع عديد من نظرائهم فى القوى السياسية الأخرى فى صياغة حركة طلابية واسعة، فقد اتسم بخصائص مختلفة عن الجيل الأول فى رؤيته للدولة والقوى السياسية الأخرى.

فبتلك البدايات والخبرة المختلفة تحرر الجيل الثانى أكثر من سابقه من اضطراب علاقاته وشكوكه فى القوى المعارضة الأخرى وبخاصة مع نظرائه فيها زملاء الحركة السياسية الجامعية فى السبعينيات، وكذلك من تخوفاته وحذره من الدولة بالرغم من احتفاظه برؤيته النقدية لتكوينها ولمختلف سياساتها الداخلية والخارجية.


وقد زاد اختلاف الجيل الثانى عن سابقه بفعل عوامل ثلاثة مهمة: الأول هو خبرة الاحتكاك بالعالم الخارجى وما يضمه من قوى إسلامية وغير إسلامية والتى لم تتوافر للجيل الأول بحكم ظروفه الخاصة والسياق التاريخى الذى نشأ فيه، وبخاصة التعرف على كل من التجارب الإسلامية فى إيران وتركيا والجزائر والسعى للاستفادة مصريا من نجاحاتها وعثراتها.

وتمثل العامل الثانى المهم فى تعرض الجيل الثانى لمؤثرات فكرية جديدة أتته من مصادر أخرى غير «إخوانية» تقليديا وجدت طريقها إليه بعد رحيل الغالبية الساحقة من مفكرى الجيل الأول التقليديين من الإخوان.

أما العامل الثالث المهم فى تكوين الجيل الثانى واختلافه عن سابقه فقد تمثل فى اتساع دائرة النشاط الإعلامى لأبنائه وقياداته واضطرارهم للتعامل شبه المنتظم مع وسائل الإعلام العامة والموجهة لقطاعات واسعة من الجماهير العربية والإسلامية، الأمر الذى أثر كثيرا فى شكل ومضمون خطابهم وبالتالى أفكارهم، وهو ما لم يعرفه عليه الجيل الأول الذى اعتاد على التوجه من خلال وسائله الإعلامية الخاصة ذات الطبيعة الإسلامية وليس الوسائل العامة.

أما الجيل الثالث من الجماعة، فهو أكثر تعقيدا فى تكوينه خبرته ورؤيته للأوضاع العامة فى البلاد والخاصة بداخل الجماعة.

فهو من ناحية خاضع للمؤثرات القادمة من داخل الجماعة والتى تتمثل فى برامج التربية والتثقيف فيها والتى تتسم بصفة عامة بالمحافظة والانحياز للرؤى الأكثر جمودا فى الفكر الإسلامى، وهو من ناحية ثانية معرض يوميا لرؤى أخرى إسلامية وغير إسلامية تأتيه من مصادر إعلامية وسياسية من خارج الجماعة يتسم بعضها بالانفتاح والتوجه الإصلاحى وبعضها الآخر بمحافظة وجمود أشد مما يتلقاه ويعرفه من داخل الجماعة.

كذلك فإن النزوع المحافظ والسلفى العام الذى اجتاح مصر والعالم العربى خلال السنوات الأخيرة وجد بين كثير من أبناء الجيل الثالث للإخوان صدى واسع له وجذب العديد منهم إلى آفاق أكثر محافظة وسلفية مما عليه الجماعة فى صورتها المعروفة.

أيضا فإن إغلاق أبواب ممارسة العمل السياسى والنقابى من جانب الحكومة قلل من فرصة اكتساب هذا الجيل لخبرة العمل العام والمشترك مع القوى السياسية الأخرى، الأمر الذى جعل كثيرين من المنتمين إليه ينكفئون على النشاط الداخلى فى الجماعة بكل ما يحمله هذا من تزايد نزعة المحافظة بينهم.

إن هذا التكوين الداخلى للجماعة يخضع فى النهاية لمجموعة من العوامل والمؤثرات التى تدفع إلى وجود تنويعات واختلافات فى التوجه والرؤية بداخلها. وهنا تظهر أولا حقيقية كون الجماعة ذات حجم كبير ومترامى الأطراف فى المجتمع المصرى.

ولاشك أن هذا العدد الكبير والتنوع فى الدوائر المرتبطة بالجماعة يجعل من الطبيعى أن تضم توجهات ورؤى مختلفة ومتنوعة تجاه عديد من القضايا السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها تتراوح بين المحافظة الشديدة والانفتاح الواسع.

ويأتى العامل الجغرافى بأبعاده الاجتماعية لكى يدعم من وجود ذلك التنوع والاختلاف بما يرتبط به من توزع أعضاء ومناصرى الجماعة بين عديد من المناطق الريفية والشعبية ذات التوجهات الاجتماعية المحافظة تقليديا وبين المناطق الحضرية والأكثر علوا فى السلم الاجتماعى والأكثر ميلا للانفتاح من الزاوية الاجتماعية والثقافية.

ويعد تنوع أنشطة الجماعة الواسع هو العامل الثالث المهم فى وجود عديد من التوجهات والرؤى بداخلها تتراوح بين المحافظة الشديدة والانفتاح الواسع، حيث تقوم الجماعة بأنشطة دينية وتربوية واجتماعية وسياسية واقتصادية وغير ذلك من أنشطة، وهو ما يترتب عليه تطبع من يركزون فى بعض تلك الأنشطة ببعض من خصائصها التى تختلف عما يميز الأنشطة الأخرى من خصائص وسمات ذات علاقة بقضية المحافظة والانفتاح.

وبصفة عامة يؤثر العامل الرابع والأخير وهو حظر النشاط القانونى للجماعة ووضعها دوما فى محل المساءلة أو المطاردة الأمنية، على كل قيادات الجماعة وأعضائها بما يعطى لهم جميعا طابعا أكثر محافظة من الجماعات الأخرى الموجودة فى المجتمع المصرى والتى تتمتع بالشرعية القانونية.

المصدر